ماكبـث على خشبة المسرح العراقي
مجلة الفنون المسرحية
ماكبـث على خشبة المسرح العراقي
عبد الحسين فرحان - فصل من رسالة ماجستير
1-من إخراج الراحل (إبراهيم جلال)
قدمت المسرحية على مسرح معهد الفنون الجميلة (البناية القديمة)بتاريخ 6/4/1965، اعتمد فيها على نص من ترجمة خليل مطران وصمم الديكور (سعدي السماك)(**).
تميزت اغلب أعمال إبراهيم جلال من ناحية المكان باستخدامه (السيكلوراما) كمفردة منظرية أساسية استثمرها كمعمارية ثابتة للمكان لتوفر له فضاءا واسعا يحقق له الإمكانية لافتراض أماكن وقوع الأحداث مع استخدام مفردات إضافية لتحديد تلك الأماكن.
حاول إبراهيم جلال جاهدا أن يدعم الفكرة الرئيسية في المسرحية التي تبناها وهي:»ان الطموح الفردي الذاتي قد يضيع الإنسان، لكن الطموح الجماعي الموضوعي، هو طموح مشروع ويوصل إلى تحقيق الهدف،»(إبراهيم جلال عن: كمال خليل في لقاء معه، أجراه في كلية الفنون الجميلة بتاريخ 10/1/ 1988)(***)، وقدم العرض بمعمارية أساسية هي الهيكل الخارجي للتاج الملكي الذي يحتوي الشخوص والأحداث، وبذلك ابتعد عن تحديد الأماكن التي افترضها شكسبير لوقوع الأحداث في نصه، بعيدا عن الطراز وعن الدقة التاريخية، ومحققا فكرة الاحتواء التي تتناقض وفكرته الأساس التي اعتمدها، منطلقا من مبدأ التناقض الذي استقاه من معالجات (بريخت) للمسرح الملحمي الذي كان ينادي به، خصوصا بعد رجوعــه من بعثته الدراسيـة في أمريكــا وتعرفـه على أفكار المخرج الألماني، (بريخت).
جعل من معمارية المكان هيكل لتاج كبير، فضاءا مسرحيا لاحتواء المفردات المنظرية الأخرى المكملة لعناصر المنظر المسرحي، بحيث يسهل مشاهدتها عن تتابع مواقع مكان الأحداث داخله، من خلال فتح أبوابه الجانبية المتحركة من اليمين واليسار، والتي يبلغ عرض الواحدة ثلاثة أمتار وارتفاعها متر واحد.
غطى هيكل التاج مساحة مسرح العلبة كلها تقريبا، والذي يبلغ عرض خشبة المسرح عشرة أمتار ونصف وعمق تسعة أمتار وارتفاع ثمانية أمتار، وكان ارتفاع التاج من الجهة الأمامية بحدود متراً واحداً، وعرضه ستة أمتار، والواجهة الأمامية تتألف من جناحين يقعان على اليمين واليسار.
وكان الجناحان متحركين بحيث يمكن أن يفتح التاج ليكون إطاراً رحبا للأحداث، وينغلق ليضيق المكان عند الحاجة وحسب المشاهد المختلفة.
وهكذا استخدم فضاءا واسعاً، تالف من منصة خشبية بارتفاع متر وعرض ثلاثة أمتار، تتكون من مدرج ذي درجتين، يسمح للصعود والنزول إلى مكان العرش الذي يتكون من كرسي العرش في الوسط، وعمودين على جهتي العرش الذي يبلغ ارتفاعهما متراً واحداً، (شكل 4-9)، ووضع مقاعد عديدة على المنصة والى يمين ويسار العرش، وكانت ستارة السايك البيضاء التي يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار وعرضها ثمانية أمتار تمثل الفضاء الخارجي المفتوح.
وفي مقدمة خشبة المسرح توجد حفرة تمثل مكان وجود الساحرات اللواتي لم يظهرن للعيان وانما ظهرت أصواتهن بمرافقة أشرطة حريرية ملونة تصعد إلى الأعلى بواسطة هواء المروحة المنضدية التي تدفع الهواء إلى الأعلى والموجودة تحت خشبة المسرح مع وجود ستائر سود متحركة إلى يمين المسرح ويساره، وتغلق عندما تتحول مواقع الأحداث في مقدمة خشبة المسرح، لتحجب هيكل التاج، وتفتح عندما تتحول مواقع الأحداث أمام هيكل التاج او داخله، ويزاح كرسي العرش من الوسط عندما يتحول المنظر إلى وجود معسكرين متحاربين، بين جماعة ماكبث وجماعة الملك المقتول (دانكان)، ويتحول إلى مواقع غرفة في قصر (فورس) وغرفة في قلعة (الفرنيس) أو مكان خارج القلعة أو مكان قاعة فخمة في قصر، ومكان مقفر وموقع غرفة في قصر، وموقع حديقة في طريق يؤدي إلى القصر، وبهذا ابتعد المخرج عن الالتزام بمعمارية عصرها ودقتها التاريخية لمواقع الأحداث.
2- من إخراج الدكتور (عبد المرسل الزيدي):-
اخرج عبد المرسـل الزيدي مسرحيـة (ماكبث) على المسرح التجريبي(**) لكلية الفنون الجميلة بتاريخ 20/3/1980، اعتمد فيها على ترجمة خليل مطران والتصميم للمصمم (عباس علي جعفر)(***).
كان الهدف الأساسي من عرض مسرحية ماكبث لتحقيق (الثيمة) الرئيسية التي اعتمدها عبد المرسل الزيدي وهي:»العبرة ليس ان تكون ملكا، العبرة ان تكون آمناً»، (في لقاء أجراه الباحث مع عبد المرسل الزيدي في كلية الفنون بتاريخ 16/3/2000)، وقد سعى إلى تحقيقها باستخدام كتل منظرية تتشكل من مفردات توحي بشكل تقريبي لمعمارية مواقع الأحداث، التي ذكرت في النص الشكسبيري، وعلى مساحة مسرح العلبة الذي يبلغ عرضها ستة أمتار وعمقها خمسة أمتار وارتفاعها أربعة أمتار.
تألقت معمارية مكان وقوع الأحداث، من بناء هيكل معماري على شكل قاعة ملكية في إحدى القلاع الملكية بطراز قريب من طراز عصر النهضة، ضم جداراً خلفياً ارتفاعه متران وعرضه ستة أمتار، ملتصقا بالهيكل الخشبي الذي يضم مكان وجود كرسي العرش، وبارتفاع متر وعشرين سنتمتراً وعرض خمسة أمتار ومدرجات عدد أربعة، بارتفاع متر وعشرون سنتمتر، متصلة مع ممر خشبي يأخذ بالارتفاع نحو الخارج ومنحدر إلى الجوانب، يمثل الفضاء الخارجي بحيث يصل ارتفاعه مترين، تقع على جانبيها ثمانية أعمدة مدورة وبارتفاع ثلاثة أمتار،
وغطيت منصة العرش والمدرجات والممر الخارجي بسجاد احمر، ووضع كرسي العرش الذي يبلغ ارتفاعه نصف متر وعرضه نصف متر في نهاية المدرجات وفي وسط المنصة، (شكل 4-10).
كما يوجد جدار بارتفاع ثلاثة أمتار وبعرض متر واحد، ومغطى بقطعة قماش مشجرة تمثل واجهة لنافذة كبيرة أو باب في واجهته قوس يمثل مكان لوجود باب، ولكنها غير مفتوحة، أما في الجهة اليسرى فيوجد مكان لجلوس القادة التابعين لقيادة ماكبث في الجهة السفلى من الهيكل، ومن ضمن ملحقات قاعة القصر الملكي، وتوجد خلف كرسي العرش لوحة جدارية مدورة على شكل دائرة مزخرفة تشبه زهرة عباد الشمس بقطر ثلاثين سنتمتراً ملتصقة بالجدار الخلفي للمسرح، وفوقها قطعة بناء بارزة على شكل نصف دائرة يبلغ ارتفاعها متراً وعرضها مترين، مع وجود ثلاثة مشاعل للإضاءة موزعة على الجدار الخلفي للمسرح وعلى الأعمدة، مع وجود مقاعد خشبية (ستولات) موزعة على جانبي منصة العرش في الأسفل والأعلى، لجلوس القادة المستشارين لماكبث، عددها تسعة وارتفاعها خمسون سنتمترا وعرضها ثلاثون سنتمترا، يحملها الممثل بيده بعد انتهاء المنظر إلى خارج خشبة المسرح، (شكل 4-11).
مقدمة المسرح اندمجت مع قاعة المشاهدين من خلال ممر يبدأ من مقدمة المسرح وينتهي بالباب الخارجي للقاعة بعمق ثمانية أمتار وعرض متر واحد لاستخدامه من قبل الممثلين، بعد نزولهم درجتين من مقدمة المسرح والى القاعة، بحيث اصبح المشاهدون جزءا من العرض المسرحي، مع وجود منصة خشبية أخرى متحركة على عجلات وملحق بها عمود شبيه بالأعمدة السابقة الثمانية، مع مشاعل ثلاثة للإضاءة، تستخدم هذه المنصة كمكان أخر عند الحاجة بعد دفعها إلى مقدمة المسرح غير أنها مخفية وراء ستارة جانبية من جهة اليمين.
ووضع في الجهة اليسرى من مقدمة الخشبة سرير نوم متحرك بعجلات يستخدم لنوم (بانكو) عليه حيث يقتله أعوان ماكبث، (شكل 4-12)، وبعد الاكتفاء من استخدامه يدفع إلى الخارج ليختفي وراء ستارة جانبية، وعلى الجدار الجانبي وضعت لوحة سيراميك كبيرة وبارتفاع مترين وعرض ثلاثة أمتار، لتكون مكملة للمحددات المعمارية التي احتوتها قاعة العرش الملكي، (شكل 4-13).
ومحدودية مساحة مسرح العلبة التجريبي في كلية الفنون حالت دون تحقيق طموح المخرج في توسيع الفضاء المسرحي لتطبيق معمارية مواقع الأحداث التي افترضها النص الشكسبيري، ويبرر المخرج ذلك بقوله:»ان عدم تطبيقها يرجع لعدة أسباب اهمها:-
أ- عدم وجود ميزانية مادية كافية لشراء مستلزمات المنظر وملحقاته.
ب- ضيق المساحة في المسرح التجريبي، مع كثرة تعدد المناظر في النص المسرحي الشكسبيري، التي تحتاج إلى وجود فضاء واسع والى مواد أولية، لذلك اختزلت المناظر المسرحية في منظر مسرحي مجزأ بحد ذاته، ومعماريته تنتمي إلى طراز مقارب لطراز عصر النهضة،»(اللقاء السابق نفسه).
جعل عبد المرسل الزيدي معماريته المكانية مفتوحة بفضاءاتها الداخلية بعد التعاون مع المصمم عباس علي جعفر، والتقرب جاهدا من الأجواء المفترضة من قبل شكسبير واستخدام المصمم الستائر التي تخفي بعض الأجزاء من المنظر في بعض المشاهد وتظهرها في مشاهد اخرى، كما استخدم المخرج الإضاءة لهذا الغرض، وذلك تبعا لتغير الأماكن: (الصحراء المفتوحة، المعسكر،الغرف في قصر وقلعة فورس وانفرنيس، إنكلترا، اسكتلندا) التي تقع في الفصول الخمسة من معماريته الداخلية، مع الاحتفاظ بوحدة التكوين المعمارية القريبة من معمارية مكان مواقع الأحداث.
أوحى عبد المرسل الزيدي بدلالات ترمز إلي هيمنة المفردات المنظرية في نشر روح الجلالة والخشوع لمكانة (كرسي العرش) بحيث ان الوصول إليه يحتاج إلى صعود عن طريق مدرجات عالية معرضة للخطر بإيحاء وجود السجاد الأحمر، الذي يغطي المدرجات، كما حرص على إبراز جمالية التشكيل المنظري بجانب الحفاظ على أهداف المضمون.
ورغم ذلك لم تبرز الدلالات التعبيرية في المفردات المنظرية، عن ثيمة المسرحية التي اعتمدها المخرج وهي: العبرة ليس ان تكون ملك، العبرة ان تكون امنا.
3- من إخراج (شفيـق المهـدي):-
إخراج شفيق المهدي وتمثيل لبعض من أعضاء الفرقة القومية للتمثيل، عرضت على مسرح الرشيد بتارخ 6/6/1989، اعتمد فيها على نص من ترجمة خليل مطران، وقام شفيق المهدي نفسه بتصميم المنظر، وهو في الحقيقة يتكون من بعض الآلات المسرحية قابلة للتحريك وكما ياتي:
أ- سقالة حديدية (سكلة) تستخدم لتبديل وتوجيه أجهزة إضاءة مسرح الرشيد الذي يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار وعرضها متراً ونصف المتر، ولها عوارض على جانبيها الأيمن والأيسر للصعود والنزول، وأضيفت أليها الحبال بين الفراغات الموجودة بين المساند الأربعة للمدرج وبشكل متقاطع ومتعامد ليتسلق ويتعلق عليها الممثلون وبمختلف الاتجاهات والطبقات وتتحرك السقالة بعجلات إلى مختلف الاتجاهات، (شكل 4 – 14).
ب- منضدة خشبية طويلة متحركة على أربعة عجلات، هي في الأصل منضدتان يمكن فصلهما عند الحاجة، طولها تسعة أمتار وعرضها متر واحد وارتفاعها متر واحد وعشرة كراسي للجلوس متحركة بعجلات مرافقة للمنضدة، (شكل 4 – 15).
واصبحت (السقالة) هي المكان الرئيسي لوقوع أحداث المسرحية، مبتعداً تماما عن الأماكن التي افترضها النص الشكسبيري: (اسكتلندا، إنكلترا، فـورس، أنفرنيس، القصر، الريف، معسكر قتال) وقدم اكثر مشاهد المسرحية على تلك السقالة، وذلك توافقاً مع فرضية أن مجموعة الممثلين ليسوا إلا لاعبين الكونفو أو سيرك يتسلقون إلى أعلاها وعلى جوانبها، ومن ثم ينزلون إلى أرضية المسرح وهم يرتدون تلك البدلات البيضاء حيث لا تمييز بين هذه الشخصية وتلك، وهم متسلقون ومتعلقون بها.
وقد أراد المخرج شفيق المهدي بالسقالة وارتفاعها أن يرمز إلى الشموخ تارةً لتحقيق طموح ماكبث وزوجته غير المشروع الذي سلك فيه طريق الصعود السريع باعتلاء العرش بواسطة القتل والغدر، ثم سقوطه وهبوطه السريع نحو الهاوية تارة أخرى.
أما مفردة المنضدة الطويلة فقد خصصها شفيق المهدي لتصفية الحسابات بين ماكبث وجماعة دنكان الملك، بحيث أوحي بطولها لمعاناة ماكبث الطويلة في تصفية الاختيالات، فصعوده عليها يوحي لكرسـي العرش، وعندما يسير فوقها يتحدى القانون والنظام، وفتحها على شكل منضدتين، لفرز جماعة ماكبث وجماعة دنكان، وضمها إلى واحدة يعني رجوع الحق لأصحابه، وحركتها بعجلاتها حركة الأحداث باختلاف مواقعها مع كراسيها الملحقة بها.
استغل شفيق المهدي مقدمة خشبة المسرح، بعد غلق الستارة الأمامية، ليكون المشاهد قريب من الممثل، لمتابعة حركاته وتفاعلاته عند منظر خروج شبح بانكو لماكبث، وهو يحمل سيفاً ودرعاً لقتل ماكبث (شكل 4 – 16).
4- من إخراج (صلاح القصب):-
سمى صلاح القصب عملية الإخراج بالإنشاء الصوري، ونسبه له و(لعواطف نعيم) وأصبحت سمت النص بالإنشاء الدرامي لشكسبير، عرضت المسرحية على حدائق قسم الفنون المسرحية التابع إلى كلية الفنون الجميلة في 13/5/1999، شارك العرض المسرحي ضمن احتفالات مهرجان أيام بغداد المسرحية الثاني، كما ورد في الملصق الخاص بالمسرحية الذي وزعته دائرة السينما والمسرح .
جرب صلاح القصب عرض مسرحية ماكبث في الفضاء المفتوح بخلاف بقية مسرحيات شكسبير (هاملت، الملك لير، العاصفة) التي أخرجها وعرضها في مسرح العلبة المغلق، بغية تحقيق رؤياه الصورية ضمن الفضاء المفتوح هذه المرة.
ويظهر أن اختياره أسلوب (التوليف السينمائي)(*) هو لتوسيع مجالات استغلال المفردات المعمارية التي يضمها المكان بشكل امثل، وتوظيفها لخلق وحدة المكان الجمالية والفكرية التي يطمح إليها المخرج وعلى الطبيعـة من غير تصميم مسبق للمنظر وبذلك يمكن التنقل بين أجزاء المنظر الكلي، بدلاً من أماكن مواقع الأحداث الموجودة في النص الشكسبيري، (شكل 4 – 17).
وضع المخرج أحداث مسرحيته في الفضاء المفتوح للساحة المقابلة للقسم والحديقة الجانبية، واستخدم أدوات أخرى نشرها في المكان ليعطي دلالات مختلفة، فهناك سقالة حديدية (هي نفسها التي استخدمها شفيق المهدي في مسرحية ماكبث) لتكون أشبه ببرج القلعة التي وضع عليها أحد الممثلين ليراقب، هناك عدد من البراميل ظهر بينها نيران للدلالة على الاحتراق، وهناك آلة قطع الورق التي تستخدم في المطابع وذلك للدلالة على المقصلة، وعلامات مرور مقلوبة للدلالة على اختلال القيم العامة، ويدخل المخرج بين الحين والأخر سيارات قديمة وحديثة ودراجة نارية لأعطاء دلالة على وجود عصابة أجرام، (شكل 4 – 18).
وترك المخرج للمشاهد تخيل الأماكن المختلفة وافتراضها، وهكذا ابتعد كثيراً عن الأماكن التي افترضها شكسبير في نصه، ويفسر صلاح القصب افتراضه هذا:»المدرج الشاهق يعني انتقلت إلى القاعة، وعندما انتقل إلى المقصلة هذا يعني اني انتقلت إلى الحالة العسكرية التدميرية التي شغلت ماكبث، وعندما انتقل إلى حركة السيارات، فكاني انتقـل إلى الحركة التي ينتقـل فيها عرش ماكبث، أما الدراجة النارية فهي تمثل الخطر والقدرية التي تشكل الخيط الدموي الذي أصاب ماكبث والليدي ماكبث، والبراميل كانت تعني الملاحقة القدرية التي كانت تلاحــق ماكبث لارتكابـه للجريمة،»(في لقاء أجراه الباحث مع صلاح القصب في داره بتاريخ 2/3/2000)، وحقق بحركة المركبات وغسيل السيارات أجواء العصابات في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، مع انتقاله بين مفرداته المنظرية يحاول أن يستنطقها الواحدة بعد الأخرى، مثل عملية (التتابع السينمائي)(**) ليبرز عملها كمفردات منظرية وكأدوات في آن واحد.
كان أقوى الدلالات التعبيرية غرابة حركة دحرجة البراميل الفارغة التي رافقت مشهد حوار:»أَخَنجر هذا الـذي أرى أمامي ومقبضـه باتجاه يـدي؟ تعال، دعني أمسكك،»(مسرحية ماكبث – ترجمة جبرا – ص:99)، الذي برره صلاح القصب بقوله:»مشهد الخنجر استعضت به عن الصورة المنظرية التقليدية التي يستعملها اكثر المخرجين، والتي هي خروج خنجر أو ظل خنجر على المسرح، لذلك أصبحت البراميل الفارغة تمثل المعنى الرمزي للاحتراق لأنها تحمل البترول الذي تحرقه النار،»(اللقاء السابق نفسه).
والدلالة الأخرى الحديثة، إشعاع الليزر الأحمر المنبعث من (التورج لايت) المحمول باليد والذي يلاحق الليدي ماكبث التي شجعت ماكبث على القتل وسفك الدماء.
تعدد كثرة المفردات وتنوعها الكتلية حيرت المشاهد بدلالاتها وقوتها التعبيرية بحيث لا يستطيع في وقت قصير ان يحلل رموزها التي وضعها صلاح القصب، حيث جعل حركتها دائمية مبعثرة لا تستقر في مكان معين، وهذا كان ما خطط له صلاح القصب بقوله:»هذا يعني هناك إيقاع بوحدة الديكور، إيقاع بوحدة المفردة، إيقاع لمثل هذا الديكور الحديث الرؤية، إذاً لا بد أن تتحرك حركة السيارات والنار ودخانها، وحركة (الباكراوند) وحركة قناني الغاز الذي ملء المكان والذي جثم على المكان،»(اللقاء السابق نفسه).
فكر صلاح القصب طويلاً في هذا العرض لأنشاء أمكنة تشكل لوحة بصرية سريالية تجتمع فيها هذه المفردات، بحيث لم تكن مألوفــة مسرحياً وانما سينمائيـاً لتكـون محيطاتها اللونية الواسعة، بأنواعها وأحجامها المختلفة، واستعادة وتكرار وتشابه بعضها في عروضه المسرحية الأخرى، والتي قـال عنها سامي عبد الحميد:»وهكذا يحمل صلاح القصب موضوعته الدائمة معه، ينتقل بها من هذا العمل إلى ذلك ليشكل لها شكلاً يختلف بنسبة أو بأخرى عن الشكل الذي سبقه 00 ولذلك يسمي نفسه شكلانياً،» (سامي عبد الحميد – صلاح القصب بين مغادرة النص الشكسبيري والرجوع اليه – 1999 – ص: 6).
اختزل صلاح القصب النص الشكسبيري لكنه استعاض عنه بالمفردات المنظرية التي تمثل عنده مكان الأحداث ومواقعها، ولكنها على شكل فوضى معمارية، وبهذا اقتحم صلاح القصب عالم السينما بتوفير (الفضاء المفتوح، مفردات منظرية) يستطيع من خلالها عمل فلم سينمائي لكثرتها وتنوعها والانتقال اليها واحدة واحدة بواسطة حركة الممثل، وبهذا لم يلتزم صلاح القصب لا بالطرازية ولا بمعمارية المكان ولا حتى بالزمن للنص الشكسبيري، وانما بمعماريته هو وزمنه الذي يحلم به في صورة مبهمة.
ماكبـث على خشبة المسرح العراقي
عبد الحسين فرحان - فصل من رسالة ماجستير
1-من إخراج الراحل (إبراهيم جلال)
قدمت المسرحية على مسرح معهد الفنون الجميلة (البناية القديمة)بتاريخ 6/4/1965، اعتمد فيها على نص من ترجمة خليل مطران وصمم الديكور (سعدي السماك)(**).
تميزت اغلب أعمال إبراهيم جلال من ناحية المكان باستخدامه (السيكلوراما) كمفردة منظرية أساسية استثمرها كمعمارية ثابتة للمكان لتوفر له فضاءا واسعا يحقق له الإمكانية لافتراض أماكن وقوع الأحداث مع استخدام مفردات إضافية لتحديد تلك الأماكن.
حاول إبراهيم جلال جاهدا أن يدعم الفكرة الرئيسية في المسرحية التي تبناها وهي:»ان الطموح الفردي الذاتي قد يضيع الإنسان، لكن الطموح الجماعي الموضوعي، هو طموح مشروع ويوصل إلى تحقيق الهدف،»(إبراهيم جلال عن: كمال خليل في لقاء معه، أجراه في كلية الفنون الجميلة بتاريخ 10/1/ 1988)(***)، وقدم العرض بمعمارية أساسية هي الهيكل الخارجي للتاج الملكي الذي يحتوي الشخوص والأحداث، وبذلك ابتعد عن تحديد الأماكن التي افترضها شكسبير لوقوع الأحداث في نصه، بعيدا عن الطراز وعن الدقة التاريخية، ومحققا فكرة الاحتواء التي تتناقض وفكرته الأساس التي اعتمدها، منطلقا من مبدأ التناقض الذي استقاه من معالجات (بريخت) للمسرح الملحمي الذي كان ينادي به، خصوصا بعد رجوعــه من بعثته الدراسيـة في أمريكــا وتعرفـه على أفكار المخرج الألماني، (بريخت).
جعل من معمارية المكان هيكل لتاج كبير، فضاءا مسرحيا لاحتواء المفردات المنظرية الأخرى المكملة لعناصر المنظر المسرحي، بحيث يسهل مشاهدتها عن تتابع مواقع مكان الأحداث داخله، من خلال فتح أبوابه الجانبية المتحركة من اليمين واليسار، والتي يبلغ عرض الواحدة ثلاثة أمتار وارتفاعها متر واحد.
غطى هيكل التاج مساحة مسرح العلبة كلها تقريبا، والذي يبلغ عرض خشبة المسرح عشرة أمتار ونصف وعمق تسعة أمتار وارتفاع ثمانية أمتار، وكان ارتفاع التاج من الجهة الأمامية بحدود متراً واحداً، وعرضه ستة أمتار، والواجهة الأمامية تتألف من جناحين يقعان على اليمين واليسار.
وكان الجناحان متحركين بحيث يمكن أن يفتح التاج ليكون إطاراً رحبا للأحداث، وينغلق ليضيق المكان عند الحاجة وحسب المشاهد المختلفة.
وهكذا استخدم فضاءا واسعاً، تالف من منصة خشبية بارتفاع متر وعرض ثلاثة أمتار، تتكون من مدرج ذي درجتين، يسمح للصعود والنزول إلى مكان العرش الذي يتكون من كرسي العرش في الوسط، وعمودين على جهتي العرش الذي يبلغ ارتفاعهما متراً واحداً، (شكل 4-9)، ووضع مقاعد عديدة على المنصة والى يمين ويسار العرش، وكانت ستارة السايك البيضاء التي يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار وعرضها ثمانية أمتار تمثل الفضاء الخارجي المفتوح.
وفي مقدمة خشبة المسرح توجد حفرة تمثل مكان وجود الساحرات اللواتي لم يظهرن للعيان وانما ظهرت أصواتهن بمرافقة أشرطة حريرية ملونة تصعد إلى الأعلى بواسطة هواء المروحة المنضدية التي تدفع الهواء إلى الأعلى والموجودة تحت خشبة المسرح مع وجود ستائر سود متحركة إلى يمين المسرح ويساره، وتغلق عندما تتحول مواقع الأحداث في مقدمة خشبة المسرح، لتحجب هيكل التاج، وتفتح عندما تتحول مواقع الأحداث أمام هيكل التاج او داخله، ويزاح كرسي العرش من الوسط عندما يتحول المنظر إلى وجود معسكرين متحاربين، بين جماعة ماكبث وجماعة الملك المقتول (دانكان)، ويتحول إلى مواقع غرفة في قصر (فورس) وغرفة في قلعة (الفرنيس) أو مكان خارج القلعة أو مكان قاعة فخمة في قصر، ومكان مقفر وموقع غرفة في قصر، وموقع حديقة في طريق يؤدي إلى القصر، وبهذا ابتعد المخرج عن الالتزام بمعمارية عصرها ودقتها التاريخية لمواقع الأحداث.
2- من إخراج الدكتور (عبد المرسل الزيدي):-
اخرج عبد المرسـل الزيدي مسرحيـة (ماكبث) على المسرح التجريبي(**) لكلية الفنون الجميلة بتاريخ 20/3/1980، اعتمد فيها على ترجمة خليل مطران والتصميم للمصمم (عباس علي جعفر)(***).
كان الهدف الأساسي من عرض مسرحية ماكبث لتحقيق (الثيمة) الرئيسية التي اعتمدها عبد المرسل الزيدي وهي:»العبرة ليس ان تكون ملكا، العبرة ان تكون آمناً»، (في لقاء أجراه الباحث مع عبد المرسل الزيدي في كلية الفنون بتاريخ 16/3/2000)، وقد سعى إلى تحقيقها باستخدام كتل منظرية تتشكل من مفردات توحي بشكل تقريبي لمعمارية مواقع الأحداث، التي ذكرت في النص الشكسبيري، وعلى مساحة مسرح العلبة الذي يبلغ عرضها ستة أمتار وعمقها خمسة أمتار وارتفاعها أربعة أمتار.
تألقت معمارية مكان وقوع الأحداث، من بناء هيكل معماري على شكل قاعة ملكية في إحدى القلاع الملكية بطراز قريب من طراز عصر النهضة، ضم جداراً خلفياً ارتفاعه متران وعرضه ستة أمتار، ملتصقا بالهيكل الخشبي الذي يضم مكان وجود كرسي العرش، وبارتفاع متر وعشرين سنتمتراً وعرض خمسة أمتار ومدرجات عدد أربعة، بارتفاع متر وعشرون سنتمتر، متصلة مع ممر خشبي يأخذ بالارتفاع نحو الخارج ومنحدر إلى الجوانب، يمثل الفضاء الخارجي بحيث يصل ارتفاعه مترين، تقع على جانبيها ثمانية أعمدة مدورة وبارتفاع ثلاثة أمتار،
وغطيت منصة العرش والمدرجات والممر الخارجي بسجاد احمر، ووضع كرسي العرش الذي يبلغ ارتفاعه نصف متر وعرضه نصف متر في نهاية المدرجات وفي وسط المنصة، (شكل 4-10).
كما يوجد جدار بارتفاع ثلاثة أمتار وبعرض متر واحد، ومغطى بقطعة قماش مشجرة تمثل واجهة لنافذة كبيرة أو باب في واجهته قوس يمثل مكان لوجود باب، ولكنها غير مفتوحة، أما في الجهة اليسرى فيوجد مكان لجلوس القادة التابعين لقيادة ماكبث في الجهة السفلى من الهيكل، ومن ضمن ملحقات قاعة القصر الملكي، وتوجد خلف كرسي العرش لوحة جدارية مدورة على شكل دائرة مزخرفة تشبه زهرة عباد الشمس بقطر ثلاثين سنتمتراً ملتصقة بالجدار الخلفي للمسرح، وفوقها قطعة بناء بارزة على شكل نصف دائرة يبلغ ارتفاعها متراً وعرضها مترين، مع وجود ثلاثة مشاعل للإضاءة موزعة على الجدار الخلفي للمسرح وعلى الأعمدة، مع وجود مقاعد خشبية (ستولات) موزعة على جانبي منصة العرش في الأسفل والأعلى، لجلوس القادة المستشارين لماكبث، عددها تسعة وارتفاعها خمسون سنتمترا وعرضها ثلاثون سنتمترا، يحملها الممثل بيده بعد انتهاء المنظر إلى خارج خشبة المسرح، (شكل 4-11).
مقدمة المسرح اندمجت مع قاعة المشاهدين من خلال ممر يبدأ من مقدمة المسرح وينتهي بالباب الخارجي للقاعة بعمق ثمانية أمتار وعرض متر واحد لاستخدامه من قبل الممثلين، بعد نزولهم درجتين من مقدمة المسرح والى القاعة، بحيث اصبح المشاهدون جزءا من العرض المسرحي، مع وجود منصة خشبية أخرى متحركة على عجلات وملحق بها عمود شبيه بالأعمدة السابقة الثمانية، مع مشاعل ثلاثة للإضاءة، تستخدم هذه المنصة كمكان أخر عند الحاجة بعد دفعها إلى مقدمة المسرح غير أنها مخفية وراء ستارة جانبية من جهة اليمين.
ووضع في الجهة اليسرى من مقدمة الخشبة سرير نوم متحرك بعجلات يستخدم لنوم (بانكو) عليه حيث يقتله أعوان ماكبث، (شكل 4-12)، وبعد الاكتفاء من استخدامه يدفع إلى الخارج ليختفي وراء ستارة جانبية، وعلى الجدار الجانبي وضعت لوحة سيراميك كبيرة وبارتفاع مترين وعرض ثلاثة أمتار، لتكون مكملة للمحددات المعمارية التي احتوتها قاعة العرش الملكي، (شكل 4-13).
ومحدودية مساحة مسرح العلبة التجريبي في كلية الفنون حالت دون تحقيق طموح المخرج في توسيع الفضاء المسرحي لتطبيق معمارية مواقع الأحداث التي افترضها النص الشكسبيري، ويبرر المخرج ذلك بقوله:»ان عدم تطبيقها يرجع لعدة أسباب اهمها:-
أ- عدم وجود ميزانية مادية كافية لشراء مستلزمات المنظر وملحقاته.
ب- ضيق المساحة في المسرح التجريبي، مع كثرة تعدد المناظر في النص المسرحي الشكسبيري، التي تحتاج إلى وجود فضاء واسع والى مواد أولية، لذلك اختزلت المناظر المسرحية في منظر مسرحي مجزأ بحد ذاته، ومعماريته تنتمي إلى طراز مقارب لطراز عصر النهضة،»(اللقاء السابق نفسه).
جعل عبد المرسل الزيدي معماريته المكانية مفتوحة بفضاءاتها الداخلية بعد التعاون مع المصمم عباس علي جعفر، والتقرب جاهدا من الأجواء المفترضة من قبل شكسبير واستخدام المصمم الستائر التي تخفي بعض الأجزاء من المنظر في بعض المشاهد وتظهرها في مشاهد اخرى، كما استخدم المخرج الإضاءة لهذا الغرض، وذلك تبعا لتغير الأماكن: (الصحراء المفتوحة، المعسكر،الغرف في قصر وقلعة فورس وانفرنيس، إنكلترا، اسكتلندا) التي تقع في الفصول الخمسة من معماريته الداخلية، مع الاحتفاظ بوحدة التكوين المعمارية القريبة من معمارية مكان مواقع الأحداث.
أوحى عبد المرسل الزيدي بدلالات ترمز إلي هيمنة المفردات المنظرية في نشر روح الجلالة والخشوع لمكانة (كرسي العرش) بحيث ان الوصول إليه يحتاج إلى صعود عن طريق مدرجات عالية معرضة للخطر بإيحاء وجود السجاد الأحمر، الذي يغطي المدرجات، كما حرص على إبراز جمالية التشكيل المنظري بجانب الحفاظ على أهداف المضمون.
ورغم ذلك لم تبرز الدلالات التعبيرية في المفردات المنظرية، عن ثيمة المسرحية التي اعتمدها المخرج وهي: العبرة ليس ان تكون ملك، العبرة ان تكون امنا.
3- من إخراج (شفيـق المهـدي):-
إخراج شفيق المهدي وتمثيل لبعض من أعضاء الفرقة القومية للتمثيل، عرضت على مسرح الرشيد بتارخ 6/6/1989، اعتمد فيها على نص من ترجمة خليل مطران، وقام شفيق المهدي نفسه بتصميم المنظر، وهو في الحقيقة يتكون من بعض الآلات المسرحية قابلة للتحريك وكما ياتي:
أ- سقالة حديدية (سكلة) تستخدم لتبديل وتوجيه أجهزة إضاءة مسرح الرشيد الذي يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار وعرضها متراً ونصف المتر، ولها عوارض على جانبيها الأيمن والأيسر للصعود والنزول، وأضيفت أليها الحبال بين الفراغات الموجودة بين المساند الأربعة للمدرج وبشكل متقاطع ومتعامد ليتسلق ويتعلق عليها الممثلون وبمختلف الاتجاهات والطبقات وتتحرك السقالة بعجلات إلى مختلف الاتجاهات، (شكل 4 – 14).
ب- منضدة خشبية طويلة متحركة على أربعة عجلات، هي في الأصل منضدتان يمكن فصلهما عند الحاجة، طولها تسعة أمتار وعرضها متر واحد وارتفاعها متر واحد وعشرة كراسي للجلوس متحركة بعجلات مرافقة للمنضدة، (شكل 4 – 15).
واصبحت (السقالة) هي المكان الرئيسي لوقوع أحداث المسرحية، مبتعداً تماما عن الأماكن التي افترضها النص الشكسبيري: (اسكتلندا، إنكلترا، فـورس، أنفرنيس، القصر، الريف، معسكر قتال) وقدم اكثر مشاهد المسرحية على تلك السقالة، وذلك توافقاً مع فرضية أن مجموعة الممثلين ليسوا إلا لاعبين الكونفو أو سيرك يتسلقون إلى أعلاها وعلى جوانبها، ومن ثم ينزلون إلى أرضية المسرح وهم يرتدون تلك البدلات البيضاء حيث لا تمييز بين هذه الشخصية وتلك، وهم متسلقون ومتعلقون بها.
وقد أراد المخرج شفيق المهدي بالسقالة وارتفاعها أن يرمز إلى الشموخ تارةً لتحقيق طموح ماكبث وزوجته غير المشروع الذي سلك فيه طريق الصعود السريع باعتلاء العرش بواسطة القتل والغدر، ثم سقوطه وهبوطه السريع نحو الهاوية تارة أخرى.
أما مفردة المنضدة الطويلة فقد خصصها شفيق المهدي لتصفية الحسابات بين ماكبث وجماعة دنكان الملك، بحيث أوحي بطولها لمعاناة ماكبث الطويلة في تصفية الاختيالات، فصعوده عليها يوحي لكرسـي العرش، وعندما يسير فوقها يتحدى القانون والنظام، وفتحها على شكل منضدتين، لفرز جماعة ماكبث وجماعة دنكان، وضمها إلى واحدة يعني رجوع الحق لأصحابه، وحركتها بعجلاتها حركة الأحداث باختلاف مواقعها مع كراسيها الملحقة بها.
استغل شفيق المهدي مقدمة خشبة المسرح، بعد غلق الستارة الأمامية، ليكون المشاهد قريب من الممثل، لمتابعة حركاته وتفاعلاته عند منظر خروج شبح بانكو لماكبث، وهو يحمل سيفاً ودرعاً لقتل ماكبث (شكل 4 – 16).
4- من إخراج (صلاح القصب):-
سمى صلاح القصب عملية الإخراج بالإنشاء الصوري، ونسبه له و(لعواطف نعيم) وأصبحت سمت النص بالإنشاء الدرامي لشكسبير، عرضت المسرحية على حدائق قسم الفنون المسرحية التابع إلى كلية الفنون الجميلة في 13/5/1999، شارك العرض المسرحي ضمن احتفالات مهرجان أيام بغداد المسرحية الثاني، كما ورد في الملصق الخاص بالمسرحية الذي وزعته دائرة السينما والمسرح .
جرب صلاح القصب عرض مسرحية ماكبث في الفضاء المفتوح بخلاف بقية مسرحيات شكسبير (هاملت، الملك لير، العاصفة) التي أخرجها وعرضها في مسرح العلبة المغلق، بغية تحقيق رؤياه الصورية ضمن الفضاء المفتوح هذه المرة.
ويظهر أن اختياره أسلوب (التوليف السينمائي)(*) هو لتوسيع مجالات استغلال المفردات المعمارية التي يضمها المكان بشكل امثل، وتوظيفها لخلق وحدة المكان الجمالية والفكرية التي يطمح إليها المخرج وعلى الطبيعـة من غير تصميم مسبق للمنظر وبذلك يمكن التنقل بين أجزاء المنظر الكلي، بدلاً من أماكن مواقع الأحداث الموجودة في النص الشكسبيري، (شكل 4 – 17).
وضع المخرج أحداث مسرحيته في الفضاء المفتوح للساحة المقابلة للقسم والحديقة الجانبية، واستخدم أدوات أخرى نشرها في المكان ليعطي دلالات مختلفة، فهناك سقالة حديدية (هي نفسها التي استخدمها شفيق المهدي في مسرحية ماكبث) لتكون أشبه ببرج القلعة التي وضع عليها أحد الممثلين ليراقب، هناك عدد من البراميل ظهر بينها نيران للدلالة على الاحتراق، وهناك آلة قطع الورق التي تستخدم في المطابع وذلك للدلالة على المقصلة، وعلامات مرور مقلوبة للدلالة على اختلال القيم العامة، ويدخل المخرج بين الحين والأخر سيارات قديمة وحديثة ودراجة نارية لأعطاء دلالة على وجود عصابة أجرام، (شكل 4 – 18).
وترك المخرج للمشاهد تخيل الأماكن المختلفة وافتراضها، وهكذا ابتعد كثيراً عن الأماكن التي افترضها شكسبير في نصه، ويفسر صلاح القصب افتراضه هذا:»المدرج الشاهق يعني انتقلت إلى القاعة، وعندما انتقل إلى المقصلة هذا يعني اني انتقلت إلى الحالة العسكرية التدميرية التي شغلت ماكبث، وعندما انتقل إلى حركة السيارات، فكاني انتقـل إلى الحركة التي ينتقـل فيها عرش ماكبث، أما الدراجة النارية فهي تمثل الخطر والقدرية التي تشكل الخيط الدموي الذي أصاب ماكبث والليدي ماكبث، والبراميل كانت تعني الملاحقة القدرية التي كانت تلاحــق ماكبث لارتكابـه للجريمة،»(في لقاء أجراه الباحث مع صلاح القصب في داره بتاريخ 2/3/2000)، وحقق بحركة المركبات وغسيل السيارات أجواء العصابات في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، مع انتقاله بين مفرداته المنظرية يحاول أن يستنطقها الواحدة بعد الأخرى، مثل عملية (التتابع السينمائي)(**) ليبرز عملها كمفردات منظرية وكأدوات في آن واحد.
كان أقوى الدلالات التعبيرية غرابة حركة دحرجة البراميل الفارغة التي رافقت مشهد حوار:»أَخَنجر هذا الـذي أرى أمامي ومقبضـه باتجاه يـدي؟ تعال، دعني أمسكك،»(مسرحية ماكبث – ترجمة جبرا – ص:99)، الذي برره صلاح القصب بقوله:»مشهد الخنجر استعضت به عن الصورة المنظرية التقليدية التي يستعملها اكثر المخرجين، والتي هي خروج خنجر أو ظل خنجر على المسرح، لذلك أصبحت البراميل الفارغة تمثل المعنى الرمزي للاحتراق لأنها تحمل البترول الذي تحرقه النار،»(اللقاء السابق نفسه).
والدلالة الأخرى الحديثة، إشعاع الليزر الأحمر المنبعث من (التورج لايت) المحمول باليد والذي يلاحق الليدي ماكبث التي شجعت ماكبث على القتل وسفك الدماء.
تعدد كثرة المفردات وتنوعها الكتلية حيرت المشاهد بدلالاتها وقوتها التعبيرية بحيث لا يستطيع في وقت قصير ان يحلل رموزها التي وضعها صلاح القصب، حيث جعل حركتها دائمية مبعثرة لا تستقر في مكان معين، وهذا كان ما خطط له صلاح القصب بقوله:»هذا يعني هناك إيقاع بوحدة الديكور، إيقاع بوحدة المفردة، إيقاع لمثل هذا الديكور الحديث الرؤية، إذاً لا بد أن تتحرك حركة السيارات والنار ودخانها، وحركة (الباكراوند) وحركة قناني الغاز الذي ملء المكان والذي جثم على المكان،»(اللقاء السابق نفسه).
فكر صلاح القصب طويلاً في هذا العرض لأنشاء أمكنة تشكل لوحة بصرية سريالية تجتمع فيها هذه المفردات، بحيث لم تكن مألوفــة مسرحياً وانما سينمائيـاً لتكـون محيطاتها اللونية الواسعة، بأنواعها وأحجامها المختلفة، واستعادة وتكرار وتشابه بعضها في عروضه المسرحية الأخرى، والتي قـال عنها سامي عبد الحميد:»وهكذا يحمل صلاح القصب موضوعته الدائمة معه، ينتقل بها من هذا العمل إلى ذلك ليشكل لها شكلاً يختلف بنسبة أو بأخرى عن الشكل الذي سبقه 00 ولذلك يسمي نفسه شكلانياً،» (سامي عبد الحميد – صلاح القصب بين مغادرة النص الشكسبيري والرجوع اليه – 1999 – ص: 6).
اختزل صلاح القصب النص الشكسبيري لكنه استعاض عنه بالمفردات المنظرية التي تمثل عنده مكان الأحداث ومواقعها، ولكنها على شكل فوضى معمارية، وبهذا اقتحم صلاح القصب عالم السينما بتوفير (الفضاء المفتوح، مفردات منظرية) يستطيع من خلالها عمل فلم سينمائي لكثرتها وتنوعها والانتقال اليها واحدة واحدة بواسطة حركة الممثل، وبهذا لم يلتزم صلاح القصب لا بالطرازية ولا بمعمارية المكان ولا حتى بالزمن للنص الشكسبيري، وانما بمعماريته هو وزمنه الذي يحلم به في صورة مبهمة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق