أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 9 ديسمبر 2019

الأنماط الكوميدية / د. علي خليفة

مجلة الفنون المسرحية 
الأنماط الكوميدية  / د. علي خليفة

الشخصية النمطية هي شخصية محددة المعالم ثابتة الصفات، 
ولا تتغير صفاتها طوال العمل الأدبي والفني، فهي لا تتأثر بالحوادث 
ولا تؤثر الحوادث فيها، وتطالعنا بصفاتها الثابتة هذه من أول العمل الأدبي أو الفني، وهي بخلاف الشخصية النامية التي تتطور بتطور العمل الأدبي –  أو الفني – ونموه وتصاعده، ولا تكتمل صورتها في أذهاننا إلا مع نهاية العمل الأدبي أو الفني. وقلما تكون الشخصية النامية في نهاية العمل الأدبي أو الفني بالصورة التي رأيناها عليها مع بداية تأملنا لها 
في بداية العمل الأدبي أو الفني، فقد خاضت تجارب ومواقف جعلتها تدرك حقائق بعض الأمور، كما نرى في شخصية هاملت وشخصية لير وشخصية ماكبث.
وهذه الشخصيات النامية نراها في تراجيديات شكسبير وسوفوكليس، وكثير من مسرحيات إبسن واسترندبرج وأونيل وميلر وغيرهم من كبار كتاب المسرح. ولكن – مع ثورة التجريب في الأجناس الأدبية وتداخلها في الوقت الحاضر – لم يعد بعض المبدعين يهتمون بمسألة نمو الشخصية، أو أن تكون لها ملامح محددة، خاصة كتاب العبث كبيكيت ويونسكو.
وقد رأيت أن كتّاب الكوميديا –  في كل عصور المسرح، وعند كل الأمم – لا يستغنون عن الأنماط الكوميدية، فهي بصفاتها المرحة تساعدهم في بث أجواء الكوميديا في مسرحياتهم، وها نحن أولاء 
نرى عملاق الكوميديا أرسطوفان يستعين بالأنماط الكوميدية 
في مسرحياته فالعبيد والخدم فيها غالًبا ما يكونون ظرفاء، لا سيما بتعليقاتهم على أفعال سادتهم، كما نرى في مسرحية الضفادع ومسرحية "السلام"، وجسد أرسطوفان الفاقة في هيئة عجوز قميئة حادة اللسان في مسرحية "المال"، وصور إله الحرب الوثني في صورة طاغية يتشهى الخراب في مسرحية "السلام"، وهكذا نرى أرسطوفان عميد الكوميديا في المسرح العالمي يلجأ للأنماط في مسرحياته؛ ليبث فيها جرعات كبيرة من الفكاهة.
وأظن أن بلوتوس الروماني اهتم بالأنماط الكوميدية أكثر من اهتمام أرسطوفان بها، بل هو – في ظني – أستاذ موليير في توظيف الأنماط الكوميدية، وتأثر موليير في رسمه لشخصية البخيل أرباجون في مسرحية "البخيل" بتصوير بلاوتوس للبخيل يوكيو في مسرحية "كنز البخيل".
وبن جونسون أيضًا لجأ للأنماط في بعض مسرحياته الكوميدية، كمسرحية "سوق بارثليميو"، ولم يتخل شكسبير عن الأنماط الكوميدية في بعض كوميدياته كشخصية شيلوك البخيل المرابي الحقود في مسرحية "تاجر البندقية".
وصور كورني في بعض كوميدياته أنماطًا كشخصية العاشق الكذاب في مسرحية "الكذاب"، وإن كنت أراه لم يوفق كثيرًا في رسم النمط الكوميدي بخلاف معاصره موليير الذي يعد – بحق  –  خير من رسم الأنماط الكوميدية في مسرحياته، وبعض هذه الأنماط طورها من نماذج معروفة في الكوميديا ديلارتي، وبعضها أخذها من تأمله في مجتمعه، وبخاصة خلال الفترة الطويلة التي تجول فيها بفرقته الجوالة في قرى فرنسا قبل أن يستقر بباريس.
وقد رسم موليير الأنماط الكوميدية ببراعة كالبخيل المرابي في مسرحية "البخيل" ومدعي الطب سجاناريل في مسرحية "الطبيب رغم أنفه"، ومدعيات العلم في مسرحية "النساء العالمات"، والمتحذلقات في مسرحية "المتحذلقات"، والشخص الموهوم بالمرض في مسرحية "مريض الوهم"، وغير ذلك من الأنماط الكوميدية في مسرحياته.
وكتاب الكوميديا الذين جاءوا بعد موليير لم يستغنوا عن هذه الأنماط الكوميدية في مسرحياتهم، فكارلو جولدوني صور لنا الماركيز المفلس المدعي في مسرحية "صاحبة اللوكاندة"، وفي المسرحية نفسها صور لنا صاحبة اللوكاندة ماردولينا امرأة واسعة الحيلة تهوى إيقاع الرجال في حبها، ثم تركهم يتألمون بعد ذلك، وفي المسرحية نفسها أرانا شخصية الفارس الكاره للنساء، وتستدرجه ماردولينا لحبها، فيقع في شباكها، وأيضا نرى في مسرحيته "البيت الجديد" لجولدوني نمط الخادمة الثرثارة فاضحة الأسرار، وغير ذلك من الأنماط الكوميدية التي عرضها في مسرحياته.
وبو مارشيه لجأ للأنماط الكوميدية في مسرحياته، كمسرحية "حلاق إشبيلية"، ومسرحية "زواج فيجارو"، وكذلك لجأ لها ماريفو في مسرحياته الكوميدية كمسرحيته "لعبة الحب والمصادفة".
وبرناردشو نرى في بعض مسرحياته الكوميدية أنماطًا كوميدية، كالفتاة الثرثارة الظريفة دوللي في مسرحية "عائلة من مادييرا"، وفي المسرحية نفسها نرى طبيب الأسنان العاشق الظريف – وأظن أن توفيق الحكيم تأثر به في رسمه لشخصية نجيب في مسرحية "رصاصة في القلب" – وكذلك رسم شو شخصية جندي ساذج – يكلفه نابليون بإحضار رسائل له – كنمط في مسرحية "نابليون بونابرت".
وفي المسرح العربي نرى في كثير من المسرحيات الكوميدية وجود الأنماط بها، ففي مسرحية "العش الهادئ" للحكيم أرانا عدة أنماط كوميدية، كالمنتج الذي لا علاقة له بالسينما، ويدخلها من باب الرغبة في الربح أو لعشقه ممثلة معينة، وهناك أنماط أخرى كوميدية بالمسرحية، وألفريد فرج استعان بالأنماط الكوميدية في مسرحياته، كشخصية علي جناح التبريزي الشاب المسرف الذي يستهويه عالم الخيال، ويكذب ليتسنى له العيش في ذلك العالم، وذلك في مسرحية "علي جناح التبريزي وتابعه قفة"، وفي مسرحية "حلاق بغداد" صور لنا حلاقًا ثرثارًا فضوليًّا هو أبو الفضول.
وحتى كتاب العبث لم يتخل بعضهم عن الأنماط الكوميدية في بعض مسرحياتهم، فها هو ذا يونسكو يصور لنا جارة فضولية ثرثارة في مسرحية "الساكن الجديد".

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption