مجلة الفنون المسرحية
حسن جبيو
أمل ماذا؟
"أمل" هل هو ذاك المستقبل الذي لَمْ نرتوي منه، أما الحاضر الذي يُسلب من أمام أبصارنا، أو ذاك الماضي الذي لازلنا نشتاق إليه.
أيها المتفرج إركب ملكة تفكيرك وغص في نشوة الفرجة وتمتع باداء المؤديين، ولا تنسى أن تميط اللثام عن الصدق الكامن فيك، فمن الواجب أن تأخذ جرعة الكاثرسيس "التطهير" في روحك…أننا أمام بنية درامية متماسكة فالبداية كانت من خلال إنبعاث الموسيقى والدخان في ركح خاوي لنصل الى الذروة التي احتلت الوسط وفي النهاية تصبح في حد ذاتها بداية جديدة لماذا وكيف؟ لأننا نحن بني الإنسان نغوص في خيالنا عندما نجد الواقع يصرخ في وجهنا لا أمل لكم عندي…المفر أصبح ممر لأمل غير مستمر تبتغيه ذوات شاردة باحثة عن معنى لبعثها…إننا أمام سمفونية من سمفونيات بيتهوفن أو لعلها التاسعة عندما تتخضب المشاعر بآلام تُصبِحُ أمالا لكل الذين أمنوا بالجمال، جمال يسري في الأروح ليجذب الممكن ويعتق الحياة من الأوهام، إننا حكماء لو كبحنا جنوننا أن يجن، لو تمثل لنا الموت في رداء السواد فأخذنا بيده لنغرق في نشوة الحربين، حرب بين أنفسنا التي تعيش للأمل وحرب بين أمل كاذب يقول عنه كافكا "موجود ولكن ليس لنا" فتحيا مأساة تتمتع بدماء القدامى "برومثيوس يضحك من آلم الكبد، وميديا تبكي من حرقة الحب، وأنتيجون تتناسى أخاها وأما عن الطائر الفينيق يحترق دونما يجتمع رماده ليبعث من جديد، هكذا هو الأمل في مسرحية الأمل عندما يُصبح لعنة تحط برحالها على سماء المخلوقات كما صرح "آلان واتس" "الأمل أحيانا يكون لعنة، فهو يفتح أبوابًا للقلق والتردد والتساؤلات اللانهائية"، من هذه الناحية تنتج معرفة للاضطراب التي تشكو منه الذوات المشردة، ذوات لم تعرف أصلها بعد حيث يتجاذب بين الحيوانية والألوهية الذي خاض فيه الفيلسوف الألماني ومن بعده جون بول سارتر الفرنسي مرورا بمحمود المسعدي الذي قال في هذا الخصوص "ضمأ على ماء مرقوب خير من إرتواء"، فمن الممكن أن نسأل هل حان وقت الإرتواء؟ يبدوا أن الطرح الذي نجده في مسرحية "أمل" يجعلنا متأهبين دومًا للإرتواء من عيون الأجساد المسرحية عندما تعبر عن ما نريد وأما عن الكتب فهي مناهل ننهل منها كلما إستطعنا، فتكون المعرفة هي الخلاص والمؤدي لمعرفة من نحن، أما عن الكراسي تجعلنا أقرب من حبل الوريد لما نبغي، إذ تشكل السلطة التي تلتحف لحاف السواد ولكن فيه مجموعة من النقاط البيضاء وكأنها حبات تتساقط من السماء لتطهر أنفسنا من عوالق الجبابرة الذي لا يتقاسمون جرعات الأمل حتى نتفائل بمستقبل لا يُقدم فيه البطل كقربان وهو يشتكي من الآلم.
بين الالتحام والانفصال:
أولا سنقف على النوع المسرحي الذي قُدم بالفضاء الثقافي "الفن الرابع" يوم الثامن من ديسمبر سنة ثالثة وعشرين وألفين وهو الديودراما هذا المصطلح المسرحي الذي يقوم على ممثلين يلعبان عدة أدوار على الركح حيث يدخلان في حوار متواصل عبر مشاهد العرض، حيث يعتمد نجاح العرض على قدرتهما على تجسيد الشخصيتين وما يعتريهما من تحولات نفسية ناتجة عن التصاعد الدرامي وما يتبع ذلك من حركة وصوت.
فما إن بدء العرض حتى نجد أنفسنا أمام ثنائي يُقدم العرض المسرحي، مرأة ترتدي معطف بني يثبت الأصالة والتشبث بالأرض أما عن رجل فقد لبس معطف يميل لونه للأخضر ربما هو إشارة عن الارض الجذباء التي لزالت تزهر كلما خف وابل الرصاص وتهاطل القنابل على أكواخ فيها خلق رزقها المخلوق بالصبر عن عدم مغادرة ديارها نحو الحدود التركية، لنتفاجئ بتحول المفاجىء péripétie بمعنى التحول المباغت وغير متوقع في الموقف بمعنى الانقلاب في الحدث حسب "ارسطو"، هذا التحول الذي أثبت معاناة الشخصيتين التي تتجاذب بين مصير محتوم القبول أو الرفض، الخنوع أو الخشوع، الإنفصال أو الانكسار والولادة أو الإجهاض ذاك الجنين الذي يُعبر عن "السلم والسلام"، فأمل تلك الفتاة التي رافقت حبيبها الكاتب طيلة سنوات تجد نفسها في عزلة من الحب والوفاق كأنها ملت مكوثها معه لإصابته بما ورد في كتاب "ميشال فوكو" "السلطة والمعرفة" "الجنون"، جنون ليس كمثله جنون، القراءة والمعرفة التي تخلخل نظم عقلية بحته، فالقارىء الذي يُصبح غريبا عن واقعه ويعيش في خياله ويتمنى أن يعيش حياته بين صفحات الكتاب تُسلب منه إرادة الحياة فلا يستطيع أن يتعايش بين الأحياء.
مسرحية "أمل" تعبيرًا درامي عن معاناة الشعب العراقي الذي يعاني من ويلات الحرب منذ سنوات قد مضت، فهذه الحرب كسرت النظم العائلية وجعلة من المواطن العراقي يعاني تشتتًا، ولكن يبقى الأمل في مولود جديد يعيد للوطن والأهل قيمتهما.
السينوغرافيا:
سينوغرافيا ونقصد بها فن تزيين الديكور والمسرح بالرسم.
الركح خالا إلا من رفوف وضعت عليها الكتب، إضافة الى كتب مبعثرة ، وثلاثة كراسي تعبر عن السلطة ربما أو عن بيت فيه غرفة لكاتب يهوى القراءة والكتابة، أما عن الأزياء فكما سبق وذكرنا فهي تعبر عن الأرض التي هي الوطن…الموشحات اللونية انقسمت بين الضوء الأزرق الذي يضفي الطمأنينة والهدوء هذا اللون الذي يعبر عن السماء والماء، لون منعش شفاف يوحي بالخفة، قادر على خلق أجواء خيالية وهو أكثر الألوان تهدئة للنفس، الضوء البرتقالي الذي يعبر عن التوهج والإحتدام والإشتعال، إنه لون لون سطوع يوحي بالدفء كما يوحي بالاثارة وقد يكون له تأثير المهدىء لبعض الاشخاص ومعبرا عند البعض عن التوتر والقلق، والملاحظ أيضا "برميل" الماء ذو الفتحتين فالماء رمز الحياة والصفاء رمز الصفاء والطهارة…
هكذا يعترينا الأمل بمسرحية سُمية "أمل"، وفق رؤية إخراجية ملحمية ذات أبعاد رمزية، من خلال أداء ممثلين لم تصبهما نوبة فلهما يقين يتمثل في البعد عن الشخصية التي يؤدينها فلا يحدث التماهي بقدر ما يحدث "التغريب" إضافة إلى رؤية جمالية متناسقة مع متطلبات العرض الذي قدم.
مسرحية "أمل":
تأليف وإخراج: جواد الأسدي، تمثيل: حيدر جمعة ورضاب أحمد…سينوغرافيا: علي السوداني…أزياء وتنفيذ الصوت: هشام جواد…تنفيذ الديكور: محمد النقاش…إدارة مسرحية: بهاء خيون…تقنيات خشبة: ناجي حسن وتنفيد الإضاءة محمد رحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق