جذور المسرح اليوناني تعود إلى مصر الفرعونية
مجلة الفنون المسرحية
جذور المسرح اليوناني تعود إلى مصر الفرعونية
في عام 62 بعد الميلاد ثار بركان فيزوف بجنوب إيطاليا، ومع ثورته اندلعت النيران في كل اتجاه، وتوالت سلسلة من الزلازل أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة من مدينة بومبيي، كانت هذه المدينة كما يقول صبحي شفيق في كتابه «مدخل إلى المسرح الفرعوني» - نموذجاً للمجتمع الكامل، في ساحتها العريقة يتحدث الاقتصاديون والسياسيون، وكذلك أصحاب العقائد المختلفة، وتحيطهم مختلف شرائح المجتمع وأبرزهم شباب بومبيي.
وكانت تتمتع بخصوبة أرضها، فهي محاطة بمزارع شاسعة، وخضرتها ترسم قوساً بين العمائر وبين الأفق، وكان معمار المدينة فريداً من نوعه، في الشارع منطقة تسمى شارع المسارح، أو هي العروض الدرامية والطقوسية معاً، وإزاء مجمع المسارح مركز الألعاب والتدريبات الرياضية.
وفي حي المسرح كما يقول شفيق في كتابه الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب يوجد معبد مسرح إيزيس، وهو معبد قديم، شيّد قبل الرومان، شيّده جماعة من التجار، ممن كانوا يهاجرون إلى موانئ البحر الأبيض وميناء الإسكندرية بصفة خاصة، منذ حكم البطالمة، والإسكندرية هي أهم مراكز التجارة، لكنها أيضاً أهم مراكز الثقافة.
ويبدو أن مدينة بومبيي قد تعرضت عبر القرون الماضية كما يشير المؤلف لأحداث دامية، زلازل، براكين، فيضانات، لكن أعمال التنقيب جعلت العلماء يعثرون في العام 1769 ميلادية على معبد إيزيس.
وما يجعل من هذا المعبد قيمة تاريخية نادرة الكلام لصبحي شفيق هو بقاء الرسوم الجدارية في حالتها الأولى، كأنما رسمت بالأمس، وبعملية مونتاج يتبع اتجاه نظرة الشخصيات، ثم ترتيب جوقة الإنشاد على صفين، ووجود كاهن مرتل، إذا قمنا بعملية ترتيبية يمكننا أن نستخلص مكونات مسرحيتين: الأولى زواج فينوس من مارس، والثانية هي هروب أيو إلى قصر إيزيس، وهنا يرصد المؤلف نقطة تحول مهمة في مفهوم العرض المسرحي، فبعد أن كان طقوسياً أصبح دنيوياً.
يوضح المؤلف أن المدخل الحقيقي للمسرح الفرعوني يبدأ بتحررنا من المسرح التقليدي الذي تبلور في القرن السابع عشر، والذي قام على تطبيق نظريات رسامي ومنظري فلورنسا، وهو الذي يطلق عليه نقاد أوروبا حالياً مسرح العلبة.
يقول المؤلف: «قد ننبذ في عصرنا الحالي مثل هذا المعمار الفلورنسي، إلا أننا لو وضعنا أنفسنا في السياق التاريخي الذي ولد في ثناياه ذلك المسرح، فسنجده أول ثورة في الدراما الحديثة، لماذا؟؛ لأن أوروبا منذ القرن الخامس حتى القرن السادس عشر لم تعرف البنية السياسية الاجتماعية الموحدة والمركزية التي اصطلحنا على تسميتها الدولة، كانت مجموعة من الإقطاعيات، يرأس كل إقطاعية أمير أو دوق.
ضمن النقوش العديدة على الجدران لا يهتم صبحي شفيق إلا ب «القناع»، خصوصا أن المسرح الإغريقي قام على استخدام الأقنعة، وفي مقابر مصر الفرعونية تتعدد رسوم هذه الأقنعة.
وفي أحد المعابد نرى رسماً جدارياً يرينا ساحراً قد ارتدى قناعاً وأخذ يمارس طقوسه أمام المشاهدين، وفي الأدب المصري القديم يوجد العديد من النصوص القصصية التي ترينا دور الساحر في حياة المصريين، بل إن فرعون نفسه كان لا يستريح إلا إذا جاء بساحر يكشف له عن لغز هذه المشكلة أو تلك.
وكما يقول المؤلف، إن الأقنعة بمفردها لا تكفي لصنع مسرح، موضحاً أن هناك ستارة جزئية تخفي ممثلاً أو أكثر خلفها، كما أن هناك مجمع سقارة، حيث كانت تقام عليه العروض من آن لآخر.
ويؤكد المؤلف: «هناك استشهادات عديدة بدور مسرحنا وموسيقانا وطقوسنا في إرساء أسس المسرح في بلاد الإغريق، ثم انتشاره عبر القارة الأوروبية، كما أن معبد دندرة يرينا عرض النصوص التي كان يؤديها ممثلون محترفون في ساحات المدن، أمام بهو البحيرة المقدسة التي يطلّ عليها المعبد، وقد سبقنا هيرودوت في الحديث عن انتقال المسرح من مصر الفرعونية إلى بلاد الإغريق».
--------------------------------------------
المصدر : القاهرة - الخليج
0 التعليقات:
إرسال تعليق