الإحتفالية حلال / د. عبد الكريم برشيد
مجلة الفنون المسرحية
السؤال الأن
نعم، الاحتفالية حلال، هكذا كانت، في سالف العصر والأوان، وهكذا سوف تبقى دائما، رغم ما قد يقوله بعض فقهاء التحريم والتجريم، والذين لا يعجبهم العجب، ولا الصيام في رجب، والذين يقولون ما لا يعلمون، ويتقولون على الحق والحقيقة. لا سامحمهم الله ولا غفر لهم
لقد علمني المسرح، انا التلميذ النجيب في مدرسته الابتدائية، ان اكلم كل الناس بلغاتهم، وان لا احدثهم الا بما قد يفهمون، وانا مستعد لأن اكتب للناس، البوم وغدا. وفي كل يوم، وان احدثهم بلغاتهم التي لا يفهمون غيرها، وان انزل إلى كل مستوياتهم، مهما بالغت في السقوط والانحدار، وهذا هو دور من يريد الإصلاح، ومن يريد ان يعالج هذا المجتمع المريض، وان يداوي بعض الأمراض بالكي او بالإبر الصينية، وهذا ما سوف اقوم به في هذه الكتابة، والتي قد تكون في ظهرها ساخرة وهزلية، ولكنها في عمقها البعيد جادة وعاقلة
ومرة أخرى اقول، هذه الاحتفالية التي شغلت البلاد والعباد حلال، واقسم على هذا بانها فعلا حلال مائة في المائة، وزيادة، وكل من يقول عكس هذا فهو كاذب ومزور
هذه الاحتفالية قد تكون شرابا، ويكون هذا الشراب بدرجة دواء، وهي فعلا كذلك، فهي شراب سحري وشعري وفكري منعس ومدهش، ومن قال غير هذا فطالبوه بالدليل وبالحجة والبرهان. ولمن يريد أن يعرف نوع هذا الشراب وطبيعته نقول ما يلي:
هو شراب العارفين، وهو شراب المؤمنين الصادقين، وهو شراب الباحثين عن الحق والحقيقة، وهو شراب عشاق الجمال والجلال، وهو شراب الباحثين عن الكمال والاكتمال، سواء الفكر و في الفن او في العلم او في الرؤية، او في سبكة العلاقات الإنسانية.
أما بالنسبة للذين يسألون عن مدة صلاحية هذا الشراب الاحتفالي السحري، فيمكن أن نقول ما يلي:
هي مدة مفتوحة، وغير محددة ولا محدودة، وهي صالحة اليوم وغدا وفي كل يوم، وواهم كل من ينتظر ان تصبح هذه الاحتفالية من الماضى، لأن روحها وجوهرها الحقيقي والاصدق، هو الموجود في الآتي من الأيام والآعوام، وبهذا كانت صالحة لكل الناس في كل زمان ومكان.
أما بالنسبة لمن يسال عن لون هذا الشراب، هل هو نفس لون الحليب او لون الخمرة، نقول هو لون الهواء ولون الماء، هكذا صاغها رب العالمين، وهكذا اراد لها ان تكون، أي ان تكون دائما شفافة، وان تكون صافية، وان تكون مشرقة دائما بنور الله، ومن كان من الناس يعتبرها بضاعة وسلعة، فاننا نقول له، هي اولا ليست شيئا من الأشياء. ولكنها حياتنا الجديدة والمتجددة، وحياتنا جديدة ومتجددة دائما بتجدد الأنفاس في صدورنا، وبتجدد الطاقات المتجدد في هذا الكون اللامحدود واللانهائي.
هذه الاحتفالية السلعة، لا وجود لها في الدكاكين ولا في الأسواق الصغرى او الكبرى، وهي بهذا سلعةرمزية وروحية سليمة دائما وابدا، بالإضافة إلى انها خالية من الكحول ومن المواد الحافظة ومن الملونات، وان مدة صلاحيتها هي نفس صلاحية هذه الحياة المتجددة بتجدد الأيام والليالي.
وهذه الاحتفالية صالحة للأبدان، في غذائها الفكري والروحي، تماما كما هي علاج فعال للنفوس المريضة، وانها دواء ضد الاكتئاب وضد السام وضد الملل، وفي المقابل، فهي بهجة و فرح، وهي دعوة للفرح الصادق والمستحق، وما يميز هذا الدواء الاحتفالي هو انه بغير مضاعفات جانبية، وانه غير موجود في الصيدليات، ولكنه موجود في مسرح الحياة، وفي حياة المسرح، وهل هناك ما هو اكثر صدقا ومصداقية من مسرح الحياة ومن حياة المسرح ؟
وللذين مازال في نفوسهم شك اقول ما يلي، لقد تم تجريب هذه الاحتفالية، ميدانيا وإجرائيا، وفي كل مختبرات العلم والفكر والفن والأخلاق، وثبت ثبوتا صحيحا وشرعيا، ان هذه الاحتفالية سليمة، وان التاريخ لم يسجل انه في بوم من الأيام، قد اشتكى الناس منها، ولم نسمع عاقلا من العقال يقول(كفانا من هذه الاحتفالية المضرة بالصحة وبامن واستقرار البلاد والعباد) ولا نظن ابدا انه سوف يوم قيامي وعدمي وظلامي، يوم لا يشبه كل الأيام، ونسمع من يقول لنا (لقد شبعنا، حد التخمة، فرحا وسرورا وسعادة، ونشتاق لأيام ماتمية سوداء ومظلمة لا بهجة فيها ولا فرح ولا احتفالات ولا أعياد).
ونحن نحب هذه الاحتفالية، وهذا شيء طبيعي، لأنها صادقة وجميلة، وحقيقية دائما، ومن ذا الذي لا يحب الصدق والجمال، ويحب الحق والحقيقة؟ ولأنها أيضا احتفاليتنا التي تشبهنا ونشبهها، ولأنها اصيلة، وانها نبت هذه الارض وبنت هذه السماء، ولأنها تطرح كل أسئلة الساعة الحقيقية، ولأنها واضحة وصريحة وجريئة وجديدة ومتجددة وثورية وصادقة ومشاكسة ومشاغبة ومستفزة ومتحركة ومتفاعلة مع الزمن، ومع أحداثه، ومن اهله، ومع قضاياه، ومع علمه، ومع فكره، ومع فنونه، ومع مكتشافته، ومع مخترعاته، ومع صناعاته، ومع تحدياته، ومع منعطفاته، وايضا، مع هزاته التي تعيد ترتيب الأفكار، وتعيد ترتيب الأشياء، وتعيد رسم خرائط العقل وخرائط الوجدان وخرائط الروح في جغرافيا العالم
وهذه الاحتفالية، ليست حلالا فقط، ولكنها واجب وجودي قبل كل شيء، وهي فرض عين، وذلك على كل انسان عاقل، يعي انسانيته، ويعرف ان الحياة امانة من واهب الحياة، وان الفرح هو الأصل، وانه منحة وليس محنة، وان الحزن عطب من اعطاب الطريق، وانه من صناعة أعداء الحياة، ومن تدبير اعداء الفرح، ومن الاعيب اعداء الاحتفال والتعييد.
ولقد غاب عن بعض الكتبة، ممن يعرفون رسم الحروف والكلمات، ولا يعرفون دلالاتها الخفية، ان هذه الاحتفالية، في مَعناها الحقيقي، هي استجابة لأمر الحياة ولأمر التاريخ، وقبل هذا، فهي استجابة لإرادة رب العالمين، والذي فتح بصرها وبصيرتها للحق والحقيقة، والذي اضاء عقلها وروحها بانواره الربانية المشرقة، والذي أمرها ان تقرأ المكتوب، في الطبيعة وفي المجتمع وفي قلوب وعقول الناس، وان تقرأ السطور، وتقرا ما خلفها، وما فوقها وما تحتها، وان تكون قراءتها شاملة وكلية وانسانية وكونية جامعة، وليست مجرد قراءات مدرسية او ايديولوجية محدودة، وان تتم بعين واحدة، ومن زاوية واحدة، حادة وضيقة، وان يكون هدفها فقط، هو الانتصار على الخصم السياسي، او مجرد النجاح في الامتحان، وذلك للحصول على الشواهد الورقية، وعلى الألقاب العلمية التي ليس بها علم ولا فكر ولا فن ولا اية صناعة من الصناعات الفنية والتقنية.
هذه الاحتفالية هي فعلا كتابة كتاب، ولكنها قبل ذلك، هي حياة نفوس وحياة عقول حية، وهي اسفار وجدانية متجددة، وذلك في (غابات العلامات والإشارات) وفي عوالم الناس والأشياء وفي كل امتدادات التاريخ والجغرافيا.
ولقد ابتدات هذه الاحتفالية من درجة الصفر، وكانت دائما مصرة على ان تنظر، إلى نفسها اولا، والى محيطها ثانيا، وان يتم هذا النظر بكل الحواس، اي بالعين وبالعقل وبالوجدان وبالروح وبالخيال، وهذا ما يفسر ان تكون – في جزء منها – تنظيرا فكريا وجماليا واخلاقيا موسعا، وان تكون في الجانب الآخر إبداعا أدبيا وفكريا وجماليا مثيرا ومدهشا دائما، وهذا هو المقصود من قول الاحتفاليين بان هذه الاحتفالية، الجديدة والمتجددة، هي اساسا تفكير وتعبير وتدبير، وانها تفكير حي، من داخل الحياة اليومية، وليست تفكيرا تجريديا ومنعزلا في الأبراج العاجية العالية والمتعالية.
وأعود لاقول، بان هذه الاحتفالية، الملتزمة بشروط الوجود والحياة، هي احتفالية حلال، لأنها سطرت لها أهدافا جميلة ونبيلة، وأنها قد اتبعت الصراط المستقيم لبناء الإنسان السليم في المجتمع السليم، وبناءالمدينة الاحتفالية الفاضلة، وبالمناسبة، فاننا، ومن جديد، نؤكد لكل من يهمه امر هذه الاحتفالية، بأن الطريق الذي اختارته واختارها، هو الطريق الأسلم والاقرب إلى الحق والحقيقة والى الجمال والكمال، لأنه ملتزم بالخط المسقيم، والذي ليس فيه اعوجاج وليس فيه اية انحرافات ومنحرفات قاتلة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق