أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 14 ديسمبر 2025

مسرحية (كريستوفر مارلو ) تأليف : عباس منعثر

مجلة الفنون المسرحية


مسرحية (كريستوفر  مارلو ) تأليف : عباس منعثر

(في بيت الينور بول، ينطرح كريستوفر مارلو على الأرضية الخشبية. انكرام فرايزر يجلس على كرسي وبيده سكين. مارلو ثمل جداً، يقف ويجلس قبالة فرايزر. لسبب مجهول ينادي مارلو على فرايزر يا مستر جونز!)

مارلو:
صديقي العزيز مستر جونز (إنكرام فرايزر يمتعض) نحنُ في بيت الينور بول في 30 مايو سنةَ 1593. الجو مشحونٌ بالتوتر، الغيومُ الرّماديةُ تستنبئُ بفاجعةٍ مُريعة. ثمّةَ حدثٌ قويّ على الأبواب. مؤكداً، ستقتلُني في نهايةِ المونولوج بعد مشاجرةٍ عنيفةٍ والسّببُ المُعلَنُ: عدمُ سَدادِ ديونٍ مُتراكِمة. اعتذرُ سيدي المؤلف، افسدتُ عليكَ الحبكة. ولذلكَ سبب: الظّلمُ ثُلاثيّ الأَبعاد. (لإنكرام فرايزر) الا يكفي يا مستر جونز انني ادفعُ الثمنَ مرّةً في حياتي الخاطفةِ السريعة، ومرّةً فيما سُطّرُ عنّي من تلفيق، ومرةً حينَ يستغلّني مُؤلّفٌ مُبتدئ؟! اتركُ الحكمَ لضميرِك. (إنكرام فرايزر يدخن). سأَتغافلُ عن وجودِكَ امامي صامتاً طيلةَ الوقتِ مستر جونز، سأتغاضى عن ثرثرتي وحدي وكأنني مجنونٌ، سأَغفرُ استجلابي من قَبري الى هنا وتفتيقَ الجراح، وأَعتبرُهُ شيئاً طبيعياً ان اكونَ ثملاً، لأنني افرطُ في الشّراب والتدخين. غير ذلكَ مرفوض. لا اسمحُ للسّيدِ المؤلف ولا لأحدٍ مهما كانَ ان يتلاعبَ بسريرتي. (إنكرام فرايزر يحتسي الخمر). للموتى لسانٌ ايضاً. لن اتوانى لحظةً عن بيانِ استنكاري وشَجْبي لأيّةِ فكرةٍ او جملةٍ او كلمةٍ او حرفٍ يوضعُ على لساني لضروراتِ التشويقِ والإثارة. سأَعترض. لن اعِدَ بالالتزام.
(الوضيع الرّوح ينالُ مجداً)
بلا مُقدّماتٍ، انا كريستوفر مارلو. شاعرٌ وكاتبٌ مسرحي من العصر الإليزابيثي. ابي صانعُ احذيةٍ من اصلٍ وضيع. نحنُ 10 ابناء، انا الأكبرُ بينهم بعد وفاةِ اختي الكبرى. كنتُ ربيبَ بيئةٍ سيئةِ السّمعة: لي اختانِ عابثتانِ وماضٍ غير مشرّف. انْ توجدَ وسطَ انحلالٍ عائلي وأختين كأكبرِ ساقطتينِ في البلدة، وتعاشرَ السّفلةَ والسّقطة، لن تُصبحَ قديساً او كاهناً؟ النتيجةُ المُحتملةُ انْ تكونَ متمرداً. وهو ما حصل بالفعل، فالحياةُ لغةٌ اجنبيةٌ والجميعُ لا يحسنونَ هجاءَها. (إنكرام فرايزر ينظر الى السقف). لحظة! بصرفِ النظرِ عن صفاقةِ المؤلفِ وتصويري وكأنني سعيدٌ بهذا الوصفِ المَهين، احبُّ اخبارَكَ مستر جونز انّ وجودَ الإنسانِ في ظروفٍ قاهرةٍ يُجبرُهُ احياناً على مصيرٍ لا يُريدهُ بالضّرورة. فلو انني ابنُ ابيكَ لكنتُ انت، او كنتُ اميراً او حفيدَ قيصر ولما اضطررتُ الى مُعاشرةِ الأراذلِ والأوغادِ المبتذلين. (إنكرام فرايزر ينقر بأصابعه على الطاولة). اتقنتُ اللاتينيةَ وترجمتُ اوفيد، التي مُنِعتْ من الطّباعةِ بداعي الإساءة، مثلّما هاجموا مسرحيةَ ادوارد الثاني بسببِ الشّذوذ. للبطلِ علاقةٌ مِثليةٌ بأحدِ اعوانِهِ المُقرّبين. اما مسرحية تمبرلين فقد دشّنت العصرَ الإليزابيثي. كانت مسرحيةً ناجحةً بحقّ. صَنَعَتْ اسمي. فيها عرفتُ الشّعورَ بالمجد. كنتُ في الـ23 من عمري. في تمبرلين، انتقلَ الرّاعي من القَعرِ الى التاج، من الظلّ الى الضّوء. مَنْ يرتفع هكذا بلا اعتدالٍ سيفقدُ التوازن، ويَحسبُ الدّنيا كلّها تحتَ قدميهِ، وسيكونُ طبيعياً ان يفقدَ البصيرة. هو وهمُ السّلطة. انتَ على كُرسيّ في بيتِكَ المُتضعضع، وأنتَ على عرشِ المملكة؛ لا تتشابهان. لقد انتصرَ وفتحَ الممالِكَ، كَنَزَ الأموالَ ودانتْ لهُ الرّقاب؛ وآخرتُها؟ لا تستطيعُ انجازاتُ العبقريّ او القائدِ العظيم ان تصدّ ذلكَ الكيانَ الغامضَ المُكتَسِح: شبح الموت. هذهِ محطّاتٌ مهمةٌ من حياتي. (إنكرام فرايزر يبحلقُ في الفراغ). نتوّقف هنا مستر جونز. لا اجدُ تبريراً لهذهِ الاستطراداتِ المُستهلَكةِ من سيرتي الذاتية. كان من المفترضِ سيدي المؤلف ان نبدأَ من الذّروةِ بدلَ اللفّ والدّوران. اتُمّهِدُ للنهايةِ المُفجعةِ على حسابي؛ وتُريدُ منّي أن أرضى بدورِ الفريسةِ المُستسلمةِ لأنيابِ الضّباع؟
(مضاجعو الذّكور لا يرثونَ ملكوتَ الله)
بشأن الشّذوذ، (إنكرام فرايزر يهرش لحيته) لا ارى ضيراً في موقعِ الفاعلِ او المفعول. لأيّ سببٍ نعدّهُ امراً طبيعياً حين نولِجُ في المرأة، ونُسمّيهِ مع الرّجلِ انحرافاً يستأهلُ النبذَ والازدراء؟ (إنكرام فرايزر يتمّخط). هي العمليةُ ذاتُها، حلقةٌ وعمود. كانت المِثلية جُنوحاً لمجموعةٍ من المنبوذين؛ وسيأتي يومٌ يجتمعُ الأسوياءُ في اقبيةٍ سريةٍ للمطالبةِ بحقوقِهم المُغتصبة. (إنكرام فرايزر يستشيط غضباً). في طفولتي، ربيّتُ حمامتين: ذكر وأنثى. 
بعد التزاوج باضت الأنثى بيضتين، وفقّست البيضتان عن فَرخين. مات الفَرَخ الذّكر وبقيت الأنثى. كبُرَتْ. مرّت الأشهر. نسيَ الأبُ انها ابنتُهُ، جامَعَها. فقّسَ البيض، وهكذا دواليك. (إنكرام فرايزر يحكّ رأسه مستغرباً). عن اذنِكَ مستر جونز. انا ربيتُ حمامتين؟ يا ناس، يا عالم، هذهِ قضيةٌ مُختلَقةٌ ومكذوبةٌ. اتبرأُ منها امامَ مسامعِكم. وأرجو من المؤلفِ ان لا يُلقي بتجاربِهِ الشّخصيّةِ وعقدِهِ النفسيّةِ على حضرتي. يكفي ما في شخصيتي الأصليةِ من خللٍ حتى تُضيفَ اليها من خيالِكَ وإحسانِك! (بهدوء، يعود الى انكرام فرايزر) انطلاقاً من تجربتي مع الحمام، وتزاوجِ الأبِ مع ابنتِه، اريدُ تنبيهَكَ الى شيءٍ مهمّ جداً. الطّبيعة نفسُها لا تهتمّ بقوانينِنا، واللّذةُ فعلٌ حيوانيّ بحت، طفيفُ الصّلةِ بالعقلِ والأخلاق. وهنا ينعتقُ السؤالُ من عقالِهِ: لماذا نضطهدُ المُخالف؟ اعليهِ ان يَفنى اما بالاحتقارِ او الإهمالِ او بخنجرٍ او بإطلاقة؟ مستر جونز، لكلامي مغزى. ارجو التركيز. الاختلافُ ليسَ مُبرراً للموت. اليوم اعداء؛ غداً اصدقاء. دوامُ الحالِ من المُحال والدّنيا دوّارة. ما يريحُ التعساء، ان يكونَ لهم في التعاسةِ شُركاء. اتفقنا؟ ومسألةُ الشّذوذ لم تَثبُتْ اطلاقاً. ضعْ ذلكَ في حسابِكَ من فضلِك!
(قالَ الجاهلُ في قلبِهِ: ليسَ هنالك اله)
أنا مُلحِد. استحوذَ الشّيطانُ على روحي. لم اعدْ مؤمناً بما يؤمنون. لذلك اجدّفُ في المسرحياتِ والمنشوراتِ السّرية. تجديفي ردةُ فعلٍ على رَفضي للخديعة. امشي في طريقي الى الهلاك، مثلَ دكتور فاوست. اعلمُ ذلك. الهلاكُ ارحمُ من المستنقعِ الإيماني الآسن. (إنكرام فرايزر يستاء). كم هي مُضحكة! الطقوس، افعال الكنيسةِ، التعميد، العفو، الثياب الكهنوتية! والأحقرُ من كلّ ذلك: الخضوعُ للكاهن! هو كلبٌ يعوي من اجلِ اهدافِه. القصّةُ بالنسبةِ له قصّةُ سُلطةٍ وسياسة. استكلابٌ من اجلِ المكانةِ والمال. يصوّرُ الأبيضَ اسود والأسودَ ابيض. هل ادفعُ انا، والمُغَرّرُ بهم، ضريبةَ امتلاءِ كرشِ الكهنةِ وجيوبِهم؟ (إنكرام فرايزر ينفعل). مستر جونز، تمّهلْ ولا تحكم على الهَذْرِ السّابق. راجعْ مسرحياتي وسترى كيفَ ارسمُ الجنّةَ والجحيم. ارفضُ اتهامي بالدّعايةِ للكاثوليكية والإلحاد كما يُلّمحُ المؤلفُ الأفّاق. ضعْ هذا ايضاً في حسابِكَ وخفّفْ من انفعالِك. لا تجعل الاعتقادَ الدّيني يفصلُ بينَنا كبشر. الدّينُ يروح ويجيء، يعتقُ ويبلى؛ لكنّ الإنسانَ عملةٌ نادرة. ماذا قلت؟ ما يجمعُنا دائماً اكبرُ مما يفرّقُنا: انهُ القلب، التآزر، الترابطُ الإنساني.
(الكلّ باطلٌ وقبضُ الرّيح)
كنتُ نيزكاً، جئتُ خاطفاً وغادرتُ خاطفاً. انطوتْ صَفحتي بمكيدة. نجحَ المتآمرونَ لأنّ القاتلَ هو القاضي. اذا اكثرتَ من المَشكوكِ بهم ومن الدّوافعِ والتخمينِ في ايةِ قضية، ينتَفي تحديدُ الجاني. ومن  يقصد التسويف؛ يراكم التفريعات. لإخفاءِ الجريمة، جمهِرْ الأصابعَ التي تلعبُ في الخفاء. (إنكرام فرايزر يشرب). الأسباب مُعقدّةٌ في حالتي: عشقٌ دفعَ سيدةً الى تأجيرِ قاتلٍ كي تُبعدَني عن زوجِها. خشيةُ مالكِ الأراضي من الإدانةِ إذا اعترفتُ تحتَ التعذيب. اعتقادٌ انّ مسرحياتي تنطوي على دعايةٍ كاثوليكية. قتلٌ خطأ تحتَ تأثيرِ الخلافِ في استحصالِ الدّيون. تضحيةٌ بالجاسوسِ قبلَ انكشافه. خوفُ اعضاءِ مجلسِ الملكةِ الخاص من انكشافِ الحادِهم. انزعاجُ اليزابيث بسببِ سلوكي الإلحادي التخريبي. غيرةٌ وحسدٌ من علاقتي بسيدةٍ راقية. قلقٌ من اذاعةِ اسرارٍ يَمتلكُها رجلٌ ذو درايةٍ بخبايا المطبخِ الخفي، بصفتِهِ كاتبَ رسائل الملكةِ الخاصة! عددٌ هائلٌ من الأسباب الموجبة لموتي! وكأنكَ تصطادُ سمكاً بيديكَ في ليلةٍ عاصفةٍ من بحرٍ هائجٍ مُضطرم! في زوبعةٍ كهذه، ستغيبُ الحقيقةُ مهما كانت ناصعة. كانَ صراعاً بين الأفاعي؛ ذهبَ طائرُ السّنونو ضحيةً له. (إنكرام فرايزر يشرب ثانية). مستر جونز، بعيداً عن سردِ المؤلفِ المُريب لمُلابساتِ مَقتلي؛ نتفقُ على انها نزوةٌ بشرية. دعنا نتأمل بالعواقب، بالألم، بالمعاناةِ التي سبّبتْها، ونتراجع. توجدُ امكانيةٌ حتى للشّيطانِ بالعودةِ الى رُشدِه. وهذا خطأُ فاوست. اعطتْهُ الطّبيعةُ قدراتٍ خارقة، وحذّرتْهُ في اشاراتٍ واضحة؛ اهملَها واستمرَّ مثل قشّةٍ في تيار جارِف. (إنكرام فرايزر يبصق جانباً). أنا نفسي انكرُ على نفسي عُنجهيتي مع فاوست. لم اتركْهُ حرّاً يختارُ طريقَهُ؛ بل اجبرتُهُ على الخاتمةِ المُحتّمة؛ وقد ندمتُ على ذلك.
