تصنيفات مسرحية

الاثنين، 3 أبريل 2017

(كاظم حيدر) والابتكار في تصميم المناظر والأزياء المسرحية سامي عبد الحميد

مجلة الفنون المسرحية

(كاظم حيدر) والابتكار في تصميم المناظر والأزياء المسرحية

سامي عبد الحميد

(1 ) (2)

أقام قسم الفنون التشكيلية في كلية الفنون الجميلة ببغداد، ندوة استذكارية لأعمال الفنان الراحل (كاظم حيدر) الذي فارق الحياة في وقت مبكر حيث لم يمهله المرض سوى سنوات قليلة، كانت مليئة بالإبداعات الفنية. وقد استعرض المشاركون في الندوة مسيرة الراحل الفنية، وأشروا منجزاته في فن الرسم وفي التصميم المسرحي وفي التعليم الفني. وكانت حصتي في تلك الندوة، كبيرة، لكون الراحل قد رافقني في معظم أعمالي المسرحية مصمّماً للمناظر وللأزياء المسرحية من أواسط الستينيات من القرن الماضي وحتّى يوم رحيله أواسط الثمانينيات.
وفي بداية حديثي عن (كاظم حيدر) قلت بأنه فنان عبقري موهوب ومصمم مبتكر لا نظير له في بلادنا العربية. وهو فنان حقيقي لكونه مبدعأً في رسوماته متميزاً في أسلوبه، وعبّرت عن اعتقادي بأن فنون الرسم والنحت والعمارة من دون الفنون الجميلة الأخرى – الرقص والموسيقى والشعر-، لا يمكن تعلّمها بل صقلها فقط لكونها تعتمد على موهبة مبدعيها، تلك الهبة التي يتمتع بها القلة من الأشخاص. ولأن (كاظم حيدر) من تلك القلّة، لذا اعتبره فناناً بكل ما في الكلمة من معنى. وكذلك اعتبره مبتكراً في مجال التصميم المسرحي لأنه لا يستنسخ ولا يقلّد، بل يقدم بدائل لتصاميمه، ليختار المخرج الأصلح والأفضل لعمله، ولكونه يجمع بين الكلاسيك والحديث، بين التقليدي والمعاصر، ولكونه لا يخضع لأوامر المخرج فيصبح مصمّماً لا منفذاً . وهنا لا بد أن أشير إلى أن، الذي يريد أن يصبح مصمّماً مبدعاً للمناظر والأزياء المسرحية، عليه التحلّي بصفات معينة، وهي امتلاكه لحسّ معماري ولحسّ تشكيلي ولحسّ درامي، إضافة إلى معرفته بتأريخ الحضارة، ولذلك يعتبر المصمم الفنان المبدع الثالث في العمل المسرحي بعد مؤلف المسرحية ومخرجها .
بعد هذا سأستعرض أعمال (كاظم حيدر) التصميمية في المسرحيات التي أخرجتها. كانت مسرحيته (كنز الحمراء) أو (كنوز غرناطة) لجيرالدين سيكس وترجمة (عبد الجبار المطلبي) هي الأولى التي أخرجتها لطلبة قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة عام 1964 وصمم (كاظم) مناظر المسرحية التي استخدم فيها أسلوب الزرع الحر للمفردات الديكورية التي يمكن تغييرها بسهولة، وأكسب تلك المفردات لمسات من المعمارية الأندلسية – وفي العام نفسه أخرجت مسرحية شكسبير (تاجر البندقية) باسم الفرقة القومية للتمثيل وصمم لي (كاظم) مناظرها حيث حاول أن يعطي تلك المناظر سمة الدقة التاريخية المعمارية مدينة (فينيسيا) حيث (الكندول) تطير متحركاً في خلفية المسرح وينزل فيه الممثلون. ومن ابتكارات تصميمه استخدامه منصتين تدوران حول نفسيهما وضع عليهما مفردات ديكورية تمثل أماكن وقوع الاحداث مثل شارع وساحة فينسية ومنزل بطلة المسرحية (بورشيا) ومنزل المرابي (شايلوك) ودار المحكمة ومنزل بطل المسرحية (انطونيو) واعطى لتلك الامكنة سماتها المعمارية في شكلها .
في عام 1965 صمم (كاظم) مناظر مسرحية أنوي (انتيغونا) التي أخرجتها ايضاً باسم الفرقة القومية وكان تصميمه مبتكراً أيضاً حيث استحدث منصة مرتفعة عن ارضية المسرح بحوالي متر واحد، ووضع كرسياً على وسطها وعلق اطار الشباك أعلى الكرسي وصبغ الكواليس باللون الأسود ورسم عليها رسوماً تجريدية توحي بالبشاعة اشارة إلى بشاعة المك (كريون) في تعامله مع البطلة (انتغوني).

وبعد عام اخرجت مسرحية تينيسي وليامز (الحيوانات الزجاجية) وصمم (كاظم) منظرها المتوافق مع المدرسة التعبيرية، حيث استخدم القماش الأسود الشفاف لبناء جدران منزل غربي يمكن للمتفرج أن يشاهد جميع مرافقه وفضاءاته حيثما يُسلط الضوء عليها. وبعد ذلك اخرجت للفرقة القومية عام 1966 مسرحية جان كوكتو (النسر له رأسان) وصمم (كاظم) منظراً واقعياً لصالة الاستقبال في قصر ملكي وفقاً لطراز الباروك وبجميع تفاصيله، وأذكر أن، الراحل كاظم بقي يرسم زخارف ذلك البناء إلى آخر لحظة من لحظات التحضير لبداية العرض .
تركنا العمل مع الفرقة القومية للتمثيل، لنعمل مع فرقة المسرح الحديث، وصمم الراحل مناظر مسرحية (النخلة والجيران) التي أعدها الراحل (قاسم محمد) عن رواية غائب طعمة فرمان، واخرجها بنفسه ومثلت فيها دوراً ثانوياً وذلك عام 1968 ولأول مرة، في تاريخ المسرح العراقي، يصمم الراحل مسرحاً دواراً يضع عليه مفردات ديكورية لأماكن مختلفة من أزقة بغداد وحواريها، ويقوم الممثلون أنفسهم بتحريك المسرح الدوار لكشف المكان الذي تحدث فيه مشاهد المسرحية. وفي العام نفسه صمم الراحل منظراً واقعياً مختزلاً لبيت عراقي في مسرحية يوسف العاني (صورة جديدة) التي أخرجتها لفرقة الحديث في مسرح قاعة الخلد، وبعد ذلك قدمت مع (قاسم محمد) في قاعة الخلد أيضاً، مسرحية يوسف العاني (الخرابة) وأيضأً لأول مرة يستخدم (كاظم) شاشة تنعكس عليها الصور الثابتة والافلام الوثائقية عن مآسي الحروب، وكان ذلك الاستخدام بوقته يمثل فتحاً جديداً في المنظر المسرحي في العراق، علماً أن الفنانين الكبيرين بيسكاتور وبريخت، قد استخدما تلك التقنية قبلنا بسنوات، والغريب أن بعض المخرجين العراقيين هذه الأيام، يستخدمونها ويسمونها (داتا شو) ويدعون انهم بهذا الاستخدام مجددون، كما أن المخرج (ابراهيم جلال) قد استخدمها بعدنا وقبلهم عندما أخرج مسرحية (المتنبي) لعادل كاظم، وابتدأ العرض بصورة فيلمية منعكسة على شاشة كبيرة، تمثل حصاناً يركض مسرعاً من جهة يمين المسرح إلى يساره. 
لمسرحية يوسف العاني (المفتاح) التي أخرجتها عام 1968 صمم الراحل كاظم، مناظر وأزياء المسرحية وكان تصميمه للمناظر مبتكراً جداً، حيث استخدم منصة على شكل حدوة حصان تمتد من الجهة اليمنى للمسرح إلى اليسرى، وبعلو متر ونصف وبعرض متر ونصف أيضاً، وغرز عليها وأمامها مفردات ديكورية تمثل أماكن وقوع احداث المسرحية. وعبر (كاظم) أفضل تعبير عن رحلة بطلة المسرحية وبطلها بحثاً عن ما يديم الحياة ومن يساعدها في انجاب طفل وذلك وفقا للحدوتة العربية المشهورة (يا خشيبة نودي نودي وديني على جدودي وجدودي بطارف مكة ينطوني ثوب وكعكة والكعكة وين اضمها اضمها بصنيديكي... الخ) وأضاف (كاظم) إلى المفردات الديكورية (موتيفات) فولكلورية عراقية تلائم أماكن احداث المسرحية. 
وعندما أعدت إخراج (ملحمة كلكامش) للفرقة القومية للتمثيل، صمم لي (كاظم) مناظر الملحمة وازياءها، واتخذ من الحرف المسماري مفردة ديكورية، كتب بها عنوانات المشاهد. وبالنسبة للأزياء حاول تطبيق الدقة التاريخية من الطراز وذلك اعتماداً على رسوم الرقم الطينية والمخلفات الآثارية.
وعدنا للعمل مع قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة حيث ساهم الراحل (كاظم) بتصميم مناظر مسرحية معين بسيسو (ثورة الزنج) مستخدما الرماح مفردة ديكورية تتنوع في تنظيماتها وتشكيلاتها وفقاً لتنوع الأحداث وكذلك استخدم لوحات رسومه تبين تقطع الأرض الفلسطينية إلى اشلاء بسبب احتلال الصهاينة وعدد ابنيتهم.

---------------------------------
المصدر : المدى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق