26 سنة من التجريب المسرحي في مهرجان منتهي الصلاحية!
مجلة الفنون المسرحية
26 سنة من التجريب المسرحي في مهرجان منتهي الصلاحية!
كمال القاضي - القدس العربي
إبان دخول المسرح التجريبي ضمن مكونات الثقافة المصرية قبل 26 عاماً على يد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، قوبلت التجربة بالرفض الجماهيري القاطع، ولم يدافع عنها سوى قلة قليلة من المثقفين المنتفعين والعاملين في وزارة الثقافة، ولكن بإصرار الوزير آن ذاك على فرض فكرته الحداثية الغرائبية، استمر المهرجان ولم يبال القائمون على تنظيمه بأصوات المعترضين والمحتجين، وأنفقت ملايين الجنيهات لتدشينة وتثبيته، وتعاقبت دوراته بين الفشل ومحاولات الإقناع المستميتة بجدواه وأهميته كلون إبداعي مختلف.
وبمرور الوقت صار المهرجان موضوعاً على الخريطة كواحد من أهم المهرجانات المسرحية الدولية، ومحمياً من النقد والهجوم، لأن راعيه هو وزير الثقافة شخصياً، وظل الأمر هكذا حتى رحيل الوزير الفنان بعد هبوب رياح 25 يناير/كانون الثاني التي عصفت بالحركة الثقافية المصرية، وأسفرت عن توقف المهرجان لأكثر من دورة ليعود بعدها بعنوان إضافي للإيهام بالجديد والمغاير، حيث أصبح اسمه «مهرجان المسرح التجريبي المعاصر» وبغض النظر عن الحكمة من كلمة المعاصر، وهي كلمة لا محل لها من الإعراب في هذا السياق، لأن المهرجان بطبيعته معاصر وليس كلاسيكياً، المهم أن الفعاليات عادت مجدداً ليُلقي المهرجان المزعوم بظلاله الفنية على المشهد العام فيعطي إيحاءً بحيوية الحالة الثقافية للاستفادة من ذلك على مستويات سياحية واجتماعية وتأكيد معنى الاستقرار كوضع راهن لا شك فيه.
هذه هي الأهداف والخلفيات المتعلقة بالمهرجان المسرحي التجريبي، كحدث تُكرس كل الطاقات والإمكانيات لإنقاذه من الفشل، أما المحتوى ذاته فهو ما تنبؤنا به السطور التالية، ولنبدأ من اختيار الولايات المتحدة الأمريكية كضيف شرف، وهو تقليد غير مسبوق في المهرجانات المسرحية التي تُقام على أرض مصر، لأسباب تتعلق بمحدودية الإسهام الأمريكي في مجال المسرح، وعدم تناغم ما يُطرح من أفكار مع القضايا المصرية المجتمعية، فضلاً عن مضامين ودلالات المسرح الأمريكي، التي لا تروق كثيراً للجمهور العربي في أغلب الأحيان، ناهيك عن المزاج العام للشارع المصري الرافض لفكرة المماحكة في الثقافة الأمريكية.
وما يثير الدهشة في الدورة 26 للمهرجان التجريبي، أن جميع الدول المشاركة في الماراثون لديها وفرة في العروض، فهناك 22 عرضاً بينهم 10 عروض أجنبية، في الوقت الذي تشارك فيه مصر، وهي الدولة المضيفة بعرضين مسرحيين فقط هما، «بهية وديستوبيا» وهما الوحيدان الصالحان للتمثيل الدولي، بما يعني التهافت غير اللائق في الإنتاج المسرحي ونوعيته وهو وفق العملية القياسية الإبداعية يعد عجزاً يستوجب المحاسبة، لأنه ينم عن كسل مزمن في الحركة المسرحية المصرية التي تتعدد هيئاتها وتتشعب مؤسساتها ومسارحها، ويقف مخرجوها ومؤلفوها ومبدعوها في الطوابير، عاطلين في انتظار الفرصة المناسبة للتعبير عن مواهبهم وقدراتهم وتجاربهم.
ما يثير الدهشة في الدورة 26 للمهرجان التجريبي، أن جميع الدول المشاركة في الماراثون لديها وفرة في العروض، فهناك 22 عرضاً بينهم 10 عروض أجنبية، في الوقت الذي تشارك فيه مصر، وهي الدولة المضيفة بعرضين مسرحيين فقط
ولإبراز الفروق الجوهرية في عملية النشاط، وليس من قبيل المقارنة، يتعين علينا هنا أن نذكر حجم الإسهام المسرحي لبعض الدول ومنها الهند، التي تقدمت بثمانية عروض متميزة، وتونس التي تقدمت بخمسة عشر عرضاً للمفاضلة والاختيار في ما بينها، وكذلك اليونان والبرازيل التي بلغت مسرحياتهما المرشحة للمسابقة سبع مسرحيات من كل دولة، هذا بخلاف بعض الدول الافريقية المساهمة بأربعة عروض متنوعة في الرؤى والمستوى، ومتفوقة في التقنيات والديكورات، وتتمتع بنضوج ملحوظ على المستوى الضمني والفكري والمحتوى.
ومن المساهمات العربية المشتركة يأتي العرض المسرحي الموسيقي «انتحار مُعلن» للمخرج مازن الغرباوي، وهو يقدم رؤية سياسية اجتماعية لقضايا عربية ذات أبعاد مختلفة تتشابه في تفاصيلها ومعطياتها وأزمنتها، ويتم التعبير عنها في قوالب موسيقية بعيداً عن أساليب الطرح التقليدية في المسرح العربي، ويدخل هذا العرض في منافسة قوية مع العرض الأمريكي الموسيقي «الحبيبان» للكاتب أرموند روستاند، وهو محاولة لتقديم لوحات فنية رومانسية من خلال وصلات موسيقية درامية تلعب على احتياجات الإنسان الرومانسية والعاطفية في مواجهة الضغوط النفسية والعصبية، للحيلولة دون الإصابة بالأمراض العصرية والتمتع بالتوازن الطبيعي بعيداً عن التوتر.
ويحتل العرض المسرحي الأمريكي الآخر «اكتشاف غموض غرفتك» للمخرج دان سيفر حيزاً من الاهتمام ربما لطبيعة الفكرة الإنسانية الغامضة التي تدور حولها الأحداث، وكذلك تقدم بقية العروض بمختلف جنسياتها أفكاراً وأطروحات تقترب من تناقضات الواقع العربي والعالمي، في محاولة لفك شيفرة الأزمات المحيطة بالإنسانية ككل، ومنها العرض البرازيلي «دار الأحلام» للمخرج هنريك سيتشن و«البخيل» و«الساعة الرابعة» و«جزء من الفاشية» و«تكلم حتى أراك» و«النظام»، وكلها تناقش أزمة الإنسان والبشرية في ضوء المستجد والطارئ من المشكلات المؤرقة التي تهدد المنظومة الكونية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق