أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 27 فبراير 2020

الكاتب والمخرج المسرحي الفنان القدير فهد ردة الحارثي من السعودية لابدّ من الارتقاء بأي مشروع مسرحي

مجلة الفنون المسرحية

الكاتب والمخرج المسرحي الفنان القدير فهد ردة الحارثي من السعودية  لابدّ من الارتقاء بأي مشروع مسرحي

لخشبة تتطلّب لغة رفيعة المستوى ولابدّ من احترام شريك رسمي وهو المتلقّي

حواره : كنعان محيميد البني سوريا - و عباسية مدوني  - الـجزائـر



   دائما و ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي بالأردن في دورته الثانية عشرة (12) والمنظم من طرف الهيئة العربية للمسرح ، وتحت شعار " المسرح مشغل التجديد ومعمل الأسئلة " نجد أنفسنا أمام شخصيات مسرحية عربية فاعلة وذات عطاء مسرحي واعد ، وتحديدا كان جسر تواصلنا والمسرح السعودي – مسرح الطائف ، لإضاءة مسيرة فرقة مسرح الطائف ، حيث  تمّ التعرّف على المسرح السعودي من خلال مشاركة هذه الفرقة بمسرحية "حالة قلق " بمهرجان دمشق الدولي بعد عودته للحياة ،  وكانت المفاجأة أننا كنا أمام عرض رائع بكل مقومات العرض المسرحي ومباشرة نشأت العلاقة مع الفرقة المجتهدة والتي تركت بصمتها المميزة في المسرح السعودي .

   فكان لنا شرف لقاء الفنان  والكاتب والمخرج المسرحي "عرّاب" المسرح السعودي الصديق والأخ المبدع "فهد ردة الحارثي " الذي تحدّث عن سمات المسرح بالسعودية ، ومشواره الفني والكثير من القضايا على مستوى الساحة المسرحية الإبداعية العربية .

•      فما أهمّ  السمات التي تميز بها المسرح السعودي ومن خلاله التعريف بأهم المحطات بتجربتكم المسرحية إخراجا وكتابة ؟

فهد ردة الحارثي : بداية اسمحوا لي أن أعبر عن سعادتي بلقائي بكم  وبكافة الأخوة المسرحيين المشاركين بالمهرجان المسرح العربي بالتأكيد أن المهرجانات المسرحية لها الدور هام جدا في حالة التلاقي والتعارف والتشاكس  والبحث والتفكير والنقاش والحوار وبالتالي تنبع منها أشياء جديدة ، وسعادتي الأخرى تذهب للحياة المسرحية أيضا ،  ونحن من المهتمين بمجلة الحياة المسرحية التي تصدر عن وزارة الثقافة بالجمهورية العربية السورية ، المجلة التي تربيت عليها ونمّت ثقافتي منذ تلك الأيام ولا أزال أملك  أعدادا قديمة منها ، منذ أيام سعد الله ونوس وكنت أتابعها بشغف شديد ، مهتمّا بما تطرحه من مواضيع فكرية ومسرحية ساهمت في تكويني بموضوع الإخراج ، وعودة إلى  السؤال أجد أنه من الصعب أن يعرّف الإنسان بنفسه ، ولكن في مختصر التجربة خاصّتي ككاتب ومخرج تبنيت مشروعا مسرحيا بمشاركة مجموعة من المهتمين الشباب بالمسرح  في مدينة الطائف في السعودية بالوقت الذي لم يكن فيه مشاريع ، طبعا كان ثمّة عروض وحراك مسرحي ،ولكن من وجهة نظري أن تبني المشروع هو الحالة المثلى ، وأنّه على من يعمل ويسعى في المسرح أن يتوجّه نحو  المشروع .

ومشروعي ابتدأ  من ورشة عمل مسرحي مستدامة تنمي قدرات الشباب ومواهبهم ، وتسعى لإيجاد جيل مسرحي واعي فاهم ومتفهم بأدواته ومستوعب لمشروعه بالشكل الذي نستطيع أن نكون من خلاله سمة خاصة في المسرح السعودي ، وننطلق من هذه السمة لتنمو عبر تجارب متلاحقة و نصل لأفق أبعد من المحلية إلى العربية وأن نعرض في أربعين مدينة عربية وبما يتجاوز المئة وعشرين مهرجاناً مسرحياً ونحقق الكثير من الجوائز على مستوى الوطن العربي ، والتي تجاوزت الـ 73 جائـزة  ولا تزال الفرقة تعمل بنفس الطموح رغم تغير الاسم من "ورشة العمل المسرحي "إلى "فرقة مسرح الطائف" ، و طبعا الفرقة صارت لها أجنحة الورشة والمختبر والمعمل في داخل هذه الفرقة .

أمّا تجربتي الشخصية انطلقت أيضا من هذا المشروع ،ولم أبتعد عن المشروع كثيرا وانطلقت من  مشروع مسرح الحركة وحركة المسرح مع الأستاذ "أحمد الأحمري" كمخرج ورفيق درب طويل واستمرت لعدة أعمال ، ثم انطلقنا إلى حالة مقاربة بين لغة السرد بالقصة ولغة الفعل في المسرح ، مع التطبيق  عليها عبر مجموعة من الأعمال حتى وصلنا إلى نتيجة ،  ثم انطلقنا إلى مسرح اليوميات ، ثم إلى مسرح التواصل الاجتماعي ، وهكذا تبدو العملية أنها ليست خاضعة فقط لحالة العرض ،لحالة المهرجان ،لحالة البحث وإنّماهي حالة بحثية مستمرة نطرح فيها ومن خلالها  مشروعا نتناقش حوله وننطلق منه ، ومن خلاله  ننطلق لترسيخ قيم هذا المشروع وفي النهاية الوصول إلى نتائج .

•      طرح جميل للبدايات الرائعة ، لو تكرمتم  بالعودة إلى بدايات " فهد ردة الحارثي" كمخرج ماهي الرؤية التي انطلقت منها؟ و ماهي الرؤية المستقبلية عند " الحارثي" ككاتب مسرحي ليس على الصعيد المحلي بل على الصعيد العربي؟



فهد ردة الـحارثـي : الحقيقة مشواري لم يبتدئ بالإخراج بل بالإعلام ضمن مشواري الذي دام خمسة عشرة ( 15) سنة إعلاميا ،  ثم انطلقت لكتابة النص المسرحي الذي قدمت له خمسين نصاً مسرحياً حتى الأن ودفعت بعدها دفعا للإخراج ولم أختره ، أخرجت ما يقارب الست أو السبع أعمال وكانت ناجحة ولكن الحقيقة  كان يسيطر عليَّ الكاتب أكثر من المخرج وقد عملت على الخشبة منذ بداية المشروع وبكل تفاصيله ،عملت في الإدارة المسرحية ، و بالمؤثرات الصوتية  والمؤثرات الضوئية ، مسحت المسرح وكنسته ، فقد عملت بكل شيء يتطلّبه الفن الرابع ، فكل تفاصيل الركح ملمّ بها ، وحينما أكتب لا أكون كاتبا بقدر ما أكون ابن الخشبة التي أنتمي إليها ، متمرسا بكل تفاصيل العمل لذلك من المآخذ التي تؤخذ عليّ سلباً أو إيجاباً أن أعمالي مكتوبة وهي مخرجه ، أي مشحونة بتفاصيل الإخراج وفق ما أتصور ، ولكن غير ملزمة للمخرج دون شك ، بل هي  ملزمة ليَّ شخصيا ، لأنّه عندما أكتب يكون المسرح أمامي وأرى الجمهور وأرى حسه ، وألامس  تفاصيل هذه الأشياء ،الكاتب يسيطر كثيرا طبعا ولكن بوجود مخرجين جيدين بقربي جعلني أنحاز للكاتب المخرج أو المخرج الكاتب ،فأنت هنا تضيف الطاقة على النص بينما بوجود مخرج يكون الوضع أفضل ومساحة الرؤية أوسع ، كل هؤلاء مجتمعين يصنعون لك أفقا جديدا ، بعكس أن تكون أنت المخرج وأنت الكاتب ، الأمر الذي  يضيق الرؤية بالنسبة للعرض المسرحي .

وفخور جدا  أنه عندنا عدد طيب من المخرجين الجيدين وعلى رأسهم المخرج المبدع "أحمد الأحمري" و "سامي الزهراني" و"مساعد الزهراني" و"عبد العزيز العسيري" وجمعان الذويبي وعدد وفير من الأصدقاء والأحباء الذين تناولوا أعمالي ، كما تناول أعمالي الكثيرين من المخرجين في الوطن العربي حيث وصل عدد المخرجين إلى خمس وعشرين ( 25)  مخرجا حتى الآن ،بعضهم لأكثر من مرة ،وأنا أُسعد معهم بأن العرض الواحد يقرأه أكثر من مخرج وهذا شيء يسعدني جدا ،وأستفيد من ذلك بفتح رؤى عديدة للنص ،فأسعد اللحظات للكاتب المسرحي أن يرى شخصياته الميتة بالورق تنمو وتتحرك وتتكلم يشعر بسعادة لا مثيل لها هذه الشخصية الميتة والتي كتبها ورقيا حرفا حرفا يجدها أمامه تتجول على خشبة المسرح .

•      عودة  للكاتب لك مشاركات عدّة تمت في مهرجانات سورية ومسرحية "حالة قلق" كانت البداية ، ثمّ تلتها مسرحية "كنا صديقين" ثم المشاركة  بمهرجان اللاذقية بمسرحيتين "عندما يأتي المساء" و " يا ورد مين يشتريك" ، ولكن مهرجان دمشق الدولي يعني الشيء الكثير، فقد كانت المفاجأة بهذا القبول الجميل الرائع من الجمهور والمهتمين بالمسرح بشكل عام ، فلتحدّث الجمهور من القرّاء سبب هذه المفاجأة فمسرحية "حالة قلق" كانت عرضا  استحوذ وأسر الجمهور الذي صفق واقفا ومطولا للعرض المسرحي ، فما هو السر وراء ذلك ؟


فـهد ردة الـحارثـي : الحقيقة ليس هو المهرجان الأول الذي تشارك به فرق مسرحية من السعودية ، حيث كانت ثمّة مشاركة بالتجريبي بالقاهرة، وبقرطاج التونسي، ومهرجان بغداد ولكن مهرجان دمشق للفنون المسرحية يعني ليَّ الشيء الكثير ، قلت لك الأثر الذي تركته لديَّ مجلة الحياة المسرحية بمواضيعها ومقالاتها وكتابها ،  وكان المهرجان من أهم المهرجانات على مستوى الوطن العربي ..تقاليد صارمة باختيار العروض المسرحية المشاركة بالمهرجان من حيث اختيار الضيوف ، انتقاء الندوات الفكرية ، دمشق كانت تعني الشيء الكثير بالنسبة لكل مسرحي عربي بالتأكيد ،لم آت  لدمشق بوصفي أحمل العرض السعودي الأول ، فقد سبقتني إلى ذلك  عروض كثيرة بعضها نجح بشكل جيد والبعض فشل وللأسف ، ولكني كنت أحمل إرثا عظيما ومهما بالنسبة إليّ ،  كيف أستطيع أن أقدم الجمال الذي تسعى له الفرقة لنقدمه من خلال هذا المهرجان ،هذا المهرجان العتيد الذي لا شك أنه يثير الرعب في نفس كل مسرحي يشارك به ،هذا المهرجان الذي قُدّمت  من خلاله أهم العروض المسرحية العربية لأسماء كبيرة وكبيرة جدا جدا ، تعطي لهذه الفرقة الشابة أن تقول كلمتها ، ربما الكثير لا يعرفون عن المسرح السعودي الشيء الكثير ،  ولم تكن من الفرق المهمة على خارطة المسرح العربي ، كان مسرحا ناشئا والمعلومات عنه قليلة وشحيحة ،والجمهور لايعرف عنه شيء ، وكان السؤال ماذا سيقدم لنا  المسرح السعودي؟؟؟ ، لاشك سبقتنا تجارب لم توفق في  خلق التصور المطلوب عن المسرح السعودي ، العمل كان معدا مسبقا ولكن لم يكن تتاح له الفرصة للمشاركة ، وكان العمل الأول "حالة قلق" ثم كانت "كنا صديقين " اللذين حققا صدى جيدا ، عرّف بمسرحنا وعرّفت بشبابنا وفكرنا ومشروعنا المسرحي وكانت منطلقا لنا أيضا ، وفي التعاون مع الكثيرين من الكتّاب والنقّاد ،  وما قيل حول العمل المسرحي الأمر الذي عزز كبريائنا بأننا عملنا بصورة جيدة ، وهذا يجعلنا نقف للحظة ولحظتين من الضروري أن يكون لديك مشروع تعمل عليه ومن خلاله ومشكلتنا في العالم العربي أننا نفتقد للمشروع ،  فالغالبية يعمل على العرض، يعمل للمهرجان، للندوة، للورشة، لا يعمل على مشروع ، فحينما لا تعمل على مشروع يعني لن تصل و لن تستمر ، المشروع يعني الاستدامة والاستمرار فكريا وعمليا يعني أن تصل إلى هدفك الذي تعمل عليه ومن أجله.


•      يقال بأن هناك أزمة نص مسرحي، وأنت المخرج والكاتب المسرحي، بل دعني أقول أنك المسرحي بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، فما هو  قولك بهذا الطرح؟

فهد ردة الحـارثـي : منذ خمسين سنة وهذا القول يطفو على السطح ، في تصوري أن هناك أزمة كسل في البحث عن النص الجيد ه ، "سعد الله ونوس " تقدّم له أعماله حتى الأن ، " نجيب سرور" تقدم له أعمال حتى الأن  وغيرهم كثر وهناك طاقات كتابيه رائعة في عالمنا العربي، المشكلة في اختيار النص ، ففي العالم العربي يوجد الكثير من الكتاب المسرحيين ، ولديهم أفكار ومواضيع ، ولكن كسل المخرجين في البحث عن النص الجيد ، في البحث عن النص الجيد ، لذا يذهبون لمقولة أزمة نص، لا يوجد نصوص ، وقد توضح ذلك في الآونة الأخيرة عندما ذهبت مصطلحات مسرح ما بعد الحداثة ومسرح ما بعد الدراما وكل ذلك تبرير للمخرج لكي يذهب إلى عرض لا يعتمد به على نص مسرحي ، بل يعتمد على تقطيعات معينة حتى يوصل قدراته الإخراجية والسينوغرافية ، فالمسرح بالنهاية كلمة أولا وثانيا وثالثا ، يأتي الإخراج وتأتي العناصر الأخرى المتممة لهذه الكلمة التي تستطيع أن تضعها بمكانها اللائق ، ولكن نحن في العالم العربي لدينا إشكاليات عنيفة في المصطلح وفي النظرية ، نتلقف كل شيء بلا وعي ونبدأ بالشغل عليها ، لذا نجد هذه المشكلات في العالم العربي وهي مشكلة الاختيار ، مشكلة المخرج الذي يريد أن يبعد نفسه عن النص المسرحي ، لذا بدأ استخدام كلمة الدراماتورج الذي يذهب لكل زاوية بهدف تمرير عرضه البصري ، دون احترام الكلمة الموجودة بالنص المسرحي ، وأعود للقول  أن هناك كتاب مسرحيون في الوطن العربي ولا توجد مشكلة نص مسرحي ، وأن المشكلة فيمن يطرح السؤال وليس في السؤال نفسه .

•      انطلاقا مما تفضلت به حول أزمة النص، هناك مقولة موت المؤلف؟  ما قولك وأنت كاتب مسرحي ؟

فـهـد ردة الـحـارثـي : المؤلف موجود هو لايموت حرفه باق ونبضه باق وحسه باق ، المؤلف موجود حتى في المكان الذي لا حوار فيه ، كل هذا تأليف حتى ولو لا يوجد نص إنه تأليف نحن لا نستطيع فصل الحركة عن المقولة ، عن الجملة الحوارية ، فهذه اللغة تحتاج لمن يبرزها على المسرح ، والخشبة مساحة مرتفعة ، وارتفاعها يجبرنا على اختيار الكلمة ، لذا نختار الأجمل في الكلمة ، نختار الأجمل بالفكرة ، ونبحث عنها وعن جمالياتها ، فالمسرح كتلة من الجماليات ، جمالية النص ، جمالية الممثل، جمالية الحركة ، كل هذه الجماليات تختلط ببعضها البعض وتعطينا بناء من القيم الجميلة ، إذن في وطننا العربي لدينا الكثير من المشاكل والقضايا العويصة وكما أشرت لمسرح ما بعد الدراما حيث المخرج يحصل على أي شيء متشظي ويبني عليه تحت مقولة مسرح ما بعد الدراما ، أو ليس من الأولى أن نعرف الدراما أولاً ؟ مشكلتنا في الوعي ، لازلنا مغرمين بالكلاسيكيات ولازال المتلقي مستمتعا بهذه الكلاسيكيات ،في العالم العربي وفي العالم بشكل عام  من الضروري الذهاب نحو الجمال في النص ،وفي رأيي من الضروري البحث عن الجماليات في النص، والجماليات في الفكرة، وفي الحركة، وفي الممثل، وفي السينوغراف، وفي جماليات التلقي ، كل ذلك من الضروري العمل عليه وبشكل خاص المتلقي ، حيث أن متلقي اليوم ليس كمتلقي الغد ، يجب أن نتعاون على هذه المتغيرات وفق الأدبيات التي من الواجب الحفاظ عليها ، ومن العيب القفز على المصطلحات ، بل علينا أن نكون على وعي تامّ بها ،  وامتلاكنا القدرة على استيعابها بشكل يرتقي بقيمنا وذائقتنا الفنية الجمالية.

•      بوصفك مخرجا وكاتبا مسرحيا ، والنص لديك يكتب مخرجا ، ما مدى التزامك بالقاعدة الأرسطية المقدمة والمتن والخاتمة، وآلية تجلي العاطفة لدى الممثل في سياق الحوار كمنطوق له أبعاد سمعية وبصرية وحركية؟

فـهـد ردة الـحـارثـي : هناك في المسرح قوالب وأساليب عديدة في الكتابة وفي الإخراج ، وفي كسر الإيهام ،أو المسرح الملحمي أو مسرح القسوة عند أرتو في المسرح داخل مسرح في العبث ، وحتى إن تتبّعنا ذلك عربيا  في الاحتفالية والسامر والحكواتي  والحلقة، كلها مختلفة عن بعضها    البعض ، وفي تجربتي المسرحية لم أذهب نـحو السائد والموجود ولكن حاولت بعد تجاربي الأولى أن أحمل المشروع المتضمن خطا حقيقيا دراميا ، بمعنى أن أبتكر طريقة جديدة حيث الحوار يتبع الحوار يدفع الحوار ليشكل خطاً وهمياً لتصاعد البناء الدرامي  بحيث يكون هناك خط درامي واضح لكنه  ساكن ضمني يتحرك بواسطة الحوار الذي هو الأساس ، أي المادة الحوارية هي الأساس ، حتى الفكرة  ، دعونا نبني بطريقة جديدة ، وكيف تدفع الحوارات بعضها بعضاً لتصنع حالتها  ،هكذا انطلقت في تجربتي وأنا أتصور أني نجحت كثيرا في هذا الجانب وفي إيجاد شاعرية عالية في هذا الحوار المسرحي حتى يصل لأعلى القيم ، أنا في رأيي المسرح مصنع للجمال ، اللغة مهمة للغاية ،واللغة الشاعرية التي تصل القلب مباشرة ، فنحن أمة الشعر نسمع الشعر ونطرب له ، وهذا ما سعيت له بكل تجاربي أن أصل للمتلقي بمساعدة المخرجين والممثلين والسينوغرافيين كي نخلق الابداع الذي يذهب من القلب إلى القلب من الجمال للجمال من الابداع للإبداع .

•      من خلال هذا التوصيف الجميل .. اللغة والبلاغة ..وهل الكاتب يتعمد الصور البلاغية ويذهب بالمتلقي والمخرج لبوابات التأويل والذهاب بالمخيلة لحدود الإدهاش الذي هو هدف الكاتب والمخرج في النهاية؟



-      فهــد ردة الـحـارثـي :  لا شك في ذلك ، ولكن عليك أن تكون متمكنا من نفسك في البداية ، وأن لاتتصنع الأمور ولاتصنعها بل تمضي نحوها بصدق وحب ومغامرات شقية خفيفة ومثيرة وموحية حتى تستطيع أن ترتقي بمشروعك الأساس ، إذ سيذهب ذلك للمخرج ، وينطلق منه لمنطلقات كثيرة، وسيذهب للمتلقي كي يذهب به أيضا إلى الإدهاش ..

   في فترة من الفترات كنا نقدم عروضا متميزة باللغة الشعرية العالية والتي ليست بالبعيدة عن الجمهور ذات قيم جمالية يستمتع بها المتلقي ، وبعد ست أو سبع عروض حاولت أن أغير وأستخدم لغة بسيطة مفهومة ذات بعد يومي ، وقف الجمهور معاتبا لأنه تعود على سماع الكاتب الشاعر ، لذلك لم يتقبله عندما أصبح عاديا عاميا ويقف  متصديا لهذا التغيير ، فهو يريد لغة جمالية ترتقي لذائقته الجمالية  الفنية ، جمهورنا شاعري يحب الشعر حقيقة ، يذهب للمغنى للطرب بقيم جمالية شفافة تصل للقلب قادمة من القلب ،هذه قضية مهمة جدا أراهن عليها في تجربتي المسرحية ،سأذهب للساحة الجماهيرية وسأقدم هذا العمل مراهنا على ذائقة الجمهور الجمالية العالية ،الجمهور ذواق ويستوعب القيم الجمالية ولكن تحتاج للطريقة والوسيلة التي توصل بها هذا الجمال الذي يقع في قلب المتلقي بالعموم،  وكنت أنجح في هذا التحدي وهذه المراهنة .

•      الفنان المبدع فهد ردة الحارثي إلى أي مدى يلعب الممثل دورا أساسيا في توصيل كل ما تفضلت به؟



فــهـد ردة الـحارثـي :  برأيي دون ممثل لن تصل لعرض   مسرحي ،النص كلام وجمل مرصوفة، المخرج يصنع صورة لذلك ، الممثل هو الأساس هو قيمة العرض المسرحي ، وأنا أنطلق من مقولة الممثل الشريك ،بمعنى أن الممثل ليس جهاز ينفذ ما يطلبه منه المخرج بل هو شريك أساس ، وأناقش معه كل شيء بوصفه قيمة ، وثمة عدة أمثلة منها  :عندما اختلفنا مرة من مرات النقاش في من هو الأكثر قيمة الكاتب أم المخرج أم الممثل ، في اليوم الأول حضرنا البروفة حضر المخرج والمؤلف، حضر الفني، حضر الجميع وغاب الممثل ،لم نستطيع أن نعمل أي شئ ،  في اليوم التالي غاب الجميع وحضر الممثل دوننا ووقف على الخشبة يؤدي عمله  ، الممثل هو القيمة الأساس في العرض المسرحي ، كل هذه العناصر تتظافر ولكن هو القيمة الأساس كما  أسلفت ، ولذلك تزيد قيمة الممثل الواعي الذي نشركه في اللعبة منذ البداية وحتى النهاية .

•      من أية بيئة يستوحي الكاتب لغته الشعرية سواء كان في السعودية أو في أي مكان من الوطن العربي؟



فــهـد ردة الـحـارثي : أنا أتصور أن الإنسان كونيّ ، يستمد الصفات الإنسانية من العالم أجمع وخصوصا عبر وسائل التواصل الكثيرة والتي توفر لنا معرفة كل التفاصيل وحتى الصغيرة منها ،ونشترك بهذه الهموم جميعا،  باستثناء بعض الحالات المجتمعية التي تميز مجتمعا عن الآخر و تميز شخصا عن الآخر ،وبالتالي أنت تقدم رؤياك وفهمك ومعرفتك الجمالية نصيا نثرا أم شعرا مقفى.

•      من هذه الحالات لمن تنتصر؟

فــهـد ردة الـحـارثي : لا شك أنتصر للإنسان مهما كانت البيئة بالنهاية أنا أنتصر لهذا الإنسان في كل زمان ومكان المبحث الأساس هو الإنسان .



•      من أين بدأت من القصة أم من الشعر؟



فــهـد ردة الـحـارثي : أنا بدأت من الشعر ، ثم من القصة ، ثم الاعلام ثم تركت هذا الشاعر وهذا القاص والإعلامي والفنان التشكيلي والموسيقي وذهبت للكاتب المسرحي وانتصرت له

•      هل هذا التخصص يشتته أم يثري امكاناته؟



فــهـد ردة الـحـارثي : هذا يثري تجربته بعيدا عن التشتت وهذا يتوقف

                          على قدرات شخص دون الآخر .

•      برأيك من سيصمد أكثر النص النثري أم الشعري؟



فــهـد ردة الـحـارثي : سيبقى الشعر ديوان العرب ،لا شك القصة والرواية فيها مساحات واسعة من البوح والسرد ولكن الشعر يبقى له خاصية لدينا لأننا تربينا على الشعر .



•      لوتحدثنا عن نصوصك المسرحية هل هي شعرية أم نثرية أم سردية؟

فــهـد ردة الـحـارثي : أكتب باللغة العربية لأن الخشبة تتطلب منك لغة رفيعة  راقية ، لذلك كتبت النص المسرحي الراقي بنبض شاعري يستطيع أن يصل إلى قيم الجمال والتي تصل للقلب مباشرة بلغة ليست بالبسيطة الساذجة بل باللغة ذات القيمة الجمالية بالصورة البلاغية في الجملة الحوارية.

•      كم نصا مسرحيا منجزك حتى اليوم؟

فــهـد ردة الـحـارثي : خمسون نصا مسرحيا ،ومجموعات قصصية وشعرية.



•      أراك تنتصر للنص الدرامي المسرحي ولكن في ظل العولمة وما يسمى بالحداثة وموجاتها التي تقول بموت المؤلف وتغيّب هذا المؤلف المسرحي كيف لك أن تنتصر لهذه القضية وأنت من أشد القائلين بضرورة الكلمة والنص المسرحي؟

فــهـد ردة الـحـارثي : هذه المؤثرات التي  تمّ حصرها فيما بعد الحداثة وما بعد الدراما ، أنا استوعبت هذه المصطلحات وأرى أن النص وأن الكلمة التي كانت منذ سنوات ليست نفس الكلمة الآن ، وعلى الكاتب المسرحي ألاّ يستسهل الأمور ويذهب تّجاه الجديد بدون وعي للواقع ،الآن نحن أمام تحديات ليست بالسهلة وهناك تجارب كثيرة بالوطن العربي بالرقص التعبيري وتأثير السينما وما إلى ذلك ، رغم هذا التطور في كل شيء بقي المسرح المعبر الأجمل عن الإنسان ، فقد ظهر المذياع ولم يغب المسرح وظهرت السينما والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي وبقي المسرح ولم يغب  بفعل هذه التطورات بل استوعبها المسرح في معدته الواسعه واستطاع توظيفها ،سيظل الكاتب وسيظل المخرج والممثل من قيم العرض الأساسية ، وهذه التقنيات الحديثة من الضروري أن تخدم قضيتنا بالدرجة الأولى لا أن تلغي المسرح ، والخلل يكمن بالمشروع ، حيث بات من الضروري أن تكون لدينا مشاريع حقيقية وألاّ نستسهل الأمور ، وألاّ نقلّد الغرب ونأخذ القشور ونبني عليها بنيانا سرعان ما سيتهدم فوق رؤوسنا ،وأعتقد أن الهيئة العربية للمسرح قادرة على لمّ هذا الشتات من خلال المهرجانات والندوات التي تدرس هذه الظواهر وتضع الحلول المناسبة لها لتأكيد سمة المسرح العربي.

•      ما قولك عن الهوة بين الممارس والأكاديمي؟

فــهـد ردة الـحـارثي : هذه ظاهرة ومشكلة من المشاكل التي تواجه المسرح وهي الذهاب لمناطق غير منطقته ، الباحث باحث والأكاديمي أكاديمي في مجاله ، ويعطي لنفسه التسميات ويمارس بوصفه العالم بكل شيء ،لا يعرف النقد ولم ير عرضا مسرحيا لمجرد أنّه تحصل على اللقب العلمي في بحث ما منح لنفسه ترخيص ممارسة كل شيء ، وهذه الظاهرة تتجلى بالمهرجانات حيث يدعى الدكتور فلان والدكتورة فلانة ولا واحد منهم متخصص بالنقد المسرحي نهائيا ويحرجون أنفسهم  كباحثين مهمين في مجالهم ولكنهم ليسوا نقاداً فالنقد حالة أخرى غير حالة البحث وعلينا أن لانخلط بين الحالات هذا ناقد وذاك باحث ولكل منهما دور وحالة ومهمة ، وهنا أتمنى أن نضع الأمور في نصابها الحقيقي ،وأن نعطي كل ذي حق حقه .

•      حول ظاهرة السينوغراف الذي طغى على حساب الممثل بما نسميه البهرجة التي نابت عن النص وعن المخرج وعن الممثل؟


فــهـد ردة الـحـارثي : معك تماما في هذا التوصيف الدقيق ،وهذه من المشاكل الكبيرة على مستوى الوطن العربي ، وهذا هو التجريب غير المدروس فقد تنجح تجربة وتفشل الأخرى ،وذلك دونما وعي أيضا ، لقد أصبح السينوغرافي من يحرك المخرج ، مادة بصرية وجميلة وهي تشغل الفضاء المسرحي بينما  يغلب شيء على شيء آخر ، نحن معها ولكن لسنا مع الإفراط بها على حساب أشياء أساسية وهامة ، هذه مشكلتنا ، مشكلة الاستسهال والاستسلام للسينوغراف بالصورة الجميلة التي جاءت آنية وتذهب بعد العرض لأنها غيبت النص والحوار والمخرج والممثل قدمت المتعة البصرية ولكن غابت الروح والحياة في العرض المسرحي.

•      ثمة موضوعة تطرقت لها من خلال الحوار وهو المتلقي والذي يعتبر جزء هاما وأساسا في العرض المسرحي ..وهل توصلنا لعلاقة صحيحة في فهمه ومعرفة حاجته الإنسانية والاجتماعية؟


فــهـد ردة الـحـارثي : هو لا يريد شيئا ،  بل نحن الذين نريد منه كل شيء وأهم شيء لأننا نحضّر العرض المسرحي له ، لذلك هذا المتلقي الشريك الأساس منذ اللحظة الأولى لانطلاقة العمل المسرحي بمختلف مستوياته الثقافية والمعرفية والعلمية والفكرية ، ومتى آمّنا بأنه شريك لنا ويجب أن نتعرف على هذا المتلقي وأن ندرس هذا المتلقي ، ونظريات التلقي كثيرة ويجب أن نستفيد من هذه القضية ونحترم هذا الشريك،  ونقدر حاجته الروحية والنفسية عندها نحقق النجاح.

صفوة القول، أن الفنان " فهد ردة الحارثي" مبدع حامل لهموم وطنه والوطن العربي على الصعيد الفني ، والمسرح عنده بحر لا قرار له ، حيث لابدّ أن نجازف ونغامر لاستكشاف أغواره ، فالفن الرابع سحر لا نظير له .




0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption