طلائع التجريب في المسرح العربي (1) / عبدالله المتقي
مجلة الفنون المسرحيةطلائع التجريب في المسرح العربي
تمهيد
بداءة، دعونا نتفق على أن المسرح في العالم العربي ، بدأ بالنقل و الاقتباس، ثم بعدها أخذ بالتأليف، ومنه إلى التجريب الذي شغل المؤلفين والمخرجين والنقاد والمنظرين ، وكذا المشتغلين والمهتمين بعمق الحداثة والتجريب وقضاياه ، وبذلك تكون نزعة التجريب مصاحبة للمسرح العربي منذ نشأته وذلك من اجل طرح أفكار وأشكال جديدة تتساوق والمتغيرات التي تطرأ على المجتمع ، وكذا تجاوز الحدود التقليدية .
ومما لاشك فيه أن هذا التطور ساهم في استنبات آفاق وأدوات جديدة أمام المسرحيين مما أفرز تجارب مغايرة في مألوف المسرح النموذجي .
فما هو مفهوم التجريب في المسرح ؟ شرارته الأولى وبداياته ؟ تجلياته وقضاياه ؟
مفهوم التجريب المسرحي
إن التجريب من المباحث المقلقة والمنفلتة التي اخترقت كل حقول المعرفة الإنسانية سواء في مجالات العلوم أو حقول الآداب والفنون،حتى أنه شغل المسرحيين ، فبالرغم من تداوله من زمن بعيدا ظل القبض عليه منفلتا .
وبخصوص التجريب يميز الناقد المسرحي المغربي " سعيد الناجي " بين التجريب المسرحي باعتباره مفهوما عاما وهو الذي سمح للمسرح بالحياة والاستمرار والملاذ والتطور والنشأة ، وبين التجريب باعتباره أسلوبا منظما وعملية تثوير وتفجير لثوابته في الغرب منذ أواخر القرن التاسع عشر .
وإذا تحدثنا عن مفهوم التجريب ، فنحن نقصد أنه متعدد ، يطال النص والإخراج والركح وحتى المتفرج ،.
وعليه ، يكون التجريب المسرحي إقصاء لذائقة جمالية مستهلكة ، و مشروعا لتحطيم الثوابت في عملية الإبداع المسرحي تجاوزها والعثور على آليات وعناصر جديدة في الشكل والمضمون تلائم روح العصر ، وليس ذلك بغريب مادام " الأصل الاشتقاقي لكلمة «تجريبي» يعني الذهاب خارج، أو بعد الحدود " يقول المسرحي الكبير ريتشارد شيكنر.
سيعرف المسرح العربي تمزقا بيت مصطلحي القدامة والحداثة أو الأصالة والمعاصرة ، فهناك رغبة في في احتواء التراث وغربلته والاخذ مما هو مفيد وتحقيق الهوية واعادة استنباتها مسرحيا ، وهناك رغبة في الانفتاح على المشهد المسرحي الغربي استرفاد ما ينفع العرب لنهوضهم والسير بهم نحو الأمام
بدايات التجريب المسرحي
في خضم الإشكالية العامة الني طرحها الخطاب النهضوي تحت مسميات " القديم والحديث " و" الأصالة والمعاصرة "، والتي حاولت كل الفعاليات الثقافية والفكرية إيجاد صيغ ملائمة لحل الإشكالية ، لم يتخلف المسرح ونقده في الإسهام بدوره في البحث عن مخارج مناسبة بأدوات تجريبية جديدة ، حيث سيعرف المسرح العربي تمزقا بيت مصطلحي القدامة والحداثة أو الأصالة والمعاصرة ، فهناك رغبة في في احتواء التراث وغربلته والأخذ مما هو مفيد وتحقيق الهوية وإعادة استنباتها مسرحيا ، وهناك رغبة في الانفتاح على المشهد المسرحي الغربي استرفاد ما ينفع العرب لنهوضهم والسير بهم نحو الأمام، وتعتبر تجربة توفيق الحكيم ويوسف من بين الطلائع الأولى للتجريب في المسرح العربي .
أ - مسرح الحكيم
يعد توفيق الحكيم إحدى العلامات البارزة في حياتنا الأدبية والفكرية والثقافية ، فهو أحد رواد المسرح العربي الذي امتد تأثيره في أجيال متعاقبة من المبدعين، ويعد أيضا من الأوائل الذين انخرطوا في التجريب المسرحي الذي انطلق على أشده في الستينيات وشارك هو نفسه في تحديد ملامحه .
شكل القالب الجديد لدى الحكيم ، بديلا لشكل المسرح الأرسطي ، القائم على نظرية الإيهام ، والبديل في قالب الحكيم أن يقلد الممثل الشخصية ،ولا يوهم المتفرج أنه هو الشخصية الحقيقية في الفرجة المسرحية ،بل من الضروري تكون الحدود واضحة بين الممثل والدور، ودون تـذوب ملامحه الخـاصة في تلك الشخصية.
ولاستنبات هذا القالب الجديد ، عاد الحكيم الى التراث الاحتفالي العربي ما قبل التأثير الغربي، ونعني بها مرحلة الحكواتي والمقلداتي ، الذي يقوم بدور مشابه لدور الراوي،و يقدم الشخصيات ويقتح شهية المتفرج ، كما يقوم و بدور بالربط والتنسيق ، ثم ينبغي الاعتماد على الموهبة الفنية الطبيعية بعيد عن بهرجة الديكورات والإضاءة والموسيقى ، أما بخصوص الجمهور فينبغي أن يكون من الطبقة
الشغيلة وطلاب المدارس .
ويتسم القالب الجديد بالتركيز الفني والاقتصاد في الشخصيات والمشرفين على العرض،حيث لا نحتاج إلى مخرج فالحكواتي قد يقوم بذلك،وهو في غنى عن الماكياج والديكور والملابس التي يتطلبها المسرح .
أمام هذا القالب المسرحي الجديد ، يكون توفيق الحكيم أول من أطلقا شرارة البحث عن صيغة عربية في المسرح .
ب – مسرح يوسف إدريس
يوسف إدريس ، كاتب من طراز خاص.. لكنه في المسرح كاتب من الطراز الأول، كتاباته له خصوصيتها ونكهتها وهويتها وإشكالاتها أيضاً والتي أحدثت وما تزال جدلاً واسعاً في الأوساط المسرحية الثقافية .
يدعو إدريس إلى البحث عن جذور المسرحي المصري،حيث نجح في استثمار العديد من الأشكال المسرحية العربية من أهمها (شكل السامر الشعبي، خاصة في مسرحيته الفرافير" ، التي جاءت في الوقت الذي كان فيه المسرح المصري تقليديا شكلا ومضمونا . وجاء الخطاب المقدماتي للمسرحية الفرافير ، لتثير ضجة نقدية بين النقاد والمهتمين بالحركة المسرحية ، حيث أحدثت ثورة فى الدراما المصرية، وهو يعتمد في ذلك على أن مصر تفتقر إلى مسرح أصيل خاص بها، وعليه حاول بـ"الفرافير" أن يقدم نموذجا لمسرحية مصرية خالصة فى مصريتها- لا تعتمد على أصول أوروبية,
نستشف من استثمار السامر، بان ادريس سعى ان يكون الشكل الذي يبتغيه (مسرحيا) هو الشكل الذي يقترب كثيرا من الاحتفالات الشعبية التي فيها السحرة، والألعاب البهلوانية وأيضا والغناء والرقص، والباعة، ، المهرج والحكواتي، بمعنى انه احتفال متكامل .
وبذلك تكون مسرحية "الفرافير" ، ومن خلالها تجربة مسرح " السامر " عملا مسرحيا تجريبيا اعتمد فيها المؤلف على إجراء التجريب على مستوى النص الدرامي في محاولة لتقديم معالجة جديدة لعرض الأحداث فى إطار شكل جديد
هكذا حدد "يوسف إدريس" دور المسرح ووظيفته كما رآه، فالمسرح هو مسرح مشاركة، حيث يجتمع الناس في المسرح في اجتماع كبير ويدركوا أنه في إمكانهم أن يمثلوا في العرض المُقَام مثلما لهم القدرة فى المشاهدة.
خاتمة
ونحن مقبلين على إسدال ستارة هذه الورقة الذي حددت اشتغالها على بدايات التجريب في المسرح العربي ، مسرح توفيق نموذجان ، أن نختم بمجموعة من الأسئلة من قبيل :
ونحن مقبلين على إسدال ستارة هذه الورقة الذي حددت اشتغالها على بدايات التجريب في المسرح العربي ، مسرح توفيق الحكيم ويوسف إدريس نموذجان ، أن نختم بمجموعة من الأسئلة من قبيل :
0 التعليقات:
إرسال تعليق