تصنيفات مسرحية

الخميس، 9 نوفمبر 2023

مسرحية " خارج الفردوس " تأليف: حيدر حسين ناصر

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب حيدر حسين 


مسرحية " خارج الفردوس " تأليف: حيدر حسين ناصر


الشخصيات : 

الرجل 

المسجون 

الحارس 

المرأة 


المكان : زنزانة قديمة .


الاستهلال :  تبدأ الاضاءة بالانفتاح ببطء على زنزانة في وسط المسرح، نسمع اصوات عالية لضحكات وبكاء بأصوات مختلفة تختفي الأصوات، نسمع اصواتاً لسلاسل  تجر بصوت مرتفع وقضبان الزنزانة تهتز بقوة، نرى الحارس وهو يقتاد شخصا ما إلى الزنزانة وهو متعب بعض الشيء .


الحارس (بعصبية ): لم يبقَ سوىٰ المجانين ليأتوا بهم إلى هنا .

الرجل :( يضحك): هيا أسرع ... أسرع أيها الحارس...هيا   .

الحارس : يكفي هذا لقد اتعبتني أنتظر هنا .

الرجل : هل وصلنا ؟.

الحارس : نعم لقد وصلنا .

الرجل (بفرح): مرحى ... مرحى إذن هذا هو بيتي الجديد .

الحارس : وهل أنت فرح ؟!! 

الرجل (يقبل قضبان السجن): كيف لا أفرح كيف، وكل ما تمنيته ها هو أمامي .

الحارس : الحمد لله على نعمة العقل.

الرجل : من الطبيعي ان تقول هذا، لكنك لو كنت مكاني لشعرت بما اشعر .

الحارس : لا أريد ذلك أنت الآن مسجون وعليك تنفيذ الأوامر .

الرجل (يضحك) : امرك سيدي ولكن أين هي الأوامر ؟. 

الحارس : نعم الأوامر أولاً خذ هذا المفتاح .

الرجل: وبعدها يا سيدي ؟. 

الحارس : قم بفتح باب الزنزانة بلطفْ ... بلطفْ.... بلطفاْ شديد .

الرجل : أستيقظوا.... استيقظِوا.... هيا لقد وصل مسجون جديد.

الحارس : اللعنة عليك أهذا هو اللطف عندك .

الرجل : اردت ان يكون قدومي مدوّياً...هههههههه. 

الحارس : تقصد مزعجاً .

 (ينهض رجل كبير يحاول ان يفتح عينيه بصعوبة، يتمعن بوجه الحارس وكذلك الرجل، ينهض من مكانه

المسجون : ما كل هذه الازعاجات أيها الحارس ؟ .

الحارس : لست أنا بل هذا الرجل هو مصدر هذه الازعاجات.

المسجون : اه....اه لقد ايقظتني من حلم جميل ... جميل جداً .

الرجل : هيا ...هيا  أريد الدخول حالاً .

الحارس : انتظر قليلاً.. 

المسجون : من هذا الرجل ؟. 

الحارس : انه مسجون جديد .

المسجون: ولماذا يقف امام باب زنزانتي ؟.

الحارس : كل زنازين هذا السجن ممتلئة على الآخر، لذلك قلت في نفسي لأذهب إلى صديقي الطيب واعتقد أنه  لن يرد هذا الطلب البسيط ؟. 

المسجون: مختصر الكلام هل تريده ان يسكن في زنزانتي ؟. 

الحارس: انت خير العارفين .

المسجون: لنفترض أني قد وافقت على طلبك، أين سينام؟ لا يوجد الا سرير واحد.

الحارس: اضع له فراشاً على الأرض وينام عليه .

المسجون: هي.. هل تقبل بهذا الحل ؟. 

الرجل : نعم موافق حتى لو من دون فراش انا موافق فقط دعني ادخل .

الحارس (حوار ثنائي مع المسجون فقط): حتى لو قلنا له ستنام واقفاً سيقبل .

المسجون: ماذا لو كان قاتلاً ... او مجنوناً ؟. 

الحارس (يضحك بصوت منخفض): قاتلا لا أعتقد اما فكرة الجنون فلا استبعدها إطلاقاً.

الرجل : ما هي نتيجة هذه الجلسة السرية ؟.

الحارس : تمت الموافقة ... أدخل.

( يأتي الحارس بفراش ويعطيه للرجل ثم يخرج من المسرح، يدخل الرجل إلى الزنزانة بفرح شديد وهو يتلمس جدرانها وينظر إلى كل مكانٍ فيها، يأخذ بتقبيل جدران الزنزانة والقضبان ) .

الرجل : وأخيراً...... وأخيراً.... الحرية .... الحرية هههههههه .

المسجون (بسخرية) : يبدو ان للحارس نظرة تستطيع ان تميز المجانين .

الرجل : هل لي بسؤال ؟. 

المسجون: أتمنى ان يكون سؤالاً عقلانياً .

الرجل : منذ متى وانت تعيش الحرية هنا ؟. 

المسجون: تقصد منذ متى وأنا فاقد للحرية، هذا ما تقصده  ؟. 

الرجل : اقصد منذ متى وانت تنعم بهذه الحرية ها هنا ؟ .

المسجون: اي حرية هذه التي تتكلم عنها ؟. 

الرجل : أنت الآن في الهرم العلوي للحرية .

المسجون: لابدّ أنك لم تستوعب فكرة أنك قد اصبحت مسجوناً، لا عليك ستعتاد الأمر.

الرجل : لا تقل مسجونا بل قل حرا ... طليقا ... . 

المسجون: أعتقد أنك تستعمل بعض الكلمات في مواضع خاطئة فالحر والطليق تكون للخارج وليس للداخل .

الرجل : انك لا تفرق بين الداخل والخارج أيها الحر .

المسجون: الحر ؟.

الرجل : نعم انت هنا حرٌ كما ولدتك امك.

المسجون: يبدو أن فكرة أنك مجنون بدأت تتضاءل وهنالك ظهور جديد لفكرة أخرىٰ .

الرجل (يضحك): وما هذه الفكرة ؟. 

المسجون: فكرة أنك كثير الكلام .

الرجل : أنا اعاني من مرض منذ طفولتي، لذا حاول ان تتحملني طيلة مدّة وجودي معك في زنزانة واحدة .

المسجون: وما هذا المرض ؟. 

الرجل : لديَّ كبت .

المسجون: مرض جديد، هل هو مرض عضوي ام نفسي ؟. 

الرجل : الاثنان معا .

المسجون: كيف هذا أنا أعرف ان الأمراض نوعين اما عضوي او نفسي، كيف يكون مرضك الاثنان معا ؟. 

الرجل : انه مرض جاء نتيجة وباء اصاب كل من أعرف، وأيضا اصاب كل من يعرفون وأيضاً اصاب الذين يعرفون والذين لا يعرفون .

المسجون: وباء بهذا الدمار ولم يصل الينا اي خبر عنه، كيف ؟!.

الرجل (صمت)

المسجون (يبتعد قليلاً): وهل هو معدٍ ؟. 

الرجل : لا تخف .. لا تخف البعض وجد الحماية من هذا الوباء وانا واحد منهم .

المسجون: هل كانت على شكل لقاحات ؟. 

الرجل : بل قرارات . 

المسجون: فكرة الجنون بدأت تخرج مرة أخرى .

الرجل : اقسم لك، لقد كان هذا حلاً للحماية من الوباء .

المسجون (يضحك): وباء علاجه قرارات كيف هذا؟. لنفترض أني صدقت كلامك ترى هل هذه القرارات متشابهة أم أنها قرار واحد ؟.

الرجل : بل مختلفة وكانت على ثلاثة أنواع.

المسجون: وما هذه الأنواع ؟. 

الرجل : القرار الأول الهروب .

المسجون : هاااا .

الرجل : القرار الثاني السجن .

المسجون: ماذا ؟. 

الرجل : القرار الثالث الانتحار . 

المسجون: اعرف أني انا من يُفترض انه سيصدق كلامك، ولكن أنا اتراجع عن قولي هذا لأنك رجل مجنون بامتياز.

الرجل : بل رجل شجاع حصل على علاج لمرضه .

المسجون: وهل السجون أصبحت علاجاً ؟. 

الرجل : سأقضي عمري هنا وأنا اتمتع بصحة جيدة وبجسم وبعقلٍ خالٍ من أوبئة الخارج .

المسجون: وما هي جريمتك التي جاءت بك إلى هنا ؟. 

الرجل : قلت لك ان قراري هو من جاء بي إلى هنا . 

المسجون: ركز معي أن دخول السجن هو نتيجة جريمة ما ، ما الذي إرتكبته حتى يكون السجن مصيرك .

الرجل : قلت لك ان السجن قراري اتخذته بكامل قواي العقلية .

المسجون: تعني أنك جئت إلى هنا من بدون جريمة ما ؟.  

الرجل : أنا يا سيدي رجل يحب القانون، طيلة حياتي لم اقترف جريمةٍ يحاسب عليها القانون حتى لو كانت مخالفة مرورية بسيطة .

المسجون: اذا كنت هكذا فلماذا قررت ان تدخل السجن ؟. 

الرجل : لقد تعبت ... تعبت ... تعبت جداً.

المسجون: اذا كنت رجلاً نظامياً وقانونياً ما الذي اتعبك حتى وصلت إلى هذه المرحلة ؟.

الرجل : تعبت من الكبت الذي في داخلي اريد ان اتكلم ، أصرخ ، اغني ، ابكي .

المسجون: وما الذي يمنعك من كل هذا ؟. 

الرجل (بخوف) : هم يمنعوني .

المسجون: من هؤلاء الذين يمنعونك ؟. 

الرجل : هؤلاء هم الوباء الذي تحدثت لك عنهم .

المسجون: هل هم من البشر ام من..... قل اعوذ برب الفلق . 

الرجل : أنهم على هيئة بشر ولكن .... .

المسجون: ولكن ماذا تكلم .

الرجل : يتعاملون معنا كأننا حيوانات بل أتعس من هذا يجرون بنا حيث يشاءون  .

المسجون: لماذا تقبل ان يُعامل هكذا؟ اشتكِ عليهم عند السلطات المختصة .

الرجل : اين اشتكي ؟.

المسجون: عند السلطات المختصة.

الرجل (يضحك) : هههههه يقول اشتكي عند السلطات......ههههههه سيتوقف قلبي من الضحك .

المسجون: ما الذي يُضحك في كلامي ؟. 

الرجل(يضحك) : لا اقصد الإساءة يا سيدي ولكنك تُريدني أن اشتكي .... ههههههه.

المسجون: يبدو إنها نوبة جنون قد اصابتك .

الرجل : انا أعتذر مرة أخرى أيها السيد الطيب فأنا لا أتذكر آخر مرة ضحكت بها هكذا .

المسجون: ضحكت كأنك لم تضحك من قبل .

الرجل : آخر مرة ضحكت فيها كان عمري تسع سنين وبعدها جاءوا هؤلاء بالوباء فهجرني الضحك، ما هذا ... ما هذا . 

المسجون: ماذا أيضا  ؟. 

الرجل : أسنان.. لديه أسنان واسنان كاملة كنت أتوقع أني لا اضحك لأنه ليست لديَّ أسنان، حتى الطعام كنت ابلعه بلعاً كما نبلع احلامنا المضطهدة، هكذا تحولنا إلى أفاعٍ تبلع فقط لا يحق لها أن تسأل، ألم أقل لك إننا اصبحنا حيواناتٍ عندهم .

المسجون: أريد موضوعاً واحداً اتكلم به معك على أن تجعل منه دراما بائسة . 

الرجل : أنا اعتذر ولكن أريد شيئاً بسيطاً منك ولكن عدني انك لن تنزعج من طلبي .

المسجون : حسناً اطلب فأنا اتعاطف معك لأنها ليلتك الأولى، هيا قل ما تشاء . 

الرجل (يمسك نفسه بقوة ): قل لي لماذا لم تشتكِ عند السلطات. 

المسجون: هل سترتاح اذا قلتها ؟. 

الرجل : جداً جداً .

المسجون: لماذا لم تشتكِ عند السلطات على هؤلاء الاشخاص.

الرجل (يضحك): قل لهم ان يحفروا قبري لأني سأموت اليوم من الضحك هههههههه .

المسجون: أنك لم تشتكِ هل خوفا منهم ام لأنهم يملكون علاقات مع رجال السلطة ؟.

الرجل : هل تريدني ان اشتكي على السلطة عندها ؟.

المسجون: ماذا تقصد ؟. 

الرجل : تريدني ان اشتكي على السلطة عند السلطة ؟. 

المسجون: يعني الذين تقصدهم هم أنفسهم السلطة وأنا أقول لك إشتكِ عليهم عند السلطة .

الرجل : تخيل ذلك .

المسجون: وأنا اقول في داخلي لماذا يضحك كلما يُعاد الكلام، اُقسم لك أنه من حقك أن تضحك .

الرجل (ينام على الفراش): كيف انام .... كيف ينام الإنسان ؟. 

المسجون: هل نسيت كيف تنام ؟. 

الرجل : منذ زمن لم أنم وانا مستلقٍ على الأرض  .

المسجون: وكيف كنت تنام في الأيام السابقة ؟. 

الرجل (يقف بسرعة): هكذا كما تنام اعمدة الكهرباء .

المسجون: ولكن اعمدة الكهرباء لا تنام .

الرجل : هيا قل لي كيف أنام ؟. 

المسجون: حاول ان تفكر في اليوم الذي ستخرج به من هنا، لقد جربتها مرات عديدة ونجحت بالنوم .

الرجل : لا .. لا أريد الخروج من هنا .

المسجون: عندما تنتهي محكوميتك سيخرجونك من هنا .

الرجل (يبكي): ولكني لا اريد أن ارجع إلى هناك .

المسجون: ما عدد السنوات التي حكم بها القاضي عليك ؟. 

الرجل : لم أذهب إلى المحكمة أنا حكمت على نفسي بالحرية المؤبدة .

المسجون (يصرخ بصوت عال): أيها الحارس.... أيها الحارس أين أنت.

(الحارس يدخل بثقل وهو يتثاءب )

الحارس: ألا يستطيع المرء ان ينعم بساعة نوم هانئة .

المسجون: تعال إلى هنا يا مصدر المشاكل القادمة .

الحارس : ماذا هناك ؟. 

المسجون: انت تعرف أن محكوميتي ستنتهي قريبا او ربما احصل على افراج مبكر .

الحارس : أين الجديد في هذا ؟. 

المسجون: الجديد أنك جلبت لي مشكلة لها اول وليس لها آخر.

الحارس(حوار موجه للرجل): ماذا فعلت بهذا الرجل المسكين ؟. 

المسجون: لم يفعل شيئاً انت الذي فعلت، مسجون من دون جريمة من دون محاكمة بداخل زنزانتي .

الرجل : عفوا على مقاطعتك وانت توبخ الحارس، انت تقصد حر حكم على نفسه بالحرية المؤبدة .

المسجون: اخرس انت لا أريد أن أسمع كلمة واحدة .

الحارس : لهذا الأمر أيقظتني من النوم ؟. 

المسجون: ألا تجدها مشكلة ؟. 

الحارس : كلا .

المسجون: حسنا اخرجه من زنزانتي كما ادخلته .

الحارس : لا أستطيع.

المسجون: يا أخي خذه إلى زنزانة آخرى، قلت لك أنا لا اتحمل هكذا مشاكل قد تؤخر او تعرقل خروجي من هنا .

الحارس : كل الزنازين ممتلئة عن بكرة أبيها .

المسجون: منذ متى وهذا السجن القذر ممتلئاً على الآخر، كل السجناء الذين يدخلونه لا يمكثون فيه اذ سرعان ما يُنقلون منه او يموتوا من الأمراض، ما الذي تغير ؟. 

الحارس : السبب الذي جعل هذا السجن ممتلئاً هو هذا الرجل وجماعته المجانين .

الرجل : تقصد الاحرار .

المسجون(يمسكه) : كم نسخة توجد منك أيها المجنون .

الرجل : الاحرار لا يتشابهون .

المسجون: انكم لستم سوىٰ مجانين، الاحرار مكانهم الخارج هناك حيث الحرية وليس السجن أيها الأغبياء . 

الرجل : هذا عندما يكون الخارج حرا .

الحارس (يخرج): عندما يكون هناك موضوعاً مهماً نادوا عليّ .

المسجون: تعال ... قلت لك تعال إلى هنا واخرج هذا المجنون في الحال .

الرجل : ايها المجنون .

المسجون (صمت) .

الرجل : هيا انت أيها المجنون أنا اتكلم معك .

المسجون: لا يوجد مجنون غيرك هنا .

الرجل : أنت المجنون الوحيد هنا، يا عزيزي انت مجنون لم ولن يتكرر في لتاريخ .

المسجون(بسخرية):  والذي يترك الحرية ماذا تسميه ؟.

الرجل: مجنون .

المسجون: ها انت وضعت يدك على العلّة .

الرجل : لكني اقصدك انت .

المسجون: ماذا تقول ؟. 

الرجل : المجنون من يترك الحرية التي هنا ويخرج إلى هناك .

المسجون: من الواضح أنك لا تفرق بين الحياة والسجن، أنت لا تعرف ما معنى ان تشرق الشمس عليك وانت بين أربعة جدران، تنظر إليك كأنها تريد ان تلتهمك، لقد جربت كل الطرق حتى أجعل الحياة تدب في هذه الزنزانة لكني فشلت، ذات مرة قررت أن أعزف على هذه القضبان ورحت اعزف بكل قوتي ولكن لا صوت يخرج، فقربت أذني من القضبان وكأني اسمع بكاء القضبان وهي تندب حظها العاثر الذي جعل منها قضبان زنزانة بدلاً من ارجوحة في حديقة خضراء .

الرجل : هل تصدق ان قلت لك أنه حتى هذه الارجوحة التي تتكلم عنها قد صهروها حتى يصنع منها أسلحة، أنهم يسلبون كل شيء له علاقة بأرواحنا .

المسجون: لكنني لم ألعب بها كثيراً  .

الرجل : إلعب بداخلك فكلنا في داخلنا طفل لا يكبر و أرجوحة لا يمكنهم ان يصلوا إليها  .


(الحارس يدخل وهو مبتسما كأنه يخفي وراءه شيئأ ما )

الحارس : مفاجأة... مفاجأة.

المسجون: لن أتحمل مفاجآت أخرى.

الحارس : مفاجأتان وليست واحدة، واحدة لك والأخرى لهذا الرجل . 

الرجل : مفاجأة لي ما هي ؟.

الحارس: المفاجأة الأولى أيها المسجون لقد حصلت على افراج مبكر، اما الثانية أيها الرجل ان زوجتك عند الباب تريد رؤيتك .

المسجون: اه..... وأخيراً سأخرج من هنا لا اصدق أني سمعت كلمة افراج.... .

الرجل: هل انت فرح بهذا الافراج ؟. 

المسجون: أنها تعادل كل كلمات العشاق .

الرجل : أنك لا تعرف ماذا ينتظرك في الخارج .

المسجون: تنتظرني الحرية لا شيء آخر.

الرجل : ان الخارج عبارة عن سجن كبير مقسم إلى زنزانات  صغيرة  .

المسجون: أنت متشائم لذلك ترى الحياة هكذا، اما أنا فسأخرج من هنا راكضا نحو الحدائق والاسواق والناس، أريد ان اقبلهم جميعاً احضنهم بكل قوتي حتى الذين لا اعرفهم، أريد ان اجلس في كل المقاهي اريد ان أذهب إلى البحر تخيل أني نسيت شعور المشي على رمل البحر .

الرجل : ستندم على خروجك من هنا .

الحارس : هيا اجمع ملابسك وأشياءك بسرعة .

المسجون (بفرح): حاضر سأفعل ذلك يا سيدي .

الحارس(للرجل) : وانت ؟.

الرجل : قلت لك لا أريد الخروج .

الحارس : من قال هذا، انا اقصد أن زوجتك تنتظر عند الباب .

الرجل : قل لها اني نائم .

المسجون (يضحك): مثل اعمدة الكهرباء.

الحارس : لا يمكن هذا لأنها جاءت بكتاب رسمي يتجاوز صلاحياتي .

الرجل : حسناً سأقدم طلبا بأني لا أرغب بأية زيارة على الإطلاق.

الحارس : قدم ما شئت ولكنها ستقابلك الآن.

(الحارس يخرج )

الرجل : قلت لك لا اريد رؤيتها .... هي انت أيها الحارس لا تدخلها إلى هنا لا أريد ان أرى اي شخصٍ يذكروني بالخارج .

(تدخل الزوجة تركض نحو الزنزانة وتمسك بالقضبان بقوة ) 

الزوجة(بحزن): اه... أخيرا وجدتك يا زوجي الحبيب .

الزوج (صمت) .

الزوجة : ماذا تفعل هنا يا عزيزي هيا أخرج... أخرج.

الزوج: ما الذي جاء بكِ إلى هنا ؟. 

الزوجة: جاء بي حبي لك وشوقي الذي لا اتحمله .

الزوج: ماذا تريدين مني الآن ؟. 

الزوجة: أريدك ان ترجع مع إلى البيت . 

الزوج: ولكني قررت أن أعيش هنا بسلام وحرية . 

الزوجة : هل نسيت السلام الذي تشعر به وانت على صدري ؟.

الزوج: أنه سلام مؤقت ايتها الزوجة.

الزوجة: دع عنك هذا الجنون واخرج من هذه الزنزانة. 

الزوج : قلت لكِ أني لن اعود للخارج مرة أخرى.

الزوجة: أن الخارج الذي تقصده هو أنا واطفالك أيها المجنون، فكر بنا ولو قليلا .

الزوج: أنكِ تستحقين حياة أفضل من هذه الحياة أيتها الزوجة، أنتِ أيضاً مسجونة في الخارج ولكنكِ لا تصارحين نفسك بهذا، أين أبيكِ ؟. 

الزوجة : شهيد .

الزوج: أخوك ؟. 

الزوجة : شهيد أيضاً.

الزوج : أنهم اخذوا كل شيئاً فيكِ، ولازلتِ رغم ذلك  ترغبين بالحياة بالخارج .

الزوجة: منذ أن ولدت وأنا اسمع امي تتحدث عن رجل غير موجود بيننا تسميه الأب، عندما خرجت للشارع أول مره وجدت الكثير من هم بنفس عمري يصيحون جاء أبي.... جاء أبي فتوقعت أنها قد تكون نشيداً للعبة ما، فرجعت لأمي اركض وانا أصرخ جاء أبي... جاء ابي فنظرت امي إلي بنظرة لم افهم تفسيرها إلى ان استشهد أخي .

الزوج: إنهم لا يشبعون من دماء الاباء  .

الزوجة: ولكني شبعت من الحزن والهم والغم أريد أن اعيش بقية عمري .

الزوج: أنهم لا يعطوننا فرصة للعيش يا عزيزتي.

الزوجة : ان الذي جاء بي في هذا الليل لا تقف امامه هذه القضبان الحديدية .

الزوج: أنا اعرفك جيداً يا زوجتي ، أنا أيضاً لا أتحمل وجودك بقربي ولكن .... .

الزوجة: ولكن ماذا يا حبيبي . 

الزوج: انا حازم بأمري هذا ولنا أخرج من هذه الحرية إطلاقاً.

الزوجة (بحزن): يا للمصيبة التي ستقع على رأسي، إمرأة زوجها لا يقبل ان يرجع إلى بيته، اي كلام سيقال بحقي وبحق شرفي وهم يروني وحيدة، لابدّ ان زوجها قد هجرها بسبب لسانها الطويل، ربما ان زوجها قد اكتشف ان لديها علاقة غرامية مع احدهم، لا..لا ربما كانت تحرضه ضد السلطة والدولة فقرر ان يبتعد عنها، اتريد ان تجعل مني ومن شرفي موضوعاً للتسلية يا زوجي العنيد.

الزوج : اه... اه يا زوجتي لو أنك تفهمين كلامي ولو لمرة واحدة، أنا هارب من ذاك الجحيم إلى هذه السعادة التي هنا، هنا لا فرق بين احد، هنا الكل متساوون الأكل نفسه والملابس نفسها  هنا نحن نتشابه، اما هناك فإنهم قد لبسوا اقنعة تشبهُنا فظننا إنهم يشبهوننا، لكن ريثما حصلوا على مبتغاهم أزالوا عنهم تلك الاقنعة حتى خرجت وجوههم المشوهة، ما هي الا مدّة واصبح كل من فالخارج يشبهونهم .

الزوجة: اتريد أن يقولون عني زوجكِ قد تخلف عن حماية الوطن ؟. 

الزوج: طفولتي كلها وأنا اصرخ نحن حماة الوطن.. حماة الوطن، ُمتُّ آلاف المرات ولم أرَ هذا الوطن يحميني ولو لمرة واحدة كما حميته .

الزوجة: أن حماية الوطن فريضة مقدسة . 

الزوج: يسقط التقديس امام حياة الناس .

الزوجة(بعصبية): سأقاضيك في المحكمة أيها الزوج واجلبك إلى البيت بالقوة .

الزوج: ان بيتي هنا، اما الذي تتحدثين عنه ما هو إلا قاعة جاهزة للعزاء على ارواحنا .

الزوجة: عندما يسمع القاضي أنك في السجن من دون جريمة سيخرجك رغما عنك .

الزوج(يفكر قليلاً): إذن تريدون جريمة لكي ابقى هنا، حسناً لكم هذا .

(الزوج يهجم على المسجون ويبدأ بخنقه ) 

المسجون: ماذا تفعل ايها المجنون.

الزوج : كل السبل توقفت امامي لم يبقَ إلا هذا الحل .

الزوجة (تصرخ): أيها المجنون ستقتل الرجل .

الزوج: وعندها سترضين ويرضون واعيش هنا بسلام .

المسجون(بصعوبة): ما ذنبي أنا أرجوك لا تقتلني .

الزوج: ان الخارج الذي تريد ان تذهب اليه كل شيءٍ فيه خارج الحياة، خارج نظام هذا الكون، عندما تخرج كأنما توقع على الاستقالة من الحياة البشرية التي تعيش بها هنا. 

الزوجة : أنت لا تملك الحق في منع هذا الرجل من الشعور بالحرية في آخر ايام حياته .

الزوج: إنه لا يعرف كمية الجنون التي في لخارج.

الزوجة: إن الجنون في عقلك انت فقط .

المسجون: أرجوك لقد اشتقت للحياة التي في الخارج.

الزوج: كل من في الخارج ما هم الا توابيت تمشي على أرجل ويسمون أنفسهم أحياء.

الزوجة: حتى أنا ؟. 

الزوج: حتى انتِ واطفالي وجميعكم . 

المسجون (يصرخ): أيها الحارس.. أيها الحارس أين أنت سيقتلني هذا المجنون .

الزوج: إني أعمل معك معروفا أيها الاحمق .

المسجون: منذ متى أصبحى الموت معروفا ؟!. 

الزوج: مجرد ان تخرج من هنا فأنت قد كتبت شهادة وفاتك بيدك، اما اذا قتلتك أنا فسوف يكون لديِّ حجة قوية للبقاء هنا، ها ما هو رأيك هل أنت موافق ؟. 

(يدخل الحارس وهو يحمل مسدساً بيده ويوجهه نحو الرجل )

الحارس (بعصبية): هي أيها المجنون اترك المسجون .

الرجل : وأخيراً وصلت أيها الغبي أين كنت؟. 

المسجون: أرجوك أيها الحارس خلصني من هذا المجنون يريد قتلي . 

الرجل : أنا أريد ان اجعل من موتك فائدة أيها الغبي .

الحارس: منذ متى أصبحت للقتل فائدة ؟. 

الرجل (يضحك): إنها تجارة غير خاسرة يا صديقي كلما يقتل أحداً منا، فإن هناك مسماراً جديداً يثبتُ كرسي من قَتَل .

الحارس: سأفعل لك ما تريد فقط دعه يخرج . 

الرجل : أريدك انت وزوجتي تكونا شاهدين على ما سيحدث هنا . 

(فجأة يفلت المسجون من يد الرجل ويبدأ الصراع بينهما ثم يتدخل الحارس ويفرق بينهما ويخرج المسجون من الزنزانة)

المسجون: قبل دقائق كنت مندهشاً ومصدوماً من كلامك وانت تتحدث عن الخارج، اما الآن وبعد كل ما فعلته بي، أحب ان أقول لكَ أنك لا تدعي الجنون بل أنت كذلك .

الرجل : حتى المجانين لا يتحملون الخراب الذي في الخارج .

الزوجة: أنت لا تفكر إلا بنفسك فقط لا تبالي بزوجتك ولا اولادك ولا حتى ببيتك . 

الرجل : قبل سنوات كنت اراكِ زوجتي وحبيبتي ورفيقة دربي .

الزوجة: والآن ؟. 

الرجل : اراكِ أرملة متشحة بالسواد كل يوم ينام الدمع في عينك، أما اطفالي فهم عبارة عن مشاريع موتى مؤجلة، وبيتنا الجميل فسوف يصبح ألبوم صورٍ كبير لكثرة صور الموتى المعلقة على جدرانه .

المسجون(بعصبية): أيها الحارس اخرجني من هنا قبل ان ارتكب جريمة بحق هذا المجنون.

الرجل(يضحك): إنها حقيقة ما موجود في الخارج .

(يخرج الحارس والمسجون)

الرجل : ماذا تنتظرين ؟. 

الزوجة: انتظرك .

الرجل : قلت لكِ أنا هنا حيث أنتمي .

الزوجة: هنا لا يوجد غير القتلة والسرّاق والمرتشين هل تنتمي لهؤلاء  ؟. 

الرجل: القتلة هم من يقودون الخراب الذي في الخارج، أما الذي هنا ما هو إلا نتيجة لذلك الخراب.

الزوجة: سأتجه للقانون وسأُرجعك إلى البيت غصبا عنك .

الرجل : سراب يحسبه الظمآن ماءً .

الزوجة(وهي تخرج من المسرح): سنلتقي قريباً جداً يا عزيزي .

الرجل : سأقدم طلباً امنعكِ من القدوم مرة أخرى. 

الرجل(ينام على السرير): اي جنة تركت خلفك أيها الغبي، هناك ستنسى النوم مثل البشر وستتعلم كيف تنام أعمدة الكهرباء ههههههههه أعمدة إنطفأ فيها نور الحياة .

(يدخل الحارس) 

الحارس : ماذا تسمي ما فعلته مع هذا المسكين .

الرجل : أحاول انقاذه من نفسه الأمارة بالسوء .

الحارس: أنت تتحدث بطريقة لا يفهمها غيرك ، من أعطى لك الحرية بمنعه من الخروج .

الرجل : فعلت هذا من منطلق المصلحة العامة ولا أعتقد أني أحتاج إلى إذنٍ من أحد.

الحارس: ولكنك اردت إن تخنقه .

الرجل : لم أجد طريقة أخرى لمنعه من الخروج فاضطررت لهذا عله يتراجع، ولكن في الأخير سأتركه يحدد مصيره بيده .

الحارس : قل أنك لا تحب الوحدة ؟. 

الرجل : إن هذا المسكين دخل إلى غابة الكل فيها يبحث عن اللحم وهو غزال ضعيف الجسم، يمشي للموت بخطوات ثابتة ونهايته معروفة . 

الحارس : وزوجتك ماذا ستفعل معها ؟. 

الرجل : إنها تفكر بعقل الزوجة لا بعقل الانسانة .

الحارس : وأين الفرق في هذا ؟. 

الرجل : انه لفرق كبير عندما تفكر بعقل الزوجة فإنها ستخاطر بكل شيء مقابل الحصول عليك وهذا تفكير القلب والشهوة، أما إن فكرت بعقل الانسانة فإنها سترى هذا المكان هو الأنسب لي .

الحارس : سأخرج الآن إذا اردت شيئاً نادني .

الرجل (يتثاءب): حسناً سأفعل ذلك.

(يخرج الحارس ) 

الرجل : النعاس.. النعاس منذ  زمن لم يغزلني أو اغزله هكذا، اه..اه النوم أين انت يا سفينة الأحلام خذيني إلى السماء، اطير.. أريد أن اطير ولكن بهدوء كما السحب ، تعالي إلي هيا تعالي ما الذي تنتظرين..... ؟ .


(موسيقى لطيفة تشتغل ويبدا الرجل يغط بنوم عميق ونحن نسمع صوت شخيرْ )

الرجل (يبدأ يتقلب وهو نائم ثم يستيقظ مفزوعا): قلت لكم أني لا أريد الخروج من هنا ألا تفهمون هذا، منذ متى وأنتم تهتمون لأمري هاااا منذ متى، أنا لا أعرف من أين تأتون بكل هذه الصلافة وأنتم تقولون كل مرة إنها آخر حرب.. آخر معركة.. آخر سنة خطرة.. اخر شهر من دون غذاء.. آخر يوم من دون حياة، حياة أي حياة هذه، سأضحك كثيراً عندما أحاسب على حياتي التي عشتها معكم، كفى .. كفى هيا اخرجوا ... اخرجوا جميعاً لا أريد العودة، قلت لكم لا أريد لا أريد( ينتبه قليلاً وبعدها يضحك بصوت عال) كابوس ...كابوس أو ربما حلم، حتى الأحلام صنعوا منها كوابيسا مخيفة(يفكر) أعتقد أن هذا المكان الرائع يحتاج للمسة ابداعية(يفكر) حسناً وجدتها أغنية... نعم يحتاج إلى اغنية سأغني بأعلى صوتي، وارقص وارقص كثيراً، حتى تكون لغة هذا المكان هي الغناء( يبدا بالرقص علىٰ أصوات اغاني وموسيقى ).

(يدخل الحارس) 

الحارس: أرى ان الوحدة قد راقت لك .

الرجل (يرقص): ما دمتُ افكر فأنا لستُ وحيداً.

الحارس(ساخر): تتفلسف ؟؟.

الرجل : حتى الفلسفة ستقف حائرة امام كل هذا الجنون الذي في الخارج .

الحارس: كم المدة التي ستُقيمها هنا ؟.

الرجل : هذا المكان قد أعادَ لي الأمل في الحياة، كأن هذا المكان هو فسحة للتفكير وللعيش بسلام بعيداً عن الهرج والمرج الذي هناك .

الحارس : أعتقد ان فسحتك قد انتهت . 

الرجل : ماذا تقصد ؟. 

الحارس : اقصد ان زوجتك قد حصلت على امرٍ قضائي بإخراجك من هنا .

الرجل : سأقدم طعنا بهذا القرار .

الحارس : فات الاوان  فالشرطة وزوجتك قد يصلون في أية لحظة .

الرجل: سأدافع عن مكاني حتى آخر نفس .

الحارس: حاول ان تستمتع بلحظاتك الأخيرة .

الرجل : أن الخارج  بكبر مساحته لم يستطع ان يجعلني استمتع بحياتي، اما هذه الجنة كما أحب ان اسميها رغم مساحتها الصغيرة إلا إنها قد أعطتني لحظات رائعة واعطتني شعوراً لم احس به من قبل .

الحارس : وما هذا ؟.

الرجل : الأمان .

(موسيقى اصوات سيارات الشرطة ) 

الحارس (يضحك): لقد وصلوا .

الرجل : صمت .

(تدخل الزوجة )

الزوجة : زوجي الحبيب. 

الرجل : ماذا تريدين مني أيتها الزوجة العنيدة ؟.

الزوجة : جئت لآخذك لبيتنا .

الرجل : لقد اخبرتكِ أني لا أريد الرجوع ألا تفهمين هذا ؟.

الزوجة (تخرج ورقة من حقيبتها): أنه امر قضائي بإرجاعك إلى البيت . 

الرجل : ولكني اطعن بهذا القرار .

الزوجة(للحارس): هيا اخرجه من هذه الزنزانة.

الحارس: حسناً.

الرجل (بعصبية): لا أحد يقترب مني .

الحارس: اهدأ... اهدأ .

(الحارس يهجم على الرجل ويقبض عليه ويبدأ بسحبه خارج الزنزانة)

الرجل : لا أريد الخروج من هنا، لا أريد..... لا أريد انزلني دعني ارجع إلى جنتي .

الزوجة(وهي تخرج): الجنة هي بيتنا يا زوجي العزيز .

(يدخل المسجون وهو يهمس ويتمتم بكلمات غير مفهومة يجد باب الزنزانة مفتوحاً يدخل إلى الزنزانة ويقفل عليه يذهب إلى الفراش ينام على السرير وهو يرتجف )


- ستار-

للتواصل مع الكاتب

الايميل : aleitabihaider@gmail.com

واتساب 9647816621161+


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق