قراءة في كتاب «مسرح الشمس» تأليف بياتريس بيكون فالين / محسن النصار
مجلة الفنون المسرحية
مسرح الشمس الفرنسي اسست لوجوده.(اريان منوشكين) الفرنسية في آيار-1964 ، ونما وتطور واثبت وجوده بفرقة مسرح الشمس حيث قدمت الفرقة مجموعه من العروض المسرحية ورؤية اريان منوشكين في التسمية المسرح من ( ان المسرح مكان انطلاق لرؤية الاشياء رؤية اخرى ومكان ليس للاخفاء او الخفاء ) وهي تهدف لخدمة المسرح نفسه الذي ياخذ على عاتقه (لديها ) ان يكون صرخة مدويه رافضة للخطيئة في الواقع الانساني الملوث وبالتالي استنهاض انسانية الانسان وهي تريد تغيير الواقع عبر فهمه . ففي مسرح (منوشكين) نجد تعدد جنسيات الممثلين وهم ينتمون ل (35 ) جنسية ومن ثقافات متعددة .
وتقوم أعمالها الاخراجية على الأبداع الجماعي وهي تمنح الفرقة وقتا للتأمل والابتكار والاقتراح والتجريب فعروضها هي عبارة عن تاسيس جماعي تقوم هي باخراجه ، وبهذا يكون العمل الاخراجي معتمدا في مسرح الشمس على الخبرات والتجارب التي يمتلكها اعضاء فرقتها والعمل المسرحي هنا يتكون عبر التمارين التي تستغرق زمن اعداد العرض الا ان طريقتها لا تشمل منصة المسرح حسب بل يتعدى ذلك الجمهور الذي ياخذ دورا فاعلا قبل العرض وبعده لانها تريد منه التعايش مع كل تفاصيل العرض وفوق هذا تقدم للجمهور الطعام بيديها وبذلك فهي تهدف الى تحرير الجمهور وفق اقامة علاقة معه فهو ينتقل قبل العرض الى منصة التمثيل ويدخل غرف الممثلين لتزيل ما يسمى بجدار الوهم .لاتريد لهذا المسرح ان يكون بديلا عن الواقع ولا يشابه الواقع وتقول اريان منوشكين "اذا استطعنا الوصول الى نوع من التوازن يصدق فيه المشاهد ما يراه مع علمه انه مسرح نكون قد وصلنا الى حالة مثالية في العرض وهي تؤدي الى حالة من التوازن المثالي بين المسرح والواقع"
حاولت منوشكين الاستمرار بنهجها طوال اربعين عاما وتوظيفها للتقنيات المسرحية الذي شكل دعامة جمالية تثير متعة التلقي
بمنح الشكل الفني اهمية بالغة تصل حد الابهار ليشعر المتلقي ازاءه بالتأثير الشعوري والجمالي من خلال الأستفادة من تجارب برشت وبيتر بروك وكروتوفسكي .
وتعدّ تجربة «مسرح الشمس» الفرنسي تجربة طليعية مؤثرة في المسرح العالمي. ولمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسه، صدر عن دار «آكت سود» في باريس، كتاب فخم مرفق بصور ووثائق، عنوانه «مسرح الشمس»، أعدت نصوصه الباحثة الفرنسية بياتريس بيكون فالين، وهو شهادة مهمة عن المراحل التي قطعها المسرح والأسس الإبداعية والفكرية التي قام عليها منذ بداياته. تروي المخرجة ومؤسسة «مسرح الشمس» أريان منوشكين في هذا الكتاب الجميل، كيف عشقت فن المسرح وهي طالبة جامعية وقررت أن تهبه حياتها، وهذا ما دفعها الى تأسيس فرقة «مسرح الشمس» التي ما زالت الى اليوم تقدّم عروضاً استثنائية معتمدة على نصوص كتّاب كبار من بينهم شكسبير.
تقول أريان منوشكين إنّ والدها كان منتجاً سينمائياً من أصول روسية، وقد أرسلها الى جامعة أوكسفورد في بريطانيا لإكمال دراستها والتمكّن من اللغة الإنكليزية. وهناك، فوجئت بأن الجامعات الإنكليزية تضم فرقاً مسرحية ممتازة، وهذا ما لم يكن موجوداً على الإطلاق في فرنسا. انبهرت بما شاهدته من عروض، وهذا ما دفعها الى المشاركة في فرقتين مسرحيتين جامعيتين، الأولى تقدّم عروضاً حديثة، والثانية تركّز على التراث الكلاسيكي. في هاتين الفرقتين، عملت منوشكين كممثلة ومساعدة مخرج، كما عملت في إعداد الديكور والأزياء... وكانت تشعر بسعادة كبيرة، فقررت تكريس حياتها للمسرح لأنه مكان فريد يقوم على العمل الجماعي، ولا تشعر فيه أبداً أنك وحيد حتى لو قدمت عرضاً يقوم على ممثل واحد.
في تلك المرحلة أيضاً، التقت المخرج البريطاني الشهير كين لوش، وشاركت في إحدى مسرحياته. وبعد عودتها الى باريس لمتابعة دراستها في جامعة «السوربون»، طلبت منه أن يقدم لها النصائح التي ستساعدها حتى تتمكن من تأسيس فرقة مسرحية جامعية. فأرسل إليها رسالة طويلة فيها مجموعة من الاقتراحات والآراء، ومن أهمها «أنّ على المسرحي أن يعمل مع الناس ومن أجل الناس». بعد ذلك، قصدت أريان منوشكين حارس جامعة «السوربون»، وطلبت منه أن يعيرها قاعة فارغة تؤسس فيها مسرحها الجديد، فلبّى طلبها، وهذا الأمر من المستحيل أن يحصل اليوم مع التشدد في مراقبة حركة الطلاب وضرورة الحصول على تأشيرات من الإدارة لفتح أو إغلاق صالة. هكذا، وفي مثل هذه الأجواء، التقت مجموعة من الهواة في إطار جامعي، وقامت لاحقاً في منتصف الستينات من القرن الماضي، بتأسيس ما يعرف بـ «مسرح الشمس». في هذه المرحلة أيضاً، سافرت أريان منوشكين الى الدول الآسيوية حيث أمضت أكثر من عام، وبعد عودتها درست المسرح في معهد الممثل جاك لوكوك، وهو معهد مسرحي تأسس عام 1956 وما زال مستمراً الى اليوم. وعن تجربتها مع الممثل جاك لوكوك، تقول إنها تعلمت منه «أن الجسد هو القاعدة الأساسية لعمل الممثل، قبل الذاكرة والأداء والصوت والكلمات...».
يكشف لنا الكتاب الجديد أيضاً، كيف عثرت «فرقة الشمس»، عام 1970، على المكان الذي استقر فيه المسرح وما زال يقدم فيه عروضه حتى اليوم، ويعرف باسم «الكارتوشري»، وهو يقع في «غابة فينسان» بالقرب من باريس. وكان هذا المكان في الأصل ثكنة عسكرية هجرها الجيش الفرنسي، وعندما علمت أريان منوشكين بذلك قصدت هذه الثكنة المهجورة وقررت الاستقرار فيها مع الفرقة، ثم توجهت بعدها الى بلدية باريس حيث حصلت على إذن بإجراء تمرينات الفرقة في الثكنة التي جرى إعدادها وتجهيزها حتى تتلاءم مع هدفها الجديد. وبعد شهر، تمكنت الفرقة من تقديم عرضها الأول عند نهاية عام 1970، وكان بعنوان «1789»، وهو مستوحى من الثورة الفرنسية. وعلى رغم البرد الشديد، حضر الجمهور واستمر عرض هذا العمل الأول لمدة ستة أشهر.
اختار «مسرح الشمس»، منذ تأسيسه، مبدأ المشاركة الجماعية في الإنتاج والعمل كجمعية تعاونية قائمة على مبدأ المساواة بين مختلف أعضاء الفرقة. وتعتبر أريان منوشكين أنّ مسرحها نشأ وترعرع في الأجواء الثقافية التي تلت الحرب العالمية الثانية، وكانت متفائلة وعكست التطلع الى مجتمع أكثر ثقافة وعدلاً وأخوّة. ويتوقف الكتاب عند البعدين السياسي والأيديولوجي لهذا المسرح الذي أراد، منذ البداية، أن يكون مسرحاً شعبياً ويعبّر عن الواقع الاجتماعي بكل تعقيداته من أجل تجاوزه واستنهاضه والمساهمة، من خلال لغة سمعية وبصرية متينة، في تحريره من أشكال العبودية التي تكبّل البشر.
يتميز «مسرح الشمس» كما هو معروف، بانفتاحه على التقاليد الفنية في العالم أجمع، ومنها التقاليد المسرحية في الصين واليابان والهند، وهو يضم ممثلين من مختلف الجنسيات والثقافات (أكثر من ثلاثين جنسية) يمدّون الفرقة بتجاربهم وخبراتهم، ويعتمدون على التدريبات اليومية الارتجالية تحت إشراف المخرجة أريان منوشكين. نشير أخيراً، الى أن صدور الكتاب الجديد يتزامن مع استمرار عرض مسرحية «ماكبث» لوليام شكسبير على خشبة «الكارتوشري»، بعد أن قامت أريان منوشكين بترجمتها واقتباسها بما يتناسب مع الإطار المعاصر الذي اختارته المخرجة للتعبير عن هموم عصرها، والذي ينقل المشاهد من أجواء القرن السابع عشر الى القرن الحادي والعشرين.
ونجد التأثير الكبير للمسرح الملحمي لبرشت في مسرح الشمس من خلال التعامل مع الجمهور ومحاولة كسر الجدار الرابع لفسح المجال امام الممثل والمتلقي على حد سواء في اقامة علاقة فاعلة فيما بينهما ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تعداه في فلسفة التغيير التي تبناها برشت نفسه وهي تتجه -اريان منوشكين- بذات الاتجاه الذي يبتغيه برشت ، وقد يكون الوضع السياسي والاجتماعي للاثنين هو الذي حدد افاق اتجاهاتهما الا ان عملية التغيير والتعامل مع الجمهور ارسى دعائمها برشت قبل منوشكين نفسها وعمل على اقامة تلك العلاقة اغلب المخرجين الذين مر ذكرهم مع اختلاف اساليب الطرح وشكل العرض الامر الذي دعاهم الى البحث عن اماكن بكر تخدم هذه العلاقة التي يجب ان تراعى بين الممثل والمخرج . وتظهر الاهمية الكبيرة لمسرح الشمس خلال ايجاد الرؤية الجديدة للمسرح الفرنسي ومحاولة اريان منوشكين وفرقتها من جعل مسرح الشمس ذو تأثير عالمي كون المسرح له تأثير كبير على الذاكرة الجمعية في المجتمع الأنساني .
0 التعليقات:
إرسال تعليق