تصنيفات مسرحية

الأحد، 12 مايو 2024

الاحتفالية بين عالم مضى وعالم سوف ياتي (87)/ د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
الاحتفالية بين عالم مضى وعالم سوف ياتي (87)

                        فاتحة الكلام 
بلغة النحويين، فإن هذه الاحتفالية يجوز فيها الوجهان. وكما شئت يمكن أن تفهمها، ومن أية زاوية يمكنك أن تراها،  وبقدر ما تعطيها من الجدية ومن المصداقية تعطيك، فهي وجه وقفا، وهي سطح وغور، وهي شعر عند الشعراء، وهي حكمة عند الحكماء، وهي فراغ وخواء عند الفارغين. وهي ظهور وتمظهر  ونرجيسية مرضية عند السادةةالنرجيسيين، ويمكن ان نختلف في كل شيء حول هذه الاحتفالية، إلا في شيء واحد اوحد، والذي هو تاريخها وهو فاعليتها في التاريخ، وغدا سيكون من حق أي واحد ان يكون له رأي في هذه الاحتفالية، ولكنه ابدا لا يمكن أن يقول بأنها لم تكن موجودة، وبأنها لم لم تشغل البلاد والعباد لعقود طويلة جدا، وبانها لم تنتقل بالمسرح العربي من الصناعة إلى الفكر ومن المهنية إلى العلم ومن الاتباع والاتباعية إلي الابداع والابداعية،وفي هذا المعنى يقول د محمد الوادي، والذي لم يكن في هذه الاحتفالية مجرد شاهد عليها. ولكنه كان أحد الفاعلين الأساسيين في تاريخها، لقد قال
  (لا يوجد تيار مسرحي على امتداد التاريخ والجغرافيا المغربيين أثار من الجدل والنقاش والسجال، واسأل من المداد مثل ما هو الحال بالنسبة للاحتفالية كنظرية ومسرح، وكفلسفة، فمنذ صدور اول بيان إلى اليوم، لا تزال ( الحرب) دائرة حولها،، كلما خمدت إلا واشتعلت نيرانها من جديد،ووهذا دال على حيويتها، وعلى تجددها المستمر، وعلى قابلتها لأن تكون مسرح ونظرية وفلسفة المستقبل)
وهذه الاحتفالية التي يجوز فيها الوجهان، نحويا، يمكن أن تجوز فيها كل الأحكام نقديا، وهي بهذا حالة لا يمكن أن يحياها بصدق إلا الاحتفاليون الصادقون، وهي وجود ودرجة في الوجود التي لا يمكن أن يبلغها وأن يصلها إلا الواصلون من اهل الذوق الصوفي
   

               ما لم يكن ممكنا أصبح اليوم كائنا

وهذه الاحتفالية، وبخلاف ما قد يظن البعض، ليست موجة عابرة في بحر الأيام والليالي، وليست حكاية بعمر ليلة او ليلتين، ولا حتى بعمر الف ليلة وليلة، ويغرف الجميع اليوم ان هذه الاحتفالية لم تكن فعلا على هامش المسرح المغربي والعربي، ولكنها كانت روح وجوهر وفلسفة وفقه هذا المسرح، وكانت في كتاب تاريخ المسرح العربي كل هذا التأريخ، وذلك في كل ابعاده وامتداته. وفي مختلف مظاهره وظواهره الشعبية. وفي تعدد ابحاثه واجتهاداته الفكرية والعلمية،  ولقد كانت هذه الاحتفالية ‐-  وماتزال --  قراءة فكرية وجمالية، جادة وجديدة ومجددة ومتجددة للثقافة المغربية العربية، وكانت تمثلا للماضي. من أجل تاسيس كتابة تاريخ جديد للمسرح العربي، والذي هو التاريخ المستقبلي
 وفي كتاب ( الاحتفالية في أفق التسيعينات) والذي صدر عن اتحاد كتاب العرب بدمشق في منتصف الثمانينات من القرن الماضي يقول الاحتفالي كا يلي:
( إن الصمت لم يعد ممكنا.وقضاء الحاجات بتركها هو العبث بعينه. ان المسرح العربي يحقق تراكمات في ميدان الكتابتين،الأدبية والسينوغرافية، ولكن هل هذا يكفي؟ إن التراكم الكمي إذا لم يؤدي إلى تغير كيفي فما قيمته؟ وهذا التغير، هل يكفي أن يتحقق في غياب تصور نظري؟ ابدا لا يمكن. فمن الإبداع يبدأ التنظير، ومن التنظير يبدأ الإبداع. وبغير هذا يفقد المسرح صدقيته التي تسنده وتدعمه، كما يفقد اسهمه التي تعطيه مشروعية الوجود، وتنير له سبل الخلق والتجدد)
وبعد يوم غد، وفي إطار ربيع المسرح بمدينة تارودانت، سيطرح المهرجان للنقاش نفس السؤال الذي طرحته الاحتفالية منذ ما يقارب نصف قرن، وهذا السؤال الذي تتهرب منه اليوم كثير من المهرجانات ومن المؤسسات ومن الهيئات المسرحية هو التالي ؛
-- هل يمكن تاسيس مسرح مغربي - عربي جديد بدون وعي فكري جديد ومجدد؟
إن هذا التراكم الحاصل اليوم في جسد المسرح العربي هو أساسا تراكم كمي فقط. وهو فيه عناوين كثيرة لمسرحيات كثيرة جدا، وهي تفتقد كلها لوجود شجرة مسرح واحد، مسرح له لغاته وله معجمه وله نحوه وبلاغته، وله إطار نظري واحد. وله مسار فلسفي وجمالي واحد،  وله ارتباط باسئلة المرحلة التاريخبة، وبافق انتظار الجمهور المسرحي اليوم
وندوة تارودانت التي اختارت موضوع ( الاتجاهات المسرحية بالمغرب) ستعرف مشاركة الأساتذة المسكيني الصغير وجلال اعراب وعبد الكريم برشيد وسيديرها الأستاذ عبد ألسلام اقلمون

                   التراث حد واحد من حدود الاحتفالية

وفي زمن من الأزمان اقتنع كثير من المسرحيين ومن النقاد المغاربة والعرب أن الاحتفالية هي التراث وان التراث هو الاحتفالية. وفاتهم ان يعرفوا ان التراث هو مجرد حد من حدود هذه الاحتفالية، ولم ينتبهوا إلى أن اول كتاب صدر في تاريخ  هذخ الاحتفالية كان بعنوان ( حدود الكائن والممكن فس المسرح الاحتفالي) وبهذا فقد وجدنا من يقول بأن هذه الاحتفالية يحدها التراث شمالا، ويحدها التراث جنوبا، ويحدها التراث شرقا، ويحدها التراث غربا مع ان بيان سيدي قاسم للاحتفالية كان شعاره الأسمى هو ( احتفالية بلا ضفاف واحتقاليون بلا حدود) ولو كانت لهذه الاحتفالية حدود لوقت عندها. ولما تمددت في الجغرافيا. ولما تمددت في التاريخ، ولما تجددت في عين وفي روح وفب وجدان الاحتفالي 
ولقد اعتقد كثير من النقاد من المسرحيين ومن الدارسين، ان هذه الاحتفالية، في تمثلها للتراث، تمدح الماضي الذي مضى. وتمجد الذي كان. وانها تراه اجمل واحسن ما كان يمكن ان يكون في هذا الكون، مع  ان الأصل في  هذه الاحتفالية هو أنها مجرد قراءة نقدية، للتراث وللتاريخ ايضا. وللواقع اليومي كذلك. وبنفس هذه العين تقراةط الحكاية الشعبية، وتقرا الخرافة، ولتقرا الاسطورة، ودائما بنفس العين الاحتفالية التي تتقوع وجود الغائب في الحاضر، وتتمثل الخفي في الظاهر، وتؤمن بوجود ظلال الماضي على الحاضر
 ويمكن نقرأ اهداء الكاتب الاحتفالي في صدر احتفالية  ( عبد السميع يعود غدا) ونقرأ إيمانه بأن هذه الاحتفالية الي يمثلها الولد عبد السميع، في سفره توجهه نحو الآتي غدا. لايمكن ان يكون إلا مستقبل هءه الاحتفالية. وفي هذا الإهداء نقرا ما يلي:
(إلى حفيدتي الصغيرة غيثة برشيد
 إلى كل الأطفال الذين جاءوا معها
والذين جاءوا قبلها وبعدها
مع اقتناعي بأن هذا العالم سوف يسترد طفوليته يوما
وبان هذا الوجود سوف يستعيد شفافيته 
 وبان الأيام والأعوام القادمة ستكون اصدق وانبل واغنى 
من اجلكم جميعا، يا أطفال العالم، كتبت ما كتبت
ومن أجلكم كانت تغريبة عبد السميع 
وكانت هذه الاحتفالية المسرحية)
وكما أن الاحتفالي، في علاقته بالتراث، لا يقول
نحن والترغث، فإنه أيضاـ في علاقته بالاحتفال لا يسمح لنفسه بأن يقول نحن والاحتفال، ولا حتى نحن في الاحتفال، ولاكنه يقول نحن الاحتفال، لأنه لا وجود لفعل الاحتفال
إلا بنا، ولا معنى لأي احتفالين بدون وجود الأجساد والأرواح المحتفلة والمعيدة، وبدون وجود المناخ الاحتفالي، وبدون وجود الطقس الاحتفالي، وبدون وجود مناسبة الاحتفال، ولعل هذا هو ما جعل ذلك المسافر الافتراضي، في العالم الافتراضي في كتاب ( الرحلة البرشيدية ) يقول لضيوفه المحتفلين والمعيدين معه، بالقراءة أو بالحضور ما يلي:
( نحن العيد يا أصحابي، ونحن أهله وصحبه،وما هذه اللحظات المتطايرة، فينا ومن حولنا، إلا لحظات للتعييد.. انظروا .. أو
تخيلوا .. لقد أوقدت الشموع والقناديل حتى تروني، ومعي كل ظلالي الملونة، حتى أراكم أحسن..
إنني أدعوكم إلى مائدتي، وهذا العشاء هو العشاء الأول، وأعدكم بأنه لن يكون الأخير،  وكلمة الأخير لا وجود لها في
مملكة هذه الساعة التي لا تشبهها أية ساعة، أنتم أصحابي.. كلكم أصحابي)

                     الاحتفالية وسوء الفهم الكبير

وبخصوص علاقة هذه الاحتفالية بالفن والفكر والعلم والتاريخ وباهله وصحبه يقول د. مصطفى رمضاني في كتاب (مسرح عبد الكريم برشيد، التصور والإنجاز) مطبعة تريفة ـ أبركان ـ 2007 ـ ما يلي ( يبدو أنه لم تحظ أي تجربة مسرحية مغربية بما حظيت به تجربة عبد الكريم برشيد، سواء من حيث المواكبة النقدية في مستوياتها المختلفة، الصحافية والعلمية، أم من حيث الاهتمام والمتابعة، بل والإثارة أيضا، نظرا إلى
جرأته في إثارة قضايا ذات طابع إشكالي، وهي جرأة قد تصل حد الاستفزاز أحيانا، ولكنها مع ذلك جرأة خلخلت كثيرا من المفاهيم والتصورات، وأسست أخرى مغايرة أضحت اليوم أحد المصادر الأساسية للخطاب المسرحي العربي، بل صارت إحدى أهم مواد الدرس الأكاديمي في الجامعات العربية) 
وبخصوص هذه الاحتفالية دائما، سيعرف المعرض الدولي للكتاب والنشر بمدينة الرباط يوم 19 شهر ماي ندوة فكرية حول معنى الاحتفالية وحول تاريخ هذه الاحتفاليةوذلك بمشاركة د. محمد الوادي وعبد الكريم برشيد، ويتولى إدارتها الكاتب والباحث الاحتفالي الدكتور محمد محبوب، وفي صدر (بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة بيانات لما بعد الجائحة) يقف
الاحتفالي د. محبوب في مقالة له تحت عنوان ( الهوية الاحتفالية: من الإتباع إلى الإبداع ـ الاحتفالية المتجددة ـ    مجلة
الفنون المسرحية ـ نحو مسرح جديد ومتجدد ـ أمام التساؤلات المنجية والأساسية التالية:
( فما معنى أن تكون احتفاليا؟ وماذا تعني
الاحتفالية؟ 
هل الاحتفالية مجرد شكل مسرحي؟
هل هي تقليعة أو موضة مسرحية؟
هل هي تقنيات وآليات فنية مغايرة، أم هي رؤية
وتصور يستشرف أفقا منفتحا على الفكر والجمال والإبداع؟ 
زما هي الأسس الجمالية والمنطلقات الفكرية للاحتفالية؟ 
زما هي حدود الاستمرارية والقطيعة في الفكر
والتمسرح الاحتفالي ؟ 
ما هي حدود الإتباع ومظاهر الإبداع في
الاحتفالية؟
أين يكمن التجدد في جوهر الممارسة الفكرية
والدرامية الاحتفالية؟ ) 
ونفس هذه الأسئلة، وغيرها كثير، هي الأسئلة التي ساناقشها مع ضيوف مهرجان تارودانت وذلك في دورته الثانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق