تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

مسرحية " رحـــــــلة باطــــــــــــــــوس " تأليف محمــــــــــــــد العنيـــــــــــــــــزي

مجلة الفنون المسرحية


مسرحية " رحـــــــلة   باطــــــــــــــــوس " تأليف محمــــــــــــــد العنيـــــــــــــــــزي


اللـوحــــــة الأولــــى :


(مشهد لغابة من الأشجار..وصورة أوتمثال لأسد..تظهر الحورية قوريني تحمل رمحا ..يعلو صوت زئير الأسد..وقوريني تطعنه برمحها ..ثم يظهر أبوللو..ويدور 

بينهما حوار..)


أبوللو :

ياللعجب..هل أصدق ماأرى..أم أن البصر يخادعني ؟..الحورية الفاتنة تنازل أسدا ضروسا وتقتله بطعنة من رمحها.

حسناء قمرية الطلعة..تجيد القتال مثل فارس شجاع..ماأروع أن تحمل فاتنة حسناء قلبا جسورا لايخشى الأهوال.

أيتها الجميلة..هل مات ملك الغابة من طعنة بالرمح أم قتله رمش العين الكحيلة ..؟


قوريني :

أوه..من أرى أمامي ؟ أبوللو إله الشعر والموسيقى ومؤسس المدن والمستعمرات.. من أبرع منك في نسج حلو الكلام وعذب الألحان ؟

يبدو من كلامك أن قريحتك قد جادت عليك بكلمات عذبة تنوي أن تسمعني إياها يا ملهم الشعراء .


أبوللو :

أصبت ياملكة الحوريات..فقد جادت قريحتي بأعذب وأرق الكلمات منذ أن وقعت نظراتي عليك وأنت تتجولين في السهول الفسيحة..كالقمر الطالع بين أزهار اللوتس والزنابق..لقد رأيتك تحملين الرمح في يدك وقبل أن تصرعي الأسد..صرع قلبي من 

هواك يا قوريني .


قوريني :

على رسلك ياأبوللو..على رسلك ياأبا الشعر والكلام المنمق..ماأسرع ما وقعت صريع الهوى..أرى أن قلبك مرهف لايقوى على رؤية الحسناوات.

أتعرف ياأبوللو أن هذا القلب الذي يسكن بين أضلعي عزيز المطلب..وصعب المرام؟

ينأى عن كل من يتقرب إليه .

أتظن أنني سأنقاد إليك ببضع كلمات تنسجها من وحي خيالك ؟..لا..فأنت مخطيء ياأبوللو..لاتحاول استمالتي إليك..وابحث لقلبك عن عاشقة مهيافة لنبعك .


أبوللو :

من يرى مثل هذا الجمال الآسر ولايقع في شباكه ياقوريني ؟

من يحتمل النظر إلى عينيك دون أن يصرع ؟

آه ياقوريني..فاتنة أنت حتى في تمنعك..لقد أضحى قلبي مثل ذبالة تنوس..

أي قريحة تقوى على وصف هذا الجمال ؟

وأي كلمات أهديها لقوريني ملكة الحوريات ؟


قوريني :

ها..ها..ها..ها..ها (تضحك باستهزاء )

أرجو ألا يشطح بك الخيال بعيدا أيها المتيم الولهان ..


أبوللو :

أيها السر المخبوء في كنوز الكلمات..اكشف عنك الغطاء..وادنو من ساحرة القلوب قوريني..وكن وطنا لصبوتي السادرة .

أيها السر المدفون في القوافي..امنحني بلاغة أعظم الشعراء..لأنظم قصيدة تصف مباهج قوريني..كلماتها حروف تتوهج كالنجوم..يرددها البحر للشاطيء..وتتغنى بها الغابات لأشجارها..وتحملها الرياح الموسمية مثل حبات اللقاح فتتناسل حروفها في مواسم العاشقين .


قوريني :

أقسم أنك ساحر ياأبوللو..تراود الكلمات عن معانيها..وتنسل إليك القصائد من أحاسيس الشعراء وشفيف أرواحهم.. ورغم ذلك فأنا لا أرغب في سماع قصيدة غزل أوحتى بيت واحد..وكل ما حدث هو أن المصادفة وحدها هي التي ألقت بك في طريقي..والآن ليمضي كل منا في حال سبيله .

( ثم تهم بالأنصراف فيعترض أبوللو طريقها )


أبوللو :

انتظري قليلا أيتها الحسناء..فأنت محقة في قولك أن المصادفة وحدها هي التي ألقت بي في طريقك .

ولكن لماذا لاتصدقين أن قلب أبوللو قد خفق بشدة واضطرب ؟

ألا ترين أن المساء قد صار وفيرا بالأطياف الأثيرية الفائضة من أفق علوي ؟

هذه الأطياف ترفرف حولنا..وتحتفي بلقائنا (ثم يشير بيده إلى أعلى وكأنه يرى

 شيئا ما) ..انظري  يا قوريني..واستمعي إلى همسها العذب..إنها تحاكي قلبينا..وتبارك هذا اللقاء ..وتشدو بأغانيها الجميلة..يا للحن البديع الذي يزف إلينا البشارة..وينبيء بأننا سنصبح أروع عاشقين في هذه السهول والغابات..

قوريني :

اسمع يا أبوللو..سألتمس لك العذرفي شطحات خيالك هذه..لأنك إله الشعر والموسيقى 

..لكن الواقع أنني لست المرأة التي رسمت صورتها في خيالك..ولست آبهة لكل ماتقوله..وقد أفهمتك أن قلبي يصعب الوصول إليه ياعزيزي..فامضي في دربك عسى أن تجد امرأة أخرى تسبح معك في بحر خيالك..وتنقاد إلى كلماتك الساحرة..وربما تهب لك نفسها وتقول لك :

آه يا أبوللو ..إن قلبي ملك يديك ..خذني وامضي بي بعيدا عن العيون..

فتسعد كلماتها قلبك المسكين..وترضي هذا النزق الذي يسكنك .


أبوللو :

أقسم لك أنه ليس نزقا..ولا شطحة خيال..إنه العشق..أجل ..إنني أحسه يسري في جسدي سريان النسغ في جذع الشجرة..لماذا لاتصدقين أيتها الحسناء التي سحرت قلب أبوللو ؟


قوريني :

إذا كنت جادا حقا يا أبوللو فإن قلبي رهن بأمنية تراودني..وقد وعدت نفسي بأن أهبه

لمن يحقق لي هذه الأمنية .


أبوللو :

سأفعل من أجلك أي شيء..سأحقق لك ما تريدين..أجل ..سأحقق لك أمنيتك حتى يرضى قلبك..اطلبي وأنا طوع أمرك .


قوريني :

ها..ها..ها..ها.. يبدو أنك جاد فعلا هذه المرة يا أبوللو .


أبوللو :

وأقسم على ذلك يا قوريني .


قوريني :

حسنا يا أبوللو..أريد وطنا يسكنه الثيرانيون ويحقق لهم المجد والثراء..وأريد أن يسمى بإسمي..هل بإمكانك فعل ذلك ؟


أبوللو :

وهل يصعب على أبوللو إله المدن والمستعمرات أن يفعل ذلك ؟                     سأهب للثيرانيين وطنا لأجل عينيك ياقوريني..أعدك بذلك..إن أبوللو إذا وعد فلن يخلف..سيكون لك ما تريدين يا حسناء السهول الفسيحة..سآخذك معي إلى أرض

 بعيدة..وسترين بعينيك الجميلتين بهاء الطبيعة هناك..وثروات الأرض التي ستجلب الغنى لأبناء جزيرة ثيرا..سأجهز عربتي التي تقودها بجعتان..لتطير بنا إلى الأرض التي سأسميها باسمك..أرض قوريني .

ما أسعدني يا قوريني..وما أنعم هذا المساء


قوريني :

ساحر أنت يا أبوللو..تأخذني إلى هدوئك الذي يسبق عواصفك..من أي أسطورة قديمة أتيت ؟

ياللدقات التي تتصاعد في قلبي..يالهذا الساحرالذي يخطف النخب من الكأس....

ويأسرني بالثمالة..فتضج كلماته في روحي..


أبوللو :

يا لجمال ما أرى..يا لروعة ما أشاهده الآن يا قوريني..أرى طيورا زاهية الألوان تفيض من وراء ستائر جفنيك وترفرف حول قلبي فتحمل إليه البهجة كاملة .

هكذا يبدأ الحب يا مليكة الحوريات.. كنشيد ينبثق من شغاف الروح .

شهية مباهجك يا قوريني

كفاكهة                                                                                             بطعم هذا المساء ..

مبجلة نظراتي                                                                                   التي ترنو إليك ..

سأكون الجدول

فكوني أنت الماء ..

ومدي ليلك                                                                                     يتوسد نافذتي..

لأتوج في سكونه 

قصيدة عذراء..

وأطلقي يا أميرتي                                                                          عصافيرك..

تعبر فضائي

وتشدو بانتشاء..

من ذا يقايضني

موسما لقوريني..


بألف موسم

من مواسم النساء..

(يصمت قليلا ثم يلتفت ويشير إلى الجهة الأخرى ويواصل حديثه )

ها قد وصلت عربتي التي تجرها بجعتان..أقبلي ياقوريني لتنطلق بنا وتحلق في السماء..أقبلي..فهذا المساء شرفة للعاشقين..

لي الوصل والكأس وأعياد هذا الموسم..ولك النخب والوطن الذي تشتهين..يشهق بك

ويزفر أحلاما وادعة..مرفأ للقادمين من ثيرا..يختال في روابيه الربيع..اقبلي يامليكة.

                                   


ستـــار


اللوحـــــــة الثانيـــــــــة :


( منظر لشاطيء جزيرة ثيرا..وتبدو مركب راسية..ومجموعة من الرجال تنقل الأمتعة  إلى ظهرالمركب.. وينبعث صوت موسيقى تصويرية ..فيما يجلس في الناحية الأخرى مجموعة من الرجال والنساء من أهل الجزيرة ينتظرون إبحار مجموعة الرجال لتوديعهم..ويدور الحوار بين اثنين من الذين سيقومون بالإبحار..مع انبعاث صوت هدير البحر بعد أن يتوقف  صوت الموسيقى التصويرية )


الأول : (وهو ينظر حوله ثم يلتفت إلى صاحبه )

أين باطوس ؟  إنني لاأراه بيننا


الثاني :

لابد أنه في طريقه إلينا..قفد أخبرني أحد الرفاق هذا الصباح بأنه سيزور الكاهنة في موحى دلفي قبل أن يبدأ الرحلة..وأعتقد أنه لن يتأخر كثيرا.


الأول :

ولكن ..ألم يستنبيء وحي الإله أبوللو في المرة السابقة ؟


الثاني :

بلى..وقد أنبأته الكاهنة بأن الإله أبوللو يأمره بالذهاب إلى بلاد ليبيا..لإنشاء مستعمرة 

هناك..لكنه أراد أن يزور الكاهنة قبل الرحلة حتى يباركه الإله .


الأول :

وأين تقع هذه البلاد التي أمره الإله بالذهاب إليها ؟


الثاني :

إنها أرض بعيدة عن جزيرة ثيرا..وتوجد في القارة الجنوبية..وقد سمعت أنها أدغال موحشة تسكنها الهوام والوحوش وعفاريت الجن..ويقال أن الغريب الذي يطؤها غازيا يهلك في غاباتها إذا نجا من بطش أهلها..أو يقع فريسة لأنياب الوحوش..وإن نجا من هذا أو ذاك وقع أسيرا في كهوف الجان المظلمة..فيعذبوه معلقا من رجليه حتى الموت..

أما أناسها فهم قبائل رحل أشداء ومقاتلون شرسون لايخشون الموت..لكنهم كرام مع من يحل ضيفا عليهم .


الأول : (خائفا )

لقد أرعبتني يا رجل..فأنا لم أسمع عن هذه البلاد من قبل..ولا أعرف أين تقع..بل لم أغادر ثيرا منذ ولادتي إلى أي مكان آخرمن هذا العالم الفسيح..حدود معرفتي مسكني وحقلي الصغير وأبعد من ذلك قليلا..لكن عندما طاف المنادي شوارع الجزيرة مناديا أهلها أن الإله أبوللو يدعوهم إلى مهمة مقدسة..سارعت ولبيت النداء طائعا..إرضاء للإله ودفعا لغضبه ولعنته ..

( يصمت قليلا ثم يتنهد ويقول بنبرة فيها شيء من الحزن والخوف )

لا أعرف سوى أنني ذاهب في مغامرة مجهولة العواقب..ربما أعود لأطفالي..وربما لا أعود..وقد نضيع في لجة هذا البحر..أونسكن في قاعه إلى الأبد..


الثاني : (مربتا بيده على كتف صاحبه )

دع عنك هذه الأوهام..هل جبنت إلى هذا الحد ؟..أم أنك فقدت الثقة في عناية الآلهة ؟


الأول : (وهو يلتفت ناحية البحر )

لست رعديدا ولاجبانا..ولاأقوى على مشاكسة الآلهة..أوالطعن في قدراتها الخارقة..

لكنه الهاجس البشري..فأنا بشر من قلب وأحاسيس..وكل ما في الأمر هو أنني أتساءل في داخلي.. لماذا تقضي رغبة الإله أبوللو بأرسالنا إلى أرض مجهولة بالنسبة لنا ولا نخبر مسالكها ؟

وفي كل الأحوال ..لا مجال للتراجع عن القيام بالرحلة.. فقد أقسم الثيرانيون على ذلك

..وكل من يرفض أو يتراجع سيكون مصيره الإعدام ومصادرة أملاكه .


الثاني :

لماذا نستبق الأحداث ونتشاءم ؟..كن متفائلا يا عزيزي..ولنقل أن الكأس مليء إلى نصفه..ثم لاتنسى أننا لو رجعنا إلى ثيرا ظافرين فسنكون نحن الذين أسسنا للوطن الجديد..الذي سيتوافد إليه المهاجرون الثيرانيون..ستخلد الذاكرة الجماعية لليونانيين

العمل العظيم الذي قمنا به كمغامرين لبوا نداء الآلهة..وتحققت على أيديهم النبوءة التي نقلتها الكاهنة إلى باطوس..

إنه لشرف لنا أن نكون برفقة هذا الرجل الذي سيخلده التاريخ ويضعه في مرتبة الأبطال..وستحيك الأجيال القادمة حوله الأساطير..فيحيا في ذاكرتها كبطل أسطوري..إنها مشيئة الآلهة..

(ثم يرفع يديه ورأسه إلى أعلى ويقول بصوت عال )

إلهنا يا راعي الشمس التي تمدنا بالضوء..ورب الشفاء والطهارة..سنعبر البحر بمشيئتك..يا سليل الإله زيوس..يا مؤسس المدن والمستعمرات..امنحنا معونتك ..

(يردد معه باقي الرجال بصوت واحد وهم يرفعون أيديهم لأعلى نفس المقطع السابق

ثم يستمر الجميع في عملهم مع انبعاث صوت موسيقى تصويرية..تستمر الموسيقى حتى يرتفع صوت أحد الرجال..)


ها قد وصل باطوس أيها الرفاق ..

( يدخل باطوس مخاطبا الرجال )


باطوس :

أسرعوا أيها الرجال فالوقت لايرحم المتكاسلين..انقلوا الأمتعة وجهزوا المجاديف..فالإله قد بارك رحلتكم..وسوف يرعاكم بعنايته..

(يختفي باطوس في داخل المركب فيما يستمر الرجال في عملهم وينبعث صوت موسيقى خفيفة..ويردد الجميع بصوت واحد )


المجموعة :

مباركة خطوات الرجال ..مباركة أعمالهم

مباركة يا مركب باطوس..

لقد أقسمنا عند المعبد..أن نمضي في الرحلة..

رغم كل الصعاب..ولن نتراجع..ولن نتخاذل

شجعان أبناؤك ياثيرا..في البر والبحر

ارفعي رأسك عاليا..وصلي للإله أبوللو

ليمدنا بالعون ويباركنا..

(يستمر صوت الموسيقى ثم يخفت تدريجيا ويظهر باطوس فوق ظهر المركب يخاطب المجموعة )


باطوس :

ستعبر مركبنا البحر وتتهادى..مثل امرأة لعوب..وسيمنحنا الإله معونته..فيهدأ البحر ولا يرسل أمواجه الكاسرة..ولا يهدر بعنفه القاسي في وجه مركبنا..سنمضي في رحلة ممتعة أيها الرفاق..ونغني لحوريات البحر الجميلات..فيظهرن ويمددن أعناقهن باتجاهنا..وشعورهن مسدلة فوق أكتافهن الناصعة البياض..ويرميننا بنظرات كالسهام الثاقبة..التي تخترق القلوب..ثم يقتربن من المركب ويغازلن الرجال الذين يجذفون بسواعدهم القوية..فتقوى همتهم..وتزداد صلابة سواعدهم وتمرق المركب مسرعة نحو جزيرة كريت..وهناك سوف نستعين بأحد البحارة الذين عبروا بمراكبهم إلى ليبيا..فيدلنا على أقرب المسالك البحرية المؤدية إليها  .                                              ( يدخل باطوس إلى المركب ويدور حوار بين رجلين من المجموعة هما خيونيس وليكوس )


خيونيس :

أراك على غير عادتك ياليكوس..وعلامات القلق بادية على وجهك..ماالذي يقلقك    يا صديقي ؟

ليكوس :

وماذا أقول ياخيونيس سوى أنني مجبر على الرحيل إلى بلاد أخرى من أجل  تحقيق أمجاد لن ننال منها سوى التعب والمشقة  .

نحن مجرد فقراء نعيش بحثا عن اللقمة من أجل صغارنا..ولاشأن لنا بوطن يمجد أبناء ثيرا..وسواء كنا في هذه الجزيرة أوفي الوطن الجديد الذي أرادته لنا الآلهة 

فلن يغير ذلك من الأمر شيئا .

سيكون المجد لإسم باطوس..أما نحن فلن يذكرنا أحد..وإذا ما تحققت نبوءة الإله أبوللو وكان للثيرانيين وطن في تلك القارة الوافرة الخيرات كما يقولون..فسيبارك الجميع إرادة الإله أبوللو إله المدن..ويقدمون الولاء لباطوس..فيحكم باسم الآلهة ويرفل في الثراء هو وحاشيته.

أما نحن يا عزيزي فلن ينالنا سوى التعب ومشقة ا لإبحار والبعد عن الوطن ..


خيونيس :

أنا أخالفك الرأي ياليكوس..فإذا ما تحققت هذه النبوءة وأصبح باطوس ملكا على الثيرانيين في الوطن الجديد..فلا أظن أنه سينفرد بالحكم وحده..ويسيطر على الثروات ويحرم أبناء وطنه..لأنه إن فعل ذلك فسوف تحل عليه لعنة الإله أبوللو.


ليكوس :

من السذاجة أن ننظر إلى الأمر بهذا المنظور..وأقول لك بكل بساطة أن باطوس حين يتولى الحكم سيفكر أولا في إرضاء الإله أبوللو ويضمن أن لا تحل عليه لعنته..ثم يبدأ في الإستئثار بالحكم ويطلق يده لتبطش بكل من يعارضه .


خيونيس :

وماذا تراه سيفعل لإرضاء الإله أبوللو ؟


ليكوس :

سوف يبني له معبدا كبيرا.. ويقيم له الإحتفالات السنوية التي يقدم فيها القرابين إرضاء له..فيسعد بذلك أبوللو..ويرضى عنه .


خيونيس :

وهل من الضروري أن يكون بناء المعبد من أجل إرضاء الإله أبوللو حتى يغض الطرف عن أخطاء باطوس ؟

لماذا لايكون من أجل أن يبارك أبوللو المستعمرة الجديدة وحمايتها؟

ليكوس :

إذا أردت أن أصارحك القول ياخيونيس..فأنا لا أثق في باطوس هذا..وفي ظني إذا ما كنت محقا في ذلك أنه يحمل في داخله طمعا لا حدود له في الجاه والثراء والتعالي على الآخرين  .


 خيونيس : 

أرى أنك مخطيء في حكمك..


ليكوس :

إنها الفراسة يا خيونيس..هكذا يحدثني قلبي..وأرجو أن أكون مخطئا..


خيونيس :

وأنا أرجو ذلك أيضا..

(ينضمان إلى باقي المجموعة ويظهر على الركح شاب يحمل في يده وردة حمراء ..                           

يتأملها ويشم رائحتها ثم يشرع في مخاطبة نفسه..وينبعث صوت موسيقى خفيفة )


 الشاب :

تلك المرأة الثيرانية التي تعبر البساتين وتحمل في يدها سلة من الفواكه..تقابلني كل مساء عند شجرة زيتون عجوز..ترسل نحوي نظراتها الخجولة..وتمد إلي أناملها ممسكة بتفاحة ناضجة..ثم تجلس إلى جواري وتبادلني الأحاديث..

وحين أخبرتها ذات مساء عن رحلتي القادمة مع باطوس..سألتني مندهشة ..

هل سترحل إلى بلاد السلفيوم  ؟

قلت لها : لا أعرف أي بلاد هي التي سأرحل إليها

قالت لي : إذا زرت موطن السلفيوم فاحضر لي نبتة منه ..

ومنحتني وردة حمراء..ورفعت رأسها لأعلى وقالت ..لتباركك السماء 

(يصمت قليلا ويشم الوردة الحمراء التي في يده..فيما  يتقدم ناحيته اثنان من الرجال ثملان..يراقبانه ويتهامسان باستهزاء..ويسترسل في حديثه وهو ينظر باتجاه الجمهور 

مع انبعاث صوت موسيقى خفيفة )


الشاب :

أيتها الثيرانية الجميلة

حين تحطين كحمامة 

فوق غصني..

أنصت إلى هديلك

ويزهر في نفسي


شعور لا يوصف ..

ويرتعش قلبي كعصفور ذبيح

سأرحل وحيدا

دون عينيك ..

وأهجع إلى الأحلام..

كي تأخذني إليك..

أيتها الثيرانية الجميلة

سأعود إليك ..

وأهديك عقدا من أوراق السلفيوم 

تضعينه حول جيدك 

الوضاء ..

فيشرق وجهك

كأميرة ناعمة..

(تعلو ضحكات الرجلين الثملين اللذين يقفان بقرب الشاب ..ثم يتقدمان نحوه وتبدو على ملامحهما علامات السخرية )


الأول : (وهو يخاطب المجموعة )

ها..ها..ها..ها..ها.. ماذا حل بنا أيها الرجال  ؟

انظروا إلى هذا المتيم المسكين..يكاد أن يجن من عشق امرأة ثيرانية ..

ها..ها..ها..ها..ها..


الثاني : (باستهزاء )

أوه......ما أوهن قلبه..إنه لايقوى على الإبحار مع الرجال ..سيدق قلبه بقوة..

وربما سقط مغشيا عليه..ها..ها..ها..ها..ها


الأول : (باستهزاء )

لقد نسي باطوس أن يصحب معه طبيب لأمراض العشق في هذه الرحلة المباركة


الثاني :

تأمل وجهه (وهو يشير إلى الشاب)..ألاترى أن أعراض العشق بادية عليه


الأول :

أجل يا صديقي ..إنها أعراض نوبة عشقية.. وهي غالبا ما تصيب القلب المرهف 

بسبب نظرات امرأة فاتنة ..ها..ها..ها..ها..ها..ها

( يشرع الإثنان في نوبة من الضحك )

الشاب : ( وهو يصيح فيهما غاضبا )

لاشأن لكما أيها المتطفلان القميئان..فأنتما مجرد عربيدين تمضيان جل وقتكما في حانات ثيرا..وتحتسيان النبيذ حتى تغدوان مثل الخنزير 


الأول : (يضحك ساخرا )

ها..ها..ها..ها..هيا حدثنا أيها العاشق الولهان عن حبيبتك الثيرانية ذات العينين الساحرتين..والصدر الناهد..هل ودعتك هذا الصباح بمنديل تمسح به دموعها  ؟

الثاني : (باستهزاء )

بل قل إنه هو الذي ودعها عند نافذة بيتها..وكان يبكي مثل عاشق قديم..ويذرف الدموع فوق أرض الحديقة..فتنبت مكان كل قطرة زهرة كئيبة تذكر العاشقين بنار البعاد..ها..ها..ها..ها


الشاب : (وقد ازداد غضبه )

أيها الخنزير القذر..إن رائحة الخمر تفوح من فمك ومن عرق إبطيك..أنت ثمل ولا رغبة لدي في العراك مع عربيد حقير مثلك..إنني أحذرك..هيا ابتعد من هنا وإلا هشمت رأسك..


الثاني : ( تعلو نبرة صوته وهو يترنح قليلا ويقترب منهم الرجال المنهمكون في العمل )

لقد تطاولت كثيرا ..من تظن نفسك ؟ 

( ثم وهو يرفع قبضة يده ويترنح )..اصمت حالا و إلا سأدق عنقك بقبضتي القوية


الشاب : ( يصيح بصوت غاضب وهو يقترب من الرجل )

بل أنا الذي سأركلك بقدمي على بطنك المنتفخ من شرب النبيذ..وأجعلك تتقيأ القذارة (يخرج باطوس من المركب بعد أن سمع صوت الشجار فيما يلتف الرجال حول الشاب لمنعه وإبعاده عن الرجل الثمل )


 باطوس : (غاضبا )

ما هذا ؟..ما هذا الذي أسمعه وأراه ؟..صه أيها الحمقى (يتوقف الجميع ويلتفتون باتجاه باطوس )

كفوا عن هذه البذاءات..لا وقت للعراك لدينا..فنحن في مهمة مقدسة..لا يحق لكم أن ترتكبوا الآثام..عودوا إلى صوابكم..و إلا غضب عليكم الإله أبوللو..لا تعودوا لمثل هذه الحماقات التي تجلب لنا لعنة الآلهة..إنني أحذركم..وليعلم الجميع أنني قائد هذه 

الرحلة..وأي مخالفة للأوامر ستكون عواقبها وخيمة..سوف لن أتهاون في معاقبة كل من تسول له نفسه الإساءة إلى الآخرين..أو العمل على تعطيل  هذه الرحلة..هيا ..           ...لينصرف كل إلى شأنه (يتفرق الجمع ويعود الرجال لتجهيز المركب وحمل البضائع إليها ويدخل باطوس إلى المقطورة )



ستــــــــار

اللـوحـــــــــة الثالثـــــــة :


( يظهر باطوس في منتصف الركح وسط إظلام خفيف ..ويتم تسليط الضوء عليه مع انبعاث صوت موسيقى خفيف..يشرع باطوس في حوار مع نفسه..فيما تقوم مجموعة من الرجال خلفه بأداء حركات تعبيرية )


باطوس :

كنت أرى الأحلام خيولا جامحة..تنطلق في خيال فسيح..فأتوحد مع ملك الجزيرة..

أأمر وأنهى..وأراني قريبا من الكرسي ..والملك يخلع التاج ويضعه فوق رأسي ..

تنطلق الخيول الجامحة في خيالي..فأجز رأسه بسيفي وأعلن للملأ أنني الملك..وأظل 

طوال الليل أراقب دمه المسفوك على أرضية البلاط..حتى يفاجئني ضوء الفجر القادم مع صياح الديكة..

وفوق الأرضية يرسم دم الملك خارطة للجزيرة..فأدوس بقعة الدم الكبيرة بقدمي وأقف عند منتصفها..أشهر سيفي في يدي..وأمسك بالتاج في اليد الأخرى..

أراهن أنني أبيع الضوء للعتمة..وأن دم الملك حليب مراق من أجل رضيع جائع للكرسي..

(ثم يصيح بلهجة آمرة)

أيها الحراس ..أيها الحراس

ألقوا بالجثة بعيدا..عند طرف ناء من الجزيرة..لتتعفن ويحوم حولها الذباب..

ألقوا بالجثة بعيدا..لتتحول إلى جيفة تأكلها الكلاب..هيا..أأمركم أنا الملك باطوس..

أجل أنا الملك..والتاج مهابتي..والسيف حارسي الأمين

أنا ملك هذه الجزيرة ..أنا ملك هذه الجزيرة ..ها..ها..ها..ها..ها..ها..ها..ها..ها

( يهدأ ويصمت قليلا..ويرتفع صوت الموسيقى التصويرية..ثم يعود لمواصلة حديثه..

بعد أن يهدأ صوت الموسيقى )

إيــــــــــه..أدركت أن أحلامي قد كبرت.........

وفي المساء الذي زرت فيه المعبد..كانت المصادفة التي ألقتني وسط الضوء الخافت للشموع..حيث الكاهنة التي أمرتني أن أتقدم نحوها..قالت إن الآلهة تنتظر قدومي..لم أصدق..وقلت لنفسي..لابد أنني في حلم وسأستفيق منه..ثم طلبت مني الإنتظار ريثما تستنبيء وحي الإله أبوللو الفيثي ..أحسست بالرهبة..وراودني شعورغامض وغريب

..أغمضت الكاهنة عينيها..كانت تتمتم بكلمات أقرب إلى الهمس ..ثم فتحتهما وقالت :

_ إن الإله أبوللو يأمرك أن تذهب إلى بلاد ليبيا وتقيم هناك وطنا للثيرانيين ..

كان وقع كلماتها قويا على قلبي..صار يخفق بشدة وارتعبت..قالت :                                                                                   سيباركك الإله يابني..امضي في رحلتك..واصطحب معك من كل عائلة نفرا من الثيرانيين..ستكون ملكا عليهم..وراعيا لنبتة السلفيوم المقدسة..هبة الآلهة لشعب ثيرا 

من المهاجرين.

( يتوقف قليلا..ثم يستمر في حديثه مع تغير في نغمة الموسيقى التصويرية )

ياإله الشمس..والنبوءة..ومؤسس المدن

أخشى من بداية المغامرة..

أخاف من نفسي

أخاف من طمعي

ومن تاج ينتظرني بين يديك..

أخشى ممن حولي

ومن كرسي تتحلق حوله العيون..

وتراق عند حواشيه الدماء..

للخوف أجنحة طيارة

للنزق غروره..

وللشهوة حضيضها..

لي مآرب..وللآخرين مآربهم..

قلبي يكاد ينفطر..

ماذا دهاني ؟ ..هل جبنت أم تراجعت ؟

( يتوقف باطوس عن الكلام..يتغير لحن الموسيقى التصويرية..وتتغير الأضواء..

وينبعث صوت يخاطب باطوس..فيتلفت حوله يبحث عن مصدر الصوت..وعلى وجهه علامات الخوف والدهشة..)


الصوت :

أيها الشاب القوي باطوس..

امضي في رحلتك المقدسة..فأنا أحرسك وأباركك..أنت الملك المنتظر في قوريني..

سيلتف الثيرانيون من حولك ويخضع لك النسامونيون والتحنو وباقي القبائل .

مفتاح الثروة سيكون بيدك..إنه النبتة العجيبة..التي تجلب لك الثراء وللثيرانيين معك..

إنها نبتة السلفيوم يا باطوس..احرص جيدا على أن تكون راعيا لهذه النبتة المقدسة هبة الآلهة التي اختارتك لتعمر قوريني..ويتناسل فيها الثيرانيون ..

( يتوقف الصوت قليلا..وباطوس يستمرفي البحث عن مصدر الصوت..ثم يصيح..)


باطوس :

من أنت ؟..من الذي يخاطبني ؟...من أنت أيها الصوت ؟


الصوت :

باطوس...... أيها الشاب القوي الشجاع...

سيكون البحر في عونك يدفع المركب معك..وقوة السواعد التي تجذف أباركها..

وأجعل الشمس تمدك بالدفء...........


باطوس : (مقاطعا الصوت )

من أنت ؟ ..أين أنت  ؟..أنا لاأرى أحدا ؟..من أنت..  ؟


الصوت :

أنا الإله أبوللو رب الشمس والطهارة..ومؤسس المدن..أعدك بملك قوريني..

ستنعم بلقب الملك..ويحكم نسلك من بعدك..وتدين لهم القبائل..ويعمرون الأرض..وسيتوافد المهاجرون الثيرانيون إلى قوريني..من أجل إعمار الأرض المقدسة التي أسميتها باسم حوريتي الرائعة قوريني مصارعة الأسود..والتي حملتها معي إلى هناك في عربة تجرها بجعتان..وضاجعتها هناك في الأرض الخصيبة..

فأنجبت الإله اريستايوس..

إذا عمرت قوريني وحلق اسمك في سمائها..وكنت الملك..فاجعل شعارك العدل والمساواة ورفع الظلم عن الرعية..

قل للجمبع أنك جئت من أجل الإعمار والعدالة والحرية..ولاتقل أنك جئت من أجل نبتة السلفيوم..ثم ضع يدك على تجارتها..وافرض الإتاوات على القبائل التي تتاجر بها..ستحصد يا باطوس ثروة هائلة........انطلق في رحلتك

( يتوقف الصوت مع إظلام كامل وموسيقى تصويرية ثم تعود الإضاءة كاملة ويظهر 

مشهد باطوس والرجال والمركب والآخرين الجالسين )


باطوس :

هل كل شيء جاهز أيها الرجال ؟


أحدهم :

أجل يا باطوس..لقد أخذنا كل ما يلزم للرحلة إلى المركب..ونحن جاهزون للإبحار..


باطوس :

إذن هيا أيها الرفاق إلى المركب..لننطلق في رحلتنا إلى البلاد التي اختارها لنا الإله أبوللو..ليبيا بلاد الخيرات الوفيرة..حيث نعاجها تلد ثلاث مرات في السنة..وشياه قطعانها تدر على الدوام لبنا لاينضب له معين..

وتذكروا القسم الذي أقسمتموه عند المعبد..قسم أبناء ثيرا..

( يسير الرجال باتجاه المركب وتعلو أصواتهم بالتوديع ويلتفت باطوس إلى الجمع الواقف لتوديعه هو ورجاله ويرددون :

الوداع..الوداع يا أهل ثيرا )

المجموعة

الوداع أيها الرجال..عودوا إلينا غانمين..الوداع


ستــــــــــــار


                

اللـوحــــــــة الرابعـــــــــــــة :


( مرفأ ايتانوس بجزيرة كريت..وتظهر في المشهد حانة بها مجموعة من الطاولات..

يتحلق حولها رواد الحانة..فيما ينبعث صوت موسيقى يونانية وحديث دائر في الحانة

والنادل يتنقل بين الطاولات..بينما يجلس فيدون وهو أحد رجال باطوس إلى إحدى الطاولات مع صديق له من جزيرة كريت يدعى إيوفيموس..وفي خلفية المشهد يظهر البحر.. )


إيوفيموس :

يا للمصادفة السعيدة ..لقد سعدت برؤيتك أيها الصديق القديم فيدون..منذ عدة سنوات لم نلتق..هيه..حدثني..ماهي أخبارك ؟ ..وهل حققت كل طموحاتك التي كنت تحدثني 

عنها ؟

أقسم أن لك وحشة يا صديقي..ياه..لقد سرق الزمن أعمارنا يا فيدون..


فيدون :

وأنا أيضا سعيد لرؤيتك يا إيوفيموس..

(ثم مازحا ) ماذا فعلت بك السنون ؟  

لقد صرت عجوزا..وامتلأ وجهك بالتجاعيد يا صديقي..ولكن ..هل مازلت تبحر مع المراكب أم أنك كبرت وهجرت حياة البحر والصيادين ؟


إيوفيموس : (متحسرا )

آه يا صديقي العزيز..لقد تقدمت بي السن..ولم أعد أقوى على الإبحار..

(ثم وهو ينظر باتجاه البحر ويشير بيده ) ..لكنني لازلت أعشق هذا الإمتداد المائي   يا فيدون..وفي كل صباح أصحو باكرا كعادتي..وأذهب إلى الشاطيء..أجلس هناك على صخرة قرب الميناء..

( ثم يقوم من مجلسه وهو ينظر في اتجاه البحرويبدأ في حركات تعبيرية مع انبعاث 

صوت موسيقى تصويرية..وصوت هدير البحر )

إيوفيموس :

ثمة جمال دائم الزرقة..

وقوة تختفي تحت السطح..

تنام في الأعماق

تخادع المراكب..

والبحارة التائهين عند كل مرفأ..

لم يستقروا..

معتقدين أنهم معاندون..

ويكابرون أمام الوحش الكبير..

بعواطف أكثر قلقا من الموج

حتى تمتليء حواسهم برائحة البحر..

ويختنق صوتهم المرتجف في الماء..

 وتستقر عظامهم في القاع..

لكن أرواحهم تحلق في السماء الرمادية..

كالنوارس.. 

تتأمل الإمتداد المائي

 في عروق العالم المتشعبة..

( ثم يعود إلى مجلسه..وتتوقف الموسيقى التصويرية )


إيوفيموس :

لندع الحديث عن البحر وذكرياته  ومغامراته ياصديقي ....

والآن أخبرني أي ريح أتت بك إلى هذه الجزيرة بعد سنوات من الغياب ؟


فيدون :

لقد وصلت مساء أمس برفقة مجموعة من رجال ثيرا..وسنقيم هنا لمدة يوم أويومين

على الأكثر..لدينا مهمة يجب أن نقوم بها..


إيوفيموس : (متسائلا )

وما هي هذه المهمة التي ستقومون بها ؟


فيدون :

نحن في مهمة مقدسة..لقد تم اختيار مجموعة من رجال جزيرة ثيرا..وعلى رأسهم شخص يدعى باطوس..أوكلت إليه مهمة قيادتها في رحلة إلى بلاد ليبيا..

وهناك سنقيم وطنا للثيرانيين...هذا ما نطقت به كاهنة موحى دلفي..التي استنبأت

وحي الإله أبوللو..


إيوفيموس : ( متعجبا )

ياللتعب والمشقة..أيعقل أن يأمر الإله أبوللو بتشريد هذه المجموعة من أجل إقامة وطن للثيرانيين ؟


فيدون :

لقد قضي الأمر..وأقسمنا على ذلك وكل من يتراجع سيكون مصيره الإعدام ومصادرة أملاكه....

إيوفيموس : ( وهو يتناول كأسا من الشراب )

وماذا لو كانت الكاهنة تكذب بهذا الشأن وأن أبوللو لم يوحي إليها شيئا يتعلق بهذا الأمر ؟


فيدون :

لا أظن ذلك..فالكاهنة لاتكذب..إنها إرادة الآلهة..ولذلك سأطلب منك المساعدة..

فأنت بحار قديم ولابد أنك تعرف أقرب مسلك إلى ليبيا ..


إيوفيموس : ( بثقة )

بالطبع أعرف تلك البلاد..لقد قمت بعدة رحلات إلى هناك..وكنت أبحر مع مجموعة من البحارة إلى جزيرة بلاتيا. . وهي أقرب نقطة نرسو فيها ..كنا نستغرق ثلاثة أو 

أربعة أيام في الطقس الجيد.. (ثم وهو متحسرا )

لكن يا عزيزي فيدون..أنا الآن كما تراني أمامك..مجرد رجل مسن..لاقدرة له على الإبحار..


فيدون : ( وهو يتناول كأس الشراب )

لاتقل مثل هذا الكلام يارجل ..فلازلت قويا ..ومتوقد الذهن كما عهدتك ..


إيوفيموس :

إنها الحقيقة ياصديقي..لقد كبرت وتقدم بي العمر..


فيدون :

لابأس ..لابأس ..أيها البحار القديم الذي أمضى سنوات عمره يجوب البحار بقوة وعناد..لكنني أود أن تدلني على أحد البحارة الذين يعرفون الطريق جيدا ....

إيوفيموس :

ولكن يا فيدون......


فيدون : ( مقاطعا )

أعرف ما تريد أن تقوله..سوف نجزل له العطاء..لقد اتفقت مع باطوس بخصوص هذا الأمر..وقد أوكل إلي أمر التصرف في المكافأة التي ستمنح لمن يرافقنا ..

لاتقلق يا عزيزي ..سأكون كريما معه لأجلك أنت..


إيوفيموس :

ليس هذا ما أريد قوله...


فيدون :

ماذا إذن ؟


إيوفيموس : (بقلق )

أقرأ في عينيك شيئا يا فيدون..فأنا أعرفك جيدا..وأرى أنك مهتم بأمر هذه الرحلة رغم أنك منقاد إليها بأمر الإله أبوللو ولاحيلة لك في الرفض.. كما أن الأمر لايتعلق بمصلحتك الشخصية ..


فيدون :

لاأخفي عليك ياصديقي..لقد دار حديث بيني وبين باطوس في هذا الشأن ..ووعدته بأن أجد من يساعده في جزيرة كريت ..وقد وعدني هو أيضا بأن تكون لي حظوة لديه إذا ما أنشأ وطنا في تلك البلاد..

إنه الملك المرتقب..هل تعرف ماذا يعني ذلك ؟


إيوفيموس :

أفصح أكثر ..ماذا تعني ؟


فيدون :

إسمع يا إيوفيموس..أنت صديقي القديم..ولن أخفي عليك ما يدور في ذهني من أمر

هذه الرحلة..

إن باطوس سيكون ملكا على هذه المجموعة ..وسيقيم هناك في ليبيا موطنا غنيا بالثروات..أي أنه سينال الجاه والثراء..وتقربي إليه الآن سيكون له الأثر في الأيام القادمة..

إيوفيموس :) وتبدو عليه علامات عدم الرضا )

وبماذا سيكافؤك باطوس حسب ظنك ؟


فيدون :

لاأدري..لكنني أطمح في أن أكون من حاشيته..وحينذاك سأتدبر أمري وأسعى ربما

للوزارة..


إيوفيموس :

عجبا لأمرك يا فيدون..أرى أن الطمع في الجاه قد استحوذ على تفكيرك..

هل تظن أن باطوس سيتخذك وزيرا له ؟

هذا إن نجحتم في إقامة الوطن الذي تتحدث عنه..ثم ما الذي ينقصك .. ؟

أنت رجل ثري ..ولديك مزارع للعنب والكروم..فما الذي يجعلك تسعى إلى نيل

رضا باطوس..؟

ومن يضمن لك أن هذا الأمر سيتحقق..؟


فيدون :

سيتحقق..سيتحقق هذا الأمر..هكذا يقول حدسي الذي لايخطيء..ولا أحد 

يكره الجاه والثراء..


إيوفيموس :

أنت مخطيء يا فيدون..ثمة من ينأى بنفسه عن الإقتراب من هذه الأمور..

وما أراك إلا غارق في وهم كبير يعشش في ثنايا تفكيرك..


فيدون :

أرجوك ياصديقي..دع عنك هذه الحكم..وفكر في أمر مساعدتي..ولاتتردد..

هيا أيها البحار العجوز..أعرف أنك لن تخذل صديقك ..


إيوفيموس :

حسنا..سأفعل..سأفعل ذلك رغم أنني غير مقتنع بأمر هذه الرحلة والوطن الذي تنوون إقامته ..وأختلف معك في الوصول إلى غايتك..إلا أنني سأقدم لك العون من أجل صداقتنا القديمة..سأدلك على صديق بحار له خبرة واسعة وعلى دراية بأمور الإبحار

ليرافقكم في رحلتكم..


فيدون : ( مسرورا )

أشكرك ..أشكرك ياصديقي ..لقد كنت واثقا من أنك لن تخذلني..(  ســــتار)

              

اللـوحــــــــــة الخامســــــــة :


( منظر غابة وأشجار وخيمة يقيم فيها الثيرانيون بعد وصولهم من رحلتهم البحرية ..

وبعض الرجال يقومون بالتجول وجمع الحطب..فيما يتبادل باطوس الحديث مع فيدون )


باطوس : (بحماس )

وأخيرا يا فيدون وجدنا هذا المكان الملائم ..سنقيم هنا وننعم بخيرات هذه الأرض..


فيدون :

حقا إنه مكان جميل وبه نبع ماء وأرض خصبة..

ولكن ألا تخشى من القبائل المجاورة لنا يا باطوس ؟..فنحن أغراب بالنسبة لهم وربما

لاتروق لهم إقامتنا هنا ؟


باطوس :

لايا فيدون ..فطالما أننا نعيش وسطهم مسالمين لانؤذي أحدا..ولانعتدي على أحد ..فلن ينالنا منهم أذى..بل على العكس من ذلك..فهم سيعاملوننا بكل مودة..


فيدون : ( بشيء من القلق )

لست مطمئنا يا باطوس..فعددنا قليل..وأنا لاأستبعد أن تقوم هذه القبائل بالإغارة علينا إذا ما أقمنا وطنا هنا بجوارهم..


باطوس :

لاتنسى أننا سنعاملهم بالحسنى ونتقرب إليهم..دون أن يبدو علينا أننا سنقيم وطنا هنا..فنظهر أمامهم كمجموعة مهاجرة جاءت من أجل العيش..ثم نرسل إلى أهل ثيرا فيتوافد المهاجرون بأعداد كبيرة..ويزداد عددنا..وتكون لنا عصبة قوية..حينها سنقيم 

الوطن الموعود..


فيدون :

والأهم من ذلك كله هو التوسع في الأرض..سوف نقوم بزراعة الأرض وشيئا فشيئا

نزداد في التوسع..


باطوس :


صدقت في قولك..وأنا أوافقك الرأي..يبدو لي أن رأيك سديد..فالتوسع في زراعة الأرض خطوة أولى نحو السيطرة..ومن ثم البناء والتشييد..( ثم بحماس )

ستتوافد أفواج الثيرانيين إلى أرض قوريني..ويعمرون الأرض بالزرع والنسل..

( ثم يتوقف عن الحديث وهو ينظر إلى رجل قادم في اتجاههما ..هيئته مختلفة عنهم )

القادم : ( مبتسما )

مساؤكما سعيد..


باطوس :

ومساؤك أيضا..


القادم :

أنا أدعى فريكتيس من قبيلة الأسبوستاي..وأقطن هناك وراء تلك الهضبة (ويشير بيده في اتجاه الغابة )..اشتغل بالزراعة ورعي الأغنام..( ثم وهو يتأملهما )

لابد أنكما من المهاجرين الجدد..الذين قدموا من وراء البحر..


باطوس :

أجل..فنحن جيرانكم الجدد..سنقيم في جواركم..ويسعدنا ذلك..فأنتم أناس كرام..

لقد جئنا من جزيرة  ثيرا..وأنا أدعى باطوس..وهذا صديقي فيدون..


القادم :

مرحبا بكم فالأرض هنا واسعة..وبإمكانكم العيش قرب نبع الماء..والإستفادة من خصوبة الأرض وتربية الماشية والأبقار..لن تكون أمامكم أية صعوبة في العيش


فيدون :

أيها الرجل الطيب فريكتيس..هل لك أن تخبرنا عن محاصيل هذه الأرض المعطاءة ؟


القادم :

إنها أرض طيبة  تربتها من ذهب..تنمو فيها أصناف عديدة من النباتات..والأمطار في هذا الإقليم غزيرة..بإمكانكم أن تزرعوا الكروم والزيتون والفواكه والقمح وغيرها..

 

باطوس : ( بدهشة وهو ينظر إلى القادم )

حقا إنها لأرض معطاءة..


القادم :

لعلك لاتصدق إذا قلت لك أن في هذا الإقليم تتواصل مواسم جني المحاصيل على مدى ثمانية أشهر..


فيدون :

وكيف ذلك أيها الجار الطيب ؟


القادم :

موسم لجني المحاصيل في السهل..ثم موسم لجني محاصيل المنطقة الوسطى..ويأتي بعده موسم لجني محاصيل الأرض المرتفعة..


باطوس :

رائع..هذا رائع جدا..


القادم :

من حسن حظكم أنكم ستقيمون في هذا المكان..أتمنى لكم حظا سعيدا..أنا مضطر للإنصراف الآن ..فسألحق بقطيع أغنامي في الوادي..


فيدون : ( مبتسما )

شكرا لك أيها الرجل الشهم..


باطوس :

سررنا بالتعرف عليك..ولنا لقاء آخر


القادم :

إلى اللقاء..سأراكم لاحقا..

( ينصرف القادم ويعود باطوس للحديث مع فيدون فيما تستمر حركة الرجال خلفهم )


باطوس :

مارأيك في كلام ذلك الإسبوستايي..لقد قال إن من حسن حظنا أننا سنقيم هنا ..


فيدون : ( بفلسفة )

إنها إرادة الآلهة التي لم تخطيء في اختيار هذا المكان..لابد وأن إلهنا أبوللو قد طاف 

بجميع أنحاء الأرض..ورأى بعينيه طبيعة الأماكن التي زارها..


باطوس : (مؤكدا )

وقد اختار لنا هذه البقعة بالذات لخصوبتها وقرب موقعها من جزيرة ثيرا..


 فيدون :

بالطبع فهي أقرب مكان خصيب ومناسب لنا..


باطوس : ( بانفعال )

أشعر أنني أقف فوق أرض من ذهب..سنبدأ العمل يا فيدون..لا وقت نضيعه..اجمع الرجال ليشمروا عن سواعدهم..هيا..

فيدون :

أمرك يا قائد هذه المجموعة..سأناديهم في الحال..( ثم ينادي بصوت عال )

أيها الرجال..تجمعوا ..تحركوا بسرعة 

ليحضر الجميع أمام باطوس قائد المجموعة..هيا تحركوا..

( يتجمع الرجال ويقف باطوس أمامهم  مخاطبهم )


باطوس :

أيها المغامرون الشجعان..

لقد شاءت إرادة الآلهة أن نقيم وطننا الموعود هنا..تسلحوا بالإرادة..ولاتضيعوا الوقت..سنبدأ العمل منذ الآن..توزعوا في جماعات وتعاونوا..ابدأوا بفلاحة الأرض..

واجمعوا الصخور التي ستلزم للبناء..سنبدأ بإقامة معبد لإلهنا ابوللو..

اعملوا أيها الشجعان من أجل مجد وطنكم........


ليكوس : ( وهو يقاطع باطوس بغضب )

مجد وجاه لك وحدك يا باطوس..وشقاء وتعب للآخرين..

أين العدالة في المجيء بنا مكرهين إلى هذه البلاد ؟

ومن أجل من سيقام الوطن المزعوم ؟

إنها ليست أرضنا ولن نهنأ فيها أبدا.........


باطوس : ( يقاطعه بغضب )

ما هذا الكلام الذي أسمعه؟..عجيب أمرك ياليكوس( ثم موجها كلامه إلى المجموعة ) ..هل تسمعون ما أسمع أيها الرجال ؟

( ترتفع همهمات الرجال..ويصيح باطوس فيصمت الجميع ويتوجه بحديثه إلى ليكوس رافعا سبابة يده )

إنني أحذرك من عاقبة كلامك..وأمام الجميع..لقد أقسمت أمام المعبد يا ليكوس..فهل أصابك مس أو خبل في عقلك ؟


ليكوس :

بل أجبرنا جميعا على أداء القسم ونحن كارهون.....

( ترتفع أصوات وهمهمات الرجال ويسود الهرج..فيتدخل فيدون )


فيدون : ( موجها كلامه إلى ليكوس )

أصمت أيها الأحمق..هذا نكث للعهد..وخروج عن إرادة الجماعة..لابد أنك جننت ياليكوس..


ليكوس : (بثقة وتأكيد )

بل أنا في أفضل حالاتي..وفي كامل قواي العقلية...

( ثم يوجه كلامه إلى المجموعة )

هذه مغامرة خاسرة أيها الرجال..لاتنساقوا وراء كلام باطوس المعسول..الأرض ليست أرضكم..وستطردكم منها القبائل التي تعيش في الجوار.............


فيدون : ( مقاطعا ليكوس )

هذه خيانة ..هذه خيانة

يا أبناء ثيرا..لقد حدث كل شيء أمام أعينكم..وهذا الرجل خائن (يشير إلى ليكوس )

ولامكان للخائن بيننا..


باطوس : (مؤكدا )

لقد سمعتم ما قاله هذا الرجل ..( يشير إلى ليكوس ) ..إنه يقف ضد مشيئة الآلهة..

وينقض العهد الذي قطعه على نفسه..ويسعى إلى الفتنة...


ليكوس :

أعرف أنك ستتهمني بالخيانة يا باطوس..والخروج عن أمرالجماعة..وعصيان الآلهة 

لكني لاأهتم لذلك حتى لو كان الموت مصيري..


باطوس : ( مخاطبا الجميع )

لقد جئنا جميعا تنفيذا لرغبة إلهنا أبوللو..وقد رأيتم أيها الرفاق كيف بارك الإله الرحلة 

وكانت مركبنا تشق عباب البحر بسلام حتى وصلنا آمنين مطمئنين..وبعد وصولنا إلى بغيتنا..يجرؤ مثل هذا المارق الذي نقض العهد ( يشير إلى ليكوس)..ويتحدى إرادة الآلهة..( يرفع يديه إلى السماء )

إلهنا يا مبارك رحلتنا..لاتغضب علينا بسبب عاص متمرد..

أيتها السماء ارفقي بنا..ولاتنزلي لعنتك علينا..

(  يرفع الجميع يديهم إلى السماء يرددون الأدعية ما عدا ليكوس )

الرحمة يا إلهنا ..لاتغضب علينا..الرحمة ياإلهنا..لاتغضب منا..

( ثم يتدخل فيدون وهو يشير للجميع بالإصغاء )


فيدون :

أيها السادة..إن العدالة تقضي بأن يجازى المرء على قدر ما يقوم به من أعمال..

( ثم وهو يشير إلى باطوس )

وهاهو الرجل الذي اختارته الآلهة ليكون ملكا على قوريني الوطن الموعود..وهو الوحيد المخول من الآلهة لينطق بالحكم العدل في حق هذا الخائن المارق ( يشير إلى ليكوس )


ليكوس : ( باستهزاء )

ها..ها..ها..ها..ها..ها.. لقد أضحكتني يا فيدون .. أي ملك هذا الذي تتحدث عنه ؟

هل العدالة تقضي بأن نتشرد ونترك عائلاتنا ..من أجل إقامة مجد لثيرا وكرسي 

لباطوس وحاشيته التي سيتخذها ؟


فيدون :

كل هذا من أجل سعادتنا ياليكوس..سنعيش سعداء في هذه الأرض..


ليكوس :

أنت نذل يا فيدون ..وكذلك باطوس وكل من يوافق هواكما..ولا مكان للسعادة في قلوب الأنذال..لأن قلوبهم دهاليز مظلمة..


باطوس : ( يتدخل غاضبا وهو يحدث ليكوس )

لقد تطاولت وتجاوزت الحد..ولم يعد أمامنا إلا القصاص منك أيها الشيطان اللعين..لأنك تسعى لإفساد عقول الرجال..


ليكوس : ( بسخرية )

أقم علي الحد أيها الملك الموعود ..هيا أأمرهم أن يقتلوني باسم الآلهة العادلة..

( ثم بجدية وبصوت مرتفع )

إن لم أمت مقتولا ..فسأموت لامحالة مختنقا بفكرة إقامة وطن وعدتنا به الآلهة..


باطوس :

يارجال..أأمركم أنا باطوس قائد هذه المجموعة..باسم الإله أبوللو مؤسس المدن والمستعمرات..أن تقيدوا هذا الخائن المدعو ليكوس..وليقطع رأسه بالسيف جزاء لخيانته..

ليكوس : ( وهو يصيح فيما تتقدم مجموعة من الرجال وتقتاده )

اللعنة عليك يا باطوس..اللعنة عليك

ستلفظكم هذه الأرض..ستلفظكم هذه الأرض..ستعودون إلى البحر من حيث أتيتم..

اللعنة عليك يا باطوس..اللعنة عليك

( تقوم المجموعة بحركات تعبيرية مع صوت موسيقى تصويرية وتغير في الإضاءة

حيث توحي الحركات بالقيام بقطع رأس ليكوس بالسيف )


إظلام


( تضاء خشبة المسرح وتظهر المجموعة تؤدي حركات تعبيرية تدل على الزراعة والبناء..ويبدو منظر مدينة يونانية بها أعمدة كبيرة ومدخل على شكل قوس وعلى جانب الخشبة مكان مرتفع قليلا به كرسي..

يدخل فيدون ويتجمع حوله الرجال..ويقرأ أمامهم لوح المؤسسين  .. )

فيدون :

              إلهنا ياطالعنا السعيد

حيث أن الثيرانيين قد وجهوا حملتهم الإستيطانية إلى قوريني بناء على أوامر أبوللو

مؤسس المدن والمستعمرات..وبالنظر إلى الإلتماس المقترح من جانب المهاجرين الثيرانيين..بشأن منحهم حق المواطنة طبقا للبروتوكولات التي اتفق عليها أسلافنا..لما فيه ازدهار الدولة وخير شعب قوريني..

وحيث أن أبوللو قد ضمن لباطوس وللثيرانيين الذين أنشأوا قوريني أن يعيشوا في رخاء ما ظلوا أوفياء للأيمان التي أقسموها..

بمشيئة الشعب...

سيتمتع الثيرانيون في قوريني بحقوق مدنية كاملة..بصفتهم أصحاب هذه الأرض

الشرعيون..

ينقش هذا المرسوم على لوح من المرمر الأبيض..ويودع بمعبد أبوللو..

( يشير فيدون للرجال أن ينصرفوا فيتفرق الجميع ويدخل أبوللو وقوريني ويدور هذا الحوار بينهما )

 

أبوللو :

تأملي ياحورية السهول الخضراء..هذا هو الوطن الموعود..إنها مدينة قوريني..مدينة الرخاء والسعادة..


قوريني : ( مبتهجة )

لقد أسعدت قلبي يا أبوللو..وحققت أمنيتي ..وكنت عند وعدك..


أبوللو :

من أجل عينيك يا قوريني أهب أبناء ثيرا هذه الأرض..بل أهبهم العالم أجمع..


قوريني :

سيعيش أبناء ثيرا عالقين بتربة هذه الأرض التي تمنحهم الخيرات والنعم..

سوف يتكاثرون وينجبون أولادا تتفتح أعينهم على سماء قوريني...

(  يدخل الرجال تباعا..ويتجمعون فوق الخشبة فيما تواصل قوريني حديثها )

سيتعلقون بالأرض..ويزدادون عشقا لها..فيتجذر عشقهم مثل شجرة تنمو وتنمو..

وتمتد جذورها فتصمد في وجه الرياح..

ستزداد أعداد المهاجرين فتقوى عصبتهم ويقيمون دولة قوية...........

(يدخل باطوس وهو يرتدي التاج فوق رأسه..وتتوقف قوريني عن الحديث 

وتكتفي بالتأمل هي وأبوللو من بعيد..فيما يجلس باطوس على الكرسي ويصيح أحد الرجال ..)



الرجل :

فليحيا باطوس الأول ملك قوريني

( يدخل رجل آخر يحمل في يده مجسم لنبتة السلفيوم..يتقدم ناحية باطوس..ينحني أمامه ويقدم له المجسم..فيرفع باطوس المجسم بين يديه ويرتفع صوت الرجل )

 

الرجل :

يحيا باطوس الأول..الذي جاء من أجل العدالة 

يحيا باطوس الأول..الذي جاء من أجل الحرية

(  يدوي صوت قوي في المسرح..وتتغير الإضاءة  ويرتبك الجميع )


الصوت :

       ستلفظكم الأرض..وتعودون

       ستلقيكم إلى البحر الذي جئتم منه..

       ستلفظكم الأرض..وتعودون

      ستلقيكم إلى البحر الذي جئتم منه..


ستـــــــــــــــــــــــــــــــار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق