«حرب النعل».. فُرجة مسرحية تخاطب جمهوراً من زمن آخر / يحيى عبدالرحيم
مدونة مجلة الفنون المسرحية
قدمته فرقة مسرح الخليج العربي
«حرب النعل».. فُرجة مسرحية تخاطب جمهوراً من زمن آخر اسم المسرحية والبروشور عكسا حالة من الكآبة العمل يعبر عن أزمة المبدعين بين الثورية والارتماء في أحضان السلطة حمد العماني وأحلام حسن قدما مستوى عالياً من فن التمثيل افتتح مسرح الخليج العربي عروض مهرجان الكويت المسرحي مساء أمس الأول الخميس بمسرحية «حرب النعل» تأليف الاماراتي اسماعيل عبدالله واخراج عبدالله البدر وبطولة سليمان الياسين وأحلام حسن وحمد العماني ونواف القريشي وابراهيم الشيخلي كضيف شرف وحسين المهنا. قبل الولوج في مناقشة العرض نقف أمام «البروشور» التوضيحي الخاص فالعنوان بداية صادم وله مدلولات عديدة مثل الاهانة والذل والعقاب. البروشور يعكس حالة من السوداوية والكآبة يتصدره رجل عجوز ضرير وشاب ينظر بتحد وفتاة بعينين تائهتين يشع منهما ضوء أحمر قاني يعبر عن الخطر والموت والرغبة في الانتقام. العرض يزاح الستار عن حالة سوداوية وكآبة لنجد مشهدا جنائزيا حزينا بطلته «حور» الفنانة أحلام حسن وهي تودع جثة والدها الذي مات غدرا بتدبير من «الحوت» الفنان نواف القريشي في مشهد مغلف بأغاني تراثية تنتمي الى اللون السامري وأغاني «المالد» وهي في مجملها أغان حزينة ذات رتم بطيء. تأخذ الحالة من السوداوية في التصاعد لتصل ذروتها في المواجهة بين عنصري الخير الجد «غيث» الضرير الفنان سليمان الياسين و«حور» و«أحمد» الفنان حمد العماني الذي يتحول بفعل ظلم وفساد «الحوت» الى سكير يهرب من واقعه الأليم. الأحداث هنا تتحدث عن قرية صغيرة للصيادين يسيطير عليها «الحوت»، الذي يعيث فيها ظلما وفسادا ولا يقف أمامه سوى قلة من أهل القرية، ولأنه ظالم وفاسد لا يعي ما هو السلاح الأنجح لدحر القطط المتوحشة التي تهدد أهالي القرية سوى بمد الأهالي بـ«النعال»، ولأننا أمام حاكم فاسد وسلاح فاشل نجد النهاية تأخذنا الى مزيد من المأساوية عندما تنجح القطط في الهجوم على القرية وتقتيل الرجال وهتك حرمات البيوت والنساء لتنتهي المسرحية عند هذه النتيجة الحتمية لهكذا مقدمات. الفتاة «حور» هي رمز الثورة وحاملة لواء كلمة «لا» في وجه الظلم نجدها تحمل وليدا مشوها وممسوخا يحمل رأس قط وجسد انسان، ومثل هذه الحالات والمشاهد هي اسقاطات مليئة بالرموز السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا محالة لكنها اسقاطات مجانية وغير مجدية في زمن يعتمد الصراحة والحرية والمواجهة، فبدت كما لو كانت «حمل كاذب»، فهي اسقاطات تحمل نفسا ثوريا متمردا لكنها تتدثر برداء الخوف والجُبن وهي أزمة كبيرة يعيشها كثير من الكتاب والمبدعين بين رغبتهم في ممارسة التمرد والالتحام مع ضمير الشعب والارتماء في أحضان السلطة حتى لو كانت ديكتاتورية وفاشية. المجتمع الإماراتي قد يكون نص العمل ملائما لطبيعة المجتمع الاماراتي «كاتبه اماراتي» لكنه ليس بالضرورة يلائم الكويت التي تتمتع بهامش كبير من الحرية على مستوى الصحف والمحطات التلفزيونية ومجلس الأمة وحتى على مستوى الدواوين وحركة الشارع، والتعاطي مع جيل «السوشال ميديا»، لذلك بدا العرض في جوانب كثيرة كما لو كان يتحدث عن مجتمع آخر لاينتمي الى هذه الأرض. إذا كانت هناك جوانب مضيئة في هذا العرض، فهى تحسب بالدرجة الأولى لأداء الممثلين خاصة حمد العماني الذي تلبس شخصية السكير القادر على تقديم الفعل الايجابي فوق خشبة المسرح، فهو ليس شابا فاسدا وعربيدا بطبيعته ولكنه تحول بفعل آلة قمع السلطة الى هذا النموذج المشوه، وقد استطاع ان يمتعنا طوال فترات ظهوره فوق خشبة المسرح. كذلك الفنانة أحلام حسن التي ذابت في شخصيتها الى حد التماهي وعكست حالة كبيرة من الانفعال والفعل المسرحي الواعي على مستوى الحركة الجسدية وحالات التمزق النفسي والتحكم في نبرة الصوت بين الخفيض الذي يعبر عن الألم والحزن والنحيب والصراخ الذي يعبر عن الثورة والاعتراض، وان كان يعيب صوتها انه لم يصل الى مساحات أعلى في حالة الصراخ، أما فيما عدا ذلك فقد استطاعت ان تقدم لنا مستوى من متعة التمثيل يعكس نضوجها الفني ووعيها الثقافي. سينوغرافيا عنصر «السينوغرافيا» كان بطلا في العرض اذ قُدم بمستوى كبير من الاحترافية بداية من الاضاءة التي كانت متسقة مع أحداث وشخوص العمل مروراً بالأزياء والديكور الذي عكس البيئة البحرية والخلفية السوداء القاتمة للخشبة المسرحية، وصولاً الى الموسيقى والغناء «اللايف» وهو أمر زاد من جماليات العرض. أما فيما يتعلق بالمخرج فرغم تقديمه لعمل مسرحي يحمل عناصر الفُرجة المسرحية لكنه وقع في بعض الهنات أثناء العرض مثل الانتقال غير المبرر في شخصية الجد «غيث» من حالة الرفض لـ«صنجل» السكير ثم نجده يصفه بالوطنية والتضحية، وهو الأمر نفسه في علاقة «حور» مع «صنجل». يبقي القول ان «حرب النعل» عرض يحمل عناصر الفُرجة المسرحية لكنه يخاطب جمهورا من زمن آخر. ================= .. وفي الجلسة النقاشية عبدالله البدر: سنعمل على تطوير العمل مستقبلاً ليلى أحمد: اللجوء إلى التراث يعكس أزمة في حرية التعبير بالخليج أعقب عرض «حرب النعل» ندوة نقاشية أدارها الفنان العماني أحمد البلوشي وحفلت بالعديد من المداخلات بحضور مخرج العرض عبدالله البدر. ولأول مرة منذ سنوات يتم تقديم ندوة دون وجود مُعقب أكاديمي على العرض، وقال مدير الندوة البلوشي ان الهدف من ذلك اعطاء المجال أكثر لمشاركات الجمهور وكذلك على غير العادة لم نر فريق عمل المسرحية يجلس فوق منصة الندوة ويواجه الجمهور. بداية تحدث الفنان طالب البلوشي وأشاد بالسينوغرافيا والمكياج لكنه عاب اغراق العمل في تيمة البحر، أما الكاتب المسرحي عادل البطوسي فقد تساءل عن المبرر الذي حول الأحداث من المأساوية الى الكوميدية فجأة وان رأى ان الطقوس الجنائزية كانت جيدة في العمل. وقالت الناقدة ليلى أحمد ان النص ذهني يُقرأ ولا يمثل وعنوان العمل خادش للحياء ويعكس حالة من الافلاس، وعابت على اللجوء الى تيمة التراث لمناقشة الواقع الذي نعيشه مؤكدة ان مثل هذا الارتكاز على التراث في مناقشة القضايا المعاصرة يعكس وجود أزمة في حرية التعبير في الخليج. كما احتجت في الوقت نفسه على محلية النص في وجود ضيوف عرب بالمهرجان في وقت يصعب فيه فهم اللهجات المحلية بين الدول الخليجية نفسها. اقتباس المذيعة حبيبة العبدالله انزعجت من فكرة الاقتباس من القرآن الكريم ومزجها مع الأغاني، ورأى الناقد د.سيد علي اسماعيل ان الجانب الكوميدي في العرض كان موظفاً. وقال د.عمر فرج ان المسرح الكويتي متطور وفنانوه ممتازون والدراما الخليجية تنافس المصرية ورأى ان العرض مثير للاعجاب وللفن وللجدل وكان يعتقد قبل وصوله الى الكويت التي يزورها للمرة الأولى ان الدراما والمسرح في الخليج متأخران. ووجد حسام عبدالهادي ان ايقاع العرض كان سريعاً في حين رأى عبد الحليم بوشراقي ان العرض أفلت من يد المخرج أكثر من مرة، أما عزة القصابي فقد رأت ان الممثلين هم من ارتفعوا بالعرض، وقال د.جبار الخمار ان المسرحية بها ايقاع عال وفهم لفن صناعة الأداء التمثيلي. ورد المخرج عبدالله البدر على جميع المداخلات بقوله ان الفنانة أحلام حسن كانت هي المشرف الفني على هذا العرض وأضاف: «فيما يتعلق بما أثير من سلبيات وايجابيات خلال الندوة فسأضعه بعين الاعتبار خاصة اننا كفريق عمل سنعمل على تطوير العمل في المستقبل من خلال الملاحظات التي قيلت لنقدمه بصورة مختلفة عما قدم به الليلة».
الكويت - الوطن
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق