مسرحية " مرآيا عمياء " تأليف شوقي كريم حسن
مجلة الفنون المسرحيةالمشهد الأول:
( الضوء خافت يسلط على طاولة في المنتصف.. تبدأ الأضاءة بالظهور تدريجيًا، ليصبح المكان أكثر وضوحًا. شخصيات تجلس على مقاعد متفرقة، في حالة توتر الشديد).
السياسي /لنخرج من هنا. نحن في مصيدة. هذا ليس مكانًا يليق بوجودنا.
(يتنفس بعمق.)أريد إجابة: من جاء بنا ماذا يريدونه منا؟
(الجندي ينهض، محاولًا تهدئته.)
الجندي /لا جدوى من السؤال لآنك. لن تجد إجابة. نحن هنا لأننا ارتكبنا أخطاء، والوقت ليس في صالحنا.
(ينظر إلى الساعة الرملية، ثم يلتفت إلى الجميع.)
أين نذهب إذا انهار كل شيء؟
(الطبيبة النفسية تنظر إلى الجميع بحذر.)
الطبيبة /:لن نخرج إذا كنا لا نواجه أنفسنا أولاً. كل واحد منكم هنا يحمل عبئًا ثقيلًا من الماضي. إذا أردتم النجاة، يجب أن تكشفوا عن كل شيء.
(تنظر إلى السجين .)
أنت أكثرهم تعقيدًا. لا تخبرني أن الماضي لا يؤثر عليك!
(السجين يبتسم ابتسامة ساخرة.)
السجين /الماضي… هو الذي يجعلنا أحياء. لا شيء هنا سوى الألم الذي لا ينتهي، ولا فائدة من التمسك بما لا يمكن إصلاحه.
(يجلس على الأرض.)
أريد أن أستريح. هذا الجنون لا ينتهي أبدًا.
(الفتاة الغا تلتقط أنفاسها، ثم تتحدث بصوت متقطع.)
الفتاة /:أنتم جميعًا… تراكمتم في مكان لا يعود فيه الزمن. نحن عالقون في حلقة لا تنتهي.
(تنظر إلى الجميع بحيرة.)
لا أريد العودة إلى ما كنا عليه. أريد أن أرحل من هذا المكان، حتى لو كان ذلك يعني أنني سأموت هنا.
(السياسي، الذي يراقب بصمت، يبتسم بشكل غير متوقع.)
السياسي /:أنتم تظنون أنكم سجناء. لك الحقيقة أنكم هنا لأنكم … شركاء في نفس الجريمة. الجريمة التي لم تعترفوا بها بعد.
(يقترب من الطاولة، ثم يرفع رأسه.)
الحقيقة ليست مجرد نظرية علمية. هي ما في قلوبكم الآن.
(يسكت ويبتسم بحزن.)
ألم تروا ذلك؟
(الساعة الرملية تبدأ في الانتهاء، وصوت الآلي يبدأ في التكرار.)
الصوت الآلي/:الوقت ينفد. الحقيقة ستظهر قريبًا، ولكن هل أنتم مستعدون لها؟
المشهد الثاني:
(الشخصيات تجلس في حالة من الارتباك، الأنوار تتذبذب بشكل متسارع. كل منهم يبدأ في التحدث بشكل فوضوي، يتسابقون لإثبات أنهم “أبرياء” أو “ضحايا” من الماضي.)
السياسي /(يحاول الحفاظ على هدوئه.)أنا دائمًا في خدمة الوطن. أخطأنا، نعم. لكن لم يكن لدينا خيار آخر. الظروف هي التي جعلتنا نتصرف كما فعلنا.(يبتسم ساخراً.)
لكن هل تعتقدون أنني لا أندم؟ لا شيء يعيد ما فقدناه.
الجندي /:(بغضب.)
تستمر في كذبك.. نحن هنا لأننا آمنّا أننا سنخرج سالمين. لكننا ضحينا بالآخرين على مذبح السلطة!
(يرتفع صوته.) خدعنا أنفسنا وقلنا إننا نخدم الوطن، لكننا فقط قتلنا… قتلنا كل شيء.
الطبيبة/:(تنظر إليهم بترقب.)
لا أحد يملك الحق في تبرير أفعاله. أنتم ضحايا لأنكم لم تعترفوا أبدًا بأنكم جزء من المأساة التي تسببتم بها.(تنظر إلى السجين .)
أنت هنا لأنك، مثلنا، تهرب من المواجهة. لا يمكن لأحد أن يهرب من نفسه.
السجين /:(يتنهد.)الهروب ليس فعلًا اختياريًا. نحن هنا لأننا قُمنا بحروبًا لا نعرفها… جُرحنا بأيدينا ولا نعرف كيف نوقف النزف.
(ينظر إلى الجميع بحزن.)
لأننا لم نواجه أنفسنا في الوقت المناسب.
(الفتاة تقف، تقترب من الجدار.)
الفتاة /:لا شيء من هذا حقيقي… الجميع يكذب. والآن نحن في هذا المكان المظلم لأننا تخيلنا أننا لا نستحق الفهم… أنتم لا تملكون الحق في الحكم علينا!
الأستاذ /(يتكلم بهدوء.) الحقيقة تتكشف في اللحظة التي تتوقف فيها عن الهروب. نحن هنا لأننا نرفض أن نرى أنفسنا بمرآة صادقة. هذه هي الحقيقة التي لا نستطيع مواجهتها.
(يبدأ الصراع يتصاعد داخل الغرفة. الصوت الآلي يعود للظهور بشكل متسارع.)
الصوت الآلي:/الحقيقة تقترب. لا مفر من المواجهة. الآن… على كل واحد منكم أن يعترف بما فعل.
المشهد الثالث:
(الشخصيات تنهار واحدة تلو الأخرى، مع اقترابهم من الصدام النهائي. التوتر لايحتمل، كل منهم يصرخ. الساعة الرملية تنفد بالكامل، الصوت الآلي يختفي بشكل مفاجئ. الغرفة تصبح مظلمة تمامًا.)
المشهد الرابع:
(الظلام يكتنف المكان، لكن شيئًا غريبًا يحدث. شخصيات المسرحية تتحرك بسرعة، كما لو أن الزمن يتسارع. الأنوار تضيء بشكل غير متوقع، لتكشف عن التغيير الذي حصل في الغرفة. الجدران تتقلص، المكان ضيقًا أكثر . الشخصيات تتحرك بتوتر، كأنهم يواجهون واقعًا حاصرهم.)
السياسي /:(يرتجف قليلًا، يتنفس بصعوبة.)
أوقفوا هذا! هذا الجنون لا ينتهي! كأننا في جحيم لا يرحم! هل هذا عقابنا؟ هل نحن مستحقون لهذا؟
(يصرخ بألم.)
إذا كان اختبارًا، فلن أستطيع تحمله! لا أستطيع تحمّل وزر كل شيء فعلته!
الجندي /:(بغضب مكتوم.)
او لم تفهموا بعد. الجدران تضيق لأنها تجسد ضمائركم، هي عذابكم الداخلي الذي تجنبتموه طوال الوقت.
(يتنفس بقوة.)
هذا هو الواقع . لم تكن هناك فرصة للنجاة منذ البداية. أنا هنا لأنني لم أستطع الهروب من الماضي. لا أحد يمكنه الهروب.
الطبيبة /:(تقترب منه، وتنظر إلى الجميع.)الهرب ليس الحل… نحن هنا لأننا واجهنا أنفسنا أخيرًا. لكن الخوف من الحقيقة كان أقوى من رغبتنا في النجاة.
(تلتفت إلى الجميع.)
لكن علينا أن نواجه الماضي! نريد الحياة، لكن هل يمكننا العيش دون أن نغفر لأنفسنا؟
السجين /:(بصوت هادئ، لكنه محمل بالحزن.)ماذا لو كانت الحقيقة أكثر قسوة مما نتصور؟ ماذا أننا لا نستحق الحياة؟
(يحدق في الأرض.)
نحن هنا لأننا حملنا أوزار الآخرين على أكتافنا. الآن، نجد أنفسنا نتنقل في دائرة المغلقة.(يتنهد.)
لن تفرقوا بين الضحايا والمجرمين بعد الآن… نحن نعيش في وهم كبير.
الفتاة /(تصرخ بصوت مرتجف.)
أنا لم أعد أستطيع التحمل! نريد الخروج، نريد النجاة، لكننا لا نعرف كيف! كيف يمكن أن ننجو إذا كنا عالقين هنا؟ هل هذا هو عقابنا؟
(تقع على الأرض وهي تبكي.)
ماذا نريد من هذا كله؟ لا أريد العودة إلى الماضي! لا أريد العودة إلى كل تلك الوجوه التي تخونني… أنا لا أريد أن أكون جزءًا من هذه اللعبة الملعونة!
الأستاذ /:(يبتسم بحزن، ينظر إلى الجميع.)الماضي هو الذي صيغت منه حياتنا، لكنه لا يحددنا. قد نظن أننا لا نملك قوة للتغيير، لكن الحقيقة أن كل واحد منا لديه القوة على اعترافه.
(يرتفع صوته بشكل مفاجئ.)
تستمرون في الهروب من الحقيقة لأنكم لا تستطيعون مواجهة أنكم لا تعرفون من أنتم، أو ما فعلتم!
(الساعة الرملية تبدأ في العد مرة أخرى، بشكل أسرع. الصوت الآلي يظهر مجددًا.)
الصوت الآلي:الوقت ينفد. الحقيقة تقترب. اخترت أن تكونوا هنا هل اختاركم الزمن؟ ستكون الحقيقة طي النسيان ولا هروب منها.
(تدور الشخصيات في المكان با رتباك يصرخون بألم في محاولة للهروب من الجدران التي تضيق أكثر. لتشكيل ضغوطاً نفسية إضافية ، مما يجعلهم يواجهون صراعاتهم الداخلية بشكل مباشر.)
السياسي/:(يصرخ هازاً رأسه.) كانت خياراتنا محكومة بالظروف. الا تفهمون؟ نحن بشر. نخطئ. هل يستحق الخطأ أن نبقى محاصرين في هذه الدائرة؟
الجندي /(يمشي مسرعا باتجاه السياسي.)لا تخدع نفسك! نحن هنا لأننا لا نقدر على مواجهة أنفسنا. لا شيء في العالم يغسل خطايانا!
الطبيبة/:(تحاول التهدئة.)
كل شيء قابل للمغفرة… إذا واجهنا الحقائق. كل منا يحمل ثقلًا من الماضي الذي لا نستطيع الهروب منه.
(تقترب منهم وهي متوترة.)
نحن هنا لأننا لم نكن نعيش الحقيقة، بل نبحث عن مبررات مستمرة للهروب.
السجين /(بصوت هادئ، عابس.)
نعم، نبحث عن المبررات لأننا نعيش في الوهم. إذا اعترفنا بما فعلنا، فلن يبقى لنا شيء. لكننا لا نريد أن نموت مع أوزارنا، ولا نستطيع أن نغفر لأنفسنا.
(الفتاة ا تنظر إليهم بصمت، ثم تنفجر بصوت عالٍ.)
الفتاة /:كفى! كفى! هذا يكفي! نحن هنا لأننا لا نعرف كيف نعيش! الماضي أخذ منا كل شيء، فماذا عن الحاضر؟ ماذا عن المستقبل؟
(تصرخ وهي تنحني على الأرض.)
لماذا لا نعيش بسلام؟ لماذا نحن في هذه الغرفة؟ هل ننتظر مصيرًا واحدًا، أم نعيش في ظل ما مضى؟
الأستاذ /:(بهدوء، ولكنه يصرخ في النهاية.)نحن نعيش في هذا العالم لأننا لم نغفر لأنفسنا. لا نريد أن نواجه الحقيقة لأننا نعتقد إذا فعلنا ذلك، نموت. لكن الحقيقة أننا إذا لم نواجهها، نظل محاصرين إلى الأبد!
(الساعة الرملية تفرغ للمرة الأخيرة، ويبدأ صوت الآلي في التكرار بشكل فوضوي.)
الصوت الآلي:/الوقت انتهى. هل أنتم مستعدون للمواجهة النهائية؟
المشهد الخامس:
(الغرفة تتقلص كثيراً، لايمكن لأي من الشخصيات الهروب من جدرانها . الجميع يصرخ في محاولة أخيرة في البحث عن مخرج. )…
الصوت الآلي /(بصوت منخفض):
لن تخرجوا إلا إذا كشفتم عن أنفسكم بالكامل… الحقيقة لا يمكن الهروب منها، أنتم سجناء ارواحكم.
(الأنوار تنطفئ فجأة، وتبقى الغرفة في ظلام دامس.
المشهد السادس:
(الغرفة أكثر اكتظاظًا بالضجيج والصراخ. ، التوتر يتصاعد بين السياسي والفتاة ، مما يثير تدخل الجندي.)
السياسي /( يقترب من الفتاة بحذر.)أنتِ من جاء بنا الى هذا المكان الغريب! أنتِ السبب!(بصوت متهدج.)
لن تهربي من الحقيقة… التي نحاول الهروب منها جميعًا!
الفتاة /:(تتراجع، مرتعشة.)
لست السبب! لا… لا أستطيع تحمل هذا! أنا لم أفعل شيئًا!
الجندي /:(بغضب، يتدخل بسرعة.)
توقف! لا يمكنك فعل هذا. لا يمكن لأحد أن تكون حاكماً . لا أحد هنا فوق الآخر!!
السياسي /:(يهز رأسه، محاولاً التملص من الجندي.)أنت أيضًا جزء من هذا الجحيم! الجميع يحملون أوزارًا، ما الذي يجعلها مختلفة؟
الطبيبة /:(بصوت عميق متعب.)
أيًّا منكم… كفى! هل وصلنا الى هذه مرحلة هروب من الحقيقة؟ لمِ لمْ تواجهوا أنفسكم بعد؟
(تنظر إلى الجندي و السياسي.)
توقفوا عن القتال… إن لم نواجه واقعنا ، فلن نخرج من هذه الدوامة أبدًا.
(، يتدخل السجين، ليمسك بكتف الجندي .)
السجين/:(بصوت مكتوم، .)
لا أحد يستطيع الهروب من ماضيه. لا أحد. هذا هو الواقع، كلما حاولنا الهروب ، كلما كانت الضريبة أكبر.
(يبتعد عن الجندي، ويقترب من الفتاة.)أنتِ… أنتِ تُشبهيننا أكثر مما تعتقدين، أنتِ ضحية، كما نحن. كلنا ارتكبنا أخطاء، ولان نحاول تبريرها.
(الفتاة تبكي مبتعدة إلى الزاوية. .)
الفتاة /:(، مخاطبة السجين.)
أنا لست مثلهم… أنا لست مثلهم! لم أك أبدًا جزءًا من هذا الجحيم!
(بصوت ضعيف.) أريد الخروج. أريد أن أعيش… أريد الهروب!
(الجندي يراقب السجين والفتاة، عيناه تتجهان نحو الباب المغلق، محاولًا فهم ما يحدث. رغبته بالسيطرة.)
الجندي /:(بصوت حازم، موجهًا كلامه للجميع.)لن تهربوا من هذا! إذا لم نواجه جميعًا حقيقتنا، لاننا محكومون بالإعدام. موت بطيء… نحن ننتظر النهاية …ننت..ظر … النها..ية!
(يقترب من السجين.)
أنتَ، يا من تتحدث عن الهروب… هل تعتقد أنك تخرج سالمًا؟ ألم تعش السنوات تحت وطأة نفس العذاب؟
السجين /:(يضحك بمرارة.)
كلما تظاهرنا بأننا نستطيع الهروب، لاحقتناالحقيقة أكثر. ذلك لأننا لم نواجه أنفسنا. نحن ضحايا الخوف من المواجهة!
(يصمت للحظة.)
لكن… لا أعتقد أننا نستطيع الهروب . نحن هنا… حيث لا مكان نهرب اليه.
(السجين ينهض مقترباً من الفتاة.)
السجين/:(يتحدث بصوت هادئ.)
أنتِ ضحية مثلنا عليكِ أن الاختيار. هل تظلين، في حالة الهروب؟ أم تواجهين الحقيقة، مهما كانت مرة؟
(يتوقف متنهداً.)أنا لم أك قادرًا على الهروب من الماضي. الآن حان وقت الدفع، جميعنا يجب أن يدفع.
(ينظر إلى الجندي.)هل تعتقد أن القوة تغير شيئًا؟ سنظل نتعذب في هذا المكان، مهما فعلنا.
(الجندي يشد قبضته، الغرفة تبدأ في الانكماش، الهدوء يملأ المكان.)
الجندي /(بصوت خافت مرتجف قليلاً.)لا أستطيع رؤية هذا لا أستطيع رؤيتكم وانتم تنهارون أمامي. نحن بحاجة للوقوف معًا، أو الموت في هذه الزوايا.(بصوت عالي، منادياً.)
إذا لم تتحدوا، لمواجه الحقيقة ، سنظل هنا، دونما أمل… دونما مخرج.(، ينظر إلى الجميع.)
هذه اللحظة. نختار فيها، إما أن نواجه ، أو نختفي الى الأبد معاً،.
(تُسمع أصوات خطوات تقترب من الباب المغلق، المجموعة لا يتحرك.)
المشهد السابع:
(الضغط النفسي يتزايد، الشخصيات تتأمل كلمات الجندي. الأجواء مشحونة، ).
الفتاة /:(بصوت هادئ، لكن عميق.)
هل يمكننا الاختيار؟ هل يمكننا أن نغفر لأنفسنا؟
(الصوت الآلي يخرج فجأة.)
الصوت الآلي:/الاختيار طريق واحد: إما الهروب أو المواجهة. ولامفر من العواقب… مهما كانت الخيارات.
(الأنوار تخفت تدريجيًا، يسود الظلام مع بقاء الجميع في اماكنهم، الفتاة تنظر إلى نفسها في مرآة مكسورة، مستعيدة الذكريات . تتحدث بهدوء، وكأنها تخاطب نفسها )
الفتاة/هل يمكن للماضي تجاوز وجودنا؟ هل يمكن نسيان كل ما مررنا به؟
(تقف أمام المرآة متلمسة شظاياها.)
كل لحظة أعيشها مليئة بالكدمات… وما حولي مليء بالدماء. هل يمكن الاستمرار ،،،كيف،،،اريد أجابة ،،كيف؟!!
(تبتعد عن المرآة، تلتفت بنظرة تشبه الاستفهام.)هل نظل محاصرين في هذا المكان؟ هل نظل رهائن اخطائنا؟
السجين /(يقترب منها بصمت )
لن تنتهي اللعنة حتى تواجهين ما كنتِ تخفينه عن نفسك، كما فعلنا جميعًا. نحن هنا لأننا لم نتقبل أخطاءنا. إن لم تُحلَّ هذه الدائرة، سنبقى ندور فيها الى الأبد.(يمسك يديها برفق.)
لا تظني أن الهروب هو الحل، الهروب من الواقع أكبر كذوبة، أكبر من أي شيء عشنا من أجله!!.
(الجندي يراقب عن كثب يقرر التدخل.)
الجندي /:(بصوت حازم، محاولاً السيطرة على الوضع.)
كفاكم تحديق في الماضي! أوقفوا هذا الانهيار ! إذا استمررتم في هذا الصراع ، فلن نجد نهاية.لايمكن للمرء البقاء أسيرًا لحروب قديمة. يجب أن نُقرر، الآن، من نكون في هذه اللحظة.؟!!
(يتوجه نحو السجين والفتاة.)
نعم، نحن ضحايا، و أصبحنا مجرمين في أعين أنفسنا. إن لم نواجه من نحن ، فسنبقى دائمًا وسط العتمة.
الطبيبة /(تبدأ الحديث بصوت منخفض، وكأنها تنطق بالحقيقة التي طالما تجنبها الجميع.)
الندم ليس حلاً. الاعتراف هو الحل. عندما تُجبرنا الحقيقة على مواجهتها، سنفهم أن ما عشنا من أجله مجرد عبث. نحن لسنا معاً لنغفر لبعضنا البعض، نحن هنا لنتعلم كيف نعيش من جديد.(تقترب منهم.)
لكن المشكلة أننا نتمسك باستمرار. بالخوف، بالحقد، بآلام الماضي… وتلك الأشياء تجعلنا ندور في دائرة من العجز.(تقترب من الفتاة.)
لن تتغير الأشياء إذا لم تتغيري أنتِ. وإذا لم تتغير أنت، فلا شيء يحدث.
(الأنوار تومض في الغرفة. تسمع اصوات خشخشة في الجدران.)
السجين /:(يتحدث بحزم،غاضب.)
انتظرت سنوات طوال لأكون ، في هذه اللحظة التي تحل لغز حياتي. نحن نعيش في هذا المكان، متشبثين بما هو قديم، لا نستطيع رؤية الحقيقة أمامنا.(يصرخ بعصبية.)
إذا كانت هذه نهاية الطريق، فلن يكون هناك مخرج سوى المواجهة. مع أنفسنا، مع ماضينا… مع الحاضر الذي نتجاهله!
(الجندي ينظر إليه، ثم يلتفت إلى الجميع.)
الجندي /:(بصوت يملؤه اليأس .)
ألم نعد قادرين على فهم شيء؟تصارعنا طويلاً مع أنفسنا، لكن الأهم لا مفر من الاعتراف. لا مفر من المواجهة مع الواقع، مع الخوف… مع الحقيقة. مهما كان الثمن.
(ينظر إلى الجميع بحزن.)
إن لم نواجه الآن، سنظل في هذا المكان إلى الأبد، نكرر أخطاءنا دون أن نلاحظ.
(الفتاة تنظر إلى الجميع،.)
الفتاة /:(بصوت عميق، مرتبك.)
أنا… أنا خائفة. لا أعرف كيف أواجه هذه الذكريات… هل يمكنني التوقف عن الهروب؟
(تدير وجهها بعيدًا، ثم تعود للنظر إلى السجين.) الحقيقة تؤلمني… ماذا لو انها أقسى مما يمكن تحمله؟
(السجين يقترب منها ببطء، يضع يده على كتفها.)
السجين /:(بصوت حنون.)
الحقيقة صعبة، و مؤلمة. ولكن لا أحد يمكنه الهروب منها إلى الأبد. عليكِ مواجه نفسك كما فعلنا… ربما تكون فرصتنا الأخيرة للخلاص.
(يتنهد.)إذا لم نُقرر الآن، سنبقى أسرى هذه الأوهام. لا أحد منا يستطيع العيش في الظلال الى الأبد.
(الغرفة أكثر ظلمة، والكلمات تتردد في الأرجاء. الجميع يقف في صمت، .)
المشهد التاسع:
(الضوء الخافت يملأ الغرفة، الشخوص تراقب بعضها البعض بحذر، .)
الجندي /( يقترب من الفتاة بحذر.)
هل يمكننا التوقف عن إخفاء أنفسنا؟ هل يمكننا التوقف عن الهروب من الحقيقة؟
(بصوت منخفض لكنه مليء باليقين.)
اتظنوا أننا قادرون على الهروب، الحقيقة نحن محاصرون وماعلينا سوى الاختيار، إما مواجة الحاضر وأستمرار العيش في ماضي نرفضه.
(الفتاة تتنفس بصعوبة.)
الفتاة/:(بصوت غاضب.)أنت محق… كنت أهرب طوال عمري. من الذكريات، من الألم… هل تعتقد أني أرغب بهذا؟ هل تعتقد أني اخترت أن أكون هنا؟ أن أعيش وسط هذا الجحيم؟
(تسكت للحظة، ثم تتحدث بصوت منخفض.)كلنا يركض وراء شيء… ما هو، السلام ،،الخلاص.. ( تصرخ) أننا نخاف من الحقيقة أكثر من خوفنا من الموت نفسه؟
(السجين ، يمسك بيدها برفق.)
السجين/:(بصوت عميق مختنق.)
نخاف من الحقيقة لأننا لا نعرف كيف نعيش بها. خائفون من أنفسنا. لم نعتد النظر في مرآتنا الحقيقية، على مواجهة كل ما كنا عليه ما فعلناه. هذه هي اللحظة،
الفتاة/… هذه اللحظة التي نقرر فيها كيف سنعيش في الحاضر.
(تتنهد بعمق.)
أن نعيش مع الحقيقة… مهما كانت.
(الجندي ويتراجع ببطء، شاعرا بالعجز أمام كلمات السجين. الطبيبة تقف الى جانبه، تراقب بصمت.)
الطبيبة /:(بصوت مليء بالحكمة.)
الحديث عن الهروب والمواجهة، عن الحقائق أكثر مما يمكننا تحمله. لا يمكن أن التخلص من أوزارنا كما لو كانت ثقلًا نرميه على الأرض. هذا ليس خيارًا! خيارنا الوحيد كيف نتعامل مع هذه الأوزار، كيف نكمل حياتنا معها.
(تقترب من الجندي.)
الحقيقة ليست نقيضًا للموت، كما تظن. الحقيقة أن نعيش، مع كل الجروح، مع الألم. إنها ليست النهاية، بل بداية جديدة.
(الفتاة تنظر إلى الأرض،. الجندي يبتعد، تظل الأنظار معلقة في لحظة صمت.)
المشهد العاشر:
(الضوء يزداد خفوتًا في الغرفة،. المجموعة لا تعرف الى أين تذهب،، كل واحد منهم في مكانه، يراقب الآخر، )
الفتاة /:(تنظر إلى الجندي، ثم السجين، تهمس بصوت مبحوح.)
لا أستطيع القول أني مستعدة للمواجهة … هل يمكننا الاختيار؟ و اعادة بناء أنفسنا من جديد؟
(تلتفت للجميع.)
هل يمكننا التعايش مع الألم؟ هل يمكن ان نغفر لأنفسنا؟
السجين /:(يبتسم بهدوء، .)
يمكننا أن نغفر لأنفسنا فقط عندما نكون صادقين معها. لكننا لا نستطيع الهروب إلى الأبد، نحن هنا لأننا اخترنا ألا نواجه الحقائق.
( ينظر إلى الجميع.)
يجب أن نكون مستعدين للحظة التي نقرر العيش بشجاعة… أن نعيش مع ماضينا، وأخطائنا، بكل ما فيها من مرارة.
(الجندي يقف في مكانه، ينظر إليهم بحيرة، ثم يبتسم ابتسامة صغيرة، وكأن شيئا ما قد تغير داخله. الطبيبة النفسية تراقب الجميع، وتلتفت نحو الباب المغلق.)
الطبيبة النفسية:/(بصوت ضعيف، محمل بالثقة.)
ربما لا نجد إجابة حقيقية اليوم. و لا تكون هناك نهاية واضحة. لكن الأهم أن نكون قادرين على الوقوف في وجه أنفسنا. أن نتمكن من العيش بعد كل هذا… بعد كل ما مررنا به.
(تتجه نحو الباب.)والآن، هل نحن مستعدون للخطوة التالية؟ هل نحن مستعدون للتغيير؟
(الفتاة ا، السجين ، السياسي، الجندي، والطبيبة ا يقفون في صمت، يتبادلون النظرات، وكل واحد منهم يواجه شعورًا بالارتباك، ولكنهم جميعًا يدركون شيئًا واحدًا. لا شيء يمكن أن يعود كما كان الأنوار تومض وتغلق ببطء، الغرفة تصبح مظلمة بالكامل.)
_ ستار _
0 التعليقات:
إرسال تعليق