الصورة لعرض مسرحية الطربوش والبراميل |
المبدع – محمد الوافي- اسم محفور في المشهد المسرحي – الهاوي- في زمانية الفعل النضالي، من أجل إعلاء راية المسرح عبر ضفاف وأرخبيل الإبداع، ومحفور اسمه في فضاء مدينة آسفي/ الصويرة، بشكل ملفت للنظر؟ لكنه لم ينل حظه على المستوى الإعلامي والبحثي (دراسات) والسبب يعود لذاته، أنه رجل الظل، يشتغل بعـيدا عن البهرجة والادعاء، رغم أن مشيئة الوظيفة شاءت أن تخطفه من المشهد، لكن محايتا له: كمسؤول / مؤطر/مربي/ وبالتالي يمكن أن يطـرح سؤال له مشـْروعية الطرح، فلماذا لم يؤلف/يصدر نصوصا درامية إلا في هـذا الوقت بالضبط؟
هنا لا يمكن أن ندافع عن أمور ترتبط بخصوصيته وبظروفه، بغض النظر عن اهتماماته التأطيرية/ الإخراجية/ لكن ما يمكن أن نقوله أن مسألة النشر في بلادنا (عالـم ما فيوزي) = (عالم غـرائبي) بحيث النص الذي بين أيدينا (الكوريـنتي)(1) تم طبعه في فاس، أليس في مدينة آسفي أو المدن المجاورة لها تتوفـر على مطابع؟ وهَـذا السؤال يجٌـرنا بأن المبدع"محمد الوافي"من طينة من يعْـشقون الظل، بعيدا عن البهرجة، والبحث عن منافذ إثبات ذاتية وجوده، علما أنه كانت له أبواب وأبواب يرتع فيها كيفما شاء، لكن صفاء الذمة هي الابداع الحقيقي للكينونة. وبالتالي فمشروعية السؤال ليس خارج الرؤية القرائية لعَـمله[ الكورينتي] بل مبدئيا: يفرض علينا قول منطق قول الصدق تجاه الاستاذ"محمد الوافي"الذي لازال ينحَـت وجوده ويجَـدد نشاطه وأفكاره، بكل أريحية بين شباب عاشق للممارسة المسرحية، وداعـم بكل ثقله لمسرح الأحياء [ الذي] لم ينل حظه في البحث والدراسة والإعلام، ورغم ذلك، هنالك إصرار لأن: محمد الوافي فعلا وفِـيُّ لا لأحد غير لنفسه ولمبادئه. قوة خارقة تعمل في صمت دون توقف أو كلل. لقد افنى قوة شبابه في اتباع سراب. فعلا ذاك السراب الذي اتبعناه كجيل بكامله: المغرب الآخر بمسرح آخر وثقافة اخرى وسير نحو القمم (2) وفي نفـْس القـَول: لامناص من إعادة النظر في التركيب الذي يعـيشه الابداع المسرحي والانتباه لرجالات قـل نظيرهم في زحمة إبداع متهالِـك/ تافه/ رديء/..../
وبناء عليه، فالنص الـذي بين أيدينا يحمل خطابا مغايرا عن النصوص المنتشرة هنا وهناك، وذلك على مستوى التركيب والرؤية، بحيث تم الاعتماد على ثلاث مقومات تتداخل فيما بينها /الزجل / المشهد/ الحدث، وتتجاذب زئبقيا بين الشكل والوظيفة، لتحقيق فـُرجة بصرية وذهنية/ فكرية في توازن وتصاعد سلس، من هنا فمسرحية (الكورينتي) لها موقعها ضمن الأعمال الدرامية، والمساهمة في الفعل التجريبي، من منظور المغايرة والتطور قبل أن: تأخذ مكانتها من الوضع الاعتباري والرمزي لمؤلفها كواحد من مؤسسي المسرح بحاضرة البحر المحيط واحد المؤلفين و المخرجين المكثرين (3) وبالتالي فالعـمل ينحـت مَـشروعيتـه عبر الرؤية التي انتهجها الكاتب:
الـشكـل والشخـوص:
من الطبيعي أي عمل له شخوصه التي تـُحـرك الحـَدث السردي/ الدرامي، وتـَتـَحرك فيه حَـسب درجة التفاعل فيما بينها، لكن في هذا النص نجد أن الشخوص المدونة في (ص 9) يحَـركها واقعها، شخصية مستلبة باستثناء (جاك) انطلاقا من وضعها الإجتماعي/ الثقافي، الهش و المهمش في وضع الهشاشة ! والعجيب أن المؤلف أعطاها شكلا لغويا متقاربا مع[هشومة: أنا..سميتي هشومة.. وبويا.. سميتو الهاشمي.. وأمي سميتها الهاشمية.. خويا.. اسمو هـشوم.. وحنا من قبيلة لهشاشمة ](4) طبعا فاللغة بمفرداتها هي ولادة لمعاني متعـددة بما أن الأصل /هـشَمَ /يهشِم /هَشْمًا، فهو هاشم (الرِّخـْوُ) ومقابل (هَـشم = كسر/ فتت/ حََلب/...) بالتالي فتوظيفه كحقيقة ملموسة هي (مكسورة / هَـشة) منذ الأزل، باعتبارأن (الهاشمية/ هاشم/../) من الأسماء القديمة جدا، (ك) هـنيَّة) وذات شعبية، من هنا أطرت المسرحية شكلها الأولي وتوظيف شخوص من طينتها. والتي هي ليست من وحي المتخيل بل انفلتت عبر ذكريات الكاتب، شبابيا ووظيفيا،علما أن عوالم الذكريات ليست بعالم منفصل عن الواقع، بقدر ما أن الواقع أساسا يستمد جذوره من تلك الذكريات، وهذا الحوار له دلالة عميقة لما نشير إليه (كي شتو هشومة اهه بالعربية وحشومة بالفرنسوية اهه وقصتي مع لحشومة.. و الحشومية اهه...)(5) وبالتالي فالنص مفعم بذلك عبر جملة من المفردات التي اضمحلت بحكم التطور اللغوي (الشعبي) ك[ الساطة /مول لكلاكيطة / للمشرطة/ لحْناش/ اتسرسب الوقت/ الحَـركوص/.../ ] مقابل هذا توظيف بعض الألقاب المثيرة، والتي طبعا لم تأت من فراغ (ك) / [ شريطة لمقرقب/ طارت معـزة (شاوش) قنية (عون سلطة) ولد عضيفة (برلماني) مولاي ابيه (المعارضة)...] بحيث هاته الألقاب لا نجدها إلا في الأوساط الفقيرة جدا، وفي البيوت الواطئة. والمسرحية تدور في فلك هَـذا الوسط، بحكم الأشكال البشرية التي تم توظيفها بدهاء، والتي تتقاطع في مركز (الفقر/ الزلط) والتي تم التعبير عنه في (جذبة منامة الكرسي) وفي (جذبة على من تعاود الحلمة) وذلك / بمناسبة اليوم الوطني للزلطة يخطب طارت معـزة: (.. ودعم جميع المناضلين والمناضلات الذين ساهموا في إعداد الاحتفال لتكريم جماعة من المزاليط الذين قضوا عمرا طويلا في الزلطة (...) حضرات السادة والسيدات. المزلوطين والمزلوطات. كان لنا الشرف السهر على هـذا التكريم والتتويج لأشهر المزاليط... وكما يقول المثل"الزلطة جبيرة العَـظم"(6) فمن المثل نستشف رؤية المؤلف، بأنه حاول أن يكتب من أجـل مسرح مغاير، يكشف عَـن أعـطاب المجتمع وخاصة شريحته المهمشة، وبالإمكان أن نصنف النص ضمن مسرح
الوظـــيفة والـحـــدث:
فالتصنيف الذي أشرنا إليه له مستنداته، من بينها توظيف الزجل كخطاب وكثيرا ما توظفه الأوساط الشعبية للتخاطب والتلميح والتقديح وللتعبير عما يختلج أحاسيسها. وفي هذا السياق فالتقديم أصاب جانبا أساسيا في التوظيف اللغوي، بقوله:(..بل يمكن الذهاب إلى كون لغة التداول اللفظي تكاد بسجعها ومجازها ترتقي إلى دور شخصية فاعلة إلى جوار باقي الشخصيات(7) فطبيعي أن اللغة وإن كانت للتواصل فهي أنطولوجيا تحَـدد الهوية، هوية الشخص والتي تميزه عن الآخرين. باعتبار: أن اللغة هي التي تحكي وليس الإنسان، إذ الانسان لا يحكي إلا بقدر ما يستجيب للغة على قاعدة ما يظهر، والواقع أن هذه الاستجابة هي الطريقة المخصوصة التي بها يتخذ الإنسان موقعه في إشراقة الوجود (8) من هنا فالزجل كسمة لغوية حاضرة بقوة، ساهمت في تداخل بين الشكل والوظيفة وليس في المعنى لأن معناه يكمن في موقع توظيفه، وبالتالي اللغة تصبح لـغة الوجود مثلما الغيوم هي غيوم السماء لغة ضبابية هاربة، وفي ذلك وضوحها، إنها لغة القـلق التي تنهمس في انفتاح الوجود على معناه، وتشك من الحقيقة (9) وبالتالي أن فالكلمة الزجلية عند الأستاذ"محمد الوافي"يبطنها أكثر مما يفصح، ويلمحها أكثرمما يصرح وتلك ميزته في اختيار كلماته بدقة متناهية (الفتية المعاودة/ كيف الكية الراكدة)(ص14)أو (اكلوا واشربو على المايدة / واللي ابقى منهم بلاش)(ص52)، لكي تكشف أو تصيب الواقع المعاش، الذي يصنع الحدث/ الأحداث لشخوص يعيشون هكذا بدون هدف ولامعنى، مؤطرين في خانة التشيؤ، وبارزة جدا في منولوج"هشمة"(... هـذ الرهوط اللي كيحطوا من قيمة لمرا.. وخا ظل تقيد لمقالات.. اهه...راه هذ الرهوط بحال لمنازل.. ديما مبدلين (ص 34) لكن رؤية المؤلف، أبرزها عبر ثنائية التصادم / التحاور/ المكاشفة/ المراوضة/المراوغة المراودة /../ وكل منهما له سياق حدثه (هنية = قنية)/ (طارت معزة = صوت خارجي)/ (الهاشمية = جاك)/ (شريطة لمقرقب = هشومة)/(هشوم = هشومة) فهاته الثنائية هي مدروسة عند المؤلف، انطلاقا من توظيف شكلين من الكتابة (1) المسرحية تبدو كشكل سيناريو مجزأة إلى عــشـر حضرات، رغم أن هنالك خطأ ارتكبه المشرف عن (النص) بحيث تحولت الحضرة إلى لوحة في (4/5/6/)وهذا الخطأ سينعكس على سيرورة عنوان المسرحية (الكورينتي) وكذلك نجد مشاهد ضمن الحضرة في (6/7/9 /10) مما يعْـطي حُـرية للمخرج في تشكيل النص حـسب أية رؤية إخراجية، وكذلك في توظيف أدوار مركبة، من خلال تقليص عدد الممثلين، من (9 إلى3 أو 4) (2) فالنص تمت كتابته برؤية إخراجية أكثر منه نصّـيا / أدبيا، وهـذا طبيعي بأن المبدع"محمد الوافي"أساسا ممثل / مخـرج أكثر مما هو مؤلف، وهاته ميزة التي أخرجت النص من مقروئيته لمتخيل قرائي، يحضر الركح في المخيلة أكثر مما هو مسطر في الورق. وبالتالي فتوظيف الأحداث ضمن متخيل القارئ، بسهولة يقبض على معالم الرؤية العامة للنص، بأن المهمشين/ المزاليط/ البسطاء /..) ضحايا منظوم (عالمي/ عَـوْلمي) ويفهم هذا جيدا في (الحضرة- 8) جذبة غرام الدعُـوشة، التي تدعمه الحضرة التاسعة (كذبوا علينا / مللي خلقو الطالبان /باش يقادوا لحساب بيناتهم مزيان/...دورها للقاعدة /../ دار وليهم داعش/...)(ص 52) لكن في المشهد الثاني من (الحضرة 9) ينقلب الحدث بشكل مفاجئ لما هو محلي يدين فيها الواقع السياسي / الثقافي/ المسرحي/بطريقة غير مباشرة، والهدف رسم معالم الوجع البشري الدفين في زئبقية الواقع الذي تلعب به وتساهم فيه الأحزاب (والتكرديع الخاوي/ كي ابخورالجاوي/ والردود الفضفاضة/ بشي حاجة اسمها المعارضة/ نكثرو من لغوات والمعاندة/ باش نربحو المساندة(ص/53) وهنا فالمساندة لها شقين داخلي/ خارجي، وما الحلم الذي ورد في (الحضرة 4/ جذبة منامة الكرسي) تشير بكل قوتها الدرامية، من خلال (طارت معْـزة= الشاوش= الوزير) أن كل ما يتحرك أو يقال فهو شكـْلي لا جوهر ولامعنى له على أرض الواقع، وبالتالي فالكل جوانية:
الــعــنــــوان:
الإستــئــناس:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق