أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 13 يوليو 2016

دليل الناقد الذكي‮ ‬لمدارس ومناهج النقد المسرحي‮ ‬ ‮ ‬علم اجتماع علامات المسرح والبنيوية التوليدية / د. حسن عطية

مجلة الفنون المسرحية

في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تطورت فيه الدراسات الشكلية‮ ‬،‮ ‬المؤسسة علي‮ ‬تنظير أرسطو للدراما المسرحية وعناصرها الكمية والكيفية‮ ‬،‮ ‬والمتبلورة في‮ ‬اتجاه الشكلية الروسية وتوجه النقد الجديد الأنجلوأمريكي‮ ‬،‮ ‬مارة بعلم العلامات‮ (‬السيميولوجية‮) ‬،‮ ‬وواصلة للمدرسة البنيوية المنغمسة في‮ ‬البحث عن أنماط البنية الداخلية للنص الأدبي‮ ‬،‮ ‬الرواية خاصة‮ ‬،‮ ‬دونما تحقيق بارز في‮ ‬حقل الدراما المسرحية‮ ‬،‮ ‬راحت الدراسات السوسيولوجية تطور نفسها بدورها مبتعدة عن التحليل الاجتماعي‮ ‬الخارجي‮ ‬للعمل الإبداعي‮ ‬المهتم بالكشف عن المضامين الاجتماعية وصلتها بمجتمعاتها في‮ ‬لحظة معينة‮ ‬،‮ ‬وسبل توجهه لجمهوره وقدرته علي‮ ‬التأثير فيه لإيقاظ أو تغييب وعيه بالواقع الذي‮ ‬يعيشه‮ ‬،‮ ‬ومقتربة من منجزات الدراسات السيميولوجية تجادلها وتستفيد منها‮ ‬،‮ ‬محققة ما نسميه بالدراسات السوسيوسيميولوجية أو علم اجتماع العلامات‮ .‬
اهتمت هذه الدراسات الجديدة بالبحث في‮ ‬العلاقة الجدلية بين المبدع والإبداع والمجتمع‮ ‬،‮ ‬فالمبدع ليس فردا‮ ‬ينتمي‮ ‬اجتماعيا فقط لطبقة محددة‮ ‬يعبر بعمله عن رؤيتها‮ ‬،‮ ‬كما أشار‮ "‬لوسيان جولدمان‮" ‬في‮ ‬بنيويته التوليدية‮ ‬،‮ ‬الموفقة بين البنيوية الشكلية‮ ‬،‮ ‬التي‮ ‬أشرنا إليها سابقا‮ ‬،‮ ‬والفكر الماركسي‮ ‬المرتكز علي‮ ‬التفكير المادي‮ ‬للفكر والفن‮ ‬،‮ ‬إلي‮ ‬أن المبدع‮ ‬يعبر عن رؤية طبقته للعالم عبر بنية عمله الإبداعي‮ ‬،‮ ‬متغافلا عن دور الانتماء الفكري‮ ‬للمبدع للطبقة أو الشريحة الاجتماعية التي‮ ‬اختار فكريا ان‮ ‬ينتمي‮ ‬لها،‮ ‬ومن ثم التعبير عنها وصياغة رؤيتها للعالم في‮ ‬بنية عمله الإبداعي‮ ‬،‮ ‬فالريفي‮ ‬الذي‮ ‬يترك قريته وطبقته الفقيرة وينتقل بالعلم والوظيفة للعاصمة مرتقيا في‮ ‬سلمها الاجتماعي‮ ‬،‮ ‬تتحول عنده القرية الريفية وكذلك طبقته الفقيرة من واقع مجتمعي‮ ‬يتغير بعيدا عنه‮ ‬يوميا‮ ‬،‮ ‬إلي‮ ‬أيقونة ثابتة الملامح‮ ‬،‮ ‬راسخة العادات والتقاليد‮ ‬،‮ ‬متحجرة البنية الاجتماعية‮ ‬،‮ ‬متكررة الحضور كقرية وكطبقة في‮ ‬أعماله المتغيرة زمنيا‮ ‬،‮ ‬مما قد لا‮ ‬يحقق انسجاما بين الطبقة التي‮ (‬كان‮) ‬ينتمي‮ ‬إليها المبدع‮ ‬،‮ ‬ومازال‮ (‬يتصور‮) ‬أنه‮ ‬ينتمي‮ ‬إليها‮ ‬،‮ ‬وبنية مسرحيته التي‮ ‬كتبها في‮ ‬سياق مجتمعي‮ ‬مختلف وداخل طبقة مغايرة انتمي‮ ‬بفكره لها‮ ‬،‮ ‬مما‮ ‬يشوش هذه البنية الجمالية‮ ‬،‮ ‬ويمزق عناصرها الداخلية بين رؤية طبقة ولد وعاش الكاتب أو المخرج فيها ردحا من الزمن‮ ‬،‮ ‬وطبقة‮ ‬يعيش فيها ويتوجه إليها هذا المبدع في‮ ‬لحظة مغايرة‮.‬
التغيير في‮ ‬البنية تغيير في‮ ‬الرؤية
إن دراسة علامات العمل المسرحي‮ ‬،‮ ‬كتابة ونصا‮ ‬،‮ ‬تتطلب وعيا اجتماعيا بمدلولات هذه العلامات الداخلية وتفاعل أنساقها‮ ‬،‮ ‬وحضور مرجعيتها في‮ ‬ثقافة الجمهور المتلقي‮ ‬،‮ ‬فعندما‮ ‬يلتقط مخرج نصا أجنبيا كتب في‮ ‬سياق مجتمعي‮ / ‬زمني‮ ‬مختلف عن سياق المجتمع المصري‮ ‬او العربي‮ ‬،‮ ‬وعبر به كاتبه عن طبقته ولغته وديانته وهويته المتعصب لها‮ ‬،‮ ‬ويدين به حربا‮ ‬غربية‮ (‬عالمية‮) ‬غاية أحد أطرافها إبادة أهله‮ ‬،‮ ‬وأجبر هو علي‮ ‬الاشتراك فيها كجندي‮ ‬،‮ ‬مثلما أجبر بطل نصه الدرامي‮ ‬المتماهي‮ ‬فيه علي‮ ‬التجنيد‮ ‬،‮ ‬وتم إلقاؤه علي‮ ‬الجبهة تحت إمرة قائد عسكري‮ ‬ملتاث‮ ‬،‮ ‬يخرج ذات‮ ‬يوم في‮ ‬إجازة‮ ‬يعرض عليه الجندي‮ ‬المتعين هذا أن‮ ‬يتوجه لقريته وأسرته ليرتاح زمن اجازته معها‮ ‬،‮ ‬فيقلب حياتها رأسا علي‮ ‬عقب‮ ‬،‮ ‬وتتفجر عبثية الموقف الدرامي‮ ‬ومرارته‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬معرفة الجمهور بموت الجندي‮ ‬علي‮ ‬الجبهة‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تتفاني‮ ‬فيه أسرته في‮ ‬خدمة هذا الجنرال الملتاث‮ . ‬عندما‮ ‬يلتقط مخرجنا المصري‮ ‬هذا النص المعبر عن رؤية كاتب لجماعته الدينية‮ ‬،‮ ‬وليس لطبقته الاجتماعية فقط‮ ‬،‮ ‬ورعبها من هذه الإبادة الجماعية رغم خضوعها لخدمة الراغب في‮ ‬تدميرها‮ ‬،‮ ‬ويقوم بتحويل لغتها للعامية المصرية المعبرة عن مجتمع التلقي‮ ‬،‮ ‬ووضع أسماء مصرية محل الأسماء الغربية‮ ‬،‮ ‬وتحوير بعض مواقفها‮ ‬،‮ ‬دون تغيير جذري‮ ‬في‮ ‬بنيتها الدرامية وعناصرها الداخلية المتضمنة لمحتواها الفكري‮ ‬،‮ ‬ثم‮ ‬يحول القائد العسكري‮ ‬الذي‮ ‬يدينه النص كشخص وكمؤسسة إلي‮ ‬مستشار أمريكي‮ ‬،‮ ‬يختل البناء بأكمله‮ ‬،‮ ‬فالجمهور في‮ ‬تلقيه لهذا العرض‮ ‬،‮ ‬سيتساءل بالحتم عن هذه الكتيبة العسكرية‮ (‬المصرية‮) ‬التي‮ ‬تحارب علي‮ ‬الجبهة وقائدها مستشار أمريكي‮ ‬،‮ ‬وسيفتش عن‮ (‬رؤية العالم‮) ‬التي‮ ‬يحملها العرض‮ ‬،‮ ‬لا النص الأصلي‮ ‬وكاتبه‮ ‬،‮ ‬وعن أية طبقة تعبر‮ ‬،‮ ‬وعن هذا التعارض الرهيب بين عبثية نص‮ ‬يخضع فيه البشر طواعية لحاكم جائر‮ ‬،‮ ‬حفاظا علي‮ ‬حياة طيبة لابن مات بالفعل‮ ‬،‮ ‬وأغان ثورية مدسوسة علي‮ ‬العرض ومحتلة مساحة ضخمة منه‮ .‬
لا تقف إذن الدراسات السوسيوسيميولوجية‮ ‬،‮ ‬ونظيرتها السوسيوثقافية المتعاملة مع الإبداع باعتباره نتاج أوضاع ثقافية ومتطلبات اجتماعية‮ ‬،‮ ‬وغيرها في‮ ‬الحقول الأخري‮ ‬مثل دراسات السوسيولساني‮ ‬،‮ ‬والسوسيو ديموجرافي‮ ‬،‮ ‬والسوسيونفسي‮ ‬،‮ ‬لا تقف عند الكشف عن انتماء الكاتب لطبقته المجتمعية‮ ‬،‮ ‬ومدي‮ ‬تعبيره عن رؤيتها للعالم في‮ ‬عمله المسرحي‮ ‬،‮ ‬بل تفتش أيضا‮ ‬،‮ ‬أو‮ ‬يجب عليها أن تفتش‮ ‬،‮ ‬عن مدي‮ ‬التزام الكاتب آيديولوجيا برؤية طبقته الاجتماعية‮ ‬،‮ ‬ومدي‮ ‬قدرته علي‮ ‬التعبير عن جيله المنتمي‮ ‬إليه ويخالف الأجيال الأخري‮ ‬بحكم الانتماء العمري‮ ‬،‮ ‬فللعرق دور بنية العمل المبدع‮ ‬،‮ ‬إذا ما تمسك به المبدع‮ ‬،‮ ‬مثل العديد من الروايات والمسرحيات التي‮ ‬تدور في‮ ‬فلك العرق النوبي‮ ‬وتطالب بحق العودة لأراض من وطن هجروها طواعية وهجروا منها لاحتياج الوطن ككل لها‮ ‬،‮ ‬بل وتسميتهم للمنجزات الوطنية بمسميات عرقية‮ ‬،‮ ‬فتتحول‮ (‬بحيرة ناصر‮) ‬أو‮ (‬بحيرة السد العالي‮) ‬إلي‮ (‬بحيرة النوبة‮) ‬،‮ ‬وكذلك لرؤية الجيل دور في‮ ‬صياغة الإبداع بنائيا وفكريا‮ ‬،‮ ‬وللمرحلة العمرية دور آخر في‮ ‬رؤية المبدع للعالم‮ ‬،‮ ‬فأبناء وآباء نفس الطبقة لا‮ ‬ينتمون بالضرورة لنفس الرؤية‮ ‬،‮ ‬والإحباط والهزيمة واليأس المتسلل اليوم لكتابات وعروض الشباب المنتمي‮ ‬في‮ ‬غالبيته للشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة والصاعد منها‮ ‬،‮ ‬يخالف كتابات الآباء المنتمين لنفس الطبقة والمتمسكين بالأمل في‮ ‬التغيير‮ .‬
أبنية عليا وسفلي
يتجاوز هذا الفهم السوسيولوجي‮ ‬المعاصر التصور الماركسي‮ ‬القديم المؤكد علي‮ ‬أن الحياة هي‮ ‬صراع بين الطبقات‮ ‬،‮ ‬إلي‮ ‬إدراك أن الصراع قد‮ ‬يكون داخل الطبقة ذاتها‮ ‬،‮ ‬بل وداخل حقل واحد مثل حقل المسرح‮ ‬،‮ ‬الذي‮ ‬يسعي‮ ‬فيه كل مبدع إلي‮ ‬احتلال أهم مقعد في‮ ‬إدارته‮ ‬،‮ ‬أو أكبر مساحة من الدعاية له‮ ‬،‮ ‬أو التفاخر بحصوله علي‮ ‬جوائز أفضل من زميله‮ ‬،‮ ‬أو أن مسرحه ظهر تاريخيا قبل مسرح زميله‮ ‬،‮ ‬فالعلاقات الاجتماعية في‮ ‬المجتمعات الحديثة تنقسم اليوم إلي‮ ‬فضاءات اجتماعية أساسها نشاط معين‮ ‬،‮ ‬تتنافس فيها الشخصيات الفاعلة لتحتل مواقع السيطرة‮ ‬،‮ ‬مقصية في‮ ‬البداية‮ ‬غير المنتمين إليها فكريا فعمريا‮ ‬،‮ ‬ثم المتنافسين معها علي‮ ‬ذات الأرض‮ ‬،‮ ‬وهو ما‮ ‬يحول منافستهم من البحث عن الأفضل إلي‮ ‬اغتيال هذا الأفضل بنقده ورفضه والتعالي‮ ‬عليه‮ .‬
وسيرا علي‮ ‬الرؤية الماركسية التي‮ ‬تقسم المجتمع إلي‮ ‬أبنية تحتية أو سفلية تضم كل ما هو مادي‮ ‬من إنتاج افتصادي‮ ‬وصناعي‮ ‬وغيرهما‮ ‬،‮ ‬وأبنية فوقية تحتوي‮ ‬علي‮ ‬كل ما هو معنوي‮ ‬من ثقافة وقانون ولغة وغيرها‮ ‬،‮ ‬تعبر الأبنية الفوقية عما‮ ‬يحدث من تفاعلات في‮ ‬الأبنية التحتية وتؤثر فيها عندما تتوجه إليها في‮ ‬علاقة جدلية شديدة التميز‮ ‬،‮ ‬تري‮ ‬البنيوية التوليدية الإبداع الأدبي‮ ‬أو الفني‮ ‬أيضا بنية علوية‮ ‬،‮ ‬ولكنها بنية مستقلة بذاتها‮ ‬،عن البنية السفلي‮ (‬المجتمع‮) ‬،‮ ‬وذلك بتأثير واضح من البنيوية الأولي‮ ‬،‮ ‬لكنها تراجع نفسها لتؤكد علي‮ ‬وجود‮ (‬تماثل‮) ‬أو‮ (‬تناظر‮) ‬بين البنيتين‮ ‬،‮ ‬مما‮ ‬يتطلب دراسة أولية للعمل المبدع‮ (‬النص الدرامي‮) ‬أو‮ (‬العرض المسرحي‮ ‬بما فيه النص‮) ‬كبنية داخلية مغلقة ذات وشائج داخلية‮ ‬،‮ ‬وتفاعل لأنساق علاماتها‮ ‬،‮ ‬دون أي‮ ‬تأويل خارجي‮ ‬لدالاتها وبنياتها الداخلية الصغيرة من حوار وشخصيات ومواقف وجمل لغوية‮ ‬،‮ ‬بهدف الكشف عن البنية الدالة الثابتة‮ ‬،‮ ‬وهي‮ ‬المقولة الفلسفية المتكررة داخل المسرحية‮ ‬،‮ ‬ثم قراءة للنص وتفسيره من خارجه‮ ‬،‮ ‬وفق سياقه المجتمعي‮ ‬بكل أطيافه السياسية والتاريخية والثقافية‮ ‬،‮ ‬لتحدد الرؤية الكلية للعالم سواء أكانت رؤية عبثية أو وجودية أو أناركية‮ ‬،‮ ‬ونمط الوعي‮ ‬الذي‮ ‬يمتلكه الكاتب عبر عمله‮ ‬،‮ ‬زائفا‮ ‬يفسر العالم تفسيرا خرافيا‮ ‬،‮ ‬أو واقعيا‮ ‬يستكين لما هو قائم‮ ‬،‮ ‬أو ممكنا‮ ‬يستشرف المستقبل وينير جمهوره لتغيير مجتمعه‮ ‬،‮ ‬والكشف عن حجم التماثل أو التناظر بين بنية المجتمع وبنية المسرحية المتولدة عنها‮ ‬،‮ ‬والمستقلة بعد ذلك‮ ‬،‮ ‬فتناول عرض مسرحي‮ ‬تتواتر فيه كلمة الموت‮ ‬،‮ ‬وتتحقق عبر شعائر صوفية متكررة‮ ‬يكشف عن رؤية العرض وصاحبه‮ / ‬اصحابه الإيديولوجية للعالم‮ ‬،‮ ‬وقراءة عمل‮ ‬يتحول فيه‮ "‬أوزيريس‮" ‬إلي‮ ‬شخصية شريرة ومستبدة و"ست‮" ‬إلي‮ ‬شخصية خيرة وديمقراطية‮ ‬،‮ ‬علي‮ ‬النقيض من دلالات الأسطورة المصرية المعروفة‮ ‬،‮ ‬يتطلب التوقف عند الخلل الذي‮ ‬يصيب بنية الدراما من هذا التغيير المفروض علي‮ ‬الشخصيات ودلالاتها في‮ ‬ذهن المتلقي‮ ‬المصري‮ ‬،‮ ‬كما‮ ‬يكشف عما أراد الكاتب توصيله لمجتمعه في‮ ‬لحظة زمنية معينة‮ ‬،‮ ‬اتساقا مع ما حدث في‮ ‬المجتمع من تغيرات في‮ ‬سبعينيات القرن الماضي‮ ‬،‮ ‬وعما إذا كان هذا التغيير الجذري‮ ‬في‮ ‬بنية المسرحية هو نتاج رؤية الكاتب وطبقته للعالم‮ ‬،‮ ‬أم موقف سياسي‮ ‬اتخذه لمجاراة أو محاباة هذا النظام الجديد‮ .‬

----------------------------------------
المصدر : مجلة مسرحنا العدد 381

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption