مسرحية " الغروب " تأليف : سرحان الركابي
مجلة الفنون المسرحية
(مسرحية بفصل واحد )
الشخصيات :
1 – رجل متوسط العمر
2 – فتاة تضع اولى خطواتها على اعتاب الانوثة
3 – عجوز تتسلق الزمن فتنعكس صورتها على مراة الحقيقة
4 – الملاك حارس الرغبة وكاشف الاسرار
5 – عجوز يتهاوى عند حافة القبر
المشهد الاول
ترفع الستارة عن فضاء مفتوح وممتد الى حيث يتلاشي في محيط من الظلام .
. الفضاء يرسم مكانا خاليا من اي نوع من انواع الاثاث باستثناء برج حديدي
يتوسط المكان والى اليسار كومة من التراب قرب حفرة صغيرة تبدو وقد حفرت حديثا , وقريبا من البرج هناك كرسي وحيد وضع في المكان الخالي
نشاهد رجل كبير في السن عجوز يجلس وحيدا وصامتا قرب الحفرة وهو ينظر الى الحفرة وكانه ينتظر اللحظة التي ياتي احدهم ليرميه فيها
يدخل الرجل بتردد وخوف وكانه يخشى ان يداهمه الظلام او ان اشباحا تسكن في الفراغ تريد ان تهاجمه
الرجل – ( يتوجه الى الجمهور ) مرحبا ايها الجمهور الكريم , كنت اود ان اعرفكم
بنفسي ولكن للاسف الشديد , فان المؤلف لم يضع لي اسما , كنت اود
ان اقول لكم من انا وما هي قصتي , لكني لا اعرف لي اسما , وما
اعرفه هو انني اعرف من انا , فرغبتي بالحديث اليكم وفضح اسرار ذلك
الكائن الذي يرقد في اعماقي هو دليل على وجودي بينكم ,
انا ارغب اذن انا موجود . لقد اكتفى المؤلف بوضع اسم الرجل امام كل
دوري وحواري , اذن فانا رجل من هذا العالم ولا اختلف عنكم بشي
فكلكم هكذا , كنتم بلا اسماء , وقد ولدتكم امهاتكم وانتم عراة بلا عناوين
ولا اسماء , ثم جاءت الاسماء لاحقا والصقت بكم مثل ظلال تعكس
اشباحكم , وكلكم اشباح ولا فرق بينكم سوى الاسماء التي تكتب في
بطاقاتكم الشخصية ,
يتحرك الرجل من مكانه حذرا متوجسا ثم يقترب من الكرسي الوحيد ويتلمسه
وكانه يريد ان يكتشف حقيقته ثم يجلس
الرجل – حسنا دعوني اقول لكم ما هي قصتي , هل تودون معرفة قصتي
قد لا تصدقون اذا قلت لكم ان قصتي هي عدم وجود قصة , فكل ما
تسمعونه من قصص وحكايات هي من نسج خيالنا نحن البشر , وكما
تعرفون فنحن البشر اكبر كذبة اخترعها الوجود , نحن نكذب وننافق وننشر
الاقاويل والاشاعات والدعايات وكلها كذب في كذب , ونخترع
الخرافات والشعارات والامجاد والبطولات وكلها سجلات للزيف والخداع
والتظليل والاستغلال , ثم اننا احيانا لا نفرق بين الوهم والحقيقة , فقد
تكون الحقيقة هي الوهم والوهم هو الحقيقة خاصة اذا ما علمنا ان الحدود
الفاصلة بينهما هي حدود شفافة وهلامية ومطاطة ,
تدخل الفتاة وهي تتحرك بخطوات سريعة وتتـأرجح وكأنها تقلد لعبة من العاب الفتيات الصغيرات , ثم تتوقف لحظة وتنظر الى الرجل
الفتاة – هي , يا انت , يا هذا ( الرجل لا يسمعها ) انني اناديك الا تسمع ؟
الرجل – تقصدينني
الفتاة - نعم اقصدك
الرجل - ماذا تريدين ؟
الفتاة - الم تشاهد احدا مر من هنا
الرجل – ومن تظنين ؟
الفتاة - شاب طويل ملتحي وسيم واشقر
الرجل - حسنا , لم اشاهده اذن
الفتاة – اياك وان تكذب
الرجل – تحذرينني ؟
الفتاة – انبهك فقط
الرجل - انت وقحة اذن , ما هي غايتك ؟
الفتاة - لست وقحة اردت ان اعرف فقط
الرجل – تعرفين ماذا ؟
الفتاة – ان كان احدهم قد مر من هنا
الرجل – لا يمر من هنا سوى هياكل بشرية متشابهة , اذن هم مجرد سراب
الفتاة – انت تصفهم هكذا بينما هم بشر وليسوا هياكل
الرجل – بل كل الناس هنا مجرد هياكل متشابهة فهم ليسوا سوى ارقام اذن
الفتاة – صفه لي اذن
الرجل – اصف ماذا ؟
الفتاة – الهيكل الذي رايته
الرجل – انه مجرد رقم لا وصف له
الفتاة – لانك رقم على لائحة الانتظار تتصور كل الناس مثلك
الرجل – ومن الذي يختلف عني , ها , قولي من هو الذي يختلف ؟ السنا نتشابه
في كل شي , في الولادة والحياة والممات والنزوات والحماقات
الفتاة – لكن بعضنا يحمل في راسه حلما والبعض الاخر راسه فارغة تماما
اليس هذا اختلافا ؟
الرجل – لا ليس اختلافا فالحلم مجرد فراغ ايضا
الفتاة – بل هو كثافة
الرجل – بل هو يشبه خيوط الليل او مسامات الضوء , وكل هذه الاشياء تتلاشى
في زمن ما , اذن هي مجرد فراغ
الفتاة – وانت ماذا عنك ؟
الرجل – انا علبة صفيح فارغة
الفتاة – والصفيح يختلف عن الفراغ , اذن انت تميز نفسك
الرجل – لا اتميز بشي الا بكوني اشعر بتميزي
الفتاة – اعترف ان في داخلك روح نرجسية خامدة , فلا معنى لتقييماتك المتعسفة
الرجل – اعطني وصفا بلا تعسف او رايا بلا تحيز
الفتاة – وهل هذا يعني ان الاشياء ليست مستقلة عن وعينا ؟ يعني هل الشاب
الاشقر موجود في الحقيقة ام انه مجرد وهم ؟
الرجل – لا يهم ان كان موجودا ام لا بل المهم هو احساسك انت به
الفتاة – بل هو موجود وقد رايته وقابلته عدة مرات تحت هذا البرج
الرجل – حتى وان قابلته مئة مرة فهو حقيقة تتغلغل في اعماقك فقط
فلا تراوغي
الفتاة – كل ما هناك ان لدي موعدا مع ذلك الشاب الاشقر فيما انك تبدو متبرما من
كل شي فتحول السؤال الى متاهة
الرجل – لست انا من حول السؤال الى متاهة , بل الحياة هي نفسها متاهة كبيرة
الفتاة - ( تنفعل ) انت مضجر ولا جدوى من سؤالك ( تنصرف وتتجه نحو البرج
الحديدي )
الرجل – الى اين انت ذاهبة ( الفتاة تقف وتنظر بعدم اكتراث ثم تواصل سيرها )
لقد نسيت انك على موعد مع اوهامك
الفتاة – وما ادراك , فقد يكون كلامك هو الوهم
الرجل - لا تعودي الى سؤالي مرة اخرى
الفتاة – كي لا احصد الندم ؟ اليس كذلك ؟
الرجل – كي لا تري الاشياء على حقيقتها ,
فجأة يصرخ الرجل العجوز بصوت مرتفع وينادي
العجوز – ايها الناس , ضعوا كل امتعتكم واستعدوا للسفر
ينتبه الرجل والفتاة وينظران الى الشيخ العجوز الذي يقف على حافة الحفرة
العجوز – من منكم يستطيع ان يدلني او يخبرني , ايهما افضل بين ان اكون فوق
هذه الكومة او تحتها ؟
الفتاة – وهل هذا ضروري ؟
العجوز – اريد ان اعرف فقط
الرجل – تعرف ماذا ؟
العجوز – هل من الضروري ان امكث طويلا هنا ؟
الرجل - تقصد على هذا الحال ؟
العجوز – بالضبط
الفتاة – لكنك يجب ان تسأل نفسك اولا , ايهما افضل ان تكون في متاهة السؤال
ام متاهة الصمت
العجوز – لكني اعتقد ان من الحكمة ان نسال
الرجل – ومن الحكمة ان نتساءل قبل ان نسأل
العجوز – لا تتفلسف , فانا اقف في مكان لا يحتمل التاويل
الفتاة – يا عم انصحك ان تغادر هذا المكان
العجوز – لست انا من يقرر
الفتاة – اذن واجه مصيرك
العجوز – كلنا سنقف هنا ولا مفر امامنا , لكن الفرق بيني وبينكم ان دوري قد حان
وادواركم لم تحن بعد
الفتاة – اذن دعنا نبحث عن خيارات اخرى
الرجل – كل الخيارات متشابهة , فلا داعي للبحث
الفتاة – انت مضجر
الرجل – وانت غافلة عما يدور حولك
الفتاة – سياتي الشاب الاشقر كما وعدني , وسنلتقي هناك تحت البرج كما اعتدنا ان
نلتقي
الرجل – حتى وان جاء الشاب الاشقر فلن يتغير شي في الوجود , وستشرق
الشمس وتغيب في موعدها الذي اعتادت عليه
الفتاة – انت مثير للشفقة , حقا ايها الكهل , لقد شاخت احلامك
الرجل – الحلم لا يشيخ
الفتاة – بل يشيخ ويهرم
الرجل – لانه من ضباب , لانه من سراب فالحلم لا يشيخ ولو شاخ فعلا فهو ليس
بحلم
الفتاة – بل هو حلم , والحلم يشيخ ويهرم ويتعثر ويموت ويذوي
المشهد الثاني
نفس المكان والاثاث والديكور في المشهد الاول
يدخل الرجل بتردد وحذر , يتجه الى البرج الحديدي ويقترب منه بخطوات وئيدة ثم يقف ازاء البرج وكأنه ينصت الى اصوات قادمة من بعيد
تدخل المراة العجوز وهي تبحث عن شي ما اضاعته
المراة – ايها الناس , يا من يسمعني ( الرجل ينظر اليها بصمت ) لقد اضعت
حقيبتي , فمن راى منكم حقيبة فاليدلني عليها
الرجل – ماذا اضعتي ؟
المراة – الم تسمع ؟ , لقد قلت حقيبتي
الرجل – اها , حقيبتك , وماذا فيها ؟
المراة – فيها اشيائي الخاصة
الرجل – ( باستغراب ) اشياءك الخاصة ؟ مثل ماذا ؟
المراة – اذا لم تفهم ماهي الاشياء الخاصة للمراة فمن الافضل ان لا تسأل
الرجل – اوه , حسنا حسنا عزيزتي , دعينا نبحث عنها , اين اضعتيها ؟
المراة – هنا في هذا المكان ,
الرجل – هل انت متأكدة ؟
المراة – بكل تاكيد , لقد اضعتها هنا , قرب هذا البرج
الرجل – وماذا كان يوجد فيها ؟
المراة – قلت اشيائي الخاصة
الرجل – مثل ماذا ؟
المراة – ( بنفاذ صبر ) اشيائي الخاصة مثل كل الاشياء النسائية , مرآة وقلم كحل
واحمر شفاه , وعطر وورق كلنكس , وبعض النقود
الرجل – وما نفع هذه الاشياء ؟
المراة – يالك من احمق , لقد اضعت اشيائي الخاصة
الرجل – لا اعتقد انك بحاجة الى هذه الاشياء التافهة
المراة – تقول تافهة ؟
الرجل – ولا تستحق اضاعة الوقت ؟
المراة – بل هي اشياء ضرورية وليست تافهة , المرآة مثلا اليست ضرورية ؟
الرجل – ماذا تصنعين في المرأة ؟
المراة – ارى وجهي فيها
الرجل – اؤكد لك عزيزتي ان بامكانك الاستغناء عن مثل هذه الاشياء التي لا قيمة
لها وبامكانك ان تري صورتك وهي تنعكس في وجوه الاخرين من
حولك , انظري الي وسترين حقيقتك تنعكس على تعابير وجهي
المراة – لكننا احيانا لا نستطيع قراءة تعابير الاخرين بكل امانة وصدق ,
الرجل – لا حاجة لك للقراءة , يكفي ان نتحسس مشاعر الاخرين تجاهنا
المراة – التعابير تخوننا احينا
الرجل – التعابير فعل لا ارادي وهي لا تخون ابدا
المراة – حسنا وكيف استعيض عن قلم الكحل واحمر الشفاه والنقود
الرجل – يالك من حمقاء حقيقية , ما نفع قلم الكحل , اليست هذه خدعة ؟
المراة – خدعة ؟ كيف تكون خدعة ؟
الرجل – اذا لم تكن عيناك واسعتان فلا حاجة لتوسيعهما بالكحل واذا لم تكن شفتاك
متوردتان وحمروان فلا حاجة الى احمر الشفاه ,
المراة – انت لا تفهم ماذا تعني كلمة مراة فلا تتفلسف
الرجل – بل افهم حقيقة المراة اكثر منك رغم انك امراة
المراة – لا توجد مراة بلا ادوات زينة , والمراة التي بلا ادوات زينة ليست
امراة حقيقية
تدخل الفتاة وهي تتحرك وتتارجح وكانها تقلد لعبة من العاب الفتياة الصغيرات
تقترب من الرجل وتتطلع اليه بفضول وامعان ,
الفتاة – هي يا انت ......
الرجل – ( يقاطعها ) لم ارى احدا يمر من هنا
الفتاة – لكني لم اسأل بعد
الرجل – اعرف انك تسالين عن الشاب الاشقر
الفتاة - واعرف انك تنكر وجوده حتى وان رايته فعلا يمر من هنا
الرجل – واعرف انك لا تصدقين عدم وجوده حتى وان لم تريه في حياتك
الفتاة – لكني رايته فعلا , والتقيت به تحت هذا البرج
المراة – يبدو ان الناس قد فقدت حياءها
الفتاة – اظنك تقصدينني ؟
المراة – ( تشيح بوجهها بعيدا عن الفتاة وتنظر الى الرجل ) جيل غريب لم
يعد يحترم احدا ولا يقيم للاخلاق وزنا
الرجل - امام الرغبات تتوقف الاخلاق
المراة – ماذا تقصد ؟
الفتاة – يقصد ان كل رغبة هي تعبير عن حياة ما
الرجل – وكل حياة هي انعكاس لرغبة ما
المراة – وادوات الزينة هل هي رغبة ام حياة
الرجل – بل هي رغبة في الحياة
المراة – واذا كانت رغبة هل من المنصف ان تضيع رغبتي
الرجل – الرغبة التي لا حياة لها هي مجرد عبث
المراة – والعبث اليس رغبة غير منتظمة
الرجل – بالفعل , ولانها غير منتظمة فهي فوضى
الفتاة – ( تقاطعهما ) كم الساعة الان
الرجل – نحن على وشك الغروب
الفتاة – حسنا سانصرف ريثما يحل الغروب
المراة – اذا وجدتي حقيبة فيها اشياء نسائية فهي لي
الفتاة – ومن تراه سيهتم لحقيبة قديمة فيها ادوات زينة
المراة – ماذا تقصدين ؟
الفتاة – اقصد ان ادوات الزينة غير قادرة على ايقاف زحف الزمن
المراة – يالك من لعينة
الفتاة – انت تثيرين الشفقة
المراة – انت مجرد فتاة عابثة
الفتاة – وانت طبل مثقوب
الرجل – لماذا تكرهان بعضكما ؟
الفتاة – انا اشفق عليها ولا اكرهها
الرجل – بل تتزاحمين معها , فلديكما رغبة واحدة
الفتاة – انا اتزاحم مع هذه العجوز ؟
الرجل – ما دمتما تمتلكان نفس الرغبة فلابد ان تتدافع رغباتكما
الفتاة – عندما ياتي الشاب الاشقر ستتغير اشياء كثيرة
المرأة – ( باستهزاء ) وهل تتوقف الشمس عن الشروق مثلا
الفتاة – لا , لكن , ربما نرمي ببعض الاشياء التافهة في سلة المهملات
الرجل – ذلك يتوقف على رغباتكما
المراة – وعندما لا ياتي الشاب الاشقر هل سنكف عن الاوهام ؟
الفتاة – الشاب الاشقر حقيقة وليس وهما , وهو اكثر حقيقة من تلك المساحيق
التي تمنحنا شعورا خادعا بالسعادة
الرجل – كفا ثرثرة
العجوز – ايها الناس , ضعوا كل امتعتكم واستعدوا للسفر
ينتبه الرجل والفتاة والمراة وينظرون الى الشيخ العجوز الذي يقف على حافة الحفرة
العجوز – من منكم يستطيع ان يدلني او يخبرني , ايهما افضل بين ان اكون فوق
هذه الكومة او تحتها ؟
الفتاة – وهل هذا ضروري ؟
العجوز – اريد ان اعرف فقط
الرجل – تعرف ماذا ؟
العجوز – هل من الضروري ان امكث طويلا هنا ؟
الرجل - تقصد على هذا الحال ؟
العجوز – بالضبط
الفتاة – لكنك يجب ان تسأل نفسك اولا , ايهما افضل ان تكون في متاهة السؤال
ام متاهة الصمت
العجوز – لكني اعتقد ان من الحكمة ان نسال
الرجل – ومن الحكمة ان نتساءل قبل ان نسأل
العجوز – لا تتفلسف , فانا اقف في مكان لا يحتمل التاويل
الفتاة – يا عم انصحك ان تغادر هذا المكان
الرجل - وهل يمتلك قرار المغادرة ؟
العجوز – وهل كنا نملك قرار المجيْ كي نملك قرار المغادرة ؟
الرجل - اذن انت تعتقد ان الاشياء تسير على عواهنها ؟
العجوز – لا اعتقد ذلك , بل اعتقد ان ثمة من يتحكم بمصائرنا
المراة – ونحن طوع ارادته
الفتاة – تتحدثون وكأنكم مقيدون بحبال سميكة
الرجل – ليست حبال , بل ارادة تهيمن على ارادتنا
الفتاة – انتم عقول شائخة , بات الوهم يأكل حتى اوهامها
الرجل – اصمتي
الفتاة – ولما الصمت
الرجل – قلت اصمتي
الفتاة – لن اصمت ومن الافضل ان اغادر فذلك خير لي من الصمت
العجوز – يا بنيتي كوني متعقلة
الفتاة – استودعكم الله
المراة – الى اين انت ذاهبة ؟
الفتاة – وما شانك انت ( تخرج )
الرجل – من الافضل ان لا تعودي
المشهد الثالث
نفس الديكور في المشهد الاول
يدخل الرجل ويتجه نحو البرج الحديدي , ثم يقف بازاء البرج صامتا للحظة
يدخل الملاك حارس الرغبة ثم يقف بجانب الرجل
الرجل – ( يلتفت الى الملاك ) كلنا ناتي الى هنا حتى انت
الملاك – تقصد الى هذا البرج
الرجل – كأنه مكان مقدس ونحن نحج اليه
الملاك – لا شي مقدس اذا لم تكن لديكم رغبة في تقديسه
الرجل – ماذا تقصد ؟
الملاك – اقصد انكم تقدسون رغباتكم فقط
الرجل – لكننا لا نشعر انها رغبات بل نشعر انها مقدسات
الملاك – لان الرغبة تختفي خلف القداسة
الرجل – حسنا اذن , هل انت الشاب الاشقر
الملاك – نعم بامكاني ان اكون انا
الرجل – ما هذا اللغز ؟ هل انت الشاب الاشقر ام لا
الملاك – ما الذي تود معرفته
الرجل – اريد ان اعرف سر الحج الذي تمارسه الفتاة المسكينة الى هذا البرج
الملاك – وماذا تود ان تعرف ايضا ؟
الرجل – هل سبق وان التقيت بها ؟
الملاك – ( بتردد ) في الحقيقة اننا نلتقي كل يوم هنا
الرجل – ( بدهشة ) اها ولهذا تاتي المسكينة كل يوم الى هنا
الملاك – ولماذا تصفها بالمسكينة ؟
الرجل – اذا كان الشاب الاشقر هو انت فلماذا لا تكون مسكينة ؟
الملاك – هل تشفق عليها الى هذا الحد ؟
الرجل – ليست شفقة , تستطيع ان تسميها تفكيرا منطقيا
الملاك – وان كانت شفقة , ما الذي يدفك الى ذلك ؟
الرجل – ( يتحرك من مكانه وكأنه يبحث عن شي ما )
الملاك – هل تود ان اصارحها بالحقيقة ؟
الرجل – لا ارجوك لا تصارحها
الملاك – ولماذا ؟
الرجل – دعها تعيش في احلامها اللذيذة
الملاك – انتم ايها البشر انانيون , فعلا انتم انانيون , ( يتحرك ويقترب من البرج )
ولما لا اصارحها
الرجل – لكي تستمر الحياة
الملاك – ( باستغراب ) الحياة مع الوهم ؟
الرجل – نعم
الملاك – وتقبلون العيش في الاوهام ؟
الرجل – الحياة كلها اوهام
الملاك – دعني اصارحها
الرجل – لا تفعل
الملاك – ولما ؟
الرجل – ( بنفاذ صبر ) ان نعيش بسعادة مع الوهم خير من ان نعيش بتعاسة مع
الحقائق المريرة
الملاك – حسنا , حسنا , والحقيبة ماذا بشأنها ؟
الرجل – تقصد حقيبة المراة ؟ هل وجدتها ؟
الملاك – وماذا تريد ايضا ؟
الرجل – دع مساحيق التجميل كما هي
الملاك – ولما كل هذه المساحيق ؟
الرجل – لاننا انانيون كما تقول , فلا نريد للزمن ان يمضي
الملاك – وهل يتوقف الزمن مع المساحيق ؟
الرجل – لا
الملاك – اذن ما هي الغاية من تلك المساحيق ؟
الرجل – انها تمنحنا شعورا بالسعادة
الملاك – لكنه شعور زائف
الرجل – ليس زائفا , فمادامت المراة تشعر بالسعادة , اذن هي سعيدة
الملاك – يالكم من غريبي الاطوار ايها البشر
الرجل – هل تقصد اننا نتجاوز كل الاشياء من اجل سعادتنا ؟
الملاك – تقصد من اجل رغباتكم
الرجل – بل من اجل سعادتنا
الملاك – لا فرق , فرغباتكم هي السعادة
الرجل – دعنا نتجاوز بعض الاشياء الصغيرة من اجل الحياة
الملاك – لا يهم , مع الوهم ام مع الحقيقة
الرجل – بلى , مع الوهم ام مع الحقيقة , هل عندك اعتراض ؟
الملاك – ولما اعترض ؟
ستار
0 التعليقات:
إرسال تعليق