مجلة الفنون المسرحية
الفجيرة الدولي للمونودراما
حلم خادمة.. حلم كل ممثل..
قبل مشاهدتي للعرض الفرنسي المونودرامي "حلم خادمة"، كنت أظن بحكم النظري والقديم، أن الجنوح إلى نصوص الشهير وليام شكسبير، ليس مشاعا لأي ممثل، كونه يحتاج إلى من يتعملق في أدائه من أجل الوصول إلى عتبة السير لورنس اوليفيه، الذي هو أهم من عبر عن دواخل شخصيات شكسبير بما يملكه من أدوات، تمكن من تجسيد حكايات أهم كاتب مسرحي في التاريخ..
غير إن الفرنسية اوريلي امبرت، فندت كل تلك النظريات، ووضعت موازين جديدة للأداء في المسرح الشكسبيري، حينما ألبسها المخرج ثوب البساطة التي تأنقت بارتدائه وهي تسير بخفة نحو شخصياتها بتنوع وتمكن ووعي.
بدأ العرض بالخادمة التي تعمل في مسرح يتدرب ممثلوه على نص لشكسبير، حينما أدخلت الجمهور ومنذ الوهلة الأولى في لعبتها المسرحية، عبر استقبالهم أثناء دخولهم للقاعة، كما تفعل المسؤولة الثرثارة عن التنظيف، وحتى صعودها الى خشبة المسرح، لتواصل أداء دورها دون أن تنفصل عنه، حتى بعد سقوطها واختلال الذاكرة لديها.
فوق الخشبة، شاهدنا شخصيات شكسبير، كما لم نراها قبل حلم اوريلي امبرت، عشنا الحب والكره، الحقد والغضب، القتل والدماء، الملوك والشياطين والسحرة في لعبة مسرحية تجاوزت حدود المألوف، وخرجت من منطقة الراحة في أعمال شكسبير التي اعتاد عليها المشاهدين، الى شكل مغاير، وتأثيث جديد للمضمون، الذي حضر من خلال عيون الطبقة الكادحة، التي لا تهتم كثيرا للون ملابس السهرة ولا للون القلادة إن كانت لا تتماشى مع لون سيارة الليموزين!
لقد بنى المخرج جمالية هذا العرض الماتع من خلال الاشتغال على التفاصيل واليوميات التي تكابدها الشخصية، موظفا حركة الخادمة المستمرة في بناء إيقاع لا يهدأ، فالتواجد بين الجمهور في البداية، والعودة إليهم أكثر من مرة، بنى مشهدية تنوعت وعززت من وصول خطاب العرض. أيضا ساهمت تقنية الارتجال، والمسرح داخل مسرح وكذلك تداخل الشخصيات التي تقمصتها الممثلة، بالإضافة الى الاشتغال على الفضاء المفتوح، من بناء فكرة بصرية غاصت في العمق رغم بساطتها، وقربت الفجوة بين خطاب شكسبير القديم، وخطاب الآن وهنا، من خلال تحويل كل مفردة إخراجية إلى مساحة من فعل التأويل لإدامة العلاقة بين الخادمة وحلمها وخيالاتها.
وعلى مستوى الإضاءة نجد أنها وظفت كعنصر كائن في بنية العرض لا متمما أو جماليا، خصوصا في تلك المشاهد التي شهدت تقمص الخادمة لأكثر من شخصية في آن، فحلت الإضاءة محل الديكور، وكانت بمثابة التحديد المكاني والزماني لانتقالات الشخصية والتي جرت دون المساس بإيقاع العرض، بفضل الإمكانيات الصوتية والجسدية وتعابير الوجه للممثلة التي ظلت ولما يزيد عن ساعة، بذات الحضور وذات الأداء الذي بدأت به .
في عدد من العروض التي شاهدناها كانت اللغة لغير الناطقين بها حاجزا لوصول خطاب العرض غير اننا في حلم خادمة وبفضل المعالجة الإخراجية التي اعتمدت على جسد الممثل كمعادل لغوي ذللت جميع عوائق وصوله الى المتلقي. هذا العرض من وجهة نظر شخصية، حقق شروط المونودراما، وعبر عن جوهر هذا الجنس الأصيل من المسرح، بفضل عرض سيعيش طويلا في الذاكرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق