مجلة الفنون المسرحية
فاتحة الكلام
تشتغل القناة الثقافية المغربية هذه الأيام على حلقة جديدة من برنامجها الناجح(مسيرة ومسار) ولقد ارتأى طاقم هذا البرنامج - مشكورا - أن تكون هذه الحلقة الجديدة مخصصة لمسار ومسيرة الاحتفالي المتجدد عبد الكريم برشيد، وان تقتفي اثار اقدامه، وتقتفي آثار افكاره واثار حالاته ومواقفه، ابتداء من مسقط الروح والوجدان مدينة ابركان، إلى كل المدن التي عاش فيها، ودرس فيها، وفكر فيها، وشاغب فيها، وابدع فيها، والتي هي وجدة وفاس ومكناس والخميسات والدار البيضاء ومراكش، ولقد انطلق فعل التصوير من نقطة البداية، اي من مدينة ابركان، والتي هي ابعد نقطة في الجغرافيا المغربية شمالا وشرقا، ولقد تم تصوير بيت ضيف الحلقة، وتم تصوير حيه، وتم تصوير مدرستيه، الفرنسية والمغربية لحرة، والتي هي مدرسة النهضة، ولقد تصوير المسجد الذي حفظ فيه القرأن الكريم على يد الفقيه الورطاسي، وتم تصوير الفضاءات العمرانية والأجواءالاجتماعية والثقافية التي انبتته وانشاته وربته، والتي اهلته من أجل أن يكون هذا المبدع المفكر الذي هو اليوم
وفي ضيافة (فضاء الشرق) بالمدينة، والذي هو فضاء ثقافي تتجمع فيه الأرواح والنفوس والعقول العاشقة للكلمة وللفكرة وللحالة الوجدانية الصادقة كان للمخرجة وداد ومعدة البرنامج سعاد اليعقوبي لقاء مع الناشر والمثقف وراعي الثقافة والمثقفين في مدينة ابركان الأستاذ بن عيسى الزينبي، وذلك إلى جانب اللقاء مع صديق الطفولة بكاوي المكي، والذي اشتغل مرشدا لطاقم التصوير، كما تم اللقاء مع المثقف الموسوعي والفاعل الجمعوي والناشر ومظير ( فضاء الشرق) الأستاذ محمد العتروس
وفي طريق العودة، توقفت عين الكاميرا بمدينة فاس، وزارات وصورت واستعادت ظلالا من زمن الجامعة في ظهر المهراز، والذي كان زمن القراءة العاشقة، وكان زمن العلمي، وكان زمن السؤال الفكري، وكان زمن التجربة والتجريب، وكان زمن البحث عن الذات، وذلك في عالم تعددت فيه التيارات الفكرية والجمالية، وتنافرت فيه الاقطاب الإيديولوجية، لحد الوصول إلى درجة الحرب الباردة
وفي مدينة الخميسات، والتي هي من بين أهم واخطر المحطات في مساري الإبداعي والفكري، صورت عين الكاميرا ثانوية موسى بن نصير، والتي كنت فيها مدرسا، وأخذت شهادتين من مسرحيين اثنين، الأول هو المسرحي محمد الصغير، والذي هو احد مؤسسي الفعل المسرحي بمدينة الخميسات، والثاني هو الفنان والنقابي والفاعل الجمعوي نعيم بنصرو، والذي هو اليوم في الخميسات اهم الأصوات فيها، لأنه بمثل الاستمرار، ويمثل الربط بين جيل التاسيس وجيل الوفاء والتجديد
وفي مدينة الدار البيضاء، والتي شهدت في أواسط السبعينات من القرن الماضي مولد التيار الاحتفالي، وشهدت فورة التنظير الفكري، وشهدت قمة المدافع من أجل تاسيس مسرح مغربي جديد ومتجدد
وفي مدينة الدار البيضاء كان للبرنامج لقاء مع الكاتب والمنظر الاحتفالي د. محمد الوادي، والذي أعطى شهادته في حق رفيقه صاحب المسيرة والمسار، كما أعطى د. نذير عبد اللطيف شهادته ايضا، وذلك باعتباره فنانا وشاهدا وموثقا ومؤرخا للحركة المسرحية المغربية المعاصرة ولحديثة
ويوم الأربعاءءط الماضي انتقل طاقم البرنامج إلى مدينة مراكش، وفي صبيحة هذا اليوم كان اللقاء بدار بلارج في ضيافة اللمديرة والفنانة والأخت مها ماضي، وقد تم ترتيب هذا اللقاء من طرف المخرج الاحتفالي سعيد شكور، والذي يدير بالدارىمجموعة الامهات المبدعات، والذي قدم معهن مجموعة مهمة من الأعمال المسرحية الناجحة، والتي استحضر فيها التراث المغربي، ولقد استطاعت هذه المجموعة أن تصل إلى بعض العواصم الأوربية، ومباشرة بعد الحوار معي، في الفضاء الجميل لدار بلارج، والذي ادارته بحكمة واقتدار الأستاذة سعاد اليعقوبي، اخذت لي كثير من اللقطات في دروب المدينة العتيقة وفي ساحة جامع الفنا، ولقد كان المؤمل أن يتم تصوير دار الباشا، حيث كنت في اواسط الثمانينات مت القرن الماضي مندوبا جهويا لوزارة الثقاقة على مراكش واسفي والصويرة وقلعة السراغنة، ومن سوء حظنا اننا وجدنا دار الباشا في حالة الترميم، وذلك بعد الهزة الزلزالية التي ضربت احواز مراكش في شهر سبتمبر الماضي
الحضور في عالمين وفي زمنين
وهذه الحلقة من برنامج تلفزيوني، هي التي تحرضني اليوم على أن أعيد قراءة مساري ومسيرتي، وهي تعيدني إلى نفس الأسئلة التي انطلقت منها، والتي كانت اكير واخطر من أن اجيب عنها في مقالة او في كتاب او في محاضرة او في ندوة او في برنامج تلفزيوني
يقول الاحتفالي، إن هذا العالم الذي يقيم بداخلي، هو غير ذلك العالم الذي أقيم فيه، وما يسعدني في عالمي المسرحي هذا، هو أنني فيه سيد نفسي، وأنني في أيامه ولياليه أكثر حرية وأكثر صدقا وأكثر شفافية وأكثر حياة وأكثر إنسانية وأكثر عطاء، ولهذا فإنني استفتي قلبي دائما، واعرف ان القلوب الصادقة لا تخطئ ابدا، وفي قراءة مسيرتي ومساري اسأل روحي، واستنطق ذاكرتي، واكلم شخصياتي المسرحية، والتي هي ظلال عقلي وظلال نفسي وظلال ذاكرتي وظلال تاريخي
ولعل اهم ما يميز عالمي الداخلي، هو انه عالم المتشابهات والمتقابلات والمتناقضات الواضحة لحد الغموض، والواضحة احيانا اخرى لحد الغموض التام، والجديد القديم في هذه المتناقضات هو أنها لا تفترق إلا من أجل أن تلتقي في نفس الطريق، وهي بهذا أفكار حية وحرة، وهذه الأفكار، قبل أن تكون افكاري، فهي افكار أنتجها الواقع، واوجدتها الوقائع اليومية، لكنها تظل أفكارا حرة ومتمردة على الواقع، وتظلىمتمردة على قشور الواقع، لأن ما يهمها ويعنيها أساسا هو روح الواقع، وهي في حياتها وحيويتها تعيش بين حدين اثنين متكاملين هما حد الاختلاف وحد الائتلاف، وفي مرايا هذا المسرح، والتي هي مرايا ماكرة وساخرة وساحرة وزئبقية دائما، فإنني لا أفعل شيئا سوى أن أرى، وأن أحسن الرؤية، وأن أتأمل روحي ونفسي ووجداني، وأن أتأمل عقلي وهو في حال الفعل والانفعال وفي حال التفاعل، وفي هذه المرايا لا يهمني أن أتأمل وجهي، ولا وجوه الناس ايضا، إيمانا مني بأنه لا وجود لشيء يمكن أن نسميه وجوه، وكل ما نملكه هو مجرد أقنعة فقط، وهي قناع فوق قناع فوق قناع إلى ما لا نهاية، ولكل حالة قناع، ولكل موقف قناع، ولكل مناسبة قناع، ويبقى ان اليوم الذي يمكن أن تسقط فيه كل الأقنعة هو يوم التعييد الاحتفالي، والذي هو اصدق كل الأيام في تاريخ الأفراد والجماعات والمجتمعات
وفي طريق هذا المسرح يسألني سائل من الناس ويقول لي :
أنت انت من انت يا انت؟ ومن اي زمان أين اتيت؟ ولماذا اتيت؟ ولماذا اخترت هذا الطريق تحديدا ولم تختر غيره؟ وهل انا الذي اخترته ام هو الذي اختارني؟
ويتواصل حبل الأسئلة : هل انت راض عن مسيرتك ومسارك؟
ولماذا تسعى إلى الأمام دائما، وتسعى إلى الأبعد والى الاعلى؟
ولماذا تعشق المرتفعات،وتهوى الجبال،وتهوى القمم العالية جدا، وهل هذا من أجل أن يراك الناس؟
واقول لهم، بل من أجل أن أرى انا الناس، كل الناس، وأن أرى كل العالم، بقاراته وبدوله وبكل جغرافياته المادية والثقافية المختلفة؟
وماذا تقول عن مسيرتك الوجودية والفكرية والإبداعية؟
وهل وصلت بها وفيها إلى محطة الوصول؟
وعن هذا السؤال او التساؤل اقول دائما نفس ما قاله نزار قباني عن مسيرة الحب وعن مسار العاشق، لوالذي هو نفس مساري بكل تأكيد، قد قال
الحب ليس رواية شرقية
بختامها يتزوج الأبطال
لكنه الابحار دون سفينة
وشعورنا أن الوصول محال
ولقد اقتنعت دائما بان اجمل واصدق ما في السفر هو السفر نفسه، وان الوصول يعني نهاية وموت السفر، وفي عالم هذا المسرح، فانا اليوم، كما كنت بالأمس، مجرد فنان يفكر، وفي فعل هذا التفكير، الصدق والحر، اعيش واحيا، وافلسف حياتي وحياة شخصياتي وحياة كل الناس بصدق، وقد اكون متفلسفا، ولكنني بالتاكيد لست فيلسوفا، لأنني افكر بالصور الحية، وافكر بالحكاية وبالأمثولة، ولا امارس التامل البارد بالمجردات المحنطة، ولست خطيبا ايضا، ولست مصلحا، ولست زعيما سياسيا، ولست اكاديما متحجرا، ولست فقيها، وحتى في كل كتاباتي النظرية، فانا ابعد ما اكون عن التجريد النظري، لأنني انتمي للمسرح ولفقه المسرح، والمسرح تفكير بالصورة، وتفكير بالحضور، وتفكير بالفعل، وتفكير بالجسد الفاعل في الزمن الحي
وانني، في فعل هذا التفكير الحيوي، لا اومن بشيء يمكن أن يسمى المسرح الذهني، لأن المسرح لدي، ولدى كل الناس، مكان للتلاقي، وهو ايضا فضاء للحوار، جسدا وفكرا وروحا ووجدانا، اي الحوار مع الآخر الذي ليس فكرة مجردة، ولكنه جسد فاعل في ذاته، وفاعل في الآخرين وفاعل في المكان وفي الزمان
ولا بأس أن أكون في هذا المسرح عرافا، او اكون ساحرا، أو اكون مؤرخا للحالات الوجداية، وللمواقف والمقامات، وان اكون مؤرخا للانقلابات الفكرية في العقول وفي النفوس وفي الأرواح الحالمة والعالمة
انا الاحتفالي من اكون؟
أنا هو أنا، هكذا قلت وكتبت دائما، انا كائن إنساني احتفالي يحيا بين عالمين، عالم احتفالي متخيل وعالم مأتمي محسوس وملموس، وسعيد أنا بوجودي في هذا الوجود، ولو لم أكن أنا هو أنا، لطالبت وناضلت وقاتلت من أجل أن أكون أنا، هذا المشاغب والمحارب الاحتفالي الذي لا يستريح
وأنا أيضا، مجموعة كبيرة من الصور المتعددة الأحجام والألوان، ومن حق كل واحد من الناس أن تكون لي في ( جيبه) صورة خاصة لي، وكثيرة هي الصور الرائجة التي لا تشبهني ولا أشبهها، وإذا كنت انا لا اعرف من يكون انا، فكيف يعرفه الذي بيني وبينه الف حجاب وحجاب؟
وإنني أنا الكاتب الاحتفالي، أومن بأن الفن ملح الوجود وملح الحياة، وبأنه ما كان لهذه الحياة أن تكون بهذا السحر وبهذا الجمال وبهءا الجلال لولا وجود الشعراء، ولولا وجود أهل الموسيقى وأهل الغناء ولولا وجود المسرح والمسرحيين، ولولا وجود المجانين المبدعين
ويعجبني وببهرني ويسحرني هذا العالم السحري الذي يسكنني، لأنه يحمل براءة الطفل، ويخملةلمسة الأنثى، وبه هذيان صادق، وبه فوضى منظمة وله جنون وفنون
ولكن ها العالم الذي أسكنه - مؤقتا - لا يعحبني، لأنه عالم الزيف والنفاق وعالم الخداع والكذب، فأن تقتل فيه فراشة فأنت عدواني، وأن تقتل شعبا كاملا في فلسطين فأنت في حرب، وهل بعد قتل المدنيين العزل يمكن أن يدخل في خانة الحرب؟ واي مجد يمكن أن يكون لمحارب يقتل الشيوخ والنساء ويقتل الاطفال الأبرياء؟
في هذا الواقع العبثي والسوريالي، والذي يتحكم فيه الغىب الاوربي، يكون القتل فيهومسموحا به في حلبة المصارعة والملاكمة، وفي حلبة مصارعة الثيران، ولهذا فقد أطلقت في وجه هذا العالم الظالم صرخة بحجم الوجود وبسعة التاريخ، ولهذا فقد أعطيت نفسي الحق في أن أدينه وان أرفض فلسفته المأتمية، من غير أن أهرب منه، لأن الهروب ليس كلمة احتفالية، ولا علاقة له بالأخلاق الاحتفالية ولقد بحثت دائما، ومازلت، في عوالم هذا المسرح السحرية عن مجرد يوم واحد من الأيام، يوم احتفالي لا يشبه سائر الأيام، والذي قد يكون معادلا للأبدية، أما هذا اليوم الذي يقع خارج المسرح، فهو مجرد سجن ومجرد منفى، وأنا فيه غريب ومغترب، وأنا فيه مجرد مقيم عابر بدرجة لاجئ
وأنا الكاتب الاحتفالي، الأتي من الزمن الآتي، قدري المكتوب في اللوح المحفوظ، هو أن أكتب وأكتب وأكتب، وان أكتب بوحي روحي وبوحي الأيام وبوحي الأسئلة الحقيقية والصادقة، وان أقول في كتاباتي كل الذي ينبغي أن يقال ولا أبالي
ولو كنت أبالي بثرثرة بعض الناس وبضجيج هذا العالم، ما كنت كتبت حرفا واحدا له معنى، وان كل كلام يأتيني من خلفي لا ألتفت إليه، ولا تهمني ولا تغريني ولا تدهشني إلا الأصوات الني تأتي من اللامكان ومن اللازمان ومن اللا أحد
وأنا الحكواتي ما قبل الأخير، كتب عليه أن يحكي ويحكي، بعد أن رحل كل الحكواتيين، وأرى ان أسوأ شيء أن تجد نفسك تحكي خارج زمن الحكي، وأن تنتصر للحكي العالم والفاهم ومتى؟ في في زمن ضيع الكلمة الصادقة، وفي المقابل فإنه لم يربح ط إلا الصور الخادعة والكاذبة
وأنا الفارس الأخير، وقدري اليوم هو أن أكون فارسا بلا فرس، وأن أكون محاربا خارج زمن الفرسان وخلرج زمن الفروسية
وأنا الغني بأحلامي وبأوهامي وبفيض إحساسي وبفيض خيالي وبفيض مشاعري، ومن حقي أن أقول لكل الناس ما يلي
أنا الاحتفالي الغني لحد الفقر،، والفقير لحد الغنى المطلق، لدي اليوم في بنك الحكمة والمعرفة كلمات وعبارات وإشارات وتاملات وعلامات وتصورات وتخيلات، وانني لا أسعى إلا من أجل شيء واحد اوحد، وهو أن اقتسم هذه الثروة الرمزية مع كف الناس في كل زمان ومكان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق