الشاعر علي العضب مبتكر الاوبريت الثوري
الباحث: مجيد عبد الواحد النجار
قد لا اتحدث بجديد عندما اقول ان المسرح العربي، والعراقي على حد سواء، قدم لنا وافدا من اوربى بكل حيثياته المعروفة لدى الجميع، وقد ولا اتحدث بجديد عندما اقول انك عندما تقلد شيئاً تراه فانت بإمكانك ان تبدع فيه، ولكن ما يثير الاستغراب والاسئلة عنما تسمع عن شيء ولا تراه ، لكنك تقلده ، وتفعل نفس ما ابدع به صانعة، والاكثر اثارة واكثر اسئلة انك تبدع وتجدد في شيء لم تراه ولم تسمعه.
وهذا فعلا ما حصل لشاعرنا المبدع على العضب، اسئلة كثيرة ممكن ان تثار حول كتابته الاوبريت الذي ابدع به واجاد كل شيء ، اين سمع العضب عن الاوبريت؟ وهل شاهد عرضا ما للاوبريت؟ واين؟ انه لم يعرف عنه كثير السفر ولا يعرف عنه كثير الترحال ، لكن الكل يعرف انه كثير التفكير والابداع، لقد كتب العضب الاوبريت بكل تفاصيله ، ولم يصل بعد هذا الجنس من العروض للبصرة، لم يدخل وافدا، كما هو المسرح، ولم يكتب عنه بعد، لا في البصرة، ولا في العراق على حد علمي بالموضوع، هل كان دافع العضب تحويل العنف، والقساوة، والثورية في المسرح الى غناء ورقص؟، وهو المعروف بثوريته ونضاله الطويل، هل اراد ان يقدم معانات الشعب العراقي بطريقة تدخل الى نفوس الجميع خارج اطار العنف والمأساة؟، هل اراد ان يتحدث عن مأساة المواطن العراقي وهو مبتسما فرحا؟، وهذا لا يعني انه لم يحترق من الداخل ، فان الكاتب لا يمكن ان يكتب عن شيء دون الاحساس به او التماهي معه ، وهذا ما معروف لدى العضب فهو متماه مع الفقراء يحس بوجعهم، بل يتوجع لوجعهم لذلك راح يكتب عن معاناتهم بطريقة المتوجع الذي يملئه الامل ، وعلى غرار قول الشاعر ((لا تحسبوا رقصي بينكم طرباً .... فالطير يرقص مذبوحا من الالم))، هل كان هذا ما يريده العضب في كتابته للاوبريت؟، نعم لقد كان العضب شاعرا وكاتبا مسرحيا ثوريا، يريد التغير بطريقة تبعده والاخرين عن العنف، العنف الذي يمارسه السياسيون والمجرمون.
ان فن الاوبريت هو نوع من المسرح الغنائية، تطور من الأوبرا الهزلية الفرنسية، وكانت أجمل الأوبريتات التي كتبت هي تلك التي ألفها (جاك أوفنباك)، وكان هذا الفن محبوباً في الفترة بين أواسط القرن التاسع عشر حتى العشرينيات من القرن العشرين. ويذكر ان المؤلف الموسيقي النمساوي (فرانز فون سوبيه) Franz Von Suppe كتب أوبريت (داس بنسيونات) عام 1860م الذي أصبح فيما بعد النموذج الحي للأوبريت في فيينا.
اما في العالم العربي فقد دخل فن الأوبريت وافدا من أوروبا حاله حال المسرح ، وكانت البداية في مصر ، ثم انتقل بعد ذلك الى لبنان وسرويا.
لقد كان الغرض الاساس من الأوبريت هو الترفيه وإدخال السرور على النفوس وليس إثارة العواطف القوية أو الكشف عن قضايا مهمة أو مناقشة قضية ذهنية أو جدلية.
لكن العضب والمتتبع الى الاوبريتات التي كتبها وانتجت اغلبها، كانت ثورية بامتياز ، لقد كان يريد التغيير من خلال ما يكتب لا الترفيه فقط، كان يريد ان يسمع العالم الوجع الذي يعانيه الانسان العراقي، لقد جدد العضب في الاوبريت وغير مساره، حاله حال العظماء من المسرحين الاوائل، فهو يضع الباحث في حيرة ، من تحديد النظرية العلمية التي اعتمدها العضب في كتابته لفن الاوبريت، لقد تمكن الجمع بين نظريات المسرح، فتجد في كتاباته مثلا (المسرح السياسي) الذي انطلق فيه (اروين بسكاتور) من صيغة المسرح (البروليتاري) الذي اسسه وادخل عليه تعديلات على مستوى المواضيع والشكل ، وقد اعتمد مواضيع تاريخية لمناقشة مفاهيم سياسية، وتمكن العضب من ذلك فأعاد كتابة التاريخ في اوبريت(البستان)، من اجل مناقشته والاستفادة من المواعظ والعبر :
خوخة: قصة اسويلم قصة نعرفه .... احنه من سنين
بقصر النهاية اخذوا
شلعو ظافيره عذبوه
محمد: بوصلت حصيرة لفوه
مات بحصيره ذبوه بعلوة كصب وبزازين
ومرة يتجه العضب بكتابته باتجاه (مسرح التحريض) السوفيتي والالماني، الذي يجعل المسرح وسيلة للتحريض والتعليم، فنتابع في اوبريت(المعيبر شنان) وعلى لسان (المجموعة):
المجموعة: ليمته نظل نسكت
الموت جم مره
لازم الكل يحجي
كل الشعب يحجي
حتى الحجر يحجي
الطين والبستان
والجوع والحرمان
كل الشعب يحجي
وفي(صرخت شهيد) يقول العضب على لسان الراوي الذي يخاطب الجمهور.
الراوي: ايها المتفرجون الصامتون ..... ايها الخائفون
ان قضيتكم هي نفس قضيتكم ...... لماذا انتم ساكتون
ينتقل شاعرنا بين النظريات الثورية المتعدد وهنا يتحول الى (مسرح الغضب) الذي يعد جزءا من حركة الشباب التي ظهرت في انكلترا بعد انتهاء العرب العالمية الثانية... فهو يعالج مواضيع من صلب الواقع الاجتماعي ويقدم شخصيات هامشية تعتبر مثالا على مفهوم الابطال، ونرى كل هذا متجسدا في اغلب اوبريتات العضب التي تحدث بها عن معاناة الشعب كبار، وصغار، كهول، وشباب، نساء، ورجال ، تحدث عن الحكام الجائرون، المجرمين ، وعن الاقطاع، وعن الجوع والظلم، وكانت شخصياته من عامة الناس(الفلاح، العامل ، الطالب....) .
لقد تمكن شاعرنا العضب وبكل جدارة ان يبتكر نظريات ثورية جديده في طرحها للجمهور فقد كتب أيضا بنظرية (مسرح الشعب) و( المسرح البروليتاري) , (مسرح الغضب) الذي جسده في اوبريت(بيادر خير)وعلى لسان شخصياته:
سليمة: اي يحمود.. اي وحياة الله ... صح يحمود
الشيخ اتوعد ... اثنه وهدد... وكال حمو حمود
حمود: حمود انكتله بجيله رخيصة حمود الماذل روحه الاحد
حمود الواجف بعيون الذل عيب اتذلذل ... عيب؟؟
ويغضب شاعرنا العضب مرة اخرى في اوبريت(انت امس.. انت باجر) وعلى لسان محيسن هذه المرة ، مهددا السركال:
محيسن: ها خوتي ها
ما تكدر يطاغي تحكم الشجعان
ما كظهم رصاص ولا لهيب الدان
لو هبت زلمنه ... تحقق البرهان
بالدم نسكيه الكاع التعطش
لقد ابدع العضب بجمع نظريات المسرح الثور وجدد في ما كان يهدف له الاوبريت، فكان الفرح والمعانات موجوده، وكان نفسه الثوري بكل مفاصل الثورية موجوده، فمن مميزات الكاتب المسرحي الثور هو نفوره من الرسميات ، وما دام هو يرفض المقدسات فقد اصبح شاعرنا العضب بعيدا عن الثقافة الرسمية ،لذلك تمكن من تغيير المنهج الذي رسم للاوبريت واصبح متفردا بكل ما يقول. يقول(تيوفيل جوتييه) مخاطبا الكتاب الثوريين عليهم ان يثيروا الرعب في البرجوازيين الناعمين الصلع الرؤوس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق