عرض سرحية حقيبة سفر SUITCASE في إمباكت IMPACT 19
مجلة الفنون المسرحية
عرض مسرحية حقيبة سفر SUITCASE في إمباكت IMPACT 19
أيلول \ سبتمبر- 25 \ 2019
كتشنر، اونتاريو ، كندا
تأليف: احمد ميرعي
إخراج: مجدي بو مطر
د. عبد الفتاح مرتضى البصري :
حينما يكون البيت الذي تعيش فيه محفوفا بالخطر من كل الجهات " او من لا جهة محددة" ، وليس لديك لحظة واحدة لتؤجل التفكير في مكان آمن آخر، فالرحيل الى الغربة هو القرار الاخير.. لكن اذا ترددت، فمن يدري ماذا يمكن ان يحصل ؟!!!..
كأنك تعيش في الغاب وقانونها الذي لا يرحم... البقاء للأقوى.. وانت تقف عاريا لوحدك وعليك ان تقرر: البقاء ام النزوح؟!! وحتى في القرار الذي ستتخذه، مصيرك مجهول بين الحياة والموت.. فألأمر ليس بيدك الآن، انه بيد * ألأقوى* ..
زوجان شابان في مقدمة حياتهما الزوجية واذا بالحرب تندلع فيقررا الهجرة ( النزوح) عن الوطن – ألأم الى بلاد الغربة، وكان آخر مرحلة لهما هو الوداع العائلي .. وكل مايتذكرانه هو صوت قوي مرعب..بعدها خيَّم صمت عميق .. ينهضان باحثين المكان الذي هما فيه وإحساس غريب بهذا الصمت والهدوء وتساؤلاتهما عن سبب كل هذا الصمت وماذا حصل وهل هما من الاحياء ام الاموات؟؟
فلا المكان يشبه بيت العائلة ولا مخيمات النازحين ولا اي مكان آخر، انهما عالقان في فضاء محدود وتحت الكثير من الضغط والترقب..!!
ثم بدأت مرحلة النبش في الذاكرة لأحداث مضت مع عائلتيهما( اشقاء وشقيقات وألأقارب والأصدقاء) وصولا للوضع السياسي ، الذي فـجَّر بركان ألأسرار فيما بينهما وكاد ان يوصلهما لمفترق طرق لكنهما عندما عادا لمتابعة ماجرى لهما حين زيارتهما للأهل قبل الرحيل ، توقفا برهة وهما مندهشين.
وعند محاولة الإستذكار لما جرى وهل نسيا شيئا لم يحضراه معهما فيكون سيلاً من البساطة في التفكير والعفوية التي اصطبغت بهما حياتيهما كأي فردين من المجتمع وقع عليه(م) ضغوطات سلطوية كبيرة لا قدرة لهم بتحملها او حتى هضمها. وعندما يستذكر ( سامر ) – اسم الرجل – حادثة القاء القبض عليه من قبل رجال الأمن ( الشرطة السرية) كعنصر ( معادٍ للنظام) واثناء التعذيب ساوموه بتسليمهم قائمة بأسماء المجموعة السرية التي تعمل ضد النظام اذا اراد إطلاق سراحه، ولأنه لم يكن مرتبطا بجهة سياسية معينة ولا يهتم لمثل هذه الامور فقرر ان يسلمهم قائمة باسماء اصدقائه ظنا منه انهم سيخلون سبيلهم لعدم وجود اي علاقة بينهم وبين المعارضين للنظام، وفعلا سلمهم قائمة باسماء العدد المطلوب واطلق سراحه.. هنا سألته حبيبته: اذكر لي اسماؤهم . فذكر ست اسماء من اصل سبعة ولما سألته عن الاسم السابع ذكر لها اسم شقيقها!! وكانت الصدمة.. فهي مسيحية ولا علاقة لها بالحركات الاسلاموية، ثم ان هذا شقيقها فكيف إرتأى ان يفعل ذلك خصوصا وان شقيقها قد اعدم مع كل الاسماء التي في القائمة!!!
الصدمة التي حصلت كادت تودي بعلاقتهما لكن (رزان) وهذا اسمها تحدثت عما حصل معها وكيف ساومها ( ألإرهابيين) على شرفها إن ارادت الخلاص وكان ما كان ..انفجر سامر لهذه الواقعة وكيف لم تصرح له بها فردت عليه واخي الذي اعدم بسببك، انت اوصلته للإعدام بيديك بينما انا لم تكن لدي فرصة للنجاة، فوصلا الى نقطة محددة : دع الماضي مع ناسه ولنبحث عن مستقبلنا وزواجنا فذكرت ( رزان) كيف ان التقاليد في مجتمعهم لا يسمح بزواج المسلم من المسيحي وهذا ما عقّد موضوع زواجهما رغم كل العشق المتأجج في داخليهما، لذا عندما قررا الهجرة كان ايضا بسبب هذه التقاليد وللتخلص منها في بلاد الغربة.
وفي لحظة الرحيل يقلبان حقيبة السفر العائدة لهما فإذا هي فارغة وفيها فقط تاريخ ذكرياتهما ومدينتهم واهاليهم ، فقررا تركها والرحيل بدونها.
إعتمد ( احمد ميرعي) في كتابة النص على فكرة اساسية هي ليست الهجرة والاغتراب بل حب الوطن والتمسك به حتى آخر لحظة ، وان موضوعة اللجوء والنزوح كان مجبرا عليه بسبب الحرب والارهاب المتعدد (الجنسيات) الذي حاق بالوطن، رغم تركيزه على إرهاب السلطة سواء في سلطتها القمعية او في وحشيتها مع الشعب اثناء الحرب واستخدامها كل انواع الاسلحة الفتاكة ضد ابناء الشعب.
رغم ان ذروة الحدث الاساسي كان في المشاهد الاولى ( كنت اتأمل ان يكون في ألآخر) ذلك ان فكرة النص مبنية على هذه الذروة ، ولأهميتها كنت افضل ان تكشف في نهاية العرض كي يبقى الجمهور متشوقا اكثر لمعرفة ماذا حدث، ورغم ذلك فإن هذا التسلسل الحكائي للنص كان ناجحا ولم يضعف بنيته الدرامية.
مع المخرج مجدي بو مطر
لهكذا نص يحوي الفانتازيا كعامل اساس للسرد الدرامي الواقعي المليء بألأسرار والمفاجآت، إستخدم المخرج( بو مطر) ديكورا فانتازيا هو عبارة عن ستائر كبيرة تغطي الفضاء المسرحي كله وبلون الالومنيوم فهو لا مكانية المكان ولا زمانه، فهو اللازمن واللامكان في آن واحد. وكان للبقع الضوئية دور كبير حيث أثـْرَتْ مشاهد العرض في التركيز والتأكيد على الحدث اللحظوي وكان اكثرها "سخونة" حين يعترف "سامر" و"رزان" بما حصل معهما في مراكز الأمن.
مثل هكذا نصوص فهي بأمسّ الحاجة لإضاءة مركبة ومرنة وسريعة ألإنتقالات، وتستخدم (البقع) بتركيز شديد كون اللاعبين على الخشبة هما شخصيتان فقط ، والخشبة تحوي( إضافة للستائر ) كرسيين وظـِّـفا بشكل جيد وحقيبة سفر في اسفل يمين المسرح والمايكرفون في اسفل يسار المسرح" والذي استخدم اثناء اعتراف العشيقين بما حصل معهما في مراكز الامن" ، فإن توظيف الاضاءة جاء منسجما مع كل حدث يمر به احدى الشخصيتان بإنتقالات متناسقة والفعل الحاصل على الخشبة.
إستغل "بو مطر" اجزاء الخشبة بشكل فعّال ومثمر وديناميكية عالية ولم يهمل اي زاوية او موقع على الخشبة "رغم صغر مساحة الخشبة" حيث لو كان تقديمها على مسرح كبير فسيؤثر حتما في شكل الفضاء الواسع على المتلقي ، لكنه رغم ذاك قد نجح في تقديم عرض مسرحي متميز وفعّال .
اللاعبون
احمد ميرعي، المؤلف والممثل : اثبت قدراته الابداعية في اداء شخصية "سامر" واجاد فيها كثيرا حيث الاداء العفوي وعرض الحكايا بسلاسة وهذا يدل على امكانياته الفنية العالية
ندى ابو صالح، ادت شخصية " رزان" بكل إنفعالاتها وتحولاتها وتطورها وكأنها قد عاشت الاحداث في الواقع فعليا ، فقدمت شخصية "الفتاة رزان" بكل ما يعتمل في افكار وسلوك الفتاة الشرق اوسطية . وكان لأدائها المبدع دليل على قدراتها الفنية الابداعية والمتمكنة من ادواتها كممثلة ، وارى ان مزيدا من الخبرة والاستخدام الامثل لهذه القدرات سيجعلها في الصف الاول كممثلة
ختاما فإن العرض الذي قدمه " مجدي بو مطر " واللاعبان " احمد ميرعي و ندى ابو صالح" كان مؤثراً ومبدعا ساهم الجميع في ذلك
0 التعليقات:
إرسال تعليق