يستقبل مسرح " مونو " في بيروت مسرحية " آخر بروفا " ، نص وتمثيل ماريا الدويهي ، وبتوقيع شادي الهبر ، إنتاج " مسرح شغل بيت " الذي ، وبرغم الاوضاع الاقتصادية السيئة ، لا زال يرتاد ميادين الابداع المسرحي من أجل تقديم مسرح طليعي يواجه السائد بأفكار حداثية من النص الى العرض ، ويركز دائما على النصوص اللبنانية التي تجسد تفاصيل الأزمة المحلية بأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، في سيرورة مسرحية مقنعة جدا تنهض على مبدأ ضرورة حضور النص الأصيل في عين الرؤية الاخراجية من جهة ، والابتعاد من إعادة إنتاج نصوص مكررة عن الريبرتوار الغربي من جهة ثانية . " أخر بروفا " هي مونودراما كوميديا سوداء تحكي حياة " ممثلة " تحاول الهرب من مآسيها العاطفية فتتقمص شخصيات عديدة وتستخدم أزياءها لترتجل بروفا أخيرة تعيد من خلالها إحياء مشاعرها ورغباتها الدفينة ، كما تشرك معها شخصية رجل حياتها الغائب وتدجنها لاستكمال مسرحية بات من الصعب إعادة تركيبها للتحايل على عزلتها المؤلمة ، ولاقناع نفسها بأنها تعيد إنتاج رؤية جديدة لطبيعة علاقاتها ، تأمل أن تأخذ طريقها الى النهايات السعيدة التي نكتشف مع الوقت أنها لا تصل إليها مع من تحب . ماريا الدويهي التي تلعب دور " الممثلة " المنفرد في العرض ، هي أستاذة جامعية شاركت سابقا في العديد من أدوار الأفلام القصيرة وأعمال تلفزيونية أخرى ، وفي مسرحية " العادلون " لكارولين حاتم ، و " Cocktail Maison " لبرونو طبال ، و" توك توك " لأنطوان الاشقر ، وها هي الآن تمسرح نصها الذي كتبته بنفسها ولها ، في محاولة لترجمة واقع العلاقات الخاصة مع الآخر / الرجل على بساط معطًى مسرحي بأبعاد أنثوية وطقس رومانسي يختلط بوتيرة التجارب القاسية التي هي في الواقع معاناة " المرأة الممثلة " في تحولات الاغتراب التي تحاول فيها الامساك بالزمن انطلاقا من الحفر العبثي لتجاويف الذاكرة حتى واقع حالتها الراهنية في خيط درامي متصل ووحدات مرئية تصاعدية ديدنها الانتقال من حوار شخصية إلى حوار أخرى تجلت في كل منها كينونة كائن شاحب الرؤية لا حيلة له في تحقيق ما تصبو إليه البطلة . يمكن القول أن سر نجاح الدويهي المسرحي ، لا ينتمي فقط إلى حيز التجسيد الجاد الذي يحرر الجسد من قلقه ويرتب ملامح الشخصيات الملعوبة بدقة وسرعة فائقتين ، إنما أيضا إلى وعيها الدرامي ككاتبة سلاحها الأول هو النص ، بسرديته الماتعة وحِجاجية اشتغال اللغة على الأداء بأدوار جدلية تلبس ثوب الفجيعة حيناً والآمال أحيانا ، في مواجهة الهزيمة والانكسار حتى النهاية من منظور إنساني مغاير وبأساليب مختلفة منحت الشخصيات حركية التقلب والتغير على مقياس الظروف العاطفية التي تدور دائما في الماضي مما يتداعى أمامنا على الخشبة بمواقف نفسية سيرذاتية ترسم المناجاة مناخها ببعد سيكولوجي على امتداد التابلوهات المشهدية المشدودة بين البداية والنهاية ، والتي وفرها الاخراج بجملة من علامات اللغة المسرحية ( بصرية ، سمعية ، ديكور ، مكياج ، الزي ...) مما أدرك الاخراج أثره المتحقق في النفوس برؤية واقعية .
*ناقد مسرحي
بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق