أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 23 أكتوبر 2015

السرقات الأدبية.. تلاص أم تناص

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

القصة الشهيرة لشكسبير'روميو وجولييت' أخذت أحداثها وفكرتها من أسطورة قديمة ومن قصة'عاشقا فيرونا' للكاتب الإيطالي ماتيو باندللو.



قديما قال الجاحظ "المعاني مطروحة في الطريق" بمعنى أن المعاني ممتدة وغير محصورة بألفاظ محددة، وهي متاحة لمن يمتلك الصياغة اللفظية لها، وهنا تكمن أهمية اللغة القالب الذي يشكل المعنى ويجسده.

لكن في مسألة السرقات الأدبية إلى أي حد يا ترى يجب أن تقف عنده هذه المقولة وما هو الحد الذي يفصل بين السرقات الأدبية وبين الادعاء بالملكية اعتمادا على هذه المقولة؟

هذا الموضوع شغل نقاد الأدب في مختلف العصور كونه ظهر منذ أن ظهرت الفنون الإبداعية ونال اهتماما كبيرا وقد عالجه النقد العربي قديمه وحديثه في دراسات كثيرة من أهم أهدافها هي الوقوف على أصالة العمل الأدبي وصحة نسبته إلى أصحابه، وتقصي مقدار ماجاء فيها من أفكار إبداعية جديدة ومن أفكار متبعة ومنسوخة أو مقلدة.

كما أظهرت الدراسات النقدية جوانب الاتفاق والاختلاف بين العمل الأصيل والعمل المبتدع وهذا احتاج من الدارسين فطنة ودراية عميقة وسعة معرفة بالأدب على مر العصور حتى يتسنى للدارس الحكم جوانب الإبداع والاحتذاء في العمل الأدبي.

ولمفهوم السرقة كما جاء في المعجم الوسيط "الأخذ من كلام الغير وهو أخذ بعض المعنى أو بعض اللفظ سواء أكان أخذ اللفظ بأسره أم المعنى بأسره" تاريخ طويل وقضايا كثيرة وأمثلة مشهورة كثرت الكتابة عنها وتناولتها الدراسات بتفصيل وتقص وأحيانا بإشهار.

الشاعر الإيطالي الشهير دانتي الليجييري المولود في فلورنسا سنة 1265 اشتهر عالميا بعمله الأدبي"الكوميديا الإلهية"، التي اخترقت سمعتها الآفاق وترجمت إلى معظم اللغات العالمية ومما نعرفه عن هذا الإبداع الشعري الخيالي الذي اصطلح الكثيرون على تسميته"الرسالة الإلهية"، هو أنها قد ألفت ما بين 1307 و 1321م، في حين كان لأبي العلاء المعري المولود سنة 947م عمل اشتهر به أيضا يدعى"رسالة الغفران" وقد نال تأثر دانتي بالمعري في الكوميديا الإلهية الكثير من الجدل كون رسالته اقتربت كثيرا من محتوى رسالة الغفران في الشكل والطرح والتناول الديني.

تحتوي الملحمة الشعرية على نظرة خيالية بالاستعانة بالعناصر المجازية حول الآخرة بحسب الديانة المسيحية، وتحتوي على فلسفة القرون الوسطى كما تطورت في الكنيسة الغربية الكاثوليكية الرومانية تنقسم الكوميديا الإلهية إلى ثلاثة أجزاء: الجحيم، المطهر، والجنة.

يتصور دانتي كما جاء في ويكيبيديا "موقع الجحيم بعيداً عن الإله الذي يشع نوراً، ويتصور المطهر جزيرة صغيرة وسطها غابة تنبض بالحياة وترمز إلى فردوس الإيمان على الأرض، فهو يصبو في قرارة نفسه إلى رحلة ارتقاء روحي نحو الكمال بهدف التقرب إلى الخير الأعلى والسكينة الدائمة".

أما المعرّي فقد كتب رسالة الغفران في قالب رسالة مشتملة على أحداث سردية تصف الأحوال في النعيم والسعير والشخصيات هناك، حيث جعل المعري من ابن القارح أحد معاصريه بطلاً لرحلة خيالية أدبية عجيبة يحاور فيها الأدباء والشعراء واللغويين في العالم الآخر، ثم استرسل بخياله الجامح في وصف أرض المحشر في يوم القيامة ووصف بأسلوب قصصي حال أهل الجنة وأهل النار وحاورهم من خلال أبي القارح في رسالته، واستفاد في إنشائه تلك الرسالة من القرآن الكريم وبالذات قصة الإسراء والمعراج.

أما السبب الذي جعل النقاد العرب وحتى المستشرقين الغربيين يجزمون باقتباس دانتي رسالته الكوميديا الإلهية من رسالة الغفران هو التشابه الكبير جدا بين العملين، مع اختلاف الأسباب التي دفعت كلا منهما إلى كتابة الملحمتين الشهيرتين ومن المعروف أن المعري كتب رسالته قبل دانتي بقرون وقد اعتبر النقاد رسالة المعري عملا أصيلا والكوميديا الإلهية عملا منقولا بتصرف.

فرسالة الغفران هي رحلة خيالية كما إلى الدار الآخرة إلى الجنة أولا ثم الى الجحيم، والكوميديا الإلهية هي نفس الشيء لكنها تبدأ بالجحيم وتنتهي بالجنة والمعري اتخذ له رفيقا وبطلا تحدث على لسانه وهو ابن القارح ودانتي اتخذ الشاعر الروماني فرجيل صديقا ومحاورا.

ورحلة المعري احتوت وقامت على حوارات مع شعراء وأدباء، ورحلة دانتي أيضا كذلك اعتمدت على حوارات مع فلاسفة وأدباء وبلغ التشابه في العملين للحد الذي أورد فيه النقاد مقاطع من الكوميديا تكاد تكون منقولة بالنص من رسالة المعري.
ما ميز هذه السرقة أو لنقل التأثر أو النقل أن دانتي كتب رسالته كناسك ومتعبد وعاشق أيضا ابتدع خيالا لمحبوبته التي ستهديه للفردوس، وقد أستفاد دانتي من وصف النار والجحيم في رسالة الغفران التي كتبها المعري بنظرة وجودية وحس فكري، بينما كان الخيال البحت يسيطر على عمل دانتي بحيث استطاع أن يأخذ الفكرة الوجودية ويصوغها في سردية روحانية، مبتعدا قليلا عن وضع أفكاره على شكل تصورات فلسفية كما فعل المعري، وبذلك يمكن أن نقول إن دانتي استبدل في تأثره بالمعري الواقع الذي كان يعيشه بالصعود إلى حيث استطاع إلهامه وحبه أن يعوضه عن الأخطار التي واجهته في واقعه، ويعتبر احتذاء دانتي بالمعري احتذاء فكرة ووصف لا احتذاء أسلوب وهذا ما يجعل لكلتا الرسالتين بعدا زمنيا وروحيا ودينيا.

لكن في مسألة السرقات الأدبية إلى أي حد يا ترى يجب أن تقف عنده هذه المقولة وما هو الحد الذي يفصل بين السرقات الأدبية وبين الادعاء بالملكية اعتمادا على هذه المقولة؟

هذا الموضوع شغل نقاد الأدب في مختلف العصور كونه ظهر منذ أن ظهرت الفنون الإبداعية ونال اهتماما كبيرا وقد عالجه النقد العربي قديمه وحديثه في دراسات كثيرة من أهم أهدافها هي الوقوف على أصالة العمل الأدبي وصحة نسبته إلى أصحابه، وتقصي مقدار ماجاء فيها من أفكار إبداعية جديدة ومن أفكار متبعة ومنسوخة أو مقلدة.

كما أظهرت الدراسات النقدية جوانب الاتفاق والاختلاف بين العمل الأصيل والعمل المبتدع وهذا احتاج من الدارسين فطنة ودراية عميقة وسعة معرفة بالأدب على مر العصور حتى يتسنى للدارس الحكم على جوانب الإبداع والاحتذاء في العمل الأدبي.

ولمفهوم السرقة كما جاء في المعجم الوسيط "الأخذ من كلام الغير وهو أخذ بعض المعنى أو بعض اللفظ سواء أكان أخذ اللفظ بأسره أم المعنى بأسره" تاريخ طويل وقضايا كثيرة وأمثلة مشهورة كثرت الكتابة عنها وتناولتها الدراسات بتفصيل وتقص وأحيانا بإشهار.

تعتبر قصة"روميو وجولييت" من أهم وأعظم الأعمال التي قدمها الكاتب الانكليزي وليام شكسبير، وترجمت إلى أغلب اللغات في العالم بالإضافة إلى تجسيدها في أفلام ومسرحيات ومسلسلات تلفزيونية كثيرة وفي أغلب لغات العالم وألهمت الرسامين ليبدعوا أجمل اللوحات العالمية المشهورة.

وانتشرت القصة ونالت متابعة وقراءة واهتماما من القراء على مختلف أعمارهم ذلك لأنها تتحدث عن الحب الخالد للدرجة التي صار يطلق فيها على أي رجل عاشق اسم روميو وعلى أي امرأة عاشقة اسم جولييت.

يعد وليم شكسبير الذي ولد عام 1564 من أعظم الشعراء والكتاب المسرحيين الإنكليز، ومن أبرز الشخصيات الأدبية العالمية التي تناولها النقد الأدبي، وله تأثير واضح وكبير في آداب جميع الأمم على الإطلاق، ولعل قصته الشهيرة"روميو وجولييت هي سبب ما حصل عليه من شهرة عالمية واسعة.

لكن الأعمال الخالدة لا بد وأن يطالها التشويش وأن تجد من يعكر صفو انتسابها إلى كاتبها، وأن تجد من يتتبع صلتها إلى مبدعها الأصيل وأن تجد من ينبش في ثناياها، فقد أكد الكثير من النقاد وعلى الأخص متتبعي السرقات الأدبية منهم على أن أهم سرقة في تاريخ الأدب العالمي هي ما اقترفته يدا الشاعر الانكليزي المعروف ويليام شكسبير في رائعته الخالدة قصة"روميو وجولييت".

فقد كتب هذه القصة قبل شكسبير بعشرات السنين الكاتب الإيطالي ماتيو باندللو الذي ألف"عاشقا فيرونا" وجاء شكسبير بعده وأخذ القصة وحولها إلى مسرحيته الشهيرة"روميو وجولييت"، وحصد من خلالها شهرة وسمعة واسعة في حين ظلم كاتبها الأصلي الذي لم يعرف الكثيرون أن أصل الحب الخالد جاء من قصته التي اقتنصها منه الشاعر الانكليزي.

في رواية شكسبير التقى العاشقان روميو وجولييت في مدينة فيرونا الايطالية في القرن السادس عشر الميلادي، في حفل لأهل جولييت ليرتبطا من النظرة الأولى بحب لم تعرفه القصص من قبل ولأن عائلتي العاشقين كانتا على خلاف فقد تعذر زواجهما بشكل علني وبرضا العائلتين، لكن العاشقين الشهيرين اجترحا المستحيل ولم تقف موافقة عائلتيهما عائقا أمام حبهما فقد تزوجا على الرغم من ظروفهما الصعبة والمستحيلة وتحديا العالم كله بحبهما ووضعا رباطهما المقدس في وجه أسرتيهما الرافضتين.

والنهاية المأساوية لهذا الحب التي سجلها شكسبير وتمثلت في انتحار العاشقين نتيجة سوء فهم فقد صدق روميو ادعاء جولييت الموت لتهرب من أهلها فقتل نفسه بجانب ضريحها لتستيقظ هي وتضع حدا لحياتها وتطعن قلبها بخنجر روميو المسجى أمامها.

أما قصة الكاتب الإيطالي ماتيو باندللو المولود عام 1480"عاشقا فيرونا" فقد اتخذت من المدينة الإيطالية فيرونا مسرحا لأحداثها، وفي القصة عاشقان حالت ظروفهما دون زواجهما لكن حبهما لم يعرف المستحيل فتزوجا رغما عن أسرتيهما، ولاقيا صعوبات ومطاردة من أفراد عائلتيهما الأمر الذي دفعهما إلى الانتحار معا.

وقد وجد النقاد أيضا الكثير من التشابه بين أحداث قصة شكسبير وبين الأسطورة التي تروي قصة عاشقين يدعيان بيرام وتسيبا في مدينة بابل، وكانا صديقي طفولة وجيرة إذ كان بيت الفتى بيرام ملاصقا لبيت الفتاة تسيبا وتربيا معا وكبرا وهما يحبان بعضهما لكن الخلافات بين العائلتين وقفت عائقا دون زواجهما لكنهما مثلما حصل في قصة شكسبير وماتيو باندللو يتحديان العالم ويربطا حياتيهما برباط الزواج المقدس.

وكما انتحرت العشاق في القصتين السابقتين فقد كان الموت مصير بيرام وتسيبا تحت شجرة التوت التي كانا يلتقيان صغارا عندها بذات التفصيل الذي يعتقد فيه أحد الحبيبين أن الآخر انتحر من أجله فيقدم هو على إنهاء حياته بنفسه، الفكرة نفسها والأحداث ذاتها باختلاف أسماء العشاق وهذا ما جعل النقاد يضعون"عاشقا فيرونا" والاسطورة أصلا لأيقونة الحب الشهيرة"روميو وجولييت"، ويعتبرون شكسبير مبتدعا لا مبدعا وناقلا لا أصيلا في ملحمته الشهيرة.


ميدل ايست اونلاين 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption