تصوير عاطفة الحنين للوطن في مسرحيات الدكتور فوزي خضر
مجلة الفنون المسرحية
علي خليفة
قضى الدكتور فوزي خضر سنوات عديدة بعيدا عن وطنه مصر، وكان خلال هذه السنوات يعمل في بعض دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية التي عمل بها أستاذا جامعيا في جامعة الطائف، ومستشارا لرئيس هذه الجامعة، وقد أثرت هذه الفترات الطويلة على الدكتور فوزي خضر، وكان أكبر تأثير لها هو شعوره الدائم فيها بحنينه لوطنه مصر، ورغبته الدائمة في العودة إليها والاستقرار بها، ونرى في بعض مسرحياته آثارا واضحا لحنين أبطالها لأوطانهم حين رحيلهم عنها؛ مما يعكس حنين الدكتور فوزي خضر لوطنه مصر،و لعشقه له.
وبعض مسرحيات الدكتور فوزي خضر استلهمها من حياة أطباء وعلماء مسلمين عاشوا في الماضي، وتحدث عنهم في برنامجه الإذاعي المشهير كتاب عربي علم العالم، وفي موسوعته الكبيرة عن أطباء المسلمين وعلمائهم التي نشر منها بعض الأجزاء، وقد كثر تنقل وسفر هؤلاء العلماء والأطباء المسلمين، وظهر في بعض مسرحيات الدكتور فوزي خضر أثر ذلك على هؤلاء العلماء، فهم في سفر مستمر، إما لإسعاف أمراء وملوك طلبوا إليهم علاجهم، وأرسلوا من يأتون بهم لبلادهم، أو لتحقيق مخترعات واكتشافات سعوا لتحقيقها في بعض البلاد، أو لرغبة بعضهم في تحقيق الشهرة في بلاد تقدر مواهبهم، أو للبحث عن كل جديد في العلم في البلاد التي يسافرون لها، ونرى في هذه المسرحيات - وهي مسرحية الحسن بن الهيثم والسد العالي، ومسرحية الشيخ الرئيس ابن سينا، ومسرحية صاحب التذكرة داود الأنطاكي - أن أبطالها من العلماء والأطباء ينتقلون من بلادهم لبلاد أخرى، ويحققون شهرة كبيرة خلال تجولهم وتنقلهم في بعض البلاد الإسلامية، ونرى خلال ذلك أيضا حنين بعضهم لأوطانهم، وتذكرهم بعض ذكريات لهم فيها.
وتعد مسرحية حنين أبرز مسرحية عرض فيها الدكتور فوزي خضر لعاطفة الحنين للوطن من بين كل مسرحياته الشعرية، وتصور هذه المسرحية حنين الشاعر عوف بن محلم الخُزاعي لوطنه سوريا ببلاد الشام بعد أن تركها واستقر في خراسان في صحبة طاهر بن الحسين، ومن بعده ابنه عبد الله، وقد كانا يتمسكان ببقائه عندهما لشعره فيهما الذي يمدحهم به، ولكونه كان مستشارا وصديقا لهما، وقد طال بقاؤه عندهما حتى إنه قد استمر في صحبتهما وبعيدا عن وطنه نحو ثلاثين سنة، وحين أنشد عوف بن محلم الأمير عبد الله بن طاهر أبياتا له تعبر عن حنينه الشديد لوطنه رق له، وسمح له بالعودة لوطنه، ونرى الجوقة في بداية هذه المسرحية ونهايتها تعبر عن عاطفة الحنين للوطن، وتقول: إنها شعور فطري يوجد عن كل الناس الا الشاذ والغريب منهم.
وفي مسرحية شهيد الحب نرى الشاعر العباس بن الأحنف يحتضر في مكان بعيد عن وطنه، ويحاول غلامه ان يستغيث بأي أحد ينقذ سيده قبل أن يموت، فيرى بعض رجال في قافلة تمر بقربه، فينادي عليهم، ويأتون امام العباس وهو يجود بنفسه، ويعلمون أنه يحتضر، فيطلبون إليه أن يقول لهم وصيته، فيقول بيتين من الشعر يعبر فيهما عن حنينه الشديد لوطنه، وعن أسفه لكونه يموت بعيدا عنه:
يا غريب الدار عن وطنه. مفردا يبكي على شجنه
كلما جد البكاء به. دبت الأسقام في بدنه
ثم يموت بعد ذلك، ولعل بعده عن وطنه كان من أشد ما أثر عليه خلال احتضاره، ورأينا ذلك في البيتين اللذين أنشدهما وهو يحتضر؛ مما يدل على شدة تعلقه بوطنه وحنينه الكبير اليه.
وأيضا نرى تصوير عاطفة حب الوطن والحنين اليه حين الابتعاد عنه في مسرحية سنوحي للدكتور فوزي خضر، ففي هذه المسرحية الشعرية القصيرة نرى سنوحي قد اضطر للهجرة بعيدا عن وطنه مصر لظنه ان الفرعون سنوسرت الأول يحقد عليه لوجود مودة بينه وبين أخيه آني، وكان سنوسرت على خلاف مع أخيه آني، ولا يشعر سنوحي بالراحة خلال بعده على مصر، وفوجي بعد سنوات طويلة قضاها في الغربة بعيدا عن مصر بأن سنوسرت الاول يرسل له رسالة يخبره فيها أنه لا يمانع في عودته لمصر، فيسعد بذلك سنوحي، ويعود لمصر، ويرى انه قد حقق أمنيته الكبرى بعودته لوطنه وعيشه بين أهلها.
وهكذا رأينا تصوير الدكتور فوزي خضر عاطفة خب الوطن والحنين إليه حين البعد عنه في بعض مسرحياته الشعرية، ورأينا أيضا شعور أبطال هذه المسرحيات بالمرارة والألم لكونهم بعيدين عن أوطانهم، وتكون أكبر أمنية لهم في حياتهم في العودة لتلك الأوطان التي ينتمون إليها ونشئوا فيها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق