مجلة الفنون المسرحية
مهرجان أفينيون المسرحي الحادي والسبعون ينتصر للمرأة
محمد يوسف - العرب
مضى شهر يوليو، وودعت أفينيون آلاف المسرحيين بعد التقاءات، على مدار الشهر الماضي، في فعاليات الدورة الحادية والسبعين من مهرجانها المسرحي الشهير. والذي يعرف مدينة أفينيون خارج أيام المهرجان، يدرك أن المدينة أثناءه تلعب دوراً آخر؛ تصير فضاءً مسرحياً يشغله ممثلون وعازفون ومهرجون ومتفرجون، على عكس الكآبة والرياح اللتين تشغلان أزقة المدينة خارج أوقات المهرجان.
اختتمت الدورة الحادية والسبعون من مهرجان أفينيون المسرحي بمدينة أفينيون الفرنسية، الذي تشارك فيه فرق مسرحية تدعى من مختلف أصقاع العالم، حيث يحاول المهرجان دعوة أبرز الإنتاجات المسرحية الفرنسية والعالمية إلى فعالياته.
حققت هذه الدورة من المهرجان أرقاما مهمة في عروضه الرسمية “الإين”، فقد بلغت مجمل العروض المشاركة في هذه الدورة 59 عرضا، وبيعت فيه 112 ألف تذكرة دخول، بينما وزعت بالمجمل 152 ألف بطاقة دخول، إذ هناك بعض العروض المجانية.
إضافة إلى العروض الرسمية كان الجمهور على موعد مع عروض “الأوف” أفينيون الذي انطلقت دورته الأولى في عام 1969 متأثراً بروح الـ68 وبات مع مرور السنين يقترب أكثر من روح المؤسس جان فيلار الذي كان يرى المسرح خدمة عامة كالغاز والكهرباء والماء. ويسمح الأوف للجميع بالعرض وكثيراً ما تتحمل الفرقة المشاركة أعباء التكاليف ومهمة اجتذاب الجمهور، وقد تجاوزت عدد الأعمال المشاركة هذا العام الألف عمل.
عروض متنوعة
تحت عنوان “المرأة القوية” وبإشراف وبرمجة المدير الفني للمهرجان الرسمي الكاتب والمخرج أوليفيه بي، الذي يشغل منصبه منذ أربعة أعوام، قُدمت في دورة هذا العام عروض تميزت بتنوعها الجغرافي وبتنوع موضوعاتها وتعدد الهويات الفنية لصناعها. كما تجدر الإشارة إلى أن دورة هذا العام شهدت حضوراً ملحوظاً للأعمال القادمة من القارة الأفريقية وبخاصة العروض الراقصة، حيث عرضت ستة أعمال من مالي وساحل العاج ورواندا وبوركينا فاسو وجنوب أفريقيا. أما عن المشاركات العربية في البرنامج الرسمي، فاقتصرت على عمل “بكيت دمعاً من دون عين” للكريوغراف التونسي رضوان المؤدب، الذي عمل مع عشرة راقصين، ورسم حركتهم على موسيقى الأغاني التراثية التونسية التي أداها الفنان محمد شبيل.
سيتحولون إلى أشباح في البيت السجن
وفي الحديث عن أبرز سمات دورة هذا العام، نلاحظ غياب الأسماء البارزة التي كانت تتواجد بشكل مستمر في المهرجان كتوماس أوسترماير ووجدي معوض وساشا فالس وروميو كاستيلوتشي وغيرهم، وذلك على حساب حضور أسماء أخرى شكلت روح دورة هذا العام كـ: تياغو رودريغيس، وكيتي ميتشل، وسيمون ستون، وسوتاشي مياغي، وغيرهم.
بالتوازي مع الثيمة الرئيسية للمهرجان، كانت البداية من اليابان مع عرض “أنتيغون” الذي كان بمثابة تحفة بصرية قدمت في ساحة الشرف داخل قصر الباباوات (المسرح الأبهى في أفينيون). في عرض المخرج سوتاشي مياغي ستكون المملكة الإغريقية عائمة على سطح من الماء، وعليها تتوزع كتل الممثلين والعروش والموسيقيين الذين يؤدون تراجيديا سوفوكليس. لا تعديلات كبيرة على النص الأصلي، إلا أن الخشبة تم تجهيزها لتبدو الحكاية وكأنها تروى ضمن مشهد طقسي غير منته، الفضاء أشبه بمعبد كبير تشغل الظلال خلفيته الكبيرة، كما خففت رشاقة حركة الممثلين من هول المأساة المقدمة.
حاول المخرج الياباني الاستفادة من جماليات الرؤية الخاصة التي توفرها ساحة الشرف في قصر الباباوات، ذاهباً نحو الأقصى في التجريب للاستفادة من موروث ثقافته البصري والموسيقي، موظفاً في المسعى ذاته القدرات الصوتية الهائلة لممثليه لتبدو أنتيغون وكأنها حكاية يابانية أساساً.
أحد اكتشافات “أفينيون” لهذا العام، كان الاسترالي سيمون ستون (32 عاما)، مخرج فيلم “الابنة”(2016) المأخوذ عن مسرحية “البطة البرية” لهنريك إبسن. قدم ستون عمل “IBSEN HUIS” المأخوذ عن أعمال الكاتب النرويجي ليروي باللغة الهولندية، وعبر ساعات أربع تقريباً، حكاية تمتد من ستينات القرن الماضي حتى لحظتنا الراهنة يندد فيها بالنفاق الاجتماعي والرياء الذي يحيط بكل المجتمع وبالقضايا التي شغلت كاتب “بيت الدمية”.
عبر ديكور شديد الواقعية شغل الزجاج جزءًا كبيرا منه، زج الشاب الاسترالي بأبطال إبسن داخل ذلك البيت (السجن) ليتحولوا مع مرور العرض إلى أشباح تعيد قراءة إبسن ضمن إحداثيات اللحظة الراهنة من عالم اليوم.
نساء ثائرات
جاءت دورة أفينيون هذا العام لتقدم صورة للمرأة يتقاطع ويتداخل فيها السياسي مع الاجتماعي والثوري، سواء أكانت هذه البطلة متواجدة في المأساة أو في النصوص المسرحية الشهيرة أو في واقعنا السياسي المعاصر (كالعرض الذي كتبت نصه وزيرة العدل السابقة كريستيانا توبيرا).
على النحو السابق تتبعنا حكايات بدأت ولم تنته مع آخر ستار أسدل في المهرجان “أنتيغون” الذي تعد بطلته أولى الشخصيات النسائية الثائرة في التاريخ حيث دعت إلى تحدي السلطة والقوانين والأعراف المعمول بها، مروراً بنورا هنريك إبسن التي شكلت ركلتها لباب بيتها وقرارها بالخروج إحدى بدايات الطريق لتحرر المرأة في القرن الماضي، وليس انتهاء بكريستينا فيدال العاملة بالمسرح (ملقنة) والتي أخرجها البرتغالي تياغو وردريغيز لتروي عن هامش سكنته خلال ربع قرن في الكواليس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق