أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 18 ديسمبر 2025

أنسنة النظم الاقتصادية في مسرح برنارد شو

مجلة الفنون المسرحية
 
مسرحية بيت القلوب المحكمة لجورج برنادشو

أنسنة النظم الاقتصادية في مسرح برنارد شو 

*د.اماني فهيم 

في تعريفه للاقتصاد أوضح "آدم سميث" بأن علم الاقتصاد هو العلم الذي يهتم بكيفية  إشباع الحاجات البشرية من السلع ،وكيفية   انتاج السلع والخدمات اللازمة لتحقيق  هذا"الإشباع”.
وهو التعريف الذي يؤكد ارتباط الأنظمة الاقتصادية بحياة وأحوال البشر علي الأرض،وقد ظهرت العديد من النظم الاقتصادية  بحلول القرنين الثامن عشر والتاسع عشر،وكان من أهمها النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي.


وبينما كان يقوم النظام الرأسمالي علي الملكية الفردية لوسائل الانتاج، هادفا للربح،كان النظام الاشتراكي يركز على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج،ويسعى لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع البشر .

وقد ظهرت الجمعية الفابية  عام 1884 ،وهي جمعية بريطانية كان يسعى أعضاؤها لنشر مبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية ، وكان أهم أعلامها هم"برنارد شو"، "سيدني ويب" و"إدوارد بيل"،وقد كان برنارد شو من أهم كتاب المسرح الذين اهتموا بالإنسان، وأسلوب حياته،والقوانين التي تحكمه. ولذا فإن قد وجد النظام الاشتراكي الإنساني لمبادئ التي تحترم حقوق وآدمية الإنسان بديلا كريما عن النظام الرأسمالي، الذي لا يعبأ على الإطلاق الآدمية الإنسان ولا يهتز إلا بوضع الثروات في أيدي عدة أشخاص تتحكم في حياة الشعوب دون رحمة أو إنسانية.

ومن هنا سخر شو -في كثير من الأحيان - كتاباته و مسرحياته لشرح التناقضات الموجودة بين النظامين  الرأسمالي و الاشتراكي، مؤثرا النظام الاشتراكي الذي كان يرى فيه جوانب إنسانية يسحقها النظام الرأسمالي.
 
ولذا فقد قام "شو" بتأليف كتاباً بعنوان "دليل المرأة الذكية في الحب والاشتراكية  "، قدم شرحا مبسطا للمفاهيم المعقدة في السياسة والاقتصاد ووجه فيه انتقادا لاذعا للنواقص التي تعاني منها هذه الأنظمة.
وقد وجه شو أفكاره للمرأة إيمانا منهم بأن المرأة ليست نصف الرجل،بل هي إنسان كامل الأهلية.
أما في المسرح، فكان من أهم أعماله المسرحية  مسرحية’’مهنة مسز وارين “، ومسرحية  "منازل الأرامل". وقد عمد فيها شو إلى تجسيد النظامين الاقتصاديين،الرأسمالية والاشتراكية،من خلال شخصيات تعاني من وطأة النظام الرأسمالي، وشخصيات أخرى تجسد قسوة ولا إنسانية هذا النظام. 

ولذا فقد أشار في مقدمة  مسرحية "مهنة مسز وارين" أنه لا توجد إمرأة عادية ترضى لنفسها احتراف الدعارة إذا وجدت وسيلة محترمة للمعيشة،كما أن لا توجد إمرأة تسمح لنفسها أن تتزوج من أجل المال إذا كان في إمكانها أن تتزوج من أجل الحب. 
فبطلة المسرحية “مسز وارين “ تضطر للمتاجرة في شرفها واحتراف مهنة البغاء للحصول علي مال لشدة فقرها وعدم وجود أية حماية اجتماعية،وخاصة أنها تنتمي لأسرة فقيرة معدمة،تموت إحدى بناتها بعد تعرضها للإصابة بالسل جراء عملها طوال النهار في أحد مصانع الرصاص مقابل بضعة شلنات قليلة،لذا لا تجد “وارين’’ في النهاية سبيلا للهروب من مستنقع الفقر ،إلا بالالتحاق بركب هذا المجتمع الرأسمالي القاسي، فتلجأ هي لبيع نفسها مقابل النقود،وعندما تتطور أحوالها للأفضل، بعد احترافها مهنة البغاء، تتحول من ضحية إلى شريكة في هذا النظام و تبدأ هي الأخرى في إدارة عدة فنادق لممارسة الدعارة،بعد أن اكتشفت أن البشر مجرد سلع،تباع وتشترى،  مؤكدا لإبنتها أن المال يعني “كل شيء تحبينه ،وكل شيء ترغبينه،و كل شيء يمكن أن تفكري فيه “. 
أما في مسرحية “بيوت الأرامل“فنجد نموذجا صارخا لتوحش الرأسمالية من خلال شخصية"سارتوريوس” الذي يمتلك حي كامل في لندن يقوم بتأجير المنازل فيه للفقراء، مقابل الأموال التي يمتصها من دمائهم، دون أية اعتبارات لتحسين أو الإنفاق على هذه المنازل بحيث تكون ملائمة لآدميتهم ،وليس أدل على ذلك من تعنيفه لسكرتيره عندما أخبره بأن قد أنفق جنيها وربع جنيه علي ترميمات في أحد المنازل لتصليح الدرج ،الذي لم يكن بالطابق غير ثلاث درجات فقط، زيادة على أن الحاجز متآكل ، فيعنفه ويثور عليه عليه قائلا “قد حذرت من النظر لهذه المساكن علي أنها مساكن راقية”، فيأتي رد السكرتير مؤكدا مدى الإجحاف والقهر الذي يتعرض له هؤلاء هؤلاء المساكين نتيجة عدم وجود حماية لهم من أمثال هذا الرأسمالي الانتهازي"لكنك لن تجد أي مخلوق يستطيع أن يبتز لك من أولئك الفقراء الملاعين كما أستطيع أنا،أو ينفق في الترميم أقل مما أنفق أنا” وهكذا نرى أن “شو” لم يعمد إلى التلقين والتوجيه المباشر عند شرحه مساوئ النظام الرأسمالي، واحتياج الناس إلى مظلة الحماية الإشتراكية التي لا تهدف إلى الربح بقدر ما تهدف إلى الحياة الكريمة  للبشر، وقد استطاع من خلال خلق رسم شخصياته أن يجسد المفاهيم الاقتصادية الجامدة، صعبة الفهم على العامة بشكل بسيط إنساني، جعل من هذه المفاهيم شخصيات تتحرك أمام جمهور المسرح، فيستوعب هذا الجمهور ما استعصى عليه في علم الاقتصاد. 
   هوامش
١-آدم سميث:ثروة الأمم.
٢-جورج برنارد شو:مسرحية مهنة مسز وارين.
٣-جورج برنارد شو:مسرحية بيوت الأرامل.
٤-جورج برنارد شو:كتاب دليل المرأة الذكية في الحب والاشتراكية.
          
                                                                                           
                                                                      *    أستاذة النقد المسرحي والدراما                      كلية الآداب- جامعة حلوان- مصر


0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption