أيام قرطاج المسرحية تناقش موقع النقد المسرحي
مجلة الفنون المسرحية
أيام قرطاج المسرحية تناقش موقع النقد المسرحي
عواد علي - العرب
دأبت أيام قرطاج المسرحية، التي تنظمها وزارة الثقافة التونسية، منذ انطلاقتها عام 1983، على عقد ندوات فكرية للبحث في شتى قضايا المسرح، إلى جانب العروض المسرحية المحلية والعربية والأفريقية وبعض العروض من دول أجنبية. وهو ما تعد به جمهورها في دورتها الـ19 هذا العام، ويدير ندوة المهرجان هذا العام الباحث المسرحي التونسي محمد المديوني. “العرب” التقت المديوني في حوار حول الندوة النقدية التي تعد من ركائز المهرجان.
تقام الدورة 19 من أيام قرطاج المسرحية بتونس من 8 إلى 16 ديسمبر 2017، وعلاوة على العروض تقدم هذه الدورة ندوة فكرية بعنوان “موقع النقد في الحياة المسرحية اليوم وغدا” بإدارة الناقد والباحث المسرحي الأكاديمي محمد المديوني، الذي سبق أن أدار الدورة التاسعة للأيام عام 1999. تتوزع محاور الندوة على: النقد المسرحي في جوهره وتحوّلاته من ناحية الموروث والمؤسسات والأدوات (الوسائط التقليدية والحديثة)، وصور التلاقي والتباعد بين النقـد الأكاديمي القائم على التحليل والتأليف والنقد الفني المتابع للأعمال المسرحية والمقوّم لها، والنقد المسرحي والحياة المسرحية، ومواصفات الناقد المسرحي المنشود (ما يتعلق بـمسألة المعرفة والتكوين)، وكيفية التعامل مع الأثر المسرحي وأصحابه.
ضرورة النقد
نسأل محمد المديوني بداية عن ضرورة النقد المسرحي في إطار مهرجان دولي كأيام قرطاج المسرحية، ليجيبنا قائلا “إن الخوض في هذا المجال مشروع لأكثر من سبب وضروري لأكثر من غاية وهدف. أول الأسباب مرتبط بطبيعة هذا الفن في ذاته، فهو فن لا يكتمل اكتمالا إلا بتحقق وصوله إلى الجمهور الذي إليه يتوجه وإلا فقـد المسرح معناه العميق الذي يسوّغ وجوده. والوصول إلى الجمهور يتطلب، في ما يتطلب، وسائط ومحفزات، وللنقد في هذا المجال موقعه. وهو فن لا ينفك يتطور ويتحول، ولا يكاد ينتهي السعي إلى الوقوف على أسرار هذا التطور وعلى صور ذلك التحول. هو البحث الدائم عن استكناه مساراته واستباقها. وللنقد في هذا المجال موقعه، أيضا”.
المسرح فن السؤال والمساءلة، فن يميط اللثام عن صور المخاتلات الاجتماعية وتجلياتها الأخلاقية والسياسية والأيديولوجية
يتابع ضيفنا “المسرح فن محرج بطبيعته، فن السؤال والمساءلة، فن قادر على كشف الخفايا وإماطة اللثام عن صور المخاتلات الاجتماعية وتجلياتها الأخلاقية والسياسية والأيديولوجية، وهو، من ثم، مندرج ضمن الدعوة إلى التغيير. وهو فن قادر، في الآن ذاته، أن يكون عاملا لتكريس القائم وأداة لقبول ما تعود عليه الناس باعتباره أمرا طبيعيا لا مناص منه، حتى وإن كان ذلك لا يناسب الناس كل الناس، بل قد ينتظر منه أن يكون وسيلة ناجعة للـ”تطهير” من كل نزعة تخرج عن السائد المألوف. هو فن الجدل بلا منازع، وهو موضوع جدل بالضرورة، وإن للنقد في هذا الجدل دورا وأي دور. من خلال هذا كله يبدو النقد المسرحي فعلا ضروريا متصلا بالمسرح وبمساراته وبالحياة المسرحية وصور تحققها، له وزنه في تحقيق غايات هذا الفن وله دوره في إبراز سماته وفي توجيه خياراته”.
نستنتج من إجابة المديوني أن الكلام في النقد المسرحي، إذن، هو كلام في صميم المسرح، فيعلّق قائلا “نعم، في صميم المسرح وفي جوهر الحياة المسرحية. ومساءلة النقد المسرحي والنقاد المسرحيين لا تعني الباحثين والنقاد، وحدهم، ولا مؤرخي هذا الفن، وإنما تعني المسرحيين، كذلك، وتعني المسرح في معناه العميق. ولعل في هذا ما يفسر قيام النقد المسرحي، منذ عقود، مهنة من بين المهن الرائجة، يختص فيها من يختص ويهيأ الساعون إلى تعاطيها درسا وتدريسا. ولعل في ذلك ما يفسر، كذلك، قيام مؤسسات نقابية، في أوروبا وأميركا، تدافع على المهنة وممتهنيها، وتسعى إلى أن يكون لها موقع مؤثر في الحياة المسرحية في تلك الأصقاع. من بين هذه النقابات ما يعود تاريخ تأسيسها إلى نهاية القرن التاسع عشر شأن “نقابة النقد المسرحي والموسيقي” الناشئة في باريس منذ سنة 1877، والتي ما زالت حاضرة في المشهد المسرحي يحسب لها ألف حساب”.
نسأل المديوني هنا إن كان الإقرار بهذه المنزلة للنقد المسرحي في أوروبا لا يمنع الجدل القائم فيها حوله وحول منزلة الناقد المسرحي، ليؤكد أنه لم يمنع في الماضي ولا في الحاضر.
ويذكر أنه في القرن التاسع عشر كان الكاتب والشاعر الأيرلندي أوسكار وايلد يرفع من شأن النقد الفني عامة والنقد المسرحي، خاصة، وينزله منزلة لا يبدو فيها منفعلا مع الفنون متفاعلا مع منجزاتها، فحسب، بل يبدو معها فاعلا في الفنون وشرطا ضروريا لضمان حيويتها، في حين نجد الروائي الفرنسي إميل زولا يتهجم في حديثه عن النقد المسرحي، الصادر في الصحف، تهجما غاية في العنف.
محمد المديوني: النقد المسرحي فعل ضروري متصل بالمسرح ومساراته وحياته
يتابع الناقد المسرحي “اعتبر أوسكار وايلد أن عصرا ليس فيه نقاد هو عصر يكون فيه الفن جامدا كل الجمود، يقتصر على استنساخ الأشكال، أو هو عصر لا يملك فنا البتة، وذلك لأن القدرة النقدية هي التي تبتدع الأشكال الجديدة. إننا مدينون للغريزة النقدية في نشأة كل مدرسة فنية جديدة وإن لهذه الغريزة النقدية الفضل في كل ما يتوفر للفن والفنانين من قوالب جديدة. أما إيميل زولا فقد ذهب إلى أن النقد الصادر في الصحف، وفي صورته التي يمارسها كثير من ضعاف العقول، وبعض من الخبثاء، هو من الأشياء التي لا فائدة منها البتة، بل هو من أغبى ما يمكن أن يوجد في هذا العالم”.
النقد والجمهور
وحول موقف النقاد حول علاقة النقد بالجمهور يقول المديوني “الجدل قائم، كذلك، بين النقاد أنفسهم وحول ما يعتبرونه دورهم في ما يكتبون من مقالات نقدية. فبينما يذهب الناقد ذائع الصيت، في عهده، فرانسيسك سارساي أن عليه أن يرسم ردود فعل جمهور المشاهدين العاديين للعرض، كما هي، دونما ‘تفلسف‘، ينزل جيل سانديي النقد في إطار صور من المقاومة بما تعنيه من منازلة للخصوم”.
ويوضح أن سارساي يقول متكلما عن قرائه “إنهم يطالعون مقالنا وهم يحتسون فنجان قهوتهم، وهم يفكرون، أحيانا، في أمور لا علاقة لها بموضوع المقال. ‘التفلسف‘، إذن، أمر غير مرغوب فيه. إن ما يرغبون فيه إنما هو رد الفعل الحارق إزاء ما حدث الليلة البارحة” (يقصد ليلة العرض).
ويضيف مستشهدا بما قاله سارساي “إننا صوت جماهير المتفرجين وصرختها الأولى…”. أما جيل سانديي فقد ذهب، كما يقول المديوني، إلى أن النقد حتى يكون نقدا عليه أن يكون “منحازا انحيازا تاما ومناصرا معلنا من يناصر، وعليه أن يكون مشاكسا أدار ظهره لما حدده أتباع المذهب الإنساني من آداب سلوك، هؤلاء الذين يحبون كل شيء. النقد هو الصراحة التي تقاتل إنه الانحياز المستنير، ومن نافل القول التذكير بأن خصومنا هم وحدهم من لا نور لهم”.
نسأل محمد المديوني في الختام إن كان هذا شيئا من واقع النقد المسرحي في بلاد الغرب، فما هو حاله في البلدان العربية والأفريقية؟ وما موقعه لا من المسرح القائم فيها فحسب وإنما من “الحياة المسرحية” بما هي اكتمال للفعل المسرحي وتحقق للقاء الأعمال المسرحية بجمهورها؟
ليجيبنا باقتضاب “الوقوف على ذلك هو هدفنا ومسعانا من تنظيم هذه الندوة. نحن مدعوون إلى النظر في هذه المسائل المعقدة من خلال مجموعة المحاور الأساسية، مراوحين بين البحث الميداني والجهد التنظيري”.
0 التعليقات:
إرسال تعليق