أختيار لغة الموقع
أخبار مسرحية
آخر المنشورات في صور
الأربعاء، 30 يونيو 2021
الثلاثاء، 29 يونيو 2021
وزيرة الثقافة تصدر قرارا بتولي الدكتور جمال ياقوت رئيسا للمهرجان الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر
مجلة الفنون الجميلة
وزيرة الثقافة تصدر قرارا بتولي الدكتور جمال ياقوت رئيسا للمهرجان الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر
أصدرت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة قرارا بتولي الدكتور جمال ياقوت الأستاذ المساعد بكلية الآداب جامعة الإسكندرية ومعهد فنون الطفل بأكاديمية الفنون لتولي رئاسة المهرجان الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر خلفا للدكتور علاء عبد العزيز الذي تقدم باعتذار رسمي وذلك اعتبارا من الدورة القادمة الثامنة والعشرين
يذكر أن الدكتور جمال ياقوت حاصل على الدكتوراه في الإخراج والإنتاج المسرحي عام 2011، ويعمل رئيسًا لقسم الإخراج والوسائط المتعددة بالمعهد العالي لفنون الطفل – أكاديمية الفنون، وهو أستاذ التمثيل والإخراج والإنتاج المسرحي المساعد بقسم المسرح بكلية الآداب – جامعة الإسكندرية – مصر، ومنتدبًا للتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية – فرع الإسكندرية، والمعهد العالي للفنون الشعبية بالقاهرة، وقسم الدراما والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس، وبكلية السينما والفنون الأدائية بجامعة بدر.
بدأ ممارساته المسرحية ممثلًا عام 1982، ثم تحول إلى الإخراج، وأخرج ما أكثر من ٧٠ عرضًا، وحصلت عروضه على الكثير من الجوائز منها حصول عرض "بيت الدمية" على ثلاث جوائز في الدورة الأولى من المهرجان القومي للمسرح المصري عام 2006، جائزة أفضل مخرج صاعد، وحصول عرض "القرد كثيف الشعر" على خمس جوائز في الدورة الرابعة من المهرجان القومي للمسرح المصري منها جائزة أفضل عرض وأفضل مخرج، كما حصل عرضه "القصة المزدوجة للدكتور بالمي" على سبع جوائز في مهرجان المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وجائزتين في الدورة السابعة من المهرجان القومي للمسرح المصري، بالإضافة لترشحه لثلاث جوائز أخرى، كما حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الإخراج المسرحي عام 2014.
متخصص في مجال "الإنتاج المسرحي"، حيث تخرج في كليتي التجارة عام 1986، والآداب – قسم المسرح عام 2004، وأعد رسالة الدكتوراه بعد دراسات تحليلية لنظم الإنتاج في إنجلترا، وفرنسا، والسويد، ومصر.
شارك في الكثير من المؤتمرات المسرحية في مصر وخارجها، منها، مؤتمر الفنون الأدائية والمرئية، الذي نظمه معهد أثينا للتعليم والأبحاث في اليونان في يونيو2015، كما قام بالتدريب في الكثير من الورش التدريبية للكبار والأطفال في مجالات التمثيل، والإخراج، والكتابة المسرحية، والحكي المسرحي، والإنتاج المسرحي، منها ورشة الحكي المسرحي في هانوفر عام 2010، وورش الحكي المسرحي في اليونان أعوام 2013، و2014، 2016، 2017، وورشة الحكي والارتجال بالبحرين في يناير 2017. ورشة تخطيط المشروعات الإنتاجية بالكويت في يوليو2017، وورش مهرجان صناعة المسرح بالكويت 2018، من خلال المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب. وورش مسرح الطفل التي تنظمتها مدرسة كريشين للفنون.
كتب مجموعة من النصوص المسرحية للكبار والأطفال، وله مجموعة من الدراسات والأبحاث والمقالات النقدية والكتب المنشورة أهمها: كتاب المخرج المسرحي وتوظيف الصورة بين القيم الدرامية والجمالية من خلال الهيئة العربية للمسرح بالشارقة. وكتاب "المخرج المسرحي وتعدد الرؤى الإخراجية لدراما مس جوليا"، والكتاب الأول من موسوعة الإنتاج المسرحي، وله عدد من الكتب تحت النشر.
أسس فرقة Creation Group في 2004، وهي فرقة مسرحية مستقلة تتمثل رسالتها في تقديم منتجات فنية عالية المستوى من أجل إمتاع الجمهور، وتتمركز رؤيتها في المقام الأول حول سد الفجوة بين الفنون عالية المستوى، والفنون الدارجة، والتي تجتذب عددًا كبيرًا من أفراد المجتمع وذلك بتقديم النوعين وبالآلية التي تضمن الجودة والمتعة. كما قام بتأسيس مهرجان مسرح بلا إنتاج الدولي عام 2008 بالإسكندرية تحت شعار "الخيال وليس المال"، لتشجيع تقديم مشهد مسرحي مبهر اعتماداً على خيال الفنانين بامكانيات مادية بسيطة. وقد اكتسب المهرجان صفة الدولية في دورته السادسة عام 2014، وقد شاركت في المهرجان دولاً كثيرة مثل: فرنسا، وألمانيا، وأسبانيا، وإيطاليا، والبرتغال، وكوريا، ولبنان، وتونس، والمغرب، والكويت، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وسلطنة عمان، وقدمت منه عشر دورات حتى الآن.
شارك بوصفه عضوًا - أو رئيسًا - للجان تحكيم بعض المهرجانات المصرية والعربية منها رئاسته للجنة تحكيم مهرجان الخليج للمسرح المدرسي بالبحرين عام 2016، ورئاسته للجنة تحكيم مهرجان أوال المسرحي الدولي بالبحرين في يناير 2017، وأخيرًا في 2017 عضويته للجنة تحكيم الدورة السابعة من مهرجان الكويت الدولي للمسرح الأكاديمي، والدورة 18 من مهرجان الكويت المسرحي 2017. ومهرجان شباب المخرجين في مايو 2019، وأخيرًا، عضو لجنة تحكيم المهرجان القومي للمسرح المصري أغسطس 2019. ومهرجان قرطاج المسرحي 2019، وقد زار الكثير من دول العالم لمشاهدة العروض المسرحية، ولحضور المهرجانات الدولية التي شارك فيها بعروضه، أو ضيفًا، وقد تم تكريمه مرات كثيرة في مصر وخارجها.
عضو مجلس إدارة مؤسس في فرع المعهد الدولي للمسرح بمصر ITI، وعضو سابق بلجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، وباللجنة العليا للمهرجان القومي للمسرح المصري، وبلجنة المسرح بمركز إبداع الإسكندرية، وهو عضو عامل بنقابة المهن التمثيلية شعبة الإخراج المسرحي بمصر، وعضو شرفي بفرقة مسرح أوال بالبحرين، ورئيس اللجنة العليا لمهرجان نقابة المهن التمثيلية بالإسكندرية، ومهرجان مسرح بلا إنتاج الدولي، وعضو اللجنة العليا لمهرجان الإسكندرية المسرحي العربي للمعاهد والكليات المتخصصة
سارتر يتدثر بمعطف ماركس / علي حسين
مجلة الفنون المسرحية
سارتر يتدثر بمعطف ماركس
وانا ابحث في مكتبتي وهي خليط متنوع بين الرواية والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد والادب والاجتماع ، عثرت على كتاب قديم كنت قد قرأته قبل حوالي " 40 " عاما بعنوان " الوجودية ليست فلسفة انسانية " تاليف الفرنسي جان كانابا ، ترجمة محمد عيتاني ، وقد صدر بالعربية عام 1954 . وكنت قد تعرفت على كتابات جان كانابا من خلال كتابه الشهير " نصوص مختارة لانجلز " – ترجمه الى العربية نادر ذكرى – بعدها بسنوات ساقرأ له رواية بعنوان " غربان الزرع " ، وهي رواية قصيرة اشبه بسيناريو فيلم سينمائي ، تتحدث عن علاقة الفن بالمجتمع من وجهة نظر ماركسية .
كتاب كابانا " الوجودية ليست فلسفة انسانية " صدر بعد كتاب سارتر " الوجودية نزعة انسانية بثلاثة اعوام – صدر كتاب سارتر عام 1945 وصدر كتاب كانابا عام 1948 .
كان سارتر قد القى في بداية عام 1945 محاضرة بعنوان " الوجودية نزعة انسانية " ، سرعان ما اصبحت اشبه ببيان تأسيسي للوجودية الفرنسية التي كانت تتأسس في مقاهي سان جيرمان. كانت محاضرة سارتر حدثا ثقافيا لخص فيها ما يعرف بوجودية سارتر " الوجود يسبق الماهية " فالانسان متروك ليصوغ قيمه الخاصة ، وان هذه الحرية ستكون في حد ذاتها القيمة المطلقة التي يمكن ان يلجأ اليها المرء : " عند اختيار اي شيء على الاطلاق ، فأنني قبل كل شيء اختار الحرية " .عندما اعلن سارتر ان الوجودية نزعة انسانية ، كان يريد ان يؤكد انها تضع الانسان في مركز اهتماماتها . بعد اكثر من عام على محاضرت سارتر ينشر مارتن هايدغر مقاله الشهير " رسالة في النزعة الانسانية " ، والذي اعتبر اول رد فلسفي على كتاب سارتر " الوجودية نزعة انسانية " ، حيث انتقد هايدغر الفلسفة الانسانية التقليدية بسبب تعريفها للانسان باعتباره " حيوانا عاقلاً " أو " حيوانا ناطقا " ، فهايدغر يرى ان هذا المفهوم ينتقص من قيمة الانسان ويؤدي الى ظهور مجتمع صناعي يتعامل مع الانسان من خلال انتاجيته ، ويقيم كل القيم الانسانية من خلال نفعها الاجتماعي او الشخصي . ويرى هايدغر ان سارتر عاجز عن الهرب من هذا المفهوم التقليدي للانسان الذي تكمن عظمته حسب هايدغر في انفتاحه على الوجود ، وفي قدرته على الاحتفاظ بمكان في العالم ليمارس فيه " واقعية وجوده " .وهو الامر الذي ازعج سارتر ودفعه لان يكتب :" هايدغر بلا شخصية .. هذه هي حقيقة حاله " .
يكتب جان كابانا أن البرجوازية بعد موت البرغسونية – نسبة الى الفيلسوف الشهير هنري برغسون – وجدت جوادا جديدا لتمتطيه في حربها ضد الماركسية :" الذي يلزمهم الآن عدو لماركس يحظى بالشعبية والنفوذ " ، ثم يبدا كانابا بالهجوم على " جان فال" و " جابريل مارسيل " حيث يصفهما بالمهرجين ، ثم يوجه سهامه صوب سارتر فيقول :" وجاءت الحرب ، واعقبها الاحتلال ، وجاء عداءً ، بطل موهوب يحسن الدعاية ، فكان علينا ان نرى ما سوف نرى .. ورأينا ! فاحتلت البرجوازية أرفع موضع من الصرح الفلسفي في شارع البرجوازيين على الاقل ، وهاهم الوجوديون يخطرون دون خجل ، يلهون بالحديث في السياسة ونقد الماركسية في ضراوة . آه . ما اروع أداة الحرب هذه الجديدة ! انها رائعة عن بعد ، ولكنها عن قرب ليست سوى ورق هش ونوايا مريبة سرعان ما ستشرف على الموت " . .بعد ذلك يقول كانابا انه لا وجود إلا لنزعة انسانية واحدة هي التي تناضل في سبيل الانسان : " وليس ثمة نزعة انسانية إلا تلك التي تبني للانسان مستقبلا إنسانيا " . ويتساءل كانابا : اين نضال الوجودية ؟ متهما سارتر بانه يتقدم الى الانسان ويده خالية ، فهو على حد تعبير كانابا " ثوريي مقاهي " .
لم يكن جان كانابا وحده من تصدى للوجودية فقد كان المفكر الماركسي الشهير جورج لوكاش يؤمن ان الوجودية انما هي أعلى مظاهر الفلسفة البرجوازية .. ويذهب لوكاش الى ان الفلسفة الوجودية ستصبح التيار الروحي الغالب على المثقفين البرجوازيين ، ويرى لوكاش في كتابه ماركسية ام وجودية – ترجمه الى العربية جورج طرابيشي ان الوجودية ترسخت مع كتاب هايدغر " الوجود والزمان " ، لكنها على حد تعبير لوكاش شهدت انتصارا مظفرا منذ ظهور كتاب سارتر " الوجود والعدم " وايضا في المسرحيات التي كتبها سارتر وكامو ، ويرؤى لوكاش ان الوجودية تمثل " الطرف الثالث " بين الراسمالية والاشتراكية ، ولهذا فهي بلا ملامح واضحة ، وفي فصل بعنوان " سارتر ضد ماكس " يسخر لوكاش من ادعاءات سارتر من ان المادية مذهب ميتافيزيقي ، ويقول لوكاش ان من الصعب ان نجد " مفمكرا جليل بمكانة سارتر " يستخدم ضد الماركسية حجج لن تصمد امام النقاش الفلسفي الحقيقي . ويعلق سارتر على اراء لوكاش في كتاب بعنوان " ويعلق سارتر على ما كتبه لوكاش بالقول :" لقد كنا في آن واحد على قناعة بان المادية التاريخية تقدم التفسير الوحيد المقبول للتاريخ ، وان الوجودية تبقى الطريقة الوحيدة للاقتراب من الواقع اقترابا عينيا . انني لا ادعي نفي ما في هذا الموقف من تناقضات، ولكنني اثبت فقط ان لوكاش لا يعير هذا الموقف اي انتباه " .
في العام 1957 طلبت احدى المجلات من جان بول سارتر ان يكتب لها مقالا عن موقف الوجودية من الفلسفة الماركسية ، وبدلا من المقال كتب سارتر دراسة مطولة صدرت فيما بعد في كتاب بعنوان " الماركسية والوجودية " – ترجمه الى العربية جورج طرابيشي ، وقد حاول سارتر في دراسته هذه ان ينفي الادعاءات التي تقول ان الوجودية هدفها نسف الماركسية والحلول محلها ، يقول سارتر " ان كل فلسفة تبني نفسها من خلال ظروف محددة لتعطي حركة المجتمع العامة تعبيرها " .. ويؤكد ان تاريخ الفلسفة يضم ثلاث فترات فلاسفات كبيرة ، وهي فترة جان لوك وديكارت ، وفترة كانط هيغل ، واخيرا ماركس .. ويشير سارتر الى ان لقب فيلسوف ينحصر في هذه الاسماء ، اما شوبنهاور وبرغسون وكيركغارد وحتى سارتر نفسه ، فهم واضعوا عقائد ، مهمتهم تحسين الانظمة الفلسفية الاساسية ، ولا يصح ان نسميهم فلاسفة لانهم مهما هدموا وبنوا يضلون يستمدون افكارهم من " الفكر الحي للاموات الكبار " على حد تعبير سارتر ، وعلى هذا فان الوجودية ليست إلا عقيدة . انها " نظام طفيلي يعيش على هامش حصيلة المعرفة ، عارض في البداية الحصيلة ، وهو يحاول الاندماج فيها " – الماركسية والوجودية جان بول سارتر – ان سارتر يعترف ان المادية التاريخية تظل هي التفسير الوحيد للتاريخ ، لكنه يرى ان الماركسيين المتأخرين شوهوا الماركسية وجمدوها وابعدوا عنها الانسان واعتبروها مجرد صنم ، ولهذا فالوجودية ستقف بالضد منهم مثلما وقف كيركغارد ضد هيغل . ان الوجودية تريد ان تعيد الى الانسان ذاتيته ، وهي تعتبر نفسها بعد توقف عجلة الماركسية : " التقريب العيني الوحيد للواقع " .. ويذهب الى القول ان المثقف الماركسي لم يعد هدفه الوصول الى معلومات ومعارف ، بل تاسيس نفسه قبليا .. ولهذا يقول سارتر كان لا بد للوجودية ان تولد من جديد وان تثبت اقدامها ، لانها تعيد التاكيد على الواقع الانساني . ان الوجودية والماركسية تتطلعان الى نفس الموضوع ، لكن الماركسية " ذوبت الانسان في الفكرة ، في حين الوجودية تبحث عنه اينما وجد ، في عمله ، في بيته ، في الشارع " .وبسبب اصرار سارتر على جمود الماركسية فقد اتهم بان فلسفته دعوة للاستسلام ولليأس ، وانه متامل اكثر من كونه فيلسوف ، وان مايطرحه من افكار انما هي نوع من الكماليات التي تجعل من الوجودبة فلسفة برجوازية تعزل الانسان عن عالمه الاجتماعي وتحصره في وجوده الفردي ، فهي " فلسفة تقيم مذهبها على الذاتية الخالصة وعلى مقولة ديكارت الشهيرة " انا افكر ، اذن انا موجود" وهذه الذاتية هي التي يدركها الانسان في عزلته ووحدته" – جورج لوكاش ماركسية ام وجودية – ولم يكن لوكاش وحده من وجه سهام نقده الى الوجودية ، فقد كتب الماركس الفرنسي هنري لوفيفر يصف الوجودية بانها خليط مترهل وكئيب ، وفي كتيب صغير صدر عام 1946 بعنوان " هذه هي الماركسية " – ترجمه الى العربية محمد عيتاني – يقول ان الوجودية تؤدي الى الكثير من التفتح الذهني الخطير ، ويناقش لوفيفر مسالة الحرية ، حيث يقول سارتر ان الناس احرار، فيطلب لوفيفر منه أن يُعرف ما الذي يمثله رجل عليه الاختيار كل صباح بين الفاشية ومكافحة الفاشية . ماهي اذن هذه الحرية التي يتمسك بها سارتر ويرفضها فلاسفة الماركسية ؟ ، انها الحرية التي تشكل جوهر فلسفة سارتر ..ان حريتي مطلقة لأنه ليس هناك من صانع يحدد ماهيتي سلفا . أن ماهية الانسان غير مكتوبة في أي مكان ، فالانسان هو الذي يكتب ما يريد ان يكونه ، وهذه الحرية لا يحددها اي عائق خارجي . أن توجد هو ان تكون حرا " فنحن لسنا احرارا بان نتوقف عن ان نكون أحرارا " – سارتر الوجودية مذهب انساني – ترجمة كمال الحاج – في المناقشات حول كتاب " الوجودية فلسفة انسانية " يتطرق سارتر الى كارل ماركس الذي يصفه بانه فيلسوف شعبي :" ان الفلسفة اليوم نزلت الى السوق واختلطت بالجماهير . الم ينزل ماركس فلسفته الى مستوى شعبي جدا وكتابه البيان الشيوعي ليس إلا تبسيطا شعبيا لافكاره الفلسفية " .. ويرد على سؤال حول النظرية الماركسية وعلاقتها بالثورة قائلا :" من الصعب ان نقول ان ماركس اختار ان يكون ثوريا في البدء ثم فيلسوفا ، او أن نقول انه اختار ان يكون فيلسوفا ثم ثوريا . انه فيلسوف وثوري . حاول سارتر عام 1948 ان يتقرب من الفكر الاشتراكي فانضم الى حزب صغير اسمه " حزب التجمع الديمقراطي الثوري " وهو حزب يدعو الى اشتراكية غير منحازة للانظمة السياسية ، وفي نفس العام عرضت مسرحيته الشهيرة "الايدي القذرة " ، وهي المسرحية التي جلبت له مشكلة مع الحزب الشيوعي الفرنسي ، الذي كان اثناء الحرب العالمية الثانية مقربا منه ..المسرحية تدور أحداثها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في بلد اخترع له سارتر اسم " إليريا " يحكمه نظام شيوعي ، وفيه نشاهد الشاب " هوغو " ينتمي الى الحزب الحاكم لإيمانه بمبادئه ، وتشاء قيادة الحزب التخلص من الزعيم بعد اتهامه بـ " الانحراف " الايديولوجي ، فتختار "هوغو " للقيام بالمهمة، فيقوم باغتيال الزعيم " هوديرر" ، ويعاقب بالسجن المخفف ، لكنه بعد خروجه من السجن يكتشف أن الحزب قد برأ الزعيم المقتولَ وأعاد له اعتباره، ويتبين له أن ما قام به من اغتيال لم يكن عملا ثوريا بل كان " تنفيذا لتعليمات " ، وفي النهاية يجد نفسه مطالبا بين أن يجعل من سبب جريمته الدفاعَ عن الشرف فيبقى في الحزب، وأن يتمسك بإثبات تهمة الاغتيال على نفسه ، فيتمسك بتهمة الاغتيال ليحكم عليه بالموت..هاجمت الاحزاب الشيوعية في اوربا وبلدان العالم الاشتراكي مسرحية سارتر واتهمت كاتبها بالانحياز الى الراسمالية ، وسيصف الحزب الشيوعي السوفيتي سارترا بانه " ضبع يكتب بقلم حبر " .
كان سارتر قد كتب في " الوجودية فلسفة انسانية " ان الاتهام الذي يوجه لفلاسفة الوجودية هو انهم يبرزوا الجانب السيء في الطبيعة الانسانية ، ولهذا هو يسخر من الذين يروجون ان القبح والوجودية شيء واحد :" تتعلق الوجودية بطبيعة انسانية ، تؤمن بالحرية كفاعل اساسي في الحياة " .
بعد صدور " الوجودية فلسفة انسانية " بعام واحد ، وبالضبط في صيف عام 1946 نشر سارتر في مجلة الازمنة الحديثة مقالا مطولا بعنوان " المادية والثورة " – صدر بالعربية ضمن سلسلة مواقف ترجمة عبد الفتاح الديدي – يكتب في مقدمة المقال ان هذا المقال لا يتعلق بنقد ماركس ، وانما هو موجه للماركسية اللاهوتية كما يسميها ، وهو موجه بشكل خاص الى ماركس من خلال الماركسية الستالينية يقول فيه " "إن المادية وهي نوع من المذهبية عندما تؤكد أن الكون يولد الفكر ما تلبث أن تتحول إلى الريبية المثالية، لأنها تضفي على العقل بإحدى يديها حقوقاً لا حدود لها، وتنزع عنه باليد الأخرى كل هذه الحقوق".
كان سارتر يعاني من انتمائه للطبقة البرجوازية رغم ان هذه الطبقة علمته معنى الحريات السياسية، والحصانة الفردية، وسلطة الذات، ، فقد كان يشعر بانه اقرب الى طبقة البروليتاريا، يقول: "نحن ما زلنا بورجوازيين بثقافتنا، بطريقتنا في الحياة، وبجمهورنا الحالي، لكن الموقف التاريخي يحثنا في الوقت نفسه على الانضمام إلى البروليتاريا لبناء مجتمع بلا طبقات". غير أنه وفي خضم غرامه بالبروليتاريا كان يسخر من جمود من الماديين حيث يجد في مواقفهم تناقضاً صارخاً: "ولقد شاهدت أناساً ينقلبون إلى المادية ويدخلونها كما لو كانوا يدخلون ديناً من ديانات الله. وما يفعلونه هنا ليس إلاّ الذاتية التي يستحون منها".كان سارتر يرفض الربط الحتمي بين الدعوة إلى تحرير الطبقة العاملة والمادية "أنا أعلم أن لا خلاص للإنسان إلاّ بتحرير الطبقة العاملة. وأنا أعلم هذا دون ما داعِ لأن أكون مادياً، ومن مجرد استقصاء الواقع. وأعلم أن من صالح الفكر أن يكون مع البروليتاريا: لكن هل يستوجب مني ذلك أن أطلب من تفكيري الذي قادني إلى اكتشاف هذه النتيجة أن يحطم نفسه". أي أن يلغي استقلاليته وموقفه النقدي.
في كتابها " انا وسارتر والحياة – ترجمته الى العربية عائدة مطرجي ادريس - تخبرنا سيمون دي بوفوار انها قلقت من قرب سارتر من الشيوعيين . وتمنت أن لا يؤدي ذلك الى تنازلت ..كان سارتر قد طلب من سيمون دي بوفوار ان تتقرب من الحزب الشيوعي الفرنسي ، الأمر الذي دفع ميرلوبوني الى وصف سارتر بـ " بولشفيكي متطرف " .في تلك السنوات كان سارتر يعمل في كتابه " الشيوعيون والسلام " ، وتقول دي بوفوار انها كانت تسمع منه جملا من عينة ان الكتابة عبث في عالم يعاني فيه الناس من الجوع ، وفي عالم ينتشر فيه الظلم في كل مكان .لم يعد يقرأ الروايات التي تستمتع بوفار بقراءتها، ولم يعد مهتما بالجمل الانيقة . كان مقتنعا بالمواضيع السياسيبة وليست الادبية ..كان يقرأ بنهم ، وكل ما يقرأه يدور حول الماركسية .
ومن المفارقات أن سارتر توصل إلى الاعتقاد بأن الجماعية الماركسية هي وحدها القادرة على تحقيق "أصالة" وحرية رؤيته الوجودية ، وكان يقول أن "اشتراكية الوفرة" فقط هي التي يمكنها أن تفعل ذلك ، كان سارتر يريد ان يدمج بين الحرية الفردية والثورة ، فما فائدة النضال وانت تعمل في مصنع ولا يكون لديك أي وقت لتكون أصيلًا أو حرا.
كان سارتر يقول انه يريد "استعادة الإنسان داخل الماركسية". أي اكتشاف الإنسان داخل ماركس. من المثير للاهتمام أن العديد من الأشخاص فعلوا ذلك في الستينيات وبعدها وخصوصا هربرت ماركيز والتوسير وروجيه غارودي من خلال التركيز على "أعمال ماركس المبكرة" - أي الأشياء التي كانت موجودة قبل صدور البيان الشيوعي ، ومن أجل تحقيق هذه المهمة المتمثلة في اكتشاف الإنسان في ماركس ، احتاج سارتر إلى التركيز على كتابات ماركس من دون انجلز وربطه بالفكرة الوجودية عن الحرية الفردية والمسؤولية والاستقلالية والأصالة ، وهو ما كان ينتقده لوكاش حيث يقول ان سارتر مثل كل الفلاسفة الفرنسيين يشرب من هيغل فقط .
يقول سارتر في حوار اجراه معه ميشيل كونتا في سنواته الاخيرة وصدر في كتاب بعنوان " صورة شخصية في السبعين " – ترجمه الى العربية احمد عمر شاهين – ان علاقته بالشيوعيين تعمقت عام 1952 واستمر قريبا منهم ما يقارب الاربعة سنوات ، لكنه يعترف ان افكاره لم تكن مثل افكارهم " كانوا يعرفون ذلك ، كانو يستغلونني دون ان يتورطوا بشدة ، وكانوا يشكون انه لو حدث شيء ما فربما اتركهم ، وهذا ما فعلت .. لانني بقيت على اقتناع بانه خلال سنوات الحرب الباردة تلك كان الشيوعيون على حق . ان الاتحاد السوفيتي – برغم كل الاخطاء التي نعرف انه ارتكيهاقد ظُلم . لم يكن في موقف يسمح له بدخول حرب ضد امريكا ، لذا فقد اراد السلام . ولذلك ايدنا الشيوعيين لأن اعتراضاتهم ضد امريكا كانت هي اعتراضاتنا نفسها" ، إلا ان سارتر يصر على ان المثقف ليست مهمته ان يشكل جماعات سياسية ، ويتذكر سارتر انه في صباه وجد نفس يواجه فكرا لم يكن يفهمه جيدا ولا يعلم عنه إلا القليل :" قرأت راس المال ، قرأته دون فهم ، بمعنى اني لم اتغير بقراءته – واصبح هذا الفكر مؤرقا لي ، شيء شيطاني ، .. وشعرت ان الماركسية تتحداني ، لانها فكر يحمله بعض الاصدقاء ، وانها كانت تفسد صداقتنا . وعلى الاقل ، ظلت الماركسية حتى الحرب تزعجني وتؤذيني ، تبين لي اني لن اعرف كل شيء ، وانا بعيد عنها ، وعليّ ان اتعلم ، ولم اكن استطع تدبر امر هذا التعلم . وقمت ذات مرة بقراءة بعض كتب ماركس او عنه ، ولكن لم استطع تذكرها ، ولم افهم ماذا تعني " . لكنه اثناء الحرب العالمية الثانية وفي ظل الاحتلال النازي وجد نفسه عضوا في مجموعة للمقاومة كانت تضم بعض الشيوعيين ، آنذاك بدت له الماركسية نوعا من القوة . ثم بعد الحرب اراد ان يصدر كتابا عن " الاخلاق " لكن الكراسات فقدت ، وكانت بمثابة نقاش حول الماركسية .. تعترف سيمون دي بوفوار في مذكراتها ان سارتر بعد الحرب العالمية الثانية اخذ اهتمامه يتزايد بالحركات الاشتراكية وفي عام 1956 يكتب ان المهمة الكبرى للمثقفين محصورة في تحديد موقفهم من الماركسية :" الماركسية بالنسبة لنا لم تكن مجرد فلسفة . انها كانت الطقس لافكارنا ، والوسط الذي نتغذى منه . كانت تمثل الحركة الحقيقية لما كان يسميه هيغل بالروح الموضوعية " .وفي جداله الشهير مع روجيه غارودي حول الديالكتيل – نشره غارودي في كتاابه نظرات حول الانسان ترجمه يحيى هويدي – يقول سارتر الماركسية تمثل حركة الانسان في طريق بناء نفسه ، لكن هذا لم يمنعه ان يقول لغارودي انه يفضل ان يوصف بالوجودي وليس الماركسي :" لقد كنا مقتنعين ان المادية التاريخية تمدنا بالتفسير الوحيد للتاريخ ، وان الوجودية ظلت تمثل المعالجة الواقعية للواقع .. وانا لا ازعم اني انكر التناقض الذي يتضمنه هذا الموقف " ويذهب الى القول ان ان مهمة الوجودية هي ان تطور طريقة في التفكير تاخذ الماركسية في الاعتبار كي تتجاوزها ، فسارتر يعلن انه يرفض الماركسية ليقيمها ثانية ويتشرب بها:" ذلك هو شرط الوصول الى اشتراكية حقيقية " .. وفي رسالة يوجهها لغارودي يعترف سارتر ان الماركسية والوجودية تنبعان من مصدر واحد :" لكننا تقدمنا عليكم .. لاننا نهتم بالبشر ..واخشى ان تكونوا قد نستموهم " .
يصر سارتر ان الوجودية هي فلسفة الانسان ، والالتزام بقضاياه والدفاع عنها ، يقول لميشيل كونتا وهو يشكو من ضعف اليصر وارتفاع ضغط الدم وامراض الشيخوخة :" حينما افكر في افعال الفرد الاجتماعية ، اميل إلى الاعتقاد بان الانسان قد انتهى . ولكن حين اضع في الاعتبار الشروط الضرورية لوجود الانسان ، اقول لنفسي أن الشيء الوحيد الذي يجب ان اشير اليه واوضحه وأؤكده وأؤيده بكل قوتي ، هو أي موقف اجتماعي وسياسي معين يمكنه أن يؤدي إلى اقامة مجتمع من الأحرار ، وإذا لم يفعل المرء ذلك ، يكون ، في النتيجة النهائية ، موافقا على إن الانسان ما هو إلا قطعة من الخراء " .
الاثنين، 28 يونيو 2021
قبعة العدل عند كامو / علاوة وهبي
مجلة الفنون المسرحية
قبعة العدل عند كامو
البير كامو(1913\1960)كاتب فيلسوف روائي وكاتب مسرحي ولد في قريةالذرعان (مندوفي)بولاية الطارف حاليا .جاء ابوه من فرنسا مع الكولون الفرنسي الذي استولي علي اراضي الفلاحين الجزائريين غصبا وظلما .توفي ابوه بعد سنة واحدة من ميلاده وفي السنة الاولي من قيام الحرب العالمية الاولي .عاش حياة يتم ولكنها لا تساوي يتم ابناء الجزائر وعاش حياة فقر ولكنها حياة بدخ مقارنة بحياة الفقر لاطفال الجزائر .ميلده في الجزائر جعل الكثير ممن كتبوا عنه ينسبونه للجزائر قائلين بانه كاتب جزائري كما يفعلون مع ماسياس المغني اليهودي .وهذا جهل منهم بالحقائق. كاموا ليس جزائريا ومولده في الجزائر لا يمنحه صفة الجزائري فهو عاش طيلة حياته حاملا لجنسية فرنسا ولم يذكر يوما انه جزائري وقد اختار عن قناعة كنا ذكر في روايته الغريب اختار الام .وحضنها والام رمز للوطن الام اي فرنسا وفي اغلب اعماله كان ذاك اختياره .
كتب كامو عدد قلبلا من الاعمال المسرحية منها كالبجولا وحالة طوارئ والحصار وسوء تفاهم والعادلون. هذه الاخيرة جاءت رد فعل منه علي مسرحية جان بول سارتر الايذي القذرة واذا كانت مسرحية سارتر اختارت مجري احداثها في بلد من الخيال نحته سارتر من كلمة ليبيرتي الفرنسية ليصبح البيريا التي يعتقد اغلب الدارسين انها هانغاريا فان كامو اختار ان تكون مدينةاحداث مسرحيته واقعية وهي روسيا في بداية البناء البولشيفية فيها .يتحدث سارتر في مسرحيته عن التخطيط لاغتيال خائن طاغية اختار ان تكون بلاده الي جانب المانميا وايطاليا الفاشيتين . والمجموعة التي تخطط لهذه العملية مجموعة من المناضلين في الحزب الشيوعي ويختار كامو كحدث لمسرحيته تخطيط مجموعة من المناضلينةفي الحزب البلشفي الروسي اغتيال الطاغية الدوق الكبير.
يعمد كامو الي القول بان هذه المجموعة هي العادلون لانهم يحاربون الظلم واغتيالهم للدوق هو العدل واذا كان سارتر يصف من يخططون لاغتيال حاكم البيريا بالارهابيين فان كامو يصفهم بالعادلين .وفي غمرة ذلك ينسي كامو ان ابناء الجزائر الذين يخططون لاغتيال الكولون الفرنسي وطغاة الجيش الفرنسي هم كذلك عادلون لانهم يبحثون عن تخليص وطنهم من الاحتلال والطغاة الفرنسيين الذين سلبوهم اراضيه .بل لا يتردد في وصف ابناء الجزائر بالارهاب ولم يكن له موقفومن اغتيالات الجيش الفرنسي لازيد من45الف مواطن جزائري بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وعشية الاحتفالات بانتصار الحلفاء علي المانيا النازية . فمجد ما حدث في روسيا وادان مظاهرات الجزائريين ووصفهم بالارهاب ورأي فيما فعلته فرنسا بهم عدلا .وهكذا يصبح هنا تلطاغية عادلا وتلعادل ارهابي عكس مسرحيته تماما لماذا لانه لا يعتقد بان من حق الجزائري الثورة ضد من اغتصب ارضه ولا اعتبر نفسه جزائريا.
اعتمد كامواةفي مسرحيته هذه التي قدمت لاول مرة علي ركح المسرح من طرف مسرح هيبورت سنة1949وبطولة عشيقته ماريا كزاريس وهي في خمسة فصول.
قلت اعتمد فيها بشكل خاص علي كتاب بوريس ستافانكوف(ذكريات ارهابي).عبثية كامو تعبث حتي بالوقائع التاريخية .لذلك ما هو عدل عنده في دول اخري لا يعد عدلا بالنسبة له في الجزائر التي ثارت من اجل استعادة سيادتها واستقلالها .وهو هنا وفيا لموقف ابيه الذي جاء رفقة الكولون واستولي علي اراضي ليست ملكا له بل هي ملك لفلاح جزائري واستولي عليها وبني فوقها مسكنه.كامو لا يعتبر موقف هذا الفلاح وثورته ضد اب كامو عدلا بل يعده ارهابا ويعد موقف ابيه هو العدل تلك هي قبعة العدل في المفهوم الكاموي .
مسرحية العادلون له تنصف البلشفي الروسي وتعارض الثائر الجزائري . لان الروسي بعيد عن فرنسي في الجزائري الذي تحتل فرنسا ارضه لو يقف كامو الي جانبه يعني انه يقف ضد بلده فرنسا وهو لا يريد معاضة سياسة بلده علي النقيض من مواطنه سارتر الذي اعتبر ما تقوم به فرنسا في تلجزائر من اغتيالات وانتهاكات لحقوق الانسان عار عليها .فكامو هنا كانت تهمه مصلحة بلده ولا تهمه حقوق الانسان او عدالة قضية انسان الجزائر في محاربة الاحتلال الفرنسي..لماذا لانه اختار كما سبقت الاشارة ومنذ غريبه الوقوف الي جانب امه مهما كانت عدالة القضية التي تكون امه طرفا فيها.
ورغم ذلك لا يمكننا سوي القول بان مسرحية العادلون لكامو مسرحية مأساوية محكمة الكتابة جميلة اللغة.
مسرحية الايام السعيدة لصموئيل بيكت في مسرح مدينة ستوكهولم / عصمان فارس
مجلة الفنون المسرحيةمسرحية الايام السعيدة لصموئيل بيكت في مسرح مدينة ستوكهولم
إيفون لومبارد في كابوس وجودي ومسرحية الايام السعيدة للكاتب صموئيل بيكت ,في مسرح مدينة ستوكهولم ,والمخرج توبياس ثيوريل، أحد أشهر المخرجين الشباب, تمثيل إيفون لومبارد وأيكي لوندكفيست دور ويني وويلي. بالتعاون والتنسيق مع مهرجان ستوكهولم الثقافي، ويني عالقة في الأرض حتى خصرها. لكن ويني تستيقظ بثقة كل يوم جديد، نظفي أسنانك ، مشطي شعرك، ضعي أحمر الشفاه وانتقي مبرد الأظافر الأمر كله يتعلق بالحفاظ على معنوياتك مرتفعة أليس كذلك؟ تمتلئ مسرحية الايام السعيدة بروح الدعابة السوداء لبيكيت ,وقد وصفت بأنها واحدة من أكثر مسرحياته تفاؤلاً ,الشخصية الرئيسية ويني في نوع من الكابوس الوجودي., لكن بالانشغال باتباع جدول زمني صارم ، تمكنت من إنكار موقفها وإلهاء نفسها من القلق. راضية وسعيدة تستقبل اليوم " بـيوم سماوي آخر!". ويتمكن من الذهاب أثناء الغناء.إنها مسرحية رائعة متعددة الطبقات ، تدور حول الموت والشيخوخة والوجود. وفي نفس الوقت تافهة للغاية. الوضع هو ما هو عليه ، لذلك تصبح البروفات عملًا صغيرًا ؛ "ارفع أحمر الشفاه هناك بدلا من ذلك ". إنه عملي للغاية مثل ورشة نجارة! يقول المخرج توبياس ثيوريل "هذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها مع ايفون لومبارد - الدور كان ينتظرها للتو! إنها حساسة للغاية في تمثيلها. انه جدا من الممتع أن أتدرب مع إيفون لقد علمتني الكثير". ولذا فهي تعرف فن كتب بيكيت "أيام سعيدة" في عام ١٩٦١ ، خلال فترة عاد فيها إلى الكتابة باللغة الإنجليزية ولد صمويل بيكيت (١٩٠٦ -١٩٨٩ ) في دبلن لكنه عاش جزءًا كبيرًا من حياته في فرنسا. بيكيت يعتبر من أهم المؤلفين "العبثيين" وقد كتب وأخرج عددًا كبيرًا من الروايات ومسرحيات مترجمة لكل من المسرح والتلفزيون والراديو. مُنحت بيكيت عام ١٩٦٩جائزة نوبل في الأدب أشاد توبياس ثيوريل بإنتاجه الأخير في مسرح مدينة ستوكهولم - لارس نورين الليل أم النهار / الفوضى بجوار الله. تخرج توبياس من أكاديمية المسرح في مالمو عام ١٩٩٥ و ثم شارك في عدد من الإنتاجات في مسرح اونجا كلارا ، حيث ظهر أيضًا لأول مرة في عام ٢٠٠٣ مع الحياة حلم. منذ ذلك الحين ، وجه مقالات على سبيل المثال المسرح النرويجي ومسر ح مالمو ومسرح مدينة أوبسالا كان كل من إيفون لومبارد وأيكي لوندكفيست عضوين في مسرح مدينة ستوكهولم النظامي لسنوات عديدة شوهدت إيفون آخر مرة في فتيات يوسيس - العودة واوكى في مسرح هارولد بنتر أيضًا لاحظت الندم لماركوس ليندين. كلا الممثلين تم تكريمهما هذا العام المنح الدراسية - اوكى مع منحة اندرس دي وال وإيفون للتقدير والاحترام عمل فني من مؤسسة أندرس ساندرو باتباع جدول زمني صارم ، تمكنت من إنكار موقفها وإلهاء نفسها من القلق. راضية وسعيدة تستقبل اليوم "بيوم سماوي آخر!" ويتمكن من الذهاب أثناء الغناء.عن الكاتب المسرحي صموئيل بيكيت ولدت بيكيت عام ١٩٠٦ في دبلن بأيرلندا وكانت كاتبة وكاتبة مسرحية إيرلندية-فرنسية. تاريخ ميلاده مثير للجدل حيث كان تاريخ ١٣ أبريل و ١٣ مايو على جدول الأعمال لأسباب مختلفة مثل مشاكل التلاعب وتسجيل السكان. بدأ بيكيت حياته المهنية بتدريس اللغة الإنجليزية في المدرسة العليا للنورمال في باريس في عامي ١٩٢٨ و ١٩٢٩ . وفي عام ١٩٣٨ ، كتب روايته الأولى مورفي. أخذت مسيرته استراحة قصيرة مفاجئة فيما يتعلق بالحرب العالمية الثانية عندما أُجبرت بيكيت على الفرار إلى جنوب فرنسا عندما كان عضوًا نشطًا في حركة المقاومة بالعودة إلى باريس ، كتب بيكيت معظم أعماله بالفرنسية. شيء تغير في نهاية مسيرته وكتب قريبًا من كل الكتب الأخرى بالإنجليزية وكل الكتب الأخرى بالفرنسية. رُفضت رواية بيكيت الأولى "مورفي" من قبل ٤٣ ناشرًا مختلفًا للكتب قبل نشرها في نيويورك عام ١٩٣٨ . وفي السويد أُدرج الكتاب في سلسلة كلاسيكيات نوبل اشتهر بيكيت في السويد بكونه ممثلًا للعبثية ، وفي عام ١٩٦٩ حصل على جائزة نوبل في الأدب ، وهي جائزة لم يأخذها أبدًا إلى وطنه ، لكن بيكيت أرسل ناشره ، جيروم ليندون ، مكانه. اكتسب بيكيت شهرة عالمية بمسرحياته وليس كتبه. يمكن للكتاب المسرحيين والمخرجين المختلفين أن يشهدوا على أهمية بيكيت الكبيرة في عالم الفن.واحدة من أشهر مسرحيات بيكيت هي "مسرحية في إنتظار غودو " التي كتبت عام ١٩٥٣ . وكتب المخرج البريطاني بيتر هول في مراجعة أن عالم المسرح لم يعد كما كان بعد عرض المسرحية. بعد مرور ٥٠ عامًا على عرض المسرحية ، تم التصويت على مسرحية صموئيل بيكيت الأولى على أنها المسرحية الرائدة في القرن العشرين. في السويد ، من بين أمور أخرى ، تم تنظيم المسرحية مع سجناء من مؤسسة كوملا وفيما يتعلق بالعرض الأول ، هرب السجناء وتم إلغاء العرض الأول بدلاً من ذلك. لمدة ١٥ عامًا ، كتب صامويل بيكيت ، من بين أشياء أخرى ، ٣ مسرحيات رائعة أخرى ، "نهاية اللعبة (التصفيات" و الأيام السعيدة . عندما تمت الذكرى السنوية لميلاده في عام ٢٠٠٦ . المسرحيات نفسها تتطلب الكثير من المخرجين والممثلين
في معظم روايات وأعمال بيكيت ، هناك جو قمعي وقلق ، لكنه لفترة قصيرة يؤكد على التأثيرات الكوميدية. الشخصيات الرئيسية بشكل عام خاصة بطريقتها الخاصة والمونولوجات لا حصر لها أو صامتة تمامًا. يقال إن السويدي لارس نورين مستوحى من صموئيل بيكيت وبالتأكيد يمكن للمرء أن يميز بعض التشابه في مظهر عملهم؟ ألف بيكيت ما مجموعه حوالي مائة عمل مثل الروايات والتلفزيون والمسرحيات والمسرحيات الإذاعية. ومع ذلك لم تتم ترجمة جميع اللغات إلى السويدية.في عام ١٩٨٨ كتب بيكيت آخر أعماله ، قصيدة "ما هي الكلمة". تذكر القصيدة صعوبة التعبير عن نفسه ، والتي يعتقد الكثيرون أن المرض عززها في الجزء الأخير من حياته. توفي صمويل بيكيت في المستشفى في عام ١٩٨٩ .لا أنا لست آسفاً على شيء. كل ما آسف عليه هو أنني ولدت يوماً. أواه كم أن الموت لا يزال بعيداً! هذه العبارة القاسية والحادة في نظرتها إلى الوجود نفسه نجدها في واحدة من صفحات نصّ للكاتب الإيرلندي صمويل بكت عنوانه «رؤوس - ميتة». هذا النصّ ليس الأشهر بين أعمال هذا المبدع الذي أطلق بداية الخمسينات ما سمي «بمسرح اللامعقول» أو «مسرح العبث» وعاش حياته في باريس صامتاً هادئاً يتأمل العالم والشرط الإنساني غير قادر على القبول بهما، وغير قادر على رفضهما في الوقت نفسه. في أعماله الشهيرة مثل «في انتظار غودو» والأقل شهرة مثل «رؤوس - ميتة» عبّر بيكيت دائماً عن «بؤس الوضع الإنساني» كصورة من صور الموت واللاجدوى اللذين تكشفت عنهما سنوات الحرب العالمية الثانية، التي كانت سنوات اختمار فكر بيكيت وتكوّن سوداويته وسخريته الملتبسة غير أن ما لا بد من الإشارة إليه في هذا المجال هو أن أعمال بيكيت، تكشف - أيضاً - في ثناياها وفي أبعادها الخفية، أن الوضع الذي يعيشه إنسان القرن العشرين - وربما كل إنسان آخر - لا ينتمي إلى ما يعاش انطلاقاً من حال وضعية معينة، بل إلى شرط عام يرتبط - أصلاً بالوجود الملتبس للإنسان في هذا الكون. ومن هنا قد نجد أن ما تعبّر عنه كتابات بيكيت في شكل عام إنما هو موقف ضد الوجود نفسه. وأكثر من هذا: ضد موقف الإنسان السلبي المتقاعس من هذا الوجود هذه المسرحية هي: آه للأيام السعيدة التي تعتبر ثاني أشهر مسرحية له بعد في انتظار غودو.في هذه المسرحية. واضح هنا أن لحسرة ويني على الكلمات التي تتخلى عنا، ما يبررها تماماً ذلك أن الكلمات هي العلاقة الوحيدة التي تقيمها ويني مع العالم ومع الكون كله، حتى وإن كان جلّ الكلام موجهاً إلى ويلي، زوجها الذي شاركها تلك اللحظات والذكريات التي لا تفتأ ويني تتحدث عنها.ويني وويلي، هما الشخصيتان الوحيدتان . وهما شخصيتان لا تتحركان تقريباً، إنهما ثابتتان تعيشان معاً ما يفترض أنها لحظات النهاية. غير أن المسرحية ستنتهي من دون أن نعرف ما إذا كنا حقاً شاهدنا اللحظات الأخيرة من حياة هذين الزوجين العجوزين ذلك هو صمويل بكيت المشهد نفسه الذي سيظل أمام اعيننا حتى نهاية الفصل الثاني الأخير في المسرحية: ويني مدفونة حتى أواسط صدرها في الأرض، وسط مكان تغمره الشمس. وثمة منذ البداية جرس منبّه يدق لينبه ويني إلى أن زمن واجباتها اليومية قد حل. تتكلم وهي توجّه الحديث إلى زوجها ويلي الذي يكاد لا يجد جواباً طوال الوقت، هو المدفون حتى نصفه بدوره في حفرة دافعة ويلي إلى أن يشاركها الضحك على مصير نملة مرت بينهما وإذ ينتهي الفصل الأول نجدنا عند بداية الفصل الثاني أمام ويني وقد غرقت في حفرتها أكثر: إنها الآن مطمورة حتى عنقها، و أن ذاكرة ويني بدأت تنضب وها هي تخلط الأمور في بعضها بعضاً. غير أن خيالها في المقابل لا ينضب، إذ ها هي تخترع الحكايات وتوجه الحديث في تواصل مدهش صوب ويلي الذي اختفى هذه المرة. إنه لم يعد هناك ولكن لأن ويني باتت عاجزة عن الالتفات نحوه. ها هي تواصل التحدث إليه غير مدركة أنه قد اختفى. أما ويلي، فإنه بعد فترة اختفائه تلك، يعود نحو آخر المسرحية إلى الظهور، مرتدياً هذه المرة ثياب الخروج الصباحي متوجهاً نحو ويني, وهذه ما أن تدرك وجوده حتى يغمرها سرور كبير وتبدأ بإنشاد مقاطع من أوبريت «الأرملة الطروب» في إيقاعات فالس شديدة السعادة وفيما يقترب ويلي منها أكثر وأكثر أو تعرف ويني ما إذا كان يقترب لكي يقبلها، أو لكي يتناول المسدس المرمي إلى جانبها ليرديها به، أو يردي نفسه به
ملاحظة مهمة :كان العرض قبل جائحة كورونا
مسرحية الايام السعيدة للكاتب صموئيل بيكت
مسرح مدينة ستوكهولم على المسرح الصغير
ترجمة: ماغنوس هدلوند
إخراج : توبياس ثيوريل
مجموعة التصميم والازياء : ماجدولينا اوبري
الاضاءة : إلين روج
الصوت: أوليفر بورنفيلت
الصوت: ماتياس جوستافسون
الاقنعة : سيف حشفة
تمثيل الأدوار: إيفون لومبارد ، آكي لوندكفيست
مسرحية الأيام السعيدة لصمويل بيكيت والاستغراق في العبث / علي خليفة
مجلة الفنون المسرحيةمسرحية الأيام السعيدة لصمويل بيكيت والاستغراق في العبث
تقع هذه المسرحية في فصلين والفصل الأول أطول وأكثر حركة مسرحية ومتعة من الفصل الثاني منها وبالمسرحية شخصيتان فقط هما ويني التي لا تكف عن الكلام طوال فصلي المسرحية وويلي الذي لا نسمع منه سوى كلمات قليلة في الفصل الأول ويتوقف عن الكلام في الفصل الثاني بينما نراه فيه يزحف من وراء الربوة على يديه وقدميه.
والمكان الذي تحدث به المسرحية ربوة وترى ويني في الفصل الأول مدفونة فيها لوسطها وفي الفصل الثاني نراها مدفونة فيها حتى عنقها أما ويلي فيظهر على فترات من وراء الربوة زاحفا على يديه وقدميه
ولا نرى في هذه المسرحية الطويلة حدثا متصاعدا يعمل على إثارة التشويق لدى المشاهد ليترقب ما سيسفر عنه خط سيره بل هناك حديث متواصلخلال فصلي المسرحية من ويني عن ذكرياتها القديمة وعن أدواتها التي تخرجها من حقيبتها كفرشاة الأسنان والمرآة وهناك أيضا حديثها إلى ويلي الذي قلما يتجاوب مع حديثها معه.
وتبدو المسرحية في أكثر أجزائها أقرب للمونودراما التي بها تجتر ويني ذكرياتها التي لا رابط بين أطرافها المختلفة.
وأرى أن عدم وجود خيط درامي في هذه المسرحية الطويلة قد جعل المشاهد - والقارئ لها - يشعر بقدر غير قليل من الملل - في حين كان يونسكو حريصا على أن يجعل في مسرحياته الطويلة خيطا دراميا ممزوجا بأثير العبث كما نرى في مسرحية الخرتيت ومسرحية ماكبت- وتقل حدة الملل في الفصل الأول من هذه المسرحية لأننا نتأمل حركة ويلي الطليقة الحركة برأسها ويديها وهي تخرج بعض أدواتها من حقيبتها وتحادثها وتستعيد بعض ذكرياتها معها وقد تنفعل عليها فتمزقها أو تكسرها كما نراها كسرت مرآتها وأشعلت النار في شمسيتها.
أما الفصل الثاني الذي دفنت فيه ويني حتى عنقها فقد غلت فيه حركتها تماما ولم نعد نرى غير حركة عينيها بالنظر فيما حولها خاصة ناحية ويلي.
وأظن أن هذا الملل الذي نستشعره ونحن نتابع هذه المسرحية خاصة في الفصل الثاني منها مقصود من المؤلف فهو تعبير منه عن عبث الحياة وسآمة الإنسان في العيش بها وعدم وجود أحداث مهمة بها وما العبارة التي تكررها ويني طوال المسرحية وهي يا له من يوم سعيد ! إلا مفارقة بالنظر للملل الذي تعيشه بطلة المسرحية وتعكس آثاره على النظارة.
ولعل بيكيت قصد بجعل ويني مدفونة لوسطها في الفصل الأول من المسرحية أن الإنسان مقيد في حركته ويحاصره الملل من كل جانب وأنه مع مضي الزمن تزداد قيوده وإحساسه بالملل في هذه الحياة ولهذا رأينا ويني مدفونة في الربوة حتى عنقها في الفصل الثاني من المسرحية.
ولم تكن الأحداث التي تجترها ذاكرتها سوى أحداث تافهة هي أيضا فالماضي لا قيمة فيه والحاضر لا يحمل جديدا غير مزيد من الملل والقيود فماذا ننتظر من المستقبل ؟ إنها نظرة عبثية تشاؤمية من بيكيت في هذه المسرحية.
ويضاف لهذا أننا نرى ويني تتحدث لنفسها أكثر مما تتحدث إلى ويلي وعندما تتحدث إليه قلما يتجاوب معها وكل هذا يؤكد انعدام التواصل بين الناس مما يؤكد شعور الإنسان بعزلته ووحدته في الحياة كما يرى بيكيت وكتاب العبث عموما.
الأحد، 27 يونيو 2021
العرض المصري «المسيرة الوهمية للتفاهة»: سيرة السلطة التي لاتنتهي / محمد عبد الرحيم
مجلة الفنون المسرحيةالعرض المصري «المسيرة الوهمية للتفاهة»: سيرة السلطة التي لاتنتهي
على مسرح الهناجر قاعة هدى وصفي في دار الأوبرا المصرية في القاهرة، أقيم العرض المسرحي «المسيرة الوهمية للتفاهة» للمخرج طارق الدويري، الذي استمد دراما العرض من عدة نصوص مسرحية لوالده الكاتب والمخرج رأفت الدويري (1937 2018). ناقش العرض العديد من القضايا التي كانت تؤرق مؤلفها منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت، إلا أن هذه القضايا نفسها تفاقمت فأصبحت أزمات يعيشها المصريون، ويبدو أنه لا فكاك منها إلا بفعل خارج عن حدود العقل. ويُعد الخروج عن حدود هذا العقل، سمة العمل المسرحي، متوسلاً طقوساً وتراثاً شعبياً، وأسلوباً تجريدياً إلى حدٍ كبير، من خلال شذرات وحكايات متقاطعة لا رابط بينها سوى حالة من الرثاء لحاضر أكثر بؤساً وقسوة من زمن كتابة النصوص نفسها. العرض أداء أكثر من ثلاثين ممثل وممثلة، اختلفت أدوارهم ما بين التمثيل والرقص والغناء، منهم.. حمادة شوشة، سهام عبد السلام، حنان نور الدين، آدم يوسف، إسراء عبد السلام، جرجس أنور، وهالة صلاح. ديكور عمر المعتز بالله، إضاءة أبو بكر الشريف، موسيقى فريق سي بي مول، مخرجان منفذان بكر محمد علي، وباهر فتح الله. إعداد وإخراج طارق الدويري. مدة العرض 140 دقيقة.
مسرح رأفت الدويري
لابد من إضاءة بسيطة على مسرح صاحب النصوص، التي استمد منها العرض مادته الأساسية، والتي جاءت عبارة عن شذرات ومقاطع، وأحياناً حالة طقسية كإطار عام للعرض. تميزت كتابات الدويري باستلهام كل من التراثي والطقسي، إسقاطاً على واقع مُشوّش غاية في الاضطراب وعدم المنطقية، دون أن ننسى أنه ورفاق جيله منهم .. يسري الجندي، محمد أبو العلا السلاموني، ونبيل بدران عانوا من لحظة فارقة في التاريخ السياسي والاجتماعي المصري، كالتحول من النظام الاشتراكي أو هكذا شُبه لهم إلى الاقتصاد الحر، أو ما أطلق عليه (عصر الانفتاح) وهو ما أصاب المجتمع المصري بأمراض لا يزال يعانيها حتى الآن، وإن كانت بشكل أكثر قسوة. ومن سمات مسرح الرجل المحاولات الدؤوبة لإحياء الطقوس الاحتفالية الشعبية المتوارثة، كما في مناسبات الميلاد والزواج والموت، إضافة إلى الموالد وطقوس الزار. كما تخلو هذه النصوص وعروضها من الحكاية التقليدية، وبالتالي تجريد الزمان والمكان، كذلك أسلوب التغريب البريختي، حتى لا يتوحد أو يتورط المُشاهد مع الحدث، بل دائماً هناك مسافة تجعله يتخذ موقفاً نقدياً مما يراه. ويأتي عرض (المسيرة الوهمية) ليحافظ تماماً على هذه السمات، مستمداً منها أفكاره ورؤيته المسرحية.
الحض على التفاهة
يبدو مفهوم التفاهة هنا، وكأنه معيار السلطة الوحيد الذي تعتمده لوجودها، فوجودها هو الصورة الفعلية لهذا المعيار، وبالتالي لا بد من تصديره كنغمة عامة تنتهجها السلطة ولا تحيا دونه. هذه الحياة التي تتجدد من خلال حالم جديد يريد أن يصبح على رأس هذه السلطة، ربما كان دجالاً يوهم الجميع بأنه يستطيع أن يجلب لهم المطر، رغم النهر الذي كان، والذي جف الآن، أو آخر ينتظر دعاء أمه في ليلة القدر، هذا الأبله الحالم بقيامه بدور السلطان، وهو في ذلك يستند إلى العديد من الأعوان، كرجال الدين الذين يزينون للفقراء وأبناء السبيل الموشكين على الجوع والموت، بأن هناك حياة أخرى جديرة بالعيش، حياة فيها الأنهار التي لا تجف، والنساء المختلفات المخلوقات من نور. أوهام يحلمون بها لحظات قبل موتهم الفعلي الوشيك، كذلك رجال التعليم المدرَبون على غسل أدمغة الصغار، حتى يخلقون نسخاً متشابهة ومشوّهة من جيل لا يعرف سوى رؤى وحياة الزعيم، حتى يتوصلون إلى أحد الأطفال أكثرهم غباء ليكون جديراً بزعامة تنتظره، والذي يطلقون عليه (المحروس بسلامته).
دنيا آدم والمحروس بسلامته
يبدأ العرض بمجموعة الممثلين والراقصين عند الباب الخارجي للمسرح، في حالة رقص ونداء على الجماهير المُنتظرة الدخول بكلمات «قرّب.. قرّب» كما في عروض الموالد الشعبية. وبعد الدخول خلفهم إلى المسرح، يقف رجل أشبه بالراوي الشعبي يؤكد على أنه كل يوم يحكي حكايته دون أن يمل، رغم عدم سماعها منذ سنوات رغم فرصة التغيير الوحيدة التي أصبحت سراباً الآن لكنه يُصر على الحكاية، حتى لا تضيع وتُنسى كما كل شيء، حكاية الناس والنهر الذي جف، والحياة التي انتهت، وأصبحت حكاية قديمة يمل الجميع سماعها، وينفضون من حولها.
ويأتي إطار الحكاية الشذرات المتداخلة من خلال زوج وزوجة عجوزين لا يزالان في ملابس العُرس ينتظران مولوداً. هذا المولود الذي يرفض النزول إلى العالم، دون ضمانات تتعلق بمستقبله. فيأتي أشباح السلطة وكأنهم مخلوقات فضائية يريدون من والده التوقيع لهم على بياض، فالسلطة هي التي ستتولاه وتصوغه وفق مشيئتها مشيئة التفاهة وتأخذه من والديه بالفعل بحجة المستقبل الأمثل المضمون، فيصبح «المحروس بسلامته» هو الحالم بهذه السلطة، والمُمَثل المُنتظَر لها. وحتى يغيب عقله تماماً بعدما غاب ضميره، تأتي له (دنيا آدم) التي تنبأت يوم مولده بأنه سيسعى خلفها ما دام حياً، هذه المرأة/الحياة التي يتوافد عليها كل ذي سلطة، ولا يرى غيرها، وفي ليلة الزفاف الوهمية تُفقِد المحروس رجولته، ليصبح أكثر شراسة، ويستنزف حياة الشعب، حتى يُفارق الحياة، وفي المأتم نفسه، تضع (دنيا) عينيها على حالم جديد محروس آخر لا يرى سواها. يتم تجسيد رجل السلطة هنا من خلال عدة مراحل عُمرية، منذ الميلاد وحتى الموت، وكأنها حياة واحدة ممتدة، أو عقيدة لا تختلف باختلاف مُمَثلها.
العرض المسرحي
ولا تأتي الحكاية في شكلها التقليدي، بل شذرات تتواتر وتتداخل، تأكيداً لحالة الشخوص وتحولاتهم، فخشبة المسرح المُقسمة تحكي عدة أحداث في وقت واحد، تبدو للوهلة الأولى منفصلة، إلا أنها تتشكل كلما تقدمت الأحداث، وتصبح أكثر ترابطاً، وبالتالي تم إسقاط الزمان والمكان، من خلال تداخلهما بداية، أو تجريدهما تماماً، فما يحدث أمامنا كان وكائن وسيكون، وتأصيلاً لوقوعه كحدث في وعي المُشاهد أولاً، بغض النظر عن مكان معين محدود. كما اعتمد العرض على عدة أشكال أدائية، كالتمثيل والرقص والغناء والاستعراضات الجماعية، بجانب بعض المنولوجات القصيرة التي تؤديها الشخصيات التي تتحول حالتها، من شاهد على ما يحدث، إلى حالم جديد بالسلطة، إلى آخر يدّعي النبوءة ككُهان الزمن الغابر، إضافة إلى كاتب لا يعرف وسط كل هذا الهراء كيف وماذا يكتب، وبالضرورة لمن سيكتب، حتى يصبح بدوره ساعياً وراء (دنيا آدم) فالتفاهة هي سمة العصر، وهي السبب الوحيد لتحقيق الثروة، فليلحق بالركب قبل فوات الآوان، إضافة إلى اعتماد عدة أساليب تشكيلية لا تقرب الواقع، لكنها تسخر منه وتختلق مسافة لوعي المُشاهد، كما في مشهدي ميلاد الطفل، فالأم العجوز في فستان زفافها ولم تزل مُمسِكة بباقة الزهور المعهودة، وهي على وشك الولادة، وحيث سرير الولادة في وضع رأسي، فهي واقفة والسرير كخلفية لها. كذلك مشهد القضاة الثلاثة، وكأنهم بهلوانات في سيرك، يهبطون من أعلى لتقرير مصير الطفل المُختار.. السلطوي الجديد.
وفي الأخير.. لا تخفى دلالة العرض وحكايته، ويُحسب لمخرجه وممثليه رغم الإطالة وتزاحم الأفكار النجاح في تقديم مثل هذا العرض المصري في مثل هذا التوقيت.
--------------------------------------------
المصدر : القدس العربي
السبت، 26 يونيو 2021
الهيئة العربية للمسرح والحاويات الفنية / هايل علي المذابي
مجلة الفنون المسرحيةالهيئة العربية للمسرح والحاويات الفنية
جديرة هي الهيئة العربية للمسرح بامتياز تصنيفها، مؤخرا من قبل المنظمة العربية للثقافة والعلوم الأليكسو، النسخة العربية من اليونيسكو، تصنيفها كبيت للخبرة، وحاوية فنية Art Tank ، ولعل هذا المصطلح الأخير ابتكاري، وعلى غرار الحاويات الفكرية Think Tanks ، لولا أن الهيئة العربية للمسرح تتجاوز البعد المحلي إلى البعد العربي في ذلك.
إن مصطلح الحاويات الفنية الذي هو نسخة فعلية وامتداد لمفهوم اللوغوس الإغريقي، الذي يقال إنه «خزان يتسع» ويمكن أن نصف به ليس فقط الذهن، كما كان الأمر قديما، لكن المؤسسات الفنية والثقافية والفكرية، التي تتسع في ما تتطرق إليه وتبحث فيه وتعمل على تطويره، حين نحرر معنى الاتساع من مدلولات الخزان أو اللوغوس/الذهن، الذي كان مرتبطا به، ليصبح في فضاء أعم إشارة إلى مؤسسات البحث والتطوير وبيوت الخبرة وفي كل المجالات بلا استثناء، التي يتسع مجال عملها ليشمل شؤون الحياة كافة، فتبحث في التطوير وما وراء الظواهر وتفسيرها والهندسة الاجتماعية والثقافية والعلمية، في سبيل تحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات.
إن من سمات مجتمعات المعرفة امتلاك حاويات فنية، ضمن منظومة بنيتها التحتية ومكوناتها، وهي ما يمكن تعريفه أيضا ببيوت الخبرة الفنية، ويمكن تعريفها كذلك بتبسيط من حيث هي منظمات قومية غير ربحية، نشيطة وفاعلة تهتم بالبحث والتطوير، وتساعد في وضع استراتيجيات الفنون والثقافة، وفي وضع خطط التطور المعرفي والعلمي المتعلق بها، وحتى دراسة الظواهر المجتمعية العارضة منها والمزمنة. ويتسم الأفراد في المجتمعات المعرفية بثقافة فنية ومعرفية وعلمية كبيرة، مكتسبة من توارث الإنتاجات الفنية والثقافية والمعرفية واستخدامها، بقدر انتشار المراكز البحثية والحاويات الفنية الفكرية فيها.
إن عمل مراكز ومؤسسات الأبحاث والتطوير وبيوت الخبرة، أو الحاويات الفنية من منظور عام هو الحياة، وثمة رأي يتفق عليه 12 ألف عالم حول العالم، بل وثمة عقيدة راسخة لديهم، بأن الشيء الوحيد غير قابل للشفاء هو الشغف الإنساني، أما بقية الأمراض وهنا نتحدث عن الأمراض الاجتماعية، التي يعتبرها العالم اليوم أمراضا عصرية، فبفضل الحاويات الفنية فإنها قابلة للشفاء، وتلك أحد فروع عمل الحاويات الفنية، والمراكز البحثية في السياق ذاته، واهتماماتها في مجتمعات المعرفة. وما زال عدد كبير مما يمكن أن اسميه بالحاويات الفنية والثقافية، ومراكز الأبحاث والتطوير المتخصصة حولها، يكتنفها الكثير من الغموض أحيانا لدى الكثيرين، على الأقل من الناحية الأيديولوجية، رغم ذلك فهي تلعب دورا مهما في تحديد القضايا والأفكار الفنية والثقافية، لكل من الحكومات والجمهور. ويشكل معظم هذه المراكز البحثية أو الحاويات الفنية والثقافية، أو بيوت الخبرة، والهيئة العربية للمسرح، نموذجاً عربيا، جزءا مهما للغاية من مكونات صياغة السياسات الفنية والثقافية العامة لدى معظم الدول الكبرى ومعظم الناس لا يفهم عمل هذه المؤسسات ومدى أهميتها.
هذه البيوت والحاويات الفنية والثقافية، تشبه الجامعات، لكن دون الطلاب، حيث يشارك علماء في شؤون الفنون والثقافة في الصناعة البحثية والتطوير فيها، مهمتهم هي أنهم يعتقدون ويكتبون ويفكرون ويقرأون ويتجادلون ويناقشون ويصدرون جميع أنواع المنشورات، والأعمال الفنية المتعلقة بشؤون الحياة كافة، والسياسات الفنية والثقافية.
تبحث الهيئة العربية للمسرح منذ إنشائها في شؤون الفنون والثقافة المسرحية وتعمل على تطوير هذا المجال، بغايات قومية هدفها تدعيم بنى منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع العربي، والارتقاء بالإنسان العربي، وتقديم معالجات حيوية للأمراض الاجتماعية، من خلال فن المسرح، وبغير ربحية فيما تقدمه، ويظهر ذلك بوضوح من خلال برامجها التي ترعاها، سواء في المجال الإبداعي والفني، من خلال المهرجانات الوطنية والعربية، ومسابقات التأليف السنوية، أو في المجال البحثي، من خلال ما تتبناه وترعاه من مسابقات سنوية ومنشورات بحثية وإبداعية، تتبنى طباعتها ونشرها، وكذلك مشروع المسرح المدرسي الذي تتبناه الهيئة العربية للمسرح وتعمل على تنميته ورعايته في المنطقة العربية، منذ سنوات، والذي ينطوي على عدة أهداف نبيلة وأصيلة، غايتها خلق مجتمع عربي معافى من الأمراض والاختلالات والتفكك الاجتماعي، كما تحافظ من خلال هذا المشروع على التراث العربي لأشكال الفرجة الشعبية، التي ازدهرت في فترات زمنية ماضية، وكادت أن تندثر لولا عملية تحديثها من خلال المسرح المدرسي الذي يتبنى رعايته والاهتمام به بيت الخبرة الفنية العربية، وهذه الحاوية الفنية والثقافية التي اسمها «الهيئة العربية للمسرح».
صدور كتاب " ميثولوجيا الاحلام في المسرح " تأليف د. أياد السلامي
مجلة الفنون المسرحية
" ايكمونت في العراق " عرض مسرحي موسيقي الماني- عراقي
مجلة الفنون المسرحية
ميشيل فوكو .. وجوه متعددة للفيلسوف / علي حسين
مجلة الفنون المسرحية
ميشيل فوكو .. وجوه متعددة للفيلسوف
لو قدر له أن يعيش حتى هذه اللحظة ، لكان قد احتفل بعيد ميلاده الـ " 95 " ، وأوقد الشموع مع الآن تورين الذي سيحتفل بعامه الـ " 96 " ، وادغار موران الذي سبقهما وسيدخل عامه المئة الشهر المقبل .. يعد ميشيل فوكو الذي يصادف اليوم " 25 حزيران " ذكرى ميلاده ، من بين فلاسفة العالم الأكثر تاثيرا والاقوى حضورا منذ رحيله قبل " 37 " عاما ، كما تشهد كتبه التي يعاد طبعها باستمرار ، والتي جعلت منه كاتبا اسثنائيا من حيث انتشار نصوصه الفلسفية ، وقد حضر بقوة في معرض بغداد للكتاب الذي اقيم قبل ايام ، حيث تسابقت دور النشر على عرض كتبه المترجمة أو الكتب التي تسلط الضوء على افكاره ، واذا كان فوكو قد رحل قبل اكثر من ثلاثة عقود ، فانه يحضر بشكل دائم من خلال كتبه المتميزة ، وايضا بحياته المليئة بالاسرار والالغاز والتي تشكل مادة لكتاب سيرته ، لتقديم الكثير من التأويلات والتحليلات وايضا الانتقادات التي رافقت تجريته الفلسفية .
في الاشهر الاخيرة خرج مثقف فرنسي اسمه " غي سورمان " بتصريح مثير قال فيه أن ميشيل فوكو كان من مؤيدي ممارسة الجنس مع الأطفال ومغتصبا ومارس الجنس مع أطفال أثناء إقامته في تونس في أواخر الستينيات، ورغم اتهام سورمان لفوكو لكنه كتب بعد الضجة التي احدثها تصريحه قائلا: "أنا معجب جدا بأعماله، وأنا لا أدعو أي شخص لحرق كتبه، ولكن ببساطة محاولة فهم حقيقته وكيف استخدم هو وبعض هؤلاء الفلاسفة حججهم لتبرير عواطفهم وميولاتهم. " ، في الوقت نفسه اتهم البعض سورمان بانه يريد الترويج لكتابه " قاموسي من الهراء " وهو سيرة ذاتية ياتي فيها على ذكر الاشخاص الذين تعرف عليهم ومنهم ميشيل فوكو . فيما قرر بعض الكتاب العرب مهاجمة فوكو وخرجت مقالات تعلن " سقوط فوكو " ، ولم تمر عاصفة سورمان دون ردت حيث نشرت مجلة " جون افريك " تحقيقا صحفيا اجرته " فريدة الدهماني " اكدت فيه عدم صحة اتهمات سورمان ، ولان فوكو شاغل القراء والنقاد ، فقد عثرت في معرض الكتاب على اكثر من كتاب له، البعض منها اعادة طبع وبالاخص ترجمات الزاوي بغورة وابرزها كتاب " يجب الدفاع عن المثقفين " ، إلا ان الكتاب الذي اثار اهتمامي وقرأته باستمتاع هو كتاب " فوكو المجنون " للباحث التونسي المتميز " محمد المزوغي " والذي سبق لي ان ناقشت على هذه الصفحة كتابه " التخلص من نيتشه " ، وربما اكتب قريبا عن كتابه " في نقد هايدغر " والذي انتهيت منه قبل فترة . في كتاب " فوكو المجنون " ، يحاول المزوغي ان يقدم صورة اخرى عن الفيلسوف الفرنسي الشهير ، صورة تناقض ما كتبه بعض المفكرين العرب من امثال مطاع صفدي وهاشم صالح ، حيث يقول المزوغي ان فوكو الحقيقي هو اقل جاذبية مما صوره عليه صالح وصفدي ، ويرى ان هؤلاء الكتاب قدموا صورة مغايرة لفوكو ،فهو حسب قوله يحرضنا على قراءة اعماله على انها نابعة من صلب تجربته الشخصية ، وكان فوكو قد اعترف بانه ينتمي الى ذلك الصنف من المفكرين الذين تختلط افكارهم بتصرفاتهم ، وان كتاباته هي انعكاس لما عاشه وجربه في حياته الشخصية . يقول فوكو :" حين اكتب أفعل ذلك خصوصا لتغيير نفسي " . كان احد طلبته قد سأله يوما : هل تعتبر نفسك فيلسوفا ام مؤرخا ، فاجاب فوكو :لا هذا ولا ذاك . يكتب محمد المزوغي وهو يتتبع حياة فوكو بان كل الذين خالطوه ، عبرو عن شعورهم بالحرج من شخصيته الملغزة العصية على الفهم والمتقلبة كثيرا .. المزوغي الذي نتفق او نختلف مع استنتاجاته ، ياخذنا في رحلة ممتعة مع فوكو ومواقفه حيث يخبرنا في نهاية الكتاب ان افكار صاحب " المراقبة والمعاقبة " متهافتة ومشوشة ومتناقضة ، وفلسفته مخيبة للامال بل يذهب ابعد من ذلك فيصف فلسفة فوكو بانها شريرة . الكتاب الآخر الذي عثرت عليه في معرض الكتاب هو " "فوكو في إيران" لبهروز تبريزي " – ترجمه الى العربية علي بدر وفرح شرف ، ولاهمية الكتاب ساخصص له مقالا منفردا . كان فوكو زار ايران زار إيران كصحافي مرتين بين 16 و24 ايلول وبين 9 و15 تشرين الثاني من عام 1978 ، وقد نشر سلسلة من المقالات جمعت فيما بعد في كتاب بعنوان " فوكو صحافيا، أقوال وكتابات" – ترجمه الى العربية البكاي ولد عبد المالك – وينتقد محمد المزوغي انبهار فوكو بالثورة الايرانية ويجد أن المفكر يقع في تناقض صارخ حين يروج لدولة دينية في القرن العشرين ، ساخرا من فوكو الذي يقول :" لقد ابهرتني محاولة فتح بعد روحاني في السياسة " .
منذ ان تعرفت اول مرة على كتابات فوكو في الترجمات التي اشرف عليها مطاع صفدي وصدرت في الثمانينيات ، وبعدها اطلاعي على الكثير من الدراسات والكتب التي صدرت عن هذا الفيلسوف المحير ، وكنت كلما انتهي من قراءة كتاب لفوكو او عنه اسأل نفسي : من هو فوكو ؟ .. هل هو فيلسوف ، ام عالم نفس ، ام متخصص بالطب النفسي ؟ هل هو ماركسي ؟ ام بنيوي ؟ او سيميائي ؟ ، هل يميل الى نيتشه ام يعشق كانط ؟ . يطالبنا في كتابه " حفريات المعرفة ان لا نطلب منه ان يقول من هو ؟ :" أن اكثر من واحد هم مثلي ، يكتبون بلا شك ، كي لا يكون لهم وجه واحد بعينه " . يرفض فوكو ان يوصف بالفيلسوف :" لا أريد ان يطلق علي لقب فيلسوف ، فليس ما افعله فلسفة ، كما انه ليس علماً يمكن ان نطالبه بالبراهين واللأدلة التي يحق لنا ان نطال بها كل علم " .
ينكر علاقته بالبنيويه ، رغم محاولاته لكشف اعمق طبقات الثقافة الغربية ، كتبته تمتليء بعبارات فرويد عن اللاوعي والاحلام والغريزة ، لكنه يقول :" بيني وبين فرويد جدار سميك " .. في كتابه " ميشيل فوكو .. النظرية الاجتماعية بوصفها انتهاكا " – ترجمت قسما منه خالدة حامد – يكتب تشارلز ليمرت :" لا تجعل منه شخصا آخر ، تعلم ان تعيش معه كما هو ، توصّل الى احكامك بعد قراءة الكثير من كتبه " .
من هو فوكو أذن ؟ يجيب فوكو نفسه قائلا :" انا صانع أسهم نارية ، اصنع شيئا صالحاُ وفي النهاية لضرب حصار ، لشن حرب ، للقيام بعمل تخريبي ، لكنني ادافع عن امكانية التقدم ، عن امكانية اسقاط الجدران " ..
يكتب جيل دولوز وهو احد المقربين من فوكو في كتابه :" المعرفة والسلطة مدخل لقراءة فوكو " ان صاحب كتاب الكلمات والاشياء يدفعنا من خلال كتاباته بعيدا عن المالوف ، ولهذا على القارئ ان لا يجعل منه شخصا آخر ، عليه ان يتعلم العيش معه كما هو ، وان يتوصل الى احكامه بعد قراءة كتبه ، فعندها سنفهم الكثير عن مفهوم العقاب في " المراقبة والمعاقبة ، وعن العلوم الانسانية في " الكلمات والاشياء ، وعن التفكك الفلسفي لنظرية السلطة في " تاريخ الجنون " ، وعن الفلسفة الشارحة للمعرفة التاريخية في " حفريات المعرفة ، ونظريات السلطة في " المعرفة والسلطة " وعن الدراسات الادبية لفلوبير ونيتشه وبروست في" اللغة والذاكرة " وعن المجتمع المدني وعلاقة الفرد بالجماعة في " يجب الدفاع عن المجتمع "
ويوصينا جيل دولوز ان كل من لديه رغبة لفهم فوكو عليه ان لا يحوله الى شيء آخر ، بل ينبغي رؤيته من خلال كتبه ، حتى وان كانت صعبة .
قبل 35 عاما وفي الساعة الواحدة والربع بعد ظهر الخامس والعشرين من تموز عام 1984 قطع التلفزيون الفرنسي برامجه ليعلن موت ميشيل فوكو، بمستشفى " لاسالبيتر" في باريس أثر تعقيدات صحية اصابت جهازه العصبي نتيجة لحالة من التسمم في الدم، لم يقل البيان انه مات بسبب ألايدز، لأن معظم المقربين منه لم يكونوا يعرفون شيئا عن طبيعة مرضه، فقد كان يحب الخصوصية، ولم يكن مستعدا لأن يشاركه احد اسرار حياته، في اليوم التالي ظهرت اللوموند وعلى صفحتها الاولى مقال كتبه زميله جيل دولوز بعنوان " موت فيلسوف عظيم: " لقد بدا لي أنه كان يرغب في أن يبقى وحيدا، وأن يسير إلى حيث لا أحد يستطيع اقتناء خطواته، باستثناء بعض من ربطته بهم حميمية، كانت حاجتي إليه أكبر من حاجته إلي ". فيما يكتب جاك دريدا:" أن ميشيل فوكو ورحيله، هو إعادة النظر لما نعرفه عنه، لتفكيرنا عنه، هل نحن نكتب عن فوكو أم عن انعكاسه فينا " ، وارسلت سيمون دي بوفوار خطاباً اكدت فيه ان فوكو كان يمثل صورة ازدهار الحركة الفكرية الفرنسية في القرن العشرين ووضعته الى جانب سارتر وميرلوبونتي ورولان بارت وغولدمان وكامو والتوسير، وتتذكر دي بوفوار أن فوكو كان قد اتصل بها بعد سماعه خبر وفاة سارتر بساعات عام 1980، ورغم الخلاف الذي نشب بينهما – سارتر وفوكو – إلا انه تحدث معها بحب عن سارتر مؤكداً لها ان وفاة فيلسوف الوجودية الأكبر هو ايضا ولادة لافكاره من جديد، وفي النيويورك تايمز كتب الفلسطيني أدورد سعيد: " لاشك ان قراء فوكو سوف يتذكرون انهم عندما قرأوا اعماله للمرة الاولى شعروا بصدمة خاصة عند لقاء هذا المفكر الحاد الشيق، الذي يعرض نفسه في شكل شحنات كهربائية متتالية، وفي اسلوب حساس لايتوفر لكاتب في عمق فوكو وصعوبته ".- نشر المقال ايضا في مجلة الكرمل التي كان يرأس تحريرها محمود درويش -
بعد مرور كل هذه السنوات هل لا يزال ميشيل فوكو مؤثرا في الثقافة الغربية ؟ . في كتاب صدرت ترجمته العربية حديثا عن دار " الكتب خانه بعنوان "فوكو: مقدّمة قصيرة جدّاً" نجد المؤلف غاري غاتنغ يُحاول تقديم صورة تربط بين تجربة فوكو الشخصية وتجربته الفكرية .
ولد ميشيل فوكو في 15 تشرين الاول عام 1926 لعائلة من سلالة البرجوازية الفرنسية، والده جراح مشهور، فيما والدته من اسرة غنية لديها الكثير من الاملاك، كان الوالد صارماً جداً الأمر الذي دفع فوكو أن يتمرد في فترة المراهقة، وحين اختار له الاب مهنة الطب، رفض وقرر ان يتخصص في الفلسفة، فدخل مدرسة المعلمين العالية ليدرس تحت اشراف ميرلو بونتي فلسفة هيغل، فيما كان التوسير يعيد معه ترتيب اوراق ماركس، وكمعظم طلبة الفلسفة تأثر في بداية حياته بنيتشه وسارتر وقرأ معظم اعمال هايدغر، وقد حاول من خلال الجمع بين سارتر وهايدغر ونيتشه وماركس وفرويد، أن يجد طريقة جديدة لاستكشاف جذور الواقع الذي يعيش فيه. اثناء دراسته تعرّض لحالات من الاكتئاب، واكتشف فيما بعد ميوله الجنسية المثلية التي سببت له حالة من الشعور بالذنب رافقته حتى آخر لحظة في حياته، حصل عام 1949 على شهادة عليا في علم النفس، وقد قضى هذه السنوات بمراقبة تصرفات المرضى النفسيين ومتابعة احوالهم، وكان يؤكد لاستاذه التوسير انه يرغب بالتخصص بالطب النفسي، عام 1952 يحصل على منصبه التدريسي الاول، مدرسا لمادة علم النفس لطلبة الفلسفة في مدرسة المعلمين العليا.
العام 1953 يشاهد فوكو مسرحية صمويل بيكيت " في انتظار غودو" يشعر بعد العرض ان المسرحية ساعدته في التحرر من الروح الفلسفية التي سيطرت عليها الماركسية والوجودية، لقد كان ينظر الى المتشردين على خشبة المسرح، وهم يتلقون دروسا عن الموت والحياة والحب.
بعد ان خرج من المسرح كتب مقالاً حماسيا بعنوان " ولادتنا كانت ابرز خساراتنا "، ويكتب الى صمويل بيكيت رسالة يقول فيها:" انني مثلك اصارع الحالة التي تركني عليها العدم ". وفي السنة نفسها قرأ كتاب نيتشه " تأملات في غير أوانها " بعد ذلك بسنوات سيعترف فوكو ان مسرحية " في انتظار غودو " كانت كشفاً ملهما له، أدى به الى قطيعة مع مشهد ثقافي فرنسي كان يبدو أسيراً لتنظيرات سارتر وظلال الستالينية، وقد أوحت له المسرحية بأن يتحرك باتجاه فكري مختلف، رافضا سارتر لأن فلسفته : " لاتزال تحتوي ذلك الافتراض المفلس عن الانسان كموضوع لاحترام الذات "، وسوف يؤكد في اشهر كتبه " الكلمات والاشياء " – صدرت ترجمته العربية عن دار الانماء العربي عام 1989 وشارك به عدد من المترجمين ابرزهم مطاع صفدي - عن الانسان ليست افتراضا يدافع عنه وانما هي عمليات اجتماعية وتاريخية وهي في آخر المطاف نتاج الحضارة الرأسمالية.ويكتب في مقال بعنوان " الانسان الغربي ان : " الكائن البشري لم يعد له اي تاريخ او بالأحرى، فانه يجد نفسه منذ ان يتكلم ويعمل ويعيش قد اصبح متداخلا في نسيج وجوده الخاص مع اكثر من تواريخ، لاهي تابعة له ولا متجانسة معه " ، ويتوصل فوكو الى نتيجة مفادها ان الانسان المعاصر معرض لشكل جديد من الاغتراب، اعمق مما كان يتخيل ماركس او اصحاب مدرسة فرانكفورت: " انه مغترب منذ اللحظة الاولى لوجوده " ويضيف في المقال:" غريب جدا ان لايكون الانسان اكثر من صدع في نظام الاشياء.. ومن المريح جداً والباعث على السلوى الاعتقاد بان الانسان اختراع جديد فقط، تغصن جديد.. وسوف يختفي مرة أخرى " هذا القول اثار استهجان التيار الوجودي الذي اعتبر مقولات فوكو محاولة لدفع الوجودية الى زاوية من زوايا النسيان.
كان نيتشه ايضا بالنسبة لفوكو اشبه بالكشف، لقد صعقته على وجه الخصوص مقالة نيتشه عن معلمه شوبنهور والتي يؤكد فيها ان السعي الانساني هو ان يصبح المرء ما هو عليه، ويجد في مقولة نيتشه ان كل انسان تقوده روح حارسة، وعلى المرء ان يتبع تلك الروح الحارسة . في ذلك الوقت، اصبح فوكو مبهوراً بفكرة الانتحار، ويحلم بالموت العنيف كتحقيق للوجود، في تلك الفترة ايضا سحرته كتابات جورج باتاي، الذي كان يصر على ان:" ما من وسيلة للتآلف مع الموت أفضل من رَبْطِهِ بفكرة داعرة " ، لقد اثبت نيتشه وباتاي ان لديهم مزيجا فلسفيا وفكرياً مناسبا لمزاج فوكو، في ذلك الوقت كان فوكو يمارس الجنس على انه " مسرح إيروتيكي للقسوة "، في العام 1955 يقطع فوكو علاقته مع التعليم، حيث يتم تعينه ملحقا ثقافيا في السفارة الفرنسية بالسويد، وفي هذه السنوات ايضا تبدا القطيعة مع الحزب الشيوعي، لكنه يبقى مخلصا للمعلم ماركس ونراه يعلن:" وداعا للمرجعيات المتماشية مع ما يُعلم في الجامعة "، في السويد يعكف على دراسة المركيز دي ساد، وتراوده من جديد فكرة الانتحار:" ان الحياة الحقة هي التي تنزلق من طرف أنشوطة " وهو يقصد متعة الانتحار شنقاً.
عام 1960 يعود الى باريس ليمارس التدريس استاذا للفلسفة، وفي تلك الفترة تزداد سمعته الاكاديمية بعد ان نشر كتابه الكبير تاريخ الجنون عام 1961، وفيه يحلل كيف تغير مفهوم المجتمع للجنون بعد عام 1500م، قبل ذلك التاريخ يخبرنا فوكو ان المجانين كانوا يعاملون باحترام ويعتبر ان لديهم منظوراً روحيا بينما اصبح الجنون يعامل لاحقاً كمرض يتطلب السيطرة الاجتماعية والعلاج وفي مقابلة معه يقول: " بعد دراسة الفلسفة اردتُ معرفة ما هو الجنون، كنت مجنوناً كفاية لأدرس العقل، وأصبحت الآن عاقلاً كفاية لأدرس الجنون.
في عام 1963 نشر فوكو كتابه ولادة العيادة حيث استكشف مشاكل الانتحار والسادية والمازوشية والمخدرات، الا ان كتابه الأهم الذي اثار ضجة كبرى كان كتاب " الكلمات والاشياء" الصادر عام 1966 وهو اول كتاب بعد كتب سارتر يلقى رواجا كبيرا عند القراء، ويعاد طبعه مرات عديدة في نفس سنة صدورة، وقد خصصت له مجلة الأزمنة الحديثة التي كان يشرف عليها سارتر ملفا خاصا، حيث تم تلخيص الكتاب، الحقته فيما بعد بمقال كتبه سارتر نفسه يهاجم فيه الكتاب:" يقدم فوكو للناس ما هم بحاجة اليه، اي خليطا انتقائيا نجد فيه ألان روب غريبه والبنيوية والألسنيات ولاكان، وقد استخدمت بالتناوب كلها من اجل استحالة اي فكر تاريخي.. لعل المستهدف من كتاب فوكو هو بالطبع الماركسية، ان الامر يتعلق بتشكيل أيديولوجيا فكرية جديدة تكون بمثابة آخر حاجز تقيمه البرجوازية ضد ماركس "
كان سارتر يشعر في قرارة نفسه ان فوكو يحاول ان يضع حدا فاصلا بين عالمين فلسفيين، عالم ما قبل سارتر وعالم ما بعد سارتر واعتبر البعض ان فوكو يحاول ان يحل محل سارتر ويتخذ وظيفته نفسها كقائد للفكر الفرنسي الجديد، إلا ان فوكو وهو يرد على مقال سارتر كان يحاول ان يلتزم حدود الاحترام للاستاذ كما كان يسمي سارتر:" وجدنا أنفسنا منذ نحو خمسة عشر عاما اننا بعيدون عن الجيل السابق، اي جيل سارتر وميرلو بونتي، جيل الازمنة الحديثة الذي كان فيما مضى قانون فكرنا وطرازنا في الوجود.. لقد عرفنا جيل سارتر كجيل شجاع وكريم بالتاكيد ورايناه جيلا مولّها بالحياة السياسية والاجتماعية والوجود، ولكننا نحن فيما يخصنا اكتشفنا شيئا آخر بالتاكيد وولهاً آخر.. انه الوله بالمفهوم، وبما سوف أدعوه بالنظام الضابط.. ان نقطة الانقطاع او القطيعة بيننا وبين سارتر تتموضع في اللحظة التي اكتشف فيها ليفي شتراوس وجاك لاكان، الاول فيما يخص المجتمعات والثاني فيما يخص اللاوعي ".
ولعل نقطة الخلاف بين سارتر وفوكو هي اعلان الأخير في كتابه عن موت الانسان، وقد احدثتت هذه العبارة الكثير من سوء الفهم، ليس فقط عند القارئ العادي وانما عند كبار المفكرين، حيث راح الكثيرون يتساءلون كيف يمكن ان يموت الانسان؟ وهل من الممكن ان ينقرض نهائيا من على سطح الكرة الارضية؟ وماذا يبقى اذن؟ ويتساءل سارتر بسخرية ان السيد فوكو اما يمزح، ام انه قد جن فعلا.
ينهي فوكو كتابه " الكلمات والاشياء " بعبارات شاعرية:" ذات يوم سيختفي الانسان مثل وجه في الرمال على حافة البحر " وتبدو هذه العبارة متوافقه مع نيتشه الذي كتب ذات يوم:" هل نتمنى ان تنتهي البشرية في النار والضوء او في الرمال.
عام 1976 نشر كتابه الكبير " تاريخ الجنسانية " في ثلاث اجزاء ظهر الجزء الاول بعنوان " ارادة المعرفة" ، ونشر الجزءان الثاني والثالث قبل وفاته بايام فقط وفي هذا الكتاب انتقل تركيزه باتجاه فهم الاخلاقيات في سياق تاريخي كيف فهم الناس في ازمنة سابقة أخلاقية تصرفاتهم. وبينما كان في الجزء الاول يبحث في الجنسانية في العصر الحديث، فقد استكشف في الاجزاء الأخرى الجنسانية في اليونان وروما القديمتين وفي المجلد الرابع الذي لم ينشر الا بعد وفاته يعود الى دراسة استخدام السلطة في المجتمع، لانه آمن بان القيود المطبقة على الناس تمنعهم من التعبير عن قواهم، مما يجعلهم يجدون مخرجا لهم في التخيلات الجنسية.
طوال السبعينيات كان فوكو ناشطا سياسيا، وأيد قيام دولة فيتنام، ودعم الثورة في ايران، في الثمانينيات بدات اعراض المرض عليه، وبعد تسليم المطبعة للمجلد الثاني والثالث من تاريخ الجنسانية انهار في شقته ليتم الكشف عن اصابته بمرض الايدز، عند موته وجدوا عند سريره الاعمال الكاملة لانطوان آرتو وقد وضع فوكو تحت هذه العبارة خطا كبيراً: "انا لست من عالمكم.. عالمي هو الجانب الآخر من كل شيء، يعرف، وعلى وعي بنفسه، ويرغب، ويصنع نفسه".
اذا كانت قصة فوكو الشخصية تبدو غريبة ووربما نطلق عليه صاحب الوجوه المتعددة ، فذلك لانه واصل فلسفته الى اقصى مداها المنطقي، وكما يقول جيل دولوز: "فوكو عمل بنصيحة نيتشه أن يصبح الانسان ما هو عليه بكل جدية، أو بمعنى آخر ان يصبح كائناً جوهره، هو إرادة القوة لديه".
في كلمة الرثاء التي كتبها موريس بلانشو يطالبنا بضرورة قراءة اعمال ميشيل فوكو من دون آراء مسبقة .
يكتب إدوارد سعيد :" سواء قُرئت اعمال فكو باعتباره فيلسوفاُ او رجلا لامع الذكاء ، فهذه الاعمال ستحتفظ بتاثيرها المثير والمضاد لاجيال قادمة ، واكبر اسهام ايجابي لفوكو هو انه بحث وكشف تقنيات المعرفة وذاتها ..ولعل الاكثر سخرية ان فيلسوف " موت الانسان " وهي التسمية التي اطلقت على فوكو ، بدا عند لحظة موته مثالاُ على عظمة الحياة الانسانية وشذوذها وفرديتها " .
الخميس، 24 يونيو 2021
نص الحوار الذي أجراه الإعلامي عبد العليم البناء مع الراحل الكبير سعد أردش قبل نحو أربعين عاماً لمجلة (سينما ومسرح) الفصلية
مجلة الفنون المسرحية
نص الحوار الذي أجراه الإعلامي عبد العليم البناء مع الراحل الكبير سعد أردش قبل نحو أربعين عاماً لمجلة (سينما ومسرح) الفصلية لمجلة (سينما ومسرح) الفصلية
سعد أردش: المسرح العراقي يسير بشجاعة
المسرح لايتنفس ولا يتطور إلا في جو حرية التعبير.. فمتى فقدت حرية التعبير أغلق المسرح أبوابه..
إن كل لحظة زمانية بطبيعة الحال تنادي تيارها الفني ومنهجها المسرحي
أجرى الحوار: عبدالعليم البناء
الحوار الذي أجريته لصالح مجلة (سينما ومسرح) الفصلية في عددها التجريبي (الأول) الذي صدر عن دائرة السينما والمسرح في حزيران من عام 1982، وكنت حينها سكرتيراً لتحريرها، مع الكاتب والمخرج والممثل الكبير د.سعد أردش المولود في 16 يونيو 1924 وتوفي في 13 يونيو 2008 في الولايات المتحدة الأمريكية عن عمر ناهز 84 عاما بعد صراع طويل مع المرض، والفنان الراحل كان له تاريخ فني كبير وترك علامات واضحة في المسرح والسينما المصرية، وأعيد نشره لأهميته، وبالتزامن مع ذكرى وفاته في (13/6/2008)..وفيما يأتي نص الحوار:
الفنان سعد أردش واحد من ابرز فناني المسرح في الوطن العربي الذين استطاعوا ان يرفدوا حركة المسرح العربي بعطاءاتهم النظرية والعملية، انتهزنا فرصة وجوده في بغداد حيث شارك في التمثيل في الفلم العراقي الجديد "مطاوع وبهية" فأجرينا معه هذه المحاورة الفنية..
* وقبل ان نبتدئ هذه المحاورة نتصفح أوراق بطاقته الشخصية التي نقرأ فيها: من مواليد 1924 في فارسبور في شمال الدلتا في جمهورية مصر العربية.خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة في العام 1952.خريج كلية الحقوق في جامعة عين شمس في العام 1955.حاصل على دبلوم بالاخراج المسرحي من اكاديمية الفنون في روما في العام 1961.أحد مؤسسي المسرح الحر في مصر في العام 1952.مؤسس مسرح الجيب في وزارة الثقافة في مصر في العام 1961.تقلد كثيراً من الوظائف في هيئة المسرح بمصر منذ العام 1961.عمل مدرساً للتمثيل والإخراج في المعاهد الفنية في القاهرة والجزائر واخيراً الكويت.خرج حوالي ثلاثين عملاً مسرحياً بين التراجيديا والكوميديا والاستعراضية الغنائية والاوبريت وبين المسرح العربي والمسرح العالمي وبين الواقعي والكلاسيكي والملحمي ..الخ.له كتاب (المخرج في المسرح المعاصر) وترجمات عدة وكثير من البحوث والدراسات في المجلات العربية وله من المشروعات – في هذا الباب – الكثير..
* وكانت المحطة الأولى في هذه المحاورة حول حركة المسرح العربي وما شهدته من تيارات ومدارس مسرحية عالمية وماهية هذه التيارات أو المدارس التي أثرت في حركة المسرح العربي وهل أنها جاءت نتيجة حاجة حقيقية أم نتيجة ظروف معينة؟
- علينا بادئ ذي بدء أن نسلم بأن المسرح الرسمي – على الأقل – مستورد أو موروث من أوربا أو هو قد بدأ تقليداً للمسرح في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر. إذا سلمنا بهذا فيصبح شيئاً منطقياً أن نقول إننا – لا أقول تلاميذ – وإنما أقول ورثة المناهج المسرحية والفنية في أوربا، ومع ذلك فهناك اجتهادات تبحث في هوية عربية للمسرح العربي هوية نابعة من أصول الشخصية العربية، قد نختلف كثيراً حول هذا الموضوع ولكن الاجتهادات موجودة مذ كتب يوسف إدريس دراسته المشهورة في البحث عن مسرح عربي ومذ كتب (الفرافير)، وآخر هذه الاجتهادات التي اطلعت عليها – على الأقل – هي اجتهادات (مسرح الحكواتي) في بيروت و(المسرح الاحتفالي) في المغرب..
نستطيع أن نضيف الى هذا إن كل لحظة زمانية بطبيعة الحال تنادي تيارها الفني ومنهجها المسرحي، فمثلاً فيما قبل ثورة 1952 ومابعدها لم يكن هنالك حاجة الى تيار مركزي ولم يكن أحد يفكر في تيار يقود مسرحاً اجتماعياً يتولى بدوره قيادة الجماهير، فكانت التيارات المطروحة تتردد بين الكلاسيكية والميلودرامية والفالس. بقيام ثورة 1952 أصبحت هنالك حاجة ملحة لاستبدال هذه النوعية من المسرح الذي لم يكن يعالج أو يعكس قضايا الجماهير أو يعبر عنها بآخر يطرح مذاهب جديدة وتيارات جديدة واكتشفنا بصفة أساسية التيار الواقعي ثم التيار الملحمي، وأنا أعتقد أننا بالرغم من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي حدثت في بعض الأقطارالعربية فإننا مازلنا نتعاطى هذين التيارين بصفة أساس.
* ترى – استطراداً لما سبق – هل استطاع الفنانون العرب أن يبلوروا خطاً عربياً معيناً أو هوية عربية للمسرح العربي؟
- أنا عندما قلت قد نختلف حول هذا المسعى لأنني لا أفهم ما معنى هوية عربية أو خط عربي لفن هو مستورد أساساً..؟ نعم هوية عربية للكلمة التي تطرح على خشبة المسرح ممثلنا على خشبة المسرح عربي، أزياؤنا على خشبة المسرح عربية إذا لم يكن العرض المسرحي أجنبياً يمثل بقعة جغرافية أو تاريخية مختلفة عنا..
فالتجارب التي رأيناها في مصر مثلاً مسرح (الكورنة) وهو جزء من الحقل أو في المغرب المسرح الاحتفالي أو مثلاً نأخذ من مقامات بديع الزمان الهمذاني لنعمل مسرحأً أو يقدم لنا جماعة المسرح الاحتفالي مسرحاً شبيهاً بالمسرح الحي ليس فيها ماهو جديد، وإذا كنا نريد أن نبدع – حقيقة – مسرحاً عربياً فلنترك هذا الميراث من المسرح الأوربي ونبدأ نبدع شيئاً جديداً إنما كل هذه الاشكال سبقنا اليها المسرح الأوربي، فماذا نسمي مثلاً المسرح في الآثار أو المسرح في الحمامات الرومانية حيث تقدم الأوبرا طوال الصيف؟ وإذا كان لدينا أدب عربي فهو عربي لأن كاتبه عربي وطالما نحن في حدود الأدب نصنع مسرحاً عربياً وطالما أن الفنان (الممثل أو المخرج) عربي وطالما أن الموضوع عربي فهذا هو مسرح عربي فلماذا البحث عن هوية للمسرح العربي؟
* طيب لننتقل الآن الى العلاقة بين المسرح والتراث..؟ وهل استطاع الفنان العربي أن ينجح في تكوين هذه العلاقة بشكلها الصميم..؟
- بلا شك .. وأنا أعتقد أن جزءاً كبيراً جداً من تراثنا المسرحي المعاصر مستمد من التراث الإنساني منه أو العربي سواء، فنحن لو استعرضنا مسرح ماقبل الثورة (مسرح توفيق الحكيم مثلاً ومسرح علي أحمد باكثير) سنجد أنهما استوحيا التراث الديني والتراث الإنساني وقليلاً من التراث الشعبي فيما بعد 1952، ولأن المسرح كان لابد أن يلتحم مع الجماهير وبقضايا الجماهير وبآلام وأحلام الجماهير فقد تعمقت قضية التصاق المسرح بالتراث، فنحن نجد – مثلاً – مسرح نجيب سرور كله مستمد من التراث وكثير من مسرح يوسف إدريس والفريد فرج مستمد من التراث سعدالله ونوس في سوريا يستمد مسرحه من التراث، وكذلك هنا في العراق، قاسم محمد، وسامي عبدالحميد، ومحيي الدين زنكنه، وغيرهم ينحون المنحى نفسه.. إذاً هنالك كثيرون يستوحون مسرحهم من التراث بل ويعيدون بناء قصص التراث وملاحم التراث وهذا شيء قديم في المسرح لأنه منذ العهد الإغريقي كان المسرح يرتكز على الأساطيروهي – كما نعلم – جانب هام جداً من التراث.
* بحكم تجربتك في التدريس في المعاهد الفنية العربية، أنستطيع أن نلقي نظرة موضوعية على دور هذه المعاهد في خلق فنان يمثل (الموهبة + الثقافة + الوعي)..؟
- إن المعاهد لاتخلق فناناً وإنما تلتقط الموهبة لتضعها في إطار العلم، ومن الدراسة، ومن الالمام بالتقنيات العلمية يمكن أن نتزود بكثير من العلوم والآداب اللازمة لفهم المهنة ووظيفتها وطرق ممارستها.. فلنقل إن المعاهد تعد الفنان أو تنمي فيه الموهبة وتربيها وتمدها بالعلوم والتقنيات اللازمة، ولكن هل نجحت معاهدنا أم انها لم تنجح؟ دون شك أنها نجحت – على الأقل – في بناء قاعدة علمية للمسرح العربي من خلال مئات من كوادر الشباب التي تنمي وتصنع المسرح العربي والفن العربي، فهل هذه الكوادر ممتازة؟ لاشك أننا سنجد فيها الممتاز والجيد والضعيف والرديء وغير الصالح شأن أية كلية من الكليات الأخرى، إنما اللافت للنظر على مدى تجربتي طوال هذه السنوات أن المسرح لا يزال على هامش المجتمع العربي ولايزال بالرغم من هذا التطور الحضاري العظيم يصطدم في كثير من أقطار الوطن العربي بالتقاليد القبلية – واسمح لي أن أقول – وبالأفكار الرجعية القديمة، وبكثير من سوء الفهم وسوء التفسير للدين، من هنا تجد المعاهد صعوبات كثيرة في التقاط المواهب الحقيقية، ولذا فإن كثيراً من المواهب التي يحفل الوطن العربي بها تتردد – مهما كانت قوة موهبتها ومهما كان اتجاه إرادتها – في اتخاذها الفن مهنة وتقف عاجزة أمام الأسرة وآراء الأسرة ومشاكل الأسرة والتقاليد ونظرة المجتمع للفنان.. الخ، ويبدو أن القضية قضية حضارية وأننا سنعاني منها الى وقت ليس بالقصير.
* اذاً هذا جانب من السلبيات التي تعاني منها حركة المسرح العربي.. فهل بالإمكان أن نسلط الضوء على نقاط السلب والإيجاب في إطار هذه الحركة عموماً؟
- إن المسرح العربي على مدى تأريخه القريب له إيجابيات كثيرة، نراها في الحوار المتبادل بينه وبين الجماهير، وبينه وبين الشعب بخاصة في لحظات هامة كلحظات التحول الثوري والتحول الاشتراكي والدعوة الى القومية .. الخ، إنما يقابل هذه الإيجابية سلبية أخطر منها وقد تخربها (وكثيراً ماخربتها) تلك هي أن المسرح لازال على هامش حياة المجتمع العربي وأنه لم يحصل على اعتراف المواطن العربي بعد سواء كان هذا المواطن حاكماً او محكوماً..! من هنا فنحن نرى في تاريخ المسرح العربي طفرات قليلة ولحظات انتكاس طويلة تقضي على آثار ونتائج لحظات الازدهار وإن كانت تبقى في الكتب، هذان هما الجانبان الإيجابي والسلبي اللذان أعتقد أنهما يحددان معالم المسرح العربي في قرن ونصف من الزمان، ويبدو لي أن لا علاج لهذه الحالة إلا بإيمان المجتمع بشكل كامل وبإيمان السلطة بشكل خاص بجدوى المسرح ووظيفته وبزرعه في المجتمع وإعطائه نفس أهمية المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. الخ، وأن المسرح لايتنفس ولا يتطور إلا في جو حرية التعبير.. فمتى فقدت حرية التعبير أغلق المسرح أبوابه..
* لننتقل الآن الى جانب آخر يخص المسرح في العراق.. ما الذي أثار انتباهك في حركة المسرح العراقي.. وما الأسماء الفنية التي ينبغي أن نتوقف عندها؟
- المسرح العراقي – من وجهة نظري، وحسب الاعمال التي شاهدتها من المسرح القومي، أو المسرح الحديث، ويؤسفني أنه لم تكن لدي فرصة مشاهدة جهود الشباب الطليعية – أرى أنه يسير مسيرة شجاعة، وشجاعة، فنياً وفكرياً وأنه الآن يقوم على أكتاف مجموعة من الكوادر من رجال المسرح الدارسين وإذا استمرت هذه الظروف المزدهرة وتطورت الى ما هو أفضل فأنا أعتقد أن المسرح العراقي سيكون من المسارح العربية التي نأمل في أن تعيد للمسرح العربي لحظات ازدهاره على الدوام، وقد تدعو المسارح العربية الأخرى الى الإحساس بالغيرة فتبدأ – هي الأخرى – من جديد في أخذ مجالها الحيوي وتبدأ حركتها الجديدة..
من الإخوة الزملاء الذين تشرفت بمعرفتهم سواء من خلال لقاءات أم ندوات أو ملتقيات أو مهرجانات ومن خلال مشاهدة أعمالهم يقف في المقدمة استاذنا وجدنا العظيم حقي الشبلي.. حقيقة أنتم اغنياء برجال المسرح وبكوادر المسرح وأنا أعلم علم اليقين بأن الأكاديمية والمعهد يتخرج منهما العشرات، ولاشك إنه خلال سنوات محدودة سيكون هنالك مجتمع من الفنانين يصنع مسرحاً عربياً ان شاء الله..
* هنا لابد أن نتطرق الى حياتك الفنية .. يقال أن الوقوف أمام الكاميرا شر وكذا الأمر أمام الجمهور فأي الشرين أهون عليك ..؟
- أنا أعتقد أن الوقوف أمام الجمهور والوقوف أمام الكاميرا والوقوف أمام المكرفون بالنسبة للفنان شيء ممتع، والفنان الذي يقضي وقتاً طويلاً من حياته لا يعانق فيه خشبة المسرح أو الكاميرا أو المكرفون سيقع في أزمة أو اأه يجب أن يقع في أزمة، فالعمل الفني بالنسبة للفنان وكذلك التعبير الفني هما حياة الفنان، ونحن بالإمكان أن نقول أيهما اشق وأيهما اصعب..؟ طبعاً الوقفة أمام الجمهور على خشبة المسرح أكثر متعة لأنها أكثر حيوية وأكثر حياة وأكثر احساس برد فعل الجماهير ولكنها أكثر مشقة أيضاً وتفرض على الممثل كثيراً من المعاناة واليقظة لما قد يقع على خشبة المسرح.. أمام الكاميرا المسألة أسهل بكثير بخاصة في عصر الأشرطة المسجلة لأنها أصبحت مسألة (قطع ولصق) عكس وقوفك أمام الجماهير ساعتين أو ثلاث ساعات متواصلة بانفعال متواصل، فهذا هو الفرق إنما لا أعتقد أن أحدهما شر..
* في (مطاوع وبهية) كان لك حضور سينمائي خارج اطار السينما المصرية.. كيف وجدت هذه التجربة؟ وماهو رأيك في الفيلم عموماً ؟
- هي تجربة طيبة جداً وأطيب مافيها انها أعطت للفنانين المصريين أو هذه المجموعة من الفنانين المصريين شرف أن يقولوا كلمة فنية في إطار فني متوازن ومعقول كان من الصعب أن يتهيأ لهم قولها في عمل فني آخر.. ومن الممكن أن يفتح هذا العمل الباب نحو أعمال أخرى سواء في العراق أم في أي أرض عربية أخرى أمام أعمال ملتزمة بهذا الشكل، وقد أسعدت بالأخوة الذين عملت معهم ابتداءً من مخرج الفيلم صاحب حداد الى كل الطاقم الفني إنهم مجموعة يسعد الإنسان أن يعمل معها فناً ..
اما نتيجة الفيلم فأنا أعتقد من العمل الذي حضرته ومن بعض المشاهد التي رأيتها وهي قليلة أن الفيلم جيد جداً وستكون له ردود فعل قوية سواء على المستوى الفني أم الفكري، وإن أجمل ما في الفيلم أنه يقول كلمة سياسية تعبر عن المعارضة لكامب ديفيد لكنه يقولها بشكل غير مباشر يقولها من خلال أسطورة أو قصة شعبية مصرية قديمة اسمها (الفلاح الفصيح) نشم فيها عبق الأرض وعبق حياة الإنسان الفلاح المصري الأصيل وهذا يمنح كثيراً من المتعة ومن عناصر النجاح للفيلم..
* هل بالإمكان تشخيص أسماء معينة لها دور إيجابي في حركة المسرح العربي عموماً؟
- أنا أعتقد أن كل الأجيال لها دورها وكل دور له جيله وأنا اعتقد أن التأريخ لا يهمل جيلاً من الأجيال ويضع عدساته على الرواد في كل جيل، فأنا عندما أقول أن زكي طليمات هو أستاذ الأساتذة وهو أستاذ هذه الأجيال التي تعمل في الأرض العربية، عندما أقول أن حقي الشبلي هو رائد الحركة المسرحية في العراق، وأن محيي الدين بشطرزي أو مصطفى كاتب كان لهما الفضل في إقامة صرح المسرح في الجزائر، أو أن صقر الرشود هو رائد من الرواد المهمين جداً في غرس المسرح الكويتي وتنظيمه ..عندما نقول هذه الكلمات فإنما نسجل لهذا الجيل أو ذاك قياداته، وأنا أرى أن هذه مسألة يرصدها التاريخ فليس مطلوباً منا نحن أن نقول أن الذين مازالوا يعملون أو أن الأجيال التي مازالت تكافح من الرائد فيها أو من السابق والمسبوق أو من الجيد ومن الممتاز؟ وبارك الله في الكفاح الكل يكافحون وكله عظيم، واذا كنا نذكر أسماءً معينةً فإنما نذكر لمجرد طرح الأمثلة فأنا لا أميل الى عمليات المفاضلة إلا اذا كان الموضوع يختص بالنقد العلمي ولا أظنني في مجال نقد علمي الآن..!
* هل من طموحات فنية لم تتحقق حتى الآن ومازلت تحلم بتحقيقها أو أنها تلح عليك..؟
- إن طموح الفنان لاينتهي ولايتوقف عند حد معين ومما لاشك فيه أن أكبر طموح وأثرى طموح للفنان أن يرى فنه مزدهراً وغير معارض وغير معوق وستظل هذه أمنيتي مدى الحياة وأرجو أن تكون أيضاً أمنية العاملين في المسرح كافة، أن يطهر المسرح العربي من عوائقه.











