أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 18 يناير 2023

مسرحية " سيدة المرسم " تأليف : عكاب حمدي

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب عكاب حمدي 




أشخاص المسرحية
ــــــــــــــــــــــــ

الرسام.
الفتاة.
صوت اللوحة الثانية.
صوت اللوحة الثالثة.
صوت اللوحة الرابعة.

( تفتح الستارة عن مرسم لفنان تشكيلي يحتوي على مساند حديد موضوع عليها لوحات موزعة في المرسم مع ألوان زيتية ومائية ، وأصباغ وفرشاة وملازم أخرى للرسم وأخشاب لتأطير اللوحات، كما توجد طاولة صغيرة وكرسي لاستراحة الرسام ).
الرسام: ( يرفع الغطاء عن اللوحة الأولى ، وهي فتاة جميلة ، ويبدأ بإجراء بعض التعديلات عليها ، وهو يحدّث نفسه ):
مضى وقتٌ طويلٌ ، وأنا لمْ أنْتَهِ مِنْ هذهِ اللوحة ... شيءٌ غَريبٌ يَشُدّني إليها ، ويَجْعَلُني أُهْمِلُ كُلَّ اللوحاتِ الموجودةِ في المَرْسَم ، وأهتمُّ بها ... إحْساسٌ غَريبٌ يَنْتابُني ، وَكَأنّي أعْرِفُ صاحبةَ هذه اللوحةِ أو أنّي الْتَقَيْتُ بِها في مكانٍ ما.
( يجلس على الكرسي ويشعل سكارة وهو يتأملها )
مُنْذُ أعْوامٍ ، وأنا أحْلُمُ بِفَتاةٍ تَحْمِلُ مُواصفاتِها نَفْسِها ... هذهِ النَّظراتُ الجميلةُ نفسُها ... هذهِ النّظراتُ التي تَحْمِلُ تَساؤلاتٍ لا أعْرِفُ الإجابَةَ عنها ، وهذهِ الابْتسامَةُ المَمْلوءَةُ حُبًّا وَحَنانًا وَحُزْنًا ...
آه ، كمْ تَمَنّيْتُ أنْ أنْتَهِيَ مِنْ رَسْمِ هذهِ اللَّوحَةِ ؛ لِأتَفَرَّغَ بِإكْمالِ رَسْمِ اللوحاتِ الأخرى ... المَعْرِضُ باتَ قَريبًا ، وأنا لمْ أُنْجِزُ مِنْهُ لَوْحَةً واحِدَة.
( بعصبية )
سوفَ أغُادِرُكِ آيَّتُها اللَّوْحَةُ الحَبيبةُ ، لا أُريْدُ أنْ أقْضيَ وَقْتًا مَعَكِ مِنْ غَيرِ فائدة.
( يغطيها ويبدأ العمل بباقي اللوحات متنقلا من لوحة إلى أخرى لكنه سرعان ما يتوقف عن العمل ويرجع إلى اللوحة الأولى )

الرسام: ( يرفع الغطاء عنها ويتفاجأ بأنّ ابتسامتها قد ازدادتْ عمّا عليه قبل قليل وبدأت أسنانها تظهر )
يا إلهي .. ماذا جَرى لهذهِ اللوحة ؟! ، ما هذا التغيُّرُ الذي طرأ عليها؟! ، قبلَ قَليلٍ تَرَكْتُها بابْتسامَةٍ خَفيفةٍ ، لَقدِ اتَّسَعَتِ ابْتسامَتُها الآن ... حتى ظهرتْ أسْنانُها.
( يفكر )
هلْ أنا أحْلُمُ؟! ، أم هلْ أصابَ عَقْلي شيْءٌ؟!.
( يتفحص نفسه )
لا لا لمْ أُصَبْ بالجُنون ... ما زِلْتُ بكاملِ قُواي العَقْليّة.
لكنْ ما سِرُّ هذا التغيُّرِ في هذهِ اللوحة؟! ... أيكونُ قدْ فَرَحَتْ بِعَوْدَتي إليها ، فابْتَسَمَتْ أكْثر ... أمْ هلْ هُناكَ جِنٌّ يَسْكُنُ فيها؟!  ... ها ...
لا لا ... لقدْ ذَهَبَ تَفْكيري بَعيدًا.
( يسارع في تغطيتها ويجلس على الكرسي وهو في حالة قلق شديدة ثم يشعل سكارة )
الرسام: (يفكر):
هذه ليستِ المرَّةَ الأولى التي ألاحظُ فيها أنَّ هناكَ تغيراتٍ تَطَرَأُ على هذهِ اللُّوحةِ ، كُلّما لامَسَتْ فُرْشاتي خَدَّها أو شَفَتَيْها ازْدادتْ بَشاشَةً وسُرُورا ...
في بدايةِ الأمْرِ كُنْتُ أظنُّ أنَّ الأمْرَ ما هو إلّا تَخَيُّلاتٌ أو تَصَوُّراتٌ ، لكنْ بِمُرورِ الأيّامِ بدأ الأمْرُ يَتَّضِحُ أكْثَرَ ، واليوم تأكَّدْتُ أنّي لمْ أكُنْ أتَخَيَّلُ أو أتَصَوَّرُ.
ولكنْ كَيْفَ يَحْدُثُ هذا مِنْ لَوْحَةٍ مُكَوَّنَةٍ مِنْ قِماشٍ وإطارٍ خَشَبيٍّ وأصباغ؟!!.
لا لا .. هذا غَيْرُ مَعْقولٍ ، إذَنْ عَلَيَّ أنْ أُراجِعَ طَبيْبًا.
( ينهض مسرعا بعد أنْ يُطفئ سكارته ويتجه إلى اللوحة الأولى ، فيزيل الغطاء عنها فإذا بابتسامتها قد اختفت تماما وهي في حالة حزن واكتئاب ).
الرسام: ما هذا؟!! ، هلْ أنا في حُلْمٍ أم ماذا؟!! ، قبلَ قليلٍ تَرَكْتُها ، وهِيَ مُبْتَسِمَةٌ ، وأسنانُها ظاهِرَةٌ ... ، والآنَ أجِدُها مِنْ غَيْرِ ابْتِسامَةٍ ، وَقَدْ أصابَها الحُزْنُ والاكتِئاب ...
أمَعْقولٌ هذا الذي يَحْدُثُ في اللَّوْحَةِ أم هُوَ مَوْجودٌ في عقلي.
(يفكر)
حَسَنًا .. سَأبْتَعِدُ عنها ، وأُراقِبُ ماذا يَحْدُثُ لها؟
( يعمل على اللوحات الأخرى وبعد لحظات يسمع صوت أنين وحركة خفيفة في الغطاء الذي يغطيها ).
الرسام: ما هذا الذي أسْمَعُهُ؟! ... إنّي أسْمَعُ أنينًا ...
نَعَمْ ، أسْمَعُ أنينًا يَصْدُرُ مِنَ هذهِ اللَّوْحَةِ ... كما أرى غِطَاءَها يَتَحَرَّكُ.
(يصرخ)
يا إلهي ، سَأُجَنُّ ... كَيْفَ يَحْدُثُ هذا؟!!
( يقترب من اللوحة الأولى فينقطع الأنين وتتوقف الحركة )
لماذا تَوَقَّفْتِ عنِ الأنينِ والحَرَكَةِ؟ ... هَيّا تَحَرَّكي أيَّتُها اللَّوْحَةُ  ... هَيّا.
انْطِقي ... قولي شَيْئًا ... أيَّ شَيْءٍ ... أرْجوكِ قولي شَيْئًا ... لا لِشَيْء ... إلّا لأتَأكَّدَ أنَّ عَقْلي سَليْمٌ ...
هَيّا تَكَلَّمي ... قلتُ لَكِ: هَيّا تَكَلَّمي ...
بِسَبَبِكِ سَأُصابُ بِالْجُنونِ ، وَإلّا فما سَبَبُ تَعَلُّقي بك؟! ، وَأَنْتِ لوحةٌ جامِدَةٌ فَحَسْبُ ... صَمّاءُ لا رُوْحَ فيها ولا مَشاعِر ...
نَعَمْ .. أنْتِ مِنْ وَحْي خَيالي ... رَسَمْتُكِ ؛ لِتَكوني لوحةً مِنْ لَوْحاتِ مَعْرِضي القادمِ ... هَيّا ... قُولي ... تَكَلَّمي ...
أخْبِريْني .. ما سِرُّ تَعَلُّقِي بِكِ؟!
ما أنْ أدْخُلَ المَرْسَمَ حتّى اتَّجِهَ إليكِ مِنْ غَيْرِ شُعُوْر ...
كثيرًا ما أشْتاقُ إليكِ ، وأنا خارِجُ المَرْسَم ...
شَغَلْتِ تَفْكيري ، وَأخْبَرْتُ أَحَبَّ أصْدقائي عِنْكِ ، وَعَنْ سِرِّ تَعَلُّقي بكِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ هذا التَّعَلُّقَ بِأنّي كُنْتُ أُحِبُّ فَتاةً في الماضي تُشْبِهُكِ ... فَبِلا شُعورٍ رَسَمْتُكِ وَتَعَلَّقْتُ بِكِ.
لكنّني لمْ أُحِبَّ أيَّ فَتاةٍ قَبْلَكِ! ، وما أنْتِ إلّا لَوْحَةٌ رَسَمْتُها مَعَ هذهِ اللَّوْحاتِ الموجودةِ في المَرْسَمِ ؛ مِنْ أجْلِ أنْ أُشارِكَ في المَعْرِضِ السّنوي.
قُولي لي مَنْ أنتِ؟، هل أنتِ إنْسٌ أم مِنَ الْجِنِّ ، ولكنْ مهما تَكوني فَسَأُشارِكُ بِكِ في المَعْرِضِ مَعَ كِبارِ الرَّسْامِينَ ، وأنا مُتَأكِّدٌ أنَّكِ سَتَفوزينَ بِجائزةِ أجْمَلِ لَوْحَةٍ في المَعْرِضِ ، وَسَيَقْدِمُ الكَثَيرُ مِنْ رُوّادِ المَعْرِضِ على شِرائكِ ...
لَنْ أبيعَكِ ، حتّى لو دَفَعوا لي ثَمَنًا كبيرًا ، وَسَأحْتَفِظُ بكِ في مُقْتَنَياتي الخاصّةِ ، وَسَأُعَلِّقُكِ في أجملِ مكانٍ في بيتي ... أتَذَكَّرُ عندما كنتُ طالبًا أدْرُسُ فنَّ الرَّسْمِ في المرحلةِ الأولى كانتْ أوّلُ محاضرةٍ ألقاها علينا أحَدُ الأساتذةِ تَحَدَّثَ فيها ، وقال: أوصيكُمْ عندَما تَصْبَحونَ في المستقبلِ رسّامين كبارًا ومشهورين عليكم أنْ تُحِبّوا لَوْحاتِكم وأعْمالَكُم بالتّساوي كحُبِّ الأبِ لأولادِهِ ، ولا تُفَرِّقوا بينَ لوحةٍ وأخري ، لكنّني أعْتَرِفُ لكِ أنّني أُحِبُّكِ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ أعْمالي ، وأميلُ وأعْتَني بِكِ ، وهذا ليسَ بيدي ، وإنّما هوَ أمْرٌ خارجٌ عَنْ إرادتي.
كثيرًا ما يَعْشَقُ الرّسامُ أعْمالًا يَرْسُمُها مِنْ وَحْيِ خَيالِهِ ، وَيَتَعَلَّقُ بها إلى حَدِّ التَّمَسُّكِ ، وأنتِ أيَّتُها الفتاةُ الجميلةُ الموجودةُ في هذه اللوحةِ عَشِقْتُكِ وأنْتِ لا وجودَ لكِ في الحياة ... أصْبحْتِ بالنِّسْبَةِ لي كُلَّ شَيْءٍ ... هواجسُ كثيرةٌ تَنْتابُني ، وأنا أمْسِكُ الفُرْشاةَ وأضَعُها على وَجْهِكِ ... أُحِسُّ أنّني أُمَرِّرُها على جَسَدٍ بَشَريٍّ طَرِيٍّ يَنْبُضُ بالحياةِ والحُبِّ والجَمال.
( يشعل سكارته ... لحظات صمت )
والآن يا لَوْحَتي الحبيبةَ أسْتَأْذِنُكِ ؛ لأُنْجِزَ ما تَبَقّى لي مِنْ عَمَلٍ.
( بغطيها ويبدأ العمل باللوحات الأخرى ... فجأة ينقطع التيار الكهربائي ويعم الظلام في المكان )
تَبًّا لهذا التيارِ الكَهْربائيِّ اللعينِ الذي ما أنْ أبَدَأَ العَمَلَ حتّى يَنْقَطِعَ وَيَقْطَعَ مَعَهُ سِلْسِلَةَ أفْكاري ... في الظُّلْمَةِ أفْكاري كلُّها تَضْطَرِبُ ، وأفْقِدُ القُدْرَةَ على التّخيُّلِ ... فأنا أكْرَهُ الظُّلْمَة.
( يعود التيار الكهربائي وإذا بفتاة جميلة واقفة أمام الرسام )
الرسام: ( بتعجب شديد )
مَنْ... مَنْ أنتِ ؟!!!
الفتاة: كُنْتُ أظنُّ أنَّكَ تَعْرِفُني!
الرسام: يبدو أنّي قد رأيتُكِ في مَكانٍ ما ، ولكنْ لا أذْكُرُ أين ومتى ... المُهِمُّ ، وجْهُكِ ليسَ غريبا.
الفتاة: (تضحك)
لا غريبَ إلّا الشيطان.
الرسام: حَقًّا ، لا غريبَ إلّا الشيطانُ ، ولكنَّ الذاكِرَةَ تَخُونُني الآن ، لا أذْكُرُ المكانَ ، ولا المناسبةَ التي رأيتُكِ فيها.
الفتاة: المناسبةُ أنّكَ في كلِّ يومٍ تَراني ، والمكانُ هُنا في هذا المَرْسَم.
الرسام: في هذا المَرْسَمِ؟! ، لا أفْهَمُ ما تقولينَهُ.
الفتاة: أنا ... لوْحَتُكَ المُفَضَّلَةُ.
الرسام: لَوْحَتي المُفَضَّلَة! .... كُلُّ لَوْحاتي هي مُفَضَّلَةٌ عندي.
الفتاة: ( تؤشر إلى اللوحة ):
انْظُرْ.
الرسام: ( ينظر إلى المساند ، فيجدها من غير صورة ، إطارٌ فقط )
ما هذا يا إلهي؟! ، أينَ ذَهَبَتِ الصُّورَةُ ؟! ... مَنْ سَرَقَها؟!.
(يبحث)
أينَ الصُّورَةُ ... أينَ الصُّورَةُ؟!
الفتاة: لا تَبْحَثْ ، فَلَنْ تَجِدَها.
الرسام: كيفَ لا أجِدُها وأنا قَبْلَ قَليلٍ كُنْتُ أضَعُ لَمَساتي الأخيرةَ عليها؟!!.
أينَ الصورة؟!.
الفتاة: سَأُوَفِّرُ عَليكَ الوَقْتَ ... أنا الصُّوْرَةُ التي تَبْحَثُ عنها.
الرسام: ماذا ... أنتِ الصُّوْرَةُ ... التي كانتْ في اللوحة؟!.
الفتاة: نعمْ ، أنا التي كُنْتُ في اللوحة.
الرسام: أكادُ لا أُصَدِّقُ ما تَراهُ عيني.
الفتاة: عليكَ أنْ تُصَدِّقَ ما تَراهُ عَيناكَ الآن.
الرسام: مَنِ الذي أخْرَجَكِ مِنَ اللوحة؟!.
الفتاة: أنت.
الرسام: أنا ... كيف؟!.
الفتاة: ألمْ يَقولوا: إنَّ الحُبَّ يَخْلِقُ المُحال.
الرسام: نعمْ ، ولكنْ ...
الفتاة: (تقاطعه)
وقوفي أمامَكَ الآن هو هذا المُحالُ ... حُبُّكَ لي واهتمامُكَ الكبيرُ أخْرَجَني منَ اللوحةِ ؛ لأشاطِرَكَ عالمَكَ الجميل.
الرسام: لكنَّكِ لمْ تَكوني إلّا لوحةً لا حياةَ فيها.
الفتاة: الأرضُ ، ألمْ تَكُنْ جَمادًا ، ولكنْ ما إنْ يَنْزِلُ عليها المَطَرُ حتى تَهْتَزَّ وَتُنْبِتَ ، فَرُوْحُكَ أمْطَرَتْ عَلَيَّ ، وأعادتِ الحياةَ لي.
الرسام: ما الذي جَعَلَكِ تأنّيْنَ عندَما أُغادِرُكِ لأعْمَلَ في اللوحات الأخرى.
الفتاة: الحُبُّ.
الرسام: الحُب؟!.
الفتاة: لا أُحِبُّ أنْ تَهْتَمَّ بغيري.
الرسام: ولكنْ مَوْعِدُ المَعْرِضَ أصْبَحَ قريبا.
الفتاة: سأكونُ أنا اللوحةَ الوَحيْدَةَ في مَعْرِضِكَ القادم.
الرسام: هذا غيرُ مَعْقول!!.
الفتاة: لِماذا غيرُ مَعْقول؟!.
الرسام: لابُدَّ للمَعْرِضِ أنْ يَحْتويَ على عددٍ منَ اللوحاتِ.
الفتاة: ألمْ أقُلْ لكَ: إنّي سأكونُ أنا مَعْرِضَكَ القادمَ ، وكلَّ شيْءٍ في حياتِكَ ... هَيّا تَعالَ ، اقْتَرِبْ ... اقْتَرِبْ منّي.
( يقترب منها ... موسيقى ويبدآن بالرقص )

الرسام: ( يتوقفان عن الرقص ... يضحك )
الله ... الله ما هذا الجمال؟!! ... فِعْلًا سَتَكونينَ كُلَّ شَيْءٍ في حياتي ، وَسَأُلْغي كُلَّ شَيْءٍ مَنْ أجْلِكِ.
( يقوم بتغطية كل اللوحات في المرسم )
سَتَكونيْنَ أنْتِ وَحْدَكِ مَعْرِضي الدائمَ الذي سَأُقيْمُهُ في كُلِّ الأمْكِنَةِ ، وَسَتُرافِقينني إلى هُناك.
( تصدر أصوات واحتجاجات من اللوحات ضد الرسام .. يحاول الرسام تهدئة الوضع )
الرسام: ما هذا الذي يَحْدُثُ في المَرْسَم؟! ... إنّي أسْمَعُ أصواتَ شَجْبٍ واستنكارٍ ... كأنّي أرى حُشودًا كبيرةً مِنْ لَوْحاتي التي سَتُشَارِكُ في المَعْرِضَ ، وهي تَرْفَعُ لافتاتٍ وَشِعاراتٍ تُنَدِّدُ ، وَتُطالِبُ بالإصلاحاتِ والعَدالةِ ...
أرْجوكُمْ ... أرْجوكُمِ التزامَ الهُدوء ... سَنَنْظُرُ بِمَطالِبِكُمْ ، وَسَنَدْرُسُها ، وإنّي أُعْلِنُ لَكُمْ مِنْ هذا المَكانِ أنَّ المَعْرِضَ سَيُقامُ في وَقْتِهِ ، وإنَّ كُلَّ اللوحاتِ سَتُشَارِكُ فيه ... لَيْسَتْ هُناكَ تَفْرِقَةٌ بينَ لوحةٍ وأخرى ... أنا هُنا مِنْ أجْلِكُمْ جَميعًا ... أرْجوكُمْ أنْ تَلْتَزموا الهُدوءَ ، والمُحافَظَةَ على مُمْتَلَكاتِ المَرْسَم.
صوت اللوحة الثانية: نحنُ نُطالبُ بالعَدالةِ ... ألمْ تَقُلْ لنا: إنّنا كأولادِكَ لا تُفَرِّقُ بيننا.
الرسام: أنا لا أُفَرِّقُ بَيْنَكُمْ ... أنا أُحِبُّ الجَميعَ بِالقَدْرِ نفسِهِ.
صوت اللوحة الثالثة: أنْتَ تُلْغي وُجُودَنا ... هُناكَ إقْصَاءٌ مُتَعَمَّدٌ لنا.
الرسام: أنا لا أُلْغي وُجُودَكُمْ أبدًا.
صوت اللوحة الرابعة: لمْ تُعَامِلْنا بالتّساوي ... أنْتَ غَيْرُ عادِل.
صوت جميع اللوحات: أنْتَ غَيْرُ عادلٍ ... أنْتَ غَيْرُ عادل.
الرسام: هذا غَيْرُ صَحيحٍ ... أرجو أنْ تَكْفُفْنَ عَنْ هذا الهُراءِ ... أنا أَتَعامَلُ مَعَ الجَميعِ بالتساوي.
صوت اللوحة الثانية: أيُّ تَساوٍ هذا الذي تَتَكَلَّمُ عليه؟! ... أنْتَ تَقْضي جُلَّ وَقْتِكَ مَعَ اللوحةِ الأولى ... كلُّ اهْتمامِكَ لها.
الرسام: (بارتباك): أنا؟!.
صوت اللوحة الثالثة: الزيتُ الفاخِرُ والألوانُ الزاهيَةُ تَضَعُها على اللوحةِ الأولى ، وَنَحْنُ تَضَعُ لنا الألوانَ المائيَّةَ الباهتة.
الرسام: كَذِبٌ ... كُلُّ ألْواني فاخرةٌ ، وَمِنْ مَناشئ مُحْتَرَمَة.
صوت اللوحة الرابعة: والإطاراتُ ... انْظُرْ إلى إطارِ اللوحةِ الأولى ، إنّهُ مَصْنوعٌ مِنْ أجْوَدِ الأخْشابِ الغالية وأرْقاها ، أمّا إطاراتُنا فَمَصْنوعةٌ مِنَ الأخشابِ القديمةِ والمستعملة.
الرسام: ( ينهار)
كَذِبٌ ... كَذِبٌ ... كَذِبُ.
كُلُّكُنَّ تَكْذِبْنَ في هذا المَرْسَم ... أنا لا أُفَرِّقُ بَيْنكُن ... أعْمَلُ بالألوانِ نفسها للجميع ، وبالإطاراتِ نَفْسِها ، وبالاهتمامِ نَفْسِه ... أنا أُحِبُّ الجميعَ ، وبِالقَدْر نفسِه ، ولا أُفَرِّقُ بينكُن.
الفتاة: أنا أرْفُضُ أنْ تُحِبَّني بِالقَدْرِ نَفْسِهِ الذي تُحِبُّ به باقي اللوحاتِ ... أنا لَوْحَتُكَ المُفَضَّلَةُ ، وأنا الأجْمِلُ والأرْقى.
الرسام: ( بعصبية )
أرْجوكِ أنْ تَهْدَئي إلى حينِ حَلِّ النّزاع.
الفتاة: ( للوحات )
أنا اللوحةُ المُمَيَّزَةُ ، وَسَأبْقى اللوحةَ المُمَيّزَةَ والوَحيدَةَ في هذا المَرْسِمِ ، ولا يُمْكِنُ أنْ تُقارِنَني بهذهِ اللوحاتِ البائسَة.
( موسيقى ... تقوم بإسقاط كلَّ لوحات المرسم على الأرض وأيضا المساند وكل أدوات المرسم وهي تصرخ )
أنا الوَحيدَةُ في المَرْسَمِ ... أنا سَيِّدَةُ المَرْسَم ... أنا سَيِّدَةُ المَرْسَم.
الرسام: كفى ... قُلْتُ لكِ: كفى.
الفتاة: ( تصرخ )
اتْرُكْني ... قُلْتُ لكَ: اتْرُكْني.
الرسام: ( يصفعها بقوة ... تتوقف وتنظر إليه بصمت ... موسيقى ... ينقطع التيار الكهربائي )
الرسام: (بعصبية)
ما هذا؟! ... التيارُ الكَهْربائي اللَّعينُ ... إنّهُ في انْقطاعٍ مُسْتَمِرٍّ ... ها، قدْ عادتِ الظُّلْمَةُ ثانيةً ... لا أكادُ أرى يدي ... أينَ الكُرْسيُّ؟! ... أخشى أنْ أصْطَدِمَ بشيء ... أينَ أنتِ؟! ... حبيبتي  ... لا أسْمَعُ صَوْتَكِ ... أنا آسِفٌ ... أنا لمْ أكُنْ أُريدُ صَفْعَكِ ، ولكنّي أرَدْتُ تَهْدِئَتَكِ  ... اعْذُريني ... حبيبتي ... لَنْ أُكَرِّرَها ... أنتِ سَيِّدَةُ المَرْسَمِ ، وَسَيِّدَةُ روحي.
( يعود التيار الكهربائي )
الرسام: ( يبحث عن الفتاة )
أينَ أنتِ؟ ... أينَ ذَهَبْتي؟
( ينظر وإذا بها قد عادت إلى اللوحة )
ماذا؟! ... هلْ رَجَعْتي إلى صورةٍ؟!!.
( بحزن )
لماذا عُدْتي وَتَرَكْتِني وحدي؟ ، لماذا؟ ... ، لمْ أفْعَلْ لكِ شيئًا ... أرْجوكِ عُوْدي، فأنا لا أسْتَطعُ العيشَ مِنْ دُونِكِ ... عودي ، وَسَأُلْغي فِكْرَةَ المَعْرِضِ ... أرْجوكِ لا تَتْرُكِيني حَبيْسَ هذا المَرْسَم ... أرجوكِ عودي ، واخْرُجي مِنْ هذا الإطارِ اللعين.
( بهستريا )
أنا ... أنا أكْرَهُ كُلَّ لَوْحاتي ، وأدواتي ، وأصباغي.
( يصرخ بقوة )
أنا أكْرَهُكِ ... أنْتِ سَبَبُ جُنوني ، أنا أكْرَهُكِ ... أنا أكْرَهُكُمْ جَميعًا ... أنا أكْرَهُكُمْ جميعًا ... أنا أكْرِهُكُمْ جميعًا.
(يسقط ... موسيقى... ينقطع التيار الكهربائي ... يظهر صوت العود ، يعزف وصوت المغني يؤدي ... في أثناء الغناء تبدأ الإضاءة تكشف المكان ، وتكشف صور اللواحات معلقة في المعرض الواحدة تلو الأخرى وأخيرا يظهر الرسام قد تحول هو الآخر إلى صورة داخل إطار تنتهي الأغنية عند صورة الرسام)
كلمات الأغنية
يا لَوْحَةً ، فيها البَشاشَةُ والأمَلْ
قد أوْغَلَتْ في وَصْفِها كُلُّ الجُمَلْ
يا لَوْحتي ، إنّي هُنا
خَلْفَ الإطارِ مُكَبَّلُ
يا لوحةَ الثَّلْجِ المُذاب
عَصائِرٌ دارتْ هُنا
حتّى الصّباحِ ، وَزَغْرَدَتْ .. فَتَكَلَّمي
يا لوحتي ، إنّ الإطارَ يَضيقُ بي
فَدَعي الإطارَ ، وَحَلِّقي
واسْتَغْرِقي كُلَّ المَدى ، وَتَعَلَّقي
بِخُيوطِ الشَّمْسِ في الضُّحى
كَيْ تَبْعَثي فينا الأمَلْ.
                                           ستار                                                                  

  الفلوجة
3/ 1/ 2023م 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption