مجلة الفنون المسرحية
نصّ المُداخلة التي أسهمت بها في الندوة الفكرية المُقامة في إطار الدورة الثالثة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح
في البدء
أودّ، في البدء، أن أشكر منظِّمي هذا المهرجان مهرجان بغداد الدولي للمسرح على هذه الدّعوة الكريمة التي لم يكن لي إلّا أن أستجيب لها استجابةَ السّعيدِ بلقاء من يُحبُّ بعدَ انقطاع لم يسْع إليه ولم يستطع ردَّه، بعد انقطاعٍ فرضته ظروفٌ عسيرة عاشها الأحبة في العراق وعشناها معهم بقلوبنا وبِأحاسيسنا ورؤانا، ولكنْ هيهات أن يرتقِي ما عِشناه إلى صور المعاناة التي عاشها الأحبّة وعاشَها الشعبُ العراقِيُّ كلُّه. وإنّي أرى في قيام هذا المهرجان مؤشّرات جميلةً تُبرِز روحًا من المقاومة للخراب الذي عمّ الأرض والبشر وتؤكِّد حضور نُفوسٍ مِعطاءةٍ تتوق إلى الحياة حياةً واعِيَةً وحُرّةً، وهل المسرح، إذا ما تحقّق اكتمالُه "حياة مسرحية" فعليّة ومستمِرّة، إلّا تجسيدٌ للرّقِيِّ الذي لا يكون إلاّ بالحرّيّة وبالوعي بها وبالحاجة إلى تكريسها تكريسًا يُحقّق ذات الإنسان فرْدًا وجماعةً.
و أودّ، بعد هذا، أن أُهنِّئ من كان وراء تحديد موضوع النّدوة ( الذي صيغ موضوعها بهذا الشكل: ("التمسرح" في الخِطاب الرّاهن وممكنات الاستجابة والتلقّي") على رجاحة الاختيار؛ وذلك لأكثر من داعٍ وسببٍ، لعلّ أهمَّها هو المدى الإشكاليُّ الذي يشقُّه في مستويات متعدّدة بدْءًا بكيفيّة صياغته لغةً واصطلاحًا مرورًا بما يتضمّنه من انتظارات هي في ذاتها لا تخلو من سمة إشكاليّة وُصولاً إلى الدّعوة الكامِنة فيه إلى الإسهام في التفاعل مع الآتي تفاعُلاً مشروطًا بِقراءة لـ "الرّاهن" لا تُعدِم صُوَرًا رقيقةً من القلق تُلِحُّ على القارِئ كلَّ الإلحاح، ويتجلّى هذا القَلَقُ في ما يُلمَسُ من الوعي، في الآن ذاته، بتعدّد الفواعل التي من دونها لا يتحقّق للفِعل المسرحِيّ تَمامُه، وبتعقّد الصِّلة القائمة أو المُفْترضُ قيامها في ما بينها، هذا من ناحية، وبَيْنَها وبين رجعِ الصدى لِذلك الفِعل لدى من تُوجَّهُ إليهم نِتاجاتُه، من ناحية أخرى. وفي هذا الذي ذكرتُ ما يشي بالدعوة إلى تناولٍ شامل للفعل المسرحيّ باعتبار مساراته والدواعي إليه، دون الاقتصار على المُنْتَج المسرحِيّ في ذاته - الذي يبقى، مع ذلك، غايةَ الغايات – وفيه، كذلك، إلحاحٌ على الحاجة إلى الانطلاقِ في ذلك، من الأسس والعناصر التي يقوم عليها المُنتَجُ المسرحيّ ليبنِيَ "خطابـ"ـه المُتعدِّدِ الوُجوه – بالضرورة - ويتحقّق له "التلقّي" المُشتهى الذي لا يمكن أن يكون دون الانشغال بـِ"الاستجابة" إلى انتظارات"المُتلَقّي القائمة أو المُمكنة.
المسرح في إطلاقيّته طريقًا إلى المسرح العربي
الصيغة في اللغات الأوروبية
ولئن بدت الدّعوة إلى الانشغال بالمسرح العربي وتجلّياته في هذا الموضوع أمْرًا مسلّمًا به، حتى وإنْ لم يُصرَّح بهذا الأمر تصريحًا، فإنّ الخروج عنه والانشغال بالمسرح في إطلاقيّته أمرٌ بدا، هو الآخَرُ، لا مناص منه؛ لِأنّ ذلك وَحْدَه هو الذي يُمكِّن من العودة إليه، إلى المسرح العربي والانشغال عميقًا به. والسرًّ في ذلك كامنٌ في تنزيل ملفوظ "التمسرح" منزلةَ المُنطَلَقِ الذي عليه يُحال في هذا الموضوع ووضعه في موقع الأساس والمحور الذي تدور حوله العناصر الأخرى لتتناظر وتتداخل وتتشابك. وهذا الملفوظ لا يُمكن أن يقف المرء على معناه ولا أنْ يُدْرِك كثافته التي من دونها يفقد كلَّ ما يبرّر حضورَه بهذه الصورة، دون الإحالة على مفهوم نشأ في البلاد الأوروبيّة وترسَّخ في مُختَلف لغاتها، وتواتَر ذِكرُه بينهم لا عند المسرحيين نُقّادًا ومنظّرين للمسرح، وحدَهم، وإنّما وجد هذا المفهوم-المصطلحُ موقِعًا له في خطاب فنون التعبير الأخرى وفي نصوص الفلاسفة وعلماء الاجتماع والمؤرّخين وغيرهم. وتواتُرُ حضورهِ هذا جعل منه مفهومًا يُخصّ بالدّرس في ذاته وتُفْرد لهُ البحوث في الأدب وفي أغلب فنون التعبير ؛ وتتنازع الرؤى فيه وتتعدّد المقاربات في تناوُلِه . هذا اللفظ المصطلح ورَد في اللّغات الأوروبيّة بصِيَغٍ تتماشى بِنْيَتُها الصّرفيّة والاشتقاقيّة مع منطق كلّ واحِدة منها، ولكنّها كلَّها تنطلق من الأصل اليونانيّ واللاتيني لِهذا الفن، فنِّ المسرح، فتَتَوَحَّد، في هذه اللغات، صِيغُ التعبير عن هذا المفهوم على صعيد المعجم وتكاد تتطابَق.
نتكلّم عن:
صيغة المصطلَح – المفهوم في المعاجِم اللغات
Teatral’nost’- Teatralnost الروسيّة
Teatralità الإيطالية
Teatralitad الإسبانيّة
Teatralitade البُرتغالية
Theatricality - Theatrality الإنكليزيّة
Theatralik الألمانيّة
Théâtralié الفرنسيّة
بيّنٌ أنّ الجامِعَ بينَ المُصطلحات كلِّها هو قيامها على جذر واحد "Teatr" أضيفت إليه زائدة ختاميّة "suffixe" تختلف من لغة إلى أخرى ولكنّها تلعب الوظيفة الصّرفيّة ذاتها فيها جميعِها: وهذا الجِذْر يربطها بِدلالات مُشتَرَكة نَجمَت عن معاني الملفوظ في ذاتِه و عمّا تداخَلَ فيها وتشابك من المعاني الحافَّةِ الحاصِلة له في مجالات البحث في المسرح والأدب والنّقد والفلسفة وتفرّعات كلّ مجال من هذه المجالات؛ وحافَظ هذا المفهوم في كلّ اللغات التي فيها نشأ على المرجعِيّات المتأتّية من جِذْرِه هذا واكتسب كثافَةً في دلالاته بحُكم استخداماته الحديثة في تلك اللغات جميعِها - أو تكاد - والتي لم تَقْطَع قطْعًا مع تلك المرجعيّات وتفرُّعاتها؛ وعندما يَعتمِد النّاطقون بهذه اللغات هذا المفهومَ في كلامِهم وبحوثهم تكون درجة التفاهم حوله و به، نتيجةً لذلك، عالِية جدًّا، حتى وإن كانت دلالاتُ المفهوم لا تخلو من إشكالات. بل يكادون يلتقون في رسم المسار الذي عرِفه هذا المفهوم في جميع هذه اللغات ويُقِرّون له بتاريخ يَحُدُّ بدايات قيامِه ويرسُم له تعرّجاتِه. ويبقى السرُّ في ذلك، أساسًا، مُتمثِّلًا في قيام المصطلحات التي تعبّر عنه في كل اللغات الأوروبيّة على الجذر نفسه وعلى منطقٍ في الاشتقاق واحدٍ، حتى وإن اختلفت بُنى تلك اللغات. يُضاف إلى ذلك، طَبْعًا، التواصُلُ القائم بين الناطقين بتلك اللغات واستيعابِهم لما يُنْجَزُ في كلِّ واحدة منها من بحوثٍ و ما يُعتَمدُ من مقارَبات تُكسِب هذا المفهوم كثافةً دلاليّةً، كلَّ مرّة، حتى وإن أكّد ذلك، أحيانًا، سمته الإشكاليّة.
في الجذر وفي المفهوم في اللغات الأوروبيّة:
كيف يتجلّى كلُّ ما ذهبنا إليه في خصوص هذا المفهوم والمصطلحات المعتمدة للتعبير عنه في اللغات الأوروبية وعند مستعمليها؟
يجب أن نشير إلى أنّ الأمر يتطلّب مجالا أوسع مما تُتِيحه مُحاضرةٌ أو مقالٌ. وهو ما يعني أنّ ما سنذكره هو أقرب إلى العناوين التي هي في حاجة إلى مزيدٍ من التفصيل والتدقيق.
نبدأ بالوقوف عند الجذر "Teatr" وننطلق ممّا ذهب إليه صامويل فيبير Samuel Weberفي كتابه الموسوم بـِ : Theatricality as Medium [" حالة التمسرُح" باعتباره وسيطًا"] ، لأنّه قال وأوفى القول في موضوع هذا الجذر؛ وأبرز، من خلال ذلك، الصلةَ العميقة التي تربط هذا الفنّ، في الثقافة والحضارة الغَرْبِيّتين، بمجالات المعرفة وتحقيقها. فذهب إلى أن كلمة «theatre » [مسرح] تتقاسم نفس الجذر الاشتقاق «thea»لكلمة «theory » [أي نظريّة] و «thea» تُفيد في اليونانيّة المكان الذي منه نرى أو نلاحِظ و أنّ كلمة « theatron » [تياطرون] تدلّ على الموقِع الذي منه نرى، أي المدرجات التي يجلس فيها المتفرِّجون و تحيل لفظة « theatrai » [تياطراي] على "الذين يشاهِدون" أي جمهور المتفرّجين وأمّا عبارة "تيوروس" « theôros » التي كانت الأصلَ في نشأة كلمة «theory » [نظرية] فيُشار بِها إلى الوفد من النوّاب المكلّفين تكليفًا صريحًا بالحضور في حفل أو عرض. وعلى أساس ذلك بيّنَ أنّ النّظرِيّة الفلسفيّة لم تعمل، منذ أفلطون وأرسطو وصولا إلى "داريدا" مرورًا بـ هيغل على إرساء مفاهيم المسرح، فحسب، وإنّما اتخذت، هي ذاتها، في سعْيِها إلى الوصول إلى الحقيقة، في بعض لحظاتها مظهر مسرحِيًّا ...
بيّنٌة هي، إذن، الكثافة الدلالية للجذر الذي تقوم عليه تسمية هذا الفنّ في اللغات الغربيّة وعلى أساسه قام المفهوم المُصطلح الذي يعنينا.
في الجذر وفي المفهوم في اللغة العربيّة:
لِنتساءل، الآن،ّ بعدَ أن عرَضنا ما عرضنا في خصوص المُصْطلح - المفهوم في اللغات الأوروبيّة، عن مدى حضور مثل هذه الكثافة الدّلاليّة في ذهن المستخدِم والمتلقّي، إذا ما اقتصر على الصيغة العربية التي ورد فيها وَحْدَها. لا يبدو الأمر وارِدًا بحالة من الأحوال وذلك لتعذّر الاعتماد على الجذر اليونانيّ اللاتينيّ في الصيغة التي اختيرت لتسمية هذا الفن في اللغة العربية والتي من المفروض أن تكون الأساس في نحت الصيغة العربيّة للمفهوم.
وغياب الجذر "Teatr" من شأنه أن يؤدّي إلى غياب كل الخلفيّات الدلالية وتشابُكها عن الصيغة العربية. ومثل هذا المسلك في نحت المصطلحات الغريبة عن اللغة العربِيّة مُخالِفٌ لِما درج عليه القدامى، عند نقلهم لعلوم الشعوب الأخرى ومعارِفهم، من تعريب للمصطلحات المُعبّرة عن المفاهيم وعن المُعطيات وإدراجها في معجم لغتهم شأن تعامُلهم، مثلًا، مع مصطلح "الفلسفة" الذي تمّ جلبُه إلى اللغة العربيّة وإخضاعُه لمنطق الصّرف والاشتقاق الذي تقوم عليه اللغة العربيّة، مُطبّقين، في ذلك قولة: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم" بصورة أصبح معه لفظًا جديدًا أغنى المُعجم العربيّ وربطها بما وراء ذاك المصطلح في لغتِه الأصلِيّة. (الفلسفة) كلمةٌ عربيّة مَبْنى ومَعْنى ولكنّها كلمة تحيل، كذلك، على الجذر الذي قامت عليه الكلمة في اليونانيّة "فيلوس" philos " حُبّ و "سوفوس" Sophosالحكمة المعرفة؛ وتؤمّن، إلى حدّ هامّ، صلتها بتطور اللفظة في اللغات الأخرى والمعاني الحافة التي قد تنشأ في هذه اللغة أو تلك. ولقد سار روّاد هذا الفنّ العرب في القرن التاسع عشر عندما اكتشفوا هذا الفن، في صورتِه المُمَارَسَة في أوروبا ودعوْا إلى استنباته في الثقافة العربيّة فتكلّموا عن "تياطر" و"تياطرو" و لعب "تياطريّة" ولكن لم يسِر اللاّحقون على خُطاهم فاعتمدوا "مرزح" ثم "مرسح" ليستقرّ الأمر بتعميم ملفوظ "مسرح" فكانت القطيعة التامّة مع ما شقّ الجذر اليونانِيّ "Teatr" من دلالات ومن امتدادات من جملتها المفهوم الذي يعنينا في نصّنا هذا.
بيّن أنّه بات من الضروريّ أن يصاغ المفهوم المصطلح اعتمادًا على لفظ "مسرح" المُستحدث استحداثًا. و"يصعب، مثل ما ذهبت إلى ذلك ماري إلياس وحنان قصّاب، التعبير عن مضمون هذه الكلمة بمصطلح مُحدّد ..." والسبب في ذلك يعود في الحقيقة إلى محدوديّة ما يوفّره الجذر الذي قام عليه الاسم المُستحْدث والمنقطع عن الجذر الذي قام عليه المفهوم المصطلح في اللغات الأوروربيّة؛ فلم يعُد ممكِنًا، والحال هي الحال إلّا التعويل على اشتقاق فعل رُباعيّ مجرّد أو مزيد من هذا الجذر على وزن ( فَعْلَلَ) "مَسْرَحَ" ومصدره: "مسرحة" أو الفعل الرّباعي المزيد (تفعلل) "تمسرح" و مصدره : "التمسرح" وكلا الصيغتين لا يفي بالمطلوب بل ينشأ عن استعمالِهما خلط أو اختزال في الدلالة، فـملفوظ "الـمسرحة" الذي مالت إليه مؤلّفتا "المُعجم المسرحي ..." ففضّلتاها عن الملفوظ الأخر ما فتئتا أن أشارتا إلى كونه"مشتقّأ من فعل مَسْرَحَ الذي يستدعي في ذهن المتلقّي معنى تحويل وإعداد مادّة أدبيّة أو فنّيّة أو ... للمسرح" , و يمكن اعتبار روجي عسّاف أوّلَ من استعمله للتعبير عن هذا المفهوم مثلما بيّنّا في كتابنا "إشكاليات تأصيل المسرح العربيّ" أمّا ملفوظ "التمسرح" الذي حظي بالتداول الأوسع فتعود مثلما أشرنا إلى ذلك في كتابنا السابق ذكره إلى يوسف إدريس وبالتحديد في نصّ له موسوم بـِ "نحو مسرح مصريّ"، صدر سنة 1964 وعبّرنا عن احترازنا على الصيغة وأضفنا لها عبارة [حالة] لتصبح [حالة "تمسرح"] سعيّا إلى الحد من معنى عودة الفعل على الفاعل التي تحدّ من دلالات المفهوم وإلى شحنها بمعنى الحالة التي قد تطرأ.
وبيّنٌ، كذلك، أنّه أضحى على مستخدمي اللغة العربيّة، حتى يضمنوا الكثافة الدّلالية للمصطلح القائمة في صيغته الأوروبيّة أن يَستنِدوا على خلفيّة يستحضرونها من الصيغ الواردة في اللغات الأوروبيّة، يشكل واع أو غير واعٍ. وهذا فخّ من الفِخاخ التي تعترض مستخدم الصيغ العربيّة لهذا المفهوم.
المصطلح ودلالاته في المعاجم اللغوية:
لننظر، بعد هذا، في معاجم أغلب اللغات الأوروبيّة ونرى طبيعة التعريفات التي حَظِي بها المفهوم المصطلح الذي يعنينا وسياقات استخدامِه في تلك اللغات.
يتجلّى لنا أنّ تعريفات هذا المدخل تَنُوسُ، بناء على استخدامِاته، بين قُطبيْن مُتناقِضيْن، وإنْ في ظاهِرهما، تناقُضًا شديدًا. يتعلّقُ أوّلُهما بالتعبير عن كلّ ما هو مُصْطنعٌ مبالَغٌ فيه بعيدٌ كلَّ البُعد عن العفويّة ؛ قد يرِد هذا المعنى في سياق الكلام عن المسرح أو نوعٍ منه ولكِنّه قد يرِد، أيضًا، في غير سياقه كأنْ يُتكلّم عن طريقة أداء المُحامِي لمُرافعته في المحكمة أو لطُرُق توجّه رجل السياسة أو رجل الدّين إلى النّاس في الاجتماعات السياسيّة أو الدينيّة؛ وغير ذلك من السياقات ... واعتماد المفهوم بهذا المعنى في غير سياق المسرح يؤكِّد صورةً للمسرح تقوم على المعاني المذكورة والسمات المُحَدّدة (التضخيم والمبالغة والبُعد عن العفويّة...) أمّا القُطب الثاني فيُرْبَطُ المفهومُ فيه بكل ما هو سماتٌ مُمَيّزة للمسرح وَ- أَوْ بِمدى توَفُّر الشروط التي بها يكون المسرحُ ويتحقّق .
ويتبيّن للنّاظر في استعمال هذا المفهوم في الكتابات النّقدِيّة والنّظريّة والتنظيريّة للمسرح وفنون التعبير الأخرى أنه لا يكاد يخرج، في حقيقة الأمر، عن هذين القطبيْن من المعاني الوارديْن في المعاجم اللغويّة العامة؛ فالمدى الاصطناعِيّ والبُعد عن العفويّة هما سمتان من سمات المسرح وهما مَسْلكٌ من مسالك تحقيقه؛ و قد يبدو هذا المسلك دالًّا على قلّة خبرة أصحاب هذا العمل المسرَحِيّ أو ذاك، في رأي بعض النقّاد بناءً على انتظاراتهم أو على منطلقاتهم المعرِفيّة والجماليّة؛ ولكنَّ سمةَ الاصطناعِ والمُبالَغةِ هذه وأمْرَ البعدِ عن العفوية هذا قد يكونا مقصودَيْن ومَسْعِيًّا من خِلالِهما إلى ضمان المدى المسرحِيّ في الأثر المُنجَزِ.
أمّا القطب الثاني من الدّلالات فهو يختزِل، على عكس ما قد يدُلّ عليه من تَوافُق، الجدَلَ كلَّ الجَدَلِ الذي قامت وتقوم عليه الكتاباتُ النّقدِيّة والنّظريّة والتنظيريّة. بل وتقوم عليه مسارات المسرح وممارساته في كلّ الأزمان. ففي الكلام عن الميزات الخاصة للأثر المسرحيّ وعن الشروط التي بها يكون وفي البحث عن تحقُّقها يكمُنُ السؤالُ الذي عليه يرتكز المفهوم الذي يعنينا. وفي تحديد طبيعة تلك الميزات القائمة فيه أو الكامِنة، وفي بيان تلك الشروط وتحديدِ نوعِيّة التفاعُل معها تتجلّى ضروبٌ من الاختلاف تصِل إلى حدّ التناقض التّام. ويبدو المفهوم، بناءً على ذلك، أساسًا يُعوّل عليه، عند هؤلاء، في التمييز بين الجيّد وغير الجيّد، وعند أولائك، بين القائم والسّائد وبين المنشود المدعُوّ إليه. ويبدو هذا المفهوم بمثابة الرّهان الذي به تُعلّل الدعوات إلى هذا النّهج في ممارسة المسرح أو إلى غيرِه.
أمّا المعاجم العربيّة العامة فلا ذكر لهذا المفهوم إطلاقًا، ولا يبدو الأمر غريبًا، باعتبار أن المصطلح لم يستقرّ بَعدُ، على حال، من ناحية، ولبطء العمل المُعجمِيّ على الصعيد العربيّ، من ناحية أخرى. واقتصر حضور هذا المفهوم على المعاجم المُختصّة وعلى الكتابات النّظريّة والتنظيرية، وحْدها.
هذا ما تنطِق معاجِم اللغات الأوروبيّة في خصوص المفهوم؛ فما عساها تكون تجلّياته في الخطاب النقدِي والتنظيرِيّ؟
آفاق المفهوم ومتاهاته:
يكاد يُجْمِع الباحِثون على اعتبار مفهوم Teatralnost هو المنطلق في قيام هذا المفهوم في اللُّغات الأوروبيّة وأدبيّاتها وأغلبُهم يُرجعون بداية استخدامِه إلى سنة 1922 وينسبون نَحْتَ هذا المُصطلح إلى المسرحِيّ والمُنظِّر الروسي "نيقولاي آفراينوف" (1879 موسكو-1954 باريس) Nicolas Evreinov في إطار "بحثِه عن ماهية المسرح" . و عدد منهم ذهب إلى ربِط نشأةِ هذا المُصطلَح – المفهوم، في صيغته هذه، بِمفهوم - مُصطلح آخر نشأ قُبيْله هو (literaturnost)، الذي ابتدعه النّاقِد واللّسانِيّ والمُنظّر الرّوسي "رومان ياكبسون" (1896 موسكو – 1982 كامبريدج الولايات المُتحدة الأمريكية) Roman Jacobson)) اعتمده، أوّل مرّة، في محاضرة ألقاها سنة 1919 ونشرها سنة 1921 . ولقد تُرجِمَ هذا "المفهوم – المصطلح" إلى الفرنسيّة تحت مُسمّى « littérarité » و تُرْجِم إلى اللغات الأوروبيّة الأخرى بنفس المنطق الذي نُحِتَ به المُصطلح الفرنسيّ . ولقد عمد عددٌ من المُنظّرين والإنشائيّين poéticiens إلى تعميق المفهوم الإجرائيّ بالعمل على تحديد السمات الخاصة التي يتم، اعتمادًا عليها، الإقرار بانتماء هذا النصّ أو ذاك إلى الأدب أو لا؛ وبتعبير آخر العمل على البحث عمّا يسمح بـِ "ِتحديد ما يجعل من الأثرِ أَثَرًا أدبِيًّا" أي توفير ما يسمح بِالتمييز بين الكلام العادي اليومي أو العمليّ وبين الكلام الأدبيّ وتبلورت هذه الجهود في تيّاريْن اثنين قام الأوّل منهما على مُقارَبةٍ شكليّة، يُبحث في النّصّ ذاته عن أدبيّته: من خلال النّظر في مدى كثافة الصّور المُستخدمة فيه وفي درجة العناية بإيقاعيّته وغير ذلك من السمات البلاغيّة القائمة فيه؛ وبيّنٌ أنَّ هذه المقاربة من شأنِها أن تُهْمِلَ مضمونَ النّصّ لتُركّز على شكله دون سواِه. وقامت المُقاربَة الثانية على التعويل على المدى الذّاتِيّ المرتبط بمدى اللذّة المتأتّاة من قراءته وهي متغيّرةٌ، من عصر إلى آخر، ومن بلد إلى آخر. وتُصبح "الأدبيّة" مُجرّد منزلة تُنزّل فيها الآثار.
ولا يُمكن أن لا نرى في ذلك صلاتٍ تجمعه بالمفهوم المصطلح الذي يعنينا لا على مستوى الصياغة والاشتقاق، فحسب، وإنّما على صعيد الدلالة والشواغل الكامِنة وراءها والقائمة وَقْتَها. يتجلّى أنّ المفهومين-المُصطلحيْن تولّدا عن التيّارات الفكريّة واللسانِيّة القائمة وقتها.
ولئن بدا من الصعب عدم الإقرار بهذه الصّلة بين المفهومَيْن وبهذه التراتبية الزمنية بينَهما، فإنّ من الباحثين من أعاد نشأة المفهوم الذي يعنينا إلى فترة سابقة لانتشار المُصطلح تفاعل فيها "نيقولاي آفراينوف" مع التيّارات الفكرية والفنّيّة ومع التحوّلات الثقافية التي كانت تعتمل في روسيا بشكل خاص؛ وكان لنقولاي آفراينوف فيهما إسهام وتأثير كبيران.
والنّاظِر في ما كتبه آفرينوف يقف على ما حقّقه من سبق في معالجة هذه الظاهرة وعلى زخم ما أنتج فيه من نصوص كان له أثره في اللاحقين ممّن خاضوا في هذا الموضوع أو انشغلوا به في روسيا وأوروبا وخارجها، سواء عن وعي منهم أو عن غير وعي. فلقد سبر المفهوم لا من موقع المنظّر فقط وإنّما من موقع الممارس له أيضًا؛ ونكاد نجد صدى مقولات آفرينوف حاضِرةً في كل ما سيُقال في هذا المفهوم وفي المشاريع والدعوات التي انبنت على أساسه رغم طابعه الإشكاليّ الذي ذكرنا. وليس غريبًا أن تعمل "تمارا باكوفا-بوجي" Tamara Baicova-Poggi ، مثلا، على إبراز الأثر الذي تركه "التمسرح" الذي نظّر له "آفرينوف" في توجّهات الفنّانين "المستقبليّين الروس" ونوعيّة أعمالِهم وخاصة عندما ربط [حالة]"التمسرح" بما أسماه "الغريزة المسرحيّة" حينًا وبـِ "غريزة المسرحة"، حينًا آخر، والتي صاغها بناءً على ما توصّل إليه في متابعاته للممارسة المسرحيّة في شمولها من أنّ "جذر المسرح مهما كان نوعُه تجارِيًّا كان أو غير تجارِيّ هو "غريزة المسرحة" التي تفرض على الإنسان أن يَتحَوّل ويُحوّل عالمه؛ إنّه غريزة تحويل مظاهر الطبيعة؛ وكأيّة غريزة هي سابقة للإستيطيقي [الجمالِيّ] وهي كونِيّة وضرورِيّة لبقاء الإنسان على قيد الحياة تمامًا كما هو حليب الأمّ لوليدها" بل وذهب إلى أنّ " [حالة] "التمسرح" تُخلّصنا من قيود الواقِع تخليصًا يَصْحَبُه تعبيرٌ عن فرحة غامِرة، وذلك لِأنّ الطّاقة التي تقوم عليها [حالةُ "التمسرح"] هي ذاك الشعور الفوضَوِيُّ الذي يمتلكه كلُّ واحدٍ فينا والذي يريد مِنّا إحداثَ تحوّل أصيل وجريء يصل إلى حدّ الجنون" . وتجلّى في ربطه "[حالة] التمسرح"، بـ "الغريزة المسرحيّة" أو "غريزة المسرحة" سعي إلى الانطلاق مِمّا يعتبره جوهرًا لِهذا الفن لا يُمكن من دونه أن يتحقّق، بعيدًا عمّا أُنْجِز فيه من أعمال وما قام منها في صورة نماذج تُحتذى وقواعِد على أساسها تقوّم؛ ولم يتردّد في التعبير عن ذلك بشكل قاطِع ومباشر لا يخلو من بعض العُنف اللفظيّ: "مازال نقّاد الفنّ عندنا يتخيّلون، إلى حدّ الآن، أنّ الأهمّ في المسرح هو جمال المناظر والملابس والشرائط وغير ذلك ... أمّا أنا فأدّعي أنّ كلَّ هذا ليس إلّا كُناسَةً جميلةً لا أكثر ولا أقلّ". إنّه يدعو، بناء على ذلك، إلى التخلّص من قشور المسرح في صورته القائمة وإلى إبعاد من على الرّكح كل ما هو غير ضرورِيّ، لا ديكور ولا ملابِس ولا غيرها وإنما "المسرح باعتباره مسرحًا " - والتعبيرُ تعبيرٌ مأثورٌ يُنسَبُ إليه وهو عنوان لكتاب نشره منذ سنة 1913 - وسيُلِحُّ إلحاحًا على فكرة السعي إلى المسرح في ذاته و في صفائه، بعيدًا عن ربطه بوظائف أخرى قد توكَلُ إليه، فكتب متحدِّثًا عن "[حالة] التمسرح" التي عليها يقوم المسرح المنشود قائلًا: "وعندما أسمع بعضهم يقول إنّ على المسرح أن يكون معبدًا أو مَنبَرًا أو كُرسِيّ جامعة أو مِرآة، أجيبهم فأقول: إنّ على المسرح أن لا يكون إلّا المسرح. " وهو ما سيؤدّي إلى وضعِ موضعَ السؤال ما هو مُتداولٌ في التأريخ لجذور المسرح وخاصة ربطه بالميثولوجيا الإغريقيّة وامتداداتها، وحْدَها، داعِيًا إلى الخروج عن هذه المركزيّة، و إلى الانتباه إلى تمظهرات "الغريزة المسرحيّة" و"غريزة المسرحة" في ثقافات الشعوب الأخرى. وأخذه انشغاله هذا إلى مسالك مُختلفة بحثًا عن [حالة] "التمسرح" فلقد وجد "آيفرينوف "في "الوشم المستخدَم لدى الشعوب المتوحِّشة، ما يدلُّ دَليلًا قاطِعًا على وجود هذه الغريزة، وعلى كونها أمرًا سابِقًا لتطوّر الحسّ الاستيطيقي لدى الشعوب المُتحضّرة"؛ وبدا الوشمُ، مثلًا، دالًّا، في رأيه، على قيام " هوس التحوُّل، عند تلك الشعوب، أي "[حالة] التمسرح" الأصفى.
وولّى وجهه نحو جذور المسرح عند السّامِيّين يبحث عنها في كتاب له، وسمَه بـ "أزازيل وديونوزيس" Azazel et Dionysos ونشره سنة 1924 ؛ ولم يَعُد غريبًا، من ثمّة، أن يقرأ تاريخ المسرح الرّوسي قراءة لافتة للانتباه من حيث انشغاله فيها بمساءلة المنجز المسرحيّ الرّوسيّ حول حقيقة انتمائه إلى روسيا و إلى الثقافة الروسيّة و حقيقة تعبيره عن خصوصيّتها وعنوان المقال الذي نشره سنة 1915 يختزل أهمَّ ما وصل إليه في هذه القِراءة لقد وسمه بـِ : "حول مسرح روسِيّ مصادره غير روسيّة وبِنْيتُه غير روسيّة". وكان من الطبيعيّ أن يُعَبّر في نهايته عن أنّه : " من غير المقبول أن لا يكون لنا، نحن السلافيّين، نحن الشّعبَ الرّوسِيَّ العظيم، مسرحُنا الخاصُّ بنا وحدَنا" ؛ فبدت حالة التمسرح هذه متشابكة مع شواغل الهويّة الثقافية والخصوصيّة الحضاريّة، مؤدِّية، عنده هو أيضًا، إلى البحث عن مسرح ذي سمة محلّيّة تنبع من هذه الخصوصيّة وتُعبّر عنها وبها.
يتبيّن لنا من خلال ما عرضنا من حصيلة ما خاض فيه "نيقولاي آفراينوف" في خصوص هذا المفهوم أنّه أزيحت عنه الدلالات التقعيدية الباحثة عن مدى مُطابقة هذا العمل أو ذاك لمواصفات بذاتها شأن ما كان عليه الأمر، مثلا، في تعامُل نقّاد المسرح الكلاسيكي. وشُحِن المفهوم بدلالات قائمة على البحث عن ماهية المسرح وجوهره، سعيًا إلى الخروج به عن السائد ورسم رهانات جديدة للمسرح سنجد تجلّياتها في كلّ الحركات المسرحيّة المُجدِّدة التي ستظهر في أوروبا وخارِجها طِوال القرن العشرين وبعده.
سيتجسّد "جوهرُ" المسرح و"ماهِيتُه" أو "ما هو ضرورِيّ لا غِنى عنه في المسرح"، في خطابات دُعاة التجديد، في صورٍ مُختلِفةٍ؛ ولكنّهم سيلتقون في الانطلاق من مبدأ التشكيك في اعتبار ما هو قائم مُمثِّلًا للمسرح كلّ المسرح وفي الميل إلى اعتباره، في أحسن الأحوال، صورةً مُمكنة لما يمكن أن يكون عليه المسرح لا غير، من ناحية، و في نزيل دعوة التجديد، من ناحية أخرى، في إطار السعي إلى العمل على استعادة وهَجَ المسرح وروحه، بعد أن ذبُلت وخفَتَ نورُها وذلك من خلال السعي إلى تحقيق حالة "التمسرح" التي هي التماهي مع جوهر المسرح لا مع أعراضِه.
وقد تبلور "التمسرح" في صورة تقابل - على غرار التقابُل القائم بين "الأدب" و"الأدبيّة" - على أساسه تمثّل [حالةُ "التمسرح"] كلَّ ما هو خصوصيّة للمسرح على نقيض الأدب المسرحي، شأن ما ذهب إليه " أنتونان أرتو" (1896 – 1948) A. Artaud " عند تقويمه لواقع المسرح الغربي إلى عهده: "إنّ المسرح الذي يُخْضِعُ الإخراج والإنجاز الرّكحِيّ، أي كلَّ ما هو مسرَحِيٌّ فيه، لسلطة النّصّ إنّما هو مسرح كتَبَه أبْله أو مجنون أو نحوِيّ ..." مُضيفًا: "أكاد أشمئزّ من المسرح المُعاصِر كُلّه، فهو مسرح إنسانوِيّ لا شاعِريّ ... يُخَيَّل لي أنّ رائحة التدهور والصديد تفوح منه..." وستصاغ هذه الفكرة نفسها في إطار التعارض المشار إليه ولكن بشكل أهدأ وبطريقة أقرب ما تكون إلى التعريف القطعيّ الذي يروم الشمول فلقد ذهب رولان بارط (1915- 1980) من موقِع النّاقِد والمُنظّر عند تعريفه [حالة "التمسرح"] إلى "أنّها المسرحُ مستثنى منه النّصّ" و المقصود، طبعًا، مُختلف ما يتجلّى على الرّكح وما يُحسّ من أصوات وأضواء وظلال وأحجام وما يتقاطع فيها من علاماتٍ مختلفةِ السِّمات وما تستدعيه من أشكال التقبّل ...
لقد أصبح التوجّه الغالب في استخدام هذا المفهوم هو تقديم المدى الذي طالما غُيّب لدى النقاد والمؤرخين لهذا الفن عند تركيزهم على النصّ المسرحيّ في صورته الأدبيّة وسكوتهم عمّا يتحقّق به المسرح فرجة يتلقّاها الجمهور ويتفاعل معها ومع من يُنجزُها أمامهم، وعدم اعتبارهم لما وراء ذلك من فواعل فاعِلة تُحقّق اكتماله ومن خبرات ومعارف. ولعلّ في ذلك ما أعطى المفهومَ مشروعيّة لا يمكن التشكيك فيها ولكنّ ذلك لم يُزل عنه كلّ الغموض الذي حام حول دلالاته ولا انسياق م عدد من مستعمليه في التعميم، أحيانًا كثيرةً، خاصّة وقد أصبح متواتِرًا تواتُرًا قد أبعده عن المفاهيم الإجرائيّة الناجعة على مستوى مناهج البحث والدّراسة .
وفي النهاية
إذا ما عُدنا إلى المفهوم في صياغته العربية فيمكننا أن نشير إلى حضور مقولات هذا المفهوم، رغم حالة الارتباك المُصطلحِي لدى معتمدي اللغة العربيّة، في أهم المقدّمات التي عليها بنى أصحاب الدعوات التّأصيلية خطابهم المتعدّد والمختلف المشارب والمآرب إلى حدّ الفعارُض والتناقض وذلك من خلال الإحالة على ما هو خارِجٌ عنها أي عمًّا تراكم من دلالات هي وليدة الجذر اليوناني وامتداداته. رغم ال"الخطيئة الأولى" المتمثّلة في تسمية هذا الفن بـ "مسرح" و إننا لَنذهب إلى أنّ صدى هذا المفهوم قد تعدّى ما يتطلّبه الخطاب التأصيلي الذي عالجنا ليرتبط بالتيارات الدّاعية إلى الخروج عن المسرح الدّرامي بمختلف تجلياته والانسياق في مغامرات فنّيّة ليست مضمونة النتائج بالنسبة إلى من يؤمن بأن المسرح لا يكون دون أن يكتمل فعله فتبنى حياة مسرحية يرتقي فيها إلى درجة ما هو ضرورِي يُقدِم عليه الإنسان العربيّ باعتباره حاجة حقيقية كبقيّة حاجياته التي تُحقّق كمال إنسانيّته ... وهذا موضوع آخر وأحلام أخرى.
د. محمد المديوني
تونس
الهوامش:
سأضع ملفوظ "تمسرح" بين ظفريْن كلما استخدمتها في هذا النّصّ وقد أضيف إليه [حالة] وذلك لعدم اقتتناعي بهذه الترجمة للأصل الأوروبي، وسأفصّل القول في الموضوع في فقرة لاحقة.
شأن " جاك درّيدا Jacques Derrida ، انظرمقال "آايسون روس" حول موقع لمسرح في فكر الفيلسوف الفرنسي:
Alison Ross, Derrida's Writing-Theatre: From the Theatrical Allegory to Political Commitment, in
A Journal of the Performing Arts, Volume 24, 2019 - Issue 4: On Theatricality,in Performance Research.
ويمكن ترجمة العنوان على هذا النّحو: [" الكتابَة- المسرح عند "دِرّيدا"، من الأمثولة المسرحيّة إلى الالتزام السياسِيّ"]
Morissette, J.-F. (2011). Entre fiction et vérité : la théâtralité comme mode de connaissance. Cahiers de recherche sociologique, (51), 115–138.
ويمكن ترجمة العنوان على هذا النّحو: [بين التخييل والحقيقة: " حالة التمسرح" باعتباره مسلك معرفةٍ]
كثيرة هي الندوات الفكريّة والمؤتمرات التي خُصّصت لهذا المفهوم وامتداداته بصورة منتظمة يمكن أن نذكر منها، على سبيل المثال، الندوة الفكريّة التي نُظّمت في جامعة لانكَستَرْ في المملكة المتحدة سنة 2017 ، التي قام موضوعها على:
‘Theatricality and Interrelations between Art, Film and Theatre
" التمسرح والعلاقات المتبادلة بين الفنّ والفلم السينمائي والمسرح"] [
و مما يؤكّد العناية التي يحظى بها هذا المفهوم هو إقدام مؤسّسة جامِعيّة للبحث على تمويل هذه النّدوة و على توفّير متظلّباتها اللوجستية وضمان امتدادتها من خلال نشر الأعمال في مُجلدين اثنَيْن؛ هذه المؤسّسة هي:
the Arts and Humanities Research Council (AHRC) in 2016–17
’
انظر العدديْن المخَصَّصيْن لأعمال النّدوة للمفهوم الصادر أوّلُهما سنة 2017 وثانيهما السنة الموالية اسم الدوريّة هوِ :
Performance Research , A Journal of the Performing Arts, Volume 24, 2019 - Issue 4: On Theatricality
Samuel Weber, Theatricality as Medium, Fordham University Press, 2004.
Jean-François Morissette, Entre fiction et vérité : la théâtralité comme mode de connaissance
انظر "باب في أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب" ابن جني (ت: 392 هـ - 1002 م) ، كتاب الخصاشص، دار الحديث، 2008، ص: 358 وما بعدها.
انظر ما ورد في أغلب نصوص الرحالة والمؤرّخين العرب وروّاده الأوائل في العصر الجديث، شأن خير الدين التونسي ورفاعة رافع الطهطاوي وغيرهما ...
المُعجم المسرحي، مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض لماري إلياس وحنان قصّاب حسن، مكتبة لبنان ناشرون، 1997، ص:462 - 464
المرجع السابق، المُخطيات ذاتها.
روجي عسّاف، "المسرحة أقنِعة المدينة ..." ، دار المُثلّث، بيروت، 1984
انظر تقديم الكتاب والتعليق عليه في: محمد المديوني، إشكاليّات تأصيل المسرح العربيّ، المجمع العِلمي للعلوم والآداب والفنون - بيت الحِكمة،، تونس 1993. ص:65 خاصّة.
وهو عبارة عن ثلاث مقالات نشرها متتالية في مجلّة " الكاتب" المصريّة، سنة 1964. ثم ذيّل بها أعماله المسرحيّة الكامِلة، وأطلق عليها عنوان "نحو مسرح عربِيّ" الوطن العربيّ، فبراير، 1974.
انظر تقديم الكتاب والتعليق عليه في: محمد المديوني، إشكاليّات تأصيل المسرح العربيّ، سبق دكره، ص:53 – 54.
ورد، مثلا ، في معجم أكسفورد للغة الإيطالية تعريف لـ : Teatralità
Tendenza a una recitazione pomposa e declamatoria ...e, con riferimento ad atteggiamenti, alla ricerca di effetti artificiosamente esagerati
[ميلٌ إلى الإلقاء بتضخيم وجهورِيّة ... بحثًا عن أثَر مصطنَع مُبالَغ فيه ...
ضُمِّنت، في إطار تحديد دلالة Theatralik في المعجم الألماني، مثلًا، جملةٌ تتكلّم عن "هتلر" ورد فيها:
Hitlers Theatralik war mit seiner rednerischen Kraft verbunden
أي: ["التمسرح" ["الحالة المسرحيّة"] عند هتلر وثيق الصّلة بقدراته الخطابية العالية.]
وورد التعريف ذاتُه عندما عُرّف بـِ theatricality
behaviour that is extreme and not sincere, and that is intended to attract attention: She is like my mother in her theatricality
[ سلوك مبالَغ فيه بعيد عن الصّدق، يسعى إلى لفت الانتباه : إنّها تشبه أمّي وهي في " حالة تمسرُحِها"
ورد في تعريف Théâtralité [تطابق أثر من الآثار مع مُقتضيات المسرح بما هي جوهر لهذا الفنّ وخصوصيّة]
Conformité d'une œuvre aux exigences du théâtre considéré dans son essence et sa spécificité
وكذلك الأمر في تعريف لـ : Teatralità
Carattere di ciò che è teatrale [هي السمات المُميّزة لكلّ ما هو مسرَحِيّ]
انظر، مثلا، المُعجم المسرحي، مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض لماري إلياس وحنان قصّاب حسن، مكتبة لبنان ناشرون، 1997. ص:462.
Thomas Aron, Littérature et littérarité. Un essai de mise au point, Presses universitaires de Franche-Comté, 1984, p. 8
طوماس آرون، الأدب والأدبيّة، محاولة لوضع النّقاظ على الحروف]
البرتغالبّة: literalidade؛ الإسبانِيّة :literalidad ؛ الإنكليزية Literary؛ الألمانِيّة Literarizitaet .
Thomas Aron, Littérature et littérarité. Un essai de mise au point, op. cit., p. ; 8.
Tamara Baicova-Poggi, La théâtralité chez Evreinov et les futuristes russes in revue des études slaves vol. 53, n°1, p :47-57. [حالة "التمسرح " عند آيفرينوف والمستقبليّين الروس]
Sharon Marie Carnicke et Robert B. Parsons, L’instinct théâtral : Evreinov et la théâtralité,op. cit., p : 99.
المرجع السابِق، المُعطيات ذاتها.
المرجع السابِق، المُعطيات ذاتها، ص: ص: 110
NOTES ET REFLEXIONS DE NICOLAS EVREINOFF in Catalogue[exposition réalisée par le Département des arts du spectacle] Evreinov BNF1981
انظر:
- NOTES ET REFLEXIONS DE NICOLAS EVREINOFF op. cit.
- Tamara Baicova-Poggi, La théâtralité chez Evreinov et les futuristes russes, op. cit., p :48
المرجع السابِق، المُعطيات ذاتها، ص: 50.
NOTES ET REFLEXIONS DE NICOLAS EVREINOFF op. cit. , chap VII.
المرجع السابِق، المُعطيات ذاتها، ص: 50
A. Artaud, Le théâtre et son double, Gallimard, Paris 1964, p :49
A. Artaud, op. cit. , p: 60 – 61).
Barthes, Essais critique , Seuil, Paris, 1964, p :53.
Patrice Pavis, Dictionnaire du théâtre, termes et concepts de l’analyse théâtrale, Editions sociales, Paris 1980. p :409-410.
محمد المدوني، إشكاليّات تأصيل المسرح العربيّ ... سبق ذكره.
المصادر والمراجع:
باللغة العربيّة:
ابن جني، كتاب الخصائص، دار الحديث، 2008.
روجي عسّاف، "المسرحة أقنِعة المدينة ..." ، دار المُثلّث، بيروت، 1984
المُعجم المسرحي، مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض لماري إلياس وحنان قصّاب حسن، مكتبة لبنان ناشرون، 1997.
محمد المديوني، إشكاليّات تأصيل المسرح العربيّ، المجمع العِلمي للعلوم والآداب والفنون - بيت الحِكمة،، تونس 1993.
يوسف إدريس، نحو مسرح عربِيّ، الوطن العربيّ، فبراير، 1974.
بغير اللغة العربيّة:
كلُّ ما ضمّنّاه من الشواهد في هذا النصّ وأحلنا عليه من المراجع غير العَرَبِيّة هو من تعريبنا.
Patrice Pavis, Dictionnaire du théâtre, termes et concepts de l’analyse théâtrale, Editions sociales, Paris 1980.
A. Artaud, Le théâtre et son double, Gallimard, Paris 1964
Revue des études slaves, tome 53, fascicule 1. Numéro consacré à Nicolas Evreïnoff. - Paris, 1981, Dans ce volume sont rassemblées les communications faites lors du colloque organisé à Paris du 26 au 23 octobre 1979 par l'Institut national d’Etudes slaves* à l'occasion de la commémoration du centenaire de Nicolas Evreinoff.
Tamara Baikova-Poggi, (Traducteur : G. Abensour), La théâtralité chez Evreinov et les futuristes russes , in Revue des Études Slaves Année 1981 53-1 pp. 47-57.
Fait partie d'un numéro thématique : Nicolas Evreinov : l'apôtre russe de la thêâtralité.
Sharon Marie Carnicke et Robert B. Parsons (Traduit de l'américain par Robert B. Parsons), L’instinct théâtral : Evreinov et la théâtralité ; in revue des études slaves vol. 53, n°1, 1981, 97-108.
Samuel Weber, Theatricality as Medium, New York, Fordham University Press, 2004 .
Alison Ross, Derrida's Writing-Theatre: From the Theatrical Allegory to Political Commitment, in A Journal of the Performing Arts, Volume 24, 2019 - Issue 4: On Theatricality.
Morissette, J.-F. (2011). Entre fiction et vérité : la théâtralité comme mode de connaissance. Cahiers de recherche sociologique, (51), 115–138.
NOTES ET REFLEXIONS DE NICOLAS EVREINOFF in Catalogue [exposition réalisée par le Département des arts du spectacle] Evreinov BNF, Paris, 1981.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق