الكاتب طلال حسن |
مسرحية " فتاة النهر " تأليف : طلال حسن
شاطئ النهر ، تبرز من
الماء فتاة شابة جميلة
الفتاة : " تتلفت حولها " الشمس تكاد تشرق ،
ولم يأتِ بعد ، سيأتي ، سيأتي بالتأكيد ،
فهو قلما تغيب ، حتى لو كان الجو
مكفهراً ، أو ممطراً ، وكأنه على موعد
معي " تبتسم " موعد ! هذا محال ، فهو
لا يعرفني ، فكيف ..؟ " تصمت وتتراجع
" أسمع وقع أقدام ، أهو الصياد ؟ "
تنصت جيداً " لا ليس هو ، وليس شخصاً
واحداً ، فلأسرع بالاختفاء .
يدخل الصياد الأول والثاني ،
وكلّ منهما يحمل شصاً
الثاني : كفى ، يا أخي ، لابد أن يصيد كلّ منا
اليوم ، ولو سمكة واحدة .
الأول : ماذا جرى ؟ كأن الأسماك غضبت منا ،
فهاجرت بعيداً عن هذا المكان .
الثاني : من يدري ، لعلنا كبرنا ، ولم نعد نقوى
على صيد السمك .
الأول : " يضحك " هذا ما تقوله عني زوجتي ،
كلما عدت من النهر ، وليس معي سمكة
واحدة .
الثاني : أنت أيضاً ؟
الأول : " يضحك " يبدو أن زوجتك تعلمت هذا
من زوجتي .
الثاني : وربما العكس ، لكن مهما يكن ، فقد
أوقفت زوجتي عند حدها .
الأول : ضربتها !
الثاني : لا ، قلتُ لها ، سأتزوج ، إذا لم تتركي
مثل هذا الكلام .
الأول : سأتزوج ، هذا ما سأقوله لزوجتي اليوم
، أنا أيضاً .
الثاني : قله لها ، ولن تسمع منها ، هذا الكلام
مرة أخرى .
الأول : " يتوقف " أنظر ، الفتى الصياد ، لم
يأتِ اليوم حتى الآن .
الثاني : " يتوقف هو الآخر " آه ، هذه ليست
عادته .
الأول : أخشى أن تكون أمه العجوز مريضة .
الثاني : ومتى لم تكن مريضة ؟
الأول : لا عجب ، فهي امرأة كبيرة في السن ،
ربما تجاوزت الثمانين .
الثاني : يا لحياته الموحشة ، لو كنت مكانه
لتزوجت ، ماذا ينتظر ؟
الأول : من يدري ، لعله ينتظر أن تغرم به فتاة
، وتقول له ، أرجوك تزوجني " يضحك
" كما فعلت زوجتك .
الثاني : " يسير " هذه البلهاء زوجتي ، يبدو
أنها ما تركت شيئاً لم تحكه لزوجتك .
الأول : " يلحق به " المرأة والسر نقيضان .
الثاني : تعال نصطد ، وإلا لن ينفعنا حتى
تهديدنا ، سأتزوج .
الأول : لنجرب ذاك الجرف القريب ، خلف هذا
المنحنى ، لعلنا نقع على صيد اليوم .
الثاني : " وهو يخرج " كما تشاء ، لنجرب
الجرف .
الأول : " يخرج في أثره " يبدو لي أن زوجتي
ستفرح اليوم ، وتعتبرني صياداً شاباً .
الثاني : " من الخارج ضاحكاً " أضغاث أحلام
.. هيا أسرع .
يدخل الصياد الفتى ،
والشص في يده
الفتى : الشمس أشرقت ، وأنا لم أبدأ الصيد بعد
" يتوقف عند حافة الماء " فلأرم ِالشص
، وأصطد ولو سمكة واحدة ، وأعود
بسرعة إلى الكوخ " يرمي الشص "
صحيح أن أمي تحسنت صحتها ، لكن
عليّ أن أكون إلى جانبها ، حتى تشفى
تماماً .
الثالث : " من الخارج " يا بط .. يا بط
أسبح بالشط
الفتى : " يهزّ رأسه " ....
الثالث : " يدخل وهو يترنم ويرقص " ..
قل للسمكة
أتت الشبكة
ميلي عنها
تنجي منها
الفتى : " يحرك خيط الشص " ....
الثالث : " يقترب من الفتى "
وإلى الجرفِ
خفي .. خفي
الفتى " يحرك خيط الشص " ....
الثالث : لا تحاول ، فالبط يسبح بالشط ،
والسمك خفّ إلى الجرف ، ولم يبقّ هنا
سمكة واحدة لتصطادها ، وتأخذها إلى
البيت .
الفتى : لكني ، رغم بطك ، الذي لا أراه يسبح
بالشط ، أصطاد كلّ يوم ، سمكتين أو
ثلاث سمكات .
الثالث : وهذا ما يحيرني ، فلا أنا ، ولا غيري
من أمهر الصيادين في القرية ، اصطاد
هنا سمكة واحدة .
الفتى : لكَ أن تحتار ، وتضرب أخماساً في
أسداس ، لكن شصي لن يحتار ، وستبقى
الأسماك تأتي إليه و .. " يسحب الخيط
بسرعة " و ..
الثالث : و .. " فرحاً " ولا شيء .
الفتى : " يرمي الشص في النهر" الصبر طيب
، والسمك طيب .. وسيأتي إلى شصي .
الثالث : جاءتني بطة في المنام ..
الفتى : يبدو أنك لن ترى الصيد إلا في المنام ..
يا بط .. يا بط .
الثالث : وقالت لي ، إنك لن ترى اليوم سمكة
واحدة .
الفتى : إنها محقة ، تلك البطة التي جاءتك في
المنام ، صدقها ولا تتعب نفسك ، وعد
إلى البيت .
الثالث : إنها لا تقصدني أنا ، بل تقصدك أنت ،
وستصدق تلك البطة .
الفتى : " يسحب الحبل بشدة " هم م م م .
الثالث : " يضحك متشفياً " حقاً ستصدق ، إن
بطة حلمي لا تكذب أبداً .
الفتى : " يرمي الشص مرة أخرى " لا عليك ،
النهار مازال في أوله .
الثالث : " يبتعد وهو يترنم " ..
يا بط .. يا بط
أسبح بالشط
قل للسمكة
أتت الشبكة
ميلي عنها
تنجي منها
وإلى الجرف
خفي .. خفي
الفتى : " يحاول جهده سحب الخيط " خفي إليّ يا سمكتي ، خفي ، خفي .
الثالث : " يتوقف ثم يلتفت " سأذبح البطة إذا
كذبت عليّ .
الفتى : " يسحب الخيط دون جدوى " مهما
كانت قوتكِ ، سأسحبك من أعماق النهر ،
وسأكذب تلك البطة .
الثالث : أنت تمثل " يسرع إليه " لن تخدعني ،
فالبطة قالت لي في الحلم ..
الفتى : " يُجذب ببطء " ماذا يجري ؟ أنا
الصياد ، ولن أسمح لسمكة ، مهما كان
حجمها وقوتها ، أن تصطادني ، وتجرني
إلى النهر وتأخذني إلى الأعماق . .
الثالث : " يبدو أن الأمر جديّ " يمسك الخيط "
يا إلهي ، إنها تكاد تجرنا معاً ، لنطلب
النجدة .
الفتى : كلا ، سأخرجها ، وبمساعدتك ، مهما
كلف الأمر .
الثالث : " يبذل قصارى جهده " لا فائدة ، إنها
تسحبنا معاً ، وستغرقنا " يصيح بأعلى
صوته " النجدة .. النجدة .
يدخل الصيادان الأول
والثاني يركضان مسرعين
الأول : ما بالكما ؟
الثاني : أسمعك تستغيث ، ما الأمر ؟
الثالث : أسرعا ، ساعدانا ، السمكة ضخمة جداً
وهي ..
الثاني : السمكة !
الأول : تكاد تسحبنا إلى أعماق النهر ، وتغرقنا
، تعالا بسرعة ، تعالا .
الأول : " يسرع نحوهما " تعال نسحبها معهما
، عسى أن يصيبنا منها شيئاً .
الثاني : " يسرع معه " بل نقتسمها ، هيا ، يا
صاحبي هيا ، هيا .
الأول : " يمسك بالخيط ويسحب بكل قوته " ما
أضخمها من سمكة .
الثاني : " يسحب هو الآخر " وما أقواها .
الفتى : " بصوت مبحوح " اسحبوا .. اسحبوا
.. اسحبوا .
الأول : سنسحبها ، مهما كلف الأمر ، فهي لنا
جميعاً .
الثالث : نحن إخوة ، ومن قرية واحدة ، ولن
يأكل أحدنا ، ويشبع ، وأخوه جائع هو
وعائلته .
الفتى : " وهو يبذل جهداً كبيراً " اسحبوا الآن
، اسحبوا ، ولكم ما تريدون .
الأول : اسمعوا " يرتفع صوت غريب من
النهر " اسمعوا .. اسمعوا .
الثالث : يا للصوت البشع .
الثاني : كأنه آتٍ من الأعماق .
الفتى : اسحبوا .. اسحبوا .. اسحبوا .
الثاني : أيعقل أنها سمكة ؟ أنظروا إلى هذه
الدوامة .
الثاني : قال جدي ..
الأول : دعنا من جدك الآن ، اسحب لنرَ ما هذه
الهامة .
الفتى : حبل الشص يكاد ينقطع ، اسحبوا .
الثالث : ستأخذنا هذه السمكة إلى الأعماق ،
وسنغرق جميعاً .
الأول : هذا إذا كانت سمكة .
الثاني : أنظروا إلى خيالها في الأعماق .
الثالث : " بشيء من الخوف " إنها تقترب .
الثاني : أهي سمكة ؟
الأول : ألم يخبرك جدك ، أن في أعماق النهر ،
لا يعيش غير السمك .
الثاني : أو التنين ..
الثالث : " خائفاً " التنين !
الثاني : هذا ما قاله جدي .
الفتى : اسحبوا ، ها هي تقترب ، اسحبوا ،
اسحبوا .
الثالث : " يتوقف " إذا كان ما قاله جدك ..
الأول : جدي لا يخطئ أبداً .
الثالث : " ينسحب خائفاً " الجوع خير ألف مرة
من الموت .
الأول : " يتوقف " الدوامة تزداد عنفاً ، يا ويلي
، لا أريد أن أموت " ينسحب "
الثاني : " مذعوراً " فلنهرب .
التنين يبرز شيئاً فشيئا، الجميع
يلوذون بالفرار عدا الفتى
الفتى : " مذهولاً " أوه .
التنين : " يقف في الماء " ....
الفتى : " يتلفت حوله " ....
التنين : يا للأسف ، لم يبقَ أحد معك .
الفتى : حسبوا أنك سمكة .
التنين : فقالوا لك ، إننا إخوة ، وأبناء قرية
واحدة ، وأرادوا أن يقتسمون معك .
الفتى : نعم ، هذا ما أرادوه .
التنين : لكن ما أن رأوني ، أبناء قريتك هؤلاء
، حتى لاذوا بالفرار .
الفتى : إنهم بشر ، والبشر ضعاف أمام الخطر
، إنني لا ألومهم .
التنين : أنت إنسان طيب للغاية ، ولهذا فأنت
تستحق ما جئتك به .
الفتى : أشكرك مهما كان ما جئتني به ، فأنا
إنسان بسيط ، أعيش مع أمي العجوز ،
في كوخي الصغير المتواضع .
التنين : " تظهر من وراء ظهره فتاة شابة " ما
رأيك ؟
الفتى : فتاة !
التنين : وأي فتاة .
الفتى : لم أرَ فتاة في هذا .. الجمال .
التنين : ولن ترى .
الفتى : " يتطلع إليها مذهولاً " ....
التنين : إنها جميلة جداً ، ولن يحلم بها أي فتى
، حتى في منامه .
الفتى : محظوظ من ستكون له .
التنين : أنت المحظوظ .
الفتى : أنا !
التنين : " يهز رأسه " ....
الفتى : لي أنا !
التنين : وليس لأحد غيرك .
الفتى : " يقف مذهولاً حائراً " ....
التنين : " يدفع الفتاة برفق " هيا يا بنيتي ،
اذهبي إلى فتاك .
الفتاة : " تتقدم على استحياء " مرحباً .
الفتى : " متردداً " مرحباً .
الفتاة : " تنظر إلى التنين مبتسمة ممتنة " ....
التنين : آه ، آن لي أن أذهب .
الفتاة : أشكرك ، يا أبتي ، أشكرك .
التنين : لو لم تكن هذه رغبتك لما .. " يتراجع "
ناديني إذا احتجتِ إليّ .
الفتاة : " تنظر إلى الفتى " يكفيني ..
التنين : أتمنى لكما التوفيق .
الفتاة : وداعاً ، يا أبتي .
التنين : " يلوح لها " ....
الفتاة : " تلوح له مبتسمة " ....
التنين يتراجع ، ثم يغوص
إلى الأعماق حتى يختفي
الفتى : " يتأملها " عندما أنظر إليكِ ، أقول في
نفسي ، ليتني رأيتكِ من قبل .
الفتاة : أنا لن أقول هذا ..
الفتى : " ينظر إليها مندهشاً " ....
الفتاة : فقد رأيتك من قبل مراراً .
الفتى : أنتِ رأيتني !
الفتاة : نعم ، رأيتك ، هنا على هذا الشاطئ .
الفتى : لا يمكن ، فلو رأيتني هنا مراراً ، لكنت
رأيتك ولو مرة واحدة .
الفتاة : هذا محال ، فقد كنت أراك ، أما أنت
فكان لا يمكن أن تراني .
الفتى : لا أفهم ما تقولين ، أوضحي لي الأمر ،
أرجوك .
الفتاة : كنت أخرج من قصر أبي ، وأتجول في
أرجاء النهر ، وذات يوم رأيتك .
الفتى : " يحدق فيها مذهولاً " ....
الفتاة : رأيتك تصطاد السمك في هذا المكان ،
الخالي من السمك تقريباً .
الفتى : عجباً هذا ما يقوله الصيادون في القرية
جميعاً .
الفتاة : وهم على حق .
الفتى : لكني كنت أحصل كلّ يوم على سمكتين
أو ثلاث أسماك .
الفتاة : هذا لأني أريد أن أراك هنا وحدك ، كلّ
يوم .
الفتى : " ينظر إليها حائراً " ....
الفتاة " لم يكن هنا سمك تصطاده ،
فكنت أضع ، سمكتين أو ثلاث سمكات ،
في الشص الذي ترميه في النهر .
الفتى : آه فهمت .
الفتاة : وقد أحببتك ، فطلبت من أبي أن يأتِ
بي إليك .
الفتى : " ينظر إليها مندهشاً " ....
الفتاة : نعم أحببتك ، منذ أن وقع نظري عليك
لأول مرة .
الفتى : " يبتسم حائراً " ....
الفتاة : أعرف أنك تستغرب هذا ، وستقول إنها
فتاة من عالم آخر .
الفتى : أخبريني .
الفتاة : تفضل .
الفتى : ذاك الذي تقولين عنه .. " يشير إلى
النهر " أبي ..
الفتاة : نعم ، إنه بمثابة أبي .
الفتى : هذا يعني أنه ليس أباك حقيقة ..
الفتاة : " تهز رأسها " ....
الفتى : هذا ما خمنته ، فأنت فتاة جميلة ..
الفتاة : " فرحة " جميلة ؟
الفتى : جميلة جداً .
الفتاة : " تنظر إليه فرحة " أشكرك .
الفتى : " بتردد وخجل " عفواً ، لم أقصد ..
الفتاة : لقد قلت كلمة جميلة ، فلا تعتذر .
الفتى : " يصمت " ....
الفتاة : وأرجو أن أستحقها .
الفتى : بل أنتِ ..
الثالث : " يطل برأسه ثم ينسحب " ....
الفتاة : " تحتمي به " آآآ .
الفتى : لا تخافي " يتلفت حوله "..
الفتاة : ما الأمر ؟
الفتى : لا شيء ، اطمئني .
الثالث : " يطل برأسه ثانية " أهذا ممكن !
الأول : " من الخارج " حذار ِ .. التنين .
الثالث : يا لها من تنين .
الثاني : لابد أنه مزق الصياد الفتي .
الأول : " من الخرج " حدثنا عما تراه .
الثاني : كن حذراً ، ونبهنا في الوقت المناسب ،
فالتنين أسرع من البرق .
الأول : " من الخارج " فلأنظر كما تنظر .
الثالث : تعال وانظر .
الأول : " يطل برأسه خائفاً " يا لله .
الثاني : " من الخارج " ماذا تريان ؟ أخبراني .
الأول : لا تخف ، تعال .
الثاني : " من الخارج " لا ، إنني أخشى التنين.
الأول : تعال ، ولن تندم .
الفتاة : " خائفة " الأصوات تتزايد .
الفتى : لا تخافي " يبتسم " إنهم إخوتي ، وأبناء
قريتي .
الفتاة : لعلي رأيتهم معك أكثر من مرة .
الفتى : هذا محتمل ، فهم يصطادون غالباً عند
الجرف .
الفتاة : هذا حق ، فالسمك هناك كثير .
الفتى : " مبتسماً " أما أنا ، فعلى العكس منهم ،
لم أحتج للذهاب إلى الجرف .
الفتاة : نعم ، لكنك ستحتاج إلى ذلك منذ الآن .
الفتى : سأذهب إلى آخر الدنيا ما دمتِ معي .
الثالث : " يتقدم خطوات مذهولاً " إنها فتاة .
الأول : " يتبعه " وأي فتاة .
الثالث : إنني لم أرَ هذه الفتاة مرة في قريتنا .
الأول : لا أظن أن امرأة من قريتنا ، يمكن أن
تنجب مثل هذه الجوهرة .
الثاني : " يتقدم خطوات " قال جدي ..
الثالث : " ينظر إليه " ....
الأول : أريد هذه المرة ، أن أعرف ماذا قال
جدك ، لعل فيه فائدة هذه المرة .
الثاني : جدي لا يقول إلا الحكم ، المفيدة .
الأول : أسمعنا .. المفيدة .
الثاني : التفاحة الواحدة تكفي سبعة .. إخوة .
الثالث : هذه ليست تفاحة .
الأول : بل تفاحة ، وأية تفاحة .
الثالث : ثم إننا أربعة وليس سبعة .
الثاني : هذا أفضل .
الأول : " يتجه إلى الفتى والفتاة " هيا نطالب
بنصيبنا من التفاحة .
الثالث : " ينظر إلى الثاني " ....
الثاني : لماذا لا ؟ هذا حقنا " يلحق بالأول " هيا
فنحن إخوة ، وأبناء قرية واحدة .
الثالث : " يلحق بهما " أنت محق ، وللأخوة
استحقاقاتها .
الفتاة : " خائفة " إنهم قادمون .
الفتى : لا عليك ، إنهم كما قلتُ لك ، إخوة لي ،
وأبناء قريتي .
الصيادون الثلاثة يتقدمون ،
ويحيطون بالفتى والفتاة
الثاني : ها أنت حيّ ، حمداً لله ، ظننا أن التنين
قد مزقك ..
الفتاة : " تبدو غير مرتاحة لكلامه " ....
الأول : والتهمك قطعة .. قطعة ..
الثالث : فأنت فتيّ ، ولحمك طازج .
الفتاة : " تتململ متضايقة " ....
الفتى : " يربت على يدها " ....
الثاني : أو اختطفك ، وأسرع بك معه ، إلى
أعماق النهر .
الفتى : لم يحدث ، كما ترون ، أي شيء من
هذا ، فالتنين الذي رأيتموه ، كان تنيناً
هادئاً ، طيباً ، وكريماً .
الأول : طبعاً هادئ ، هذا واضح ، فهو لم يلحق
بنا ، حين هربنا مذعورين كالأرانب .
الثالث : وطيب أيضاً ، حتى أنه لم يؤذك .
الثاني : " يحدق في الفتاة " وما أكرمه .
الفتاة : " تحتمي بالفتى " ....
الفتى : " يشير إلى الفتاة " أعرفكم بجوهرتي ،
إنها هدية ..
الثاني : " يتأمل الفتاة " ما أروعها من هدية ..
جوهرة بحق .
الثالث : إنها لم تهبط من السماء طبعاً ، هذه
الجوهرة .
الثاني : " يلكزه " أنت تعرف ، كما أعرف ،
إنها هدية .
الأول : " يرمق الفتاة بنظرة خاطفة " ترى كم
تساوي ، هذه الهدية .. الجوهرة ؟
الفتاة : " تحتمي بالفتى " ....
الفتى : " يربت على يدها " إنها ، كما ترى ،
إنسان ..
الأول : وأي إنسان .
الفتى : والإنسان لا يقدر بثمن .
الثالث : من يدري ، لعل الملك يقدر بالضبط ..
الثمن ، فهو يعشق الجواهر .
الثاني : الملك لديه جواهر كثيرة من النساء ،
لكنه سيعرف ثمن هذه الجوهرة ، التي لا
مثيل لها بين جواهره .
الأول : " للفتى " ترى كم سيقدر الملك ثمنها
في رأيك ؟
الفتى : أرجوكَ ..
الفتاة : " للفتى " لنذهب من هنا .
الفتى : " يمسك يدها " مهلاً ، لا تقلقي .
الثلاثة يدورون حول الفتى
والفتاة ، بمبادرة من الأول
الفتى : كفى مزاحاً .
الأول : نحن لا نمزح .
الفتى : أنتم تخيفونها ، كفى أرجوكم .
الثالث : نحن إخوة .
الثاني : وأبناء قرية واحدة .
الأول : هذه الجوهرة ، لنا جميعاً ، لنقتسمها .
الفتى : ماذا !
الأول : لقد وعدتنا بأن نقتسم .. .
الفتى : كنتُ أظن أنها سمكة ، سمكة كبيرة ،
تكفينا جميعاً .
الثاني : الجوهرة أهم من السمكة .
الثالث : و أثمن منها .
الفتاة : لنذهب .. لنذهب .
الأول : اسمعنا جيداً " يضيقون الدائرة عليه "
نحن أربعة ، وسنقتسم ثمن هذه الجوهرة
بالتساوي .
الفتى : " يحاول إبعادهم " كلا .
الأول : لا تضطرنا أن نبقى ثلاثة .
الثاني : نحن نفضل أن نبقى أربعة ، إلا إذا
أجبرتنا ..
الفتى : " يدفعهم بقصارى جهده " كلا ، كلا ..
الثالث : أنت تضطرنا أن لا نبقى أربعة .
الفتى : " يقاوم الثلاثة " كلا .. كلا .. كلا .
الأول : " يطبق على يد الفتاة " تعالي ، يا
جوهرتي .
الفتاة : " تقاوم دون جدوى " دعني .. دعني ..
دعني .
الفتى : " يحاول تخليصها " دعها أيها المجرم
، إنها هديتي ، هديتي وحدي .
الأول : " يسحب الفتاة بقوة " هذا خياركما "
للثاني والثالث " لنبقّ ثلاثة .
الثاني : " ينقض على الفتى " هذا أفضل .
الثالث : " ينقض على الفتى في الوقت نفسه "
ليكن ، فالحصة ستكون أكبر .
الفتاة : " تصيح باكية " دعوه أيها الوحوش ،
دعوه ، دعوه .
الفتى : يتهاوى على الأرض جثة هامدة " ....
الفتاة : " تصيح بأعلى صوتها " أبي .. النجدة
.. النجدة .. النجدة .
ينشق النهر ، ويبرز التنين ،
الثلاثة يلوذون بالفرار خائفين
الفتاة : " تلوذ بالتنين " أبي .. أبي .. أبي .
التنين : " يحضنها " اطمئني ، يا بنيتي ، فأنا
معك .
الفتاة : أبي ، إنهم وحوش .
التنين : هؤلاء ، كما قال فتاك ، بشر .
الفتاة : أرادوا أن يأخذوني ، ويبيعوني للملك
العجوز ، ويقتسمون ثمني .
التنين : " يهز رأسه " ....
الفتاة : حاول أن يمنعهم ، ودافع عني بكل قواه
، لكنهم استذأبوا ، وقتلوه .
التنين : كفى ، يا ابنتي ، كفى .
الفتاة : قتلوه ، يا أبي ، قتلوه .
التنين : " يربت على كتفها " ....
الفتاة : لا أريد الحياة بدونه ، لا أريد ، ولا
أستطيع .
التنين : " يهز رأسه " ....
الفتاة : " تنظر إليه " أبي ..
التنين : " ينظر إليها " ....
الفتاة : أبي .. أبي .
التنين : هذا محال ، يا ابنتي .
الفتاة : لقد أنقذتني عندما غصت في النهر .
التنين : لم تكوني قد متّ ، يا ابنتي .
الفتاة : أبي ، أنقذه لي .
التنين : ليتني أستطيع .
الفتاة : لابد أن تستطيع ، أنت تعرف ماذا يعني
بالنسبة لي .
التنين : لقد قتل هنا ، على الأرض ، وبأيدي
إخوة له من البشر .
الفتاة : لا أحتمل أن أراه هكذا .
التنين : لو كنت أستطيع ، يا بنيتي ، لما ترددت
لحظة .
الفتاة : أبي ، أنا سبب موته ، لو لم آتي إليه ،
لبقي حياً .
التنين : لا يمكن أن يعود إلى الحياة إلا في حالة
واحدة .
الفتاة : سأعطيه حياتي ، إذا اقتضى الأمر ،
لينهض من الموت ، ويحيا بها .
التنين : هذا غير ممكن .
الفتاة : تكلم ، يا أبي ، قل ما يحييه ، وسأنفذه
في الحال .
التنين : ليس هناك إلا حلّ واحد .
الفتاة : قله مهما كان .
التنين : أن تعودي إلى القصر .
الفتاة : أتركه عنه !
التنين : بنيتي ..
الفتاة : أترك حلمي ! أتركه بعد أن تحقق ؟
التنين : أنظري إليه .
الفتاة : " تسيل الدموع من عينيها " أتركه ؟
التنين : أو يبقى ميتاً .
الفتاة : " تلوذ بالصمت " ....
التنين : إذا عدتِ إلى القصر ، يا بنيتي ،
فسينهض من رقدته ، وسيبدو الأمر له ،
وكأنه كان في حلم .
الفتاة : حلم !
التنين : " يهز رأسه " ....
الفتاة : كلّ هذا حلم ؟
التنين : حياة الإنسان نفسها حلم ، حلم عابر ،
وهذا ما لا يريد ، أن تصدقه هؤلاء
البشر .
الفتاة : ربما أنت على حق ، يا أبي .
التنين : بنيتي ، أتريدينه حياً ؟
الفتاة : " تنظر إلى الفتى صامتة " ....
التنين : الأمر لك .
الفتاة : مازالت تنظر إليه صامتة " ....
التنين : ابقي معه ، لكنه سيبقى في هذه الحالة ،
جثة هامدة .
الفتاة : " تتراجع نحو الأعماق " لنعد إلى
القصر ، يا أبي .
التنين : " يتراجع في أثرها " هيا يا عزيزتي ،
هيا .
الفتاة : " تلقي نظرة أخيرة وتختفي " ....
التنين : " يختفي في أثرها " ....
الفتى يفيق ، ثم يعتدل ،
يتلفت حوله مذهولاً وحائراً
الفتى : يبدو أنني غفوت " ينهض متحاملاً على
نفسه " ماذا جرى لي ؟ لم يسبق أن
غفوت لحظة واحدة بعيداً عن سريري "
ينظر إلى صنارته " عجباً ، لم أصطد
اليوم حتى ولو سمكة ، مع أني ، ومنذ
فترة طويلة ، أصطاد هنا كلّ يوم ، سمكة
أو سمكتين ، وحتى ثلاث سمكات ، أما
اليوم .. " يهز رأسه " النائم طبعاً لا
يصطاد السمك إلا في الحلم " يصمت
مفكراً " أكل ما مرّ بي حلم ؟ فتاة ..
وتنين .. وقتل .. ، أيعقل أن هذا كله حلم
؟ " بشيء من المرارة " والصيادون
الثلاثة .. إخوتي ..أبناء قريتي .. حلم ؟ "
ينصت " ها هم قادمون .
يدخل الأول والثاني ، وكل
منهما يحمل عدة أسماك
الأول : " دون أن يتوقف " الصيد اليوم ، كما
ترى ، وفير .
الثاني : " يبطئ قليلاً " منذ أيام ، ونحن نكاد لا
نصطاد شيئاً .
الأول : " يضحك " لن يشكو أحد منا اليوم من
الجوع ، يا أخي .
الثاني : " يضحك " سنشبع جميعاً ، بل ستشبع
حتى قططنا .
الأول : " يبطئ قليلاً " يبدو أنك لم تصطد
شيئاً حتى الآن .
الفتى : هذا واضح ، يا أخي ، إنني مع هذا
فرح فاليوم لكم .
الأول : " وهو يخرج " نتمنى لك التوفيق ،
نحن أخوة .
الثني : تعال إلينا إذا احتجت إلى شيء من
السمك ، نحن أبناء قرية واحدة .
الفتى : أشكرك .
الثاني : " يخرج " ....
الفتى : " وحده " أخوة ، وأبناء قرية واحدة ،
كأني سمعتُ هذا منذ بعض الوقت ، أهذا
أيضاً حلم ؟ من يدري .
الثالث : " من الخارج "
يا بط .. يا بط
أسبح بالشط
قل للسمكة
أتت الشبكة
الفتى : " يبتسم " جاء يا بط .. يا بط
الثالث : " يدخل حاملاً ثلاث سمكات "
ميلي عنها
تنجي منها
الفتى : " ينظر إليه باسماً " ....
الثالث : " يقترب من الفتى "
وإلى الجرف
خفي .. خفي
الفتى : أهلاً بالبط .
الثالث : لابد أنك لم تصطد شيئاً اليوم .
الفتى : الذنب ذنب البط .
الثالث : لا ، لا يا أخي ، البط طيب ، ولا يمكن
أن يرتكب ذنباً .
الفتى : لقد حذر السمك ، فهرب من شصي إلى
الجرف .
الثالث : " يضحك " هرب من شصك ليقع في
شصاصنا ، نحن إخوتك الثلاثة ،
واصطدنا منه الكثير .
الفتى : فلنذهب ، إنني متعب ، وأريد أن أرتاح
قليلاً .
الثالث : هذه السمكات الثلاث ثقيلة ، أرجو أن
تساعدني في حمل بعضها .
الفتى : طالما ساعدتني ، وحملت عني بعض
ما كنتُ أصطاده ، هات .
الثالث : " يقدم له سمكة " هذه سمكة ضخمة ،
وثقيلة ، احملها أنت .
الفتى : " يحمل السمكة ويسير " كما تشاء ،
سأحملها لك حتى بيتك .
الثالث : " يلحق به " لا يا عزيزي ، بيتك أقرب
، خذها ، إنها هدية مني .
الفتى : " يهم بالاعتذار " ....
الثالث : هذه الهدية لك ، ولخالتي العزيزة أمك ،
مع أطيب تحياتي وتمنياتي لها بالصحة
والعافية وطول العمر .
الفتى : أشكرك .
الثالث : " يغني متراقصاً " ..
يا بط .. يا بط
الفتى : أسبح بالشط
الثالث : قل للسمكة
الفتى : أتت الشبكة
الثالث : ميلي عنها
الفتى : تنجي منها
الثالث : " يضحك " وإلى الجرف
الفتى : " يضحك " خفي .. خفي
الفتى والثالث يخرجان ،
وهما يواصلان الغناء
إظلام
ستار
31/ 3 / 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق