المسرح المصري.. نجاحات وإخفاقات
مجلة الفنون المسرحية
شهد المسرح المصري مراحل تطور مختلفة على فترات متباعدة، وكذا أوقات انهيار، حتى وصل إلى ما نشاهده اليوم من عزوف الجمهور عنه لعدم تقديم ما يلفت أنظارهم أو ينال استحسانهم.
في هذا الملف الذي ينشر على حلقات متتابعة الشخصيات التي أثرت وغيرت في المسرح المصري والعربي، وكذا تكشف الأسباب وراء انهياره في بعض الأوقات، وتفتح الباب أمام عدد من أبرز مؤسسي الفرق المسرحية للوقوف على كفيفة إعادة المسرح إلى مجده مرة ثانية.
يعد المسرح أبو الفنون ويعود أصله إلى الاحتفالات التى كانت تقام فى الحضارات السابقة وترتبط بطقوس دينية، فهناك مخطوطة لمسرحية دينية مصرية تعود إلى الإله أوزوريس منذ 2000 ق.م، والإله ديونيسيس وباخوس، ويقول المؤرخ الإغريقي هيرودوت إن كهنة معبد أمون كانوا يعدوا ساحة المعبد المقدس فى الأعياد والمناسبات الدينية لتقديم عروض تشخيصية للروايات والقصص الأدبية، مدعومة بالشعر والموسيقي.
الطقوس الدينية
كان أحدهما يؤدي دور إله الشر ست، والآخر دور أوزيريس، وامرأة في دور أيزيس، وأحد الأطفال حورس، وكان يتدخل العرض الموسيقى لتشجيع الجمهور على التفاعل معهم، وكان متكاملا من خلال أدوار وموسيقى وملابس ومكياج، كما يظهر فى النقوش على جدران المعابد.
وفى كتاب “موسوعة مصر القديمة”، يقول الدكتور سليم حسن، إن العالمين كورنتس وكورت، عثرا عام 1932 و1938 على برديات تحوى نصوصا مسرحية لعروض كانت تتكون من 40 مشهدا، لتصوير مأساة “ايزيس” التى كانت تبحث عن زوجها فى جميع البلاد، ما يؤكد أن الفراعنه عرفوا فن المسرح منذ آلاف السنين.
العباسيون وخيال الظل
وعرف المسلمون أيام الخلافة العباسية المسرح متمثلاً في “خيال الظل”، الذي كان يعتمد على السخرية والهزلية، وكان منتشرا جدا آنذاك، ويعتبر الخليفة العباسي المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد، أول من أدخل الموسيقى والرقص إلى القصور لتصبح قصور الخلفاء مكان للتبادل الثقافي مع البلدان الأجنبية، واستمرت العروض المسرحية منذ أيام العباسيين مرورا بالفاطمين والمملوكيين فى مصر.
ويتحدث الرحالة الدانمركي كارستين نيبور، عندما وصل إلى الإسكندرية عام 1761، عما رأه من عروض الشوارع، قائلا إن فن الأراجوز منشر فى أرجاء القاهرة، بالإضافة إلى فن خيال الظل، والعروض التى تقدم وتحظى باهتمام كبير من الجمهور، فضلا عن عروض الفنون الشعبية، التي تستخدم الحيوانات في ألعابهم، والمقصود هنا هو السيرك.
من هنا، يمكن أن نستنج أن بدايات المسرح كانت عبر فن الخيال الظل والأراجوز، كما أشار نيبور، إلى وجود عدد من الأشخاص (الممثلين) يقدمون عروضا مسرحية فى الشوارع مقابل مبلغ زهيد.
تأسيس المسرح المصري
شهد المسرح المصري العديد من الأحداث المليئة بالنجاحات والإخفاقات منذ بداية تأسيسه على يد رائد المسرح المصري يعقوب صنوع عام 1869، حينما فكر في تأسيس “مسرح مصري” تعرض على خشبته مسرحيات عربية متأثرا بما رآه في إيطاليا؛ فأخذ يتنقل بين جميع فئات المجتمع من حرفيها وعمالها وجاليتها الأجنبية والطبقة الأرستقراطية للتعرف على جميع أفراد الشعب المصري آنذاك، واستفاد من ذلك في رسم شخصياته المسرحية الكوميدية.
ألف يعقوب صنوع مسرحيات قصيرة ممزوجة بأشعار ولحنها وعرضها في قصر الخديوى إسماعيل وأمام حاشيته من الباشوات فأعجبوا بها، فقرر أن ينشئ فرقة مسرحية من تلاميذه، وعرض مسرحيته على منصة مقهى موسيقي كبير بحديقة الأزبكية في القاهرة، وكانت توجد في ذلك الوقت فرق تمثيل إيطالية وفرنسية تعرض أعمالها للجاليات الأوروبية في القاهرة، ونجحت مسرحيته نجاحا كبيرا.
أنشأ بعدها يعقوب فرقته الخاصة لتقديم مسرحياته، وفي فرقته ظهرت النساء لأول مرة على خشبة المسرح، وطلب منه الخديوى إسماعيل أن يعرض أعماله على مسرحه الخاص في قصر النيل، فعرض يعقوب ثلاث مسرحيات هي (آنسة على الموضة) و(غندورة مصر) و(الضرتان)، وكانت كوميدية أعجب بهم “الخديوي”، وسمح له بإنشاء (مسرح قومى) لعرض مسرحياته على عامة الشعب، وعرض عليه أكثر من 200 عمل، إلى أن قدم مسرحية (الوطن والحرية) التي كانت تتناول الفساد الذى يحدث داخل القصر آنذاك، فقام الخديوى على إثارها بنفيه إلى فرنسا فاستقر في باريس إلى آخر حياته.
أوبرا عايدة
اهتم الخديوى إسماعيل بإقامة مسارح أوروبية فى مصر؛ فأنشاء مسرح الأزبكية عام 1868، ثم مسرح دار الأوبرا لعرض “أوبرا عايدة” فى افتتاح قناة السويس عام 1869، وانتشرت المسارح فى القاهرة والإسكندرية بعد ذلك، وازدهرت حركة المسرح وقتها، وأخذت تتطور وتنتشر وظهرت معها حركة التأليف والترجمة والتمثيل والإخراج وكانت تتخل العروض المسرحية الموسيقى والغناء، فكثرت الفرق المسرحية التى تقدم عروضا غنائية، ليزدهر مسرح سلامة حجازي وسيد درويش وكامل الخلعي، على حساب المسرح الدرامي.
نشأة الفرق المسرحية
وفي عام 1910، عاد نقيب الممثلين جورج أبيض، وأسس المسرح الدرامي فى مواجهة نظيره الغنائي، وانتشرت وقتها الفرق المسرحية الغنائية والدرامية، منها فرق عكاشة ومنيرة المهدية ويوسف وهبي وعبد الرحمن رشدي، وتعد “أهل الكهف” للكاتب المسرحي توفيق الحكيم، التي قدمت عام 1928 ساهمت فى تطوير المسرح بشكل كبير، واستمر عطاء توفيق الحكيم للمسرح القومي حتى توفى عام 1987.
فى الثلاثينيات من القرن العشرين وبعد حدوث أزمة أقتصادية فى مصر، أسست الدولة “الفرقة القومية للمسرح” عام 1935، باسم (الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي)، ونسبت إدارتها إلى الشاعر خليل مطران، وفى الأربعينيات، أسس زكي طليمات “المعهد العالى للفنون المسرحية”، وأسس فرقة “المسرح المصري الحديث” عام 1950، وبدأت المنافسة بين الفرقتين (المصرية للتمثيل والموسيقي، المسرح المصري الحديث) إلى أن تم دمجهم تحت اسم “الفرقة المصرية الحديث” وتغيرت بعد ذلك إلى “المسرح القومي”، وتلى ذلك تأسيس فرقة “المسرح الحر”.
وتعد الستينيات من أهم فترات المسرح لما شهدته من نجوم فى مختلف المجالات الإخراج والتأليف والترجمة، الذين قدموا عروضهم على خشبة المسرح القومي منهم “سعد الدين وهبة، ويوسف إدريس، ونعمان عاشور، وصلاح عبدالصبور، وعبدالرحمن الشرقاوي، ورشاد رشدي، وألفريد فرج، وميخائيل رومان، ومحمود دياب، ونجيب سرور، وعلي سالم، وكرم مطاوع، وعبدالرحيم الزرقاني، وجلال الشرقاوي وسمير العصفوري”.
------------------------------------------
المصدر : ريهام عبد الوهاب - البديل
0 التعليقات:
إرسال تعليق