أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 28 يناير 2021

مكان الأداء.. والمؤثرات المسرحية / ترجمة د. احمد عبد الفتاح

مجلة الفنون المسرحية 


مكان الأداء.. والمؤثرات المسرحية / ترجمة  د. احمد عبد الفتاح 

                                                      ( 1)

تقدم لنا أدبيات التنظير المسرحي خطين فكريين رئيسين للمكان المسرحي Theatrical Space . وهذان الخطان مستمدان من التحليلات السيميوطيقية والفينومينولوجيا للأداء المسرحي . ويتحفز كلا المنهجان جزئيا من الحقيقة الواضحة بأنه توجد مؤثرات مسرحية مرتبطة بأشياء مثل مساحة مكان الأداء والأوضاع بين المؤدين، والأوضاع بين المؤدين والمتلقين وتغيراتها . ويسعي كل منهج منهما أن يفسر المؤثرات المستهدفة في إطار الخلفية النظرية التي يقدمها كل منهما لقائمة البحث . إذ يبدو أن كلاهما يواجه صعوبات لا يمكن تذليلها .
فالمناهج الفينومينولوجية تنطلق فعلا من حقيقة أن كثيرا من المؤثرات المتعددة للمسرح هي مؤثرات ما دون الوعي التي تقّدم ويتم تلقيها، إن جاز التعبير، تحت عتبة انتباه المتلقي الواعي . ولكن هذه المناهج ترتبط أيضا بدعوى أن المشاهدين لا يمارسون تجربة الإيهام في المكان في المسرح، ولكنهم أيضا يدخلون إلى الإيهام بالمكان، المكان المختلف عن المكان المادي للمسرح . كما أنه لا يبدو واضحا لنا كيف يدخل المشاهدون إلى هذا الإيهام ، تسليما بأنهم يعرفون أنهم يحضرون أداء مسرحيا .
ولا يرفض المنهج السيميوطيقي، فعلا، الادعاء بأن تجربة المسرح هي تجربة إيهام، بل انه يفعل ذلك من خلال ارتباطه بزعم أن كل شيء يظهر في المكان المسرحي، والمكان المسرحي نفسه أيضا، هو شيء مهم وله معنى . ولكن الأمر ليس كذلك بوضوح . لدرجة أن إيجاد صيغ لتركيز انتباه المتلقي هو أمر مركزي في مهنة المؤدي، إذ أن الأشياء التي تظهر علي خشبة المسرح لا تكون فقط بلا معني، بل يمكن أن يكون ذلك كارثة مسرحية لو كانت بلا معنى . وتسليما بالعدد الهائل للأشياء التي يمكن أن يركز عليها المتلقي في أي مدى زمني محدد، فلابد من إزالة بعض الأشياء أو إخفائها عن تركيز المتلقي، وأن تكتسب اللا معنى بالضرورة من أجل أن يجد المتلقي معني لما يفعله المؤدي . علاوة علي ذلك، هناك العروض المسرحية التي تحضر فيها الأشياء بوضوح وتتركز أمام المتلقي وهي تقاوم التحليل السيميوطيقي . ولكن الأهم أن المدافعين عن المنهج السيميوطيقي كانوا علي صواب عندما أصروا أن هناك مؤثرات (ومن بينها العديد من المؤثرات المكانية) التي تثير ردود الأفعال بين المتلقين والتي يتم تلقيها تحت مستوى فهم المعنى .
وتُستمد المشكلة المشتركة بين المنهجين السيميوطيقي والفينومينولوجي من حقيقة أساسية أخرى عن المكان المسرحي نفسه، وهي تحديدا المشكلة التي تحدد ما هو حاضر كحدث في الأماكن المادية للمسارح . ويجب بذل بعض الجهد لتحليل العلاقات بين هذه الحقيقة والمؤثرات المسرحية المستهدفة التي تهمنا .
أولا : اتجاه جديد .
سوف نرسم في اتجاه جديد هذه المسائل وما يتعلق بها . وسوف أدافع عن سلسلة من المزاعم التي يمكن أن يتضح أن كلا منها مقبول ظاهريا في ذاته، ولكن عند تناولهم معا سوف يشكلون بنية متماسكة تقدم بديلا جديدا للمنهجين السيميوطيقي والفينومينولوجي في هذا المجال . والحقيقة المهمة هي أن كل هذه المزاعم ترتبط بالحقيقة الأساسية التي تقول ان كل أداء مسرحي يقام فراغ مادي عادي، وان المشاهدين يفهمون دائما هذه الحقيقة عندما يحضرون لمشاهدة العروض المسرحية . وفي الجزء الأخير، سوف أبرهن أن هذه البنية المتماسكة تقدم فوائد إضافية لم تكن متاحة في النظريات الأخرى .
ولكي نيسر الشرح، سوف أشير غالبا إلى عدة أنواع توضيحية متخيلة للأداء المسرحي النموذجي . إذ سوف أستخدم مسرحية « هيدا جابلر” عندما أشير الي الأداء التقليدي الذي يستخدم نص ( هنريك ابسن ) . وسوف أستخدم عنوان عرض « جابلر من بعد Gabler at a Distance” للاشارة إلى أداء سردي بريختي يستخدم نفس النص . وسوف يكون « الطفل المحترق» هو عنوان أسلوب الأداء المنسوب إلى جروتوفسكي الذي يستخدم نفس نص (ابسن) أيضا، بشكل مخفف علي الأقل، والذي ربما تكون له بنية سردية، اعتمادا علي الاستخدام الذي وضع من أجله النص . وفي النهاية، سوف يكون “ الجمال التلقائي Spontaneous Beauty” هو عنوان الأداء السردي المتخيل الذي قدمته فرقة “ مابو ماينز Mabou Mines، باستخدام ثلاثة أو أربعة ممثلين، وأساليب استخدام دمية من نوع البونراكو، وبعض الموسيقيين .
وسوف أتبنى طوال الوقت فكرة « الاستيعاب الأساسي basic comprehension”، أو “الفهم الأساسي basic understanding” للأداء المسرحي . فعندما أتحدث عن الفهم أو الاستيعاب الأساسي، فإنني لا أعني الوصول إلى الفهم التام لمعنى الأداء، ولا أعني استيعاب ما كان يهدف إليه المؤدون، ولا أعني فهم ما هي الأساليب التي استخدموها، ومن أجل إحداث أي تأثير . ولا أعني امتلاك تقويم كامل لفنية الأداء . بل أعني فقط ما هو الأداء المسرحي وما هو الوقت الذي يستغرقه المتلقي الفرد لإظهار أنه قد فهم جوهر ما يُقدم له في الأداء المسرحي . علاوة علي ذلك، سوف أتبني الشروط التالية الملائمة لتحديد متى يستوعب المتلقي بشكل أساسي الأداء .
 “ يحصل المتلقي علي فهم أساسي للأداء المسرحي عندما يستطيع : أن يصف الموضوع الذي كان يقدم علي مدار الأداء إذا تفاعل ماديا مع ما يحدث في العرض بالشكل المماثل لما يحدث وبالشكل السليم إذا تبنى حالات مزاجية تستجيب لما يحدث في الأداء بشكل مماثل لما يحدث .
توضح هذه الصيغة الحد الأدنى لشروط النجاح في الحصول علي فهم للأداء المسرحي . بمعنى أن أي شخص يستطيع أن يحقق الشرط الأول، أو الشرطين الثاني والثالث يمكن أن يقال انه فهم ما شاهده، أو انه يفهم ما يشاهده جميع المشاهدين باستثناء من هم أقل ملاحظة .
ثانيا – الاستجابات المادية والمؤثرة للمشاهدين هي دليل غير منطقي علي الفهم :
علي الرغم من ارتباطها بالحد الأدنى، ربما يعتقد البعض أن شروط نجاح الفهم هي شروط غنية جدا فعلا . فمثلا، هب أن متلقيا، ولنسميه « جلين»، قد خرج من أداء كوميدي وهو يضحك بشدة، لدرجة أنه لم بستطع التحدث . وعندما سئل عن الأداء كان غير قادر علي وصف ما شاهده للتو . وهب أنه لم يستطع أن يلخص القصة، أو أن يصف أي شيء يمكن أن يوضح أنه قد فهم الأداء . وهب أن «جلين» هذا لم يجد الأداء مضحكا فحسب، بل انه يظل يضحك كلما تذكره .
والآن، افترض علاوة علي ذلك أننا اكتشفنا عندما تحدثنا مع «جلين» أنه شاهد أداء مسرحيا مختلفا في الأسبوع الماضي، وعلي الرغم ذلك استطاع أن يحكي القصة التي قدمت في الأداء، ويستطيع ذلك الآن، إذ لم يتأثر نهائيا بالأداء ومازال حتى الآن .
تتوافق الحالة الأولى مع النجاح في الشرطين الثاني والثالث المتعلقان بالاستيعاب المسرحي الأساسي . ولكن كما هي الحالة بوضوح والتي ربما يتردد فيها كثيرون منا أن يقولوا إن « جلين « قد فهم الأداء . وبالمقارنة، تقدم الحالة الثانية تحديا من جهة أخري لأن « جلين» يفشل في التفاعل بالطرق التي تتلاءم مع الشرطين الثاني والثالث . ومع ذلك، يمكن أن يوافق أغلبنا علي أن «جلين» لديه استيعاب أساسي للأداء الثاني .
تكمن المشكلة في هاتين الحالتين في قبولنا للعناصر غير المنطقية بين شروط نجاح الفهم الأساسي . لأن المفقود في الحالة الأولي وحاضر بوضوح في الحالة الثانية هو دليل منطقي علي الفهم . فالقدرة علي وصف ما ندققه هو طاقة إدراكية . إذ لا داعي أن تكون ردود أفعال المتلقي وتقلباته المزاجية إدراكية . وإذا لم تكن كذلك، فإننا نتساءل لماذا نلاحظهم علي أنهم دليل علي الفهم علي الإطلاق .
علاوة علي ذلك، هناك حكاية سببية لا بد أن أحكيها لكم عن الحالة الأولى، وهي تحديدا، أن ردود أفعال « جلين « وحالته المزاجية كانت مجرد علة . فلا حاجة لمحفزات الإدراك أو حتى لحقيقة أن هناك محفزات لردود الأفعال وتقلبات المزاج هذه حتى تنجم عنها . فبقدر ما لا يوجد الإدراك، ولا يوجد الفهم أيضا . وهذا يوحي بأنه من الخطأ أن نتناول ردود أفعال « جلين « وحالته المزاجية باعتبارهم دليل علي الاستيعاب، ولذلك، يجب أن تتخلى عن الشرطين الثاني والثالث تماما .
ولعل أحد أسباب مقاومة هذا الاقتراح هو أن المؤدين يعتمدون علي ملاحظة ردود الأفعال هذه بدقة لكي يقيسوا كيف يسير الأداء وما هي التغيرات الواجب إجراءها لقيادة الأداء في الاتجاه الصحيح . فان لم تكن ردود أفعال المتلقين وأحوالهم المزاجية هي علامات الاستيعاب، عندئذ فان المؤدين مخطئون بالتأكيد في محاولة قياس ردود الأفعال تلك من أجل هذا السبب . ولذلك، أود أن أؤكد أن ردود الأفعال المادية وتبني الحالات المزاجية المتجاوبة مع ما يحدث أثناء الأداء ربما هي الدليل الذي يعوّل عليه في الفهم الأساسي للأداء .
ويمكن أن يتضح السبب الآخر لاعتبار ردود الأفعال وتقلبات المزاج دليل علي الفهم الإدراكي للأداء في الحالة الافتراضية التالية .في مسرحية «هيدا جابلر” تنحني « ازمرالدا” في توقع في اللحظة التي تعبر فيها “ هيدا جابلر « الغرفة وتخرج الطبنجة من جرابها . فلا تستطيع « ازمرالدا « في هذه اللحظة أن تقول إنها ظنت أو خشيت أن تكون « هيدا” علي وشك أن تنتحر . فربما لم تكن واعية بسلوكها، وربما لا تستطيع أن تقول لماذا فعلت ذلك . فهل مازلنا نريد نعامل رد فعل « ازمرالدا” كدليل علي أنها علي وشك أن تفهم ما كاد أن يحدث .
أعتقد أننا نريد ذلك . ولذلك يجب أن نتحرك ضد بعض البديهيات القوية، إذا لم نعتبر ردود الأفعال وتقلبات المزاج إدراكية . وربما نتشبث بتلك البديهيات باستخدام آليات مؤقتة مغايرة . فإذا كان لدي المتلقي رد فعل مادي معين أو تقلب في المزاج، فمن الممكن أن يكون لديه أشياء أخرى، لكنه لم يعبر عنها . وتتوافق بعض ردود الأفعال غير المُدركة وتقلبات المزاج البديلة هذه مع ما يمكن أن يصفه هو، أو أي متلقي آخر مستوعب للأداء، لتقديم دليل منطقي علي الاستيعاب . ولكن ردود الأفعال الأخرى وتقلبات المزاج لا تتوافق مع هذا الوصف. ودعونا نوضح هذه الفكرة أكثر :
“رد فعل يتوافق مع الوصف» يعني أن رد الفعل هو رد فعل واحد بين ردود الأفعال التي يمكن تسجيلها في الوصف.
“رد فعل يتوافق مع رد فعل آخر « يعني أن كليهما داخل مجموعة من الاستجابات الملائمة لنفس الإدراك .
رد فعل المتلقي دليل علي الاستيعاب إذا لم يتفاعل المتلقي كما فعل من قبل، إذ كان من الممكن أن يتفاعل بطريقة معينة تتوافق مع رد فعله الحقيقي، إذا كانت مجموعة من الأفعال متوافقة مع الوصف الصحيح لما يقدم علي خشبة المسرح، سواء قُدم الوصف بواسطة المتلقي أم لا .
بهذه الطريقة نستطيع أيضا أن نقرر بالضبط متى لا يكون رد الفعل أو تقلب المزاج دليلا علي الفهم المسرحي الأساسي : سواء كان رد الفعل غير متوافق مع طرق رد الفعل المتوافقة مع الوصف الصحيح أو ينتمي إلى ذخيرة ردود الأفعال غير المتوافقة مع الوصف الصحيح .
يسمح لنا هذا التفسير للدور الذي تلعبه ردود الأفعال في فهم الأداء بأن نوضح لماذا كان رد فعل «ازميرالدا” تجاه سلوك “ هيدا « هو علامة لاستيعاب ما يوشك أن يحدث، لأن رد فعلها تجاه ما يحدث في هذه اللحظة يتوافق مع كل ردود الأفعال وتقلبات المزاج الأخرى المتوافقة مع أي وصف ل»هيدا” بأنها علي وشك الانتحار، سواء استطاعت “ ازمرالدا « أن تقدم هذا الوصف من عدمه . وتسمح لنا هذه الإستراتيجية أن نعيد شحذ ثقتنا بأن « جلين» عندما ضحك علي الأداء الكوميدي، كان فعلا يفهم الأداء،رغم أنه لم يستطع أن يحكي القصة التي شاهدها لأنه ضحك لأن أي رد فعل آخر عنده يمكن أن يكون متوافقا مع إدراك ما كان يضحك عليه رغم أنه لم يستطع أن يصف ما كان يضحكه .
ثالثا – يتلاقى انتباه المتلقين بشدة عند نفس الملامح التي يقدمها المؤدون لهم من بين عدة ملامح كثيرة :
لماذا يذكر المتلقون كثيرا نفس الملامح عندما يتحدثون مع بعضهم بعد الأداء المسرحي . ولتفسير هذا يجب أن نحل مسألتين، الأولي تتعلق بالممثلين، والثانية تتعلق بالمتلقين . ففيما يتعلق بالممثلين، يجب أن نعرف أن ما يوضح للمتلقي أن بعض ملامح المؤدين هي ملامح أو حقائق عن أحد الأشياء الموجودة في الأداء – مثل ملامح الشخصية – وأن الملامح الأخرى ليست كذلك . وهذا ليس أمرا عاديا . ففي كتاب تحليل النص المسلي علي نطاق واسع يلاحظ (ديفيد بول David Ball) أنه عادة ما توجد معلومات وفيرة عن الشخصيات في الروايات وعن الناس في الحياة العادية، أكثر مما توجد معلومات الشخصيات في النصوص المسرحية . أذ يقول « في الحقيقة، يمكنك أن تعرف المزيد عن هاملت بشكل أكبر مما يعرفه أي شخص آخر . ويذكرنا أن الشخصيات هم الحد الأدنى في النصوص، والتراكم الهيكلي للصفات المختارة ... لأن طبيعة أي شخصية مسرحية تتحدد بشكل كبير بواسطة الممثل أثناء أداء الدور . وهذا يعني أن العدد الأكبر من ملامح المؤدي سوف تكون هي أيضا سمات أو حقائق الشخصية في القصة التي يؤديها، فضلا عن أنها ملامح مشار إليها في النص الذي يقوم عليه الأداء المسرحي . ويلاحظ المتلقون كثيرا من ملامح المؤدي، ومن المفترض أن يفعلوا ذلك . ولذلك فان ملحوظة ( بول ) تضغط علينا لكي نكون كراما في تأمل ملامح المؤدي وكأنها ملامح الشخصية .
ولكن، لنتأمل سؤال « هل يملك هاملت عينين زرقاوتين ؟ « . بالتأكيد، كثير من الممثلين الذين لعبوا دور « هاملت» كانت عيونهم زرقاء، وآخرون ليسوا كذلك . وبالنسبة للذين لعبوا دور « هاملت»، هناك إجابة محددة، وهي هل عيونهم زرقاء ؟ . ولكن ان لم يصنع الأداء شيئا من السؤال ( أو حتى يصنع الأداء شيئا من السؤال) فيما يتعلق ب «هاملت»، لن يكون للسؤال عن لون عينيه إجابة محددة . وعندما تكون له إجابة محددة، تكون له إجابة مرتبطة بعرض أو أداء معين فقط . والفكرة هي أن عدد ملامح المؤدي المعين الذي يلعب دور « هاملت» أكبر بكثير من عدد الملامح التي تمكن المؤدي أن يتلاءم الوصف اللازم لأداء شخصية «هاملت» . فكثير من ملامح المؤدي تمر دون ملاحظة، ومن المفترض أن يكون الأمر كذلك . فهذه الاعتبارات تضيف علينا ضغطا حتى نكون حذرين في تأمل أي من ملامح المؤدين هي من سمات الشخصيات .
وتسليما بهذه الضغوط المضادة، يمكن أن نعتبر أن المشاهدين يواجهون صعوبة في التعرف علي أي من ملامح المؤدين يجب الاعتناء بها لكي يفهموا ملامح الشخصية . ولكنهم لا يفعلون ذلك . ولذلك فان المطلوب هو تفسير مبدئي لما يفعله المؤدون الأفراد لكي يفسر كيف تتم مثل هذه الأمور .
مشكلة المتلقين هي أن كل متلقي يأتي الى العرض المسرحي ببيئة وتاريخ مختلف، وربما يتشارك في بيئته مع متلقين آخرين، وربما يدركون جميعا أنهم في عرض مسرحي، ولكنهم لا يتشاركون في صور أخرى من خلفياتهم، حتى فيما يتعلق بخلفياتهم عن المسرح . فقد تختلف أنواع المسرح التي نشاهدها وتتميز تماما عن أنواع المسرح التي يشاهدها آخرون . فربما نشاهد عروض فرقة مسرحية معينة مألوفة لنا، بينما يشاهد آخرون هذه العروض للمرة الأولي . علاوة علي ذلك، هناك بعض صور لخلفية متلق ليس لها مثيل بين خلفيات المتلقين الآخرين . فمثلا، ربما يكون أحدهم قد قطع رحلة طويلة ومرهق ذهنيا، وربما كان آخر مشغول بحادثة انتحار زوجته الراحلة . ولذلك نعتقد أن تجربتهم مختلفة ولن يفهموا الأداء المسرحي بنفس الطريقة . ومع ذلك وفقا لمبدأ «الوحدة الإدراكية Cognitive uniformity” – إن كان هناك فهم حقيقي لأي منهم – فان ما يفهمه أحدهم يجب أن يكون مفهوما للآخرين أيضا .
إذن، تأمل شخصية في مسرحية تعاني عطشا شديدا، فأقترح أن : أن يفهم المتلقي (س)، عند تقديم الملمح(ع) من المؤدي(ص)، أن الشخصية (ن) يعاني عطشا شديدا صادق في هذه الحالة، لمتلقي ما هو (س) ومؤدي ما هو (ص) وشخصية ما هي (ن).
يستجيب (س) الي الملمح (ع) باعتباره ملمح بارز في ظل شروط المعرفة المشتركة بأن المتلقين يحضرون عرضا مسرحيا، بسبب الحقيقـة أو مجموعـة الحقائق التي يمكـن أن تقودنـا إلى استنتاج أن الشخصية تعاني عطشا شديدا، وأنـه سوف يكـون مدركا باعتباره غير متوافق مع بدائل أن (ن) لديه عطش شديد .
 يستنتج (س) أن (ن) لديه عطش شديد .
 يبرز الملمح (ع) البارز أن (ن) لديه عطش شديد .
اعتمد تفسير ظهور الملامح علي فكرة الظهور المستخدمة في لعبة التحليلات النظرية للاختيار المنطقي في مشكلات التناغم . وفي هذه التحليلات يقال ان الملامح التي تظهر من الآخرين عندما يكون هناك منبه أو مثير ليست مقصورة علي الملمح أو المشكلة نفسها التي تجعل الملمح يظهر . وبدلا من ذلك يتحدد المنبه من خلال عنصره السياقية .
افترض مثلا أن شخصين يتحدثان عبر الهاتف ثم يتوقفان فجأة، ولا يستطيعان أن يتواصلا معا رغم أن كلاهما يرغبان أن يستمرا في المحادثة . علاوة علي أن كل منهما يعرف أن رغبة الآخر هي نفس رغبته . فكيف يمكنهما أن يستعيدا الاتصال ؟ . مع العلم بأن كل منهما لديه خيار الاتصال أو الانتظار . ولكي ينجحا في استعادة الاتصال، يجب أن ينتظر أحدهما ويجب أن يتصل الثاني، ولكن لا توجد ملامح لموفقهما يمكن أن يدل أن أحدا منهما هو الذي يجب أن يتصل وأن الآخر يجب أن ينتظر .
في مواقف المرة الواحدة مثل انحراف لعبة التليفون عند ( ديفيد لويس David Lewis) حيث يتم لعب اللعبة لمرة واحدة، إذ لن يدفعهما شيء سواء من الناس الذين يعرفون الموقف أو من كل منهما في اتجاه اختيار الإستراتيجية التي يستخدمها. فإذا كان يعرف كل منهما الآخر بشكل حميم، فربما كانا يعرفان كيف يفكر الآخر . لكنهما لا يعرفان . لذلك لا يوجد حل .
لقد لاحظ (لويس) أن الناس يحلون العديد من مشاكل التناغم في الحياة اليومية، ولذلك، يجب أن تكون هناك بعض الملامح التي تظهر للمشاركين في بعض المواقف يحددون بفضلها اختياراتهم . ولاحظ أيضا أن ما يجعل هذه الملامح تظهر هو أمر خارج نطاق مشكلة التناغم نفسها . ولتوضيح هذا، سنقوم بتغيير لعبة التليفون كالتالي : يعرف الشخص الأول أن الشخص الثاني لديه تليفون أبيض، ويعرف الثاني أن الأول لديه تليفون أسود . إذن، هذان الشخصان من لاعبي الشطرنج، وكل منهما يعرف ذلك عن الآخر، لأن الأبيض هو الذي يبدأ أولا في الشطرنج . فيستنتج الأول أنه يجب أن ينتظر مكالمة الثاني، ويستنتج أن يفكر الثاني بنفس الطريقة .
 لاحظ أن الميل لملاحظة أن الملمح بارز يمكن اعتباره غير منطقي عندما لا يوجد سبب مرتبط بما يجري تنسيقه، لتفضيل اختيار أحدهما علي الآخر . ولذلك يظهر الملمح للفرد نتيجة لميول غير منطقية لملاحظة بعض الملامح ولاختيار الاستراتيجيات لأن تلك الملامح حاضرة . ولكن هذا لا يعني ألا يقدم أحد أي استنتاج . بالطبع عند اكتشاف ملمح بارز يخمن كل طرف الملمح الذي سوف يستجيب له الآخرون، ويصلون إلى استنتاج مفاده أن نفس الملمح سوف يظهر للآخرين، وأنهم أيضا سوف يستنتجون مثله، ومن ثم يصلون استنتاج فيما يتعلق بكيفية التصرف .
في مثل هذه المواقف، المشار إليها باعتبارها « مشكلات التناغم المعيارية Standard coordination problems “، يجري تحليل الناس باعتبارهم “لاعبين” منغمسين في تحديد مسارات الفعل الذي سوف يحظي “باللعب الأمثل” . فهناك تناظر بين اللاعبين، فيما يتعلق بما يحاولا أن يفعلاه – وهو تحديدا نفس الشيء – وفيما يتعلق بما يعلمه كل منهما عن الآخر . ولذلك، تختلف بعض صور التناغم المعياري عن مواقف المتلقين في علاقتهم بالأداء . وفي هذا الصدد، سوف أتبع (روبرت سودين Robert Sugden) الذي عدل هذا النموذج للاستخدام في تحليل مواقف الاكتشاف . ونتيجة لذلك، لن استخدم مصطلح “لاعبين” وأعتبر أن المرتبطين بذلك يسعون إلى عوائد معينة . وأقترح، بدلا من ذلك، أن نعتبر المؤدين “متعلمين” يسعون إلى اكتساب قدرة علي وصف الشيء الذي يتطور في الأداء .
يشبه موقف المتلقين في الأداء المسرحي موقف اللاعبين في مشكلات التناغم المعياري في معظم النواحي الأخرى .
 تظهر ملامح المؤدي للمتلقي كحقيقة أو مجموعة من الحقائق عندما يستطيع المتلـقي- المتعلـم، في ظل الاحتياج المشترك الملائم، أن يلاحظ تلك الملامح باعتبارها متسقة مع ســلوك المؤدي وعندما يستنتج المتلقي- المتعلم (أ) أن حقيقــة ما أو مجمــوعة من الحقــائق – تنتــج، (ب) أنه مهما تظهـر تلك الملامح في نفس السياق،عندئذ تنتج نفس مجموعة العلامات وأن (ج) كل متعلم – متلقي آخر سوف يستنتج كل من (أ،ب) وكما هو الحال في مشكلات التناغم المعياري، يحدد الموقفان (أ،ب ) أن الملامح تظهر إذا اعتقد أنها تدفع الاستجابات إذا كانت هذه الملامح منعكسة . ويحدد الموقف الثالث أن الملمح يبرز إذا ظهر باعتباره قابل للعرض للجمهور .

                                                     ( 2)


وبشكل واضح، يجب تخفيف الكثير من ثقل عبارة «المعرفة المشتركة«. فسواء اعتمدت الرؤية المستخدمة علي قدرة المتلقين أن يعرفوا فعلا ما يكفي لضمان ملاحظة نفس الملامح ولو بشكل خشن علي الأقل، سواء كان من المنطقي أن نتوقع أن يعرف المتلقون كثيرا من المعلومات عن بعضهم البعض من عدمه .
أولا، إذا عرف متلقي أنه في المسرح، فربما يعرف باقي المتلقين ذلك أيضا . ثانيا، أحد أهداف متلقي العروض المسرحية هو فهم ما يشاهده، اذ أن كل متلقي يعرف أن ما يقوله عندما يناقش الأداء مع آخر لن يعتد به كفهم واضح ان لم يوافق الآخرون علي الملامح التي يناقشها معهم، ولذلك سوف يحدث ضغط اجتماعي محافظ للبحث عن نفس الملامح التي يجدها الآخرون واضحة والاستجابة لها، وأن يتابع تلك الملامح بشكل دقيق أثناء تطويره لوصف مضمون الأداء المسرحي .
والحقيقة الثالثة هي أن ردود أفعال المتلقين مؤثرة. فعندما يضحك أحدهم مثلا، يميل الآخرون الي نفس الفعل أيضا. ولذلك يقال أن الضحك معد. وقد جعلت (آن أوبرسفيلد Anne Ubersfeld ) هذه الملاحظات وما يتعلق بها أساسا لتحليلها المفصل لاستمتاع المتلقي (25) . وبالطبع الضحك ليس إلا احد الاستجابات الطوعية المعدية .
والحقيقة الربعة والحاسمة، هي أن المتلقين يذهبون الي العروض المسرحية وهم يتوقعون أن يلقاهم المؤدون بتتابع منتظم للمادة حتي يفهموها . وعندما يحبط المتلقون فإنهم يصبحون أكثر عرضة للشعور بالضغط الاجتماعي المحافظ لفهم الأشياء كما يفهمها الآخرون .
ربما يمكن إقرار الحاجة إلى المعرفة المشتركة كالتالي :
 يعرف المتلقون أنهم في عرض مسرحي، وبمعرفتهم أنهم  في عرض مسرحي،يكـون لدي كـل منهـم معــرفة بنفــس اهتمامات زمــلائه الآخــرين وردود أفعالهم المحسوســة، علاوة علي حقيقة أن كل منهم يتوقـع أن يوضع شـيء في الصدارة حتى يعرفه الآخرون .
يفي مفهوم المعرفة المشتركة بأغراض ضمانة أنه توقع منطقي يتلقي عنده جميع المتلفون مع نفس الملامح باعتبار أنها بارزة لنفس الأشخاص . أولا، هذه المعرفة ليست بعيدة عما يمكن أن يتوقع أن يعرفه كل من المتلقين عن الآخر، فهي معرفة اجتماعية يشارك فيها الجميع بشكل عادي، لاسيما نوع المعرفة التي يمكن الحصول عليها دون الاقتراب من الخلفيات المتباينة للآخرين والتي تتعلق بما يأتون به معهم إلى الأداء (حالاتهم المزاجية) .
ثانيا، هذه المعرفة هي كل ما يحتاجه المتلقون من خلال المعرفة المشتركة وفقا لمنظور كل منهم . لأن معرفة أننا نحضر عرضا مسرحيا تتضمن بالضرورة معرفة أن المؤدين سوف يقدمون للمتلقين شيئا لكي يفهموه بطريقة تجعله متاحا لهم (رغم أن هذا لا يحدث دائما بسهولة) . ولأن المتلقين يعرفون ذلك عن المؤدين فمن المتوقع أن ينتبهوا إلى المؤدين لكي يحصلوا علي ما أعده لهم المؤدون . فينتبهون إلى ما يفعله المؤدون لكي يساعدهم في الحصول علي ذلك الشيء . ويقدم المؤدون فعلا أشياء يلتزم بها المتلقون حتى يتمكنوا من ملاحظة ما يتطور إليه الأداء علي مدار العرض . فالمتلقون لا يعرفون مقدما ما الذي سوف يجدونه . ولكنهم يعرفون بشكل حاسم أن الجميع سوف يبحث عن نفس الأشياء . لذلك، لن يكون مضمونا أن يجد المتلقون نفس الأشياء واضحة، بل تضمن متطلبات المعرفة المشتركة المقترحة هنا هذه الإمكانية . وبالطبع من المرجح أنهم سوف يجدون نفس مجموعة الملامح بارزة بشكل خشن .
 ويمكن تعميم الفائدة الإضافية من صيغة بروز الملامح وتلاقيها مع نفس ملامح المؤدين علي العروض غير السردية بسهولة . اذ ا، المطلوب هو استبدال المصطلحات حتى تطبق علي نفس البنية، ولذلك لا تحظي العروض السردية بمكانة مميزة عند توليد البنية التنظيرية .
رابعا : كيف يحدد المتلقون الأشياء المقدمة لهم في الأداء ثم يعرّفونها .
يؤكد المتلقون أن لديهم فهما أساسيا للأداء المسرحي من خلال وصف الموضوع الذي يتطور فيه . فمثلا، إذا كان الأداء مبنيا بطريقة سردية، فيكون موضوع هذا الأداء هو القصة ( أو النص الدرامي) . وعندما يصفون أو يحكون أحداث القصة، يمكن أن يتميزوا بأنهم يفكرون في موضوعات القصة – شخصياتها وأحداثها والأشياء الأخرى، مثل الرؤوس والقبعات والكتب والطاولات والمسدسات وما إليها – وفي القصة نفسها، والموضوع الذي يتطور في الأداء.
 لكي يتعرف المتفرجون علي الأفكار والشخصيات والأحداث، يجب أن يكونوا قادرين علي تحديد الشخصية عند ظهورها والأحداث عند وقوعها، ثم يتعرفون علي الشخصيات عند ظهورها مرة أخرى . ويبدو أن المتفرجين يفعون ذلك بالضبط .
فإذا ظهرت « هيدا جابلر” في أحد أداء عرض تقليدي يستخدم نص (ابسن)، يتوقع المشاهدون أن يروها مرة أخرى في عروض أخرى لنفس العرض . وإذا شاهد المتفرجين أحدها، فلن يجدوا صعوبة في العرف ثانية علي « هيدا” إذا ظهرت بعد ذلك في عروض من النوع مع أنها عروض تختلف عن العرض الذي شاهدوها فيه أول مرة . فربما كان العرض الأول في ديكورات وملابس وأدوات طبيعية ؛ والثاني بدون ديكورات ولا أدوات ولا ملابس تنتمي إلى عصر معين، وربما كان العرض الثالث به قيم طبيعية، ولكنه يقام في حمام سباحة خارج أحد المنازل علي شاطئ البحر في مدينة ماليبو باستخدام المايوهات، والألعاب في حمام السباحة كأدوات . القدرة علي التعرف علي الشخصيات والتعرف عليها مرة أخرى – وكذلك جميع الأشياء الأخرى – تنجو من التغيرات في الأداء داخل العرض، والتغير في العرض، والتغير في الديكورات، والتغير في المؤدين أيضا .
بمجرد تقديم الشخصية، أو أي شيء آخر من محتوى السردي، لا يواجه معظم المتفرجين مشكلة في إعادة التعرف علي هذا الشيء حتى في أنواع الأداء السردي المختلفة جذريا . فإذا شاهد المتفرجين «هيدا” لأول مرة في عرض “ هيدا علي مسافة Hedda at a Distance”، فلن يعاني أغلبهم من صعوبة التعرف من جديد عليها في العروض التقليدية أو حتى عروض مثل عرض “ الجمال التلقائي Spontaneous Beauty” . ومرة أخرى، لا يبدو ترتيب مرات الرؤية مهما . فالقدرة علي التعرف علي الأشياء، وإعادة التعرف عليها، في العروض المسرحية السردية يبقي علي التغيرات المتطرفة في هذا النوع من الأداء السردي الذي يستخدم هذه الأشياء .
تخيل ما يبدو أنه أسلوب تقليدي، باستخدام نص ابسن « هيدا جابلر « ولكن في سرد القصة، أصبحت الشخصيات التي كانت تدعم مثل “لفبورج” و”العمة جوليان” و “تيسمان « هي الشخصيات الرئيسية في الأداء، وموقفهم هو محور القصة . ربما تستكشف الفرقة فكرة أن لدينا معرفة محدودة عن المكان الذي جئنا منه، ووقت قصير للغاية لمعرفتنا قبل أن نموت . أو ربما يستكشفون الأفكار التي أقترحتها مناقشة الينور فوكس للصراع بين «تيسمان” و “لفبورج” المنسوب الى نيتشه . النقطة المهمة هي أنه لو ظهرت «هيدا” في مسرحية “ مات روزنكراتس وجيلدنستين “ كما فعل « هاملت»، فان المتفرجين الملم بأي من العرضين الموصوفين في الفقرات السابقة لا يزالون يتعرفون عليها باعتبارها « هيدا « . ومرة ثانية لا يبدو ترتيب مرات الرؤية مهما . فالقدرة علي التعرف علي الأشياء والتعرف عليها من جديد في العروض المسرحية السردية يبقي التغير في أدوار الأشياء حيث من المقرر أن تحدث هذه التغيرات في القصة .
والشخصيات ليست فقط أشياء في قصة يتعرف عليها المتفرجون عبر العروض . إذ يلاحظ أندرو سوفر أن :
 تمتد حياة الأدوات فيما بعد رحلتها داخل مسرحية معينة.
 فبينما تنتقل الأشياء من مسرحية الى أخرى، ومن عصر إلى عصر، تصـبح صدى تناصي متراكـم وهي تمتـص  ماضيها المسرحي وتجسده .
وكما أظهرت دراسة الحالة التي قدمها سوفر، فان الأدوات لها مجموعة متنوعة من الوظائف، يمكن أن تلعب بعضها إذا تم التعرف عليها عبر العروض .
باختصار، القدرة علي التعرف علي الشخصيات وإعادة التعرف عليها – وكذلك الحال مع الأشياء الأخرى أيضا – تبقي التغيرات في الأداء داخل العروض، والتغيرات في العروض والتغيرات في المشاهد والتغيرات في المؤدين . فالقدرة علي التعرف على الأشياء في المسرحيات تبقي التغيرات المتطرفة في العروض السردية التي توظف هذه الأشياء . والقدرة علي التعرف علي الأشياء في المسرحيات وإعادة العرف عليها تبقي علي بعض التغيرات في دور الأشياء حيث أن هذه التغيرات من المقرر أن تتغير في العروض السردية .
لا بد أننا نريد تفسيرا لهذه الحقائق . ما الذي يضمن قدرتنا علي التعرف علي عناصر محتوى العروض ؟ أقترح أن نبدأ ببحث كيف يتعرف المتفرجون علي هذه الأشياء ثم يتعرفون عليها مرة ثانية في حالات مألوفة جدا . وبالتالي، سوف أركز علي التعرف علي الشخصيات و أسأل كيف يتعرف المتفرجون على «هيدا” في أي عرض تقليدي يستخدم نص ابسن “ هيدا جابلر” .
رابعا : (أ) التعرف المبدئي علي الشخصيات والأشياء الأخرى في العروض السردية :
يمكننا أن نحاول التالي : يطور المتفرجون أولا قوائم الملامح مما يرونه عندما يجدون ملامح معينة بارزة، ومعروضة، ويحاولون تجديد الشكل الذي يحمل هذه السمات أو الخصائص . توضح “قائمة المشاهدة» هذه أن حيازة الوصف الصحيح – الذي يتكون من قوائم صحيحة للخصائص – كاف لتحديد الشيء الذي يملك هذه الخصائص . ولكن قائمة المشاهدة تحتوي علي أشياء خاطئة . وربما لا يلاحظ المتفرج أن لديه الوصف الصحيح حتى يدرك الشيء موضوع السؤال، أو يفشل في إدراكه . افرض أن الفرقة اختارت صياغة عمل مسرحي قصير باستخدام معظم لغة نص ابسن، حتى النقطة الموجودة في النص، حيث تقول إحدى الشخصيات، في هذا العرض السردي التقليدي، « صباح الخير ياعزيزتي هيدا «، والجمهور الذي يشاهد يراها . ولكنه ليس عرضا سرديا تقليديا ؛ ويتم أداؤه كعمل كورالي منطوق يتضمن جانبا من الطباق الموسيقي المعد لخمسة أصوات، واستخدام حركات تجريدية مبنية علي ايقاعات اللغة المنطوقة . ولغة هذا العمل لا تقل إفادة عن «هيدا « عن لغة العمل السردي . في الواقع يمكن أن يهدف العمل الثاني إلى إظهار نفس السمات ويصل إلى نوع من لحظة الذروة في كلمات العمل الأخيرة، وهي « صباح الخير ياعزيزتي هيدا “ .
ولكن ملامح المؤدين التي يجدها المتفرجين علي هذا العمل الكورالي القصير واضحة بالنسبة لملامح «هيدا « لا تساعدهم علي التعرف علي “ هيدا « . وهذا لأنه لا يوجد أحد يمكن تمييزه بأنه « هيدا « . ولا بد لنا من شخص محدد في الذهن ننسب له تلك الخصائص، ولا بد أن يوجد في ذهننا شخص ما أو شيء ما يميزها لنا . ولذلك فان وضع قائمة الخصائص الصحيحة في ذهننا لا يكفينا للعرف علي «هيدا” .
فما هو المطلوب غير ذلك ؟
في الفصل الأول من عرض « هيدا جابلر « يتم تزويد المتفرجين بقدر كبير من المعلومات من مختلف الأنواع عن « هيدا” . وبعد فترة من الزمن، يرى المتفرجون نموذجا دراميا يصل إلى مساحة معينة أمامهم . أو ربما يسمعون كلاما قبل أن يروا أي شيء . يتفاعل أغلب المتفرجين بدنيا مع هذه الحركات أو الأصوات . بهذه الوسيلة، يستعد المتفرجون لتحديد شيء أو شخص يعلقون عليه الخصائص الموجودة في ذهنهم، وعندئذ يتعرف أغلب المتفرجون علي شخص ما مثله موجودا أمامهم . فهناك عنصر مكاني في التمييز . ومن خلال الاعتقاد بأن هناك شخص يستطيع المشاهدين أن يعتقدوا أنه هو وينسبون اليه الخصائص الموجودة فعلا في أذهانهم عن شخص معين . ما يحدث في هذه الحالة يتوافق مع ما يسمى « التحديد التوضيحي demonstrative identification “ الذي اكتشفه برتراند راسل وطوره جاريث ايفانز .
ويتعلق التحديد الايضاحي بالضرورة بمكان الشيء في مساحة التمركز الذاتي . بمعنى أن التقاط شيء من البيئة بطريقة ملائمة هو التفاعل مع مكانه، كما هو معطى للحواس، بالنسبة لشخص ما . وهذا لا يتطلب الاعتقاد بشكل من قبيل «هناك شيء ما «، لأن رد فعل الشخص تجاه مكان الشيء لا يعدو كونه شيئا أكثر من الالتفات برأسه أو الميل بجسمه في اتجاه صوت ما أو حركة ما، بدون أي تفكير علي الإطلاق . وربما لا يكون من الضروري أن يكون الشخص واعيا لكي يتصرف بهذه الطريقة . فالاستعداد للحركات الجسدية كرد فعل علي المكان المحسوس للأشياء هو أمر أساسي للقدرة علي التعرف علي مكانها في مساحة تمركز الذات .
ولكن لا تكفي القدرة علي تحديد شيء ما في مكان تمركز الذات، لأن هذا يجعلنا في الغالب أكثر إحساسا ب « هنا» و «هناك»، وربما الإحساس ب « هنا ثم هناك « . والمطلوب بشكل أكبر في معظم الظروف هو أننا نفرض معلومات مساحة عدم التمركز الذي تحدث فيه الأشياء علي مساحة تمركزنا، أو بمعنى آخر، لكي نحدد مساحة تمركزنا داخل إطار مساحة عدم التمركز . في الحياة اليومية، مساحة عدم تمركز الذات هي المساحة العامة التي نشكل فيها الخرائط الإدراكية، أي العلاقات المكانية الموضوعية بين الأشياء . وتتطلب معرفة ماهية مساحة عدم تمركز الذات مناقشة تفصيلية ( أنظر خامسا ) .
والفكرة التي نلاحظها هنا هي أن متفرجي المسرح يحددون الشخصيات غالبا في مساحة تمركز الذات بدون قوائم مسبقة لأي خصائص في الذهن . وهذا يحدث تقريبا في كل العروض المسرحية السردية . وربما لا يكون لدى المتفرجين معلومات مسبقة عن الشخصيات والأحداث في القصة – وربما لا يعرفون أن العرض سوف يكون سرديا – ويظلون يحددون الأشياء التي هي الشخصيات في لحظات العرض الأولى . وهذه الحقيقة تبرز الفكرة، التي ذكرناها، بأن التعرف عموما هو مسألة استجابة سلوكية إلى مكان أصوات وحركات الشخصيات . وتقترح بقوة أن التعرف علي عناصر الأداء المسرحي تتعلق بنفس نوع التحديد التوضيحي الذي يحدث في الحياة اليومية، وأن التحديد التوضيحي في المسرح أيضا يؤسس قدراتنا علي امتلاك أفكار وصفية للشخصيات والأشياء الأخرى بحيث يكون واصفاتنا هي أفكار عن هذه الأشياء .
وهناك ثلاث شروط حاسمة في قدرتنا علي ربط الأفكار الوصفية بما هو محدد إيضاحيا . الأول هو أن هناك شيء ما يتم تحديده ؛ والثاني هو أن الذات يجب أن تكون قادرة على متابعة نفس الشيء خلال فترة زمنية طويلة، والثالث، هو أن هذه القدرة علي المتابعة عبر الزمن يجب أن تسمح بالتغيرات في الأوضاع وفي الحركات لكل من الذات والموضوع .
 لا يمكن التأكيد بالقدر الكافي علي أنه قد يُتخذ الشرط الأول، عند قراءته بشكل واقعي، لاستبعاد قدرتنا علي تحديد الشخصيات، والأحداث بشكل توضيحي في العروض السردية، وكذلك ربط الأفكار الوصفية به . ولكن القراءة الواقعية للشرط الأول افتراضية : ليس لدينا أساس لتقديم اهتمامات ميتافيزيقية في هذه النقطة . وفيما يتعلق بفينومينولوجيا إدراكنا للشخصيات والأحداث وعلاقة تلك الفينومينولوجيا بالتحليل الابستمولوجي الذي نرتبط به، فيبدو أننا نقوم حتى الآن بتحديد الشخصيات والأحداث فقط في العروض . ويبدو أننا نستخدم نفس الآليات لكي نعلم من هم الشخصيات وما يفعلونه لدرجة أننا نقوم بذلك فيما يتعلق بأي أشياء أو وسطاء في العالم . ولذلك فإنني أقرأ الشرط الأول كوصف لتجربتنا فضلا عن قراءته كالتزام ميتافيزيقي . فتناول الشرط الأول كرد فعل لتجربتنا لهذه المسائل هو أمر كاف بالتالي . ان مشاهدي « هيدا « يعرفون ذلك، ومن ضمنها حقيقة أن اسمها «هيدا « . والشرطان الثاني والثالث كافيان بالمثل : فبمجرد أن يميز المتفرجون «هيدا” بشكل إيضاحي، فإنهم يتابعونها طوال الوقت الموجودة فيه وفي المكان الذي لاحظوها فيه أولا، والآن يلاحظون ملامح إضافية يجعلها المؤدين واضحة لهم .
رابعا :(ب) اعادة التعرف علي الشخصيات والأشياء الأخرى في العروض السردية :
في الفصل الأول من عرض « هيدا جابلر «، تشارك « هيدا « في حوارات مع «تيسمان” و “ العمة جوليان” و”السيدة الفيستد « . يعلم المتفرجون المزيد عنها في هذه الحوارات، ومرة أخرى، فان كثيرا مما يعلمونه يأتي عن طريق المعلومات المقدمة في شكل ردود أفعال «هيدا « تجاه الآخرين وردود أفعالهم تجاهها . وعند ظهور القاضي «براك»، تغادر «هيدا” لتقود السيدة “الفيستد” الي الخارج، ثم تعود لإنهاء حوارها مع «تيسمان « والقاضي «براك» . وعند عودتها، لا يمكن أن يندهش أي متفرج حينما يسمح القاضي» براك» وهو يخاطبها باسم «السيدة تيسمان”. لأنها نفس الشخصية التي غادرت قبل لحظات والتي عادت . ولكن كيف يعرف المشاهدون أن هذه الشخصية ما تزال “ هيدا “ ؟ .
تكمن الإجابة في حقيقة أن المتفرجين ينتبهون إلى أن الشخصية الموجودة هي نفس الشخصية التي غادرت من قبل وها هي تعود من جديد . بمعنى أن موقعها في المكان مرتبط بالوقت الذي استغرقته في المغادرة والعودة من جديد . فالشخصية تظهر، ووفقا لكل المظاهر، تكون هي «هيدا «، ولكن ما يضمن إعادة تعرف المتفرجين علي «هيدا” هو أن مظهرها مميز بالقدر الكافي، في الإطار الزمني المكاني للأداء، لكي تسمح للمتفرجين أن يحددوها في مساحة التمركز المكاني كموضوع لفكرهم المستمر . فهم مازالوا يفكرون فيها، وهذه المرة، لأنهم يعرفون أن الإطار الزمني المكاني للأداء لم يتغير . ويعرفون ذلك أيضا لأنهم يعرفون أنهم لم يتحركوا من مكانهم . وبذلك أنشئوا مجال بحث ذي صلة .

                                              (3)

الإلحاح علي معرفة المتفرجين لمواقفهم الزمنية المكانية يدعم تحديد الهوية وإعادة تحديدها داخل العروض الفردية . ان معرفة المتفرجين بالمكان الذي كانوا فيه تشكل أساس تقديرات المدة التي استغرقتها الشخصية . يعمل ذلك ضمن أداء فردي ذي مدى تقليدي لأن الوقت الذي تكون فيه أي شخصية بعيدا عن الأنظار ولا يتم تتبعه وقت قصير نسبيا .

ولكن ليس من الواضح لماذا يجب أن تعمل هذه المناشدة علي دعم إعادة التعرف علي الهوية عبر العروض وأنواع الأداء المسرحي، والتغيرات في القصة، وما إلى ذلك . وعندما توجد فجوة كبيرة في الزمن أو المكان منذ المشاهدة الأصلية، فمن غير المعقول الاعتقاد بأن أي متفرج يتتبع موقع أي شخصية . فليس هناك منطقة بحث معقولة تعند علي أنواع التقديرات التي تعمل داخل العروض الفردية . فربما لا يعرف المتفرجون، بالمعنى الملائم، أين هم في هذه الأثناء .
الطبيعة الخاصة للاستخدامات العادية للمساحة المادية :
هناك ثلاث طرق لتوجيه أنفسنا تضيف إلى استيعاب مكان تمركز الذات الى مكان عدم تمركز الذات . أولا، في أغلب الظروف اليومية فان مكان عدم تمركز الذات هو ببساطة المكان العام الذي تحدده الخرائط الإدراكية للعلاقات المكانية الموضوعية بين الأشياء . ويمكن التفكير في هذا بطريقتين . تتطابق كل منها مع طريقة امتلاك الناس لفهم لتلك العلاقات المكانية الموضوعية . ويمكن توضيح كل منهما بطريقة يمكننا من خلالها تحديد الاتجاهات . الأولى تحدث بالإشارة إلى البوصلة أو عناوين الشوارع : « من هنا يمكنك أن تتجه شمالا بطول خمسة مباني ثم تتجه غربا علي شارع لارمي، والعنوان هو 1702 شارع لارمي . والطريقة الثانية هي تحديد المسار : « من هنا تذهب في هذا المسار عبر سور الألومنيوم الطويل حتى ينتهي ثم تنعطف الي الى اليسار قبل كنيسة لوثرن، ستجد البار أمامك علي اليمين، ابحث عن كلب أحمر ضخم علي سطح المبنى” . إننا نعتمد علي معرفة أين نحن في التعرف علي الأشياء ( كما في حالة البار ) بالإشارة إلى مكان التمركز المدرج في خريطة إدراكنا للمكان العام بأحد هاتين الطريقتين .
ثانيا، في بعض الظروف، قد يكون الفاصل الزمني والمسافة كبيرين جدا بحيث لا يمكننا تحديد مكاننا في الفاصل الزمني . في مثل هذه الظروف، نعتمد بثقل علي الإلمام بقوائم الخصائص . ومع ذلك، نظل نفعل ذلك فيما يتعلق بالموقع المكاني الذي نتذكره، كما هو الحال عندما نحاول تحديد ما اذا المسار الذي نتتبعه الي منزل صديقنا هو المسار الصحيح في مدينة زرناها منذ بضعة سنين . في مثل هذه الظروف نتأكد أن مسارا بعينه هو المسار الذي اتخذته من قبل لأنه يدفعك لتذكر الملامح، أو ترفض طريقا بعينه لأنه غير مألوف لأنه يفشل في أن يدفعك إلى تذكر الملامح أو أن ملامحه مغايرة ولا تضمن التعرف .
ينطوي النوع الثالث من الظروف علي التمييز أنواع الأماكن والمواقع . ونلح علي نوع المواقع التي نتواجد فيها عندما يحدث التعرف بشكل مستقل عن معرفتنا بالمكان الذي كنا فيه في فترة زمنية، بغض النظر عن المدة . فمثلا، أستطيع أن أتعرف علي مذياعي في منزلي حتى لو كان هناك آلاف تشبهه في مكان ما وحتى لو لم أكن في البيت لبعض الوقت . بالمقارنة، هناك أنواع مواقع تعطل القدرات الإدراكية . فإذا ظهر مذياعي في عرض الشرطة للبضائع المسروقة، إذا استخدمنا أحد أمثلة ( ايفانز) فليس من المحتمل أن أتعرف علي مذياعي من بين كل الموجودين في العالم . في هذا النوع من المواقع، بعد أن فقدت مسار مكان وجود الراديو، وليس لدي قصة متماسكة عن المكان الذي كنت فيه لتحكيها والتي من شأنها دعم الادعاء عن مكان البحث الملائم، ولا يمكنك استخدام التقنيات التي لديك في الحالات الأخرى . والصورة المهمة في هذا النوع من الظروف، حتى لو كانت واضحة تماما، هي كالتالي : المعلومات عن أنواع الأماكن التي تساعد علي الإدراك هي معلومات لاحقة، فهي ليست الشيء الذي نعرفه بدون بعض التجربة .
وأي تعريف ملائم لمكان الأداء يجب أن يشملهما ولكنه أيضا يسمح لنا أن نميز بين الرقص العروض المسرحية، ورياضات المتفرجين، والنزهات الجماعية، والطقوس الدينية . ولتحقيق هذه الرغبة يجب أن يستتبع التعريف أن أماكن العروض هي استخدامات خاصة للمكان الفعلي، لكل أنواع هذه العروض التي تحدث في مواقع مادية معينة . وتبعا لذلك . فانني أتابع خط التفكير الذي اقترحه أوجستو بوال وبيتر بروك وهوليس هيوستون، واقترح أن نعرّف مكان الأداء كالتالي :
 بشكل عام، مكان الأداء مساحة مراقبة نشطة (أ) يتم خلقه  في المكان الفعلي من خلال أفعال بعـض الأشخــاص الذين من خلال هذه الأفعال، لا يصبحون فقط إما مؤدين أو متفرجين ولكن أيضا يحولون آخرين الي مؤدين ومتفرجين، (ب) بحيث أن ما يشاهده المتفرجون مهما كان تتم مشاهدته في هذا المكــان أثناء الوقت الذي تحكم فيه تلك الأفعال سلوك الأطراف المشاركة فيه .
لا يلتقط هذا التعريف أي شيء مميز عن المكان المسرحي، ولكنه يسمح بمساحة للتفكير في المكان المسرحي باعتباره نوعا من مكان الأداء بشكل عام. فحقيقة أن شيئا ما هو مكان مسرحي فقط أذا كان نوعا من مكان الأداء، يتعلق بابتكار مساحة مشاهدة فعالة، لا يستتبع وجود أي شيء ذي قيمة خاصة في الأداء الحي الذي لا يمكن أن يوجد في أشكال الأداء الأخرى . فربما تكون هناك بعض القيمة المضافة بواسطة الحيوية : ولكن هذا ليس مؤكدا، ولا يؤدي أي عامل هذا الدور في المسائل التي نناقشها .
 المهم هو أن حقيقة أن يكون شيء ما هو مكان أداء اذا ارتبط بخلق مكان مشاهدة فعالة فانه يستتبع أن تكون أماكن الأداء، بما في ذلك الأماكن المسرحية، هي أنواع الأماكن المناظرة بالضبط لأنواع مكان عدم تمركز الذات – بمعنى استخدامات المكان الفعلي مثل البيوت ومعارض الشرطة والملاعب، التي يمكن أن يندرج تحتها مكان تمركز ذات المتفرج . وتؤكد هذه الحقيقة أن أماكن الأداء تؤدي نوع الأدوار الصحيحة – مثل مناطق البحث الملائمة – لضمان التعرف علي الشخصيات في حالات يقاطع الأداء . ومثل هذه الأماكن سوف تكون أماكن عدم تمركز بالطريقة الصحيحة لأنها سوف تكون محددة ليس فقط بالنسبة للمتفرجين الذين يعرفون أماكنهم، ولكن بالنسبة إلى معلوماتهم عن نوع المكان الذي كانوا فيه عندما حدثت المشاهدة الأولى . ويكون الأمر كذلك، لأن المتفرجين ميزوا « هيدا « أصلا في مكان مسرحي، ويمكنهم أن يميزوها ثانية عندما يشاهدون عرضا مسرحيا جديدا من أي نوع في استخدام مماثل لنفس المكان .
 يوضح هذا التناول بحدة لماذا لا يمكن أن تكون قائمة المشاهدة هي القصة الأساسية . لأنك، لو قابلت شخصا في الشارع يذكرك ب «هيدا « فلن يمكنك أن تعتقد أنك تعرفت عليها . ولن يقنعك أي مقدار من الخصائص اللاحقة والجديدة والتأكيدية الواضحة في سلوك هذا الشخص بعكس ذلك . فنحن نفهم أن الشارع هو نوع المكان الخاطئ الذي يمكن أن نقابل فيه « هيدا « . تماما مثلما يعطل معرض الشرطة للبضائع المسروقة قدرتك علي التعرف علي مذياعك، فالشارع بشكل نموذجي هو نوع المكان الذي يعطل تعرفنا علي الشخصيات المسرحية .
 للتأكيد، قبل أن نتعلم كيف نحدد أماكن عدم تمركز الذات التي تضمن ما هي إعادة تحديد هوية الشيء، فان الأمر متروك لافتراضاتك، فعلي سبيل المثال يمكنك تحديد مذياعك في عرض الشرطة للبضائع المسروقة . ولا بد أن نعلم أن مكان عدم تمركز الذات، حيث بغض النظر عن أنه يمكننا استيعاب مكان تمركز الذات فيه، فلا زلنا غير قادرين علي التقاط المذياع الذي نعرفه من قبل أي مذياعنا . وفي المقابل اذا علمت أن المكان الذي رأيت فيه « هيدا « أصلا هو مكان مسرحي، فعندئذ ستكون لديك سيطرة علي هذا النوع من الأماكن التي تشارك في إعادة تحديد الهوية . وحتى لو كانت هناك حالات مثيرة للجدل في هذا الشأن، ففي معظم الحالات لن نتوقع التعرف علي هيدا مرة أخرى إلا في هذا النوع من المكان، أي في المكان المعتاد المستخدم بهذه الطريقة
 يوضح هذا التناول أيضا بشكل حاد أن فكرة النوع الخاص للمكان – حيث يُفهم بأنه « شبيه « أو «خيالي « أو غير مطابق بطريقة أخرى للمكان الفعلي العادي المستخدم بطريقة معينة متعارف عليها – هو ببساطة غير معقول باعتباره دعوة لتقديم منطقة بحث يعتمد عليها المتفرج في تحديد الشيء الذي يفكر فيه . لأنه لا يوجد مسار فعلي للمتفرج لكي يتابع الشيء عند تحديد منطقة البحث ذات الصلة إذا كان أحد الأماكن التي يجب أن يعرفها ليس المكان الفعلي. وتقوم إعادة التعرف علي نفس الأدوات والصور والأفعال والأفراد على تقويم غير مجازي لحقيقة أن المشاهدات الأصلية التي نشأت فيها علاقات الملاحظة كانت في مكان عادي فعل ولذلك أهيب هنا باقتصاد في الفكر . فالمكان المسرحي هو ما يعمل باعتباره نوعا من مكان عدم تمركز الذات الذي يستوعب فيه المتفرجون مواقع تمركز ذواتهم عندما يميزون بشكل إيضاحي من أو ما الذي يفكرون فيه في كل الحالات : حالات العروض السردية الخيالية، والعروض السردية غير الخيالية، والعروض المسرحية غير السردية . والتفسير عام، ويخدم كل تعّرف وتمييز.
خامسا : بعض فوائد الاعتبارات التي ندافع عنها في هذا المقال :
بشكل فردي أو جماعي، تشير هذه الاعتبارات الي كيفية شرح عدة ظواهر ذات اهتمام عميق ودائم لمنظري المسرح . علاوة على أنهم يفعلون ذلك دون أن يتورطوا في المشاكل التي تعصف بنظريات سيميوطيقا وفينومينولوجيا المسرح .
خامسا (أ) التركيز المزدوج والانزلاق :
تذهب إلى المسرح لتشاهد عرضا بعنوان « هيدا جابلر « وهو عرض مسرحي سردي من النوع المألوف تماما . وأثناء مشاهدة المشاهد الأولي، تجد نفسك في انتظار ظهور الشخصية الرئيسية .وعندما تظهر فعلا، رغم ذلك، تضطرب علي الفور . تقودك التبادلات بين الشخصيات الأخرى بالفعل علي أساس توقعات محددة تتعلق بالعديد من خصائص «هيدا « . ولا تصاب بالاحباط تماما : علي سبيل المثال، سلوكها الجسدي متسلط . ولكن، بمجرد أن تفتح فهمها للكلام، تصاب بصدمة . فلا يمكنك أن تحول عينيك عن الفجوة التي أحدثتها أسنانها الأمامية المفقودة . اللثغة التي تسببها الفجوة بين الأسنان تصر في أذنيك . وبعد فترة تستنتج أن ما صدمك هي ملامح المؤدي وليس خصائص « هيدا” . وبعد مزيد من الوقت ربما تنساها . أو ربما تظل تلاحظ ملامح الممثلة بين حين وآخر، ولكنها ربما تكون مجرد الهاءات عرضية عن سرد المسرحية .
ملامح المؤدين هي أي شيء عن المؤدي يمكن أن ينجذب اليه انتباه المتفرج . وربما يتضمن هذا ما يرتديه، والشامة في رقبته، والرنين المسطح في صوته، ورفع الحاجب، وتدلي الكتفين، وضعه الملتوي . أي ملامح مكررة بانتظام يمكن تأملها بشكل منفصل، التركيز في ذاته، ودعونا نشير إلى المعنى الذي يصل كثير من المتفرجين، من لفت انتباههم الي كل خصائص الشيء الذي يتطور في الأداء والى ملامح المؤدين بأنها « التركيز المزدوج» . ودعونا علاوة علي ذلك نشير الى المعنى الذي يمكن أن يصل المتفرجين، وهم يجدون انتباههم يتقهقر ويتقدم بينهم، باعتباره إحساسا بالانزلاق .
ظاهرتي التركيز المزدوج والانزلاق تتوافقان مع نموذج الملامح البارزة لتفسير التلاقي عند نفس سمات المؤدين المعروضة كسمات للأشياء في العرض . وهي مؤثرات متوقعة لأن نموذج بروز الملامح يعتمد صراحة علي حقيقة حضور المتفرجين أمام أجسام وأصوات المؤدين . ومع تبني هذا النموذج نسعى إلى شرح الملامح المرتبطة بسمات الشيء التي يتم أداؤه وما هو ليس كذلك، تسليما بأن هناك المزيد من ملامح المؤدي التي يشاهدها المتفرجون أكثر مما يخطط المؤدون حتى يكون ملحوظا عند تطوير وتنفيذ العرض .
تشتهر أجسام المؤدين وأصواتهم بأنها تشتت الانتباه. فعند الحضور أمام المؤدي ربما يجد المتفرج نفسه في حالة تركيز غير عادي علي يديه الغريبتين . ولذلك ربما يفقد متابعة العرض . ولكنه بدلا من ذلك، ربما يلاحظ كيف انعكست الإحداث في المسرحية علي حركات وسكنات تلك اليدين . أو ربما لا يعي اتجاه انتباهه، مع أنه ما يزال يتابع تطور الشيء . وقد يشاهد متفرج آخر أي ميزات أخرى تحدث بانتظام وقد كان المؤدون قد خططوا أن يلاحظها المتفرجون ويتابعونها .
تسمح لنا حقيقة أن التركيز المزدوج والانزلاق متوقعين في نموذج الملامح البارزة أن نستخدمه أولا لتوضيح ظاهرتين مهمتين .
أحداهما « قوة المؤدي «، وهي مجموعة من الظواهر جذبت انتباها كبيرا في أدبيات الدراسات الفلسفية والمسرحية . ومثل هذه الظاهرة هي التأثير الذي يسميه أرون ميسكين و جوناثان واينبرج، إتباعا لستانلي كافيل، « قوة النجم» . وقوة النجم، كما يصفها ميسكين وواينبرج، هي التأثير الذي يحدث عندما تحمل هوية النجم السينمائي ثقلا بارزا، ربما أكبر من ثقل الشخصية التي يصورها في أي فيلم . ويشير ميسكين وواينبرج الى هذا التأثير بأنه « الازدواجية النفسية « ويؤكدا أنها « لا تعدو كونها مجرد عرض جانبي أو مراوغة إدراكية، لأن صناع السينما يعتمدون عليه ويستغلونه .
ظاهرة « قوة المؤدي « الأخرى هي التأثير الذي يسميه مارفن كارلسون « ظل الأدوار السابقة» في تلقي الأدوار الأخيرة . وهذا التأثير هو جزء من هالة الشهرة . وهو أوسع لأنه ينطبق علي كل من العروض السينمائية والمسرحية . وهو أوسع أيضا لأنه تأثير يستغله كثير من المؤدين الذين ليسوا نجوم مألوفين للمتفرجين من العروض السابقة أيضا . ولكن كما يؤكد ميسكين وواينبرج، مجرد عرض جانبي للعرض السينمائي والمسرحي .
يتم توقع قوة المؤدي علي أساس نموذج الملامح البارزة . إذ يعتمد المؤدي في المسرحية علي حقيقة أن المتلقين سوف يهتمون بملامحه لكي يكتسبوا معلومات عن الشخصية التي يؤديها . وربما تكون ملامحه ملحة لأنه نجم، أو لأنه مألوف من خلال لقاءات مسرحية سابقة، أو لأن مظهره أو سلوكه فقط ملفت للنظر . فإذا كانت ملامحه ملحة، لأي سبب، عندئذ في بعض ممارسات الأداء يمكن أن يكون حكيما في استغلال اهتمام المتفرج بملامحه من أجل تشغيل مضخة بروز الملمح .
الظاهرة المضادة لقوة المؤدي هي « قوة الشخصية «، وهي حقيقة مألوفة مفادها أن بعض العروض مدهشة للغاية لدرجة أنه حتى أولئك الذين يعرفون بشكل أفضل ينسبون خصائص الشخصية للمؤدي . ومرة أخرى، لا بد أن تكون هذه الظاهرة متوقعة في نموذج الملامح البارزة . ولذلك، فان خصائص الشخصية، في أي أداء، تتطابق مع ملامح المؤدي . علاوة علي ذلك، فان فكرة «معرفة ما هو أفضل» قابلة للتفسير علي الأساس الذي تبنيناه في تحديد موضوع الأداء وإعادة تحديده . تتعلق قوة الشخصية بأخطاء في إعادة التحديد التي تحدث عندما يواجه المتفرجون المتلقون خارج المسرح . وهناك سؤالان لابد من إجابتهما . الأول، لماذا لا نتوقع رؤية «هيدا « في مركز التسوق الأسبوع القادم ؟ والثاني، لماذا لا نر «هيدا” عادة في مركز التسوق ؟ إجابة السؤال الأول لا يمكن أن تكون نفس إجابة السؤال الثاني لأننا في هذه المناسبة نميل بالفعل الي التفكير في أننا نرى «هيدا” في مركز التسوق في النهاية . ومعنى ذلك أن : حتى يعلم المتفرج أن المكان المسرحي هو نوع المكان الذي يمكنه التعرف علي أفراد بعينهم، وأن مركز التسوق ليس المجال الملائم للبحث عن هؤلاء الأفراد، فقد يتوقع المتفرجون أن الشخص الذي يميزونه في مركز التسوق يتمتع بخصائص الشخصية التي شاهدوها، فمن المحتمل أن هناك خطأ .
القضايا المتعلقة بمادية وسائل الأداء :
يمكن أن تلقي حقيقة أن التركيز المزدوج والانزلاق متوقعين في نموذج الملامح البارزة الضوء علي أمرين نظريين لهما علاقة بمادية الملامح المقدمة للمؤدين، ولاسيما المسائل المتعلقة بمادية جسم المؤدي .
الأول، أصبحت مادية جسم المؤدي موضوعا مهيمنا في الدراما الحداثية ونظريات الحداثة المسرحية . وفي ملحوظة اقتبست بشكل موسع يزعم هربرت بلو أن المسرح من بين كل فنون الأداء يصيب أغلب المبادئ الأخلاقية بالعطن . وينكر هوليس هيوستون أن هناك الكثير من الأمور الأخرى الممكنة في المسرح غير الفجوة المستمرة بين الأداء المادي والفكر المعروض . ويعرف ستانتون جارنر الجماليات الحداثية للمسرح كالتالي : « لجعل المسرح يحل محل الواقع بل يصبح هو الواقع نفسه «
يصف نموذج الملامح البارزة للفهم الأساسي الحقيقة التي تكمن وراء مناقشات صور الحركة الحداثية في المسرح . إذا حصل المتفرجون علي الخصائص التي يفهمونها بمشاهدة ملامح المؤدين، فلا يوجد سبب أن تلك الحقيقة لا يمكن أن تصبح موضوع الحركة في تاريخ المسرح . وإذا كانت الحركة هي الحركة التي تركز علي الوسيلة التي ينجز بها الشكل الفني تأثيره، كما يقال أحيانا عن الحداثة، فليس من المستغرب إذن أن نجد حقيقة جسم المؤدي يتجلي عموما في موضوعا وممارسات الحركة .
والثاني، ذو الصلة، هو أنه منذ بدأت الممارسة المسرحية الحداثية ونظريتها التركيز علي الحركة ووسائل الأداء الأخرى، أصبحت مادية جسم المؤدي ووسائل الأداء الأخرى نقطة حاسمة في الانقسام بين نظريات السيميوطيقا والفينومينولوجيا في المسرح . فطبقا للبعض، تميز مادية جسم الممثل حدود ما يمكن تحليله في اطار السيميوطيقا، في إطار العلامات والمعاني . لأن الأجسام في بعض العروض لا يبدو أنها تعني شيئا آخر بل إنها شيء في ذاتها . ومعالجة الأشياء المادية مثل الأدوات، باعتبارها علامات لا يجعلنا فقط من الصعب أن نقول ما هو الشيء المادي وما هو الشيء غير المادي ولكنه أيضا يجعل متعة أن نجد فيها أشياء مادية أمر غير قابل للتفسير . وطبقا لآخرين، ان مادية جسم المؤدي، بينما هي تحد للتحليل السيميوطيقي، ليست نظرية سيميوطيقية أكثر تعقيدا لايمكنها أن تتعامل معها . ولذلك يجب أن نتبنى مقاربة سيميولوجية لأن لاشيء لا يمكن أن يكون ذاته بمجرد وجوده علي خشبة المسرح، الذي هو مكان انتاج المعاني . والحجة المعيارية لهذه الرؤية هي أنه، لأن أي شيء يمكن أن يكون أداة لأي شيء آخر في الأداء المسرحي، عندئذ يجب أن يتصرف أي شيء باعتباره علامة عندما يظهر في الأداء المسرحي .
يقدم نموذج الملامح البارزة توضيحا بطريقتين هنا . أولا، في حين أنه ربما يستحيل أن تظهر جميع ملامح شيء معين بارزة أمام المتفرجين بجميع خصائصه الفعلية، فان هذا لا يعني أنه ليس من المستحيل أن نجد شيئا لا يبرز في ملامحه بعض خصائصه في مناسبة ما . ولأسباب أسلوبية، يمكن أن تسعى الفرقة المسرحية إلى استدعاء الانتباه إلى حقيقة أنهم يستخدمون لعب من البلاستيك كمسدسات في عرضهم . وسوف يفعلون هذا بمساعدة المتفرجين أن يركزوا علي ملامح معينة في أدواتهم – تلك الملامح معروضة بنفس الخصائص التي يملكها الشيء نفسه . ثانيا، عندما نسأل ما هي ملامح المؤدي، أو جزء من المشهد أو خشبة المسرح أو الخاصية المعروضة لنموذج ما أو الخصائص المميزة للموضوع المعروض – لوسيط أو غرفة أو مسدس فلا يوجد شيء أساسي من حيث المبدأ لما يمكن أن تكون عليه هذه الخصائص . وأيا ما كانت القيود الموجودة فان أساليب الأداء هي التي تفرضها .
في النهاية، هذه ليست مسألة كون الأشياء علي خشبة المسرح علامات ومعاني، وبالتالي تصبح غير قادرة أن تكون ذاتها . وليست أيضا عن ولا يتعلق الأمر أيضا بحدود ما يمكن أن يكون علامة علي أساس أن الشيء هو ذاته علي خشبة المسرح في بعض العروض . فهذه، بدلا من ذلك، مسألة تتعلق بالأساليب المسرحية والاستخدامات المحددة للمواد . وإذا كانت هناك حدود لهذه الاستخدامات، فسوف يكون ذلك اكتشافا جديدا في ممارسات المسرح التاريخية، وليس من فلسفته.
 ما يلفت الانتباه في هذا النقاش يتعلق بحقيقة أن المتفرجين يفهمون ما يفهمونه من خلال مشاهدتهم للمؤدين والمشاهد والأدوات . ويمكن أن يبدو هذا غريبا في بعض أساليب الأداء . ولكن ليس في كل العروض بالتأكيد . وهذه ليست، مثلا، مسألة أشياء حقيقية تخترق الإيهام المشترك في كل العروض، كما يقول برت أوستاتس . ولكن السبب في أن الأداء المسرحي لا ينطوي بشكل كبير علي أوهام حول أجسام المؤدين لا علاقة له بالأجسام باعتبارها « علامات « كما تقول آن أوبرسفيلد . ويتطلب تفسير نموذج الملامح البارزة للفهم الأساسي معلومات مشتركة بين المتفرجين بأنهم في عرض مسرحي . ومن المستحيل امتلاك المعلومات المطلوبة لتفسير التلاقي عند نفس الملامح والخصائص – معلومات أننا في المسرح مع آخرين – وفي نفس الوقت للدخول في ايهام أننا لسنا كذلك .
خامسا (ج) قضايا حول الحضور :
وكميزة إضافية للتحليل الخاص بالتعرف علي الأشياء في الأداء المسرحي وإعادة التعرف عليها الذي قدمته للتو، هو أنه يساعدنا في تحديد شعور الناس بدقة «بوجود شخصيات وأشياء أخرى في الأداء المسرحي « ولكن دون الالتزام «بميتافيزيقا الحضور الزائفة « .
ففي معنى الوجود غير المثير للجدل، أنني إذا كنت في حضورك، (أ) يمكنني أن أراك وأسمعك إذا نظرت في اتجاهك أو أدرت راسي نحو الأصوات التي تصدرها، (ب) سيكون هناك مكان قريب جدا يمكنك أن تذهب إليه بحيث لا يمكنني رؤيتك أو سماعك لو نظرت أو استدرت في اتجاهك، (ج) هناك مكان قريب جدا يمكنني الذهاب إليه بحيث لا يمكنني رؤيتك أو سماعك حتى لو نظرت أو استدرت في الاتجاه الملائم . وهذا يوحي بمعنى أننا في حضور الشخصيات عندما نشاهد العروض المسرحية .
تظل المفاهيم المادية المتعلقة بوصف معنى الحضور أمام آخر هي نفسها التي تتعلق بوصف التحديد التوضيحي والإدراك القائم علي التعرف علي الشخصيات والأشياء الأخرى في العروض المسرحية . ويتعلق كلاهما بالاستجابة قبل الإدراكية للأصوات والمناظر التي تحفز استجابات الكائن الحي التوجيهية . ويتعلق كلاهما بمتابعة الشيء في المكان علي امتداد الزمن، ونفس أنواع فقدان الاتصال، ونفس وسائل إعادة إقامة الاتصال .
يسمح لنا هذا السرد أن نشرح لماذا يقل حضور المتفرجين أمام الشخصيات والأحداث عند قراءة الأدب الروائي والأدب الدرامي . هناك شيء خاص بشأن تلاقي المتفرجين مع الشخصيات والأحداث في المسرحيات، هو أنهم يتواجدون الى حد ما في حضور الشخصيات والأحداث بطريقة تختلف عن معظم أشكال الفن الأخرى القادرة علي تقديم السرديات . فلا يهم مدى القرب الذي نشعر به بالنسبة لشخصيات الرواية، فلن نكون بلا شك في حضور تلك الشخصية . وبالنسبة للاعتبارات المقدمة في هذه المقالة، فان ذلك ببساطة لأنه لن تحدث ردود الفعل الجسدية تجاه الشخصيات في السرديات، ولكنها بالطبع حاسمة في المسرح . وبالمثل، إذا انفعل المتفرج بدنيا علي حركة في الأفلام، فانه بلا شك ليس موجودا في حضور هذه الحركة . وهذا لأنه ليس لديه إحساس متابعة الحركة لحظة بلحظة في مساحة مادية يوجد هو فيها أيضا . وفي هذا الاعتبار تشترك العروض المسرحية في ملمح مهم مع عروض الرقص .
هذا التحليل للتعرف علي الأشياء وإعادة التعرف عليها في العرض المسرحي يتطلب أن يعلم المتفرجون أن المكان المسرحي هو استخدام مكان فعلي يضمن مناطق البحث التي يستطيع أن يميز فيها المتفرجون الشخصيات والأشياء الأخرى التي تعرفوا عليها من قبل . ولكن هذا جزء من مما يجب أن للذهاب الي المسرح . ولا يستتبع التزاما بممارسات الأداء التي تسعى إلى تطوير التعرف علي الشخصيات أو الأحداث مع المؤدين . فوجودنا في حضورهم، بالمعنى الذي شرحناه هنا، ربما هو ما يجعل هذا التعرف ممكنا، ولكنه لا يجعله حتميا أو مرغوبا فيه .
............................................................................................
• نشرت هذه المقالة مجلة Journal of Dramatic Theory and Criticism –spring 2007- pages 21-47
• لقد سبق أن قدمت مسرحنا العديد من الدراسات للأستاذ جيمس هاملتون في أعدادها السابقة .. وسبق التعريف لنا به عدة مرات .

---------------------------------
المصدر : مسرحنا

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption