تصنيفات مسرحية

الأحد، 24 مارس 2024

المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر: الوجع الفلسطيني حاضر بقوة

مجلة الفنون المسرحية

المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر: الوجع الفلسطيني حاضر بقوة

عبد الكريم قادري _ الضفة الثالثة 

أسدل الستار على الدورة السادسة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر، والتي جرت فعالياتها في الفترة 22ـ31 كانون الأول/ ديسمبر 2023 في الجزائر العاصمة، ولقد حملت هذه الدورة اسم الممثل الكبير سيد أحمد أقومي الذي يعد شخصية فنية مهمة وفاعلة في المدونة الثقافية والفنية الجزائرية، بمسار يمتد لأكثر من نصف قرن، قدّم خلاله العشرات من الأدوار المهمة في المسرح والسينما، لهذا جاء هذا التكريم والاحتفاء بهذه الشخصية للاعتراف بدوره الفعّال، وفي نفس الوقت أثبتت الجهة المنظمة من خلاله بأن التكريم للفنانين الأحياء يصنع الفارق كعهد سيد أحمد أقومي.

وكانت فلسطين حاضرة بقوة خلال هذه الدورة، سواء من ناحية الكلمات الرسمية للمسؤولين، أو في الاحتفاء الشخصي من الفنانين وحتى الجمهور، وفي مستهل كلمتها خلال الافتتاح الرسمي للتظاهرة، أشادت وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة صورية مولوجي بالخطوات الكبيرة التي قطعتها الجزائر من خلال القوانين التي أصدرت لخدمة الفنان، وفي هذا الخصوص تحدثت عن مكاسب قانون الفنان وعن المكرم سيد أحمد أقومي، وهذا بقولها: "يأتي هذا التكريم والاحتفاء ضمن الرؤية الرشيدة التي تنتهجها القيادة السياسية في بلادنا، وفي مقدمتها رئيس الجمهورية الذي أولى عناية فائقة واستثنائية للفنان الجزائري، رعاية ومرافقة وتكريمًا، وهو ما يعبّر عن اهتمامه الخاص بالقطاع الثقافي والفني، مبديًا كل الحرص على ضمان حقوق الفنان وصون كرامته ليكون في طليعة القائمين بالتحديات الكبرى للجزائر على كافة الأصعدة والمستويات".

كما لم تنس الوزيرة من خلال كلمتها ما يحدث حاليًا في غزة في فلسطين، بقولها إن "المسؤولية المجتمعية للفنان هي مسؤولية في غاية الأهمية اعتبارًا من أن المبدعين حماة الذاكرة والوجدان، يذودون عن الوطن كل أشكال العنف والكراهية والتطرف بما يلهمون الناس من قيم السماحة والتسامح والمحبة والسلام، تأكيدًا على أن المسرح في جوهره فعل إنساني خلاق، فالصراعات التي يشهدها العالم اليوم ساهمت في التباعد عن الجوهر الحقيقي للإنسانية في أبسط صورها". كما أطلقت الوزيرة صرخة للعالم كي يوقظ ضميره: "حان الوقت لإيقاظ ضمير العالم، خاصة أمام ما نشهده اليوم من جرائم ضد الإنسانية يقترفها الكيان الصهيوني ضد الشقيقة فلسطين التي ستظل قضية وطنية للجزائر".

الوزيرة صورية مولوجي مع الفنان سيد أحمد أقومي الذي حملت الدورة اسمه

فلسطين الحاضرة الغائبة في الفعاليات

تعدد الحضور الفلسطيني خلال هذه الدورة، حتى وإن كان هذا الحضور معنويًا، وقد انعكس في العديد من المستويات، من بينها مثلًا تخصيص لوحة فنية نابضة بالأمل والحلم، وفي نفس الوقت تعكس الجرح الفلسطيني الغائر، وهذا خلال فعاليات الافتتاح الرسمي الذي حضره جمع من المسؤولين والفنانين والصحافة، وهي لوحات كوريغرافية أعدّها وصمّمها كل من خالد قورينات، رشيد خليفة بن براهيم، كنزة مسيلي، ويحيى زكرياء الحاج أحمد، وصمم السينوغرافيا خطاب زين العابدين، وألف الموسيقى زكري بن صالح، بمشاركة الرسام علي خزاتي، أظهر من خلالها وبطريقة فنية ومعبرة جزءًا من هذا الجرح الممتد عبر الزمن، بأوجاعه وآهاته ونكباته المتعددة.

وبعيدًا عن كلمة الدكتورة صورية مولوجي وزيرة الثقافة والفنون التي تحدثت عن فلسطين، انطلاقًا من أن الوزيرة هي لسان حال الدولة الجزائرية، وبعيدًا عن احتفالية الإفتتاح، تم تخصيص ندوة علمية هي الأولى في البرنامج الفكري تحت عنوان: "المسرح المقاوم، من الثورة الجزائرية إلى نصرة الأقصى"، في قاعة المحاضرات "أمحمد بن قطاف" بالمسرح الوطني الجزائري، وقد نشطها رئيس الجلسة الكاتب والناقد حميد علاوي، وتدخل فيها كل من عبد الحليم بوشراكي بمحاضرة تحت عنوان "المسرح الجزائري والإلتزام بالقضايا الإنسانية"، إضافة إلى محمد كريم أصوان الذي قدّم مداخلة مهمة تحت عنوان "مسرح محمد بوديه كفضاء للنضال"، ويعد بوديه واحدًا من رموز النضال في الجزائر والعالم، إذ لم يكتف بدوره كمسرحي وصحافي ومثقف فاعل، بل ساند كل قضايا التحرر في العالم، خاصة القضية الفلسطينية التي تفاعل معها بكل جوارحه، لهذا اغتالته أيادي "الموساد" الآثمة بعد أن فخّخت سيارته في باريس سنة 1973، وهذا بأمر من أعلى سلطة لدى الاحتلال الإسرائيلي. كما قدّم الأستاذ حميدة العياشي قراءة استشرافية في "فلسطين المغدورة لكاتب ياسين".

لقطات من مسرحيات "ثورة"، "صفار" و"حلاق إشبيلية" 

برنامج فكري متنوع وعروض بمستويات مختلفة

لم تكن ندوة المقاومة هي الوحيدة في البرنامج الفكري للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، بل تم تقديم خمس ندوات في المجمل، إضافة إلى النقاشات الفكرية التي تحدث بعد كل عرض مسرحي مشارك في المنافسة الرسمية، وفي نفس الوقت تم تسطير برنامج مواز من خلال تقديم عروض خارج المنافسة، تم توزيع عروضها بين قاعتي "الحاج عمر" بالمسرح الوطني الجزائري، وبين قاعة مسرح الجزائر الوسطى، أما العروض الرسمية فقد احتضنتها القاعة الرسمية بمسرح "محي الدين بشطارزي"، ويبلغ عددها ثلاث عشرة فرقة مسرحية، منها عشرة عروض محترفة أنتجت على مستوى المسارح الجهوية الرسمية، تم انتقاؤها سريًا من قبل لجنة مشاهدة محترمة، إضافة إلى المسرحية المتحصلة على المرتبة الأولى في المهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم، كما تتأهل الفرق المسرحية الحائزة على المرتبة الأولى في مهرجان المحلي للمسرح المحترف بكل من محافظتي قالمة وسيدي بلعباس، وإضافة إلى البرنامج الفكري الذي تحدثت عنه، تم أيضا تنظيم ورشات للتكوين الفني في فن التمثيل والكتابة المسرحية ومراقبة الإنتاج، إضافة إلى  اللقاءات الأدبية، وعروض على الهامش خارج مكان الحدث الرئيسي للفرق الفائزة بالمراتب الأولى في بعض المهرجانات الثقافية.

تكوّنت لجنة التحكيم من سبعة أسماء، ترأستها السيدة فضيلة حشماوي، وبعضوية كل من حميدة آيت الحاج، ومراد بوشهير، وعيسى جقاطي، ومحمد بويش، ولطفي سعيدي، وشرقي محمد، وقد شاهدت اللجنة 13 عرضًا من المنافسة الرسمية، أولها مسرحية "إيشو" التي ألفها عقباوي الشيخ وأخرجها عزوز عبد القادر، وقد أنتجت من طرف المسرح الجهوي لبسكرة. وفي اليوم التالي تم عرض "تراب الجنون" التي كتبها هشام بوسهلة، وأخرجها مختار حسين، وأنتجها المسرح الجهوي لبشار، وهي أول التجارب المسرحية لهذا المسرح الذي تم افتتاحه قريبًا، إضافة إلى أنها أولى تجارب الإخراج في المسرح المحترف لمختار حسين القادم من عوالم التمثيل والمسرح الحر. كما تم عرض "استراحة المهرجين" التي أخرجها وحيد عاشوري وكتبها محمد عبة وأنتجها المسرح الجهوي لقسنطينة الواقع في الشرق الجزائري. وفي اليوم الذي تلاه، تم عرض مسرحية "يوم قبل القيامة" التي كتبها محمد بورحلة وأخرجها محمد فيرمهي. وفي المساء تم عرض مسرحية "شمة دوريجين" التي ألفها المسرحي عدلان بخوش قبل وفاته المأساوية في حديث رهيب، وأخرجها نجاي عبد الجليل، وهي من إنتاج تعاونية الشمعة للثقافة والفنون بقسنطينة. أما المسرح الوطني الجزائري فقدّم عرضًا مسرحيًا تحت عنوان "البونكي" وقد اقتبسه علي عبدون وأخرجه فوزي بن براهيم، وفي المساء عرض المسرح الجهوي لولاية سوق أهراس مسرحيته "المحتشد" التي كتبها جلال خشاب وأخرجها سيف الدين بن دار، وفي اليوم الموالي تم عرض مسرحية "صفار" التي تعد العمل الأول للمسرح الجهوي لغواط بعد افتتاحه، وقد أخرجه وكتبه هارون الكيلاني. وفي المساء قدّم المسرح الجهوي لولاية عنابة مسرحية "حلاق إشبيلية" التي اقتبستها سعيدة فاسو وأخرجها حبال البوخاري. أما العروض الأربعة المتبقية فتعكسها مسرحية "أفريقيا" التي أنتجتها الجمعية الثقافية "الموجة" من مستغانم، وأخرجها عادل طويل وكتبها ولد عبد الرحمان كاكي. كما قدّم المسرح الجهوي بسكيكدة عرضًا مسرحيًا تحت عنوان "تحت الحصار"، أخرجه كريم بودشيش، عن نص جمال عمراني واقتباس الحبيب السايح. أما العرض ما قبل الأخير فقد أنتجه المسرح الجهوي لسيدي بلعباس تحت عنوان "ثورة" الذي صمم عرضه عبد القادر جريو . العرض الأخير أنتجته التعاونية الفنية "نوميديا" ببرج بوعريريج، تحت عنوان "نزهاو في الحرب"، وقد اقتبسه وأخرجه حليم صدام.

تكريم وزيرة الثقافة للفنان إبراهيم شرقي وتوزيع الجوائز


قائمة المسرحيات المتوجة  

بعد عشرة أيام كاملة من النشاط المستمر، بين العروض والندوات والورشات والتكريمات المختلفة، قررت لجنة التحكيم توزيع جوائزها كالتالي:

  • جائزة أحسن عمل مسرحي متكامل تذهب لمسرحية "ثورة".
  • جائزة أحسن نص مسرحي تذهب لمحمد بورحلة عن مسرحية "يوم قبل القيامة".
  • جائزة أحسن إخراج تذهب لهارون الكيلاني عن إخراج مسرحية "صفار".
  • جائزة أحسن أداء رجالي تذهب إلى رواحي عبد القادر عن دوره في مسرحية "صفار"، وربيع أوجاوت عن دوره في مسرحية "البونكي".
  • جائزة أحسن أداء نسائي تذهب لكل من عديلة سوالم عن دورها في مسرحية "يوم قبل القيامة"، وبسمة دعماش عن دورها في مسرحية "صفار".
  • جائزة أحسن سينوغرافيا تذهب ليوسف عبدي عن مسرحية "إيشو".
  • جائزة أحسن إبداع موسيقي تذهب لكمال بناني عن مسرحية "حلاق إشبيلية".
  • جائزة لجنة التحكيم تذهب لمسرحية "حلاق إشبيلية". 
من الحضور (الصور: صفحة فيسبوك - وزارة الثقافة والفنون الجزائرية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق