تجليات السسيوثقافي في خطاب الشيخ القاسمي لماذا وكيف ومتى نقرأ التاريخ..؟
مجلة الفنون المسرحية
تجليات السسيوثقافي في خطاب الشيخ القاسمي
لماذا وكيف ومتى نقرأ التاريخ..؟
أ.د. رياض موسى سكران
لأن الثقافة في الظاهرة المسرحية تمثل (الكيفية) التي ننتج بها ما نفكر فيه ونقوله ونسلكه
ونجسّده، لنشكل به المجتمع الذي نعيش فيه.. فإنها حتماً تحفل بما نحن فيه من تنوع واختلاف
وتغير وثبات، وليست (الكيفية) بذلك الا قوانا المشتركة والمهيمنة والخلاقة في إنتاج أنماط التباين والاختلاف.. ومثل هذا التأطير النسبي لمفهوم الثقافة في حقل المسرح، بمنأى عن أية نخبة ومع كل نخبة، وبمنأى عن أي حقل أو نوع أو جنس أو مادة ومعها جميعاً.. ويقر هذا التحديد بالتنوع إقراراً لا يقبل اللبس، أي إننا حين نذهب الى القضايا الثقافية ومستقبلها، لابد أن نذهب غير مدججين بالتراث وحده، أو بالتأريخ وحده، أو بالسلطة وحدها، أو بالآيدولوجيا أو بأي مفهوم نخبوي آخر.. مع إن هذه المرتكزات وغيرها هي قوى (ثقافة) خلاقة مشتركة تنتج المجتمع الذي نحن عليه وتحدد الهوية التي نكون عليها.
وبما إن (الثقافة) تقترن بمنظومة من التحديات في جميع الأزمنة، فإنها دائمة الارتباط بالمعنى
الخلاق للتغيير، وبدون ذلك لا تغدو الثقافة روحاً ورمزاً مستمراً لعقل المجتمع الذي ينتجها..
من هنا فان تحديات الظاهرة المسرحية لم تكن متبدية في التقدم المتسارع في ثقافة الآخر فحسب،
وإنما فضلاً عن ذلك, في القصور عن معرفة الذات أصلا، وهذه عملية تقتضي التحرر من عقدة
الآخر، ومن نظرته المركزية أيضاً.. فهل يأتي على عقل أي منا أن نبرئ ثقافة ما من تمركز الذات.. أليست الثقافة داخل المجتمع الصغير عبارة عن مجموعة من التحيزات المتمركزة ثقافياً يقوم بتوطينها أفراد وجماعات وولاءات متباينة..؟
من أجل ذلك, لا مناص أن يكون الذهاب الى ثقافة الآخر محصناً بالتمركز، وإذا ما اقتضت
الثقافة وخاصة أدواتها المتحكمة في النظر الى المستقبل، قطيعة مع ما هو مهيمن كنسق مستبد
بالعقل، فلا بأس من ذلك, بصرف النظر عن مقدساته وحصاناته, وهنا ينبغي أن نتفهم العديد من
إشكاليات الظاهرة المسرحية، سواء تمركزت في ذاتيتها وهمومها وبيئاتها المحلية، أو في
محاذيرها من الآخر، أو في توجساتها أو أحلامها إزاء أفكار التفاعل مع ذلك الآخر..
وهنا يمكن الإشارة الى مثال يتحرك بقوة مؤثرة في معرفتنا وثقافتنا المسرحية الراهنة،
وهو النص المسرحي الشكسبيري الذي يكتنز (ثقافة) شمولية, تمتد من (ثقافة) بأسرار
الذات الإنسانية وخفاياها, الى (ثقافة) بحقائق التأريخ وثوابته, وما بين هذين الحدين المعرفيين
يتجلى الخطاب الدرامي حاملاً قيمه الجمالية المؤثرة, فإعادة إنتاج التأريخ درامياً على وفق
معطيات أسئلة الحاضر وإشكالاته المتجددة يعد مصدراً لإنتاج رؤى درامية مؤثرة تمتلك تأثيرها
الوجداني والمعرفي في المتلقي, لما تحمله من صدقية في التفاعل.
وفي الممارسة المسرحية العربية, تتجلى تلك الـ(ثقافة) في مفهومها الفلسفي والتاريخي
والسياسي بنسق ثقافي متقدم في نصوص الشيخ الدكتور (سلطان بن محمد القاسمي),
حيث يتجلى الخطاب الدرامي المعاصر محتفياً بتلك المعرفة التاريخية والمعرفة الأنثروبولوجية,
حيث تتداخل قيم الماضي بقيم الحاضر كضرورة حتمية من أجل الحفاظ على وحدة الهوية الثقافية
العربية, مع تكريس مبدأ التنوع داخل إطار الوحدة, وهو بذلك يقدم إجابات عميقة لأسئلة فلسفية
وتأريخية أساسية عبر النص المسرحي في علاقته بالراهن من إشكاليات المجتمع, مثل:
لماذا نقرأ التأريخ..؟
كيف نقرأ التأريخ..؟
متى نقرأ التأريخ..؟
وهو بذلك يكسر النمط التقليدي للتعاطي مع حقائق التأريخ وما يراد من هذه الحقائق بمعرفة عملية
عند إعادة إنتاجها ضمن منظومة الخطاب المسرحي, ليتداخل بذلك مع مفهوم المثقف العضوي
الذي تبناه (غرامشي) كأساس لرسالة المثقف والثقافة..
فحين بدأ رواد المسرح يشعرون في مرحلة من مراحل المسرح الحديث, بأنه المسرح أصبح
تقليدياً ومحدوداً وغير فاعل وغير مؤثر في التعبير عن حاجات الإنسان, ومشكلاته وهمومه
وقضاياه وطموحاته وتطلعاته التي تمثل إستجابة طبيعية لمتغيرات العصر وعجلته المتسارعة,
وهي دعوة لكتاب المسرح لدفع عجلة البحث عن شكل فني وجمالي في نص قادر على استيعاب
هذه المتغيرات والتحولات المتسارعة, لتتفاعل مع طبيعة المرحلة الجديدة وثقافة العصر وتحولاته
وحاجة الإنسان الذي بدأ يبحث عن صيغ وأساليب متجددة قادرة على التفاعل مع قضاياه وتلبي
الحد الأدنى من متطلبات حياته اليومية في زمن متسارع جديد.
وتعاطى كتاب المسرح العرب مع هذه الأشكال الجديدة, التي بدأت تحفر في أرض مسرحنا
العربي, لاسيما وإنها كانت أرضية خصبة لنمو مثل هذه الحقول الجديدة بحكم المتغيرات الثقافية
والسياسية والاجتماعية المتسارعة.
وكانت ثمة مفهومات جوهرية تؤسس عملية كتابة النص المسرحي, تبناها ودعا إليها
الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي, ونجدها ماثلة في مجمل نصوص الثلاثية التاريخية
المسرحية, وهي نصوص: (عودة هولاكو/ القضية/ الواقع صورة طبق الأصل), وكانت واحدة
من هذه المفهومات إنها تتمثل في سعيه لصياغة خطاب آيديولوجي محمولاً على متن الإطار
الجمالي والفني الذي يتفرد به خطاب النص المسرحي عن غيره من مجمل خطابات الآداب
والفنون, وهذا قد يكون المحفز الأول لإنتاج نصوصه المسرحية وهو يمنح عملية الكتابة الدرامية
تنويعاً في التعامل مع الحدث المسرحي من جهة, ومع الفضاء الذي يقع فيه هذا الحدث من جهة
أخرى, فالشيخ القاسمي بصياغته نص مسرحي يحمل خطاباً فلسفياً, موظفاً لأجل ذلك ضوابط
واشتراطات الخطاب الجمالي في كتابة النص المسرحي, يكون قد حقق بعداً تجديدياً وتجريبياً,
فضلاً عن ذلك فأنه قد صاغ خطابه الدرامي الجديد في مجمل نصوصه المسرحية بأسلوب يغري
المتلقي بالتواصل, وبذلك يكون قد خلق قاعدة التفاعل بين طرفي العملية الإبداعية (المرسل
والمتلقي).
ولعل الفلسفة في خلق هذا التفاعل بين الكاتب والمتلقي, تقوم على أساس تحويل الفعل التأريخي
المألوف والمعروف الى فعل حاضر, حيث يقيم مجمل بنى نصوصه المسرحية على أساس قراءة
التأريخ, وإن عملية إعادة الأحداث المسرحية الى رحاب التأريخ وسيلة من وسائل تحقيق الرسالة
التي يسعى الى أن يوصلها الى المتلقي, فهو يرمي في مجمل نصوصه الى تغيير حاسم للظرف
الراهن من خلال تعرية التركيبة الاجتماعية والسياسية المختلفة لعصر ماضٍ من أوجه الإختلاف
بينه وبين عصور أخرى, حتى ليبدو إنه مشابه بشكل أو بآخر لعصرنا الراهن, وبذلك يجعلنا ننظر
إليه الى إنه زائل أيضا وإنه في المستقبل القريب سيصبح تأريخا, أي إنه لا يهدف الى إعادة تقديم إحداث وقعت في التأريخ, حتى وإن كانت الشخصيات والوقائع متشابهة, فهي تستخدم من أجل بناء موقف نقدي لدى المتلقي إزاء ما يحدث في راهنه.
من هنا فإن فلسفة الصراع الذي يعد المفصل الأساس في النص المسرحي, تنبع في مجمل
نصوصه من أعماق الذات الإنسانية في تطلعها الروحي وفي صراعها من أجل تحقيق وجودها
وغاياتها, ليتبلور ذلك الصراع في بؤرة عميقة ومتسعة الأبعاد, لتشكل ثيمة البحث عن الذات,
حيث يتشكل الصراع عادة, من خلال أطراف متعددة, رمز إليها من خلال مستويات أبعاد متعددة,
وهي أبعاد شخصيات متباينة, شخصيات ملوك وقادة ووجهاء ورجال حاشية وجنود وخدم ونساء, ليعكس هذا الصراع ذلك البعد الآخر الذي يهدف إليه, وهو صراع الماضي والحاضر, والحاضر والمستقبل, والذات والموضوع, والداخل والخارج, وبالنتيجة فهو الصراع الأزلي بين قوى الخير وبين قوى الشر, كما إن الصراع في مستواه الآخر, وهو الخارجي, وحركة الشخصيات الأخرى هو مظهر من مظاهر وعي هذه الشخصيات وصورة لما يحدث من صراع في أعماقها.
وتكشف مجمل نصوص الشيخ الدكتور القاسمي عن إدراك لمشكلات العصر الكبرى وحقائق
التأريخ بشكل عميق, لذا كانت قراءته للتأريخ أبعد من مستوى اليومي المباشر والعادي, لتظل
جمرة التاريخ متوقدة لتشعل جذوة الصراع الدرامي في النص المسرحي.
إن (الكيفية) التي قرأ فيها الشيخ القاسمي التأريخ, تجابه الواقع الراهن ومشاكله,
وتبحث في فلسفة التأريخ وتستقريء الحلول, فقراءة التأريخ عند الشيخ الدكتور القاسمي
وإعادة إنتاجه في نص درامي جاء كضرورة (ثقافية), ونتاج تفاعل عميق ومتوقد يجيب عن
الأسئلة الفلسفية: لماذا وكيف ومتى نقرأ التاريخ ..
ونجسّده، لنشكل به المجتمع الذي نعيش فيه.. فإنها حتماً تحفل بما نحن فيه من تنوع واختلاف
وتغير وثبات، وليست (الكيفية) بذلك الا قوانا المشتركة والمهيمنة والخلاقة في إنتاج أنماط التباين والاختلاف.. ومثل هذا التأطير النسبي لمفهوم الثقافة في حقل المسرح، بمنأى عن أية نخبة ومع كل نخبة، وبمنأى عن أي حقل أو نوع أو جنس أو مادة ومعها جميعاً.. ويقر هذا التحديد بالتنوع إقراراً لا يقبل اللبس، أي إننا حين نذهب الى القضايا الثقافية ومستقبلها، لابد أن نذهب غير مدججين بالتراث وحده، أو بالتأريخ وحده، أو بالسلطة وحدها، أو بالآيدولوجيا أو بأي مفهوم نخبوي آخر.. مع إن هذه المرتكزات وغيرها هي قوى (ثقافة) خلاقة مشتركة تنتج المجتمع الذي نحن عليه وتحدد الهوية التي نكون عليها.
وبما إن (الثقافة) تقترن بمنظومة من التحديات في جميع الأزمنة، فإنها دائمة الارتباط بالمعنى
الخلاق للتغيير، وبدون ذلك لا تغدو الثقافة روحاً ورمزاً مستمراً لعقل المجتمع الذي ينتجها..
من هنا فان تحديات الظاهرة المسرحية لم تكن متبدية في التقدم المتسارع في ثقافة الآخر فحسب،
وإنما فضلاً عن ذلك, في القصور عن معرفة الذات أصلا، وهذه عملية تقتضي التحرر من عقدة
الآخر، ومن نظرته المركزية أيضاً.. فهل يأتي على عقل أي منا أن نبرئ ثقافة ما من تمركز الذات.. أليست الثقافة داخل المجتمع الصغير عبارة عن مجموعة من التحيزات المتمركزة ثقافياً يقوم بتوطينها أفراد وجماعات وولاءات متباينة..؟
من أجل ذلك, لا مناص أن يكون الذهاب الى ثقافة الآخر محصناً بالتمركز، وإذا ما اقتضت
الثقافة وخاصة أدواتها المتحكمة في النظر الى المستقبل، قطيعة مع ما هو مهيمن كنسق مستبد
بالعقل، فلا بأس من ذلك, بصرف النظر عن مقدساته وحصاناته, وهنا ينبغي أن نتفهم العديد من
إشكاليات الظاهرة المسرحية، سواء تمركزت في ذاتيتها وهمومها وبيئاتها المحلية، أو في
محاذيرها من الآخر، أو في توجساتها أو أحلامها إزاء أفكار التفاعل مع ذلك الآخر..
وهنا يمكن الإشارة الى مثال يتحرك بقوة مؤثرة في معرفتنا وثقافتنا المسرحية الراهنة،
وهو النص المسرحي الشكسبيري الذي يكتنز (ثقافة) شمولية, تمتد من (ثقافة) بأسرار
الذات الإنسانية وخفاياها, الى (ثقافة) بحقائق التأريخ وثوابته, وما بين هذين الحدين المعرفيين
يتجلى الخطاب الدرامي حاملاً قيمه الجمالية المؤثرة, فإعادة إنتاج التأريخ درامياً على وفق
معطيات أسئلة الحاضر وإشكالاته المتجددة يعد مصدراً لإنتاج رؤى درامية مؤثرة تمتلك تأثيرها
الوجداني والمعرفي في المتلقي, لما تحمله من صدقية في التفاعل.
وفي الممارسة المسرحية العربية, تتجلى تلك الـ(ثقافة) في مفهومها الفلسفي والتاريخي
والسياسي بنسق ثقافي متقدم في نصوص الشيخ الدكتور (سلطان بن محمد القاسمي),
حيث يتجلى الخطاب الدرامي المعاصر محتفياً بتلك المعرفة التاريخية والمعرفة الأنثروبولوجية,
حيث تتداخل قيم الماضي بقيم الحاضر كضرورة حتمية من أجل الحفاظ على وحدة الهوية الثقافية
العربية, مع تكريس مبدأ التنوع داخل إطار الوحدة, وهو بذلك يقدم إجابات عميقة لأسئلة فلسفية
وتأريخية أساسية عبر النص المسرحي في علاقته بالراهن من إشكاليات المجتمع, مثل:
لماذا نقرأ التأريخ..؟
كيف نقرأ التأريخ..؟
متى نقرأ التأريخ..؟
وهو بذلك يكسر النمط التقليدي للتعاطي مع حقائق التأريخ وما يراد من هذه الحقائق بمعرفة عملية
عند إعادة إنتاجها ضمن منظومة الخطاب المسرحي, ليتداخل بذلك مع مفهوم المثقف العضوي
الذي تبناه (غرامشي) كأساس لرسالة المثقف والثقافة..
فحين بدأ رواد المسرح يشعرون في مرحلة من مراحل المسرح الحديث, بأنه المسرح أصبح
تقليدياً ومحدوداً وغير فاعل وغير مؤثر في التعبير عن حاجات الإنسان, ومشكلاته وهمومه
وقضاياه وطموحاته وتطلعاته التي تمثل إستجابة طبيعية لمتغيرات العصر وعجلته المتسارعة,
وهي دعوة لكتاب المسرح لدفع عجلة البحث عن شكل فني وجمالي في نص قادر على استيعاب
هذه المتغيرات والتحولات المتسارعة, لتتفاعل مع طبيعة المرحلة الجديدة وثقافة العصر وتحولاته
وحاجة الإنسان الذي بدأ يبحث عن صيغ وأساليب متجددة قادرة على التفاعل مع قضاياه وتلبي
الحد الأدنى من متطلبات حياته اليومية في زمن متسارع جديد.
وتعاطى كتاب المسرح العرب مع هذه الأشكال الجديدة, التي بدأت تحفر في أرض مسرحنا
العربي, لاسيما وإنها كانت أرضية خصبة لنمو مثل هذه الحقول الجديدة بحكم المتغيرات الثقافية
والسياسية والاجتماعية المتسارعة.
وكانت ثمة مفهومات جوهرية تؤسس عملية كتابة النص المسرحي, تبناها ودعا إليها
الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي, ونجدها ماثلة في مجمل نصوص الثلاثية التاريخية
المسرحية, وهي نصوص: (عودة هولاكو/ القضية/ الواقع صورة طبق الأصل), وكانت واحدة
من هذه المفهومات إنها تتمثل في سعيه لصياغة خطاب آيديولوجي محمولاً على متن الإطار
الجمالي والفني الذي يتفرد به خطاب النص المسرحي عن غيره من مجمل خطابات الآداب
والفنون, وهذا قد يكون المحفز الأول لإنتاج نصوصه المسرحية وهو يمنح عملية الكتابة الدرامية
تنويعاً في التعامل مع الحدث المسرحي من جهة, ومع الفضاء الذي يقع فيه هذا الحدث من جهة
أخرى, فالشيخ القاسمي بصياغته نص مسرحي يحمل خطاباً فلسفياً, موظفاً لأجل ذلك ضوابط
واشتراطات الخطاب الجمالي في كتابة النص المسرحي, يكون قد حقق بعداً تجديدياً وتجريبياً,
فضلاً عن ذلك فأنه قد صاغ خطابه الدرامي الجديد في مجمل نصوصه المسرحية بأسلوب يغري
المتلقي بالتواصل, وبذلك يكون قد خلق قاعدة التفاعل بين طرفي العملية الإبداعية (المرسل
والمتلقي).
ولعل الفلسفة في خلق هذا التفاعل بين الكاتب والمتلقي, تقوم على أساس تحويل الفعل التأريخي
المألوف والمعروف الى فعل حاضر, حيث يقيم مجمل بنى نصوصه المسرحية على أساس قراءة
التأريخ, وإن عملية إعادة الأحداث المسرحية الى رحاب التأريخ وسيلة من وسائل تحقيق الرسالة
التي يسعى الى أن يوصلها الى المتلقي, فهو يرمي في مجمل نصوصه الى تغيير حاسم للظرف
الراهن من خلال تعرية التركيبة الاجتماعية والسياسية المختلفة لعصر ماضٍ من أوجه الإختلاف
بينه وبين عصور أخرى, حتى ليبدو إنه مشابه بشكل أو بآخر لعصرنا الراهن, وبذلك يجعلنا ننظر
إليه الى إنه زائل أيضا وإنه في المستقبل القريب سيصبح تأريخا, أي إنه لا يهدف الى إعادة تقديم إحداث وقعت في التأريخ, حتى وإن كانت الشخصيات والوقائع متشابهة, فهي تستخدم من أجل بناء موقف نقدي لدى المتلقي إزاء ما يحدث في راهنه.
من هنا فإن فلسفة الصراع الذي يعد المفصل الأساس في النص المسرحي, تنبع في مجمل
نصوصه من أعماق الذات الإنسانية في تطلعها الروحي وفي صراعها من أجل تحقيق وجودها
وغاياتها, ليتبلور ذلك الصراع في بؤرة عميقة ومتسعة الأبعاد, لتشكل ثيمة البحث عن الذات,
حيث يتشكل الصراع عادة, من خلال أطراف متعددة, رمز إليها من خلال مستويات أبعاد متعددة,
وهي أبعاد شخصيات متباينة, شخصيات ملوك وقادة ووجهاء ورجال حاشية وجنود وخدم ونساء, ليعكس هذا الصراع ذلك البعد الآخر الذي يهدف إليه, وهو صراع الماضي والحاضر, والحاضر والمستقبل, والذات والموضوع, والداخل والخارج, وبالنتيجة فهو الصراع الأزلي بين قوى الخير وبين قوى الشر, كما إن الصراع في مستواه الآخر, وهو الخارجي, وحركة الشخصيات الأخرى هو مظهر من مظاهر وعي هذه الشخصيات وصورة لما يحدث من صراع في أعماقها.
وتكشف مجمل نصوص الشيخ الدكتور القاسمي عن إدراك لمشكلات العصر الكبرى وحقائق
التأريخ بشكل عميق, لذا كانت قراءته للتأريخ أبعد من مستوى اليومي المباشر والعادي, لتظل
جمرة التاريخ متوقدة لتشعل جذوة الصراع الدرامي في النص المسرحي.
إن (الكيفية) التي قرأ فيها الشيخ القاسمي التأريخ, تجابه الواقع الراهن ومشاكله,
وتبحث في فلسفة التأريخ وتستقريء الحلول, فقراءة التأريخ عند الشيخ الدكتور القاسمي
وإعادة إنتاجه في نص درامي جاء كضرورة (ثقافية), ونتاج تفاعل عميق ومتوقد يجيب عن
الأسئلة الفلسفية: لماذا وكيف ومتى نقرأ التاريخ ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق