مجلة الفنون المسرحية
د.ميسون حنا |
شخصيات المسرحية
الرجل
المرأة
( حجرة في بيت، حيث تظهر واجهة الجدار الأيمن متهدمة، يدخل الرجل ، يجول بنظراته في أرجاء المكان)
الرجل : سلام عليك أيتها الأطلال... لتشهد هذه الجدران أني بحثت في كل زاوية وكل ركن دون جدوى، ولكني سأواصل البحث، سأغربل الهواء، وأبحث بين حبات الرمل وسأجدك... نعم سأجدك، ولكني تعبت... تعبت.
(يصمت، لحظة ثم تدخل المرأة، وهي شابة وجهها مشوه تشويها بليغا إثر إصابته بحروق، الرجل يجفل لدى رؤيته لها، يبدو مستغربا ثم يشيح بوجهه جانبا، لحظة ويحدق بها باهتمام، يهز رأسه باستنكار، ثم يشيح عنها من جديد)
المرأة : أنظر إلي.
(يلتفت إليها للحظة ثم يظرق)
المرأة : (بحزن) أنت لا تستطيع أن تنظر إلى هذا القبح.
الرجل : (مطرقا) من أنت أيتها المرأة؟ وماذا جاء بك إلى هنا؟
المرأة : (بضعف) لا تتحدث وأنت معرض عني، فهذا يؤلمني.
الرجل : أعذريني، ولكني أراك للمرة الأولى، وأستغرب ولوجك المكان دون استئذان.
المرأة : أنظر إلي وأنت تحدثني أرجوك، فهذا يعيد إلى نفسي بعض ثقتها.
(الرجل ينظر إليها ويغالب إحساسه بالضيق، ويتكلف الإبتسام)
المرأة : كيف أبدو لك؟
الرجل : أنا لا أفهم معنى سؤالك؟
المرأة : لذا تتحاشى أن تنظر إلى وجهي.
الرجل : أنا فقط لم آلف وجهك بعد.
المرأة : (بحماس وأمل) ولكنك ستعتادني مع الأيام، أليس كذلك؟
الرجل : (بذعر) لماذا؟ هل يجب علي أن أعتادك؟
المرأة : (بحزن) ألن تفعل؟
(الرجل يضحك، يتحول ضحكه إلى ضحك هستيري، وهي ترقبه بصمت، يكف عن الضحك وينظر إليها)
الرجل : (بجلافة) ماذا تريدين مني؟ أنا حتى لا أعرفك.
المرأة )بيأس) معك حق... أنا غريبة حقا.. . غريبة عن نفسي وعن الآخرين... أشعر أن وجهي أصبح قناعا يحجب حقيقتي، قناع لم أصنعه بإرادتي... على العموم لقد تخيلت النتيجة (بيأس) لا مفر من الرحيل ... لا مفر من الرحيل.
الرجل : عم تتحدثين؟
المرأة : لا تشغل بالك، سأخرج.
(تهم بالخروج، يقف في طريقها)
الرجل : لن تخرجي قبل أن أعرف لماذا جئت؟
(المرأة تنظر إليه بصمت)
المرأة : حتما أنت أتيت إلى بيتك، لترى زوجتك؟
الرجل : (بشرود) ربما. لكن أين هي إذن؟
(صمت)
الرجل : متى رأيتها آخر مرة؟
(تنظر إليه بصمت وحيرة)
الرجل : (منفعلا) أخبريني أين هي؟ (لحظة ثم بهدوء) عدت اليوم وبحثت عنها في كل مكان، عند الأقارب والأصحاب، لم أجدها، ولم يؤكد لي أحد موتها... لعلك تعرفين الحقيقة؟
المرأة : (بشرود) تحبها؟
الرجل : (بنفاد صبر) هل هي على قيد الحياة؟
المرأة : لم تجب... هل تحبها؟
الرجل : (يصرخ) وما شأنك أنت؟ (لحظة ثم مستدركا) أنا فقط أبحث عنها (يحدق بالمرأة) وأظن أنك تشبهينها (يشيح بوجهه سريعا ثم يقول مستدركا) لا... لا... بل أنت مختلفة عنها تماما... تماما (بهدوء) لكن هي ... هل ستأتي؟
المرأة : نعم ، ستأتي.
الرجل : (بلهفة) متى؟
المرأة : (مرتبكة) عندما ... عندما... لا أدري، ولكنها ستعود حتما.
الرجل : شكرا لك إذ تحاولين تهدئتي، ولكن هذا لا يكفي، أريد أن أعرف الحقيقة.
(المرأة صامتة)
الرجل : (حالما) قلبي يحدثني أنها لم تمت... بل هي في مكان ما تنتظرني... لكن الشك... الشك... أنقذيني واحسمي الأمر أنت.
(المرأة صامتة)
الرجل : (يصرخ) قولي شيئا... قولي ماتت أو ... أو...
المرأة : بل هي على قيد الحياة.
الرجل : (يمسك المرأة بعنف) أين هي إذن؟
المرأة : (تصرخ) لا أعرف... لا أعرف (تتخلص من قبضته)
الرجل : ما دمت تعرفين أنها ليست هنا، لماذا أتيت ؟
المرأة : (مرتبكة) جئت لـ ... لـ...
الرجل : (يصرخ) نعم، لماذا جئت؟
المرأة : (بتحد) هذا بيتي.
الرجل : (يضحك بسخرية) كيف انقلبت الأمور وأصبح هذا بيتك؟
المرأة : (بهدوء ومراوغة) بعد أن هُدم بيتي لجأت لهذا المكان واحتميت به و...
الرجل : (يصرخ) أين هي صاحبة البيت إذن؟
المرأة : (تصرخ) كانت قد رحلت قبل قدومي لتحتمي في مكان آخر بعد أن تهدم هذا الجدار (مشيرة إلى الجدار المتهدم، ينظر إليها باهتمام وشك، مستدركة بسرعة) لم يحدث لها مكروه، ولكنها رحلت إلى حيث لا أدري (بهدوء وحزن) ودخلتُ أنا ... وسمحت لنفسي أن أقيم هنا خيرا من بقائي على قارعة الطريق.
الرجل : (بعجب) أنت تعيشين هنا إذن؟
المرأة : الحرب أيها الشاب، الحرب... البيت كان مهجورا وأنا بلا بيت (مستدركة) ولكني سأذهب ما دمت قد عدت.
(تقف وتنظر إليه حائرة)
الرجل )مترددا) إلى أين ستذهبين؟
المرأة : (حائرة) لا أعرف.
الرجل : ليس لك أقارب؟
المرأة : (بسرعة وأمل) لا ... لا أحد.
(الرجل يصمت مطرقا، تصاب بخيبة وتهم بالخروج)
الرجل : ولكن...
(تقف وتنظر إليه)
الرجل : (بلطف) الحرب تبيح لنا أن نكسر المألوف، لا تنحرجي، اعتبريني لم أعد بعد...
(تنظر إليه مضطربة، سعيدة، يتابع)
الرجل : نعم... أقيمي هنا ريثما نجد لك حلا.
(تبدو مرتبكة ومنفعلة)
المرأة : شكرا لك ... أنت طيب... هذا ما أعرفه عنك.
الرجل : (بسخرية) وماذا تعرفين عني أيضا؟
المرأة : لا تستغرب، زوجتك حدثتني عنك.
الرجل : (يصرخ) ولكنك تقولين أنك لم تقابليها.
المرأة : (مستدركة) قابلتها سابقا... قبل الحرب... كنت أعرفها.
الرجل : (بسعادة) وكانت تتحدث عني؟
المرأة : (فجأة) ولكني أشعر بالألم كونك لا تطيق النظر إلى وجهي.
الرجل : لا تغضبي... قد أعتادك فعلا، لكن لا تطلبي مني هذا سريعا.
المرأة : (بحماس وسرور) يكفيني هذا الآن... أعدك ألا أكون لحوحة، سأحتمل إعراضك عني، ولن أحقد عليك، فمنظري فعلا يثير الاشمئزاز، حتى أنا لا أطيق أن أنظر إلى المرآة (بشرود) وعندما تطحننا دوامة الحياة، وننغمس وراء همومنا ننسى التفاصيل، حينئذ أنسى ما حدث لي (بحماس) وينتابتي شعور مليء بالثقة التي كنت أشعر بها سابقا (بهدوء وحزن) ولكن الناس يذكرونني بالحقيقة دائما، أرى هذا في نظراتهم (منفعلة) الشفقة التي أراها في عيونهم تقع علي كالسياط، والاشمئزاز الذي يخفونه يعذبني (بهدوء وبلهجة حالمة) مع أني كنت محبوبة... أتدري كم هو جميل أن يشعر المرء أنه محبوب، أن يعيش الحب؟
الرجل : كانت لك قصة حب إذن؟
المرأة : كان زوجي يحبني.
الرجل : أنت متزوجة؟
المرأة : كنت جميلة، ورائعة. (يبتسم، تتابع منفعلة) أنت لا تصدقني.
الرجل : أنا فقط لا أتخيل ما كان شكل وجهك قبل هذا الـ... أهي إصابة حرب؟
المرأة : نعم، الحرب هي التي فعلت هذا بي.
الرجل : وزوجك؟
المرأة : ما به زوجي؟
الرجل : هل تخلى عنك؟
المرأة : وهل يفعل؟
الرجل : لا أعرف... أنا أسال فقط.
المرأة : لو كنت مكانه ، هل تتخلى عني؟
الرجل : (بذعر) ولماذا أكون مكانه؟
المرأة : (حزينة) ذعرت لمجرد الإفتراض.
الرجل : لا... ولكن... لم هذا الإفتراض الـ ... (يصمت)
المرأة : الـ ماذا؟
(الرجل يصمت)
المرأة : لا عليك... أنا فقط أردت أن أطمئن على مصيري.
الرجل : لا أعرف أيتها المرأة، لا أستطيع أن أطمئنك، أنت في محنة.
المرأة : (منفعلة) أنت جلف... كان عليك أن تطيب خاطري، وتقول شيئا جميلا.
الرجل : أطيب خاطرك وأنت تشتمينني؟
المرأة : كان عليك أن تظهر لي الود.
الرجل : (بدهشة) وهل مطلوب مني أن أفعل هذا؟
المرأة : (بضعف) نعم... (منفعلة) ولكنك تكرهني.
الرجل : ولماذا أكرهك وأنا أكاد لا أعرفك.
المرأة : (حزينة، شاردة) وتقول أنك لا تعرفني.
(لحظة صمت متوتر)
الرجل : إني أدرك الآن الحقيقة التي تختبيء في صدرك.
المرأة : (مرتبكة، قلقة) بح بها إذن.
الرجل : لقد تخلى عنك زوجك فعلا، لذا أنت مضطربة.
المرأة : (بتحد) لا ... لم تفطن.
الرجل : (بدهشة) ألم يفعل؟
المرأى : (بحزن) وتستهجن هذا أيضا؟
الرجل : لم أقصد... ولكني فقط أردت أن أعرف الحقيقة التي تكتمينها (بشرود) والتي أراها ، وأرفض تصديقها ، لأن الحقيقة أحيانا تبدو كالسراب، وعندما نكتشف كنهها يسكننا السراب ونضيع .
(لحظة متوترة ثم يصرخ)
الرجل : أين هو زوجك أيتها المرأة؟
المرأة : (بشرود) ذهب للقتال، ولم يعد بعد (يانفعال) ولا أعرف هل سيتخلى عني أم لا (بهدوء) ولكني أعرف أنه على قيد الحياة (حالمة) مفعم بالحيوية والنشاط، ورائع... رائع.
الرجل : صوتك رقيق عندما تتحدثين عنه.
المرأة : وعندما تنظر إلي تتلاشى رقته؟
الرجل : أنا لم أقل هذا.
المرأة : (منفعلة) ولكنك تفكر فيه.
الرجل : لا تحاولي أن تصلي إلى ما يفكر فيه الآخرون، هكذا ستتعبين.
(لحظة)
المرأة : المدهش في الأمر أن قصتينا متشابهتان، أنت تنتظرها وأنا أنتظره.
الرجل : جميل أن ننتظر معا.
المرأة : نعم، إنه لمن القسوة أن ينتظر المرء مصيره وحيدا.
(لحظة شرود)
الرجل : لكن... ماذا ستفعلين لو تخلى عنك زوجك؟
المرأة : أوه... لماذا أعدتني للواقع... كنت أفكر بالسراب الذي يسكننا ... كيف نمتلكه، ونحيله إلى حقيقة...
الرجل : (بشرود) السراب... السراب... دعينا من السراب وتابعي معي.
المرأة : ماذا؟
الرجل : (بشرود) ماذا لو تكون زوجتي قد أصيبت أثناء الحرب، وفقدت جمالها؟
المرأة : (بحماس) نعم ، نعم...
الرجل : (متابعا) أو ربما تكون قد تشوهت مثلك...
المرأة : (بحماس) هذا احتمال وارد (بانفعال شديد) بل هذه حقيقة.
الرجل : (يصرخ) لماذا توافقينني؟
المرأة : (تصرخ) كنت أجاريك في تأملاتك.
الرجل : كاذبة (بهدوء ولؤم) أنت تتمنين أن تتشوه النساء جميعا لأنك تشوهت.
المرأة )متألمة) لا ... لا.
الرجل : (بقسوة) القبح الخارجي قد ينعكس للداخل، أنت تشعرين بالحقد إزاء الآخرين (يصرخ) لقد تشوهت روحك (أشد صراخا) تشوهت روحك.
(المرأة تبكي، لحظات ويرق لها)
الرجل : سامحيني... لم أقصد... ولكنك توافقينني مع أني جنحت بخيالي نحو المستحيل.
المرأة : (تصرخ) أنت فظ وجلف... أين تعلمت كل هذا؟ أثناء القتال؟ مع أني أشك أنك كنت مقاتلا!
الرجل : بل كنت مقاتلا.
المرأة : هذا لا يبرر قسوتك.
الرجل : القسوة أن يرى المرء نفسه عاريا.
المرأة : (بتحد) أنا لا أخجل من عريي لأنني نقية، ولكنك أنت ملطخ، لذا ترى الآخرين بمرآتك، وتجرح بسهولة دون أن تشعر بالتأنيب أو الخجل.
الرجل : (بلطف) لكني اعتذرت.
المرأة : (أشد انفعالا) أنت جبان... وهارب من المعركة، والدليل أنك لم تصب بأذى.
الرجل : (منفعلا) وتتهمينني بالجبن والهرب؟ (بحماس) لتعلمي أني قاتلت قتالا مريرا، وحققت انتصارات شتى (بهدوء) قُتل رفيقي الذي كان يحارب معي، وأخذت ما كان في حزامه من ذخيرة، ووجدت قطعة خبز كذلك في حزامه، أعادتني للحياة تلك القطعة، كنت جائعا وهو يخفي الخبز في حزامه، حقدت عليه (بحماس) وسررت كونه قُتل لأحصل عليها، ثم شعرت بتأنيب الضمير (بهدوء) وبكيت بحرقة لأكفّر عن ذنبي، ولحزني على فراقه، ولفرحي بالنجاة (يصرخ) ليس الذنب ذنبي أني لم اُقتل أو اُصب (بهدوء) كنت أرى الموت أمامي كل لحظة.
المرأة : (بلؤم) وكنت تفرح لمصائب الآخرين، دموعك لا تمسح لؤمك.
الرجل : (متألما) لست لئيما... لا... لا.
المرأة : ليتك مت لتبقى رمزا جميلا في ذاكرتي.
الرجل : (بدهشة) وتتمنين موتي؟
المرأة : أو موتي أنا لنضع نهاية لما وصلنا إليه.
الرجل : أية نهاية هذه؟ إنه مجرد سوء تفاهم، لقد قسوت عليك، وأنت لا تبيتين ثأرا... ربما لأننا جريحان، كلانا يتعذب فيلقي بهمومه على الآخر... الموت... لا... الأمر لا يستحق طلب الموت... لا... لا.
المرأة : (بشرود) مفعم بالحيوية، ومقبل على الحياة... عهدي به، كأنه يريد أن يعيش أبد الدهر.
الرجل : (بشرود) قاسية، صلبة... أين ليونتها، ورقتها، غاصتا إلى الأبد.
(الوقت الآن غروب، والمكان أصبح مظلما نسبيا، تتنبه لذلك المرأة)
المرأة : (بشرود) كان يعشق الغروب.
الرجل : (متنبها) لا تطلبي مني أن أشعل النور، دعيني أعيش الغروب بتفاصيله.
المرأة : الكهرباء مقطوعة على كل حال.
الرجل : لماذا؟ مخلفات الحرب؟ ... أفضل (لحظة ثم ينظر إليها طويلا) أتعرفين. أنت تبدين أقل قبحا في الظلام.
المرأة : سأكون جميلة عندما يصبح الظلام دامسا، لأنك ستراني بمخيلتك فقط.
الرجل : مع الظلام تختبيء الحقائق.
المرأة : إنها تغفو وتحلم.
الرجل : (بدهشة) من ... الحقائق؟
المرأة : نعم ... أنا مثلا أحلم أني أميرة ، أجلس في برج عال... وأرقب المعجبين الذين يتهافتون للاقتراب مني، وأنا أتمنع عليهم لأني امرأة مستحيلة.
الرجل : جميل... جميل خيالك.
المرأة : (بحزن) واستحالتي في الواقع تكمن في قبحي.
الرجل : لماذا عدت للواقع؟ كنت أتمنى أن تتمادي في خيالك، وتتصوريني الأمير الواقع في حبك، ألا يجوز لي أن أصبح أميرا في الخيال أنا الآخر؟
المرأة : ولكنك لا تطيق النظر إلى وجهي، فكيف أتصورك تحبني؟
الرجل : الخيال يبيح لنا كل شيء.
المرأة : ها أنت قلت ... الخيال... الخيال فقط.
الرجل : عجبا... وهل تتمنين أن أحبك حقا؟
المرأة : ولم لا؟
الرجل : وزوجك؟
المرأة : (مراوغة) حدثني عن زوجتك.
الرجل : كانت رقيقة وناعمة.
المرأة : نعم، وبعد...
الرجل : كانت تشبهك... لها نفس نبرات الصوت، والقوام... والنظرات، والظرف.
المرأة : (بمرح) نعم، وبعد...
الرجل : (منفعلا) ماذا تريدين أيضا؟
المرأة : صف لي حبك لها.
الرجل : بل صفي لي حبك له.
المرأة : أحبه، أحبه (حزينة) لكن جسدي تأذى، والقناع الذي يلبسني يستولي علي، أصبحت حبيسته، بل أنا أقبع تحت رحمته... لذا لا يحق لي أن أعبّر عن مشاعري وأحاسيسي...
الرجل : أنت جسدك تأذى وأنا روحي تأذت.
المرأة : أعرني جسدك وخذ روحي لنشفى.
الرجل : لكن روحك جريحة.
المرأة : أنت أفضل حال مني إذن.
الرجل : أتمنى أن يعود زوجك و ... (يصمت)
المرأة : ويرضى بي كما أنا...
الرجل : لو كان يحبك حبا حقيقيا سيرضى.
المرأة : نعم ، ولكن هل يحبني؟
الرجل : نعم يحبك... ولكن أمهليه حتى يهضم الواقع ويستوعبه.
المرأة : (بحماس) لن أتسرع أبدا... سأنتظر طويلا... ولكن ...
(الظلام دامس الآن)
الرجل : أنا لا أتبينك بتاتا، لكن صوتك عذب... هذا الصوت لا يمكن أن يصدر إلا عن تلك الأميرة التي تجلس في برجها العاجي.
المرأة : (بمرح) نعم، أكمل.
الرجل : أميرة باهرة، ذات وجه ملائكي، ونظرات تتسع لحب العالم بأسره.
المرأة : (سعيدة) أنت تراني هكذا إذن؟
الرجل : نعم.
المرأة : سوف أجعلك تراني هكذا إلى الأبد.
الرجل : كيف؟
المرأة : غدا... عندما تشرق الشمس، سوف أرتدي خمارا يحجب قبحي.
الرجل : (يضحك) لست مضطرة لهذا الآن.
المرأة : (بحزن) غدا سيطلع النهار.
الرجل : النور هو الحقيقة، والحقيقة أبقى من الخيال.
المرأة : (بقلق) ماذا تعني؟
الرجل : لن يفيدك التستر، سأراك على حقيقتك.
المرأة : تبا للحقائق التي تُظهر شوهاتنا، لماذا لا تغيب الشمس إلى الأبد، ليدوم هذا الليل ويدوم حتى ينقضي العمر.
الرجل : الشمس هي الحياة، والظلام موت.
المرأة : لنمت إذن ويبقى وهمنا الجميل بعدنا.
الرجل : سيموت وهمنا معنا.
المرأة : حيرتني... كيف أحافظ على جمالي الذي ارتسم في مخيلتك؟
الرجل : حسبي أني أحس جمالك الروحي.
المرأة : لكنك قلت أن روحي تشوهت.
الرجل : كنت أعرف أني لا أقول الحقيقة.
المرأة : أنا امرأة منسية الان.
الرجل : لست منسية بدليل أني اكتشفتك.
المرأة : (منفعلة) كيف؟
الرجل : اللآليء تُستخرج من أعماق البحار حيث الظلام والموت، وأنا استخرجتك من ظلمات نفسك المتوارية خلف قناعك البغيض، الذي لا يلبث أن يزول أمام بريقك الروحي.
المرأة : لكن روحي جريحة، وأنت بتنكرك لي نكأت جراحها، لم يعد يفيد هذا الآن.
الرجل : مللتِ سريعا ، مع أنك...
المرأة : عندما يمرض الجسد يذبل ويذوي، ويذهب جماله، تعلوه صفرة الموت، والروح كذلك تفقد بريقها عندما تمرض.
الرجل : روح الأميرة تشفى عندما يعانقها الأمير.
المرأة : وأميري لم يعد بعد.
الرجل : يا الهي... أنت ... أنت ... لم تتغيري حتى وإن اختفيت خلف قناع، سأمزقه وأصل إليك... اقتربي مني..
المرأة : سأخونه لو فعلت.
الرجل : تخونين من أيتها الحمقاء؟
المرأة : الرجل الذي يحبني.
الرجل : خونيني إذن .. (يحاول أن يدنو منها متلمسا طريقه إليها)
المرأة : لا تلمسني وأنت مضطرب هكذا.. لن أسمح لك بالاقتراب مني حتى تهدأ روحك وتطمئن إلي (برقة) حتى تزحف إلي بكامل إرادتك ووعيك...
الرجل : لماذا تعذبينني الآن؟
المرأة : الحقيقة عندما تكون قاسية عليها أن تراوغنا حتى نقبلها.
الرجل : وأنا قبلتها .
( يقترب منها ، يمد يديه في محاولة للمسها، وعندما يلمسها تبتعد)
الرجل : لا تبتعدي (يقترب منها ويضمها ، فتستكين)
المرأة : أخشى أن تتبدل.
الرجل : كفى حمقا (يضمها بقوة أكثر)
المرأة : يا لهذا الظلام الجميل الذي يحمل بين طياته الدفء والحياة... أصبحت أعشق الظلام كالخفافيش.
الرجل : ولكنك امرأة ولست خفاشا، أنت امرأة أشعلتني فتيقظت أحاسيسي التي كانت متبلدة.
المرأة : لقد أنعشت روحي.
الرجل : بل إني سأوقظ أنوثتك كما كنت أفعل فيما مضى.
(يتعانقان)
المرأة : دعني أغفو على صدرك.
(صمت تام، الرجل والمرأة يغفوان متعانقين، ثم إنارة حيث تتسلل خيوط الشمس، يستيقظ الرجل وهو محتضن زوجته التي لا تزال نائمة، ينهض وينظر إليها بذهول، لحظة ثم يصرخ)
الرجل : لاااااا.....
ستار
*****
صدر للمؤلفة المسرحيات التالية
شباك الحلوة
كاهن المعبد
مقتل شهرزاد
الشحاذ حاكما
عازف الناي
مدينة الرهان
حكاية توت
الرباط الأزلي
والمجموعة القصصية مطاردة النمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق