تصنيفات مسرحية

السبت، 12 ديسمبر 2020

كتاب «الغجري» للمسرحي المصري مراد منير: سيرة التمرد والحلم الأبدي

مجلة الفنون المسرحية



كتاب «الغجري» للمسرحي المصري مراد منير: سيرة التمرد والحلم الأبدي

محمد عبد الرحيم

 تختلف تجربة المخرج المسرحي مراد منير ـ مواليد بور سعيد في 23 مارس/آذار 1947 ـ كثيراً عن تجارب غيره من المخرجين والمسرحيين المصريين، خاصة أبناء جيله، بداية من أفكار واعتقادات انتهجها، وحاول التعبير عنها وتأكيدها من خلال إخراجه لنصوص وعروض مسرحية، تقف في مواجهة السلطة، وتحاول كشف زيفها بكل الطرق، في مقابل الانتصار للفرد وحريته.

يتجلى ذلك في عروض «الملك هو الملك»، «الأيام المخمورة»، و»مغامرة رأس المملوك جابر» لسعد الله ونوس و»الدخان» لميخائيل رومان و»اتنين في قفة» لألفريد فرج و»منين أجيب ناس» لنجيب سرور، إضافة إلى التواصل الدائم في عروضه مع التراث الشعبي المصري، الذي تجلى في مسرحية «لولي»، وهي من أشهر المسرحيات الاستعراضية في المسرح المصري.
عن رحلة الحياة هذه، وفي لغة حيّة تتشابه وتجربة الفنان، صدرت حكاية مراد منير ـ عن دار الثقافة الجديدة في القاهرة، في 440 صفحة ـ الذي اختار لها عنوان «الغجري.. مذكرات مخرج مسرحي»، ليحكي عن بدايات النشأة والتكوين، وصولاً لما هو كائن.

البدايات

«جدي.. بشخطة واحدة أجبر أبويا إنه يسلمه كل اللي يكسبه من عمله، فعِشنا تحت خط الفقر. وحب بقى يكمل جميله، فأعطى كل ميراثه لعمي الذي يصغر أبي. وهكذا استطاع جدي أن يصنع معجزة طبقية.. أصبح عمي مليونيراً وابويا شحات». هذا العم كان يمتلك محلاً لبيع الأحذية، وذهب الطفل بعد وصيه والده بأن يأتي بحذاء جديد من أجل العيد، إلا أن العم امتنع حتى يسدد الأب ثمنه. فماذا فعل الطفل؟ «الجزمة دي قعدت في علبتها، لغاية ما حطيتها بشوكها، فوق قبر عمي». من هذه الحكاية يبدأ مراد منير سيرته، في حدة وبدون مواربة، هذه الشخصية العنيدة، هي التي ستتجلى في ما بعد، وتصبح مسؤولة عن اختياراتها، وأيضاً عن ثمن هذه الاختيارات.

وجد مراد منير ضالته في مسرح سعد الله ونوس، الذي كان يتوافق وأفكاره تماماً، بداية من «رأس المملوك جابر»، وحتى «الأيام المخمورة»، مروراً بأشهر هذه العروض، «الملك هو الملك».

سمير العصفوري ومحمود ياسين

التقى مراد منير مع المخرج سمير العصفوري في جمعية الكتاب المقدس، حيث كان العصفوري يعلم الأطفال والشباب أسس التمثيل المسرحي، ولم ينكر منير فضل العصفوري وتفانيه في تعليمه ورفاقه.. «كنتيجة لتدريبات الأستاذ، أصبحت أهم ممثل طفل في بور سعيد، فاستعانت بي مدارس إعدادية وثانوية في عروضها». بعد سنوات، وفي عام 1966، يأتي منير إلى القاهرة ليلتحق بمعهد الفنون المسرحية، ويذهب مباشرة للعصفوري في مسرح الجمهورية، وقد أصبح مخرجاً شهيراً، لكن الرجل لا يتعرفه، ويوكل إلى أحد تلاميذه مهمة تدريبه، حتى يستطيع الوقوف أمام لجنة الامتحان، لكن الشاب ورفاقه سخروا منه، فذهب إلى الفنان محمود ياسين ـ كانت له معه تجربة في مسرح الطليعة في بور سعيد ــ فآواه الرجل وقام بتدريبه حتى وقت الامتحان. لكن اللجنة المتوحشة ـ ما عدا عبد الرحيم الزرقاني ـ أطاحت بأحلامه، فغادر القاهرة ليلتحق بكلية الحقوق.

الستينيات

كأي شاب من فئة متوسطة أو فقيرة في ستينيات القرن الماضي، كان عبد الناصر بالنسبه له رمزاً وأباً ــ وكل تعبيرات الستينيات ــ «حين وقعت ما أسماه بالنكسة لم أكرهه، وجدت له ألف عذر وعذر.. هكذا أنت حين تحب، وحين أرسل جنودنا إلى اليمن، قلت: هو عارف بيعمل إيه. لكن حين صدرت الأحكام في قضية قيادات الجيش الذين هُزموا، غضبت ووقعت في حيرة كبيرة. هل أثور ضد مَن أعتبره أبي؟».
يعبّر منير بكلماته هذه عن جيل كامل وجد ضالته وحصر أحلامه في شخص عبد الناصر، ولم يستطع التصديق بأن عبد الناصر من الممكن أن يُهزم. نلحظ ذلك في كتابات مؤلفي تلك الفترة، أو حتى بعدها، والقِلة القليلة منهم حاولوا نقد النظام، على رأسهم صنع الله إبراهيم ورؤوف مسعد. فنغمة التقديس هذه كانت سمة ذلك الجيل، القابع في ظل الزعيم.

الأخوة اليسار

ومن الستينيات إلى السبعينيات، وثورات الطلبة التي تتعجل الحرب.
ويشير منير هنا ــ كان ممثلاً لكلية الحقوق في اتحاد طلبة الجامعة ــ إلى قادة اليسار من الطلبة، فهو لم ينتم إلى تنظيم رسمي، وبينما يقف بينهم يخطب في باقي الطلبة ـ لقطة من فيلم أبيض وأسود، لكنها كانت حقيقة ـ دفعه أحد المندسين من الطلبة، فلم يعره أحد من قادة الغد اهتماماً، بمعنى.. إنه لو حتى بيشاركهم الأفكار نفسها، لكنه لا ينتمي إلى تنظيم، فلا يهتمون به. بعدها بسنوات يقول: «ذات مرّة قلت لقائد كبير في الحزب الشيوعي المصري، وكان صديقاً لي، لو عاوزين تاخدوا السلطة، جندوا محمود الخطيب نجم الأهلي، لأن ملايين بتحبه وتصدقه، هيضم لكم ملايين.
ضحك، لأني كنت بهزر طبعاً. كنت أشير إلى القاعدة الضيقة التي ترتكز عليها الأحزاب اليسارية، والتي تغلق الأبواب على نفسها وتشكك في الآخرين». وتستمر رحلة الرجل.. من سجن القلعة، للعمل في مسرح الكنيسة، ثم السجن مرّة أخرى، والعمل في دار الثقافة الجديدة، ومصادقة نجيب سرور وأمل دنقل ورواد مقهى ريش، والعمل من خلال مسارح الثقافة الجماهيرية.

الجمهور والنقاد

وجد مراد منير ضالته في مسرح سعد الله ونوس، الذي كان يتوافق وأفكاره تماماً، بداية من «رأس المملوك جابر»، وحتى «الأيام المخمورة»، مروراً بأشهر هذه العروض، «الملك هو الملك». يوضح منير محاولته تمصير «رأس المملوك جابر» على سبيل المثال، فيقول: «حوّلت الحكواتي السوري لشاعر ربابة مصري، ألغيت المقهى وحوّلته إلى (ضمَة) حيث يتحلق الممثلون حول شاعر الربابة، يغنون ويعلقون على الأحداث بتلقائية، تجنبت زرع الممثلين في صالة العرض كما فعل ونوس، لأنها وسيلة ستبدو مكشوفة للجمهور الذكي، بدلت مشهد قص شعر البطل، إلى احتفال طهور شعبي»، لكن رغم تفاعل الجمهور مع هذه العروض، وهو أمر ليس يسيراً في مسارح الدولة، خاصة أن تلك العروض كانت تُنتَج في عاصفة المسرح التجاري، إلا أن سدنة النقد كان لهم رأي آخر .. فكيف يجرؤ على تغيير ما كتبه سعد الله ونوس. وفي عرض آخر، بعنوان «لولي» يقول: «طالب بعض النقاد بمحاكمتي، لإهدار المال العام ولانحلالي الأخلاقي، الذي سمح لي بأن أجعل بطلتي تخوض ثلاث علاقات فاشلة في عرض واحد». وبما أن الرجل لا يبحث سوى عن جمهور، ولا يعمل إلا من أجله ومن خلاله أيضاً، كأسلوب في إخراج عروضه المسرحية، فيتساءل «مَن ساندني؟ إنه الجمهور، الذي كان يتدفق ليشاهد عروضي كل ليلة، مُلتفاً حولنا، فكان دائماً هو السند لنا والعزاء، ودافعنا للاستمرار».

______________________________
المصدر : القدس العربي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق