الكاتب محمود القليني |
:مسرحية " سيف السلطان " تأليف محمود القليني
الشخصيات
1-المأمون ......................................................الخليفة العباسي .
2- المعتصم ...................................................الخليفة العباسي أخو المأمون
3-أحمد بن أبي داود .........................قاضي القضاة ة ورأس المعتزلة.
رجال المعتزلة .
4- هشام بن عمرو الشيباني .
5- أبو الفضل الحمداني .يوسف الشحام
6- احمد بن رباح
7- ابن سماعه.
8- أبو شعيب الحجام .
9- الإمام أحمد بن حنبل ..........................................إمام أهل السنة .
10-إسحاق بن حنبل ...............................................عم أحمد بن حنبل
11- صالح ..........................................................ابن أحمد بن حنبل .
12- إسحق بن إبراهيم ...........................................والي بغداد .
13- جعفربن عيسي ...........................................قاضي امتحن العلماء .
14- عبد الرحمن بن إسحاق .................................قاضي امتحن العلماء.
علماء اُمتحنوا أمام والي بغداد
15- بشر بن الوليد
16- أحمد بن نوح .
17- على بن مقاتل .
18- القواريري.
19- الحسن بن حماد.
20- أبو الحسن الزيادي.
رواد سوق الوراقين من الرجال .
21- بقي بن مخلد .
22- عبد الوهاب الوراق .
23- أبو بكر الأشرم .
24- أبو موسى الأخرس .
25- الشيخ العطار .
26- أسامه
رواد سوق الوارقين من النساء .
26-أم هرة .
27- برجوان .
28- مزنة .
29- فاطمة .
30 – أم على .
زمان المسرحية : القرن الثاني الهجري عام 218.
مكان المسرحية : بغداد
المشهد الأول
قاعة الملك في قصر الخليفة العباسي ( المأمون ) بالرقة في ببغداد ،يجلس ( المأمون ) على كرسي العرش ، وعلى يمينه قاضي القضاة ( أحمد بن داود ) ، وبين يديه يقف صاحب البريد وعددمن الكتاب يجلسون على المناضد والأوراق مبسوطة ، البعض يقرأ الرسائل والبعض ينتظر ما سيملى عليه .
المأمون : ( يضع يده على جبينه ) كفى اليوم ، وأرسلوا الرسائل ( مشيرا إلى صاحب البريد بالإنصراف ) ولتأتينا بما يرد من رسائل غدا إن شاء الله .
[ يدخل الخدم أحدهم يتجه إلى المأمون حاملا قناني الدواء والآخر إلى قاضي القضاة حاملا كوبا من الشراب والثالث إلى المبخرة في ركن القاعة يضع العود ، يضوع العطر في القاعة ]
المأمون : ( يتناول الدواء ممتعضا ) ما أشد مرارة الدواء ، ومع ذلك فهو لا يفيدني بشيء ،ولم أعد أهنأ بنوم ولا بطعام .
قاضي القضاة : ( متعاطفا ) أنت ترهق نفسك إرهاقا شديدا يا أمير المؤمنين .
المأمون : ( يمسح على لحيته ) الخلافة عبء ثقيل يا ابن داود ، ومع ذلك لابد أن ننهض به على أكمل وجه .
قاضي القضاة : ( مبتسما ومشيرا إلى أمير المؤمنين ) إن لبدنك عليك حقا !
المأمون : (ينهض يسير خطوات في المكان مطرقا ، ويتجه إلى قاضي القضاة مشيرا إلى صدره ) هي لحظات أقضيها مع نفسي وأسألها : هلى أديتُ ما على نحو المسلمين ونحو الله أم أنني مقصر في هذا وفي ذاك ، وأشعر أن الله سيحاسبني على هذا التقصير ( يضحك ويعود جالسا على كرسيه ) ولكن ما هي إلا لحظات حتى تأخذني الحياة في دوامتها ، إن هذا الإنسان لعجيب حقا ، يشف ويصفو ويسمو حتى يقترب من الملائكة ، ويكثف ويغلظ ويسفل حتى ليشارك الشياطين في أعمالهم وأفكارهم .
قاضي القضاة :(ممتنا ) يا أمير المؤمنين لقد أديت ما عليك وأكثر ، كانت الأمة مشرفة على الهلاك والضياع ، تتنازعها الأهواء وتتجاذبها الأطماع ، فإذا بك تأتي وتنقذها من التردي وتسلك بها سبل الرشاد ، إن عهدكم لهو العهد المضيء في جبين هذه الأمة ، وما فعلت هذا إلا لأن الله ألهمك ووفقك في اختيار الرجال بعد ابتلاء ومعرفة معدنهم فوسدت الأمر لذويه .
المأمون : ( ينهض من على كرسيه ضاحكا ويسير بخطوات متئدة مقتربا من المبخرة ) أنت لا تنسى نفسك ولا أصحابك يا أحمد .
قاضي القضاة : ( يقف متقدما منه ) وكيف ننسى شيئا لا يغيب عن بالكم ؟!
المأمون : ( يستدير إليه مربتا على كتفه ) يا أحمد ..أنت وأصحابك عين وسمع وعقل هذه الأمة ، أنكم تقومون بمجهود عظيم في تحطيم أغلالها وتبديد ظلماتها ونشر نور الفكر في أرجائها وأني لممتن لكم ولهذا الدور العظيم الذي تقومون به .
قاضي القضاة : ( مترددا ) ولكن هل نحن عند حسن ظن أمير المؤمنين ؟!
المأمون : ( يجلس إلى مقعده ، محدقا في عين قاضي القضاة مندهشا ) ما شأنك اليوم يا أحمد ، أنك تتحدث وتجعلني أتحدث في أمور لا داعي لها ..أهناك شيء تخفيه يا أحمد ؟!
قاضي القضاة : ( متجنبا النظر إليه ) وهل أجرؤ أن اخفي عنكم شيئا ذا قيمة ؟!
المأمون : ( يمسح على لحيته ) إذن هناك شيء تخفيه يا أحمد .
قاضي القضاة : ( يتناول جرعة من الشراب ) نعم ، ولكن يجب ألا أشغل بالكم بأشياء لا قيمة لها .
المامون : ( متعجبا ) ما هذا الشيء الذي لا قيمة له ؟!
قاضي القضاة : ( متحرجا ) هناك من لا يرى رأيكم فينا ويتهمنا بأننا ضالون ومضللون وزائغون عن العقيدة ونخرب عقول الناس و ...
المأمون : ( مقاطعا في غضب ) ماذا تقول يا أحمد ؟!
قاضي القضاة : ( مقتربا من المأمون ) أنا لم أقل إلا القليل مما يقال .
المأمون : ( متعجبا ) ومن الذي يقول ذلك ؟!
قاضي القضاة : (مترددا ) رجال الحديث .
المأمون : رجال الحديث ! وما شأنهم بكم ؟!
قاضي القضاة : ( مقتربا من المبخرة واضعا بعض الأعواد ) ألم تصبح الكلمة المسموعة لنا ، والمدافعين عن العقيدة والناهضين بالعقل ليسموا بصوته فوق كل صوت وبرأيه فوق كل رأي ؟
المأمون : وهل جزاؤكم أن يرموكم بتلك الافتراءات ؟!
قاضي القضاة : إن أقوالهم واتهاماتهم ليس لها أي اهمية .
المأمون : ( متعجبا ) إذن أين الخطر ؟!
قاضي القضاة : إنهم يسيطرون على عقول الناس ، وهم إذ يشككون فينا وفي أفكارنا وعقيدتنا يشككون من طرف خفي فيمن خول لنا تلك المكانة ومنح لنا تلك الثقة .
المأمون : ( غاضبا ) من أي باب دخلوا حتى تواتيهم الجرأة أن يقولوا ذلك ؟! ( مفكرا مشيرا إلى رأسه ) أهذا في رأيك شيء لا قيمة له ؟! إن قولهم هذا يخفي وراءه أقوالا أخرى .
قاضي القضاة : نعم يا أمير المؤمنين ، وإن سكتنا عنهم سنشجعهم أكثر .
المأمون : نحاكمهم .
قاضي القضاة : أخشى أننا لن نستطيع .
المأمون : ( متعجبا ) لم ؟!
قاضي القضاة : إنة موقفنا معهم حرج للغاية ، فهم أهل قرآن وحديث ، وأننا متى حكمناهم لن ننجو من سوء الظن .
المأمون : (محتدا ) ألأنهم أهل قرآن وحديث يجعلهم هذا فوق مصاف الخلق وفوق المساءلة والعقاب ؟!( يضرب بقبضته فوق مسند عرشه ) لا يوجد أحد في هذه الدولة فوق المساءلة والعقاب مهما كانت منزلته .
قاضي القضاة : أنا لا أقصد ذلك ..ولكننا لا يمكن أن نعاملهم ونحاكمهم كما نحاكم المجرمين والملحدين وأشباه تلك الحثالة .
المأمون : ولم لا ؟!
قاضي القضاة : لأننا متى حاكمناهم إزداد إلتفاف الناس حولهم ، وهذا ما لا نريده .
المأمون : ( محدقا في عين قاضي القضاة ) وما الذي تفكر فيه يا أحمد ؟!
قاضي القضاة : ( يقترب ويجلس بالقرب منه ) هؤلاء في حاجة إلى طريقة أخرى .
المأمون : ماذا تقصد ؟!
قاضي القضاة : إن فكر هؤلاء وأراءهم تعارض أفكارنا وأراءنا ، والناس يعلمون ذلك ، ومتى نزلوا وأقروا بأفكارنا وأرائنا فإننا نكون قد أظهرناهم بمظهر الضعف ، فيفقدون احترامهم أمام الناس ، وهذا أفضل من المحاكمة والسجن .
المأمون : ( ينهض ويسير خطوات في القاعة واضعا يديه خلف ظهره مفكرا ) ولكن كيف سنجعلهم ينزلون على أفكارنا وأرائنا ؟!
قاضي القضاة : هذا ما يحتاج منا إلى عميق تفكير وسعة حيلة .
المأمون : الأمر ليس في حاجة إلى تفكير ، فهذا رأي الدولة وفكرها ولابد لكل من فيها أن يقر ما نقره .
قاضي القضاة : ( مقبلا عليه متهللا ) نعم الرأي يا أمير المؤمنين .
المأمون : ( مترددا ) ولكن ألست معي أن هذا في حد ذاته نوع من التعسف والظلم ، فلسنا بأوصياء على فكر الناس متى كانوا مسلمين ، وتلك الفئة مسلمة لا شك في إسلامها ، ولها كامل الحرية فيما تعتقده من أراء طالما لا تتعارض مع الإسلام ؟!
قاضي القضاة : ( يمس على يده ) ما ستفعله يا أمير المؤمنين شيئا عارضا ، والضرورات تبيح المحظورات ، وإن كانت أراؤهم لا تعارض الإسلام إلا إنها تعارض وتخالف العقل .
المأمون : ( متعجبا ) كيف هذا ؟!
قاضي القضاة : القرآن ..أنتم تعلمون أنه مخلوق ، وكلنا نقر بذلك .
المامون : لا ريب في ذلك .
قاضي القضاة : هم لا يقولون بذلك .
المأمون : ولم ؟!
قاضي القضاة : ربما ليخالفونا فحسب .
المأمون : وكيف سنجبرهم أن يقولوا قولنا .
قاضي القضاة : ( مفكرا ) بالإمتحان .
المأمون : الإمتحان ؟!
قاضي القضاة : سنجري امتحانا ، وسيعرفون الإجابة الني نريدهم ان يقروا بها ، ولا اظن أنهم سيغضبون أمير المؤمنين لمجرد قول أو رأي .
المأمون : ( مترددا ) ولكن فكرة الإمتحان ..ألست معي أنها ...
قاضي القضاة : ( مقاطعا ) هي ليست بالمحاكمة ..ومن حق أمير المؤمنين أن يمتحن علماء الأمة ليظمئن إن كانوا على الحق أم غير ذلك .
المأمون : ( يتجه نحو الباب منصرفا ) إذن لتجر الامتحان ، والأمر متروك لك ورجال المعتزلة ، أدعوهم على الفور وتشاوروا في هذا الأمر .
[ يظلم المكان ثم يضاء وقاضي القضاة مجتمعا مع رجال المعتزلة والجميع منهمكون في أحاديث ومحاورات فيما بينهم البعض غاضب والآخر ثائر وفئة صامتة مفكرة ]
قاضي القضاة : ( يقف ويتقدم وسطهم مشبكا أصابع يديه ) إن بريق أفكارنا أغشى أبصارهم وأشعل البغضاء في قلوبهم ، وهم يحرضون الناس في كل مناسبة ضدنا ، العجيب أن الناس يستجيبون لهم .
أبو الفضل الحمداني :وتلك ورقتهم الرابحة ، فهم يفكرون بعقلية الناس يقدسون الجمود ويعبدون التخلف ويقتاتون بالكسل العقلي
هشام الشيباني : ( ساخرا ) بينما نحن ننفر من الناس والناس ينفرون منا .
يوسف الشحام : ( يمس على لحيته ) نعم ، فأشق شيءعلى الإنسان أن تجعله بفكر ويدير تلك الآلة ( مشيرا إلى رأسه ) التي أكلها الصدأ .
ابن سماعة : لذلك يجب علينا ندفع الناس دفعا أن يجعلوا العقل رائدهم في كل أمورهم حتى المعيشية وليست الفكرية فقط .
قاضي القضاة : سننجح في حالة واحدة فقط .
الجميع : ( في صوت واحد ) ما هي ؟!
قاضي القضاة : أن نتخلص من رجال الحديث ، فهم العقبة الراسخة أمامنا .
الجميع : ( في صوت واحد ) كيف ؟!
قاضي القضاة : ( يسير بينهم مربتا على أكتافهم ) المشهور عنكم أنكم أهل فكر وتتصفون بسعة الحيلة ولا شيء يستعصى عليكم و..
هشام الشيباني : ( مقاطعا مشيرا إلى رأسه) لقد فهمتُ مقصدك ، ولكنك نسيت شيئا هاما أن رجال الحديث أكثر منا عددا وعدة .
قاضي القضاة : أكثر منا عددا أوافقك في هذا ، ولكن كيف يكونون أكثر منا عدة .
هشام الشيباني : جمهور المسلمين .
قاضي القضاة : ونحن معنا السلطان .
أبو يسوف الشحام : ( غاضبا ) إذن تريدها معركة وتستخدم فيها سيف السلطان .
قاضي القضاة : أظن لو كان معهم سيف السلطان لأستخدموه ضدنا .
ابن سماعة : ( مؤيدا ) معك حق فهم يستخدمون كل السبل لتشويه صورتنا عند الناس .
ابو الفضل الحمداني : وكما يقولون إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
هشام الشيباني : لا تنس أن رجال الحديث في الأصل مسلمون كل ما في الأمر لم يتح لهم ما أتيح لنا من الإطلاع على صنوف الفكر في الأمم الأخرى ، ولم يصنفوا فيما صنفنا فيه من كتب ورسائل .
أبويوسف الشحام : أنا أوافق الشيباني فيما قاله ولا أوافقك يا قاضي القضاة أن تعلنها حربا على أهل الحديث .
ابن سماعة : ولكن هم الذين بدأوا بالحرب .
أبو يوسف الشحام :حربا فكرية بينما أنت تريد الاستعانة بسيف السلطان .
ابو الفضل الحداني : ( متعجبا ) أنت والشحام تدافعان عن أهل الحديث و ..
هشا الشيباني : ( مقاطعا ) نحن لا ندافع عن أهل الحديث .
أبو الفضل : إذن عما تدافعان ؟
هشام الشيباني :عن المبدأ.
قاضي القضاة : أي مبدأ تقصد ؟!
هشا الشيباني : ( يدور حوله ساخرا ) عن مبدأ الحرية ، أهم مبدأ وأساس عندنا أم أنك نسيته ، أن الإنسان حرٌ فيما يعتقده وفيما يفعله .
قاضي القضاة : ( غاضبا ) لو تركونا أحرارا لتركناهم ولكنهم ....
أبو يوسف الشحام : ( مقاطعا ) واضح من كلامك أنك حسمت أمرك ووافقك ( مشيرا إليهما ) (أبو الفضل الحمداني) و(ابن سماعه) ،وأنا و(الشيباني) نخالفكم الرأي ، والخلاف لن يفسد ما بيننا ، ونحن معكم ولكن الواجب أن نحذركم أنتم تلعبون بالنار ، قد تحرقون بها من تريدون ولكننا حتما سينالنا منها الكثير من الشرر والضرر.
هشام الشيباني : ( متجها نحو الباب ) أخشى ما أخشاه أن يزداد إلتفاف الناس حولهم ، وقد يخرجون من تلك الحرب التي تريد إشعالها أصلب عودا وأشد مراسا ، وأظن هذا ما لا نريده ولا يريده سيف السلطان الذي تريد الاستعانة به .
إظلام .
المشــهد الثــــاني
سوق الوارقين في بغداد ، دكاكين كثيرة مفتحة الأبواب يظهر ما بداخلها من أكوام الكتب والورق موضوع فوق الأرفف وعلى الأرض ،
أسامة : ( يربت على يد صالح مبتسما ) طالما لم تحضر للآن فلن تحضر اليوم .
صالح : ( مندهشا ) تقصد من ؟
أسامة : ( مشيرا إلى مظلة أم هرة ) ابنة الشيخ العطار ، التي تأتي وتجلس مع (أم هرة) تأكل طبق النبط وتتجاذب معها أطراف الحديث ثم تذهب إلى حانوت ( أرجوان ) النساخة ،لتشتري بعض الأرواق ، ثم تنصرف وتتبعها أنت حتى تصل إلى بيتها .
صالح : ( غاضبا ) أتراقبني يا أسامة ؟!
أسامة : ( مربتا على يده ) يا صديقي .. الصب تفضحه عيونه ، أتنكر أنك مشغول الفؤاد بها ؟!
صالح : ( خجلا ) دعنا من هذا الأمر .
أسامة : ( ممسكا بيده ) لن أتركك حتى تخبرني ألم تتحدثا ولو مرة ؟
صالح : ( متلفتا حوله ) مرة أو مرتين .
أسامة : ولماذا لا تخبر والدك ليخطبها ، وأظن والدها الشيخ (العطار) لن يمانع فهو صديق والدك .
صالح : ( بأسى ) ومن أين لوالدي بالمال ؟
أسامه : الإمام أحمد بن حنبل اشهر عالم حديث في بغداد كلها ليس معه مال أهذا معقول ؟!
صالح : آخر شيء يفكر فيه والدي المال ، بل أنه يرفض عطاء الأمراء وأمير المؤمنين ، ولا أريد أن أحدثك كيف نعيش ؟
أسامه : ( يضع يده على جيبه متجها إلى (أم هرة) ) لقد ربحت مالا من بيع العيديد من الكتب اليوم ، لذلك سأدعوك على طبق نبط من (أمر هريرة) .
صالح : ( يستوقفه ) كيف ؟ ألا ترى النسوة اللائي يجلسن لديها ؟
أسامة : ما لنا والنسوة ؟ سنأخذ الطبقين ونذهب الى دكاكين الوراقين .
صالح : ( متعجبا ومشيرا إلى أم هرة ) أنها تشير إليك .أذهب فهي تريدك .
أسامه : بل إنها تشير إليك أنت هيا نذهب سويا .
صالح : ومن المرأة التي تقف بجوارها .
أسامة :(متعجبا) أي امرأة تقصد ، فحولها الكثير من النساء اللائي يتسوقن من الأسواق المجاورة ويقصدنها ليسترحن ويأكلن النبط .
صالح :( متعجبا ) أحقا يجلسن عندها البصاصات و ..
أسامه : ( مقاطعا ) النساء من كل جنس ونوع يجلسن عندها ، لا شأن لنا بهذا الأمر ..هيا لنرى ماذا تريد .
أم هرة : ( مشيرة إليهما ) هذا أسامة أمهر دلال كتب في سوق الوارقين ، وهذا صالح ابن الإمام أحمد بن حنبل .( مشيرة إلى المرأة ) وتلك أم ( علي ) ( مشيرة إلى صبي يقف بجوارها ) وهذا (على) ابنها .
أم على : ( تخفي وجهها مخاطبة أسامة ) كنت أريد أي كتاب به أحاديث الإمام أحمد بن حنبل ، لقد بحثت في السوق ولكن لم أجد ه.
أسامه : ( مشيرا إلى صالح ) أظن الذي ييسر لك هذا هو (صالح ) وليس أنا فكما قلت لن تجدي كتابا في السوق فالطلب عليه كثير ، ولكن في الإمكان أن أطلب من ناسخ لينسخ لك ما تريدين .وإن كان هذا سيستغرق وقتا كما أنه سيكلفك مبلغا من المال .
صالح : ( متحرجا ) سأحاول أن أبحث لك عن نسخة مسجلة فيها الأحاديث وأتركها لك عند (أم هرة ) .
أم على : ( تمسك بابنها على لتنصرف ) كم ثمنها لأتركه عند (أم هرة) ؟
أم هرة : ( تربت على يدها ) اذهبي أنت وسوف أحتفظ لك بنسخة الكتاب .
اسامة : من تلك يا (أم هرة) ؟
أم هرة :إنها أرملة تسكن بالجوار ونذرت أن تحفظ ابنها على القرآن وأحاديث الرسول ، وهي أيضا تحفظ معه . وهي شديدة الإعجاب بوالدك يا (صالح) وكثيرا ما تحضر دروس العصر في المسجد لتستمع إليه .
أسامه : بغداد كلها نساء ورجال يبجلون الإمام أحمد بن حنبل ، ليته كان أبي .
صالح : لتتخذه أبا .
أسامه : إن مكانته في قلوبنا تتعدى الأبوة إنه من أعظم علماء الحديث في بغداد ، ولست أنا الذي أقول ذلك بل الإمام الشافعي نفسه .
امرأة منتقبة : ( تتقدم منهم بجرأة ) من منكم يعرف الإمام أحمد بن حنبل ؟
أسامه : ( مشيرا إلى صالح ) هذا صالح ابنه ؟
المرأة : ( تنصرف ) لتدعوا له بالسلامة .
صالح : ( مندهشا ) من تلك يا أم هرة ؟!
أم هرة : ( تتابعها حتى اختفت وتتلفت حولها ) إنها إحدى البصاصات المنتشرات في الأسواق .وتدعى ( ريحانة ) .
صالح : ( منزعجا ) ماذا تقصد ؟!
أسامه : ( يتناول الطبقين من يد أم هرة ) لا تهتم إنها عجوز خرقاء وما أكثرهن في الأسواق ، هيا نذهب عند حانوت (عبد الوهاب الوراق )
أم هرة : ( تمسك بيد صالح وتسر إليه ) ألم تر (فاطمة ) بنت الشيخ العطار إنها لم تحضر .
صالح : ( يومئ إليها وينصرف ) ..
عبد الوهاب الوراق :( يضع مقعدين ) لماذا لم تحضرا معكما طبقا من النبط .
أسامه : ( مشيرا إلى أم هرة ) أم هرة أمامك والنقود في جيبك أرسل صبيك ليحضر لك طبقين .
الوراق : ولماذا طبقين أيها المسرف .
أسامة : طبق لك وطبق لصبيك أم أنك ستأكل وتتركه ينظر إليك أيها البخيل .
الوراق : ( مشيرا إلى الصبي) هاهو ينظر إليكما .
أسامه : سأشركه في طبقي لأني أعلم أنك لن تحضر شيئا .
صالح : ( يقدم الطبق للصبي ) خذ أيها الصبي كل هذا .
الوراق : إذن اشركني في طبقك يا أسامه .
أسامه : ( يقدم له الطبق ) ماذا ستفعل بكل المال الذي لديك ؟
الوراق : ( يتناول الطبق ) أين هذا المال الذي تتحدث عنه أن حال السوق من سيئ إلى أسوأ .
بقي بن مخلد : ( يقترب منهم ) هذا دأبك يا (وراق) دائم الشكوى مع أن سوقكم لم يشهد رواجا كما يشهده في هذا الزمن العجيب .
صالح : ( مشيرا إلى ما حوله من دكاكين وزحام ) إنه لزمن عجيب حقا ، لم نر مثل هذا العدد الهائل من مؤلفات ومترجمات في كل فروع وصنوف المعرفة .
أسامه : ( ضاحكا ) الناس على دين أمرائهم .
بقي بن مخلد : ( يصفح كتابا موضوعا أمامه على المنضدة ) لقد أحال (المأمون ) بغداد إلى مكتبة ضخمة وجلب لها كتبا من جميع أنحاء العالم .
صالح :أظن سيأتي عليكم وقت أنتم الكتاب العرب ولن تجدوا شيئا تكتبونه .
بقي بن مخلد : بل قل لن نجد وقتا يتسع لما يجب أن نكتبه .
أسامه : كيف هذا ؟!
بقي بن مخلد : ( مشيرا إلى ما حوله من دكاكين الكتب ) كل تلك المترجمات والمؤلفات أليست في حاجة إلى تقييم ونقد مننا نحن المؤلفين والكتاب الأصلاء ؟
أبو بكر الأشرم : ( يخرج من دكان الوراق حاملا عددا من الكتب) لقد أصبح الناس مغرمون بالقراءة مثل غرامهم بالطعام والشراب .
بقي بن مخلد : بل قل مهوسون .
صالح : ومع ذلك فهم لا يقرأون فشأنهم شأن الفئران تقرض الكثير من الورق ولكن لا تخرج من ذلك بشيء .
أسامه : أغلبهم يقتني الكتب كحلية ، وإن قرأها فلكي يتباهى بعمق وسعة إطلاعه .
أبو بكر : ( ضاحكا ) مع أني قضيتُ عمرى أكتب وأقرأ ، إلا أن رأسي يدور حينما أشاهد ما ينسخ كل يوم من كتب مؤلفة ومترجمة ..
صالح : ( مقاطعا ) ولا خير في كثير مما يخوضون فيه .
بقي بن مخلد : إن رأيك هو نفس رأي والدك الإمام أحمد ، لقد قال نفس مقالتك بالأمس في المسجد الكبير حينما سأله رجل من أتباع المعتزلة ، وأخذ والدك يهاجمهم هجوما شديدا.
أبو بكر الأشرم : ( مفكرا ) المعتزلة كالشهب المنطلقة ، ولكن الله وحده يعلم إلى أين يسوقون الناس .
بقي بن مخلد : ( متذكرا مشيرا إلى الوراق) لقد تذكرت ..اين نسخة الكتاب الذي سملته لك ل (أبي الهذيل العلاف ).
الوراق : ( مشيرا إلى دكان بجواره ) إنه عند ( برجوان ) تنسخه لك .
بقي بن مخلد : ألم تجد سوى ( برجوان ) لتنسخه ، فلن أقرأه في عامي هذا ، ثم إنه من يوم أخذت تستضيف ( مزنة ) الخاطبة لم تعد تنسخ كما كانت .
الوراق : لا يوجد في بغداد كلها أمهر منها في النسخ .
برجوان : ( تخرج وبيدها كتاب ووراءها مزنة الخاطبة ) سمعتمكم تتحدثون عن
( برجوان ) .. لقد انتهيت من نسخ الكتاب ووجود ( مزنة ) الخاطبة لا يعطلني عن عملي بل أنها تمد لي يد المساعدة .
بقي بن مخلد : ( ضاحكا ) إذن ستترك ( مزنة ) عملها وتعمل في نسخ الكتب .
مزنة : لك أن تسخر ، أين عملي هذا ؟!لقد أعرض شباب هذا الزمن عن الزواج .
أبو بكر الأشرم : ( ضاحكا ) لم يعرض الشباب عن الزواج ولكن أنت كسولة ولا تخرجين خارج حي السوق .
مزنة : ( مشيرة إلى صالح وأسامة ) هذان شابان أسألهما لماذا لم يتزوجا للآن وقد أحضرتُ لهما الكثير من جميلات بغداد .
أسامة : ليس معنا المال الذي ننفقه على أمر الخطبة والزواج .
مزنة : ( ساخرة ) أم أنكما أعرضتما بعدما رأيتما الجاريات الفارسيات والروميات وقد ملأن حانات بغداد .
بقي بن مخلد : ( ضاحكا ) هذان الشابان لا يعرفان الطريق إلى تلك الأماكن ( مشيرا إلى رجل قادم يترنح في الطريق ) ها هو( إسماعيل الأخرس ) الماجن سيأتي ويقف أمام دكانه ويطلب من عامله كرسيا ويجلس ويغط في نومه .
برجوان : ( تجذب (مزنة) إلى داخل دكانها غاضبة ) تعالي يا (مزنة) ندخل الدكان فهذا الرجل لا أحب أن أراه .
إسماعيل : ( يقف أمام دكانه ) أخرج لي مقعدا أيها الغبي ...ألم ترني قادما ؟!
العامل : ( يخرج له مقعدين ) هذان مقعدان .
إسماعيل : ( مندهشا ) لقد طلبتُ مقعدا فلماذا أتيت بمقعدين ؟
العامل : مقعدا تجلس عليه .
إسماعيل :والثاني أيها الغبي ؟
العامل : تريح عليه رأسك المجهد .
إسماعيل : ( يجلس على مقعد ويرفع قدميه على الآخر ) بل سأريح عليه قدمي ، فأنا لا أشعر برأسي .
بقي بن مخلد : ( مشيرا إلى إسماعيل مبتسما ) ضحية من ضحايا الحانات في بغداد .
أبو بكر :( ساخرا ) كلنا ضحايا هذا الزمن .
بقي بن مخلد : ماذا تقصد ؟
ابو بكر :ليت الأمر اقتصر على الحانات ، فقد أصبحتْ بغداد تستقبل كل صباح كل ما في العالم من ملل ونحل ومذاهب .
بقي بن مخلد : على رأيك ...(بغداد) جمعت كل الشرور والمفاسد الموجودة في العالم حولنا .
أبو بكر : ألا يستقبل المأمون كل هؤلاء في قصره .
صالح : نعم ، ولكنه يستقبلهم ليناظرهم ويبين فساد مذهبهم وضلال رأيهم .
ابو بكر : المهم أن كل هؤلاء ينعمون بالحرية ولا قيد عليهم في أن ينشروا سمومهم على الملأ .
بقي بن مخلد : موقفه من هؤلاء كموقفه من المعتزلة .
صالح : لا تخش شيئا من كل هذا فأما الزبد فيذهب جفاء...
بقي بن مخلد : ( مقاطعا ) الناس لم تستطع التفرقة بين الخطأ والصواب ، فكل شيء مباح ، والخوف كل الخوف على الدين ، فقد ينسلخ البعض من الدين تحت إغراء تلك الملل والنحل ، أو يكونون مثل (مشيرا إلى إسماعيل ) هذا الرجل يقضي ليله بين الحانات ونهاره نائما .
الوراق : (( يسير على أطراف أصابعه مقتربا من إسماعيل ) ولماذا أتيت ؟! لماذا لم تبق نائما في بيتك أيها الماجن ؟!
إسماعيل : ( منتفضا محتضا الوراق ) ها قد أمسكت بك يا جنان ..لن أتركك .
الوراق : ( متخلصا منه ) استيقظ أيها الماجن لست جنان ..أجنك الله .
إسماعيل : ( مثائبا ) لعنك الله ..حسبتك جنان .
الوراق : ( ساخرا ) ألن تكف عن عبثك ومجونك هذا ؟!
إسماعيل : (متلفتا حوله ) ليتك كنت معنا بالأمس ، أه لو رأيت الروميات وشعرهن الأشقر وعيونهن الزرقاء وأجسادهن البيضاء ، إنهن مثل حور الجنان ، أما الفارسيات وأفخاذهن وأردافهن ورقصهن و ..
أبو بكر : ( غاضبا ) صه أيها الماجن ..ألا تخجل من نفسك حتى تنشر تهتكك على مسامعنا والسوق به نساء وبنات يسمعنك
بقي بن مخلد : ( محتدا ) إن مأواك جهنم وبئس المصير .
إساعيل : ( متعجبا ) لم ؟!
الوراق : ( ساخرا ) طبعا بسبب قضائك لياليك السوداء في تلك الحانات والخمارات .
إسماعيل :( يقف مترنحا ) أكل من يدخل الحانات والخمارات سيدخل جهنم ؟!
الوراق : نظن كلنا ذلك .
إسماعيل : ( ضاحكا ) إذن كل (بغداد) ستدخل جهنم
صالح : وهل كل (بغداد) كانت معك بالأمس .
إسماعيل : ( يعد على اصابعه ) يوجد العشرات بل المئات من الحانات والخمارات في بغداد وضواحيها وكلها ممتلئة بالناس ولا يتركونها إلا قبل الفجر .
اسامه : ( ساخرا ) ولم قبل الفجر يا هذا ؟
الوراق : ( ضاحكا ) ربما ليلحقوا صلاة الفجر .
إسماعيل : أتسخرون منى ، ربما لو كنتم معي ما سخرتم .
ابو بكر : ( متأثرا ) لم يكن في بغداد كل هذا العدد من الحانات .
بقي بن مخلد : ولا مثل هذا العدد من الجواري والقيان
إسماعيل : آه لو رأيت أجسادهن و ..
أبو بكر : ( مقاطعا في حدة ) كف عن هذا قطع الله لسانك .
بقي بن مخلد : كل هذا يؤذن بمولد شيء خطير يهز أركان الدولة ويزلزل دعائم الإسلام .
صالح : الدين بخير وكما يوجد في (بغداد) الحانات والخمارات يوجد المساجد والمكتبات والعلماء والمتمسكون بالدين ، أظن أنها فترة وستمضي إلى حال سبيلها .
الوراق : ( مشيرا إلى شيخ مقبلا عليهم تقوده فتاة ) هاهو الشيخ (العطار) قادم تقوده ابنته ، لماذا يسرعان الخطى .
صالح : ( يقدم له مقعدا ناظرا إلى ابنته ) تفضل يا شيخنا ..استرح .
بقي بن مخلد : ( متعجبا ) ما وراءك يا شيخ ؟!
العطار : ( يمسك بيد ابنته ) لن تذوقوا الراحة بعد الآن ..الطوفان قادم يأأهل بغداد ، لن تذوقوا الراحة بعد الآن .
الوراق : ( مخاطبا ابنته فاطمة ) ما الأمر يافاطمة و ..
العطار : ( مقاطعا ) أعطنى جرعة ماء يا وراق .
الوراق : ( يقدم له كوبا من الماء ) خذ ، لكن لقد افزعتنا يا أبا فاطمة .
العطار : ( يعطي الكوب لابنته فاطمة ) إن والي (بغداد) يجمع أهل الحديث كي يمتحنهم .
الجميع : ( في صوت واحد ) يمتحنهم ؟!
العطار : نعم ، ليقروا أن القرآن مخلوق ، ومن لا يقر يسجن انتظارا لإرساله إلى أمير المؤمنين .
بقي بن مخلد : ( مفكرا ) فعلها (أحمد بن داود) ومن ورائه المعتزلة .
الوراق : ( متعجبا ) ما معنى أن يُمتحن رجال الحدث ؟!
أبو بكر : ولماذا رجال الحديث دون غيرهم ؟!
صالح : إنها مؤامرة ضد رجال الحديث .
إسماعيل : ( يمس على رأسه ) ما معنى أن القرآن مخلوق .
بقي بن مخلد : ( ساخرا ) اسكت يا هذا .
العطار : ( يدق بعصاه على الأرض ) ستهب العاصفة لتقتلع من يقف أمامها وسيُفتن الناس ، لقد مضى زمن الراحة وحل زمن غول .
بقي بن مخلد : زمن القابض على دينه كالقابض على جمرة .
إسماعيل : ( مفزوعا ) أتلك علامات يوم القيامة ؟!
بقي بن مخلد : ( محتدا ) قلت لك أسكت يا هذا .
العطار : ( رافعا يده ) أريد أن أذهب إلى الإمام احمد بن حنبل .
فاطمة : ( تسر إليه ) أن ابنه يقف أمامك .
ألعطار : ( بصوت مرتفع ) صالح أم عبد الله .
فاطمة : (تسترق النظر إليه ) إنه صالح يا أبي .
العطار : ( يسر إلى فاطمة ) وكيف عرفتينه يا فاطمة ؟!
صالح : لقد كنت أحضر مع والدي لزيارتك يا شيخنا .
العطار : ( ينهض ممسكا بصالح) خذني إلى والدك .
صالح : ( يشيع فاطمة بنظراته ) قد يكون في المسجد الكبير الآن .
العطار : ( يدق الأرض بعصاه ) خذني إليه يا (صالح ).
الجميع : ( في صوت واحد ) سنذهب كلنا معك .
إظلام
المشهد الثالث .
في الساحة المتسعة أمام المسجد الكبير ببغداد ، الإمام( أحمدبن حنبل) متجها إلى المسجد ليلقي درس العصر ، يعترضه عمه ( إسحاق ) ومعه صديقه ( موسى ) قبل الدخول .
الإمام أحمد : ( مندهشا ) أحدث شيء يا عماه ؟
إسحاق : ( يمسك بيده مضطربا ) ينبغي أن تترك بغداد على الفور .
الإمام أحمد : ( متلفتا حوله مندهشا ) أترك بغداد ..لم ؟!
إسحاق : أمير المؤمنين أمر والي بغداد بأن يجري إمتحانا لأهل الحديث .
الإمام احمد : ( متعجبا ) إمتحانهم ؟!
موسى :(يسوى العمامة فوق رأسه ) كل من أقر بان القرآن مخلوق يُترك ، ومن لا يقر يقيد ويرسل إلى أمير المؤمنين ليمتحنه بنفسه .
إسحاق : والمناظرات دائرة في دار (إبراهيم بن إسحاق)والي بغداد وبين أهل الحديث
الإمام احمد :(محتدا ) ومن أعطاهم هذا الحق ؟ أيجبرون العلماء على قول يخالف الدين ؟!
موسي : ولم لا ومعهم سيف السلطان ؟
إسحاق : تقصد من ؟
موسى : المعتزلة .
إسحاق : ( متعجبا ) وما شأنهم بهذا ؟!
الإمام احمد : هذا قولهم منذ زعيمهم ( ابو الهذيل العلاف ) ويريدون أن ينشروه ، ونحن نقف لهم بالمرصاد ونعارضهم ونبين فساد هذا الرأي والكثير من الأراء التي يريدون نشرها .
إسحاق : ولكن ما شأن أمير المؤمنين بكل هذا ؟!
ألإمام أحمد : إنه يعتقد معتقدهم .
إسحاق : ولكن أهو الحق ؟!
الإمام احمد : ( غاضبا ) ومتى كان الحق يفرض بسيف السلطان يا عماه ؟!
إسحاق : ( يربت على كتف أحمد ) طالما الأمر وصل إلى سيف السلطان ، ونحن لا حول لنا ولا قوة فلتهرب حتى تمر العاصفة بسلام .
الإمام احمد : ( رافعا نظره إلى السماء ) لو كان الأمر يخصني لهربت .
إسحاق : إذن يخص من ؟
الإمام احمد : كتاب الله يا عماه .
[ يسمع ضوجة وضوضاء صادرة من الجانب الأيمن للمسرح ، ثم تدخل مجموعة الوارقين يتقدمهم الشيخ (العطار) يقوده (صالح) ويحيطون بالإمام أحمد ]
الإمام أحمد : ( يحدق في وجوههم متعجبا ) هل أحترق سوق الوراقين ؟!
بقي بن مخلد : ليس سوق الوراقين فقط ولكن بغداد كلها يا إمامنا .
ابو بكر : ألم يصلك النبأ ؟!
الإمام احمد :بلى .
الشيخ العطار : ولكن تلك إهانة لك وللعلماء .
الجميع : ( في صوت واحد ) إهانة لك وللعلماء .
الإمام أحمد : ( يرفع يده للجميع ) أنا لا أهان ولا يهان العلماء إلا إذا مس القرآن وسنة رسوله سوء .
[ ترتفع التكبيرات من الجميع ، ويدخل من الجانب الأيسر للمسرح مجموعة من الحرس المدججين بالسلاح يتقدمهم رئيس الحرس ، يقترب من الجميع ويتوسطهم فتخفت الأصوات]
رئيس الحرس : ( ينقل نظره بين الواقفين ) أين احمد بن حنبل ؟
الإمام احمد : ( يتقدم من رئيس الحرس ) أحمد بن حنبل أمامك .
رئيس الحرس : ( يفرق نظراته في الواقفين حوله ويربت على كتفه ) والي بغداد يطلب مثولك على الفور في دار الولاية لأمر هام .
[ ترتفع الأصوات معترضة ، ويكون الواقفون دائرة تضيق حول الحرس وفي وسطهم الإمام أحمد ]
رئيس الحرس : ( يتلفت حوله محتدا مشيرا إلى الواقفين) فلينصرف الجميع إلى حال سبيلهم
بقي بن مخلد : أتطردنا من أمام بيت الله ؟!
أبو بكر : ليس من سلطتك أن تأمر أحدا بالإنصراف من هنا .
أسامه :وعليك أن تأخذ حراسك وتغادر المكان .
الإمام أحمد ( يرفع يده فيصمت الجميع ) عليكم بطاعة نائب السلطان .
بقي بن مخلد : ( متعجبا ) أنت الذي تأمرنا بذلك يا إمامنا .
الإمام أحمد : الآمر هو الله ، وقد أمرنا بطاعة ولي الأمر ( مشيرا إليهم ) هيا أطيعوا ولي الأمر .
[ يبتعد الواقفون عن الإمام ورئيس الحرس ]
الإمام أحمد : ( يتقدم من رئيس الحرس ) هل ستضع القيد في يدي ؟!
رئيس الحرس : أنا لم أؤمر إلا بتبليغك الأمر وإصطحابك إلى دار الولاية .
الإمام أحمد : ( يربت على كتفه ) الناس كما ترى غاضبون ، فأذهب وسوف ألحق بك .
رئيس الحرس : ( متردد) ولكن ...
إسحاق بن حنبل : ( مقتربا ومقاطعا ) إذا قال لك الإمام كلمة فصدقها ..ألا تعرف الإمام ؟!
رئيس الحرس : ( مقتربا من الإمام ) إني أحضر دروسك في المسجد ، وأنت على رأسنا جميعا ولكن ..
الإمام أحمد : ( مربتا على كتف رئيس الحرس ) بارك الله فيك إني أعرف أنك مأمور بتبليغ الأمر ، قبل أن تصل إلى دار الولاية أكون قد لحقت بك إن شاء الله فكما ترى الناس غاضبون .
[ ينصرف رئيس الحرس ووراءه الحرس من وسط الناس ]
إسحاق بن حنبل : ماذا ستفعل يا أحمد الآن ؟
الإمام أحمد : إلى دار الولاية يا عماه .
الجميع : ( في صوت واحد ) سنذهب معك .
الإمام احمد : ( مبتسما ) أتذهبون مع رجل معه الله .
[ ترتفع التكبيرات ]
إسحاق بن حنبل : أنت لا تحارب في ميدانك يا أحمد .
أحمد : ( يصافح الأيدي التي امتدت إليه ) ميداني هو ميدان الحق يا عماه .
العطار : ( يقترب من الإمام أحمد ممسكا بيد ابنته فاطمه ) يا إمام أحمد هل ستذهب الآن .
الإمام أحمد : ( ممسكا يده ومقتربا منه ) من تلك التي معك يا شيخ ؟
العطار : ( يهز يدها ) ابنتي فاطمة وجاريتك التي تدعو لك دائما .
الإمام أحمد : ( يبحث بنظره بين الواقفين مشيرا إلى ابنه صالح ) لقد خطبتها لابني صالح ..أتقبل يا شيخ .
العطار : ( دامعا ) تمنيتُ في تلك اللحظة أن يرد الله بصري لأراك يا إمام ( يرفع يده متلمسا وجه الإمام احمد ) دع يدي تلمس وجهك ياإمام...ثبت الله فؤادك لتخرج منها خالصا كما يخرج الذهب مصفى من النار .
إظلام .
المشهد الرابع .
دار الخلافة ببغداد ، قاعة واسعة يجلس في صدرها الولي ( إسحق بن إبراهيم ) وعلى يمينه ( جعفر بن عيسى ) وعلى يساره ( عبد الرحمن بن إسحاق ) وبالقرب منهم يجلي رئيس الشرطة ، وعلى باب القاعة يقف عدد من الحراس شاكي السلاح ، وفي ركن يجلس الكاتب وأمامه منضده يكتب ما يمليه عليه الوالي .
إسحق بن إبراهيم : لقد جاءني كتاب من أمير المؤمنين لإمتحان القضاة والفقهاء والمحدثين بشأن مسألة خلق القرآن ، ومن لم يقر بما يراه أمير المؤمنين سيفصل من منصبه وتبطل شهادته ويمنع من الإفتاء والتحدث إلى الناس ، وأمرني بالإستعانة بكما في إمتحان العلماء ، فما رأيكما ؟
جعفر بن عيسى : ( يثبت العمامة فوق رأسه ) وهل نملك أن نخالف أمير المؤمنين في شيء ؟
عبد الرحمن بن إسحاق :( يجمع أطراف العباءة حول صدره ) نحن نطوع بنان أمير المؤمنين أيريد أن نقر أن القرآن مخلوق ..فهو مخلوق ومخلوق ومخلوق ، فكل ما يأمر به أمير المؤمنين ( يشير إلى عينه ورأسه ) على العين والرأس ( يرفع نظره إلى السماء ) أمد الله في عمر أمير المؤمنين وبارك الله فيه .
إسحق بن إبراهيم : ( ضاحكا ) لهذا وقع اختيار أمير المؤمنين عليكما دونا عن غيركما من العلماء .
عبد الرحمن بن اسحق :يجب أن نستخدم عقولنا ونحن أمام السلطان ، فليس من العقل أن نناطح الصخر أو نرفع رؤوسنا أمام العاصفة .
إسحق بن إبراهيم : ( يفرك يديه ) إذن لنبدأ الإمتحان .
[ يشير إلى رئيس الشرطة ، فيأمر الحرس الواقفين على الباب بإدخال الفقهاء ورجال الحديث ، فيدخلون ويقعدون على المقاعد ويقف وراءهم الحرس ]
إسحق بن إبراهيم : ( يقف ويسير إلى المنتصف ) أيها القوم ..( يرفع خطابا ) معي كتاب من أمير المؤمنين – عافاه الله – يأمرني فيه بإجراء أمتحان لكم .
جعفر بن عيسى : ( يقف رافعا رأسه لأعلى ) فأمير المؤمنين – حفظه الله من كل سوء – يريد أن يطمئن أنكم تسيرون على نهج الشريعة الصحيح وعلى طريق العقيدة القويم .
عبد الرحمن : ( يحكم من وضع العمامة على رأسه ) وما يأمر به أمير المؤمنين يُطاع .
بشر بن الوليد : ( ملتفتا إلى رفقائه ساخرا ) وما المكافأة التي سيحصل عليها الناجح في الامتحان إن شاء الله ؟!
جعفر : ( فاتحا ذراعيه ) رضا أمير المؤمنين عليه .
إسحق : لم تسأل يا( بشر) عما سيصيب الخاسر في هذا الإمتحان ؟
بشر : إخبرني أنت يا والي بغداد ؟!
إسحق : ( مهددا ) سيفصل من منصبه ويمنع من الفتوى والجلوس إلى الناس ولن تقبل له شهادة و ..
محمد بن نوح : ( مقاطعا في سخرية ) هل هو إمتحان الملكين يا هذا ؟!
إسحق : بل هو إمتحان أمير المؤمنين .
[ ترتفع صيحات واعتراضات من العلماء ]
إسحق : ( يسير بتوتر أمام العلماء غاضبا ) هل من معترض على أوامر أمير المؤمنين ( تخفت الأصوات)إذن لنبدأ بإجراء الإمتحان وكفانا تضيعا للوقت ( يعود إلى مقعده وينظر في رقعة أمامه) تقدم يا بشر .
بشر بن الوليد : ( يقف ويتقدم خطوات ) تفضل أسأل ما شئت أيها الوالي .
إسحق : ( ينقل بصره بين وجوه العلماء الجالسين أمامه ) ما تقول في القرآن ؟
بشر بن الوليد : ( ملتفتا إلى العلماء متعجبا ) ألا تجيبوه أيها العلماء على هذا السؤال العسير ؟!
إسحق : ( غاضبا ) كفاك سخرية يا بشر ، أجب وإلا رفعت أمرك إلى أمير المؤمنين ..ما تقول في القرآن ؟
بشر بن الوليد : أقول القرآن كلام الله .
جعفر بن عيسى : ( ساخرا ) ما تلك الإجابة الشافية الكافية ؟! نسألك عن القرآن فتقول إنه كلام الله ، أتلك إجابة عالم يفتي الناس في أمور دينهم ؟!
بشر بن الوليد : وهل هذا سؤال يسأله من نصب نفسه لإمتحان العلماء يا صاح ؟!
إسحاق : ( غاضبا ) أنا لم أسالك عن القرآن لتقول إنه كلام الله ، فهذا شيء معلوم .
بشر بن الوليد : ( متعجبا) وهل هناك إجابة غير ما قلت ؟!
إسحق : نعم هناك إجابة أخرى .
بشر بن الوليد : ( سخرا ) وأين السؤال الآخر الذي تريد إجابة أخرى عليه ؟!
[ يضحك العلماء وترتفع تعليقاتهم]
جعفر بن عيسى : ( يقف ويتقدم من بشر) يا بشر ..هل القرآن مخلوق ؟ّ
بشر بن الوليد : الله خالق كل شيء .
جعفر بن عيسى : القرآن إذن شيء .
بشر بن الوليد : نعم ، هو شيء .
جعفر بن عيسى : إذن هو مخلوق ؟!
بشر بن الوليد : ليس بخالق .
جعفر بن عيسى : لست أسألك عن هذا ، أمخلوق هو ؟
بشر بن الوليد : ما أعرف ولا أفقه غير ما قلت لكم ، ولا أتكلم في شيء ،وتلك هي إجابتي على ما سألتموني فيه .
إسحق : (مشيرا إلى الكاتب )أكتب كل ما قاله .
الكاتب : ( رافعا قلمه ) سأكتب كل ما قاله بالحرف الواحد .
إسحق : أجلس يا بشر ( يتحدث بصوت منخفض لمن يجلس عن يمينه وعن يساره ) على بن مقاتل يتقدم .
على بن مقاتل : ( يتقدم ) سل ما شئيت أيها الوالي .
إسحق : ( يمسح على لحيته ) هل القرآن مخلوق ؟
على بن مقاتل : القرآن كلام الله .
إسحق : ( يضرب كفا بكف ) ما هذه الإجابات ..إن إجابات الصبية أفضل منها .
محمد بن نوح : (متدخلا في الحديث ) ليس العيب في الإجابة وإنما العيب كل العيب في السؤال أيها الوالي .
القواريري : ( مهاجما )أيها الوالي ..أنت لا تعرف كيف تصيغ السؤال .
الحسن بن حماد : لا تلوموا الوالي ، فهو يقف في غير ميدانه .
محمد بن نوح : ( ضاحكا )إنه لا يستحق اللوم وإنما يستحق الشفقة .
إسحق : ( غاضبا ) أرجوكم أيها العلماء ..الذي يجيب هو من سُئل ( ملتفتا إلى على ) يا على أجب هل القرآن مخلوق ...أجب حتى أرفع إجابتك إلى أمير المؤمنين .
على بن مقاتل : هل ستعرض إجابتي على أمير المؤمنين ؟
إسحق : ( محتدا ) وما تظنني سأفعل بها ؟! هل سأعلقها على باب داري لأتبارك بها ؟
على بن مقاتل : إذن أكتب القرآن كلام الله ، وما يأمر به أمير المؤمنين يطاع .
إسحق : ( مشيرا إلى الكاتب ) سجل ما قاله .
جعفر بن عيسي : إنهم لا يأخذون الأمر مأخذ الجد .
عبد الرحمن : إن كل إجابتهم تحمل كما لا بأس به من السخرية والمرواغة .
جعفر بن عيسى : ليتهم يكتفون بذلك ، ( مشيرا إلى العلماء ) فنحن أمام أكبر وأجل العلماء والفقهاء ورجال الحديث .
عبد الرحمن : هل سترسل الإجابات إلى أمير المؤمنين ؟
إسحق : وهل أملك غير ذلك لأفعله ( مشيرا إلى الكاتب ) من عليه الدور ؟!
الكاتب : أبو حسان الزيادي .
إسحق : ( بصوت مرتفع ) أبو حسان الزيادي ( يتقدم أبو حسان ) ماذا تقول يا أبا حسان ؟
أبو حسان الزيادي : ( متعجبا ) فيم يا ولي بغداد ؟!
إسحق : ( محتدا ) ألم تسمع الأسئلة التي وُجهت إلى رفقائك من العلماء ورجال الحديث، فما إجابتك ؟!
أبو حسان الزيادي : ليس لدي أي إجابة ؛ لأنك لم توجه لي أي سؤال .
إسحق : (كاظما غضبه ) هل القرآن مخلوق ؟
أبو حسان الزيادي : ( يتقدم إلى المنتصف منقلا نظره بين العلماء رافعا يديه ) القرآن كلام الله ، والله خالق كل شيء وما دون الله مخلوق ، وأمير المؤمنين إمامنا وبسببه سمعنا عامة العلم وقد سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم ، وقد قلده الله أمرنا فصار يقيم حجنا وصلاتنا ونؤدي إليه زكاة أموالنا ونجاهد معه ونرى إمامته إمامة وإن أمرنا ائتمرنا وإن نهانا انتهينا وإن دعانا أجبنا ..أهذا يرضيك يا والي بغداد ؟
إسحق : ( مبتسما ) كنت أرضى بأقل من ذلك ، فتح الله عليك يا أبا حسان ( ملتفتا إلى العلماء ) ليتهم يفهمون الأمر كما فهمته ، لأراحونا وأستراحوا .
أبو حسان الزيادي : أي أحمق هذا الذي تحدثه نفسه أن يخالف أمير المؤمنين .
أحمد بن نوح : (يتقدم مربتا على كتف أبي حسان ) ولم لا نختلف معه يا أبا حسان ؟! ألسنا رقباء على ولاة أمورنا ، ألسنا ألسنة الحق ؟! فإذا لم نقلها فمن يقلها ؟!
أبو حسان : ( راجعا إلى مقعده ) لقد قلت ما أراه ، وكل إنسان حر فيما يقوله .
محمد بن نوح : ولكنك لم تكن حرا فيما قلته يا أبا حسان و ..
إسحق : ( مقاطعا ) أحمد بن حنبل ..ما تقول في القرآن ؟
احمد بن حنبل : ( واقفا واضعا يده فوق الأخرى على صدره ) هو كلام الله .
إسحق : أمخلوق هو ؟
أحمد بن حنبل : هو كلام الله ولا أزيد .
إسحق : وكلام الله مخلوق .
أحمد بن حنبل : القرآن كلام الله ، هذه إجابتي ، وإن كان لديك سوال آخر فسل أجبك.
إسحق : أليس لديك إجابة أخرى يا أحمد ؟
أحمد بن حنبل : ..................
إسحق : ( ملتفتا إلى الكاتب) كتبت كل إجابات الفقهاء العلماء ورجال الحديث ؟
الكاتب : ( مشيرا إلى السجل أمامه ) نعم .
إسحق : إذن قم بإرسالها على وجه السرعة إلى أمير المؤمنين ( يلتفت إلى العلماء ) والآن أيها العلماء نشكر لكم حضوركم وننتظر رد أمير المؤمنين وسوف نخطركم بها .
[ ينهض العلماء ويخرجون تباعا من القاعة ]
أسحق : ( مخاطبا جعفر وعبد الرحمن ) الحمد لله ..لكم كنت أخشى هذا الموقف ، وكنت أعد له منذ أيام .
جعفر : ( ضاحكا ) إنه موقف عصيب لا تحسد عليه .
عبد الرحمن : نعم ، فليست مواجهة هؤلاء العلماء بالأمر اليسير.
جعفر : ليست مواجهتهم فحسب بل إمتحانهم .
إسحق : ( ممتنا ) وخيرا فعل أمير المؤمنين أن أشرككم معي ، نعم أنتما لم تفعلا شيئا ذا أهمية ، ولكن يكفي وجودكما معي أمام هؤلاء .
جعفر : (ضاحكا ) أنت هكذا دائما ، مغرور ومتكبر .
إسحق : ( متباهيا ) إذا كان هذا الغرور والتكبر هو الذي جعلني واليا على بغداد فأهلا به وسهلا .
جعفر : ( يبرت علي يده ) لا تغتر فمثلما جاء اليوم الذي امتحنت فيه هؤلاء قد يأتي يوم تُمتحن فيه .
إسحق : (ضاحكا ومتهييأ للإنصراف ) أبعد الله عني هذا اليوم، وتعسا له ، فأثقل شيء على صدري أن أُُمتحن ولقد كفاني الله شر الإمتحان إذ جعلني واليا ولم يجعلني عالما .
إظلام .
المشهد الخامس
سوق الوراقين :
أسامه : ( مشيرا إلى رأسه ) أتحاول إقناعي أنك لم تفاتح والدك في أمر خطبتك من فاطمة ؟!
صالح :لقد فوجئتً بما قاله والدي للشيخ العطار .
أسامه : كأنه يعلم ما بينك وبين فاطمة !
صالح : ( متلفتا حوله ) مجرد تحية عابرة وقد لا ترد وحينما ترد بإماءة وقد أحمر وجهها خجلا .
مزنة : ( خارجة من دكان برجوان ) في هذا الزمن قلما تجد فتاة خجولة يا صالح .وفاطمة من أجمل فتيات بغداد .
صالح : ( متفاجئا ) لا شيء يخفى عليك يا (مزنة) .
أسامه : ( ضاحكا ) وما يدريك لعلها من أوحت لوالدك بأمر تلك الخطبة .
مزنة : المهم يا صالح لا تنس الحلوان .
أسامه : ( ساخرا ) بأي حق تطالبين بالحلوان وأنت لم تفعلي شيئا ؟!
برجوان : ( خارجة من الدكان وبيدها كتاب ) إن لم يكن لها يد في الخطبة فلا شك سيكون لها يد في إتمام الزواج .
مزنة : إني أحب ( فاطمة) وقد جلبتً لها العديد من الخطاب ولكنها كانت ترفض لأنها لا تريد ترك والدها .
برجوان : ( متعجبة ) فما بالها وافقتْ هذه المرة ؟!
مزنة : ( تربت على يد صالح ) القلب وما يريد يا برجوان .
برجوان :(مشيرة إلى فاطمة ) ها هي فاطمة متجهة إلى (أم هرة) ولكن من تلك المرأة التي تسير بجانبها ومعها الصبي ؟!
أسامه : إنها (أم على ) وهذا ابنها ( ملتفتا إلى صالح ) هل أحضرت لها الكتاب الذي وعدتها به ؟
صالح : (يخرج كتيب من جيبه ) ها هو .
أسامه : ( يأخذ الكتيب ) سأسلمه لها .
صالح : ولم لا أسلمه أنا ؟!
أسامه : ( مندهشا ) وتترك خطيبتك !
صالح : ( مضطربا ) أنهما قادمتان نحونا .
أسامه : ( يقدم الكتيب ) أهلا وسهلا يا (أم على) هاهي مجموعة الأحاديث ( مداعبا الصبي ) كيف حالك يا (علي) ؟
صالح : ( مترددا ) كيف حال شيخنا العطار ؟
فاطمة : ( خجلى ) أيمكن أن تنتحدث سويا ؟
صالح : ( مبتعدا خطوات من أسامه ) خيرا إن شاء الله .
فاطمة : ( تتلفت حولها ) لقد خطبني والدك .
صالح : ( محدقا في وجهها ) لقد أخبرني بذلك بعد عودته من دار الوالي و ..
فاطمة : ( مقاطعة ) وأنا رافضة الخطبة .
صالح : ( متفاجئا ) كيف ذلك ؟!
فاطمة : لا أستطيع أن أجمع بين رعاية والدي وخدمة زوجي .
صالح : (مضطربا ) ولكن ....
فاطمة : ( تشير لأم على ) يجب أن أنصرف الآن .
أسامه : ( متقدما من صالح مندهشا ) ما بك يا صالح ؟!
صالح : (متأثرا ) لقد رفضتْ خطبتي لها .
أسامه : أتدري أن معها حق .
صالح : كيف ؟!
أسامه : إن والدك والعلماء في ( بغداد) مقبلون على أمر لا يعلم إلا الله علام سينتهي ، فإذا بوالدك يخطب لك (فاطمة ) .
صالح : إنه يحب الشيخ (العطار) وأراد أن يوثق علاقته به أكثر .
أسامه : و(فاطمة) تحب والدها ، وكان عليها أن تختار فأختارت والدها وأظنها على حق في هذا .
برجوان : ( تقترب منهما ) منذ أن أنصرفت (فاطمة) وأنتما تتهامسان ما الأمر ؟
أسامه : لقد رفضتْ (فاطمة) خطبة صالح .
مزنة : ( تربت على يد صالح ) هذا كان متوقعا ، فقد رفضت قبلك الكثير كما قلت لك .
برجوان : إنها فتاة أصيلة حقا .
صالح : ولكني لن أمنعها أن ترعي والدها و ..
برجوان : ( مقاطعة ) كلكلم تقولون ذلك ، وحينما تتزوجون كأنكم ملكتم نساءكم .
مزنة : ( ساخرة ) ولكن (صالحا) ليس كغيره .
برجوان : أليس برجل ..ونحن النساء مغلوبات على أمرنا .
أسامه : لم ؟! فأنت والرجل سواء لك دكانك وتجارتك .
برجوان : ( مشيرة إلى من حولها ) على مضض من كل رجال السوق ، فالجميع يتمنون أن أبيعهم الدكان
الوراق : ( خارجا من الدكان في لهفة ) لقد سمعتك يا (برجوان) تريدين بيع دكانك ، أنا اشتريه بأي مبلغ .
برجوان : (ضاحكة ) ألم أخبركما ..الكلمة ثقبت أذنه ، يحلم ليله أن أبيعه الدكان .
مزنة : وأن تتزوجيه .
برجوان : ( ساخرة ) لن أتزوج رجلا مزواج ، فلديه من الزوجات ثلاث .
الوراق : وما في ذلك لدي القدرة لأنفق عليهن فلم لا أتزوج الرابعة .
برجوان : أتزوجك على شرط أن يكون مهري دكانك هذا
الوراق : ( ملوحا لها ) أريد أن أتزوجك لأستولى على دكانك ، فّاذا بك تطمعين في دكاني .
بقي بن مخلد : ( مقتربا من الجمع ) ألا تملان من الحديث في هذا الأمر ، بينما بغداد كلها مشغولة بأمر إمتحان العلماء الفقهاء .
الوراق : وما الجديد في هذا؟! فمنذ سنوات والخلاف بين أهل الحديث والمعتزلة وكل منهما يسفه رأي الآخر .
برجوان : على رأيك يا (وراق ) ، والسوق حافل بكتب كل منهما ، هذا يهاجم وهذا يرد وهذا يفند ، ولم نتوقف يوما عن نسخ كتب كلا منهما .
بقي : نعم ، ولكن هذه المرة أخطر .
صالح : لماذا ؟
بقي : لأن هذه المرة يوجد سيف السلطان ..أتدرون معنى هذا ؟
أسامه : وما علاقة سيف السلطان بما يدور بين أهل الحديث والمعتزلة ؟!
صالح : الأمر لا يعدو خلاف بينهما .
بقي : لقد سُجلت إجابات العلماء وأُرسلت إلى أمير المؤمنين .
أسامه : وما في هذا ؟ إذا كانت المناظرات العلمية والفقهية والكلامية تدور في مقر الخلافة وعلى مسمع ومرآي من أمير المؤمنين بل وتشجيعه ولم يحدث بين المتناظرين أي ضرر .
بقي : هذه المرة المرة من لا يقول برأي المعتزلة سيُسجن ويُعذب وليس ببعيد أن تُقطع عنقه .
صالح : ( مذعورا ) أيمكن أن يصل الأمر إلى هذا؟!
الوراق : أنت تبالغ يا بقي) .
أسامه : محال أن يحدث هذا !
صلح : المعتزلة أكثر من يتشدقون بالحرية ، والحرية في كل شيء
الوراق :( يضرب كفا بكف ) إنه زمن في غاية العجب الحانات مفتوحة طوال اليوم مليئة بالجواري والقيان وبأصناف الخمر والشعراء يقولون ما نستحي من سماعه والكتاب يكتبون في كل مجال والمترجمون يترجمون عن كل الأمم والتي ليس لها دين ولا عقيدة .
أسامه : ( مقاطعا ) ويحاكمون إناسا يقولون قال الله وقال الرسول .
بقي : هذه رغبة أمير المؤمنين .
صالح : بل رغبة المعتزلة .
برجوان : وما المانع أن يقول كل العلماء بما يريده أمير المؤمنين
بقي : أظن كلهم قال بذلك إلا القليل منهم .
صالح : ووالدي .
بقي : أظن أن الإمام أحمد أول من سيعارض ويخالف المعتزلة .
أسامه : لماذا ؟!
بقي : لأنه من أشد وأعتى المعارضين ..وأظن أنه المقصود من وراء تلك الحملة التي يشنها المعتزلة .
صالح : ( متعجبا ) أبي !
بقي : ألم تر المسجد يمتلئ في درسه ، وأن ما من معتزلي جادله إلا وغلبه
برجوان : لتخبر يا صالح والدك بهذا الأمر و ..
بقي : ( مقاطعا ) الإمام أحمد يعلم كل شيء ولننتظر بما سيأمر أمير المؤمنين حينما تصل إليه إجابات العلماء
أسامه : ( ممسكا بيد صالح ) إلى أين أنت ذاهب الآن ؟
صالح : ( منصرفا ) أطمئن على والدي ، وأعرف ماذا حدث في داروالي بغداد .
إظلام .
المشهد السادس .
قاعة الملك في قصر الخليفة العباس ( المأمون ) بالرقة ، يتصدر القاعة كرسي العرش شاغرا ،وعلى جانبيه مقاعد يجلس عليها رجال المعتزلة
يوسف الشحام : ( مشيرا إلى كرسي العرش ) ما الأمر ؟!
الحمداني : لقد عاوده المرض مرة ثانية ، لندعوا له بالشفاء .
الشيباني : نعم ، شفاه الله ، فلا ندري من سيأتي بعده
ابن سماعة : (يقف وسير خطوات ويلتفت إليهم ) وتلك هي مشكلتنا الكبري ، فكل الأمور والقضايا تُعلق بم سيأتي .
الشحام : أليسوا هم الحكام وولاة الأمر ؟!
ابن سماعة : نعم ، ولكن قد يأتي حاكم يوطد الأمر وينشر الأمن والصلاح ويرفع من شأن الأمة ، ويأتي من بعده ليهدم وينقض كل شيء وينتشر الفساد بين الناس .
الشحام : الناس على دين ملوكهم .
الشيباني : ( محتدا ) هذا خطأ ويناقض العقل ويخالف المنطق ، فالحاكم فرد في حين أن الأمة ملايين وتاريخ وحاضر ومستقبل ، يجب ألا يرتبط مصير أمة بفرد من أفرادها ولا يجب أن تسلم قيادها لفرد مهما كان .
الشحام : ( متعجبا ) ومن الذي سيقود الأمة ؟!
الشيباني : هي من تقود .
الحمداني : ( ضاحكا ) وكيف تسير الأمور بدون أن يكون هناك حاكم يقودها .
الشيباني : ومن قال إن الأمة ستكون بلا قائد يقودها .
الحمداني : ( متعجبا ) ما هذا أتناقض نفسك ؟!
الشيباني : لابد أن يكون هناك حاكم ، ولكن لا يُعلق مصير الأمة عليه ، فإننا بهذا نظلم الأمة ونظلمه ونحمله ما لا طاقة له به ، بل يجب أن تتحمل الأمة كلها هذا الأمر .
الحمداني : معك حق ، ولكن هذا الطلب عزيز وقد لا يتحقق الآن على الأقل .
[ يدخل قاضي القضاة ومعه مجموعة من الأوراق يطالعها ]
الشحام : كيف حال أمير المؤمنين ؟
أحمد بن داود :(يجلس على كرسيه شاردا ) لقد اشتدتْ العلة عليه عن ذي قبل وأخبرني الطبيب بتأخر حالته
ابن سماعه : لقد عاد من غزوته بالروم وهو منهك القوى ، لماذا لم يرسل أخاه المعتصم وبقى هو في بغداد ؟!
الحمداني : ( متطلعا إلى ما بيد ابن داود ) ما تلك الأوراق التي بيدك ؟
أحمدبن داود : ( يتصفح الأوراق ) إنها إجابات الفقهاء ورجال الحديث ، أرسلها إلى والي بغداد
ابن سماعه : الآن فقط عرف هؤلاء المنافسون والمتمردون بأسنا وقوة نفوذنا ، وأننا لنا اليد العليا والرأي النافذ في الدولة .
الشحام : ( محتدا ) بسيف السلطان .
الحمداني : وماذا كان بيدنا أن نفعل يا شحام ؟
الشحام : ( مشيرا إلى رأسه ) ما كنا نفعله دائما .. بالحوار والحجة والعقل والمنطق .
أحمد بن داود : لم يعد يصلح معهم كل هذا .
الشيباني : وهل سينجح السيف فيما فشل فيه العقل والمنطق ؟!
احمد بن داود : ( ملقيا بالأوراق متقدما نحو الشحام والشيباني ) وماذا تريدان أن نفعل ؟! سنوات ونحن نجادلهم بالحسنى ونحاول أن نرتقي بهم وندفعهم لإعمال العقل وهم يأبون إلى الجمود بل ويريدون العودة بنا إلى الوراء ، وأول شيء يرفضونه العقل والمنطق الذي تقول عليه ...
الشيباني : ( مقاطعا ) كل هذا شيء عظيم ، ولكنني أشعر أن هناك عاصفة من الغضب بدأت تتكون في صدور الرجال ، فأنت بهذا الامتحان تطعن الناس في أعز شيء لديهم ، في علمائهم .
ابن داود : ( متعجبا ) الناس ؟! وما شأني بالناس يا شيباني ؟ ومتى كنا نحسب حسابهم ؟
ابن سماعه : ( ساخرا ) غرَّ الشيباني إلتفاف الناس حول رجال الحديث ، هذا لأنهم لا يكلفونهم شيئا من الفهم والتفكير ، ولا خير في كثرتهم فإنهم كالأنعام بل هم أضل .
الشيباني : ولم لا تقول أننا فشلنا أن نجذب الناس إلى صفنا ونقنعهم ببضاعتنا .
الحمداني : نحن لم نفشل ولكنهم هم الذين ضاقوا بما قدمناه لهم .
ابن سماعه : غالبية الناس لم يخلقوا لأن يجعلوا العقل رائدهم ، لذلك فهم يسيرون وراء أي دعوة تجافي العقل والفكر ، وهذا سبب إلتفافهم حول أهل الحديث .
الشحام : أخشى أن ما نفعله بأهل الحديث سيرتد علينا .
ابن داود : ( متعجبا ) كيف ؟
الشحام : حينما تعقد مثل هذا الامتحان ولا يقروا لك بما تريد هذا في حد ذاته إنتصار لرجال الحديث علينا ونحن من قدم لهم هذا النصر
ابن داود : ( ضاحكا في سخرية ) ولكن المعركة لم تنته بعد .
الشيباني : بالنسبة لنا ، ولكنها انتهت بالنسبة لهم .
ابن داود : ( يدق بشدة على يد مقعده ) سيقرون بخلق القرآن أقسم لك على ذلك .
الشحام : ( متعجبا ) أفأنت تكره الناس حتى يقولوا بخلق القرآن .
ابن داود : ( محتدا ) سيقرون حينما يُعاد امتحانهم .
الشحام : وما الفرق ؟!
ابن داود : ( يقف ويتقدم إلى وسط المكان رافعا الأوراق) في المرة الأولى لم يكن هناك سيف ، في تلك المرة من يمتنع سيعرض على السيف ويدق عنقه ( يحدق في وجوه الجالسين مشيرا لهم بإصبعه ) ولا يعترض أحد على هذا ، نحن الآن في كفة وهم في كفة .
الشيباني : ( يقف ويتقدم نحوه مربتا على كتفه ) وضعتنا في مأزق ولا ترى الخروج منه إلا بالسيف
الشحام : ولكن ماذا أنت فاعل إن اختار البعض القتل بالسيف ؟
ابن داود : ( محتدا ) هذا لن يحدث أبدا .
الحمداني : ما يقوله الشحام افتراض وارد .
ابن داود : إنهم بشر وليسوا أنبياء لن يثبت إنسان أمام السيف ، وحينما يعلم أن كلمة يقولها ستهب له الحياة سيفقد السيطرة على لسانه ليلهج بها ، ومن سيمتنع سيُرسل هنا لنناظره وحينما يشرع أمامه السيف والجند ونحن حوله وأمير المؤمنين أمامه سيذوب قلبه ويتدلى لسانه ويشل عقله وترتعش أوصاله
الشحام : ولكن أتظن أن أمير المؤمنين سيوافق على أن يستخدم السيف ضد العلماء من أجل كلمة .
ابن داود : ( يسير ويقف خلق كرسي العرش الشاغر ) نعم سيوافق .
الحمداني : ( يتقدم منه ) ولكن كيف ستفاتحه في هذا الأمر وهو مريض .
الشحام : اننتظر حتى يشفى .
ابن داود : ( يتشبث بكرسي العرش) لا ..لن ننتظر ، فتلك أفضل فرصة ، فمن السهل إقناعه وهو في تلك الحالة
الحمداني : ولكنك تقول إن حالته سيئة للغاية .
ابن داود : ( يخرج من خلف الكرسي متقدما إلى وسط المكان ) وهذه فرصتنا ، فلأن حالته سيئة سيفوض لى الأمر ، ونفعل ما نراه في صالحنا ، إن الرياح تسير كما نشتهي ، ولن يكون سطان إلا سلطاننا ولا صوت إلا صوتنا ولا ريح إلا ريحنا ، إن دولة المعتزلة ترتفع وترتفع ولن ينال منها أحد أبدا .
إظلام .
المشهد السابع
حجرة ضيقة في سجن ولاية بغداد ، الإمام أحمد بن حنبل يجلس على أريكة خشبية وبجانبه صديقه أحمد بن نوح ، الحجرة يسودها الظلام إلا ضوء ضئيل مسلط على الصديقين .
الإمام أحمد : ( يربت على كتفه ) لم يبق إلا أنت وأنا يا ابن نوح .
ابن نوح : ( متحسرا ) الجميع أقر بما يريده السلطان ، ما أضعفهم وأهون شأنهم .
الإمام أحمد : لا ، فليس معنى أننا صبرنا وتحملنا أن نطالب غيرنا بما قدرنا عليه .
ابن نوح :( يسعل سعالا جافا) لم لا نطالبهم أن يكونوا مثلنا ، إن هذا حق الله ونحن حراسه ، إن لم ندافع عنه فمن سيدافع ؟
الإمام أحمد : هون عليك ، إنك مريض ، ويجب ان تغادر هذا المكان ، فإنه سيزيد من علتك .
ابن نوح : ( يحاول أن يتكلم فيمنعه سعاله الذي يرجه رجا ) ...
الإمام احمد : ( مذعورا ) إن روحك توشك أن تخرج من جسمك ، أنت لا تتحمل السجن .
ابن نوح : ( يسقط على الأرض ) لا ..لا أستطيع أن أتنفس .
الإمام احمد : ( مسرعا نحو الباب )أيها الحارس ..إلينا ببعض الماء .
صوت الحارس : ماذا تريد يا هذا ؟!
الإمام احمد : نريد بعض الماء عاجلا .
الحارس : ( يدخل وبيده إناء ) تفضل (ينظر إلى ابن نوح )ما به ؟
الإمام أحمد : ( يجلس أبن نوح محاولا أن يسقيه ) اذهب وأخبر الوالي أن أحمد بن نوح مريض ولا يستطيع أن يتنفس .أسرع أيها الحارس أستحلفك بالله .
الحارس : ( بدون إكتراث وهو يغلق الباب خلفه) وماذا سيفعل له الوالي يا هذا ؟!
ابن نوح : ( يمسح على جبينه بذيل جلبابه ) الحمد لله ..لقد رُدت روحي إلي .
الإمام احمد : ( يضع يده على جبينه ) يجب أن تعود إلى بيتك ، سيأتي الوالي بعد قليل فأفعل كما فعل بقية العلماء ، فلا ندري ماذا سيُفعل بنا ، وما أخال إلا أننا سنكون بيد رجال غلاظ الأكباد .
ابن نوح : ولكن عين الله ترعانا يا إمام .
الإمام أحمد : حسبنا الله ونعم الوكيل .
ابن نوح : ( يربت على يده ) إذا كنت مريضا بمرضي ياأحمد أكنت ستقر يما يريدون ؟
الإمام احمد : ( يقف رافعا نظره لأعلى ) والله لو كان لي عشرة أرواح وأنتزعوها مني روحا روحا ما أقررتُ إلا بما أؤمن به .
ابن نوح : إني مشفق عليك يا أحمد .
الإمام أحمد : ( متعجبا ) من الذي يستحق الشفقة الآن ..أنا أم أنت ؟!
ابن نوح : ( يربت على يده ) إني أشعر بدنو أجلي ، وأني سألقى الله عن قريب .
الإمام أحمد : وتتركني وحدي ؟
ابن نوح : وهذا ما أشفق عليك منه .
[ يسمع وقع أقدام تقترب ويفتح الباب ويدخل الحراس يحملون عددا من المقاعد ويضعونها وسط المكان ، يدخل والي بغداد ومعه (جعفر بن عيسى) و(عبد الرحمن بن إسحاق) ]
والي بغداد : ( يجلس مشيرا إلى ما حوله ) أما زلتما عند رأيكما ؟
ابن نوح : لن تنال ما تبتغيه أيها الوالي .
والي بغداد : أنا لا أريد منكما شيئا وإنما هي أوامر أمير المؤمنين .
جعفر بن سليمان: الجميع أقروا فلم لا تقران ؟!
ابن إسحاق : أكلهم على باطل وأنتما فقط على الحق ؟
بن نوح : لوكان في نيتنا الإقرار لأقررنا منذ البداية .
والي بغداد : ( يتبادل النظرات مع من حوله ) لقد جاءني خطاب من أمير المؤمنين لأرسلكما مقيدين إليه .
جعفر : أنتما تعارضان أمير المؤمنين ، وأنتما تعرفان معنى ذلك .
ابن إسحاق : إن كلمة تقولانها تهب لكما الحياة و ..
الإمام أحمد : ( مقاطعا ) إن الله هو الذي يهب الحياة ، أما أمير المؤمنين فلا يملك شيئا .
والي بغداد : يعز علي أن أرى عالمين جليلين مقيدين في الحديد لا فرق بينهما وبين المجرمين والقتلة وسفلة القوم ، أجيبا دعوة أمير المؤمنين لتستريحا من هذا العناء ، فلا أريد إرسالكما إلى هناك وتتعترضان لأصناف من العناء والعذاب .
جعفر بن موسى : قولاها بلسانكما .
ابن إسحاق : التقية مباحة حرصا على سلامة المسلم .
والي بغداد : إنه السلطان ولا بد من طاعته ، اعترفا حتى تنكشف تلك الغمة ، ( يتجه إلى ابن نوح ) أنت يا أحمد مريض وبقاؤك في السجن وإرسالك إلى الخليفة سيزيد من علتك وأنت واهن الجسم ، أترك ابن حنبل فهو معروف عنه صلابة الرأي
ابن نوح : والله لو اعترف ابن حنبل فلن أعترف ولو متُ من ساعتي ، فلا أخشى السيف ولا أخشى السلطان وما أخشى إلا الله .
والي بغداد : ( يهم بالإنصراف ومن معه ) لقد نصحتكما وحذرتكما ، وسوف أقوم بإرسالكما غدا إلى أمير المؤمنين .
الإمام أحمد : ( يتلفت في الظلام حوله ) ما أجمل هذا الصمت الخاشع والظلام الساكن ، إنهما يمنحان الفرصة للروح أن تنطلق في ملكوت الله.
ابن نوح : أتعرف بما أشعر به الآن يا أحمد ؟
الإمام أحمد : بم تشعر ؟
ابن نوح : بالسعادة والسرور .
الإمام أحمد : ( متعجبا ) بالسعادة والسرور !
ابن نوح : نعم ، فنحن في بلاء ، والله لا يبتلي إلا أحباءه المخلصين ، أبشر يا أحمد فنحن محبوبان من الله ورسوله .
الإمام أحمد : إذن يا سعادة قلبي ويافرحة روحي .
ابن نوح : ( يشير إلى ما حوله ) إن ا لظلام حولنا يأتلق سنا ، وأشعر بنور إلهي يقذف في روحي ويغشى كل حواسي
الإمام أحمد : إن أقوى المتجبرين لا يستطيع أن يسجن النفس المؤمنة ، ففي هذا السجن تجد النفس خلاصها من دنيا الهموم .
ابن نوح : ( يسعل سعالا حادا ) أني أشعر باقتراب ساعتي وستبقى وحدك يا أحمد .
الإمام احمد : ( يحتضنه ) سنعبر تلك المحنة سويا ، لقد خذلني العلماء بإقرارهم فلا تخذلني أنت بموتك .
ابن نوح : ( يبتسم )وهل أملك شيئا ؟( يربت على يده ) لا تحزن يا أحمد من كان الله معه أغناه عمن سواه ، كنت أتمنى ان أشاركك في هذا البلاء ليزيد الله أجرى ، ولكن على روحي أن تلبي نداء خالقها ..أدع لي يا أحمد فليس بينك وبين الله حجاب ..أدع أن يحفظ ذريتي بعد موتي فلا يضامون ،وأن يعيشوا في ستر من الله ، أستحفك بولديك : عبد الله وصالح ، ( يسعل سعالا متصلا )
الإمام أحمد : ( يبكي ويلقى براسه في حضن رفيقه ) كفى لن تموت ، فالدين في حاجة إليك ، أنا في حاجة إليك لنقف أمام الظالم ، الذي ألقانا تحت أغلال الحديد ..( يتلفت حوله ) أيها المعدن الذي تثقل يدي وقدمي ..أيتها الحجارة الصماء ..أيها الظلام الجافي أيها الصمت القاتل فلتشهدوا أننا صابران وواقفان أمام ا لضلال ( يتقدم من رفيقه ممسكا به ) لن تموت لن تتركني وحدي .
ابن نوح : ( يربت على يده ) إن كرهتُ الموت فلست بكاره له إلا لأنه سيفرق بيني وبينك .
الإمام أحمد : ( يأخذ بيده ويجلسان معا ) لتقرأ سويا عسى أن يجعل الله لنا من هذا الضيق مخرجا .
[ يقرآن آيات من القرآن ، وتتسع دائرة الضوء شيئا فشيئا حتى يسود المسرح ضوء وهاج ].
المشهد الثامن
قاعة الملك في قصر الخليفة العباسي ( المعتصم) الذي تولى الخلافة بعد موت أخيه (المأمون) ، يجلس (المعتصم) وحوله رجال الدولة ورؤوس المعتزلة
المعتصم :( يحرك مقبض سيفه بين يديه )إذن لم يبق أحد سوى أحمد بن حنبل بعد موت صاحبه أحمد بن نوح ؟
بن داود : نعم ، لم يبق إلا أحمد بن حنبل
المعتصم : ( متعجبا ) ولكن ألأنه لم يقر يُسجن ويُحمل من بغداد إلى هنا ؟!
بن داود : وما ترون في شأنه ؟
المعتصم : ( يتأمل مقبض سيفه ) أن يُطلق سراح الرجل ويُعاد إلى بغداد .
بن داود : ( يقف مقتربا منه ) مولاي ..ولكنه لم يقر بما أقر به بقية العلماء والفقهاء ورجال الحديث .
المعتصم : ( ينهض يسير خطوات ملوحا بسيفه في الهواء ) يقر أم لا ..ما الفائدة التي ستعود علينا من ذلك ؟
بن داود : ( يلاحقه ) إن لم يكن ثمة فائدة من إقراره فهناك ضرر من عدم إقراره .
المعتصم : ( يعود إلى كرسيه ) أي ضرر تقصد ؟
بن داود : لقد مات أمير المؤمنين رحمه الله قبل أن يحضر أبن حنبل إلى هنا ، وكان ينوي أن ينظر في أمره ، وبذلك يكون أحمد بن حنبل قد انتصر عليه .
المعتصم : ( متعجبا ) ما هذا الهراء ؟!
بن داود : لست أنا الذي أقول ذلك .
المعتصم : إذن من؟!
بن داود : عامة الناس يا مولاي ...بل ويقولون أكثر من ذلك .
المعتصم : ( محتدا ) ماذا يقولون ؟
بن داود : لا داعي يا مولاي .
المعتصم : ( غاضبا ) ماذا يقولون ؟
بن داود : ( مترددا ) يقولون إن ابن حنبل قد دعا على أميرالمؤمنين فاستجاب الله له .
المعتصم : ( ضاحكا مقلبا السيف بين يديه ) إنهم جهلة ، هذا قضاء الله وليس لدعوة ابن حنبل أي دخل في ذلك .
بن داود : لا شك في ذلك ، ولكن عامة الناس لا يعتقدون إلا بما يقوله ابن حنبل .
المعتصم : ومنذ متى نهتم بما يقوله الناس ؟!
بن داود : لا يا مولاي ،يجب أن نهتم بكل ما يتلفظون به ، وإن لم نحاكمه سيقولون إن المعتصم خشي أن يدعو عليه (ابن حنبل) فاطلق سراحه وبذلك يكون قد انتصر على أمير المؤمنين رحمه الله وعليكم .
المعتصم : ( ضاربا بسيفه الأرائك والمناضد حوله ) أي آفاق هذا الذي انتصر علينا ؟ أنا لا ادري قيمة كل هذا الذي تصدع به رأسي ..هل ابن حنبل هذا شخص واحد أم جيش تخشاه أنت ورجالك ؟!
بن داود : بل اخطر وأقوى من كل الجيوش با مولاي .
المعتصم : ( متعجبا ) لم ؟!
بن داود : لأنه أصبح رمزا .
المعتصم : رمزا لماذا ؟!
بن داود : للتمرد والمعارضة والإستهانة بالسلطان والثورة عليه والتحريض ضده .
المعتصم : ( واضعا سيفه على كتف بن داود ) أرى أنك تبالغ كثيرا ، وإتهماتك تلك محض إفتراء على الرجل .
بن داود : وهل أنا الذي أمرتُ بسجنه وإذا كانت أقوالي محض إفتراء لم شُغل به أمير المؤمنين طوال تلك المدة ، وما أنا إلا منفذ لرغبة المأمون رحمه الله .
المعتصم : ( يعود إلى كرسيه ) عجبا لهؤلاء الذي يحكمون وهم موتى !
بن داود : عفوا يا مولاي ، فالأمر إليك ، ولكن بما تفسر إقرار كل فقهاء وعلماء بغداد ما عدا هو ؟
المعتصم : لولا هذا لأمرت بإطلاق سراحه على الفور .
بن داود : أخشى إن فعلت هذا أن يقابل الإحسان بالإساءة ويزداد غرورا وصلفا .
المعتصم : وماذا سنفعل الآن ؟ وهب أنه لم يقر ؟
بن داود : وهل يعدم أمير المؤمنين وسيلة ليجبر أحد رعاياه أن يقر بما يراه ؟
المعتصم : ( مفكرا ) معك حق لابد أن يعترف هذا الرجل ويقر بما أقر به بقية العلماء ورجال الحديث( يلتفت إلى من حوله ويشير لهم بطرف سيفه ) ولكن لم لا تتكلمون ؟ ما رأيكم في هذا الموضوع وماذا ترون ؟
ابن سماعة : الرأي رأيكم يا مولاي ...وإني أرى أن ابن حنبل حينما يمثل بين يديكم سيقر على الفور بخلق القرآن .
الحمداني : لم يعد أمامه إلا أن يقر بما أقر به بقية العلماء .
ابن داود : إن بغداد كلها وبقية البلدان تنتظر رأي ابن حنبل ، فإذا أقر دخل في طاعة أمير المؤمنين ودخل وراءه الآخرون.
المعتصم : ( يقف ويذهب ويجيء ) إذن الأمر ليس خلق القرآن أو غيره ولكنه الطاعة أو العصيان ، فبيننا وبين طاعة الناس لنا هذا الرجل .
ابن داود : نعم يا مولاي ..أرأيتم كم هو خطير هذا الرجل .
المعتصم : ( يحدق في وجوه الجالسن أمامه ) إذن كلكلم تريدون مناظرته كي يقر ويدخل في الطاعة
الشيباني : ( يقف ويلملم أطراف العباءة حوله ) لا يا مولاي .
المعتصم :( متعجبا ) لم يا شيباني ؟
الشيباني : ابن حنبل لن يقر .
ابن داود : تقصد أنه لن يدخل في طاعة أمير المؤمنين .
الشيباني : ( ملتفتا إلى ابن داود ) دعني أتحدث يا قاضي القضاة و ..
ابن داود : ( مقاطعا ) ولكن ..
المعتصم : ( مشيرا إلى ابن داود ) مهلا يا أحمد حتى نسمع رأي الشيباني ، ( ملتفتا إلى الشيباني ) تحدث يا شيباني .
الشيباني : ( يتقدم خطوة نحو المعتصم ) يا مولاي ...ابن حنبل لن يقول ما نريده ، فقد ناظروه في بغداد ، وحُمل من بغداد إلى هنا مقيدا بالأغلال ومكث أياما وليالي في السجن ومات رفيقه (ابن نوح) أثناء الطريق ، ومكث هنا في السجن مدة ليست بالقصيرة ، وكنا نرسل له من يحثه ويحرضه على الإقرار ...ومن تحمل كل هذا حتى الآن فمحال أن يعترف بعد ذلك مهما تعرض لأصناف العذاب .
المعتصم : ( مفكرا ) تقصد أن نطلق سراح الرجل .
الشيباني : لم أقل هذا فالأمر إليكم ، وإن كنت أتمنى أن يقر وينتهي هذا الأمر العصيب .
المعتصم : عصيب على من ؟
الشيباني : على الرجل وعلى الناس وعلينا .
المعتصم : ( متعجبا ) إلى تلك الدرجة الأمر عصيب عليكم ( يلتفت إلى من حوله ) ما هذا ألا تتفقون على رأي بشأن الرجل ؟
ابن داود : لا يا مولاي ..فكلنا نجمع على أن يدخل الرجل في طاعتكم ( مشيرا إلى الشيباني )ولكن يبدو أن الشيباني قد خانه التوفيق في الحكم على الأمر.
الشيباني : ( مشيرا إلى صدره ) قد أكون مخطئا في الحكم ولكني لست مخطئا في إحساسي .
ابن داود : ( ساخرا) إن الدول لا تُحكم بالإحساس وما توحي به القلوب ، ولكن بالسيف وما تمليه العقول يا شيباني
المعتصم : ( يهم بالإنصراف وهو يضرب بسيفه طرف حذائه ) حسنا ...ليحضر الرجل غدا لننظر في أمره.
ابن داود : ( يومئ إلى الشيباني ) سمعا وطاعة يا مولاي .
إظلام .
المشهد التاسع
سوق الوراقين في بغداد .
أبو بكر الأشرم : ( متعجبا ) أأنت مقتنع بما تقوله ؟!
بقي : لا طبعا ولكن ما بأيدينا أن نفعله ؟
أبو بكر الأشرم : وهذا ما يكاد يقتلني حزنا وألما ، أننا ليس بأيدينا أن نفعل شيئا ..العالم الجليل (أحمد بن نوح) مات من التعذيب والسجن ، والإمام أحمد سيلحق به إن لم يقتلوه بأيديهم ، وعلماء بغداد صامتون بعدما نجا كل منهم بجلده .
أم هرة : ( تقدم طبقين من النبط لهما ) بل بأيديكم الكثير والكثير .
الاثنان :(في صوت واحد مندهشين ) نحن ؟!
أم هرة : نعم ، الرجال لا يعجزهم شيء .
ابو بكر : (بغداد) كلها عاجزة أن تفعل شيئا يا (أم هرة) .
أم هرة : وما إمارة عدم رضاها ؟كلكم مقصرون في حق علمائكم ودماء (أحمد بن نوح) و(أحمد بن حنبل) في رقابكم إلى يوم القيامة وستسألون عن ذلك .
بقي بن مخلد : ( يتابعها بنظراته وهي عا ئدة إلى مكانها ) أتدري أن معها الحق .
أبو بكر : ( محتدا ) نعم ، ولكن ما علينا أن نفعل ؟
الوراق : ( مقتربا منهما ) ما بكما ؟
بقي بن مخلد : (أم هرة) تحملنا دم (ابن نوح) ودم (أحمد بن حنبل) .
الوراق : ( مذعورا ) هل قتلوا الإمام أحمد بن حنبل ؟
أبو بكر : لم يحدث للآن ، ولكن من يدري ربما ..
الوراق : إذن أم هرة معها حق .
أبو بكر : ( يضع يده على كتفه ) أخبرنا أنت ما الذي يمكن أن نفعله ؟
الوراق : لا أدري
بقي بن مخلد : ( صائحا ) أنا لا أدري و(أبو بكر) لا يدري و(الوراق) لا يدري إذن من يدري ؟
برجوان : (تخرج من الدكان مندهشة ) ما بك تصيح هكذا ؟ ماذا حدث ؟!
الوراق : ( ساخرا ) أخبرها لعلها تريحك من حيرتك .
برجوان : أتستهزأ بي يا (وراق) ، نعم أني امرأة ولكني رجل في مواقفي .
الوراق : وأنا أول من يشهد بذلك .
بقي : ( مشيرا إلى الطبقين ) (أم هرة) جاءتنا بالطبقين وياليتها ما جاءت .
مزنة : ( تخرج من الدكان ) ماذا حدث من (أم هرة) ، لقد حذرتها أكثر من مرة أن تحسن معاملة الناس .
بقي : إنها تحملنا كلنا نتيجة ما حدث لأحمد بن نوح والإمام أحمد بن حنبل .
المرأتان : ( في صوت واحد ) معها حق ، كلنا نتحمل ذلك .
ابو بكر : إذن إخبرانا ما الذي يجب أن نفعله ؟
المرأتان : ( في صوت واحد ) لا ندري .
الوراق : ( مشيرا إلى عدد من الرجال قادمين نحوهم ) هاهو (صالح) و(عبد الله) ولدا الإمام أحمد و(إسحاق بن حنبل) عم الإمام و(أسامه ) كانوا يصلون في المسجد الكبير الذي كان يلقي فيه الأمام أحمد دروسه.
أبو بكر : لنسألهم ما الذي يجب أن نفعله للإمام أحمد فربما يدلونا على شيء ويخرجونا من تلك الحيرة .
بقي بن مخلد : ( يتقدم نحوهم ) نحن نشعر بأننا كلنا مقصورن في حق الإمام أحمد فما الذي يجب علينا أن نفعله .
الجميع : ( في صوت واحد ) لا ندري .
أسامه : ( مشيرا إلى الشيخ العطار )ها هو الشيخ العطار ومعه ابنته فاطمة ( ملتفتا إلى صالح ) ألن تحسن استقبال صديق والدك الحميم يا صالح ؟!
صالح : ( يقدم كرسيا للشيخ ) تفضل يا شيخنا .. استرح .
برجوان : ( مشيرة إلى فاطمة ) تعالي يا (فاطمة) اجلسي معي في الدكان
العطار : ( يتحسس وجه صالح) أنت صالح ابن الإمام ..لقد رأيت رؤيا لوالدك بالأمس ، ابشروا االله ناصره على كل خصومه وسيعود معززا مكرما أقرب مما تتخيلون .
الجميع : ( في صوت واحد ) الله أكبر ...الله أكبر .
بقي : ( يربت على كتفه ) يا شيخ جميعنا نشعر أننا مقصرون في حق الإمام أحمد ، نريد أن نفعل شيئا لنخرجه من محنته تلك ، إنه يقف وحيدا ضد المعتزلة ومعهم سيف السلطان ، وجميع العلماء خزلوه .
أبو بكر : محال أن نقف هكذا مكتوفي الأيدي .
الوراق : ونخشى أن تكون نهاية الإمام أحمد كنهاية العالم أحمد بن نوح .
أسامه : وأظن أن المعتزلة لن يهنأ لهم بال إلا بعد التخلص من الإمام أحمد .
بقي : نريد أن نشعر الإمام أحمد أننا وراءه ومعه ولن نتخلى عنه كبقية العلماء .
أبو بكر : ونرسل رسالة إلى المعتزلة أن الإمام أحمد ليس كبقية العلماء فهو له محبوه ومريدوه وتلاميذه في كل مكان في بغداد.
بقي : فماذا علينا أن نفعل يا شيخنا .
العطار : ( مفكرا ) لا أدري ...
الجميع : ( في صوت واحد ) إذن من يدري ؟
العطار :(رافعا عصاه في الهواء) ولكن من صاحب هذا الاقتراح الغريب يا قوم ؟!
بقي : ( مشيرا إلى أم هرة القادمة نحوهم ) ها هي ( أم هرة ) التي أوقعتنا في تلك الحيرة .
أبو بكر : ها هي قادمة لتأخذ الطبقين .
الجميع : ( في صوت واحد ) لنسألها ماذا علينا أن نفعل ؟
أم هرة : ( تقف في الوسط موزعة نظرها بين الجميع ) ألا تعرفون ؟
الجميع : ( في صوت وحد ) لا نعرف .
أم هرة : ( تشير إلى (برجوان) و(مزنة) و(فاطمة) ) ولكني أعرف ..هيا نساء ويا فتيات الحقن بي .
العطار :( يقف متعجبا ) إلى أين ذهبت أم هرة ؟!
الوراق : ( يضرب كفا بكف ) إلى مظلتها ، إنها تقف وسط جمع كبير من النساء والفتيات .
العطار : عن أي نساء تتحدث يا وراق ؟
الوراق : ( متعجبا ) يتوافد عليها نساء من الأسواق المجاروة .
بقي : إنهن يتحركن في نظام وهي تتقدمهن إلى أين هن ذاهبات ؟!
العطار : الآن فقط عرفت ماذا علينا أن نفعل و(أم هرة) من ستقودنا .
الجميع : ( في صوت واحد ) إلى أين ؟!
العطار : ( ينهض متجها نحو مظلة أم هرة ) سنسير في دورب وحواري وأزقة وميادين وأسوق بغداد ونمر على مساجدها ومدارسها ودواوينها هاتفين بأعلى صوتنا واأحمداه ..واأحمداه
الجميع : ( في صوت واحد ) واأحمداه....واأحمداه .
إظلام .
المشهد العاشر
الخليفة العباسي ( المعتصم ) على كرسي الملك ، وبين يديه رجال الدولة ورجال المعتزلة ، وفي جانب من القاعة يقف الجلاد ( أبو الدن ) وبيده سوطه وأمامه ( العقابان ) الخشبيان ، وبجانبه ( عجيف ) السياف شاهرا سيفه ، ، ويصطف على الأبواب الكثير من الحرس المدججين بالسلاح ،وصاحب الشرطة أمامهم .
المعتصم : ألم يقر للآن ؟
بن داود : مازال عند رأيه ...ولكن سيقر إن شاء الله .
الحمداني : إن تمسكه وإصراره على رأيه يزداد كل يوم .
[يدخل الإمام أحمد وهو يرسف في قيوده ، يدفعه حارسان ، يضعانه وسط القاعة ثم يرجعان]
الإمام أحمد : ( يتأمل من حوله ، يتوجه إلى المعتصم ) السلام عليكم أمير المؤمنين .
المعتصم : ( يتفحص في الإمام أحمد) وعليكم السلام ( يلتفت إلى ابن داود ) كنت أحسبه صغيرا ، فإذا بي أجده شيخا كبيرا ( يلتفت إلى الإمام أحمد ) ما الذي أسمعه عنك يا أحمد ؟
الإمام أحمد : أرجو أن يكون ما سمعته خيرا يا أمير المؤمنين .
المعتصم :ما سمعتُه ليس بخير .
الإمام أحمد :وأنا لم أفعل ولم أقل إلا كل ما هو خير يا أمير المؤمنين .
المعتصم : كيف يا أحمد ؟ ! ألم تخالف رأي كل القضاة والعلماء ورجال الحديث؟
الإمام أحمد :وليس في المخالفة ما يشين .
المعتصم : كيف يا أحمد ؟ فأما أن تكون على حق والعلماء على باطل ، أو أنك على باطل والعلماء على حق .
الإمام أحمد : ليس بالضرورة أن يكون أحدنا على الحق من أجل مخالفتي لهم ، فقد أكون على حق وهم أيضا على حق ، وقد نكون نحن الاثنان على باطل رغم أننا نختلف في الرأي .
المعتصم : ( ممتعضا ) الذي أعرفه أن الحق ليس له إلا وجه واحد ، إن وافقته فأنت على حق وإن خالفته فأنت على باطل ، وإذا أجمع العلماء على رأي وهناك رجل يخالف رأيهم ، فالأمر ليس في حاجة إلى ذكاء لنعرف في أي جانب يكون الحق .
الإمام أحمد : هذا إذا كان رأي العلماء والقضاة خالصا لوجه الله .
المعتصم : ( متعجبا ) ولأي وجه كان رأي العلماء ؟!
الإمام أحمد : لكل الوجوه إلا وجه الله .
المعتصم : وما الذي أجبرهم على ذلك ؟
الإمام أحمد : الخوف .
المعتصم : ممن ؟!
الإمام أحمد : ممن بيده رقابهم .
المعتصم : وأنت ؟
الإمام أحمد : لا أخاف إلا الله .
المعتصم : ( يمس بأصابعه على لحيته ) يا أحمد العلماء لم يخافوا ،وإنما أطاعوا .
الإمام أحمد : لم يطيعوا إلا عن خوف .
المعتصم : ( يقف ويدور حول كرسيه ) فليكن ..فهي طاعة ...فالبعض يطيع الله عن خوف من عذابه وانتقامه ..أليست تلك بطاعة ؟
الإمام أحمد :نعم ، ولكن الله لم يجبرقلوبهم ولا ألسنتهم ،وإنما هم أطاعوه عن خوف مختارين .
المعتصم : ( يعود ويجلس على كرسيه ) وماالذي منعك أن تختار طاعتنا ..حتى ولو كانت عن خوف ورهبة ...فنحن نرضى لك تلك الطاعة .
الإمام أحمد : إذا كنتم ترضون لي تلك الطاعة ، فأنا لا أرضاها لكم ، فإحسانكم للناس وحبهم إياكم هو الذي يطوق أعناقهم بطاعتكم .
المعتصم : إن كلامك معقول يا أحمد ...ولكن أمرك يثير عجبي ..فأنا لا أرى مانعا أن تقر كما أقر بقية العلماء ، فقد أمرتُ بذلك ومن قبلي أمر (المأمون )، فالأمر دخل في مجال الطاعة والعصيان ..ثم فيم اعتراضك أن القرآن مخلوق؟
الإمام أحمد : ( يتقدم من المعتصم ..يحرك القيد من حول معصميه ) أود أن أسألكم أمير المؤمنين سؤالا .
المعتصم :تفضل يا أحمد .
الإمام أحمد : إلام دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
المعتصم : إلى شهادة ألا إله إلا الله .
الإمام أحمد : وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقيم الصلاة وآتي الزكاة وأصوم رمضان وأحج البيت .
المعتصم :وهذه طاعة الله ..فلم يبق إلا أن تطيعنا .
الإمام أحمد : وهل بعد طاعة الله طاعة ؟
المعتصم : نعم ..وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .
الإمام أحمد : لا طاعة لمخلوق في معصية خالق .
المعتصم : وأين تلك المعصية يا أحمد ؟!
الإمام أحمد : أن يطالبوا الناس بأن يقروا أن القرآن مخلوق .
المعتصم : ( يلتفت إلى الجالسين حوله ) أليس هذا رجلكم ؟ هلم ناظروه لنضع حدا لهذا الأمر .
ابن داود : ( يدور حول الإمام أحمد ، يربت على يده ) أرى أن القيود الحديدية قد أثرت في يدك وقدميك من طول مكوثك في السجن ...وأن صحتك تدهورت كثيرا .
الإمام أحمد : أحمد الله .
ابن داود : ألاترحم نفسك يا أحمد ؟...إن لنفسك عليك حقا !
الإمام أحمد : الله أرحم مني على نفسي .
ابن داود : يا أحمد ...لم لا تقر أن القرآن مخلوق ؟
الإمام أحمد : يا قاضي القضاة ...ما من مخلوق إلا ويهرم ويموت ويفنى ...أهناك مخلوق لا تسري عليه تلك الأحداث ؟
ابن داود : كل المخلوقات تسري عليها تلك الأحداث .
الإمام أحمد : وهل سيأتي يوم يهرم فيه القرآن ويموت ويفنى ؟
اين داود : محال أن يحدث هذا .
الإمام أحمد : إذن كيف يكون مخلوقا وهو لا يهرم ولا يموت ولا يفنى ؟!
يوسف الشحام : ( يتقدم من الإمام أحمد ) ألا تؤمن يا أحمد أن الله كان في الأزل ولم يكن معه القرآن ؟
الإمام أحمد : إن القرآن من علم الله ..فإذا قال قائل كان الله ولا قرآن معه فكأنه قال كان الله ولا علم معه .
الحمداني : ما تقول في قول الله ..ذلكم ربكم لا إله إلا هوخالق كل شيء ..والقرآن شيء ..فهو إذن مخلوق .
الإمام أحمد : إن هذه الآية أريد بها التخصيص ولا يدخل القرآن في هذا التخصيص .
ابن رباح : إن الله يقول ..ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ..فهل يكون محدث إلا مخلوق ..ما قولك في هذا يا أحمد ؟
الإمام أحمد : إن الذكر الذي هو في القرآن جاء في قوله ..والقرآن ذي الذكر ...فهو هنا معرف بالألف واللام ..وفي الآية بدون ألف ولام فهذه غير تلك .
يوسف الشحام : روى لنا عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..أن الله خلق الذكر .
الإمام أحمد : هذا خطأ ...ولكن حدثنا غير واحد أن الله عزوجل كتب الذكر ولم يقل خلق الذكر .
الحجام : إن الله جوهر فرد وقد كان ولم يكن معه شيء ..فهو سرمدي وأزلي وهومطلق ..وكل ما سوى ذلك مخلوق وليس القرآن هو الله ولا الله هو القرآن ..إذن الله خالق والقرآن مخلوق .
الإمام أحمد : أنا لا أفهم شيئا من تلك الألفاظ التي تلفظت بها ...فلتناظرني بشيء من القرآن والسنة .
[ترتفع الأصوات معترضة ]
ابن داود : (يتجه ناحية المعتصم ) ما هذا يا أمير المؤمنين ؟! أإذا تركناه يتحدث يثب علينا كما يثب النمر ..وإذا ألزمناه الحجة يزوغ منا كما يزوغ الثعلب ..ويقول إلي بشيء من القرآن والسنة ...والله إنه ضال ومضل .
المعتصم : ويحك يا أحمد ..لم لا تواصل مناظرتهم ..فلترد على تلك الحجة .
الإمام أحمد :يا أمير المؤمنين ..أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فأقول به .
المعتصم : ليس عليك أن تختار السؤال يا ابن حنبل ..ولكن عليك أن تجيب فإما أن تقنع أو تقتنع . ..هيا أجب عن سؤالهم
الشحام : إن تمسكك بأن القرآن غير مخلوق معناه أن الله له جوارح ولسان يتكلم به وهذا محال على الله عزوجل .
الإمام أحمد : أنا أؤمن بأن الله أحد صمد ولم يولد ولا عدل له ولا شبيه وهو كما وصف نفسه ..حدثنا عبد الرازق عن معمر الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله كلم موسى بمائة ألف كلمة وعشرين ألف كلمة وثلاثمائة كلمة وثلاث عشرة كلمة فكان الكلام من الله والاستماع من موسى فقال موسى أي ربي أنت الذي تكلمني أم غيرك .قال الله تعالى يا موسى إني أكلمك لا رسول بيني وبينك..فهذا ما خبر به رسول الله عن ربه ..وأنا ما أقول إلا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ابن رباح : أنت كاذب ..كذبت على رسول الله .
الإمام أحمد : إن يك هذا كذبا مني على رسول الله فقد قال الله تعالى .وكلم الله موسى تكليما ..وقال .. ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ....فهو قول منه سبحانه وتعالى وليس خلقا .
الحمداني : إن ابن مسعود يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم...أنه قال ...ماخلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ..وآية الكرسي مخلوقة وهي من القرآن .
الإمام أحمد : إني لستُ أجد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرته أي دليل على أن الخلق وقع على آية الكرسي بل إن الحديث بأن الخلق وقع على الجنة والنار والأرض والسماء ولم يقع على القرآن .
ابن داود : ( متقدما من المعتصم ومشيرا إلى الإمام أحمد ) أترى يا أمير المؤمنين كم هو مراوغ ..إنه معاند ...فمهما قلنا له لن يقتنع ولن يقر ولو مكثنا معه عمرا مديدا .
المعتصم : قد يقر ويقتنع يا ابن داود .
ابن داود : وهل أنا كاره .والله إني لأتمنى ذلك من كل قلبي ...ولكن لن يصلح معه هذا الأمر .
المعتصم :وما الأمر الذي يصلح معه ؟
اين داود : ( يقترب من المعتصم ) الجلد ...الجلد يا أمير المؤمنين .
المعتصم : أليس هناك طريقة أخرى ...نحن في رمضان وقدلايتحمل ..فجسده واهن ...
ابن داود : لقدجربنا كل الوسائل يا مولاي ...ولم تنفع معه ...فإما أن تطلق سراحه ويقول الناس أن ابن حنبل انتصر على المأمون وعلى أمير المؤمنين المعتصم ..وغلب رجال الدولة كلهم ..وبذلك تضيع هيبتنا أمام الناس .
المعتصم : ( مخاطبا ابن حنبل ) يا أحمد ليس أمامك من خيار ..إما أن تقر وإما أن تُجلد ..والله إني مشفق عليك من الجلد ..فإني أرى جسدك الواهن لا يتحمل الضرب مع صومك ...فقلها يا أحمد أرفع هذا الأمر لتعود إلى بيتك وزوجتك وأولادك ..إنها مجرد كلمة تقولها ..فقلها
الإمام أحمد : ليقض الله أمرا كان مفعولا .
المعتصم : ( ناظرا إلى ابن داود ) فلتتول الأمر يا قاضي القضاة .
ابن داود : ( يسير إلى المنتصف ) أمرت أنا قاضي القضاة بأن يجلد أحمد بن حنبل حتى يقر بخلق القرآن أو يهلك دون ذلك .
[يدفع الجلاد الإمام أحمد نحو العقابين الخشبيين ، يربط يديه بالحبال ..يمزق القميص من فوق ظهره ]
الإمام أحمد :( مستسلما) حسبي الله ونعم الوكيل ...قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ...لا حول ولا قوة إلا بالله .
أبو الدن الجلاد : ( يقترب من إذن الإمام أحمد وبيده السوط ) أيها الرجل ..لأن تطيع الأمر خير لك من أن تذوق تلك السياط فوالله أنها كالنار المحرقة أو أشد إيلاما .
الإمام أحمد : حسبي الله ونعم الوكيل .
أبو الدن : ( يقرقع بالسوط في الهواء ) لقد أعلمتك ( يهوي بالسوط على ظهر الإمام أحمد ( ..ألم أقل لك ،إنه أشد من حرق النار .
الإمام أحمد : ( يكظم ألمه ويتأوه ) حسبي الله ونعم الوكيل .
الشحام : ( يقترب من الإمام أحمد ) ليس أمامك إلا الإقرار أو الموت .
الحمداني : من صنع من أصحابك ما تصنع ...لقد أقروا كلهم ..كي يتجنبوا هذا الأمر العصيب ..إنها كلمة تقولها ...كلمة واحدة يا أحمد
ابن رباح : أنت على وشك الموت يا رجل .
الشحام : قلها يا أحمد تعصم بها روحك
ابن داود : إما طاعة الأمير أو هلاكك يا أحمد .
ابن رباح : ( مخاطبا الجلاد ) لم توقفت عن جلده ؟
الجلاد : ( يشير إلى أحمد ) إنه فقد الحس ...فهو لا يتألم .
عجيف السياف : ( يقترب من الإمام أحمد وينخسه بطرف سيفه ينتفض جسد أحمد ) ما يزال فيه بقية من حياة .
ابن داود : ( يشير إلى الجلاد ) فلتواصل عملك .
الجلاد : لن يتحمل ..فهو مشرف على الموت ...لم يسبق أن جلدتُ أحدا كما جلدتُ هذا الرجل ..إن كتفي تكادان أن تنخلعا .
ابن داود : خلع الله قلبك فلتواصل عملك .
الشيباني : ( يتقدم من ركن القاعة غاضبا ، يشير إلى الجلاد بالتوقف ) مولاي ..بم نستحل دم الرجل ؟
المعتصم : نحن لا نريد دمه ..وإنما إقراره .
الشيباني : لن يمكننا إلا من دمه .
[تظهر حركة غير عادية بين الحراس المصطفين على أبواب القاعة وتسمع أصوات مختلطة وضجيج وصراخ وبكاء]
المعتصم : ( مخاطبا صاحب الشرطة ) ما الأمر ..ماذا يحدث بالخارج؟
صاحب الشرطة : إن أذن أمير المؤمنين ( يخرج ويمكث بعض الوقت ..يعود مضطربا ) إن ألوفا من الناس يتجمعون خارج القصر
المعتصم : ( متعجبا ) لم ؟!
صاحب الشرطة : إنهم يهتفون بحياة ابن حنبل .
ابن داود : ( يقترب من المعتصم ) كما قلت لك يا أمير المؤمنين ..إنه بذرة العصيان والتمرد لابد أن نقضي عليه ..أؤمر بقتله كي نقطع ألسنة الناس .
المعتصم : ( يخاطب صاحب الشرطة ) فيم وقوفك هكذا ؟اذهب لتصرف الناس ..عجبا لك ..لم لا تتحرك ؟!
صاحب الشرطة :إن ما في القصر من حرس لا يكفي هؤلاء ..عشرات الألوف تزحف نحو
القصر .
المعتصم : ( غاضبا .يقوم من على كرسيه ) إذن فلتستعن بكتائب من الجيش .
صاحب الشرطة : القصر محاط بالناس
المعتصم : حاول أن تخرج لتطلب قوات من الجيش .
الشيباني : ( يمسح الدماء من على ظهر ابن حنبل ) حتى لو جاء الجيش ...فهل سيوجه سيوفه ورماحه إلى صدور المسلمين يا مولاي ..وحتى لو حدث ذلك ..فليس هذا حلا للمشكلة .
المعتصم :ماذا تقصد يا شيباني ؟
الشيباني : الناس تجمعوا بتلك الأعداد الهائلة حينما علموا أن ابن حنبل يُعذب وقد يُذبح ...وليس هناك من سبيل لتفريقهم إلا إخلاء سبيله
ابن داود : لا يا مولاى ...إنه بذرة التمرد والعصيان يجب أن تقتله
الشيباني : لا يا مولاي ..لا تقتله ..فكل قطرة من دمه ستشعل نيران الغضب في صدور الناس ولن يسامحك الناس على قتله .
المعتصم : ( ينقل البصر بين الواقفين أمامه ) أصوات متصارعة تأكل كل منها الأخرى ..ما أيسر أن آمر بقتله ..وما أيسر أن أعفو عنه ..ما شعرت بتلك الحيرة والتردد من قبل .
أصوات رجال من الخارج : ( تهتف )وأحمداه ...وأحمداه
أصوت نساء من الخارج : ( تهتف ) وأحمداه ...وأحمداه
صوت امرأة :( تستغيث ) وامعتصماه ...وامعتصماه .
المعتصم : ( يقترب من جسد الإمام أحمد .يتحسسه ( لقد مُزق جسده تمزيقا ...لا يتحمل تلك الآلام إلاجسد يسنده الحق ..ولا تلتف الآلاف التي بالخارج حول شخص إلا إذا كان على الحق ..إن دمك يشهد لك يا أحمد ...أظن أن الرجل على حق .
ابن داود : مولاي !!
الحمداني : إنه ضال .
الشحام : إنه فاسق .
الشيباني : بل هو على الحق رغم الأنوف.
المعتصم : (يعود إلى كرسيه مفكرا ) الأمر ليس في حاجة إلى كل تلك الحيرة والتردد ( رافعا يده إلى أعلى ) فليغمد السيف ...وليسقط سوط العذاب ..ولترفع المحنة .
(تطفأ الأضواء ..ويبقى ضوء مسلط على جسد الإمام احمد ويزداد توهجا شيئا فشيئا )
ستار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق