تصنيفات مسرحية

الأحد، 14 مايو 2017

مسرحية «الولادة من الأعلى» للكاتبة معينة عبود إصلاح العالم يبدأ من العقل!

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية «الولادة من الأعلى» للكاتبة معينة عبود
إصلاح العالم يبدأ من العقل!


باسمة إسماعيل

عرفت الشعوب عبر الميثولوجيا الأدبية عدداً كبيراً من الملاحم التي تحكي قصص وحكايا شعوب مناطق الملاحم التي تساهم في التحول الديمغرافي (البشري) نتيجة البعد الملحمي الذي يأتي عسكرياً حيناً واجتماعياً أحياناً أخرى، ويذكر التاريخ الأدبي ملاحم الإغريق كالإلياذة والأوديسة لهوميروس التي تحكي عن حصار طروادة، وقصة أخيل في الأوديسة، وكذلك ما بعد وقبل هوميروس هناك مجموعة من الملاحم لسوفوكليس ويوربيدس، كذلك في الشرق الأدنى هناك ملاحم في غاية الروعة كـ«الشهنامة» الإيرانية، إضافة إلى بعض الملاحم العربية كـ«سيف بن ذي يزن» وقصة عنترة وسيرة بني هلال، كل هذه الملاحم ساهمت في تموضع الشعوب في مناطقها.
وما جاء في العرض الفني للنادي السينمائي في اللاذقية الذي قدم على خشبة المسرح في دار الأسد في اللاذقية بالتعاون مع المركز السوري للثقافة والفنون«شاماش» بعنوان (العمل الفني الملحمي الممسرح- الولادة من الأعلى) تأليف وسيناريو وإعداد وإخراج الأديبة معينة عبود، لم يلامس مفهوم الملحمة عبر ما قدمته من قصة بداية الخلق (آدم وحواء) إلٍى مقابر اليوم، من خلال شخصيات حقيقية عبر حواس موجودة في الكائن البشري كالجنون والألم والشوق والولع والكذب والرقة والحسد والحب والخيانة التي تلعب بالعالم وفي النهاية يسيطر الجنون على هذه الحواس، بل إن هذا العمل الفني أقرب لأن يكون إعادة صياغة للأسطورة ومحاكاة الواقع البشري ما بعد قصة الخلق، مرتكزة على منحوتات النحات فائز الحافي التي شكلت جزءاً من سينوغرافيا العرض التي وافقت فكرة العرض كمنحوتات «آدم وحواء، الوقوف مع الذات، عشتار» وغيرها، أداها فريق العمل بشكل إيحاءات إيمائية على موسيقا كلاسيكية لبتهوفن وشتراوس ومقطوعة الدخول إلى الجنة.
بدأت الكاتبة العرض بنص سوري كمدخل لحوار الكائنات يقول: «عندما لم يكن على الأرض بشر بعد/كانت الفضائل والرذائل تطفو العالم معاً وتشعر بالملل الشديد/فاقترح الإبداع لعبة سماها الاستغماية/فصرخ الجنون أريد أن أبدأ»، كإشارة إلى العالم ما قبل السكون وما بعد السكون، وجاءت الأشعار التي قدمتها الشاعرة معينة من أشعارها موائمة لفكرة العرض وتفصل ما بين الحوارات بطريقة فنية، خاصة شعرها عن نثر البذور والريح التي تعني في منحى معين رياح التغيير التي تطرأ في كل زمان ومكان، وقد تكون إيجابية حيناً وسلبية حيناً، عبر سلسلة حوارات دارت بين الراوي والكائنات، فقد أشارت الشاعرة عبر الإيحاء إلى أن البذور هي أرواح بشرية، وأي بذرة لا تقدم فائدة فهي معطِّلة للحركة البشرية، يقول الإبداع: «البذور تملأ الأرض/والريح تزأر/ولا شيء سوى أصداء الريح والأنين»، ويقول الجنون: «أرض.. ولّادة.. يا للبشر!» هنا يسخر من البشر، ويقول الراوي: «الريح تحتضن البذور/والريح تزأر فوق الأرض القاحلة/ والبذور في الأرض البور/تظن أنها ستنبت بلا مطر»، كأن الشاعرة تقول لا أحد يحتضن هذه الأرواح بشكل جيد وهي إشارة للأم والتربية.
لقد عبرت تلك الكائنات بحواراتها عن دلالات متعدّدة أربكت المتلقي لأنه لم يعتد عليها ضمن كينونات حسية متعددة، ولكن رغم هذا ورغم رتابة النطق عند المؤدين فإن ما سعت الكاتبة لإيصاله وصل للمتلقي، وأقول مؤدين وليس ممثلين لأن أعمارهم صغيرة وغير متمرسة ومدربة بشكل كاف، هذا ما كان واضحاً من إيقاع حركتهم البطيء، رغم أنه برز منهم مَن أدى بشكل جيد، مثلاً (حلا ميهوب) التي أدت دور حواء، و(زينب منى) التي أدت دور الجنون، وهناك طاقات شبابية واعدة إذا استمر العمل عليها بشكل متواتر ومتتابع ستصل إلى مستويات مهمة، وهذا يثمّن للكاتبة معينة، خاصة ما قدموه رغم قساوة البرد الذي لف المكان، وعدم تمكن فريق العمل من الاشتغال على بروفات قبل العرض بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتعطل المولدة الكهربائية بالمسرح، ما أربكهم، وجعل الإضاءة على المسرح غير متوافقة مع بنية الحكاية.
وقد ركزت الكاتبة كثيراً على دور الجنون الذي بدا في العرض كهمزة الوصل ما بين الروح العليا والروح السفلى، فهو الذي يعيد الحب بين الكائنات ويكون ميزان التوازن الحقيقي بينها، والجنون هنا ليس ذهاب العقل بل هو طفرة العبقرية والإبداع.
وللإنصاف رغم عدم ارتقائه لعمل ملحمي لكنه عمل فني حاكى تاريخ البشرية من مهد الصراخ إلى مقابر اليوم بلغة بصرية فنيّة، وكأن الكاتبة أرادت من فكرة (الولادة من الأعلى) إيصال رسالة أن فكرة إعادة تأهيل البشر تأخذ مراحل متعددة، ويجب الوقوف كثيراً مع الذات لنصل إلى هذا التأهيل، وإن إصلاح أي شي يبدأ من (الرأس/ العقل) والرأس في هذا الكون هو الإنسان، وهو البذرة الأولى للإصلاح.

---------------------------------
المصدر : جريدة تشرين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق