«أحلام الصعاليك» لـ محمد الطيب: المسرح المتقاعد!
مجلة الفنون المسرحية
يختصر عرض «أحلام الصعاليك»، مأساة سورية كاملة في حكاية تتويج «سلطان الزمان» (زهير بقاعي) على سلطنته المتخيلة التي يرغب ـ منذ توليه مقاليد حكمها ـ في التنكر برفقة وزيره (اسكندر عزيز) بثياب العامة، والنزول إلى الشارع للوقوف على هموم الناس ومشاغلهم، من دون الإصغاء لما يكيله (وزير الزمان) لسلطانه الشاب من نصائح وتقاليد يجب على ملك البلاد اتباعها في معاملة الدهماء والعامة، مقارباً نصائح كتاب «الأمير» لميكافيلي. القصة التي اقتبسها محمد الطيب مخرج وكاتب العرض من حكايات «ألف ليلة وليلة» جعلت من «الرعية» في الليالي العربية «شعباً أخرس»، شعباً لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، مجموعة من «القرود الطُرش والصُم والبكم» في مواجهة «سلطان جائر» أطلق «عيونه» في كل مكان لتستتب له أمور الحكم والعباد.
يبدو الإسقاط على حال البلاد الراهن من خلال تقليب السلطان لخفايا حياة الناس، وخوفهم من عسَسِه الذي أحال حياتهم كابوساً، بمثابة تورية جعل منها الطيب بعد غيابه عن خشبة المسرح القومي لسنوات، فرصةً لطرح سؤال قديم جديد عن طبقة تجار الحرب والسياسيين: «من أين لكَ هذا؟»، سؤال يطرحه عرض «أحلام الصعاليك» مستعيداً أسلوب تلك التجارب البريئة التي رافقت تأسيس المسرح القومي عام 1960، مقتبسةً أجواء مدينة بغداد العصر العباسي، كي تقدم مسرحاً سياسياً تتخلله «نمرات» راقصة قدمتها فرقة «أميّة للفنون الشعبية»، لكن يبقى الفن عموماً ولاسيما المسرح ليس ماذا تقول؟ بل كيف تقول؟
الفرجة العربية
بدت «أحلام الصعاليك»، برغم حشدها لعددٍ كبير من الممثلين والراقصين، نازعةً نحو صيغة متحفية؛ اعتمدت على إعادة ما يشبه «تأصيل أصول» الفرجة العربية ضمن قالب متقاعد فنياً؛ فالديكور المتناظر بين «دكان الورّاق» (هاني شاهين) و «مقهى الأحلام»، جمع بين مدينتي بغداد العصر العباسي ودمشق العهد العثماني في اللحظة عينها، ومن دون أدنى محاولة للتفريق بين زمنين تداعت فيهما شخصيات العرض لإلقاء مونولوجاتها المطوّلة؛ دامجةً قصة «الشاطر حسن» وحديثه مع «فتنة» (تماضر غانم) بطريقة السيرة الشعبية، وصولاً إلى مشاهد غنائية راقصة كانت في مجملها مشاهد تزيينية لا من بنية العرض، بل كاستراحات ترفيهية بين لوحات السوق ومقهى الحكواتي ودكان الورّاق وقصر الخليفة. فرجة عادت بجمهور مسرح القباني أكثر من نصف قرن إلى الوراء، وكأنها لم تشاهَد أو ترى عروض المحترف السوري المعاصر الذي خرج نهائياً عن أنماطه التقليدية، وطوّر عبر سنوات طويلة مختبراً متقدّماً على صعيد الكتابة والإخراج وفن الممثل، متجاوزاً بذلك تلك الملامسات الخجولة لخروج الممثلين من بين كراسي الصالة، بغية تحقيق ما يُعرَف بكسر الجدار الرابع بين الجمهور والخشبة، ومن دون تحقيق أدنى أنواع الصراع المسرحي الذي اقتصر هنا على استعراض المناظر المكتظة في فضاء اللعب على حساب استظهار أقوال مأثورة ومباشرة فنية أغلظت قولها منذ اللحظات الأولى للعرض بخروج «أصحاب الشرطة» من بين كراسي المتفرجين والتلويح لهم بالعصي والهراوات، وتهديدهم بالإصغاء للمسرحية، في محاولة مخرج «أحلام الصعاليك» تحويل الجمهور إلى «رعية» لفرجته البائدة، وانتزاع اعتراف متأخر بأطلال مسرح الأمس.
----------------------------------------------------
المصدر : سامر محمد اسماعيل - جريدة السفير
0 التعليقات:
إرسال تعليق