(لا تشمتْ بموتِ أحد. اذكر انّا بأجمعِنا نموت)
أقولُ لمن يتشفّى بموتِ المُلحدينَ امثالي فَرَحَاً بتحققِ عدالةِ السّماء: اصحَ يا نائم! اذا كانَ المرضُ عقوبةً فأنتَ ايضاً تمرضُ مثلنا بل اشدّ منّا احياناً. وإذا كانت الشّيخوخةُ قَصاصاً فلن تهربَ منه. هل لكَ ان تُخبرني اين جزاءُ الطّغاةِ والسّفاحينَ على مرّ التاريخ؟ لقد ماتوا على فراشِهم بعد ان قضوا 90 عاماً بهناءٍ وسعادة. الا تكونُ عدالةُ السّماءِ سريعةً ومُستعجِلةً الا معي بحيثُ تخطفُني في ريعانِ الشّباب؟ دعكَ من هذا، مُهرطقٌ بائسٌ مثلي واقتصّتْ منهُ السّماء، كيفَ تعاملتْ عدالةُ السّماء مع مستر ابليس؟ تَرَكتْهُ طليقاً، زوّدتْهُ بقابليةٍ مُذهلة مع تسهيلاتٍ غير محدودة وبأعوانٍ قادرينَ على اختراقِ الأستارِ والنفوسِ والأرواحِ، وسمحتْ لهُ بإغواءِ وإفسادِ البشريةِ كلّها. كان تأثيري مُقتصراً على ثُلّةٍ من اصدقاءِ السّوء؛ وشيطانُ السّماء هو من تُعلّقونَ على رقبتِهِ كلَّ اخطاءِ الوجود. (إنكرام فرايزر يلتقطُ شيئاً وقع تحت الطاولة). دعكَ من هذا ايضاً، وهل الانتقامُ حاضرٌ في الأوبئةِ العامةِ والحرائق التي تأكلُ الأخضرَ واليابسَ او في بُركانٍ يُدّمر القرى؟ ما هو رأيكَ في انهيارِ كنيسةٍ على مؤمنينَ مُتعبّدينَ في لحظةِ نشوةٍ الهية؟ الوباءُ الكبير لم يُميّزْ بين زنديقٍ وطفلٍ وشيخ. (نوبة سعال لإنكرام فرايزر). اوه مستر جونز اعذرني، لقد ادخلتُكَ في مَعمعةٍ لا دخلَ لكَ فيها. لا اريدُ ان الغي وجودَكَ؛ لكنّ المؤَلفَ يستخدمُني كي اعبّرَ عن آرائهِ، وهي مصيبةٌ ان تقعَ بين يدي صانعٍ مُحتال. صدقاً، انا نادم. رَفَعَني موجُ الحياةِ الى القمّةِ وأَنزلَني بلمحةٍ الى الحضيض. ولو كانَ لي ان اعيشَ حياتي من جديد، لعشتُها بطريقةٍ مختلفة، وأجّلتُ موتي 20 سنةً على الأقل. وأنتَ مستر جونز لا تستسلمْ للقدر، لا تلتزمْ بالمرسوم. تُعيدُ فعلتَكَ نفسَها! تمّرّد. هل جئتَ لتجلسَ صامتاً كالتمثال ثمّ في الختام تطعنُ وتهرب! غَيّرْ مصيرَك!
 (يا حزقيا: ازيدُ على ايّامِكَ خَمسَ عَشرةَ سَنةً)
بعدَ هذهِ العِشرة، اتوّقعُ ان نتصافحَ انا وأنتَ، فقد صحا ضميرُكَ اخيراً وعَدَلتَ عن فكرتِكَ الطّائشة. لا تُفكّرْ بأنانيةٍ على اعتبارِ انهم سيُخرجونَكَ براءة من الحَجزِ بعدَ الجريمةِ بشهر. (إنكرام فرايزر يشير الى الخارج اشارة سريعة). أرى في عينيكَ نظرةَ رضى وقناعة. ارجوك، ارفض الرّضوخَ لرّغبةِ القتل. ادحض الهرطقةَ بالهرطقة، وحارِب الكلمةَ بالكلمة. إذا خِفْتُم على الأسرارِ، اقطعُ لكم عهداً بعدمِ افشائها، والدّيون تُدفع. تَعْلَم مستر جونز انّ افدحَ الخصوماتِ تُحلُّ بالعقل. ماذا استفادت البشريةُ من القتل؟ وهل هو هيّنٌ انكَ بثانيةٍ واحدةٍ تُنهي روحاً بشرية؟ (إنكرام فرايزر يعاود الإشارة الى الخارج اشارة سريعة). هناك انسانٌ يقضي على الافِ الأرواحِ برمشةِ عين؛ وآخرُ يُزيلُ الحشراتِ الصّغيرةَ عن طريقِهِ لكيلا يؤذيها. هل هذا انسان وهذا انسان؟ ما الشّيءُ المُشتركُ بينهما، ولماذا يبدو الإنسانُ احياناً وحشاً قاسياً لا رحمةَ ولا كرامةَ ولا اعتبارَ لشيء عندَهُ؛ وأحياناً تنحني لهُ الملائكةُ من رقّتِهِ وإنسانيتِه؟ الى من تُريدُ ان تنتمي؟ (إنكرام فرايزر يشرب كأسه بسرعة). القضيةُ كالتالي مستر جونز: يُريدُ المؤلفُ ارضاءَ التاريخ او نزعةَ العقابِ او الفرضيةَ الأرجح؛ بينما نحنُ من يعيشُ الآن وليسَ هو، انا وأنتَ هنا، لا سيطرةَ لأحدٍ علينا. لماذا نُذعنُ لهُ ولا تكونُ لنا شخصيتُنا المُستقلّة؟ لماذا نقبلُ بالموتِ كنهايةٍ تقليدية؟ لا تنسَ ان هناكَ رواية على انني خرجتُ من الحانةِ واختفيتُ، ثم عدتُ بشخصيةٍ مستعارةٍ اسمها شكسبير. الخلاصة، جاءتَك الفرصة، وجاءتني، ان يُسامح كلّ منّا الآخر. بعيداً عن كلّ ذلك، انا الآن في الـ29 من عمري. ترجمتُ أوفيد وكتبتُ تمبرلين ودكتور فاوست ويهودي مالطا، استخدمتُ الشّعرَ المُرسلَ وأوسعتُ مدى المسرحِ لاستقبالِ الفلسفة. تخيّلْ.. تخيل لو انني اخذُ فسحةً اطولَ من الزّمن ماذا يُمكنُ انْ اضيفَ من افكار وأُنجزَ من عوالِم! على الأقلّ يصححُ الخيالُ ما افسدَتْهُ الأيام. الا يبدو كلامي مُقنعاً؟ اترُكْني يا مستر جونز لشبابي وطموحاتي. انتَ مثلي من ورق، وستختفي. لا تجعلْ صورتَكَ في التاريخ بشعةً ومُنحّطة. انتصرْ لنفسِكَ ودعْني اذهب. سأقفُ مستر جونز؛ ارجو ان تبقى جالساً في مكانِك. لا ارغبُ ان اجرحَ صدغَكَ او تجرحَني فوقَ الحاجب. اتمنى ان يكونَ وقوفُكَ الآن لتبادلِ التحيّة وليسَ لأيّ شيءٍ اخر. امل انّ نظرةَ عينيكَ هي طبيعةٌ شرسةٌ فيها؛ وليسَ لتصميمِكَ على فعلٍ مُباغت. وضعُكَ ليدِكَ في جيبِكَ مستر جونز دليلُ راحةٍ نفسيّةٍ، على ما اتمنى، وليسَ اخراجاً لسكينٍ مسمومة.
(إنكرام فرايزر يطعن مارلو ويهرب)
آه! القوّةُ رمزُ الوجود، الطّموحُ شَبحٌ يُرعِبُ العالم. كانَ على فمِهِ كلماتٌ لم يقلْها بعدُ، وآمالٌ يُضارِعُ بها السّماء. 
(يقع مارلو صريعاً)
                                 ستار 

العراق 2021

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption