مجلة الفنون المسرحية
فاتحةَ الكلام
هذااليوم، هو الاثنين من سنة 2023 وهو فاتح ايام شهر ماي، وفي عرف كل الناس فهو اليوم العالمي للعاملين، جسديا وفكريا وجدانيا وفي كل المجالات المختلفة، مما يدل على اننا كلنا في هذا الوجود عمال، ولكن بوظائف وأسماء وبدرجات متفاوتة
وفعل العمل، كما نعيشه ونحياه، هو فقط مجرد عنوان، له بالتأكيد ما قبله وما بعده، ولهزما فوقه وماتحته، وهو بهذا عنوان وجودنا في هذ الوجود، وهو عنوان حياتنا وحيوتنا وفاعليتنا في هذه الحياة، ولعل أهم ما يميز هذا اليوم، عن كل أيام السنة. هو أنه يوم احتفالي وعيدي واستثنائي، وهو عيد الذين يعملون ويشتغلون سنة كاملة، ليحتفلوا فقط، في يوم واحد، ومن قال بأن يوما واحدا من البهجة الفرح لا يمكن ان يعادل سنة أو سنوات من التعب ومن الشقاء؟
ونحن كلنا في هذه الحياة عمال، ومن يعمل يعرف انه فعلا حي، ويحس انه يحيا الحياة، ومن لا يعمل يفقد صلاحيته في الوجود، ويصبح فقط شيئا من الاشياء او طلا من الظلال، ويكون فعلازموجودا، من بين الموجودات المادية والرمزية، ولكن بلا حياة ولا حيوية، وبلا انفعال ولا فاعلية، وبلا احساس بالزمن ولا بالمكان ولا بالناس ولا أسئلة الناس وقضايا الناس
وإنني، انا الاحتفالي المدني، اعتبر ان سيد كل العمال، في دنيا العمل، هو ذلك الإنسان الحي، حياة حقيقية، والذي يعمل لحساب الحياة والأحياء، وليس لحساب الباطرون، وهو من يعمل لحساب الإنسان، في كليته وشموليته، وهو من يعمل لحساب القيم الإنسانية الجميلة، والتي هي قيم كونية عابرة للثقافات والقوميات اللغات المختلفة، وهو أيضا ذلك المواطن الكوني الجميل، والذي يسعى دائما من أجمل أن يجمل القبيح، ومن اجل يصحح الخاطئ، ومن اجل ان يساهم بشىيء من النظام في فوضى العالم، وهو من يجعل الأشياء الصعبة سهلة. وهو من يجعل الأشياء المستحيلة ممكنة، وهو من يجعل الاشياء البعيدة قريبة
لقد تعودنا ان نقول بان العمال يحتفلون في هذا العيد، والصحيح ان نقول عكس هذا الكلام، وان يكون العمال هم المحتفى بهم، وأن يكون هذا اليوم مناسبة من أجل أن نقول شكرا لكل العاملين والذين يسهرون على تلبية احتياحاتنا اليومية، والذين يجعلون عيشنا سهلا ومريحا، والذين يختبئون سنة كاملة، في معاملهم ومصانعهم وفي اداراتهم وفي اوراشهم، والا نراهم إلا في هذ اليوم الاستثنائي
ومن حق هذا العامل الحر ان يعبر عن وجوده بحرية، وأن يصرخ بأعلى صوته، وأن يتظاهر في الشوارع العامة، وأن يطالب بحقوقه كاملة، وأن يكون مع مبدأ المشاركة والأقسام في المجتمع، وأن مع المجتمع المدني العادل والجميل والعاقل والمنصف، وبهذا يكون من واجبنا كلنا، ان نقول لهذا العامل شكرا.. شكرا.. شكرا.. إلى ما لانهاية
في العيد فلسفة العيد
فلسفة التعييد الاحتفالي اذن، لها وجود في حياة الناس اليومية، قبل ان تكون فلسفة فكرية او جمالية او أخلاقية،
ولهذه لاحتفالية اسلوبها الخاص في ترجمة فلسفتها العيدية. وهي تتفق مع نتشه بشان التعبير عن الاختلاف بين الفلسفات المختلفة، وهي تقول معه بأن الأمر يعود إلى الأسلوب( فهناك َن يكتب بأسلوب استعاري، وهناك من يكتب بالأسلوب المجرد، هناك من يرقص ويجعل القارئ يرقص معه بدوره، وهناك من لا يستطيع ذلك. هناك من يؤكد على الحياة، وهناك من ينفيها وينكرها، الأسلوب الاستعاري يدل على امتلاء الحياة، في حين ان الأسلوب البرهاني يدل على فقرها)
والاحتفالية اساسا هي حياة اجساد حية، قبل ان تكون حياة افكار ومعاني وحياة أرواح وعقول ونفوس حية، والاحتفاليون في هذه الاحتفالية لا يسعون الى التأثير ولا إلى التبشير، وما عنهم ليس عقيدة ثابتة، وما هو إلا احلام حالمين، وخيالات متخلين، وعشق عاشقين، ومهمة الاحتفالي هو ان يعرف شيئا، وأن يعرف كل الناس هذا الشيء الذي يعرفه، والذي قد يكون صائبا او يكون خاطئا، كله او بعضه. ولكنه ابدا لا يمكن ان يكون إلا حقيقيا وصادقا في كل الحالات
وجوهر الحياة، كما تمثله شخصيا، يكمن في فعلين أساسيين هما المشاركة والاقتسام، فالحياة واحدة وهذا الكون واحد وهذا العالم واحد، كما أن الطريق الذي تمشي فيه كل المخلوقات وكل الكائنات الحية هو طريق واحد اوحد، وأن ما تفكر فيه الاحتفالية لا تحتفظ به لنفسها، ولكنها تكتبه وترسمه وتشخصه وتجسده وتحكيه تحاكيه وتذيعه في الناس ، وهي تؤمن بأن الفرح الحقيقي، مثل الحب الحقيقي، ينبغي أن يكون من جانبين اثنين او اكثر، وانه لا شيء أسوأ من الحب من جانب واحد او الفرح من جانب واحز، أو الفرح من جانب على حساب الجوانب الأخرى ، وفي احتفالية (عرس الاطلس) يقول الأطلس الجبار، والذي هو روح الإنسان وروح الزمان وروح المكان في هذا الوطن الذي يسمى المغرب، يقول
(ممنوع الهنا حتى نتهناو كلنا
وممنوع الغناء حتى نغنيوا كاملين)
وللاحتفالي حياته اولا، ولديه تجربة حياته ثانيا، ولديه اختبارات تجريبية في مجال الكتابة وفي مجال الإخراج وفي مجال تأثيث الفضاء المسرحي وفي مجال الحكي المسرحي وفي مجال المحاكاة المسرحية، وهو مؤمن بانه ملزم بأن يعلن عن نتائج هذا التجريب، وأن ينشره بين الناس ، وأن يخضعه للسؤال والمساءلة والنقد
انه اذن، لايقينيات في الفلسفة الاحتفالية، وكل شيءٍ فيها موقت ومشكوك فيه حتى يثبت صحته، ولا مطلقات نهائية في العقل الاحتفالي، وكل الأشياء لديها نسبية، والذوق الجمالي له باعتباره بكل تاكيد، والاحتفالية لا تفرض على الناس ذوقا ولا فكرا ولا رايا ولا اختيارا معينا، لأن الأصل فيها هو انها حرية وانها دعوة للتحرر
هل نسميها المرونة الاحتفالبة؟
ولماذا التشدد في الفكر والفن والعلم؟
ولماذا التعصب لوجهة نظر قد يخدعنا فيها بصرنا؟
ولماذا الانتصار لشيء من الأشياء نعرف مسبقا بانه متحرك ولأنه متغير وبانه متجدد؟
انه اذن، لا شيء يمكن ان يثبت على حاله، بشكل دائم ومتجدد، الا الأفكار العلمية الجادة والصادقة، والحقيقة، والأحلام الصادقة ايضا، وعندما تعطي الاحتفالية هذا العالم حفنة احلام وحفنة خيالات وتصورات، فإنه لا يمكن ان يأتي غدا من يشكك في صدقية ومصداقية هذه الأحلام، والتي يمكن للمفسرين ان يفسرها كما يشاءون، ولكنه ابدا لا يمكنهم نفي هذا الأحلام، ولا نفي ضرورة وجودها في التاريخ
هذه الاحتفالية هي صاحبة رؤية بكل تأكيد. والتي هي الرؤية العيدية للوجود، ولكنها لا تزعم بأنها تملك أفكارا ثورية خطيرة جدا، وإن هذه الأفكار يمكن ان تقلب و(تشقلب) العالم، وهي في مسارها الفكري والجمالي لا تنتصر لأفكار محددة ومحدوة خاصة بها، وما يهمها فعلا، هو أن تكون مقنعة جماليا، قبل ان تكون مقنعة فكريا وايولوجيا، وأن تكون ممتعة وجدانيا، وأن يكون في كتابتها وابداعاتها وفي صورها ومحكياتها مجرد جمال ومتعة ولذة وبهجة وفرح
هذه الاحتفالية تربط بين النظري والحسي، وبين الفكري والجمالي، وهي في تفكيرها لا تفكر بالعقل المجرد، ولكنها تفكر بالقلب وبالحواس الخمس، وبالخيال وبالحكاية وبالاسطورة وبالأمثولةوبالحكم ايضا، وهي لا تنتصر لفكرة معينة من الأفكار، لأن الأساس لديها هو فعل التفكير، ولهذا نقول بان كل ما كتبه الاحتفالي هو مجرد تمارين عقلية، وهو تمارين نفسية، وهو تمارين وجدانية، وهو تمارين روحية، وهل هذه الحياة إلا تمارين بعد تمارين بعد تمارين بعد تمارين؟
وتعتمد الاحتفالية في تفلسفها على الأسلوب الاستعاري، وذلك الاعتماد على "اللغة الفردوسية" وعلى الكتابة الحيوية، وهو بهذا بحاكي حيوية الحياة، ويحاكي غنى الوجود، يترجم الإحساس الإنساني بالامتلاء وبالشوة وبالدهشة وبشهوة الوجود ومتعة المعرفة،وبهذا فقد كتب الاحتفاليون عن هذا الوجود الوجودي، وترجموه إلى لغة الوجود المسرحي. لقد فلسفوا الحياة اليومية بالحياة المادرمة، وبهذا فقد ابتعدت "فلسفتها" عن التجريد، وعاشت التجسيد والتشخيص، وخاصمت الأفكار البخارية والهلامية والشبحية، اي تلك الأفكار التي ليس لها طول ولا عرض ولا عمق، والتي ليس لها لون ولا شكل ولا طعم، والتي ليس لها ظل ولا صوت ولا صدى، اي تلك الأفكار التي " يرتديها" كثير من الناس جلدا ثانيا من غير أن يعيشوها، ومن غير أن يتذوقوها، ومن غير أن يكون بينهم وبينها قرابة فكرية او وجدانية او روحية) هكذا نطق الاحتفالي في كتاب عنوانه (فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي )
الاحتفالي والمعرفة ودرجات المعرفة
الاحتفالي يعشق المعرفة، واول درجة في سلم هذه المعرفة هي معرفة الذات، وهل يعقل ان يسعى الإنسان من أجل ان يعرف العالم، من غير ان تكون له معرفة، أولية وتقريبية بنفسه؟
وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ( انني اعترف بانني عجزت عن قراءة وتفسير كثير من المشاهدات، وهذا شىء يجعلني أتساءل دائما : ان كنت لا أدري معنى ومغزى ما اراه وما اسمعه والمسه، فكيف الغائب الذي لا يدركه سمعي لا بصري، ولا تصل اليه حواسي؟)
نحن في حياتنا اليومية نتعامل مع الناس، في الفضاء الجغرافي وفي الحيز الزمني المحدود المحدد، وهناك في الناس من يفهمنا، وهناك من يصر على الا يفهمنا، مع ان ما نقوله وما نكتبه واضح كل الوضوح، وهو لا يحتاج لترجمان وهناك من يحبنا في الله، ولوجه الله، لأن الله محبة، وهناك من يكرهنا، مع اننا لا نفعل ولا نقول ولا نكتب الا ما يرضى الحق وما يرضى الحقيقة وما يرضى الله، ولو سألته (ليه) هذه الكراهية؟ فسيقول لك (من غير ليه) ونحن نتعامل مع المكان، ونتفاعل مع الزمان ايضا، ونرى ان هذا المكان ثابت دائما، وان ذلك الزمن متغير بشكل متجدد، ولقد علمتنا الاطلال والبكاء على الاطلال، ان هذا المكان وفي لموقعه ولمفرداته ولصوره، وهو ثابت في وجه تقلبات الزمن، ولكن الزمن، وبخلاف المكان، ماكر وزئبقي وبهلوان ومهرج ومخادع ومضلل، وهذا ما يجعل الاحتفالية مرتبطة اكثر ببعض المدن العربية، تازة، الرباط، مراكش، سيدي قاسم كازابلانكا، سلا، اكثر من ارتباط باية حقبة زمنية عابرة ومتحركة
وفي صراعها مع الزمن، فإن الاحتفالية لا تعترف بالشيخوخة، لأنها اساسا روح الحياة وروح الزمن وروح الكلمات وهل الروح يمكن ان يشيخ؟
وهي افكار أيضا، وهل الأفكار تشيخ؟ بالتأكيد لا
وكما ان الأفكار الحية والصادقة والحقيقة لا تشيخ، فإنها لا تموت ايضا، وبالنسبة للاحتفالي، حامل هذه الروح الاحتفالية، فإنه لا يمكن ان يشيخ ابدا، وهو جديد ومجدد ومتجدد، بشكل دائم ومستمر، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي (قد يشتعل الرأس شيبا، وتحرق نار العمر الأخضر واليابس ولكنها - ابدا - لا يمكن ان تحرق القلوب والنفوس والارواح المسكونة بالطفولة، والمؤثثة فضاءاتهاالداخلية بالخيال وبالاحتفال وبالحسن والجمال، وبالضوء والظلال، وبالمقامات والحالات، وبالسحر الحلال)
وهذه الكلمة الأخيرة هي تعليق على ما كتبه اخي وصديقي عبد الكريم غريبي، والذي ذكرني فيها بانني مازلت ( شابا)
تحياتى لكل أصدقائي ورفاقي وأهلي في كل العالم وكل عيد وانت بالف الف حياة وحيوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق