أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 25 ديسمبر 2025

الاحتفالية حياة رمزية في الأجساد الرمزية ــ 119/د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية
الصورة من عرض مسرحية أجراس  اخراج عمر بن سلطانه

الاحتفالية حياة رمزية في الأجساد الرمزية ــ 119

             
               فاتحة الكلام 

في كتابه ( عبد الكريم  وخطاب البوح في المسرح الاحتفالي) يسالني الكاتب ذ. عبد السلام لحيابي سؤالا غريبا، إذ يقول ( اهو ضروري ان نموت؟) وفي الجواب اقول له ما معناه، بانه من المنطقي أن نموت، تماما كما تموت اوراق الأشجار  الصفراء في فصل الخريف، وذلك من اجل ان تاتي اوراق الرببع الخضراء، وفي مسرحية ( سالف لونجة) يجد الباحث عن دوره، من يقول له بأنه لا مجال الهروب من الموت، وبانه لا معنى للخوف من الموت، يقول له:
(اهرب ما استطعت 
مائة او الف عام.. لن يحدث شيء.. لن يحدث شيء 
كل شيء رهين حضور مستمر
رهين موت يتجدد عبر الأبد)
إن هذا الموت اذن، هو السبيل الوحيد من اجل ان تاتي الحياة الأخرى، ومن اجل ان يجدد هذا الوجود حياته وحيويته، وهذا ما جعلني اقول في الجواب عن سؤال ذ. عبد السلام لحيابي ما يلي:
(شخصيا لا ارى مانعا من ان نموت نحن، من اجل ان ياتي من هم احسن منا واعلم مني وأصدق منا، واسوا الأشياء، بالنسبة للاحتفالي هو ان يموت العلماء من اجل ان ياتي الجاهلون والتافهون)
كل موت لا ياتي بالتطور وبالتغير وبالتحول والجديد والتجديد، فإنه لا معنى له، ومن الخطا ان نعتبر الموت نهاية، وهو في حقيقته بداية اخرى في كون لا وجود فيه إلا للبدايات المتجددة في الأزمان الجديدة والمتجددة، ثم ما معنى النهاية؟ وهل هناك شيء يمكن ان ينتهي بشكل كامل، وذلك في كون عناصره الأساسية الأريعة قديمة جدا؟ وهذه العناصر هي الماء والهواء والنار والتراب
وفي ديوان مسرحياته يقترح علينا الكاتب الاحتفالي العنوان التالي ( سقراط قالوا.. مات) مما يعنى ان موت سقراط، مثله مثل موت المسيح، هو مجرد قول متقولين، او هو مجرد أكذوبة كاذبين، او هو مجرد شائعة مضللين

والاحتفالية تميز بين الواقعي والحقيقي، وتوكد على ان كل ما هو واقعي في الواقع ليس  حقيقة بالضرورة، وبهذا يكون من حقنا ان نتساءل، هذا الذي نسميه الموت، إلا يكون مجرد واقعة من وقائع الواقع اليومية؟ 

              حياة الأفكار الرمزية اصدق من حياة الأجساد 

وبالنسبة للاحتفالي، فإن اسوا شيء، في مسرحية الوجود، هو ان هو تكون بطلا مأساويا في مسرحية كوميدية، او ان تكون كوميديا في مسرحية مأساوية، وان تكون مثل نبي اخطأ الطريق، وجاء في غير زمانه، وجاء الى غير قومه، وكان بذلك مثل صالح
 في ثمود، وان يكون مثل كاتب كتب رسالة، بها علم وشعر وفكر وجمال، ولكنه بعث بها إلى العنوان الخطأ، وبذلك فقد كان ضروريا ان تعود إليه رسالته وقد كتب علبها ( المرسل إليه غير غير موجود) او (المرسل اليه غير معروف) وما معنى ان نكتب الرسائل لمن لا نعرفه، ولمن نجهل عنوانه؟  
(حياة أفكاري اهم من حياتي) هو عنوان فرعي في النفس الثاني من مسرحية ( سقراط قالوا.. مات) مما يعنى أن الأفكار لها دورة حياتها الخاصة، وانها تحتاج لمناخ ثقافي حقيقي، فيه ماء وهواء، وفيه حرية وتحرر، وفيه صدق ومصداقبة
ولقد كان من الممكن لسقراط الا يموت، لو انه سحب افكاره، وتنكر لها، وقال امام كل الناس بان كل هذه الأفكار مضللة، وبانها ليست افكاري، وبانني بريء منها، او انه اذا هو هرب من سجنه متنكرا في زي امراة، كما اقترح عليه تلامذته، ولكنه لم يفعل، وما كان ممكنا لمن يحمل التفكار الكبيرة والخطيرة ان يفعل، ولذلك فقد قال في المسرحية الاحتفالية:
(اكيد انهم لن يحترموني يا ولدي افلاطون، ومن يمكن ان يحترم الجبان الهارب؟ وكل اقوالي التي قلت، وكل كلماتي التي كتبتموها عني، وكل افكاري التي عرفت عني، من يمكن ان بصدقها بعد الهروب؟ انا الآن بين خيارين اثنين لاثالث لهما،  إما ان احيا انا، وتموت افكاري، وهذا هو الاختبار الأول 
ـ والاختبار الثاني يا معلمنا؟ 
ـ هو ان اموت انا وتعيش افكاري..
ـ أليس هناك اختيار ثالث يا معلمنا؟ 
ــ ليته كان لي هذا الاختيار الثالث، وليتكم تأتوني به اذا وجدتموه..)
وهل وصلت البشرية الى ما وصلت من التقدم ومن التحرر ومن العقلانية إلا بفضل هولاء الذين قلنا، ونقول دائما، بانهم ماتوا .. وبخصوص حال هذا الموت، والذي هو مجرد نوم اخر، يقول سقراط في ختام المسرحية ( يا افلاطون، قل لرفاقك ألا يخافوا على معلمهم، فهو قد عاش نفس هذه الحال على امتداد أكثر من سبعين سنة، لقد تعود ان يموت مساء كل يوم، وتعود ان يبعث حيا صباح كل يوم، فاطمئنوا يا احبائي..  إطمئنوا ..  إطمئنوا )
ونفس هذا السقراط هو الذي قال للقضاة، في جلسة محاكمته،
(.. إن الحياة مع المذلة لا تغريني ..
و(الموت مع الكرامة حياة اخرى)
وبحثا عن الحياة الأخرى، الأجمل والأكمل والأنبل بالضرورة، تشكلت مسيرة الإنسان والإنسانية عبر التاريخ، وكانت حياة الأفكار هي صانعة التاريخ وصانعة التطور والارتقاء في التاريخ 

                        الحياة حالات ومقامات ودرجات

 وبالنسبة للاحتفالي فإن الموت في الحياة هو جزء من الحياة او هو مظهر من مظاهرها، او هو حال من احوالها، او هو مقام من مقاماتها، او هو درجة من درجاتها، وفي كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) يصادفنا عنوان فرعي في الكتاب يقول ( في الدورة الاحتفالية)  وفيه يمكن ان نقرا ما يلي:
( الدائرة في الاحتفالية اكمل الأشكال، وهي ايضا اقدسها، واكثرها قربا من الطبيعة ومن الثقافة ومن الإنسان ومن السماء ومن الكون) وهل هذه الطبيعة تموت إلا لتحيا مجددا؟ 
ودائما يكون البدء في الاحتفالية من الفراغ( ثم من بعد يتأسس الامتلاء، ويكون الغياب وحده، ولا شيء معه، ثم ياتي الحضور، وفي بطن كل حضور شيء كثير من الغياب، و تدور الدائرة ولا تتوقف، ويقول الإنسان الاحتفالي في هذا الكون الاحتفالي ما يلي:
( نعم، في البدء كنت عاريا، إلا من ورق التوت، ومن رحمة الله
ولدت ولا شيء معي إلا هذياني وجنوني 
وكل ما اصبح لدي بعد ذلك اكتشفته و كسبته وانتزعته، وربحته،  وتعلمته، وادركته ووصلت اليه) 
هكذا نطق الاحتفالي في ركنه الأسبوعي، في أول جريدة غير حزبية في المغرب ، والتي كانت تحمل اسم ( مغرب اليوم) عدد 21 يوليوز 1996
هناك الموت إذن، وهناك الحياة، وهناك ما قد يشبه الحياة، وما هو بحياة، وهناك ما قد يشبه الموت وما هو بموت، وهذه الحقيقية، على بساكتها لا يعرفها كل الناس، وفي مسرحية ( امرؤ القيس في باريس) وفي اخر نفس من المسرحية، يقول عامر الأعور
( إنني اشعر وكانني حي نصف حياة وميت نصف موت) مما يعني بانه لا وجود لحياة كاملة، ولا وجود اموت نهائى 
وماذا يمكن ان نقول عن ذلك القتل الرمزي، والذي هو (قتل الوقت) والذي هو تعبير شعبي يردده بعض الناس عندما لا يفعلون شيئا، ومن يمكن ان يقتل الوقت؟ ومن يحق له ان يزعم انه بقتل الوقت؟ ومن المؤكد ان من يتوهم انه يقتل الوقت، من خلال انه لا يفعل اي شيء ، انه في الحقيقة لا يقتل إلا نفسه، وهو بهذا لا يحيا إلا نصف حياة او ربع حياة، او اي شيء يمكن ان يشبه الحياة وما هو بحياة 
ومم الممكن يمضي المتكلم، ولكن الكلمة لا تمضي، ومن الممكن ان بغيب، ولكن الكلمة الصادقة لا تغيب، وبمكن يشيخ المتكلم، ولكن تبقى الكلمة الجميلة شابة وانيقة ومقنعة وممتعة ومشعة، وذلك على امتداد التاريخ
وهذا الاحتفالي، العالم في علم الكلام، والشاعر المتفقه في فقه الكلام، هو الذي وقف عند التساؤل التالي: 
( هل انا في مسرح الوجود وجه ام مجرد قناع؟
وهل انا جسد إنساني أم أنا مجرد رداء خاطه الخياط، ليؤدي دورا محدودا  في زمان محدود؟) 
وايضا في مسرحية وجودية محددة امام ادوار مسرحية اخرى، وذلك في مسرحيات لا نعرف من كتبها، ولا لماذا كتبها؟

                 الاحتفالية تمارين فكرية وجمالية في الحياة

وصورة الاحتفالية، في علاقتها بالحياة والحيوية، ليست  صورة واحدة. ولكنها صورتان اثنتان، الأولى صورة جميلة، والصورة الثانية سيئة، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي مستشهدا بما قال الحكيم كونفوشيوس ( ما يبحث عنه الرجل الرفيع موجود في نفسه، وما يلحق عنه الرجل الدنيء موجود عند الآخرين) 
( ونحن نقول من اراد ان يعرف أحسن ما في الاحتفالية، فليقرأ ما كتبه الاحتفاليون، ومن اراد ان يعرف اسوأ ما فيها، فليقرا ما كتبه عنها الذين اختاروا ـ وبشكل مجاني ـ أن يكونوا أعداءها، وان يتصيدوا اخطاءها و هفواتها، والتي قد يكون لها وجود حقيقي، أو قد تكون من نسج الخيال المريض والمعطوب، أو من ( إبداع) بعض  النفوس الكارهة والحاقدة لفعل الاجتهاد الفكري والجمالي ولفعل التجديد والتجريب)
وفي كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) يقول الاحتفالي ما يلي:
في دورة الوجود يكون البدء من الطبيعة..ومن هذه الطبيعة يتأسس الوعي الثقافي) ولعل هذا هو ما جعل الاحتفالي يحدد مسار وعيه الوجودي في الصورة التالية:
( لقد علمتني الطبيعة، بمفرداتها، ان اكتشف الحياة والحيوية
وعلمتني الحياة ان اكون مسرحيا 
وعلمتني المسرح كيف امارس حقي في الحضور 
وعلمني الحضور كيف أتجدد بالغياب وفي الغياب
وعلمني الحضور والغياب كيف اصبح احتفاليا 
وعلمني الاحتفال ان اكون مدنيا
وعلمتني المدينة كيف اصبح ديمقراطيا 
وعلمتني الديموقراطية ان اكون مختلفا)
 لأنها قالت لي بلسان المغني المغربي (ما منك زوج أنت واحد) ولقد حرصت في هذه الاحتفالية على ان اكون الواحد المتعدد، امام مرآة الروح وانتم مراة الميرح، وانتم مراة التاريخ 
وهذا الاحتفالي هو الذي قال ايضا، في نفس الصورة التي قدمها لمسيرته الوجودية ولمساره الفكري والجمالي والاخلاقي، لقد قال :
( وعلمني الاختلاف ان اكون متسامحا
وعلمتني التسامح ان اكون إنسانا وإنسانيا
وعلمتني الإنسانية أن أكون ودودا ومرحبا وعاشقا 
وعلمني العشق ان اكون متفائلا 
وعلمني التفاؤل ان اكون صبورا 
و.علمني الصبر ان ادخل الحياة وأكون حيويا 
و.علمتني الحياة ان اكون مسرحيا)
وهذا هو ما جاء في مقالة الاحتفالي (الدورة الاحتفالية) مما يعني ان الحياة تبدأ مسرحية، و(تنتهي) لتبدأ وهي مسرحية، لأنه لا وجود في الوجود إلا لمسرحية الوجود
في البدء إذن يكون المسرح، وعند نهاية وبداية دورة الحياة نجد هذا المسرح ايضا، وبذلك نكون ملتزمين بان نلعب دورنا بصدق في مسرحيات الوجود
وبخصوص هذه الدائرة المسرحية يقول الاحتفالي في نفس كتاب (فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) ما يلي
( لقد اختارت الاحتفالية المسرح لأن المسرح هو مركز الدائرة، وهي في هذه الدارة نقطة التلاقي والتقاطع والتماس، بين اليقظة والمنام، وبين الصحو والسكر، وبين العقل والجنون، وبين الطبيعة والثقافة، وبين الوجود والعدم، وبين الحضور والغياب، وبين الممكن والمحال، وبين الأصل والصورة، وبين الجسد والظل، وإن " من يختار المسرح، او يختاره المسرح، فإنه لا يمكن ان يسمى المجنون، لماذا؟ لان المسرح شكل من اشكال الجنون)
ولعل اجمل وأصدق ما في هذا الجنون المسرحي هو انه ممتع  جماليا، وانه مقنع فكريا, وانه صادق اخلاقيا 

                              آخر الكلام وبداية الكلام 
    
الحياة طريق شاق ومكلف والسير فيه ليس بالمجان، ومن يطلب الموت من اجل الحق والحقيقة، قد تكتب له الحياة الحقيقية، ومن يركب قطار الشك يمكن ان يصل إلى مدينة اليقين، او ما قد يقترب من اليقين، اما من يريد ان يريح ويستريح، فإنه ياخذ في حياته عقيدة ما، ويغلق عليه الباب، ويقول هذه الأوهام هي الحقيقة، كل الحقيقة، وان كل ما سواها باطل وقيض الريح وهام 
ويؤمن الاحتفالي بان كل شيء في الوجود، وبان كل فكرة في الحياة،  إلا ولها ما بعدها، ولها ما يخالفها ولها ما يختلف عنها، وان هذا (الما بعد) الغائب او الخفي، لا يمكن ان يشبه ال (ما سبق) ولهذا فقد عشنا في الاحتفالية ننتظر ما بعد الاحتفالية، والتي لم تات بعد، وهل يعقل ان تعبر إلى ما بعد الاحتفالية من غير ان تعرف هذه الاحتفالية اولا، وان تعرفها، وان تخالفها، وان تجادلها، وان تاتي بالبديل الفكري والجمالي والأخلاقي لها؟ 
ويعرف العارفون بان التاريخ لا يصنعه جيل عابر، ولا تصنعه موضة بعمر محدود، ولا تصنعه حساسية جديدة في الفكر والفن، حساسية يعرف الجميع بانها ستصبح قديمة بعد ايام او بعد اعوام، ولو كانت هذه الاحتفالية بعمر موضة موسمية، لكانت اليوم في ذمة التاربخ، ولو كانت مجرد حساسية مرضية لشفينا منها بفضل المضادات الحيوية
(انا احتفالي) هكذا اقول واكتب دائما، والاحتفالية شجرة أفكار، وقدرها في حياتها وحياة اعمارها، هو ان تنبت الأفكار بشكل دائم ومتجدد، وقد تموت فيها بعض الأفكار التي تشيخ، ولكن الشجرة الأم لا تموت، وقد تسقط من السجرة كثير من الأوراق الصفراء الذابلة، وذلك حتى تظهر في نفس الشجرة اوراء اخرى خضراء حية، ولولا موت الناس ما عاشت الانسانية، ولما تطورت وتغيرت وتجددت عبر التاريخ 
وفي هذه الاحتفالية عقلانية، وفيها شاعرية، وفيها إنسانية، وفيها مدنية، وفيها جمالية، وفيها حيوية، وفيها حرية، وفيها مصداقية، وفيها عبقرية، وبذلك فقد كانت حركة فكرية وجمالية واخلاقية مسالمة، وكانت متسامحة، وكانت في حياتها مع ما يسمى بالقوة الناعمة، وكانت بذلك ضد القوة العنيفة، وكانت بهذا ضد عبثية الحرب وضد عبثية وجنون كثير من المحاربين المجانين، لماذا؟ لأن الحق لا يحتاج حربا حتى يظهر، ونور الحقيقية من نور الله، وهو  لا پحتاج لمن يحارب من اجل ان تسطع شمس حقيقتها على العالمين، ويؤمن الاحتفالي بان كل ما في الحرب حمق و جنون وكل فيها لا شاعرية فيه، وفيها غاب وشريعة الغاب وفيها وحشية لا إنسانية ولا مدنية فيها
وهذه الاحتفالية التي تسافر باتجاه المدينة الفاضلة، لا تسافر ولا تخاطر عبثا، ولكن من اجل البحث عن العلاقات الإنسانية الاحتفاليةالصادقة، ومن اجل البحث عن مؤسسات وحالات ومقامات احتفالية حقيقية الكلام 

في كتابه ( عبد الكريم  وخطاب البوح في المسرح الاحتفالي) يسالني الكاتب ذ. عبد السلام لحيابي سؤالا غريبا، إذ يقول ( اهو ضروري ان نموت؟) وفي الجواب اقول له ما معناه، بانه من المنطقي أن نموت، تماما كما تموت اوراق الأشجار  الصفراء في فصل الخريف، وذلك من اجل ان تاتي اوراق الرببع الخضراء، وفي مسرحية ( سالف لونجة) يجد الباحث عن دوره، من يقول له بأنه لا مجال الهروب من الموت، وبانه لا معنى للخوف من الموت، يقول له:
(اهرب ما استطعت 
مائة او الف عام.. لن يحدث شيء.. لن يحدث شيء 
كل شيء رهين حضور مستمر
رهين موت يتجدد عبر الأبد)
إن هذا الموت اذن، هو السبيل الوحيد من اجل ان تاتي الحياة الأخرى، ومن اجل ان يجدد هذا الوجود حياته وحيويته، وهذا ما جعلني اقول في الجواب عن سؤال ذ. عبد السلام لحيابي ما يلي:
(شخصيا لا ارى مانعا من ان نموت نحن، من اجل ان ياتي من هم احسن منا واعلم مني وأصدق منا، واسوا الأشياء، بالنسبة للاحتفالي هو ان يموت العلماء من اجل ان ياتي الجاهلون والتافهون)
كل موت لا ياتي بالتطور وبالتغير وبالتحول والجديد والتجديد، فإنه لا معنى له، ومن الخطا ان نعتبر الموت نهاية، وهو في حقيقته بداية اخرى في كون لا وجود فيه إلا للبدايات المتجددة في الأزمان الجديدة والمتجددة، ثم ما معنى النهاية؟ وهل هناك شيء يمكن ان ينتهي بشكل كامل، وذلك في كون عناصره الأساسية الأريعة قديمة جدا؟ وهذه العناصر هي الماء والهواء والنار والتراب
وفي ديوان مسرحياته يقترح علينا الكاتب الاحتفالي العنوان التالي ( سقراط قالوا.. مات) مما يعنى ان موت سقراط، مثله مثل موت المسيح، هو مجرد قول متقولين، او هو مجرد أكذوبة كاذبين، او هو مجرد شائعة مضللين
والاحتفالية تميز بين الواقعي والحقيقي، وتوكد على ان كل ما هو واقعي في الواقع ليس  حقيقة بالضرورة، وبهذا يكون من حقنا ان نتساءل، هذا الذي نسميه الموت، إلا يكون مجرد واقعة من وقائع الواقع اليومية؟ 

              حياة الأفكار الرمزية اصدق من حياة الأجساد 

وبالنسبة للاحتفالي، فإن اسوا شيء، في مسرحية الوجود، هو ان هو تكون بطلا مأساويا في مسرحية كوميدية، او ان تكون كوميديا في مسرحية مأساوية، وان تكون مثل نبي اخطأ الطريق، وجاء في غير زمانه، وجاء الى غير قومه، وكان بذلك مثل صالح
 في ثمود، وان يكون مثل كاتب كتب رسالة، بها علم وشعر وفكر وجمال، ولكنه بعث بها إلى العنوان الخطأ، وبذلك فقد كان ضروريا ان تعود إليه رسالته وقد كتب علبها ( المرسل إليه غير غير موجود) او (المرسل اليه غير معروف) وما معنى ان نكتب الرسائل لمن لا نعرفه، ولمن نجهل عنوانه؟  
(حياة أفكاري اهم من حياتي) هو عنوان فرعي في النفس الثاني من مسرحية ( سقراط قالوا.. مات) مما يعنى أن الأفكار لها دورة حياتها الخاصة، وانها تحتاج لمناخ ثقافي حقيقي، فيه ماء وهواء، وفيه حرية وتحرر، وفيه صدق ومصداقبة
ولقد كان من الممكن لسقراط الا يموت، لو انه سحب افكاره، وتنكر لها، وقال امام كل الناس بان كل هذه الأفكار مضللة، وبانها ليست افكاري، وبانني بريء منها، او انه اذا هو هرب من سجنه متنكرا في زي امراة، كما اقترح عليه تلامذته، ولكنه لم يفعل، وما كان ممكنا لمن يحمل التفكار الكبيرة والخطيرة ان يفعل، ولذلك فقد قال في المسرحية الاحتفالية:
(اكيد انهم لن يحترموني يا ولدي افلاطون، ومن يمكن ان يحترم الجبان الهارب؟ وكل اقوالي التي قلت، وكل كلماتي التي كتبتموها عني، وكل افكاري التي عرفت عني، من يمكن ان بصدقها بعد الهروب؟ انا الآن بين خيارين اثنين لاثالث لهما،  إما ان احيا انا، وتموت افكاري، وهذا هو الاختبار الأول 
ـ والاختبار الثاني يا معلمنا؟ 
ـ هو ان اموت انا وتعيش افكاري..
ـ أليس هناك اختيار ثالث يا معلمنا؟ 
ــ ليته كان لي هذا الاختيار الثالث، وليتكم تأتوني به اذا وجدتموه..)
وهل وصلت البشرية الى ما وصلت من التقدم ومن التحرر ومن العقلانية إلا بفضل هولاء الذين قلنا، ونقول دائما، بانهم ماتوا .. وبخصوص حال هذا الموت، والذي هو مجرد نوم اخر، يقول سقراط في ختام المسرحية ( يا افلاطون، قل لرفاقك ألا يخافوا على معلمهم، فهو قد عاش نفس هذه الحال على امتداد أكثر من سبعين سنة، لقد تعود ان يموت مساء كل يوم، وتعود ان يبعث حيا صباح كل يوم، فاطمئنوا يا احبائي..  إطمئنوا ..  إطمئنوا )
ونفس هذا السقراط هو الذي قال للقضاة، في جلسة محاكمته،
(.. إن الحياة مع المذلة لا تغريني ..
و(الموت مع الكرامة حياة اخرى)
وبحثا عن الحياة الأخرى، الأجمل والأكمل والأنبل بالضرورة، تشكلت مسيرة الإنسان والإنسانية عبر التاريخ، وكانت حياة الأفكار هي صانعة التاريخ وصانعة التطور والارتقاء في التاريخ 

                        الحياة حالات ومقامات ودرجات

 وبالنسبة للاحتفالي فإن الموت في الحياة هو جزء من الحياة او هو مظهر من مظاهرها، او هو حال من احوالها، او هو مقام من مقاماتها، او هو درجة من درجاتها، وفي كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) يصادفنا عنوان فرعي في الكتاب يقول ( في الدورة الاحتفالية)  وفيه يمكن ان نقرا ما يلي:
( الدائرة في الاحتفالية اكمل الأشكال، وهي ايضا اقدسها، واكثرها قربا من الطبيعة ومن الثقافة ومن الإنسان ومن السماء ومن الكون) وهل هذه الطبيعة تموت إلا لتحيا مجددا؟ 
ودائما يكون البدء في الاحتفالية من الفراغ( ثم من بعد يتأسس الامتلاء، ويكون الغياب وحده، ولا شيء معه، ثم ياتي الحضور، وفي بطن كل حضور شيء كثير من الغياب، و تدور الدائرة ولا تتوقف، ويقول الإنسان الاحتفالي في هذا الكون الاحتفالي ما يلي:
( نعم، في البدء كنت عاريا، إلا من ورق التوت، ومن رحمة الله
ولدت ولا شيء معي إلا هذياني وجنوني 
وكل ما اصبح لدي بعد ذلك اكتشفته و كسبته وانتزعته، وربحته،  وتعلمته، وادركته ووصلت اليه) 
هكذا نطق الاحتفالي في ركنه الأسبوعي، في أول جريدة غير حزبية في المغرب ، والتي كانت تحمل اسم ( مغرب اليوم) عدد 21 يوليوز 1996
هناك الموت إذن، وهناك الحياة، وهناك ما قد يشبه الحياة، وما هو بحياة، وهناك ما قد يشبه الموت وما هو بموت، وهذه الحقيقية، على بساكتها لا يعرفها كل الناس، وفي مسرحية ( امرؤ القيس في باريس) وفي اخر نفس من المسرحية، يقول عامر الأعور
( إنني اشعر وكانني حي نصف حياة وميت نصف موت) مما يعني بانه لا وجود لحياة كاملة، ولا وجود اموت نهائى 
وماذا يمكن ان نقول عن ذلك القتل الرمزي، والذي هو (قتل الوقت) والذي هو تعبير شعبي يردده بعض الناس عندما لا يفعلون شيئا، ومن يمكن ان يقتل الوقت؟ ومن يحق له ان يزعم انه بقتل الوقت؟ ومن المؤكد ان من يتوهم انه يقتل الوقت، من خلال انه لا يفعل اي شيء ، انه في الحقيقة لا يقتل إلا نفسه، وهو بهذا لا يحيا إلا نصف حياة او ربع حياة، او اي شيء يمكن ان يشبه الحياة وما هو بحياة 
ومم الممكن يمضي المتكلم، ولكن الكلمة لا تمضي، ومن الممكن ان بغيب، ولكن الكلمة الصادقة لا تغيب، وبمكن يشيخ المتكلم، ولكن تبقى الكلمة الجميلة شابة وانيقة ومقنعة وممتعة ومشعة، وذلك على امتداد التاريخ
وهذا الاحتفالي، العالم في علم الكلام، والشاعر المتفقه في فقه الكلام، هو الذي وقف عند التساؤل التالي: 
( هل انا في مسرح الوجود وجه ام مجرد قناع؟
وهل انا جسد إنساني أم أنا مجرد رداء خاطه الخياط، ليؤدي دورا محدودا  في زمان محدود؟) 
وايضا في مسرحية وجودية محددة امام ادوار مسرحية اخرى، وذلك في مسرحيات لا نعرف من كتبها، ولا لماذا كتبها؟

                 الاحتفالية تمارين فكرية وجمالية في الحياة

وصورة الاحتفالية، في علاقتها بالحياة والحيوية، ليست  صورة واحدة. ولكنها صورتان اثنتان، الأولى صورة جميلة، والصورة الثانية سيئة، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي مستشهدا بما قال الحكيم كونفوشيوس ( ما يبحث عنه الرجل الرفيع موجود في نفسه، وما يلحق عنه الرجل الدنيء موجود عند الآخرين) 
( ونحن نقول من اراد ان يعرف أحسن ما في الاحتفالية، فليقرأ ما كتبه الاحتفاليون، ومن اراد ان يعرف اسوأ ما فيها، فليقرا ما كتبه عنها الذين اختاروا ـ وبشكل مجاني ـ أن يكونوا أعداءها، وان يتصيدوا اخطاءها و هفواتها، والتي قد يكون لها وجود حقيقي، أو قد تكون من نسج الخيال المريض والمعطوب، أو من ( إبداع) بعض  النفوس الكارهة والحاقدة لفعل الاجتهاد الفكري والجمالي ولفعل التجديد والتجريب)
وفي كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) يقول الاحتفالي ما يلي:
في دورة الوجود يكون البدء من الطبيعة..ومن هذه الطبيعة يتأسس الوعي الثقافي) ولعل هذا هو ما جعل الاحتفالي يحدد مسار وعيه الوجودي في الصورة التالية:
( لقد علمتني الطبيعة، بمفرداتها، ان اكتشف الحياة والحيوية
وعلمتني الحياة ان اكون مسرحيا 
وعلمتني المسرح كيف امارس حقي في الحضور 
وعلمني الحضور كيف أتجدد بالغياب وفي الغياب
وعلمني الحضور والغياب كيف اصبح احتفاليا 
وعلمني الاحتفال ان اكون مدنيا
وعلمتني المدينة كيف اصبح ديمقراطيا 
وعلمتني الديموقراطية ان اكون مختلفا)
 لأنها قالت لي بلسان المغني المغربي (ما منك زوج أنت واحد) ولقد حرصت في هذه الاحتفالية على ان اكون الواحد المتعدد، امام مرآة الروح وانتم مراة الميرح، وانتم مراة التاريخ 
وهذا الاحتفالي هو الذي قال ايضا، في نفس الصورة التي قدمها لمسيرته الوجودية ولمساره الفكري والجمالي والاخلاقي، لقد قال :
( وعلمني الاختلاف ان اكون متسامحا
وعلمتني التسامح ان اكون إنسانا وإنسانيا
وعلمتني الإنسانية أن أكون ودودا ومرحبا وعاشقا 
وعلمني العشق ان اكون متفائلا 
وعلمني التفاؤل ان اكون صبورا 
و.علمني الصبر ان ادخل الحياة وأكون حيويا 
و.علمتني الحياة ان اكون مسرحيا)
وهذا هو ما جاء في مقالة الاحتفالي (الدورة الاحتفالية) مما يعني ان الحياة تبدأ مسرحية، و(تنتهي) لتبدأ وهي مسرحية، لأنه لا وجود في الوجود إلا لمسرحية الوجود
في البدء إذن يكون المسرح، وعند نهاية وبداية دورة الحياة نجد هذا المسرح ايضا، وبذلك نكون ملتزمين بان نلعب دورنا بصدق في مسرحيات الوجود
وبخصوص هذه الدائرة المسرحية يقول الاحتفالي في نفس كتاب (فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) ما يلي
( لقد اختارت الاحتفالية المسرح لأن المسرح هو مركز الدائرة، وهي في هذه الدارة نقطة التلاقي والتقاطع والتماس، بين اليقظة والمنام، وبين الصحو والسكر، وبين العقل والجنون، وبين الطبيعة والثقافة، وبين الوجود والعدم، وبين الحضور والغياب، وبين الممكن والمحال، وبين الأصل والصورة، وبين الجسد والظل، وإن " من يختار المسرح، او يختاره المسرح، فإنه لا يمكن ان يسمى المجنون، لماذا؟ لان المسرح شكل من اشكال الجنون)
ولعل اجمل وأصدق ما في هذا الجنون المسرحي هو انه ممتع  جماليا، وانه مقنع فكريا, وانه صادق اخلاقيا 

                              آخر الكلام وبداية الكلام 
    
الحياة طريق شاق ومكلف والسير فيه ليس بالمجان، ومن يطلب الموت من اجل الحق والحقيقة، قد تكتب له الحياة الحقيقية، ومن يركب قطار الشك يمكن ان يصل إلى مدينة اليقين، او ما قد يقترب من اليقين، اما من يريد ان يريح ويستريح، فإنه ياخذ في حياته عقيدة ما، ويغلق عليه الباب، ويقول هذه الأوهام هي الحقيقة، كل الحقيقة، وان كل ما سواها باطل وقيض الريح وهام 
ويؤمن الاحتفالي بان كل شيء في الوجود، وبان كل فكرة في الحياة،  إلا ولها ما بعدها، ولها ما يخالفها ولها ما يختلف عنها، وان هذا (الما بعد) الغائب او الخفي، لا يمكن ان يشبه ال (ما سبق) ولهذا فقد عشنا في الاحتفالية ننتظر ما بعد الاحتفالية، والتي لم تات بعد، وهل يعقل ان تعبر إلى ما بعد الاحتفالية من غير ان تعرف هذه الاحتفالية اولا، وان تعرفها، وان تخالفها، وان تجادلها، وان تاتي بالبديل الفكري والجمالي والأخلاقي لها؟ 
ويعرف العارفون بان التاريخ لا يصنعه جيل عابر، ولا تصنعه موضة بعمر محدود، ولا تصنعه حساسية جديدة في الفكر والفن، حساسية يعرف الجميع بانها ستصبح قديمة بعد ايام او بعد اعوام، ولو كانت هذه الاحتفالية بعمر موضة موسمية، لكانت اليوم في ذمة التاربخ، ولو كانت مجرد حساسية مرضية لشفينا منها بفضل المضادات الحيوية
(انا احتفالي) هكذا اقول واكتب دائما، والاحتفالية شجرة أفكار، وقدرها في حياتها وحياة اعمارها، هو ان تنبت الأفكار بشكل دائم ومتجدد، وقد تموت فيها بعض الأفكار التي تشيخ، ولكن الشجرة الأم لا تموت، وقد تسقط من السجرة كثير من الأوراق الصفراء الذابلة، وذلك حتى تظهر في نفس الشجرة اوراء اخرى خضراء حية، ولولا موت الناس ما عاشت الانسانية، ولما تطورت وتغيرت وتجددت عبر التاريخ 

وفي هذه الاحتفالية عقلانية، وفيها شاعرية، وفيها إنسانية، وفيها مدنية، وفيها جمالية، وفيها حيوية، وفيها حرية، وفيها مصداقية، وفيها عبقرية، وبذلك فقد كانت حركة فكرية وجمالية واخلاقية مسالمة، وكانت متسامحة، وكانت في حياتها مع ما يسمى بالقوة الناعمة، وكانت بذلك ضد القوة العنيفة، وكانت بهذا ضد عبثية الحرب وضد عبثية وجنون كثير من المحاربين المجانين، لماذا؟ لأن الحق لا يحتاج حربا حتى يظهر، ونور الحقيقية من نور الله، وهو  لا پحتاج لمن يحارب من اجل ان تسطع شمس حقيقتها على العالمين، ويؤمن الاحتفالي بان كل ما في الحرب حمق و جنون وكل فيها لا شاعرية فيه، وفيها غاب وشريعة الغاب وفيها وحشية لا إنسانية ولا مدنية فيها
وهذه الاحتفالية التي تسافر باتجاه المدينة الفاضلة، لا تسافر ولا تخاطر عبثا، ولكن من اجل البحث عن العلاقات الإنسانية الاحتفاليةالصادقة، ومن اجل البحث عن مؤسسات وحالات ومقامات احتفالية حقيقية

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption