الجزائر - يجوب العرض المسرحي “حبيبي” خلال الفترة الممتدة من الثاني والعشرين إلى الثامن والعشرين من يناير الجاري، ست مدن شرق ووسط الجزائر، بعد تقديم الكثير من العروض للعمل المسرحي في تونس.

وبعد أن عرضت المسرحية في إطار فعاليات الدورة الثانية والعشرين لمهرجان أيام قرطاج المسرحيّة، عرضت على خشبات عدد من المسارح التونسية طوال شهر ديسمبر الماضي.

والمسرحية عمل مشترك بين سويسرا وتونس والجزائر، فهي من إنتاج تعاونية مسرح “السنجاب” لبرج منايل في الجزائر والمسرح السويسري “أبسارا” ومسرح وفرقة العلاج بواسطة الفن “تيراب آرت” التونسية.

وتعالج المسرحية التي لها غايات تربوية وتعليمية موضوع العنف الممارس ضد المرأة حيث ترجم جزء منها الكاتب المسرحي والمخرج عمر فطموش واتخذت كسند لتنظيم ورشات تدريبية في ولاية بومرداس، ومن ثمة تنظيم جولة في عدة مدن جزائرية.

وأوضحت المخرجة في ندوة صحافية عقدت في المسرح الوطني محي الدين بشطرزي أن “مسرحية ‘حبيبي’ تتناول معاناة المرأة مع إملاءات الأب والزوج والأخ وحتى الابن، حتى أنها تتخذ من الصمت ملاذا، صمت رهيب تسبب فيه حتى جيرانها، وتلجأ إليه نساء أخريات رهينات الفكر المحافظ الرجعي والمدمر”.

المسرحية عمل مشترك بين سويسرا وتونس والجزائر وفيها تعبير عن ظاهرة العنف ضدّ المرأة

يظنّ القارئ للعنوان “حبيبي” من الوهلة الأولى أن العمل سيكون عن علاقات رومنسية وحميميّة بين شخوص العمل المسرحي، لكن أحداث المسرحية تدور حول امرأة مثقفة ومتعلّمة وإطار سام في وظيفتها الشغلية، تجد نفسها بعد الزواج ضحية عنف يمارسه عليها زوجها الذي اختارته عن حبّ، عنف ورثه عن أسلافه رغم التطور الثقافي والمجتمعي، فتقرّر بعد سكوت مستمرّ أن تضع حدّا لممارساته العنيفة حتى لا يرثها ابنها عنه ولا تنتقل عبر العادات للأجيال اللاحقة.

لكن منذ بداية المشهد الأول يصطدم بواقع مخالف: واقع عنيف جدّا، جسّمته أصوات صادرة من المطبخ من تكسير للأواني وسباب وشتائم يوجهها الزوج لزوجته، والسبب هو أنه فقد الحزام الذي ورثه عن أسلافه.

لقد قامت المسرحية على مفارقة بين ما هو مؤمّل وما هو حاصل في الواقع، فالمؤمّل أن هذه المرأة ستحظى بحياة كريمة يسودها الاحترام المتبادل والتفاهم مع زوجها، لكن الحاصل، وفقا لأحداث المسرحية كان مأسويا، فالعنف المسلّط على هذه الزوجة كان لفظيا وجسديا ورمزيّا ونفسيّا.

وبينما تبدو المرأة في بداية المسرحية خائفة ومستسلمة لواقعها، رغم أنها تفوقه علما ومرتبة في الوظيفة، وهذا الخوف كان دافعه الرغبة في الحفاظ على تماسك الأسرة وضمان تربية سليمة للطفل، تكون النهاية مختلفة تماما عن بدايتها، إذ تتمرّد الزوجة على واقعها وتقرّر عدم الصمت حيال العنف المسلّط عليها.

وللتعبير عن ظاهرة العنف ضدّ المرأة المنتشرة بكثرة في المجتمعين التونسي والجزائري، كتب نصّ العمل المسرحي بكثير من المباشرتية حيث كان الخطاب مباشرا وحادّا وغاضبا، يعكس تسلّط الرجل ونزعته الذكورية التي يودّ أن يورّثها لابنه ويتوارثها عنه أبناؤه بعد ذلك، ورغبته الجامحة في الالتزام بالقالب المجتمعي الجاهز لصورة الرجل.

في المقابل كان خطاب المرأة رصينا حكيما يسيطر عليه الخوف، يشبه إلى حدّ كبير شريحة واسعة من النساء في البلدين، لكنه تطوّر مع أحداث العرض ليصبح للمرأة نفس ثوري ضدّ الواقع العنيف الذي تعيش فيه.

ويأتي هذا الإنتاج المسرحي المشترك، في فترة تشهد تفاقم عدد الشكاوى المتعلقة بالعنف الجسدي واللفظي ضد النساء سواء في تونس أو في الجزائر وفق ما تؤكده أرقام وإحصائيات رسمية وغير رسمية من البلدين، خاصة مع التأثيرات النفسية المرتفعة لجائحة كورونا والتي جعلت المرأة ضحية للعنف المتنامي.

وفيما ارتفعت حالات العنف ضدّ المرأة في تونس إلى نسبة 77 في المئة خلال العام الماضي، لا توجد إحصائيات رسمية من شأنها تقييم الوضع وتهيئة الآليات اللازمة للحدّ من الظاهرة والتكفل بالضحايا في الجزائر، لكن مصالح الدرك الجزائري كشفت أنها عالجت حوالي 8 آلاف قضية تتعلق بالعنف ضد المرأة والبنات خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الماضية.

ويرجع بعض الباحثين الاجتماعيين غياب الإحصائيات إلى تخوف المرأة من مواجهة العنف واختيارها الالتزام بالعادات والتقاليد والرضوخ لسلطة الرجال في حياتها بدءا من الأب ووصولا إلى الزوج والابن.

ويفسر الأستاذ الجامعي الجزائري زيان محمد ذلك في كتابه “مفهوم الرجولة ونزعة العنف ضد المرأة في الجزائر”، بقوله إن “العنف يتكّرس من خلال استبعاد النساء عن سياسة شؤون الأسرة وعن مجالس الرجال أو أماكن وجودهم، وأحقية ممارسة العنف ضدهن في أثناء التنشئة الاجتماعية على مستوى الأسرة”.

ويضيف “ومن خلال حجبهن وعزلهن داخل الفضاء البيتي لحمايتهن، بالاعتماد على نظام السلطة الذي يقوم الرجال بتمريره عن طريق التحكم في وسائل الإنتاج المادية والفكرية، كما تعمل المرأة أيضا على إعادة إنتاج هذه الوسائل وتأكيدها ميدانيا، بفضل نمط التربية والتعليم والتنميط الجنسي باعتبارها أمرا طبيعيا”.

يذكر أن المسرحية هي من إخراج وتأليف السويسرية سيلفيا باريروس وتمثيل نادرة التومي وحمودة بن حسين وسحر الرياحي وناجي قنواتي ومراد الدريدي.

ويُؤدَّى العرض في الجزائر بمشاركة الممثلين التونسيين، بتنسيق من الكاتب المسرحي الجزائري عمر فطموش، مع خلفية موسيقية لأوندينا دواني، وسينوغرافيا من إعداد قيس رستم، “بحيث سيعاد أداؤه في الجزائر حسب مقاييس ومعايير أصيلة” زادتها أزياء وأكسسوارات نوال لصواد جمالا ورونقا.

وقال عمر فطموش إن مثل هذه التجارب التي تتشارك فيها خبرات أكثر من بلد ضرورية باعتبارها تسمح للمسرح الجزائري “بالانفتاح على العالم”، من خلال التبادلات التي تحفز الممثلين الشباب على التفوق والامتياز من خلال “اكتشاف أشكال جديدة للتعبير عن أنفسهم”.

كما ستتمّ الاستفادة من التجربة التي خاضها الممثلون الجزائريون الشباب في بومرداس خلال الورشات التي نظمت حول عرض سيلفيا باريروس، حسب عمر فطموش، الذي يعتزم تقديم عرض جديد.

وينوي مؤسس مسرح السنجاب ببرج منايل الاستثمار في العلاج بواسطة المسرح بعدما نجحت تجربته في هذا المجال في عدة قرى متضررة من حرائق الغابات التي مست مناطق عديدة من الوطن الصائفة الماضية.

----------------------------------------------

المصدر :جريدة العرب