تصنيفات مسرحية

الأحد، 14 مايو 2023

مسرحية من ثلاثة فصول " إنسان دلمون " تأليف طلال حسن

مجلة الفنون المسرحية


 
مسرحية   من ثلاثة فصول " إنسان دلمون  " تأليف  طلال حسن  
   

     شخصيات المسرحية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1 ـ كنكالا


2 ـ ليم


3 ـ أم ليم


4 ـ رئيس الكهنة


5 ـ ياريم .. الكاهن العجوز


6 ـ دادو .. الكاهن الشاب


7 ـ تاز .. الكاهن البديل    







                      الفصل الأول


                          بقعة ضوء تسلط على

                          الأم ، منحنية على ليم


الأم : ليم ..

يم : " في فراشه ، يهمهم " هم م م م .

الأم : الشمس تكاد تشرق ، يل بنيّ .

ليم : لا شأن لي بالشمس اليوم .

الأم : والخيول تجري في البراري .

ليم : لستُ من الخيول ، يا أمي .

الأم : كنكالا ..

ليم : " يعتدل في فراشه " جاءت ؟

الأم : " تبتسم " لا ، رأيتها في المنام .

ليم : " يتمدد ثانية في فراشه " إنني أراها
في المنام كلّ يوم .

الأم : وتحت الشجرة ؟ قرب المعبد ؟

ليم : " يعتدل ثانية " أمي ..

الأم : " تقف قبالته " انهض ، وتناول فطورك
" تبتعد عنه " لعلها الآن تقف تحت
الشجرة المقدسة .

ليم : المقدس داخل المعبد .

الأم : أبوك ، يا ليم ، كان يأتيني عند تلك
الشجرة المباركة ، انهض .

ليم : " يهمّ بالنهوض " سأنهض ، يا أمي ،
وأمري إلى الآلهة .

الأم : " تحدق فيه " انظر إليّ ، يا ليم .

ليم : أنتِ أمي ، وأنا لستُ أبي .

الأم : لولا عيناي السومريتان ، كما كان يقول
عنهما أبوك ، لما كنت أنت الآن أمامي ،
ولما ستركض بعد قليل كالحصان ، إلى
تلك الشجرة المقدسة .

ليم : " يعانق أمه " لكنكالا أيضاً عينان
سومريتان .

الأم : " تضحك " آه إنانا .


                       بقعة الضوء تطفأ ،

                        عن ليم وعن أمه

                        

                            إظلام

 




                               بقعة الضوء تسلط

                               على الشاعر ليم


ليم : عيناك غابتا نخيل وقت السحر

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر


                              يصمت ليم ، تسلط 

    بقعة ضوء على كنكالا


كنكالا : لم أرَ ليم منذ .. منذ عشر ساعات ، هذا ما لا ترضاه لي حبيبته الإلهة إنانا ، فلأذهب إليه .


                              بقعة الضوء على

                    ليم ، تدخل كنكالا


كنكالا : ليم ..

ليم : " ينظر إليها " كنكالا .

كنكالا : " تتوقف أمامه مبتسمة " ....

ليم : عيناك غابتا نخيل ..

كنكالا : ظامئتان ، يا ليم .

ليم : أظمأ ولا تظمآن ، يا كنكالا .

كنكالا : ليم ..

ليم : أنتِ لي ، يا كنكالا .

كنكالا : أنا لكَ ، يا ليم ، الآن وإلى الأبد .


                             تطفأ البقعة عنهما ،

                       يُضاء الكاهن العجوز ياريم


الكاهن : هذان البلبلان أسمع مناجاتهما رغم البعد ، إنهما يأتيان إلى هنا ، في ظلال المعبد ، ويتناجيان مغردين ، فلأقترب منهما أكثر ، وأسمعهما عن قرب . 


  تطفأ بقعة الضوء ، 

        تسلط على ليم وكنكالا 


كنكالا : انظر ، يا ليم .

ليم : " ينظر " آه إنه الكاهن العجوز .

كنكالا : يُقال أن البعض ، لا يُحبه في داخل
المعبد .

ليم : لكن له مكانة خاصة ، عند محبيه داخل المعبد مخارجه .

الكاهن : " يدخل بقعة الضوء " طاب يومكما ، يا ولديّ .

ليم : أهلاً ومرحباً .

كنكالا : طاب يومكَ ، يا سيدي .

الكاهن : " مبتسماً " كونا دوماً ما أنتما ، يا ولديّ الربيعين .

ليم : نحن من أوروك .

كنكالا : ولأوروك حدودها .

الكاهن : أنتما من الربيع ، وليس للربيع حدود ، في أوروك أو غير أوروك .

كنكالا : " تتلفت " يا للأسف ،  للوقت حدوده " للكاهن " الحديث معك شيق ، يا سيدي ، لكن حدود أمي ..

الكاهن : " يبتسم " حد أوروك المقدس .

كنكالا : " تتجه إلى الخارج " أحرصُ على محبتها ، ولا أريد أن تخاف ، إنها تقول ، اكبري وستعرفين أن البنت خوف دائم " تلوح بيدها " إلى اللقاء .

ليم : " يلوح لها " ....

الكاهن : فلترافقكِ السلامة .

كنكالا : " تخرج " ....

الكاهن : يبدو أنك مألوف لديّ ، ربما رأيتك سابقاً ، ولعل سماعي لك ، أوهمني بأني رأيتك ، في مكان ما .

ليم : أنا ليم .

الكاهن : " يبتسم " عيناكِ غابتا نخيل ..

ليم : نعم ، أنا .. شاعر ..

الكاهن : أو شرفتان ..

ليم : هذا مطلع من قصيدة ، كتبته عن الإلهة العظيمة إنانا .

الكاهن : قرأتها ، أنا أقرأ أيضاً الشعر ، ليس كلّ شعر طبعاً .

ليم : إنانا إلهة الحب ..

الكاهن : وإلهة الحرب أيضاً .

ليم : عندي إلهة الحب .. الحب .

الكاهن : ما اسم إنانتك ؟

ليم : " ينظر إليه صامتاً " ....

الكاهن : لكل إنانةِ شاعرٍ اسم .

ليم : فتاتي اسمها كنكالا .

الكاهن : أنت فتى ، تنتمي إلى عصر أوروك ، اكتب عن فتاتك كنكالا ، حتى وأنت تكتب عن إنانا  نفسها .

ليم : " ينظر إليه مبتسماً " ....

الكاهن : أتمنى أن أقرأ كلّ ما تكتبه ، وخاصة عن كنكالا ، فكنكالا هي الحياة ، فيها جمال الحياة ، ودفؤها .

ليم : أصارحك ، يا سيدي ، أن البعض ، وخاصة المتدينين ، ينتقدونني ، ويقولون أن إنانا ، التي أكتب عنها ، ليست إلهة ، وإنما فتاة ، فتاة من أوروك .

الكاهن : وأنا لا أكتمك ، إنني أتمنى أن تكتب دائماً عن هذه الإنانا .

ليم : أشكرك يا سيدي ، أشكرك .

الكاهن : " يكتم أنة " آآآه .

ليم : " ينظر إليه قلقاً " سيدي ..

الكاهن : لا عليك ، ألم عارض " يئن مرة ثانية " آآآه .

ليم : " ينظر إليه قلقاً " ....

الكاهن : لو كنت في دلمون ، لما شعرتُ بالألم ، بل ولما شختُ هكذا .

ليم : أتمنى لك السلامة والعافية .

الكاهن : أشكرك " يتأهب للمضي " عليّ أن أدخل الدير الآن ، إن جسدي العجوز ، لم يعد يقوى على تحمل روحي الجامحة " يتجه إلى الخارج " أتمنى أن أراك قريباً ، هنا أو داخل الدير .

ليم : هذا ما أتمناه ، يا سيدي .

الكاهن : جئني بإنانتكَ مرة ، إنني أحب أن أراكما معاً ، يا ليم .

ليم : " يهزّ رأسه متأثراً " أشكرك جداً ، يا سيدي .

الكاهن : " يخرج بخطى متعبة " .... 


                          إظلام ، تضاء بقعة 

                       الضوء على ليم وكنكالا


ليم : لنجلسْ تحت هذه الشجرة .

كنكالا : نحن نجلس تحتها دائماً ، يا ليم .

ليم : الجو هنا جميل .

كنكالا : وقد ازداد جمالا ، في الفترة الأخيرة ، بحضورك طبعاً .

ليم : أشكركِ " يجلس " اجلسي إلى جانبي ، يا كنكالا .

كنكالا : " تجلس إلى جانبه " لم أرك البارحة ، وقد تمنيت أن أراك .

ليم : زرتُ الكاهن العجوز ياريم ، في غرفته داخل الدير .

كنكالا : لقد ازدادت زياراتك له في الفترة الأخيرة ، يا ليم .

ليم : " يصمت حزيناً " ....

كنكالا : ليم ..

ليم : الكاهن ياريم حالته المرضية  ، تقلقني كثيراً ، يا كنكالا .

كنكالا : لا تنسَ ، إنه رجل عجوز ، ربما تجاوز الثمانين من العمر .

ليم : نعم ، إنه متقدم في السن فعلاً ، لكن همومه وأفكاره تثقل عليه ، أكثر مما تثقل عليه سني عمره .

كنكالا : أفكاره ؟

ليم : ويا لها من أفكار ، وقد أقامت بينه وبين الكهنة جدراناً عالية ، من الصعب التواصل معه من خلالها .

كنكالا : " تنظر إليه في صمت " ....

ليم : إنه أقرب إلى الشعراء منه إلى رجال الدين ، ولا أدري والحالة هذه ، ما الذي قاده إلى المعبد .

كنكالا : يا ليم ، خذني إليه مرة ، أريد أن أزوره معك قريباً .

ليم : هذا ما أراده مني ، في أول لقاء لنا معه ، لكني لم أفاتحك به .

كنكالا : " تنهض " إذن خذني إليه ، في أقرب فرصة ممكنة .

ليم : " ينهض بدوره " حسناً ، سأزوره أولاً ، وأتأكد من أن صحته تسمح باستقبالنا ، ولو لفترة قصيرة .

كنكالا : " تتهيأ للانصراف " اتفقنا إذن . 

ليم : رافقتك السلامة .


                        كنكالا تمضي مبتعدة ، ليم

                         يبقى وحده تحت الشجرة


                                إظلام








                      تضاء غرفة الكاهن العجوز ،

                 الكاهن في سريره ، الكاهن دادو

دادو : " يحدق فيه " سيدي ..

الكاهن : نعم .

دادو : ليتك تسمح لي ، أن أستدعي الطبيب ، ليراك .

الكاهن : إنني بخير . 

دادو : نعم ، أنت بخير ، يا سيدي ، ولكن لنطمئن عليكَ أكثر .

الكاهن : لا أحتاج إلى طبيب ، وإنما إلى قليل من الراحة " الباب يُطرق " .

دادو : سيدي ..

الكاهن : افتح الباب ، يا دادو .

دادو : أنت قلتها ، يا سيدي ، إنك تحتاج إلى الراحة .

الكاهن : افتح الباب .

دادو : " يتجه إلى الباب " الأمر لك يا سيدي ، " يفتح الباب " آه " يلتفت إلى الكاهن " سيدي .

الكاهن : من بالباب ؟

دادو : الشاعر ليم .

الكاهن : " يعتدل " دعه يدخل .

دادو : " يهمس لليم " لا تطل البقاء ، سيدي الكاهن متعب .  

ليم : " يدخل " لن أبقى طويلاً ، جئت أطمئن على سيدي الكاهن .

الكاهن : تعال ، يا ليم .

ليم : طاب يومك ، سيدي الكاهن .

الكاهن : أهلاً ومرحباً بك " للكاهن دادو "

                اذهب إلى غرفتك ، سأرسل في طلبك ،    إذا احتجت إليك .

دادو : " على مضض " حسناً ، يا سيدي " يخرج ويغلق الباب " .

الكاهن : من يتابع هذا الكاهن الشاب دادو ، ربما يظن أنه يضيق ذرعاً من شيخوختي ، ومن مرضي ، و ..

ليم : كاهن غريب ، يا سيدي ، إنني لم أره يبتسم مرة واحدة .

الكاهن : قلبه يبتسم ، وخاصة لي " يصمت " إنه مؤمن بشكل مطلق ، وهذه سعادة لم أحصل عليها ، رغم ذلك فهو يحبني ، يا للعجب " يبتسم " يقولون إنّ المحبة من الآلهة .

ليم : لا تعجب ، يا سيدي ، إن الكثيرين في أوروك يحبونك .

الكاهن : وهناك من لا يحبني ، ولا يطيقني ، حتى هنا في المعبد .

ليم : " يبتسم " أعطهم بعض الحق في ذلك ، يا سيدي .

الكاهن : لعلّ الأوان قد فات ، لأن أحرص على أن يحبني الجميع ، لقد حاولت طول عمري ، أن أحبّ نفسي ، لكن ..

ليم : لا أعتقد ، يا سيدي ، أن الإنسان يستطيع أن يحبّ نفسه دائماً .

الكاهن : أحياناً أتمنى لو أنني كبقية الناس ، أو كمعظم الناس ، أملك يقيناً ثابتاً " يصمت " إننا دائماً ، لسبب أو لآخر ، نكتم مشاعرنا ، ونكتم أفكارنا ، ربما حرصاً منّا على مشاعر الآخرين ، أو خشية الوحدة ، العزلة ، أن تكون نجماً متوحداً ، معزولاً ، في فراغ معتم " يهزّ رأسه " لا عزاء في هذه الحالة ، حتى بالضوء الذي يصدر منك ، مهما كان ساطعاً .

ليم : يبدو لي ، أن الإنسان ليس مسؤولاً تماماً عمّا هو عليه .

الكاهن : " ينظر إليه مفكراً " ....

ليم : نعم ، هذا أنا ، تركيبتي ، عواطفي ، عقليتي ، أنا هكذا ، ولدتُ هكذا ،  ، أكثر مما صنعه مني أبوايا ومحيطي .

الكاهن : هناك خيوط مشتركة بيني وبينك ، رغم فارق العمر والتجربة .

ليم : هذا شرف لي ، يا سيدي  .

الكاهن : منذ صغري ، وأنا لا أستطيع أن أتقبل كلّ ما يراه الآخرون ، ليس في الكهنة والمتعبدين والآلهة فقط ، وإنما في الحياة نفسها " يصمت " الحياة ، يا ليم ، بشعة قاسية ، ولو كنتُ الآلهة الخالقة ، لما خلقتها على هذه الصورة " بمرارة واشمئزاز " كائن يفترس كائناً آخر ،  فقر ومرض وشيخوخة ، وموت ، خاصة موت الأطفال " يبتسم بمرارة " ربما لهذا أوجدوا دلمون ، بدلاً عنها ، وقدموها لخيالنا فقط .

ليم : البعض يعتقد أن دلمون ليس من خلق الآلهة ، وإنما من خلق الشعراء .

الكاهن : " يبتسم " بعض الكهان شعراء خلاقون ، لهم خيال إنساني رحب .

ليم : لا أظنّ أن الكهنة الآخرين ، في المعابد ، على امتداد بلاد سومر ، يمكن أن يحبونهم .

الكاهن : " يهز رأسه متعباً " ....

ليم : أخشى أن أكون قد أثقلتُ عليك ، وأتعبتك ، يا سيدي .

الكاهن : " يهز رأسه نفياً " لا .. لا " يصمت " مازال في داخلي كاهن ، لم أستطع أن أكونه ، أو أتخلص منه " يصمت " هذا الكون المذهل ، في تركيبه وفي اتساعه ، من أوجده ؟ وكيف وجد ؟وما الغاية منه ؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير ، لم يجبني عنها المعبد ، ولا كلّ ما جاء به من خرافات وأساطير ساذجة ..

ليم : " يبقى صامتاً " ....

الكاهن : " ينظر إليه " هل فكرت يوماً ، يا ليم ، أن تكون هنا ؟ أن تكون كاهنا في معبد كهذا المعبد ؟

ليم : " يبتسم " إنني شاعر ، يا سيدي .

الكاهن : " يتنهد متألما " آآآه .

ليم : " ينهض وهو يحدق فيه " سيدي ..

الكاهن : ابقَ شاعراً .

ليم : يبدو  أنني قد أتعبتك ، يا سيدي .

الكاهن : " متألماً " آآآ .. لا .. لا .. لم تتعبني .. أنت سعادة لي .

ليم : أشكرك ، يا سيدي .

الكاهن : " يتألم " آآآه ..

ليم : " يتراجع نحو الباب " سأنادي الكاهن دادو ، يا سيدي .

الكاهن : " يتمدد " لا ، دعه يرتاح مني قليلاً ، لقد أتعبته في الأيام الأخيرة " يصمت " سأنام بعض الوقت ، لعلي أرتاح .

ليم : سأذهب ، يا سيدي ، ارتح أنت " يفتح الباب " سأزورك في أقرب فرصة .   


                        ليم يخرج ، ويغلق 

                      الباب ، الكاهن يسعل 

                              إظلام








                                الفصل الثاني



                          تسلط بقعة الضوء على 

                      ليم ، يجلس ليلاً تحت الشجرة       


كنكالا : " من الخارج " عيناك غابتا نخل..

ليم : " يرفع رأسه صامتاً " ....

كنكالا : " تدخل وتقترب منه " ليم ..

ليم : " لا ينظر إليها " أهلاً كنكالا .

كنكالا " تجلس " القمر لم يظهر بعد ..

ليم : " يبقى صامتاً " ....

كنكالا : " تصغي " اسمع ، يا ليم .

ليم : " لا ينظر إليها " ....

كنكالا : البلبل يغرد ، اسمعه ..

ليم : " لا يريم " ....

كنكالا : يبدو أنه يغرد لي وحدي " تصمت " غرد ، إنني أسمعك .

ليم : " يرمقها بنظرة سريعة " ....

كنكالا : عيناكِ غابتا نخيل وقت السحر

أو شرفتان راح ينأى عنهما القم

ليم : " يتنهد " ....

كنكالا : القمر لم ينأى اليوم فقط ، وإنما هو غائب .

ليم : لستُ غائباً ، إنني أجلس إلى جانبك ، يا كنكالا .

كنكالا : " تنظر إليه " نعم ، جسدك إلى جانبي ، إنني أراه ، لكني لا أرى ليم .

ليم " " ينظر إليها صامتاً " ....

كنكالا : منذ أسابيع ، وأنت لم تكتب عن عينيّ ، يا ليم ، التي تقول إنهما غابتا نخل ، كلمة واحدة ..

ليم : " يغالب ابتسامته " ....

كنكالا : وشرفتاي ؟ لقد غاب عنهما القمر .

ليم : كنكالا ..

كنكالا : " تمازحه " ومن يدري ، ربما أسرتك عينان سوداوان ، فالعيون السوداء المتألقة ، ليست نادرة في سومر .

ليم : كنكالا..

كنكالا : " تنظر إليه صامتة " ....

ليم : الكاهن العجوز ياريم ، مريض جداً .

كنكالا : الطبيب ، على ما أعرف ، يسهر على صحته ، ومعه الكاهن الشاب دادو ، بأمر من الكاهن الأعظم نفسه .

ليم : الطبيب لم يقصر ، وهو يزوره كلّ يوم ، ويقول أن جسده ضعيف ، وبحاجة إلى غذاء ، وقد وصف له لحم حمل ..

كنكالا : " تهز رأسها " وهذا ما يرفضه الكاهن العجوز بشدة .

ليم : يقول ، ما ذنب الحمل البريء ، ليسفك دمه بدون ذنب جناه .

كنكالا : لكن الآلهة أحلت هذا ، ثم إنه مريض ، وهذا دواء شاف له .

ليم : " يطرق رأسه " زرته البارحة ، كان متعباً ، قال لي ، إذا شفيت هذه المرة ، لن أبقى في الدير ، سأذهب إلى أعلى جبل منعزل ، وأعيش في أحد مغاراته .

كنكالا : كم أود أن أراه .

ليم : " ينظر إليها " سألني عنك يوم أمس ، وطلب مني أن أقرأ له ، عيناكِ غابتا نخيل ، فقرأتها له ، وعيناه مغمضتان ، وغارقتان بالدموع .

كنكالا " " تنظر إلى القمر " انظر ، ها هو القمر يبزغ " تخنقها العبرات " ليم ، خذني إليه في أقرب فرصة .


                            تضع رأسها بين 

                         ركبتيه وتنشج بالبكاء

                إظلام  



 

 











                                                                          
      الكاهن العجوز في فراشه ، 

                         الطبيب ، الكاهن دادو 


الطبيب : " يفحص الكاهن " ....

دادو : " يتابعه باهتمام " ....

الطبيب : " ينتهي من فحصه " ....

دادو : خيراً ، يا دكتور .

الطبيب : لن يكون بخير ، إذا لم يتناول ما وصفته
له من طعام .

دادو : حاولنا جهدنا ، يا سيدي ، لكن دون جدوى .

الطبيب : لا جدوى إذن من علاجي له .

دادو : " للكاهن " سيدي ، أرجو أن تكون قد سمعت ما قاله ، الطبيب .

الكاهن : نعم ، سمعته .

الطبيب : " للكاهن " سيدي الكاهن ، صحتك ، بل حياتك نفسها ، في خطر .

الكاهن : " يبعد عينيه عنه صامتاً " ....

            


                       الطبيب يتجه نحو الباب ،

                      الكاهن دادو يسير بجانبه


الطبيب : ما دام يرفض أن يتناول شيئاً من لحم الحمل ، أو لحم الدجاج ، حاولوا أن تسقوه شيئاً من مرقة  اللحم .

دادو : حاولنا ، يا سيدي ، لكنه رفض أيضاً ، وقال لا أريد أن أتحمل وزر سفك دم كائن حيّ مستضعف .

الطبيب : " يفتح الباب " في سنه ، هذا خطر شديد عليه .

دادو : إنه في خطر فعلاً ، ولا نعرف ماذا نفعل في هذه الحالة .

الطبيب : فلتساعده الآلهة ، كن إلى جانبه ، إنه بحاجة إليك ، وأرسل في طلبي عند الحاجة .

دادو : سأرافقك حتى الباب " يخرجان " .

الكاهن : الآلهة لن تساعدني ، وربما لا تستطيع أن تساعدني " يبتسم بسخرية " الآلهة استأثرت بالخلود ، وقدرت الموت على الإنسان ، لماذا يا سدوري ؟ 



                          يدخل الشاعر ليم ،

                         ويقترب من الكاهن


ليم : طاب يومكَ ، يا سيدي .

الكاهن : " يحاول أن يعتدل " ليم ؟ أشكرك على
مجيئكَ ، ما أحوجني إلى رؤيتك الآن
بالذات .

ليم : لن أفارقك ، يا سيدي ، إنني سأزورك
كلّ يوم .

الكاهن : " بنبرة حزينة " هذه الكلّ يوم ، أخشى
أنها حلم ، والأحلام كما تعرف لا تدوم
طويلاً ، وقلما تتحقق .

ليم : لا تقل هذا ، يا سيدي ، أنت بخير ،
وستكون أفضل قريباً .

الكاهن : " يهز رأسه حزيناً " ....

ليم : سيدي ، ليتك تلتزم بما يوصي به
الطبيب .

الكاهن : لن أخون نفسي .

ليم : أنت مريض ، يا سيدي ، وصحتك في
خطر ، وتحتاج إلى غذاء صحيّ يفيدك ،
وينقذ حياتك .

الكاهن : لا أريد ، يا ليم ، أن أشفى بقتل كائن
بريء لا ذنب له .

ليم : يا سيدي ، أنت إنسان ، ولك أهميتك ،
ودورك في أوروك .

الكاهن : هذا لا يبرر ، أن أسفك دم كائن بريء ،
ولن أساهم في سفك دم أحد لأي سبب من
الأسباب .


                             يدخل الكاهن دادو ،

                           ويحدق في ليم معاتباً 


ليم : " محرجاً " أردت أن أطمئن على سيدي
الكاهن .

دادو : " للكاهن " سيدي ، سيأتي سيدي رئيس
المعبد لزيارتك بعد قليل .

الكاهن : " ينظر إلى ليم " أهلاً به .

ليم : " للكاهن " عن إذنك ، سأزورك قريباً ،
أرجو لك الشفاء العاجل .

الكاهن : أهلاً بك في أي وقت .

دادو : " لليم " رئيس الدير قادم ، استعجل
رجاء .

ليم : " يفتح الباب ويخرج " ....

الكاهن : أنت تتصرف بشيء من الخشونه مع
هذا الشاعر الشاب .

دادو : أخشى ، يا سيدي ، أن رئيس الدير ، لا
يرتاح إلى زياراته المتكررة .

الكاهن : إنه ضيفي ، يأتي لزيارتي ، وأنا أرحب
بزياراته لي .

دادو : عفواً ، يا سيدي .

الكاهن : " يغالب ابتسامته " ثم إنه شاعر شاب ،
له معجباته في أوروك .

دادو : إنه شاعر الفضائح ، يا سيدي .

الكاهن : " يبتسم " لقد كتب قصيدة طويلة عن
الإلهة العظيمة إنانا .

دادو : لم يكتب قصيدته عن الإلهة إنانا ، وإنما
عن امرأة أرضية عاشقة .

الكاهن : ما أدرانا ، لعل البشر خارج الدير ،
يرون الإلهة إنانا هكذا .

دادو : " ينصت " سيدي ، أسمع أحدهم قادماً "
يتجه إلى الباب " لعله رئيس الدير .

الكاهن : " يتنهد مقطباً " آآآآه .

دادو : " يفتح الباب " إنه رئيس الدير فعلاً ،
يا سيدي .

الكاهن : " يعتدل في فراشه " أهلاً به .


                       يلوح رئيس الديربالباب ،

                      الكاهن الشاب يتنحى قليلاً


دادو : " ينحني للرئيس " تفضل ، يا سيدي ،
تفضل .

الرئيس : " يدخل ويتوقف أمام الكاهن " طاب
يومك ، أيها الكاهن .

الكاهن : " يحاول أن ينهض " أهلاً ومرحباً ،
سيدي ، شكراً لزيارتك .

الرئيس : ابقَ في مكانك ..

الكاهن : " يبقى في فراشه " أشكرك .

الرئيس : جئت لأطمئن على صحتك ، و ..

الكاهن : " ينظر إليه صامتاً " ....

الرئيس : " ينظر إلى الكاهن دادو " ....

دادو : سأنتظر خارج الغرفة ، يا سيدي  .

الرئيس : أغلق الباب .

دادو : " وهو يغلق الباب " أمر سيدي .

الرئيس : " يقترب من سرير الكاهن " تبدو بخير
رغم شيخوختك وعنادك .

الكاهن : أنت تعرف ، يا سيدي ، أنني لست
بخير ، ولن أكون بخير ، ويبدو لي أنني
أقترب من النهاية .

الرئيس : " يحدق فيه " لولا عنادك ، وأفكارك
الغريبة ، لكنت الآن في مكانة مرموقة
من الدير .

الكاهن : لم أطمح يوماً ، أن أكون في مكانة
مرموقة ، وخاصة في الدير .

الرئيس : قلة من يعرف ، أنك في الدير ، وليس
في الدير ، في الوقت نفسه .

الكاهن : أظنّ أنني في المكان والزمان الخطأ ،
يا سيدي .

الرئيس : وهذا الخطأ ينبغي أن يصحح ، إنه
خطر  على  أوروك المقدسة .

الكاهن : إنني إنسان .

الرئيس : ليس الإنسان الذي أرادته الآلهة .

الكاهن : لا أظنّ أن الآلهة أرادت الإنسان
الوحش ؟

الرئيس : الإنسان الذي يخضع لمشيئة الآلهة ليس وحشاً .

الكاهن : الذئب يأكل الحمل ، إنه وحش ، لكن هذا ما يفعله الإنسان نفسه .

الرئيس : " غاضباً " أنت تجدف ، أيها الخرف ، وهذه إهانة للآلهة وللحياة التي خلقتها على الأرض .

الكاهن : انظر إلى دلمون ..

الرئيس : دلمون من خلق الآلهة .

الكاهن : لو كانت الحياة كلها دلمون ، لكانت جديرة بأن تُحي .

الرئيس : للآلهة حكمتها ، وأنت أعجز من أن تفهم هذه الحكمة .

الكاهن : لا أريد أن أتفهمها .

الرئيس : يبدو لي أنك لا تريد أن تشفى ..

الكاهن : " يلوذ بالصمت " ....

الرئيس : لن تشفى .

 الكاهن : وحتى لو شفيت ، فلن أبقى في هذا الدير ، سأذهب إلى أعلى جبل من الجبال ، وأعيش في غار من مغاراته .


                          رئيس الدير يفتح

                        الباب ، يلوح دادو


دادو : سيدي .

الرئيس : " بصوت خافت " لا تعطوه حساء أي
لحم من اللحوم ، الني وصفها له الطبيب
سابقاً .

دادو   : هو نفسه لم يرضَ أن يأخذ شيئاً منه ،
يا سيدي ، رغم حاجته الشديدة إليه .

الرئيس : " يحدق فيه غاضباً " ابقَ إلى جانبه ،
ولا تسمح لأحد أن يدخل عليه ، أو يقدم
له أي شيء .

دادو : " يلوذ بالصمت مستغرباً " ....


                           يخرج رئيس الدير ، 

                             دادو يغلق الباب


: " للكاهن ياريم " سيدي ..

الكاهن : أتمنى على الآلهة العظام ، يا دادو ، أن
تعمل بما يريده رئيس الدير ، لأريح
وارتاح أنا أيضاً .

دادو : " يقترب منه ، ويحدق فيه صامتاً "....

الكاهن : بيني وبينك ، لو كنت إلهاً خالقا ، لما
خلقتُ العالم على هذه الصورة .

دادو : " يهزّ رأسه " ....

الكاهن : " يصمت " : ....

دادوا :سيدي ..

الكاهن : لم تطل زيارة رئيس الكهنة لي .

دادو : نعم ، يا سيدي .

الكاهن : ربما لهذا دلالته .

دادو : أنت تعرف ، يا سيدي ، أنّ لرئيس
الكهنة مشاغله الكثيرة ، داخل الدير
وخارجه ، ورغم هذا ، جاء إلى هنا
، وتحدث إليك .

الكاهن : " ينظر إليه " نعم ، تحدث إليّ ، هل
تريد أن تعرف ما قاله لي ؟

دادو : أنا كاهن بسيط ، يا سيدي ، ولا يحق
لي أن أعرف ما دار بينكما .

الكاهن : أنت الكاهن المطلوب هنا ، وإن كنت
أخشى عليك ، فالقرب من المار يحرق
أحياناً . 

دادو : " يلوذ بالصمت " ....

الكاهن : " يتنهد " آآآآه .

دادو : سيدي ..

الكاهن : " ينظر إليه " ....

دادو : أخشى ، يا سيدي ، أن تكون بحاجة إلى
بعض الطعام .

الكاهن : سمعتُ ما قاله لكَ رئيس الكهنة في
ديرنا هذا .

الشاب : مرني ، يا سيدي ، وسآتيك بالحمل
نفسه ، إذا أردت .

الكاهن : أشكرك ، أنت صادق ، وطيب القلب
والنية ، وقد تعاملت معي ، طوال هذه
الفترة ، بمنتهى المحبة والتعاطف ، رغم
أن هذا قد يكلفك ما لا أريده لكَ .

دادو : صحيح أنني ، وعفواً لذلك ، لا أتفق
معك فيما تتحدث به أحياناً ، إلا أنني
أزداد محبة لك يوماً بعد يوم .

الكاهن : للأسف ، يا بنيّ ، لا أظنّ أن بقاءك
معي سيطول ، وخاصة بعد زيارة رئيس
الدير لي هذا اليوم .

دادو : هذا ما قرأته في عينيّ رئيس الدير ،
عندما ودعته عند الباب .

الكاهن : يا للأسف .

دادو : أرجوك ، يا سيدي ، دعني آتيك ببعض
الطعام ، وليكن ما يكون .

الكاهن : لا ، أشكرك .

الشاب : أرجوك ..

الكاهن : " يلوذ بالصمت " سآتيك بالطعام ،
لعلك تقتنع بتناول شيء منه .


                         الباب يُطرق ، الكاهن

                          ودادو ينظران إليه


الكاهن : الباب يُطرق ..

الشاب : مهما يكن ، يا سيدي ، لا تمتنع عن
تناول الطعام ، أنت في خطر ، إن حياتك
تهمنا جداً .

الكاهن : افتح الباب .

الشاب : " يتجه نحو الباب ، ويتوقف أمامه "
سيدي ..

الكاهن : افتح الباب ، يا بنيّ .

الشاب : " يفتح الباب " ....


                          دادو يفتح الباب ،

                         يدخل كاهن ضخم


الضخم : " يخاطب الكاهن متجهماً "  طاب
يومكَ ، يا سيدي .

دادو : " يحدق فيه " نعم ؟

الضخم : أرسلني سيدي رئيس الدير ، إلى سيدي
الكاهن ، لأرعاه في مرضه ، وأقوم
بخدمته وحدي .

دادو : لكن هذه مهمتي ، منذ ..

الضخم : أمرني سيدي رئيس الدير ، أن أطلب
منك ، الذهاب إلى غرفتك ، لقد انتهت
مهمتك مع سيدي الكاهن هنا .

دادو : " ينظر إلى الكاهن " ....

الكاهن : أشكرك ، يا بنيّ دادو ، لم تقصر في
خدمتك لي ، هذه أوامر الرئيس ، اذهب
ولتوفقك الآلهة .

دادو : " للكاهن " إذا احتجت لي ، يا سيدي ،
في أي وقت ، أرسل في طلبي ، وسأكون
في خدمتك .

الكاهن : " يهمّ بالكلام " ....

الضخم : " يُقاطعه " خدمة سيدي الكاهن ،
ستكون من اختصاصي أنا وحدي ، هذه
هي أوامر سيدي رئيس الدير .


                          دادو يخرج متجهماً ، 

                       الكاهن والضخم وحدهما 

                                  إظلام


                       الفصل الثالث



                           عند الغروب ، ليم

                        يقف متكئاً إلى الشجرة


ليم : يقول الكاهن العجوز ياريم ، هذه
المسافة بين البداية والنهاية ، قدّرت
الآلهة علينا أن نمشيها ، مهما كانت
طويلة وشاقة " يصمت " أهذا ما قدرته
الآلهة ؟ سدوري ، أنتِ امرأة .


                        تدخل كنكالا حزينة ،  

                       وتسير مقتربة من ليم

   

كنكالا : " تتوقف قبالته " ليم ..

ليم : " يلتفت وينظر إليها صامتاً " ....

كنكالا : منذ يومين وأنا أبحث عنك .

ليم : أخبرتني أمي ، أنكِ جئت إلى بيتنا ،
وسألتها عني .

كنكالا : لكنك لم تستجب لي ، لم تسأل عني ،
ولم تأتِ إليّ .

ليم : " ينظر إليها صامتاً " ....

كنكالا : ليم ..

ليم : الكاهن العجوز يا ريم ، يا كنكالا ..

كنكالا : هذا ما خمنته ، عرفتُ أنك عنده ، وأنك
لم تفارقه .

ليم : " يهز رأسه " ....

كنكالا : لا تقلق ، إن صحته ستكون على ما
يرام ، رغم تقدمه في السن .

ليم : لم أستطع الوصول إليه ، يا كنكالا ،
ولم يسمحوا لي أن أره منذ ثلاثة أيام .

كنكالا : لكنك كنت تزوره كلّ يوم ، دون أن
يعترضك أحد ، وإن كان الكاهن الشاب
لا يرتاح لزيارتك له .

ليم : ليس الكاهن الشاب هذه المرة ..

كنكالا : " تحدق فيه " ....

ليم : يبدو أن رئيس الدير ، قد وضع حراساً
من الكهنة الشداد ، على بوابة المعبد ..

كنكالا : حراس ! هذا لم يحدث من قبل ، على
ما أعرف ، المعبد بيت الآلهة .

ليم : ذهبتُ إلى المعبد ، خلال هذه الأيام
الثلاثة ، أكثر من مرة ، وحاولتُ أن
أدخل إلى الكاهن العجوز ، لأطمئن على
صحته ، لكنهم منعوني من ذلك .

كنكالا : هذا أمر غريب ، غير مسبوق .

 ليم : وسألتُ أكثر من واحد منهم ، عن
الكاهن العجوز ، وعن صحته وأحواله ،
لكنهم نهروني بشدة ، وحذروني من
الاقتراب من المعبد ثانية ، أو السؤال عن
الكاهن العجوز ، أو محاولة الوصول إليه
، لأي سبب من الأسباب .

كنكالا : ليم ..

ليم : " ينظر إليها " ....

كنكالا : خذني غداً معك إلى المعبد ، لعلهم
يراعون كوني فتاة ، فيسمحون لنا
بالدخول ، وزيارة الكاهن العجوز .

ليم : لا يا كنكالا ، أنت واهمة ، لن يسمحوا
لنا بالدخول .

كنكالا : من يدري ، لنحاول يا ليم .

ليم : لا .. لا يا كنكالا .

كنكالا : قد لا يسمحون لنا بالدخول ، إذا كنّا معاً
، حسناً .. يمكنني أن أذهب إلى المعبد
وحدي ، وأزور الكاهن العجوز ، وبذالك
نطمئن عليه .

ليم : كلا ، لا أريد أن تتعرضي إلى موقف
محرج ، مهين ، إنهم ليسوا كهنة ، هؤلاء
الحراس ، وإنما وحوش .

كنكالا : كما تشاء ، أنت أدرى بهم مني ، أردت
فقط أن أخفف عنك ، وأجعلك تطمئن
على الكاهن العجوز ، الذي يستحق كلّ
المحبة والاحترام .

ليم : " يصمت مفكراً " ....

كنكالا : لننتظر بعض الوقت ، يا ليم .

ليم : ننكالا ..

كنكالا : تنظر إليه " نعم .

ليم : لابدّ لي أن أرى الكاهن العجوز ، في
أسرع وقت ممكن .

كنكالا : وكيف يمكن أن تراه ، وهؤلاء الكهنة
الحراس ، الذين تقول عنهم إنهم أشداء ،
يقفون بالباب ؟

ليم : " ينظر إليها مفكراً " ....

كنكالا : إنني أخشى ، يا ليم ، أن يُؤذوك هذه
المرة .

ليم : إنني قلق ، ولن أرتاح ما لم أرَ الكاهن
العجوز ، وأطمئن عليه .

كنكالا : لا داعي للقلق ، مادام الطبيب إلى
جانبه ، وكذلك الكاهن الشاب .

ليم : " يفكر صامتاً " ....

كنكالا : ليم ..

ليم : " كمن يحدث نفسه " هذه الليلة ، في
غياب القمر ، إن لم يكن غداً ، في الليل
أيضاً ، سأعبر سياج المعبد خلسة ،
وأتسلل إلى غرفة الكاهن العجوز .

كنكالا : " خائفة " لكن الكهنة الأشداء ..

ليم : لم أعد أحتمل ، لابد أن أرى الكاهن
العجوز ، وأعرف مصيره ، في أقرب
فرصة ممكنة .

كنكالا : لكن هذا خطر ، يا ليم ، خطر جداً .

ليم : " ينظر إلى الأفق " ....

كنكالا : ليم ..

ليم : الشمس تكاد تغرب ، يا كنكالا ،
وسيحلّ الليل .

كنكالا : أنت تزيد من قلقي ، انتظر بعض
الوقت ، وسنسمع عن الكاهن العجوز ما
يطمئننا عليه ، ويريحنا .

ليم : كنكالا ، لقد غربت الشمس .

كنكالا : " تتراجع خطوتين " لا تدعني أقلق
عليك أكثر ، يا ليم .

ليم : اذهبي الآن إلى البيت ، يا كنكالا ،
لابدّ أن أمكِ قلقة عليكِ الآن .

كنكالا : ليم ..

ليم : اذهبي ، سأتصل بكِ غداً .

كنكالا : " تتهيأ للانصراف " أنت ملكي ، يا ليم
، فاحرص على نفسكَ من أجلي .

ليم : " يلوح لها " إلى اللقاء .

كنكالا : " تسير متراجعة " تعال إليّ غداً
صباحاً ، أريد أن أراك ، وأطمئن عليك .

ليم : اذهبي ، رافقتكِ السلامة .

كنكالا : " تتوقف مترددة ، ثم تخرج " ....

ليم : " ينظر إلى الأفق البعيد " هذه المسافة
، بين البداية والنهاية ، لابد أن مشيها
مهما كانت عثراتها .


                            ليم يتلفت حوله ، 

                          ثم يمضي إلى الخارج


                                 إظلام


                           ليم متعب في فراشه ،

                         يُفتح الباب ، وتدخل الأم


الأم : " بصوت خافت " حمداً للآلهة ، لقد نام
ليم أخيراً .

ليم : " دون أن يفتح عينيه " تعالي ، يا أمي
، لستُ نائماً .

الأم : " تسرع إليه متلهفة " بنيّ ليم .

ليم : " يفتح عينيه " أمي ، لا تقلقي ، إنني
على خير ما يرام .

الأم : " تأخذ يده وتقبلها " طبعاً أنت على خير ما يرام ، وستنهض على قدميك قريباً ، وتعدو كالحصان .

ليم : " يغالب ابتسامته " أشكرك ، يا أمي ، وإن كان التشبيه غير شاعري .

الأم : لستُ شاعرة مثلك ، يا بنيّ ، ولهذا فإنني عشت حتى الآن .

ليم : رغم إني شاعر ، فإني سأعيش ، من أجلكِ أنتِ ، يا أمي ، وأريدك أن تعيشي أنتِ أيضاً من أجلي .

الأم : أطلب من الآلهة العظيمة ، أن تمدّ في عمري ، حتى أرى أولادك ، وأربيهم ، وأزوجهم أيضاً .

ليم : أمي ..

الأم : نعم .

ليم : كنكالا ..

الأم : جاءت البارحة ، وسألت عنك ، وكانت قلقة جداً ، ولو كانت قد سمعت بما جرى لك في المعبد يوم أمس ، لجاءت إليك ، وصاحت كالمجنونة ..

كنكالا : " تصيح باكية من الخارج " ليم ..

الأم : " تلتفت إلى مصدر الصوت " : ها هي كنكالا ، لقد جاءت .

ليم : " يحاول أن يعتدل " أمي ، ساعديني على الجلوس ، فلو رأتني كنكالا متمدداً هكذا ، فإنها ستجن .

كنكالا : " تصيح باكية من مكان أقرب " أين أنت ، يا ليم ؟

الأم : " تساعد ليم على الجلوس معتدلاً في فراشه " تماسك ، يا بني ليم ، فعقل الفتاة يطير من رأسها ، في هذه الحالة ، بسرعة طيران العصفور .


                          يُدفع الباب ، وتدخل

                        كنكالا ، وتحدق في ليم


كنكالا : " بصوت باكٍ " ليم ..

ليم : " يمدّ يديه نحوها " تعالي ، يا كنكالا .

كنكالا : يا للآلهة ، ماذا فعل بك هؤلاء الأوباش المجرمون ؟

الأم : بنيتي ، لا تجدفي . 

ليم : وأردتِ أن تأتي معي إلى المعبد ، وتدخلي على الكاهن العجوز .

كنكالا : " تقترب منه باكية " لو أعرف أنهم سيفعلون بكً ما فعلوا ، ما تركتك تذهب وحدك ، ولأتيت معكَ ، حتى لو تعرضت منهم للقتل .

ليم : " يمسك يديها " إنني بخير ، يا كنكالا " يحاول أن يبتسم لها " وكما تقول أمي ، وأمي شاعرة مثلي ، إنني سأنهض على قدميّ غداً ، وأجري كالحصان .

الأم : بنيتي كنكالا ، امسحي دموعك ، أنا أيضاً بكيت ، بكيت بحرقة ، عندما جاءوا البارحة به ، وهو مغطى بالدماء ، ولكنه الآن أفضل ، وغداً سينهض ، وتذهبان معا إلى .. إلى حيث تذهبان .

كنكالا : " تمسح دموعها " ماذا جرى ، يا ليم ؟ ماذا فعلت لتتعرض إلى ما تعرضت إليه منهم ، هؤلاء القتلة ؟

الأم : " تنظر إليها معاتبة " جرى ما كان متوقعاً أن يجري له ، لقد تسلق ليلاً سور المعبد ، وأراد أن يتسلل خلسة إلى غرفة الكاهن العجوز .

كنكالا : هذه ليست جريمة ، تستحق العقاب ، الذي أنزلوه به .

الأم : لقد حذروه من الاقتراب من المعبد ،
وهو لم يكتفِ بذلك ، وإنما تسلق السور
ليلاً ، كما يفعل اللصوص .

ليم : كانوا خمسة كهنة غلاظ ، أمسكوا بي ،
وانهالوا عليّ بالضرب المبرح ، دون
رحمة ، حتى أغمي عليّ ، وألقوا بي
خارج المعبد .

الأم : وعند صباح اليوم التالي ، رآه بعض
زوار المعبد ، وعرفوه رغم الدماء التي
كانت تغطي وجهه ، وجاءوا به إلى
البيت ، وهو بين الحياة والموتِ .

كنكالا : " تغطي وجهها بكفيها " يا ويلي ,, يا
ويلي .. يا ويلي .

الأم : كفى بكاء ، يا بنيتي .

ليم : كنكالا ، إنني بخير ، وما سمعته من
أمي ، هو مشاعر أم " ينظر إلى أمه "
قولي لها ، إنني كالحصان ، سأنهض غداً
، وأجري .

الأم : " تربت على رأسها " سينهض .. و ..
وتجرين معه .. هيا امسحي دموعكِ .

كنكالا : " تمسح دموعها " والكاهن العجوز ؟
ما هي أخباره ؟

ليم : هذا ما أردتُ أن أعرفه ، لكن الكهنة
الخمسة ، لم يدعوا لي فرصة لأصل إلى
غرفته ، أو أعرف أيّ شيء عنه .


                          الباب الخارجي يُطرق ،

                             ليم ينظر إلى أمه


الأم : سأفتح الباب " تتجه إلى الخارج " وأرى من القادم .

كنكالا : دعيني أنا أفتح الباب .

الأم : " عند الباب " لا ، أبقي أنتِ مع ليم ، يا كنكالا " تخرج " .

كنكالا : " تميل على ليم " ليم ..

ليم : " ينظر إليها " نعم . 

كنكالا : غداً ، عند الضحى ، سأذهب أنا إلى المعبد ، وأحاول التسلل إلى غرفة الكاهن العجوز ، وأطمئن عليه .

ليم : ماذا !

كنكالا : إنه مريض ، ويجب أن نعرف ، ما هو عليه الآن .

ليم : أنت مجنونة ؟ سيقتلونكِ إذا حاولتِ الاقتراب من غرفة الكاهن العجوز .

كنكالا : لكنك لن ترتاح ، مهما كانت الأخطار التي تتعرض لها ، إلا إذا عرفت مصير الكاهن العجوز .

ليم : حذار ، يا كنكالا ، حذار ، هؤلاء الكهنة المتوحشون ، لن يتورعوا عن إيذاءك ، إنهم لا يفرقون بين رجل أو امرأة .

كنكالا : " تهم بالكلام : ....

ليم : " ينظر نحو الخارج مذهولاً " من ! الكاهن دادو ؟


                       تدخل الأم ، ومعها الكاهن

                         دادو في ثياب عادية


دادو : طاب صباحكما .

كنكالا : طاب صباحك .

ليم : أهلاً ومرحباً بالكاهن دادو .

دادو : عفواً لم أعد كاهناً .

ليم : " ينظر إليه مندهشاً " ....

دادو : لقد علمت بما فعله بك هؤلاء الكهنة ، إنني أعرفهم جيداً ، إنهم لا يتورعون عن الإقدام على أي شيء ، مهما كان ما يأمرهم به رئيس المعبد .

ليم : أنت كنت كاهناً متحمساً ، والآن حتى ثياب الكهنة قد نزعتها .

دادو : لقد طردني رئيس المعبد ، واتهمني بأني من أنصار الكاهن ياريم ، وإنني كنت أدعو إلى آرائه ، و .. " يصمت " المهم ، إنني لم أعد كاهناً ، ولستُ نادماً على ذلك .

ليم : " ينظر إليه " أيها الأخ دادو ..

دادو : أعرف ما تريده ، وهذا ما جعلني أزورك في بيتك .

ليم : الكاهن العجوز ياريم ..

دادو : " يهز رأسه " ....

ليم : كان مريضا جداً ، ولابد أنكَ  تعرف عنه الكثير ، فقد كنت إلى جانبه دائماً .

دادو : في نفس اليوم ، الذي زرته أنت فيه زيارتك الأخيرة ، زاره رئيس الدير نفسه ، ويبدو أنه لم يرضَ عني ، فاستبدلني بكاهن آخر ، يأتمر بأوامره مباشرة ، ومنذ ذلك اليوم ، وحتى الآن ، لم أره فيها مرة واحدة .

ليم : لا أظن ، يا دادو ، أنك جئت لتعودني ، وتقول لي هذا فقط .

دادو : نعم ، أنت تريد أن تعرف مصير الكاهن ياريم ، وقد عرّضت نفسك لخطر الموت من أجل ذلك ، إنني لا أعرف الكثير ، وأنا نفسي أريد أن أعرف الحقيقة .

ليم : " ينظر إليه صامتاً " ....

دادو : ما أعرفه ، أن الكاهن العجوز ياريم ، لم يعد موجوداً ..

ليم : " مصدوماً " ماذا ! 

دادو : يقول البعض ، أنه غادر المعبد ، وذهب إلى الجبال البعيدة ، ليعيش في أحد مغاراتها ..

ليم : هذا مستحيل ، فأنت تعرف أنه لم يكن يقوى على السير .

دادو : والبعض الآخر يقول ، إنه لم يخرج من المعبد ، وإن كان لم يعد في غرفته ، أو في أية غرفة أخرى .

ليم : يا للآلهة .

دادو : هذا ما أعرفه .

ليم : مسكين الكاهن ياريم ، إنني لا أستبعد أن يكونوا قد فعلوا الأسوأ ، إن رئيس المعبد يعتبره كافراً بالآلهة ، والكافر في رأيه يستحق الموت . 

ليم : حافظ على نفسك ، يا ليم ، أنت نفسك
متهم عندهم ، ويكفي أنك كنت صديقاً
للكاهن يا ليم ، وكنت تتردد عليه في
المعبد بين حين وآخر .

ليم : " يهز رأسه " ....

دادو : أستودعك الآلهة ، وأتمنى لك الشفاء
العاجل .

ليم : أشكرك يا دادو ، أشكرك ، وأنت أيضاً
كن على حذر ، وحافظ على نفسك .

دادو : طاب صباحكما " يتجه إلى الخارج " .

ليم : رافقتك السلامة .

كنكالا : مع السلامة ..

دادو : " يخرج " ....

الأم : " تلحق به " أشكرك على هذه الزيارة ،
مهلاً ، سأوصلك إلى الباب الخارجي " يخرجان " .

ليم : لم أحب دادو هذا ، حتى عندما مدحه
أمامي الكاهن العجوز ياريم ، لكني
تأكدت الآن أن الكاهن ياريم كان على
حقّ ، إنه حقاً إنسان طيب ومحبّ .

كنكالا : فعلا ، يبدو أنّ الكاهن ياريم محق ، إنه
إنسان طيب على طريقته .

ليم : لقد وقف مع الكاهن العجوز ياريم حتى
النهاية ، رغم أفكاره المتطرفة ، التي
كان المعبد يرفضها ، ويستنكرها أشدّ
الاستنكار .

كنكارا : " تحدق فيه " يبدو أنك متعب ، يا ليم ،
ولعلك تحتاج إلى النوم والراحة .

ليم : نعم ، إنني متعب " يتمدد في فراشه "
سأرتاح بعد قليل .

كنكالا : " تتهيأ للانصراف " من الأفضل أن
أذهب إلى البيت الآن ، مادمت تريد أن
ترتاح ، يا ليم .

ليم : " يمد يده إليها " لا تذهبي ، وتتركيني
وحدي ، يا كنكالا ، إنني بحاجة إليكِ ،
اجلسي وأعطني يدكِ .

كنكالا : " تجلس وتأخذ يده بين يديها " لن أدعك
طول العمر ، يا شاعري ليم .

ليم : " يغمض عينيه ، أصغي ، يا كنكالا ..

كنكالا : إنني أصغي ، يا ليم .

ليم : عيناكِ غابتا نخل وقت السحر

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر

 

                           يخفت صوت ليم ، 

                          وكنكالا تصغي إليه 

                                إظلام

                                ستار



                                4 / 5 / 2020 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق