الاحتفالية بين المحلية والعالمية ــ 49 / عبد الكريم برشيد
مجلة الفنون المسرحية
الاحتفالية بين المحلية والعالمية ــ 49
فاتحة الكلام
غدا الجمعة 28 فبراير هو يوم احتفالي آخر في مسار الاحتفالية وفي تاريخها
ولأنه يوم جديد، جسدا وروحا، فهو بالضرورة يوم احتفالي وعيدي، يعد بالجدبد وبالتجديد وبالمفيد، وهو بهذا يوم استثنائي منتزع انتزاعا من جسد الأيام العادية، والتي يشبه بعضها البعض، والتي لا تزيد لذاكرة الأيام اية ذكرى، ومن طبيعة اليوم الاحتفالي هو انه اكبر واعمق واغنى من ان يكون مجرد يوم، مثل كل الأيام العادية، ولهذا فإن ساعته الوجدانية والروحية لا يمكن ان تكون لها علاقة بالساعة الرملية ولا بالساعة المائية ولا بالساعة الميكانيكية ولا حتى بالساعة الإلكترونية، او بأية من الساعات التي تعرفون
ولمن يعشق التلاقي، في صورته الحية الجميلة، فإن مسرح الملتقى بمدينة القنيطرة، بإدارة الممثل والمخرج رضوان الإبراهيمي يقترح عليه احتفالا مسرحيا موثثا بالسحر ومسكونا بالغرابة و بالإدهاش، وغدا سيكون جمهور مدينة فاس على موعد مع الجنية عيشة قنديشة، وهي في جسد ممثلة إنسية وجنية اسمها نجوى الفايدي، اي مع تلك الجنية الأسطورية المسكونة بنزعتها الأنسية، والتي تمردت على شرع الجن، والتحقت بالانسان و الإنسانية والمدينة والمدنية ولالحياة والحيوية وبالجمال والجمالية
وسيكون مركز الترفيه والتنشيط الثقافي المسيرة بمدينة فاس هو بيت هذا النوع الاحتفالي
وبالنسبة لعيشة قنديشة، كما تقدمها هذه الاحتفالية المسرحية، فهي ابنة ملك الجان، وهي حفيدة قنديش الأكبر، مؤسس الدولة القنديشية الكبرى، وهي حقا جنية، ولكنها تؤمن بالفن، وبجماليات الفن، وباخلاقيات الفن، وهي مقتنعة بان الفن هو صناعة الجن وان الأصل في الفنان المبدع والممتع هو ان نصفه جني، وأن نصفه الأخر نسي، وهي انثى كاملة الأنوث، تؤمن بالحب والشريعة الحب، وفيه تقول:
( هذا الحب موجود في كل الأديان، ولكن مولانا الحب لا دين له, وهو اكبر من كل الأديان)
ولعل اصدق ما يمكن اقول عن هذه هذه الجنية، هو انها جنية احتفالية، وانها صاحبة رسالة، وان في هذه المسرحية ستبعث ببيان إنساني إلى الناس كافة، في كل زمان ومكان
وهذه الجنية، هي التي قالت من قبل، والتي تقول دائما لجمهورها ما يلي:
(عدت إليكم، مع أنني كنت دائما قريبة منكم، وأحضر الآن معكم، مع أنني ما غبت عنكم لحظة، تعجبني صحبة الناس، ويسعدني حديث الناس، لأنني إنسية الروح وإنسية الهوى، نعم، أنا هي عيشة قنديشة، الجنية الأنثى، إنني في هذا العالم أظهر وأختفي، وأكون في هذه الأمكنة، وأكون خارجها، حاضرة أنا في كل مكان، ومتجددة في كل زمان، ومعاصرة لكم على الدوام، لكم ولآبائكم ولأبنائكم ولأحفادكم إلى يوم القيامة، هذه هي أنا .. إنني أسافر ولا أغيب، وقد أحلق في السماوات وأنا في الأرض.. وقد أبتعد وأنا قريبة.. وقد يظن البعض بأنني أسطورة وخرافة، وأنا أصدق من الحق والحقيقة .. وواقعي هو أبلغ في الواقع والوقائع ..)
لا نجم ولا نجومبة في الاحتفالية
وبعد هذا المدخل، والذي كان لابد منه، اعود لأخاطبكم بلسان الكاتب المؤرخ والمبدع والمتأمل، ومن جديد ادعوكم لأن أواصل الحفر والنبش معكم في العقل الاحتفالي وفي الوجدان الاحتفالي وفي المخيال الاحتفالي
و تعقيبا على مقالة ( السباحة الفكرية في نهر الاحتفالية) يقول الكاتب و الصحفي والسيناريست احمد ابو عروة ( في هذه الورقة العميقة، يواصل الدكتور عبد الكريم برشيد سباحته الفكرية في نهر الاحتفالية، مؤكدا ان المسرح ليس مجرد فن، بل رؤية فلسفية و وجودية تتحدى الثبات والانغلاق، استمتعت بقراءتها، إذ وجدتها مليئة بالمحكمة والتأمل، تفتح آفاق جديدة لفهم المسرح كحالة متجددة، تحتفي بالحياة، و تنحاز للجمال والإبداع، برشيد، كعادته لا يكتب فقط، بل يدعو القارئ إلى الحوار والتفكير، اي إلى ان يكون فاعلا في هذا النهر المتحرك الذي لا يتوقف عن الجريان)
بعض الأرواح يهمها فعل السباحة في نهر الفكر والعام، والبعض الآخر يكتفي بالسياحة، وفي السباحة نحيا الحياة، وتعيش متعة التحدي، اما في السياحة فإننا لا نفعل شيئا سوى ان نتفرج
إن ما تبحث عنه يبحث عنك، تماما كما قال مولانا جلال الدين الرومي، وما تتمناه يتمناك، وما يدركه بصرك خطأ، وما تدركه بصيرتك صواب، وفي حالات كثيرة جدا، فإن ما لا تبحث عنه يبحث عنك ايضا، واكثر هذا الذي ادركه الاحتفالي، في مسيرته ومساره، لم يسع اليه، ولم يخطط له، وقد لا اعرفه انا الاحتفالي، ولكن هو يعرفني. ويعرف عنواني، ولقد اختارني لحكمة لا اعرفها، ووجدت نفسي، من حيث لا ادري، احتفالي الروح واحتفالي الوجدان واحتفالي الأخلاق واحتفالي اللغة
وأنا في هذه الاحتفالية لم افكر يوما في النجومية او في العالمية او في الذيوع والانتشار وفي الشهرة، ولا كان بهمني أن أقرأ في اللغات الأخرى، وفي الثقافات الأخرى, ولقد فكرت في تفكير الآخرين، حبا مني في الحوار الثقافي وفي المثاقفة وفي المشاركة والاقتسام، وكان ذلك لإحساسي واقتناعي بأنه لا يمكن ان أكتمل إلا بالآخر المختلف، كما أنني في مسيرة الكتابة قد أعدت قراءة التاريخ القديم بعين اللحظة الحية الآن ـ هنا، كما أعدت قراءة الحكايات الشعبية المعروفة، بل وأعدت قراءة الأغاني، وقمت بمسرحتها، وعلى سبيل المثال، فقد وظفت أغنية "ميلودة اللي مشات للغابة" وضيعت ابنها، كما وظفت شخصية جحا وكل شخصيات التراث العربي الأمازيغي والإفريقي، واختلقت عطيلا أمازيغيا أفريقيا في ( عطيل والخيل والبارود) وعربت شخصية فاوست الألمانية في (فاوست والأميرة الصلعاء) وعصرنت شخصية سقراط في ( سقراط قالوا مات) وأعدت كتابة مأساة ابن رشد في صراعه مع الفقهاء في ( ابن رشد بالأبيض والأسود) ولقد رأيت دائما أن العالمية توجد في آخر الطريق، وليس في بدايته، وأنه من غير المنطقى في شيء أن نسعى لهذه العالمية من غير أن نمر على هذه الأرض، وأن نعرف هذا الإنسان الذي نقتسم معه الأسئلة والمسائل، وأن نعرف هذا التاريخ الذي نبدع داخل زمنه وداخل سياقه، وأن نعرف هذه الثقافة التي تنتمي إليها، وأعترف بأن راهنيتي الوجودية ليست تمردا على الماضي، ولكنها تحصيل حاصل، كما أنها ليست موقفا عدوانيا من الآخر، وما نبدعه نحن الآن هنا، يدخل بكل تأكيد في باب المساهمة في مسرح عالمي كوني كبير، مسرح يكون أوسع من ثقافته المحلية الضيقة، وهذا هو المسرح، وهذا هو حال الثقافة بشكل عام، والتي تشبه الزراعة والفلاحة في المبدا التالي، غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون، فنحن نأخذ ونعطي في هذا المسرح، ونضيف له إضافات من عندنا، ونعرف بأن السائح الذي يزور جامع الفنا، إنما يفعل ذلك ليطلع على تجربة شعبية غير موجودة إلا هنا، وقد نقدم شكسبير كما فعل محمد سعيد عفيفي أو زكي العلوي، وبالتأكيد فإن ما نقدمه لن يكون أحسن مما قدمه الإنجليز، ونقدم موليير أيضا، ولن نكون أحسن من الفرنسيين، لكن عندما قدم الطيب الصديقي ( ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب) من تأليف أخيه سعيد الصديقي، فقد قدم شخصية مغربية في إطار الحلقة والأزياء والحكمة والبندير المغربي والحكي المغربي، ولهذا فقد كان ضروريا ان نتساءل، ألم يكن ) الصديقي) في ذلك مثيرا ومدهشا ومستفزا للعين ولكل الحواس لدى المتلقي، المغربي والعربي والعالمي أيضا؟)
وفي مقالة جادة وجديدة بعنوان (سميائيات الاحتفالية في الثقافة الشعبية) كتبها الأستاذ بوشراوي حمادة، وارسلها لي على المسنجر مشكورا، ما يمكن ان يتكامل مع الرؤية الاحتفالية، وفي هذه المقالة رؤية إنسانية شاملة ومتكاملة، ولقد نشرها الكاتب ايضا على حسابه الخاص في الفيس بوك، ويمكن الرجوع اليها، وفي المقالة تساؤلات حقيقية من قبيل (إذا كانت الاحتفالية المغربية جزء من الثقافة بشكل عام فلماذا لا يتم ترجتمها إلى اللغات الأخرى؟ أم أنها غير قابلة للترجمة؟ )
وهل هناك فكر او راي او كتابة لا يمكن ان تترجم؟
ويضيف ( أذكر أني عندما كنت أدرس في الثانوية التأهيلية بمدينة الريصاني قرأت ذات مرة في درس اللغة العربية العربية وحدة المسرح الحديث، أن الاحتفالية تعبير عن كينونة الفعل المسرحي في كل تجلياته، لكنه يرويها بتأويل جديد .
من هنا تبادرت إلى ذهني مجموعة من الأسئلة، هل بالفعل الاحتفالية تقبل الترجمة إلى اللغات الأخرى؟ أم أن كلماتها وبنيتها لا تسمح بذلك؟ لماذا لا يتم موقعة الاحتفالية في نظرية الأدب كغيرها من الأجناس الأدبية الأخرى؟ هل يمكن أن نعتبرها أدبا رغم طابعها الشفوي والكتابي في النص المسرحي؟ أليس للاحتفالية قدرة على التكيف في الأوساط الاجتماعية المختلفة؟
إذن يمكن اعتبار الاحتفالية نصا له ما يكفي من الأدبية، أليس كذلك؟ وأدبيتها تؤكد محاورتها مع الزمن، إنها ليست نصا أدبيا فحسب، ولكنها نص تم تبليغه أيضا بالتمسرح وليس عن طريق القراءة فقط، لذلك نجد في الاحتفالية تغيرا وحذفا، فالاحتفالية لا تسمح بإلغاء رمزية الجسد وتقاطعاته داخل الخشبة. لقد بقيت بنية الاحتفالية هي الغالبة والمسيطرة، إن الاحتفالية ليست بنص شفوي عذري او نص خارج السياق، وليست مجرد تعويض عن النص المكتوب او كتابة له.
إن نص الاحتفالية يسكن اللاشعور الجماعي، ويعلن عن نفسه في المسرح للترويح عن النفس، يعني أن الاحتفالية كمظهر وجودي لا تظهر عندما يكون الفرد لوحده فقط، وإنما في حضور شخصين فما فوق، و تحتاج إلى متلقي ومرسل، ولا يمكن أن نغيب أحدا منهما، من أجل بناء تفاعل مستمر، مع التقاليد الثقافية)
إن الاحتفالية ليست مجرد نص ادبي، وليست مجرد فرجة بصرية محدودة في الزمان المحدود وفي المكان المحدد، ولكنها الحياة في كل امتداداتها واجباتها المختلفة؛ الحاضرة الغائبة والظاهرة والخفية معا
يقول الاحتفالي في الأعمال الكاملة، والتي صدرت عن وزارة الثقافة المغربية بان هذه الاحتفالية ( لا تستبدل الفعل بالانفعال، ولا تقايض الممكن بالمحال، ولا تهتم باليومي المعروف، ولكنها تسعى باتجاه مملكة المعرفة، وذلك في كليتها وشموليتها، وفي تمدد ابعادها ومستوياتها، وهي لا تحتفل بالمعلوم والمعلومات، ولكنها تعشق العلم أولا، ولا يهمها ابدا ان تقارب المألوف، وان تقف عند حدوده البرانية الشكلية، ولكنها تسعى لأن تجعل الممكن كائنا، وان تجعل القريب بعيدا، والبعيد قريبا، وان تحضر الغائب، وان تؤنسن الموحش، وأن تنطق الصامت، وأن تحرك الثابت، وان تفجر طاقات الحروف والكلمات والعبارات، وأن تكشف طاقات الأجساد والصور والخيالات)
الارتقاء وفق النموذج السيزيفي
والاحتفاليون، ما هو دورهم في حياة وحيوية هذه الاحتفالية؟ هم مثل سيزيف يعرفون أنهم لن يدركوا قمة الاحتفالية، ومع ذلك يدفعون بصخرة البحث والاجتهاد والتجريب والإبداع نحو قمتها، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي في حواره مع د. محمد الوادي:
(ينبغي أن يعرف الجميع أن أجمل وأصدق ما في الاحتفاليين، والذين أنا واحد منهم، هو إصرارهم السيزيفي على الحضور وعلى المواجهة وعلى الثقة بالنفس وعلى الشغب الفكري وعلى الكبرياء الفكري، وعندما تختار فكرة، أو تختارك هي، وينشأ بينكما عشق صوفي، وتقتنع بها لحد الإيمان، فهل يمكن لهذه الاحتفالية أن تنكسر؟ بالتأكيد لا يمكن
إن كل هذا الذي أعطيته ـ اعطيناه لحد الآن، لهذه الاحتفالية، لم يكن فعلا سحريا خارقا للعادة، كما أنه لم يأت نتيجة مخطط ما، أو بدعم وبتزكية من جهة ما، وهو بالأساس جهاد و مجاهدة، وهو كشف و مكاشفة، وهو نتيجة إصرار سيزيفي على الحضور وعلى التحدي وعلى (اقتراف) السؤال العلمي والفكري، ولقد جاء كل هذا بشكل عفوي، وقد يكون للشروط التاريخية دور في هذا، وقد يكون للمناخ الثقافي، عربيا ودويا، دور آخر، وقد تكون الصدفة الموضوعية نصيب في كل هذا الذي كان، والذي يكون اليوم، والذي سوف يكون غدا، والمهم هو أنني قرأت اللوح المكتوب كما كان ينبغي أن يقرأ، واستظهرته أمام الله وأمام عباد الله وأمام التاريخ
إنني أنا الاحتفالي أومن بالكتابة الحيوية، وأؤكد دائما على أنه لا وجود لكاتب يكتب وحده، وذلك لأن القارئ يكتب معه، من حيث يدري أو لا يدري، واللحظة التاريخية تكتب معه أيضا، وأنا أنتمي إلى جيل فتح عينيه على وطنه مستعمرا، وعاش النكسة الحزيرانية، وعاش حلم الوحدة العربية وانتكاستها، وعاش القضية الفلسطينية وكل قضايا التحرر في العالم، وبهذا فقد كان ضروريا أن يكره هذا الواقع المأتمي، وأن يبشر بواقع أخر مختلف ومغاير، واقع احتفالي وعيدي، وأن ينحاز إلى الحرية والتحرر وإلى الإنسان والإنسانية وإلى الحياة والحيوية وإلى المدينة والمدنية وإلى الحق والحقيقة وإلى الصدق والمصداقية
إن وجود كاتب معتز بإنسانيته وبحريته وبكرامته وبلغاته وبثقافته، ويعشق الكتابة، والتفكير فيها بصدق، ويتفاعل مع محيطه الاجتماعي والسياسي والثقافي بجدية، ويتحاور مع قضايا الساعة، فإنه لا يمكن أن يكون إلا كما هو اليوم، وأن يكون ا حتفاليا حتى النخاع، وأن يكون مسرحه احتفاليا أيضا، وأن تكون فلسفته في حياته اليومية احتفالية، تماما كما هو هذا الاحتفالي اليوم، وكما كان من قبل، وكما يمكن أن يكون من بعد، ولقد كان ضروريا أن يكون له هذا الحضورـ وهذه المساهمات الفكرية والجمالية، وكل هذه المواجهات والمصادمات دفاعا عما أسميته أنت (صرح المسرح العربي)
إن الأمر إذن أسهل وأبسط مما يمكن أن أتخيل البعض، وذلك لأن الواقع لا يمكن أن يعطيك إلا بمقدار ما تعطيه أنت، وأنا أعطيت هذا الواقع الثقافي والمسرحي زهرة عمري، وأعطيته كل وقتي، وكنت فيه مفكرا ومتكلما وحاضرا ومحاضرا ومبدعا وسائلا ومتسائلا وباحثا ومجتهدا ومشاغبا ومناضلا ومكتشفا ومؤسسا ومشككا ....
هذا الواقع إذن لا يوجد في المطلق، ولكنه يوجد الآن هنا، بنا وفينا ومعنا، ونحن معه في علاقة جدلية دائمة ومتجددة، ونحن نصنعه ويصنعنا، نكتبه ويكتبنا، وبالتأكيد فإن هذا الواقع لن يتغير إلى الأحسن إلا إذا تغيرنا نحن، وغيرنا كسلنا المعرفي بالجد وبالاجتهاد) والاحتفاليون أمنوا بأنه لا وجود لشيء يسمى نهاية التاريخ، سواء تعلق الأمر بالتاريخ العام أو بتاريخ العلوم والفنون وبتاريخ الفكر، ولهذا فإنهم لم يصدقوا إشاعة أن عصر التنظير الفكري قد انتهى، وأن زمن الإبداع الجديد والمجدد قد مضى، وأن عهد الكبار في الفكر والفن قد ولى، وأنه ليس بالإمكان أجمل وأكمل مما كان، ولهذا دخلوا غمار البحث والتجريب، وافترضوا أن التاريخ سيبدأ بهم ومعهم، ورفعوا شعار ( ليس في الإمكان أبدع ولا أروع مما سوف يكون)
يقول شريف خزندار ( لفترة ساد اعتقاد بأنه لم يوجد في العالم الثالث مسرح أبدا، وأن فضل إبداع هذا الفن يعود في عظمته الى شكسبير وموليير وكالديرون وآخرين، وفي بداية هذا القرن برهن بريشت وآرتو للغرب أنه بإمكان الشرق أن يعطي قيما جديدة)
وهل جاء الاحتفاليون إلا من أجل أن يؤكدوا على هذه الحقيقة، ومن أجل أن يعطوا العالم مسرحا آخر، وأن يبرهنوا على وجود قيم فكرية وجمالية أخرى، سواء في المسرح أو في الحياة؟
والاحتفاليون يرفضون هذا التقسيم للعالم، ويرفضون أن يكون عوالم، وأن يكون يعضها أعلى من بعض، أو أدنى من بعض، تماما كما يرفضون أن يكون في هذه العوالم المفترضة مراكز قوية ومحركة وفاعلة وعاقلة، وأن تكون فيها هوامش هشة ومنفعلة وتابعة وغير مؤثرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق