شكري الباصومي - عربي21
كشفت الدورة الثالثة عشرة لمهرجان المسرح العربي التي عقدت بمدينة الدار البيضاء بالمغرب الأقصى، هشاشة الوضع المسرحي العربي، الذي يتحرك دون تخطيط، بل تحكمه دوائر العاطفة والشك، هذا المهرجان بدا (كما بعض المهرجانات الأخرى) أسير مزاج جهات معينة تمول هذه المهرجانات، أو هكذا تخيل البعض على الأقل. غالبية العروض "حملت رؤى تشاؤمية للقضايا المطروحة دون أدنى قدر من تقديم بصيص أمل أكثر تفاؤلاً يأخذ بيد المتفرج نحو حياة أفضل". هكذا لاحظت لجنة تحكيم هذه الدورة التي فازت بها المسرحية الإماراتية "رحل النهار"، للمخرج محمد العامري، وتأليف إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح.
اللجنة التي شاهدت على مدار ستة أيام، إحدى عشر عرضاً مسرحياً داخل المسابقة، عبرت عن رضاها على عنصر الأداء التمثيلي في جميع العروض دون استثناء. كما لاحظت تفشي ظاهرة الاعتماد فقط على عنصر السرد في طرح القضايا الاجتماعية والسياسية في مقابل تراجع العناصر الدرامية التي ينهض عليها الفن المسرحي، وطالبت ضرورة التأكيد على اختيار النصوص المسرحية المكتوبة باللغة العربية الفصحى وعدم الاعتماد على اللهجات المحلية، التي ربما تقلل من تواصل الأخر معها، ملاحظة في الآن نفسه أن غالبية العروض تحمل رؤى تشاؤمية للقضايا المطروحة دون أدنى قدر من تقديم بصيص أمل أكثر تفاؤلاً يأخذ بيد المتفرج نحو حياة أفضل، داعية إلى مزيد الاهتمام بالإضاءة، باعتبارها أحد عناصر الصورة السينوغرافية جمالياً وإبداعياً ودرامياً ودلالياً.
خمسة عروض
قررت اللجنة منح جائزة أفضل عرض مستندة إلى توفر بعض المعايير أهمها النص، واللغة العربية والأداء التمثيلي الرؤية الفنية وجودة الإتقان وعلاقتها بالبناء الفني والجمالي والفكري، مرشحة لهذه الجائزة خمسة عروض:
عرضان من المغرب هما: "شا طا را" إخراج أمين ناسو، و"بريندا" إخراج أحمد أمين الساهل، وعرض عراقي: "خلاف" إخراج مهند هادي، وعرض تونسي: " الروبة "إخراج حمادي الوهايبي، وعرض إماراتي: "رحل النهار" من تأليف إسماعيل عبد الله، وإخراج محمد العامري. وهذا العرض الأخير رأت لجنة التحكيم منحه جائزة أفضل عرض.
هذه المسرحيات المرشحة للجائزة لم تسجل حضورها في الدورة الأخيرة من أيام قرطاج المسرحية، بل إن المسرحية المتوجة في مسابقة مهرجان قرطاج "حدائق الأسرار" للمخرج محمد الحرّ، لم ترشح أصلا لجائزة مهرجان المسرح العربي، أما مسرحية "تائهون" للمخرج نزار السعيدي التي أبهرت النقاد، لم ترق للجنة التحكيم في هذا المهرجان العربي.
مخرج العمل الفائز محمد العامري صرح بأن "هذا العمل جمع أكثر من جنسية عربية في فريقه التمثيلي والتقني، فإضافة إلى النص والإخراج والتمثيل الإماراتي، ثمة أدوار أساسية لفنانين عرب كالفنان أحمد العمري من الأردن، والفنان أحمد يوسف والفنان أيمن مصطفى من مصر، والفنانة أماني بلعج من تونس، والفنانة بدور وغيرها من فناني الإمارات. وهذا المعطى ذاته - رغم إيجابيته باعتباره يلم الشمل العربي- فإنه يثير الريبة والقلق، حسب بعض المسرحيين التونسيين، فهو منذر بابتلاع بعض المسارح التي تمتلك المال للهيمنة من حيث قدرتها على استقطاب كل الطاقات العربية المبدعة، وجعلها تحت راية جهة معينة وهو رأي يناقش.
ثلاث مسرحيات تونسية شاركت في المهرجان: "الروبة" لحمادي الوهايبي، و"أنا الملك" لمعز حمزة، و"تائهون" لنزار السعيدي. خروج المسرحيات التونسية الثلاث من "مهرجان المسرح العربي" في الدار البيضاء دون أي جائزة، خلف لدى المسرحيين التونسيين تساؤلات وربما اتهامات، فقد عبّر بعضهم عبر صفحاتهم على الشبكة الاجتماعية عن استيائهم من استبعادهم عن منصة التتويج. والغريب أن تتويج ممثلة تونسية مثل أماني بلعج، جاء من خلال العرض الإماراتي. أية رسالة يريدون توجيهها للمسرحيين التونسيين يتساءل أحد المسرحيين التونسيين؟
لماذا الاعتراض؟
الحساسية المفرطة تجاه هذا الموضوع، حاول مخرج "الروبة" حمادي الوهايبي لجمها، والتقليل من حدة اتهامات بعض زملائه للهيئة العربية للمسرح، من خلال موقفه المتوازن، الذي أعاد القضية إلى بعدها الفني والجمالي، بعيدا عن التشكيك والريبة ورمي الآخرين بسوء النية: "لم نعترض على النتيجة، فلجنة التحكيم حرة في تقويمها وفي قراراتها وهي مسؤولة عن ذلك. مبروك لفريق عرض "رحل النهار" من الإمارات.
نحن أنكرنا على رئيس اللجنة تبريره للجائزة بقوله إن السبب الرئيس هو اعتماد العمل على العربية الفصحى. وهذا كلام لا يستقيم لعدة أسباب: أولا: لم يكن من شروط المشاركة أن يكون العمل بالفصحىk ثانيا: اللغة المنطوقة، مفردة من مفردات العرض، يمكن الاستغناء عنها أحيانا، وقد قدمنا عروضنا في عدة بلدان عربية، ولم يحدث أن احتج أحد على اللهجة، وعروض المهرجانات العربية شاهدة على ذلك، والتجارب العربية المهمة لم تكن في أغلبها بالفصحى.
ثالثا: المسرح فن يقوم على التنوع والاختلاف، والتجارب الكبرى في العالم لم تنهض على تقديس النص، وإنما انحازت في أغلبها للمشهدية والأداء.
رابعا: لا يجوز الانتصاب في محفل لإعطاء الدروس لتجارب وازنة وفاعلة ومشهود لها.
خامسا: لجان التحكيم مسؤولة وحدها عن قراراتها فلا يجوز أن تتحرج من قراراتها طالما أنها مقتنعة بما قررت".
المشاركة التونسية في الدار البيضاء لم تجلب جوائز، لكنها خلفت تعاطفا قويا مع المشاركين في مهرجان الهيئة العربية للمسرح، ورأت أن ما خلفته من تقدير أفضل من الجوائز التي تخضع أحيانا لأهواء متعددة، وإكراهات معلومة. وفي هذا الاتجاه كتبت الإعلامية سماح قصد الله التي واكبت فعاليات المهرجان بالدار البيضاء: "ثلاث تجارب مسرحية، ثلاث رؤى إخراجية وجمالية، ثلاث مسرحيات تطرح إشكاليات ومواضيع مختلفة، ثلاث مسرحيات يشارك فيها مجموعة من خيرة الممثلات والممثلين والتقنيين في تونس ينحتون في الصخر من أجل تقديم أعمال تحترم المسرح وترتقي به.
فخورة بأداء قوي غير متكلف، يطرح مواضيع حارقة بجرأة لا مثيل لها، جرأة لا تحركها الشعارات أو السرديات، هو الوجع والوعي والتقاط للحظة التاريخية الخطيرة، جرأة تنطلق من واقع تونسي لتضع إصبعها على داء إنساني بلهجة تونسية أصيلة، تؤكد على الخصوصية والتجذر، في عمق هويتنا دون تعصب أو ادعاء، لهجة تونسية تدعو الجمهور إلى الغوص في أعماقها لإدراك لذتها.
فخورة بروح جماعية أصرت أن تقدم عروضا جيدة لإحساسها العالي بالمسؤولية، وكانت كلمة السر: المهم أن نقدم عرضا في مستوى المسرح التونسي".
خيبة وبعد؟
هذه " الخيبة " التونسية هل كانت كذلك، أم هناك مبالغة في تقبل النتائج من الجانب التونسي يخفي نرجسية منطلقها ريادة مسرحية؟.. لماذا لم تغضب الوفود العربية المشاركة الأخرى ولم يكن حظها أفضل من حظ المشاركين التونسيين؟.
لماذا الغضب فيما "الجوائز إلا تحفيز، ليست علامة على التميز أو التفرد بالإبداع" كما رأت الممثلة التونسية نجوى ميلاد، التي عملت على تهدئة الخواطر، لكنها سخرت من الهيئة العربية للمسرح منظمة المهرجان، التي أسندت الجائزة لمسرحية من تأليف رئيسها، وهو ما اعتبرته "غير أخلاقي وغير مهني" -على حد تعبيرها.
أما الفنانة والمنتجة المسرحية التونسية وداد العلمي، فذهبت بعيدا متهمة "الهيئة العربية للمسرح بأنها" أحدثت خصيصا، لتدمير المسرح التونسي وبالتحديد أيام قرطاج المسرحية بأياد تونسية". وعلى خطاها سار الممثل عمارة المليتي الذي كان أكثر قسوة: "الهيئة العربية للمسرح تسعى للقضاء على ريادة المسرح التونسي بكل الوسائل، فهي تعاني من عقدة قتل الأب".
ويستعمل عمار المليتي عناوين المسرحيات الثلاث التي لم تتوج ليقول بلهجة حادة: "أنتم "تائهون" لم تحسنوا ارتداء "الروبة"، المسرح التونسي يقول لكم "أنا الملك". هل كانت صرخة عمارة المليتي مجرد اتهامات منفلتة ومنفردة، أوهي قول جهير لهمسات مسرحيين تونسيين لا يجرؤون على التعبير عما يخالجهم، باعتبار ذلك يكلفهم الحرمان من سخاء الهيئة العربية للمسرح، التي تتحكم في العملية الإبداعية، من خلال أهم شرايينها وأعني التمويل بدءا بالدعوات وتذاكر الطائرات والإقامة وتمويل العروض والنشر، وسائر المنح الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق