أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

الحب في زمن الكوليرا .. حكايات الأسطورة الخالدة والزمن الأخر / داليا همام

مجلة الفنون المسرحية



الحب في زمن الكوليرا  .. حكايات الأسطورة الخالدة والزمن الأخر

 الإدراك هو المرآة ، والذكرى هي الخيال الذى ينعكس على صفحتها ، وكل لحظة من حياتنا الإنسانية هي مزيج من كلاهما معاً، فالإدراك فعل أما الذكري تعد إمكانية ذلك أننا نضيف إلى احساساتنا المباشرة  والحاضرة عدد ضخم من تفاصيل تجربتنا الماضية، فالحاضر يظل تجريدياً إن لم يعكس الماضي والذى يمكن اعتباره كالظل للحاضر فلا رؤية بصرية الا وهي مثقلة بذكريات مدمجة في الحاضر الآني،  و الإحساس المتحول بالزمن يحدث اضطراب وتشوه لإدراك الذات بالزمن نفسه، وهي حالة من العجز عن استحضار الماضي وصعوبة في التمييز بينه وبين الحاضر والمستقبل مع الأخذ في الاعتبار أن الزمن بكل الأحوال سيمر و المبرر الوحيد للزمن هو الا يحدث كل شيء في اللحظة نفسها،  والأشياء تحدث كالحلم أو الكابوس خلال لحظة واحدة  في عقل " فلورنتينو " وتتداخل الأزمنة لتصبح زمن واحد بلا مراحل أو حدود فقد أصبحت "فيرمينا" أسطورته الخالدة  وزمنه الأخر، وهي بالنسبة اليه لا تجاوز الأيام والأزمنة فقط وانما تجاوز الأمكنة والمواقع، فهي الحالة والحالة المضادة، والامتلاء والفراغ، والامتلاك والخواء، واليقين والتردد، إنها الأبدية والمستحيل أضف إلى ذلك ما تشاء من تعبيرات عن حالة حبه الاستثنائية ،  فهي حالة استطاعت تجاوز الزمن واختزاله، وتوقفه عند لحظة الرفض تلك اللحظة التي رفض فيها الأب زواج فلورنتينو عامل التلغراف من ابنته فيرمينا وهي لحظة توقف عندها الزمن، مما جعلها دائمة التكرار في عقله ، ومن بعدها جرب كل شيء إلى أن فقد مذاق الأشياء عبر تكرارها ، تلك المشاعر المختلطة يمكنك ايجادها في " مسرحية الحب في زمن الكوليرا"  إخراج السعيد منسي ، كتابة مينا بباوي عن رواية الحب في زمن الكوليرا لماركيز والتي تقدم على مسرح الطليعة ضمن فاعليات الدورة  15 للمهرجان القومي للمسرح المصري .                                                                                  
للزمن أهمية  كبيرة في هذا العرض فقد اعتمد عليه المخرج السعيد منسي  بوصفه عنصر محوري وعليه تترتب عناصر عديدة داخل المسرحية ، فمنذ اللحظة الأولى من العرض تتشابك الحكايات وتبدأ فيرمينا بسرد حكايتها كما تراها ، وتقدمها على مراحل وبشكل عكسي حيث تبدأ من موت زوجها أوربينو، و ما سبق على ذلك من خيانته لها وهكذا بالتتابع العكسي وصولا للحظة زواجه بها ، وهنا يتوقف السرد والذى نراه فعلاً على خشبة المسرح ، فنعرف الحكاية من جديد ولكن من وجهة نظر الزوج نفسه، والذى تزوجها في البداية فقط لأنه وجدها تصلح زوجته، تتداخل الأحداث الدرامية وتظهر الشخصيات الثانوية والتي يكون لها دور في الأحداث مثل شخصية الأب والذى يعد رفضه زواج فلورنتينو من ابنته جوهر التعقيد الدرامي في المسرحية، ومع ظهور فلورنتينو تبدأ الحكاية من جديد ونري قصة حبه بعين العاشق والتي كانت الخطابات المكتوبة جزءاً أساسياً منها، ويقدم لنا المخرج قصة حب موازية لقصة فيرمينا وفلورنتينو  والتي تعد انعكاساً لقصتهم ، وهي قصة العمة التي قتلها رفض الأسرة لزواجها من رجل فقير كما فعل الأخ تماماً مع ابنته ورفض زواجها من فلورنتينو عامل البريد، لكن العمة  لم تقبل بغير حبيبها وظلت تحبه حتى وهو طريح الفراش،  وصولاً إلى انتحاره وحيداً ولم تستسلم كما فعلت فيرمينا بزواجها الطبيب وانجاب الأطفال منه، ومع أن  فيرمينا  استمرت الحياة لديها الا انها توقفت تماما لدى فلورنتينو الذى عاش بلا روح في انتظار ان تعود له حبيبته من جديد، وعلى الرغم من علاقاته الكثيرة وعمله الهام الذى حصل عليه ، والترقي الاجتماعي الذى أصبح فيه الا إنه لم يستطع ان ينساها، وظلت صورتها تطارده في تناقض وتكرار يعلو فوق الحياة ويصاحب لها بل ويعمل معها، وضدها في آن معاً، تلك الحياة  المحملة بدافع محاولة الذهاب إلى ما وراء الشعور بالاستمتاع المصحوب بالمعاناة والألم، وما يتم ترديده عن لذة الكفاح ومتعة الإرادة والمقاومة والرغبة في ما هو مفتقد أو غائب أو مستحيل.                 
تتزامن الأحداث على خشبة المسرح فيقدم المخرج ، الأحداث بالتوازي ويختار أن يكون الحاضر والماضي في آن معاً أمام الجمهور ، فتنشطر شخصية فلورنتينو إلى اثنين الأول صغيراً حاضراً من الماضي في سياق الحكاية ، والثاني كبيراً يقدم اللحظة الآنية للأحداث، وأيضاً شخصية فيرمينا تنشطر الى اثنتين الأولى صغير تعبر عن الماضي، والثانية كبيرة تعبر عن لحظتها الآنية ، إلى جوار شخصية الزوج اوربينو الطبيب ، والذى يقدم على صورة اوربينو الصغير والكبير ، ويغزل المخرج نسيجه الدرامي بشكل متقن فكما نجد المواقف بين الزوج الطبيب  و فيرمينا صغاراً نجدها ذاتها وهم كباراً وفي نفس اللحظة بالتزامن على خشبة المسرح يؤديها الممثلين ، ثم يقدم  المخرج بينهم المتقابلات بحيث تتحدث الشخصية الصغير للزوج الكبير والعكس صحيح في دلالة أنها شخصيات واحدة حاضرها كما ماضيها لا اختلاف ، وهو ما حدث تماماً مع فلورنتينو وفيرمينا وتلك المتقابلات ، وفي اللحظة التي يتوقف فيها السرد ونعود للحظة الآنية نعرف أن فلونتينو تقدم للزواج من فيرمينا من جديد بعد موت زوجها وعلى الرغم من مرور واحد وخمسون عاماً، ثم تظهر شخصية الابن والابنة ، أما الابن فهو الموكل اليه تكملة بعض أجزاء من الحكاية سرداً على المتلقي، والابنة هي التي ترفض هذا الزواج، ولأن الحكاية عن الحب الذى لا ينتهي فإن زواج الحبيبين يتم وتنتهي المسرحية على متن سفينة يرفع عليها علم وباء الكوليرا لتظل في البحر بهما وحدهما لتكتمل اسطورتهما بمساعدة قبطان السفينة.                               
الديكور ل  " مينا رضا "وتكون من مستوي في عمق خشبة المسرح خلفه قماشة بيضاء مستديرة تستخدم كشاشة عند الحاجة ، وعلي جانبي هذا المستوى يميناً ويساراً  مستويات بارتفاع اقل ، وفي مقدمة خشبة المسرح يمينا ويسار درجتين صغيرتين يقف عليها الممثلين عند الحاجة ، وقد ساعدت تلك المستويات في استغلال الفضاء المسرحي بشكل جيد ، الى جوار أنه توجد بعض الستائر البيضاء المتدلية من الأعلى لتستكمل الصورة الجمالية للعرض وتعبر عن تلك الحالة من المراوحة بين الأزمان وفي العمق مع انتهاء العرض تتشكل بعض الستائر على هيئة شراع للمركب ، والديكور بألوانه الى جوار القطع الصغيرة التي يستكمل بها المنظر عند الحاجة كمقعد الحديقة أو الأريكة جميعها  ساهمت في استكمال المشهد الدرامي ورسمت صورة مرئية لمكان الأحداث.                                 
التأليف الموسيقي ل " وليد الشهاوي" له دور هام و استطاعت الألحان المستخدمة أن تصاحب الدراما ، وتشارك في تصدير الشعور النفسي المطلوب ايصاله للمتلقي ، الأزياء ل"مها عبد الرحمن" عكست مجتمعاً مغايراً وحقبة تاريخية مختلفة وكأن المتلقي يري حكاية بها قدر من الخيال وساهمت الألوان والخامات المستخدمة في التأكيد على هذا الشعور الخيالي المتوافق مع قصة الحب التي تحققت مع استحالتها.                                                                                 
الاستعراضات تصميم محمد ميزو وكانت سلسة تتوافق مع الموسيقي وحالة الرومانسية التي تغلف العرض المسرحي ، المكياج ل" وفاء محمد" استطاع التأكيد على مراحل الشخصيات العمرية، الإضاءة ل "عز حلمي" وتعد من العناصر الهامة في هذا العرض فالانتقالات في الزمن تستوجب التأكيد عليها من خلال الإضاءة، هذا الى جوار أن الألوان المستخدمة شكلت عامل مساعد في التأكيد على المعاني المختلفة في العرض، الممثلون دينا أحمد قدمت فيرمينا الكبيرة  وأدتها بشكل سلس استطاع التأثير في الجمهور بشكل واضح، أما فيرمينا الشابة أدتها نسمة عادل وقد أضفت جمالا على الشخصية الدرامية واستطاعت تقديم تعبيراتها المختلفة ، و فلورنتينو الكبير "محمد فريد" كان أدائه مؤثر وقد استطاع التعبير عن حالات الاضطراب والتردد والمحبة وجميع ما يمكن ان تشعر به شخصية المحب الذى فقد حبيبه وظل بانتظارها كل هذه المدة الزمنية، وأدى فلورنتينو الشاب "عصام أشرف" واستطاع التعبير عن الدور بشكل موفق وحافظ على جميع لزمات الشخصية وهي اكبر سناً وعبر عن حالة الحيوية والحب بشكل ممتلك لأدواته، أما أوربينو الكبير قدمه " محمد صلاح" وعبر عن طبيعة الدور من حيث اعتماده على التقليدية والأداء الرصين الخاص بالطبيب، أما أبانوب لطيف فقد أدى أوربينو  الشاب واتخذ من الأداء الرصين وسيلة للتأكيد على تطور الشخصية والذى سيصل بنا في النهاية الى الطبيب كبيرا، أما دور العمة فقامت به شمس الشرقاوي وتوافقت بأدائها مع الحالة العامة للشخصية وعمقت من حالة الحب، "الأب: محمود البيطار  ، وأم فلورنتينو: مى السباعى" كان أدائهم أميل للكوميديا واعتمدوا فيه على الكاريكاتور واستطاعوا اثارة الضحك، أحمد حسن ، دينا السواح ، ايه خلف ، وفاء قابيل ادوا ادوارهم بشكل جيد.                                         
في نهاية العرض يقدم المخرج بانوراما يعرض فيها بشكل متلاحق لقطات تعد استرجاعاً لأحداث العرض المسرحي وهو ما يدعم حالة التماهي التي وصل اليها الجمهور في تفاعله مع أحداث عرض الحب في زمن الكوليرا.

------------------------------------
المصدر : نشرة مهرجان  المسرح القومي

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption