أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العالمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العالمي. إظهار كافة الرسائل

السبت، 10 فبراير 2024

يون فوسه : الفن هو السلام رسالة اليوم العالمي للمسرح 2024

مجلة الفنون المسرحية


 يون فوسه : الفن هو السلام رسالة اليوم العالمي للمسرح 2024

السبت، 27 يناير 2024

" العادلون " لألبير كامو : أكثر من عبث أقل من إيديولوجيا

مجلة الفنون المسرحية

" العادلون " لألبير كامو : أكثر من عبث أقل من إيديولوجيا 

الجمعة، 22 ديسمبر 2023

(هيگوبا) يوربيديس على خشبة مسرح (Donmar Warehouse) اللندنـي طروادة في ذاكرة الحاضر

مجلة الفنون المسرحية


(هيگوبا) يوربيديس على خشبة مسرح (Donmar Warehouse) اللندنـي    طروادة في ذاكرة الحاضر 

الثلاثاء، 21 نوفمبر 2023

اقوال في المسرح

مجلة الفنون المسرحية 
اقوال في المسرح

الأحد، 22 أكتوبر 2023

ايمي سيزار..مسرحياتي هي دراما الزنوج في العالم المعاصر / ترجمة علاوة وهبي

مجلة الفنون المسرحية 
ايمي سيزار..مسرحياتي هي دراما الزنوج في العالم المعاصر 

الجمعة، 6 أكتوبر 2023

الممثل "تيموثي سبال" يعود ثانية إلى المسرح للعب دور المُشَّرد في مسرحية (الحارس) لهارولد بنتر

مجلة الفنون المسرحية

 الممثل "تيموثي سبال" يعود ثانية إلى المسرح للعب دور المُشَّرد  في مسرحية (الحارس) لهارولد بنتر 

الاثنين، 4 سبتمبر 2023

مسرحية Teenage god المشاهدة وقوفًا من فرنسا

مجلة الفنون المسرحية 
مسرحية Teenage god  المشاهدة وقوفًا من فرنسا في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح  التجريبي

الأحد، 13 أغسطس 2023

"روميو وجوليت" (مغزى الحب عبر لعبة الضوء والعتمة)

مجلة الفنون المسرحية


"روميو وجوليت"  (مغزى الحب عبر لعبة الضوء والعتمة)

لندن: علي كامل

اثنا عشر ممثلاً، خمس سكاكين مغروزة على خشبة المسرح، سلّم مصنوع من الحبال يتدلى من شرفة جوليت، سريرُ أبيض بمثابة غرفة جوليت تمَّ توظيف قضبانه لتكون شرفتها مرة، وقضبان سجن مرة أخر. 
هذه هي كل معّدات عرض المخرج التجريبي نل بارليت لمسرحية شكسبير "روميو وجوليت" على خشبة مسرح (Lyric) في ضاحية Hammer Smith غرب العاصمة لندن.
المخرج نل بارليت 

مسرحية "روميو وجوليت"، رغم خاتمتها المأساوية، هي على الأرجح، أعذب قصة حب على مرّ العصور. 
كتب شكسبير هذه المسرحية عام 1595 قبيل سلسلة مآسيه وكوميدياته الشهيرة، مقتبساً ثيمتها من القصيدة الطويلة "روميوس وجوليت" التي كتبها آرثر بروك عام 1595، بعد أن حوّرها وأضاف اليها شخصيات أخرى من مخيلته. فمركوثيو، الشخصية المحورية في نص شكسبير مثلاً، لم يكن له وجود في نص آرثر بروك، فضلاً عن بناء الحبكة وحوارها الشعري.
لم يتكئ المُخرج نِل بارتليت على الطبعات السائدة لنص روميو وجوليت، إنما اعتمد على نسختين احداهما (Qood Quarter)، وهي النسخة غير المكتملة من مخطوطة شكسبير الأصلية. أما الثانية فهي (Bad Quarter) التي استندت إلى ذاكرة اثنين من الممثلين كانا قد قدّماها مباشرة بعد كتابة شكسبير لها.

ما فعله بارتليت، المُخرج، هو أنه مازج بين النسختين بعد أن أقصى كل ما بدوره أن يعوق العمل الجسدي للممثل على خشبة المسرح، محاولة منه تأمّل الاستجابات الراهنة والمعاصرة لممثليه لغرض اقتفاء واكتشاف ما تبقّى لاستكمال النص الأصلي.
تقنياً، اعتمد المخرج على عنصرين رئيسين، وهما طاقة الممثل الجسدية والصوتية أولاً، ثم الإضاءة ثانياً. أقول الإضاءة، لأن بارتليت يرى أن المسرحية تعالج موضوع (الضوء) أكثر منه موضوع (الحب).! وسآتي على بعض الشواهد التي تؤكد هذه الرؤية أو هذا التأويل.
في كتابها (استعارات شكسبير) تقول الناقدة البريطانية كارولاين سبارجر (ص310) "إن الاستعارة المهيمنة في مسرحية (روميو وجوليت) هي الضوء وأي شكل أو مظهر له".

وليم شكسبير، في هذه المسرحية، يستخدم الصور المضيئة والمعتمة طوال الوقت لتوصيف العنصر الرومانسي
وتماهيه بين عاشقيه، روميو وجوليت. هاتان الاستعارتان المتضادتان في الشكل والمحتوى يتم استخدامهما

بتواصل طوال المسرحية، وكل توظيف له دلالة مختلفة نوعاً ما بالطبع.

صورة الضوء والعتمة تلعب هنا دوراً مهماً في خلق الفضاءات التي تحلّق فيها مشاعر الحب والتلميحات التي تنذر بالمصير القادم لها.
يستهل شكسبير استخدامه للضوء، كمجاز، في مشهد "حفلة الرقص" التي تقام في قصر كابوليت (الفصل الأول/ المشهد الخامس) والذي يمثل اللحظة التي يقع روميو وجوليت أحدهما في غرام الآخر في باحة الرقص.

حين يلتقي روميو بجوليت لأول مرة يشّبهها على الفور بالضوء المتوهج في المشاعل التي تنير ذلك القصر، أو بالضوء الذي سيحرّره من أسر سوداويته المستديمة. أو قوله: "ارتفعي أيتها الشمس الصافية وبددي حسد القمر وغيرته".
أما في مشهد الشرفة الشهير، فيشبّهها بضياء الشمس: "إنه الشرق وجوليت هي الشمس" أو "إن إشراقة خدها يُخجِل تلك النجوم، مثلما يُخجِل النهار ضوء المصابيح". 
وفي مكان آخر يقول روميو: "أوه، إنها تُعلّم المصابيح أن تتّقد أكثر. إنها تبدو وهي معلّقة على خدّ المساء، مثل
جوهرة أنيقة معلّقة في أُذن أثيوبي". أو يصفها في مكان آخر أنها "مصدر للضوء، مثل نجمة في العتمة".

جوليت، في المقابل، تشّبه حبها الجديد بصورة البرق، للتشديد على وتيرة السرعة التي تعدو فيها رومنسيتهما، 
تماماً مثل سرعة وميض البرق. وصورة البرق تشي بالضوء اللامع الخاطف في عتمة السماء ليلاً، وهو الآخر استعارة لحبهما الذي هو بمثابة ومضة خاطفة من الضوء في عالم مظلم ومختلف، حيث كل ما يمكن لجوليت أن تفعله أمر متحكَّم به من قِبَلِ إرادة المحيطين بها.
حين لا تصل مربيتها بالسرعة الكافية بأخبار عن روميو، نسمع جوليت تندب قائلة: "إنَّ بشائر الحب ينبغي أن تجري بسرعة أسرع بعشرات المرات من أشعة الشمس، دافعة الظلال إلى الخلف فوق التلال الخفيضة".

بشائر الحب التي ستجلب معها أخباراً مطمئنة عن حبيبها روميو، يقارنها شكسبير بأشعة الشمس السحرية التي تدفع الظلال غير المرغوب بها إلى الوراء.
وهكذا يتبادل الضوء والعتمة موقعيهما بين الحين والآخر طوال العرض. تجاورهما الدائم والمتوتر هو رديف 
للتطرف العاطفي الذي يشعر به هذان العاشقان أحدهما نحو الآخر. فروميو وجوليت يعيشان حالة حب متطرفة، وهذا التطرف نجده مجسداً في مغزى عنصريّ الضوء والعتمة. فإما الضوء الذي يغشي العيون لحد العمى، أو العتمة الخالصة. 

هذا الاستخدام المتواصل لهذين النقيضين، الضوء والعتمة، يُوظَّف هنا أيضاً كوسيلة للكيفية التي يمكن للحكاية أن تجري أحداثها بسلاسة دون أن يتحكم بها أو بنتائجها أحد. ولكن، مع ذلك، حين تتأمل نوعية صور الضوء
 (ضوء أعمى أو مسبب للعمى)، أو (ضوء متفجر يغشي العيون)، تُحس بتلميح يشي بأنَّ العتمة والحزن اللذان
سيأتيان لاحقاً ينبغي أن يتوازيا مع سعادة غامرة كهذه، تماما مثلما تتعارض الاشراقة والعتمة لجعل الضوء أكثر توهجاً والعتمة أكثر سواداً.
وهكذا فإن صورة العتمة والضوء لروميو وجوليت تجعل الأوقات السعيدة تبدو جميلة إلى أبعد الحدود ولحظات الحزن أكثر مأساوية.
ومع ذلك، ورغم كل إشارات البهجة والتفاؤل المشار اليها لصور الضوء، إلا إنه يتخذ في نهاية المطاف دوراً مشؤوماً ما يجعل العاشقين مرغمين على الفِراق عن بعضهما بسبب بزوغ ضوء الفجر:

روميو: إنها القُبّرة، بشائر الضُحى. لا وجود للعندليب. أنظري يا حبيبتي أي شرائط ضوء حاسدة. اربطي تلك 
السُحب المتفرّقة هناك في الشرق البعيد، شموع المساء أُطفئت والنهار المرح يقف على أصابع قدميه في قمم الجبال الضبابية. ينبغي أن أغادر أو أبقى لأموت".

تكرار صورة الضوء والتركيز عليه بشكل متواصل تنذرنا أيضاً بحلول صورة ضديده، العتمة، التي هي بمثابة
مجاز للمأساة التي ستتبع لاحقاً، لأننا نعلم جيداً أن سعادة كهذه لا يمكن آن تتحقق من دون ثمن. 

من جانب آخر، حين تحل العتمة بدل الضوء، تستقبلها جوليت برحابة وسرور دون خشية، فهي، أي جوليت، تعلن أن المساء يمكن أن يأخذ روميو ويشطره إلى نجوم صغيرة ليجعل وجه السماء أكثر جمالاً، حينها سيكون 
العالم كله في حالة حب مع المساء، وسوف لن تؤله الشمس. 
روميو يتحول هنا، من وجهة نظر جوليت، على الأقل، إلى سرمد متلألئ ليصبح الصورة الحقيقية للضوء، بل أكثر ألقاً من الشمس ذاتها. 

المعالجة الإخراجية سعت إلى خلق إيقاع سريع وعنيف للعرض يتماهى وإيقاع العنف والتطرف الذي تجري فيه مشاعر الحب عند هذين العاشقين، والتي ستُثمر، بذات الوتيرة، القوة المهلكة لذلك العشق. وجب إذاً، أن يكون الفضاء العام، وفق هذه الرؤية، حاداً متوتراً مشحوناً بالعنف والتحرر الجنسي لغرض أن يتقاطع الشعر
الشكسبيري العذب والمفعم بدمٍ حار بوميض السكاكين وصخب موسيقى الشارع الإيطالي التي كانت تُعزف بشكل حي على خشبة المسرح برفقة أداء الممثلين. 

روميو وجوليت، في الواقع، هما عاشقان مثاليان، إلا إن الشِعر الصافي وفتنة الملامح ليسا كافيين لخلق حالة حب. لهذا لا بدّ من الكشف عن الجانب المخفي والضديد من الصورة، ألا وهو الكذب والخداع والمناورات المخبئة في طيات متن النص الشكسبيري، حيث النسوة يتنازعن وفقاً لما يتوافق ورغباتهن، فجميعهن يسعين للزواج كي يصبحن أمهات أو مربيات.. إلخ.. أما الذكور فهم يتقاتلون من أجل احراز كل شيء، لعل إخضاع النساء هو مطلبهم الأول. وهذه حقيقة سواء كان هؤلاء الرجال مراهقين أو آباء أو كهنة.

الشرارة التي يطلقها العرض هي حين يُظهر امرأة واحدة وسط كل ذلك المجتمع النسوي المحافظ آنذاك تقف لتتحدى كل تلك الأعراف برفضها أن تكبر لتصبح صورة من أمها، أو لتتزوج وفق قواعد يرسمها لها ذويها.

تمرّد جوليت وغضبها ضد مجمل الأعراف، وهي بهذه السن، وبهذا الشِعر الشكسبيري العذب وهو ينساب من حنجرتها، نلمسه في توسلها للمساء في (مشهد الشرفة) في أن يشق روميو طريقه صوب النجوم الصغيرة كي يزّين وجه السماء، تجعل من روميو يبدو لنا شيئاً أثيرياً: "إنه سيجعل وجه السماء فاتناً.. وسيصبح العالم كله هذا المساء في حالة عشق".

هذه النقلات وتلك التحولات السريعة في عواطف جوليت جسدتها الممثلة إيميلي ووف بشكل يمكن يلامس 
إحساس المتفرج لكن لا يمكن وصفه. أما الشخصيات الذكورية فبتحدياتهم المرعبة ومبارزاتهم العنيفة بدوا وكأنهم أشبه بخيول حُرّرت تواً من زريبة إيطالية.
 
تدفق أماكن الأحداث على خشبة مسرح عارٍ هو إحدى سمات هذا العرض: الشارع عند الظهيرة، أشجار البستان تحت ضوء القمر، قاعة الرقص، المقبرة. كل هذه الأماكن لم يتم تجسيدها بهيئة ديكورات وإكسسوارات تقليدية، إنما تم إنجازها عبر مخيلة الممثل وتشكيلات جسده وكذلك عبر عنصر الضوء ضمن إطار فضاء خالٍ. ونل بارليت، المُخرج، يعرف ما يريد ولديه وجهة نظر في هذا الشأن تتلخص في أن تغيير الديكور والملابس من حين لآخر عبر فصول المسرحية يُفسد سيولة تدفق الأحداث ورشاقتها فلا بأس بمسرح يخلو من ديكورات أو إكسسوارات.

الممثل ستيوارت بانس (روميو) وإيميلي ووف (جوليت) كلاهما بدا عنيفاً وشكساً، ربما بسبب أن حكايتهما تدور حول عاشقين متفائلين ميالين للجدل والكذب أحياناً ويسعيان لإحراز ما يريدانه. فقد كانا يمارسان سلوك العشاق 
كل على حدة، بشكل منفرد ومنعزل. 
ستيوارت بانس (روميو) بدا أشبه بدمية أو ألعوبة.. شاب ﭬيروني طائش ونشيط على الرغم من جاذبيته وفتنته وشجاعته.
أما إميلي ووف (جوليت) فقد كانت صغيرة وفاتنة رغم أنها ستتحول فيما بعد إلى نمرة مسعورة. بعنفها وعواطفها 
المشبوبة وهي تجسّد شخصية هذه الشخصية ذكرّتنا بالممثلة أوليفيا هاسي التي لعبت نفس الدور في فيلم "روميو وجوليت" للمخرج الإيطالي زيفيرللي عام 1968، إلا أن ووف أظهرت طاقة أداء تفوق طاقة هاوسي بعشرات المرات.
روبرتا تايلور، الممثلة التي أدّت دور المربّية، وهو دور أساسي وجوهري في المسرحية، استطاعت أن ترفد العرض بدفء وحنو عاطفي بدندنتها الشجية الشبيهة بدندنات دورز داي، وهو ما كان يبعث الطمأنينة في روح جوليت التي هي بالنسبة لها بمثابة ابنتها الثانية.
أما أكثر الشعر انسياباً ورّقة فقد جاءنا عبر حنجرة الممثل ديفيد فوكسي الذي قام بأداء دور الكاهن فراير، العجوز الحنون الشبيه بخيمة دافئة.
هذان النموذجان البديلان للأم والأب الحقيقين تجسدا حقاً في هاتين الشخصيتين، الكاهن والمربية، حيث ظهرا وهما يفيضان بالمحبة والحنو والشجاعة، على الضد من والدي جوليت، كابوليت وزوجته، اللذان ظهرا عنيفين، مستبدين، يفتقران إلى أبسط صفات الأمومة والأبوّة.

إن موت جوليت وهي في مقتبل العمر ليس جديداً على كاتب مثل شكسبير، فجُّلَّ عاشقاته يلقين حتفهن في
النهاية وهنَّ في مقتبل العمر. فدزدمونة (عطيل) وكورديليا (الملك لير) تموتان قتلاً، في حين أوفيليا (هاملت) وجوليت (روميو وجوليت) يخترن الموت انتحاراً خلاصاً في النهاية. إنهن جميعهن عاشقات ومعشوقات أو مؤهلات للحب، أما جوليت فهي الحبّ نفسه.

المُخرج نل بارتليت يقول: "أنا متحمس جداً بحقيقة أن هذه المسرحية، على وجه الخصوص، تجتذب دائماً الكثير من الناس سواء من الشبيبة الذين لم يروا مسرحية شكسبير هذه من قبل، أو أولئك الذين يعرفون هذه المسرحية ويحبونها كواحدة من أفضل القصص المكتوبة حول كيف يمكن للعالم أن يتآمر لتقويض كل ما هو جميل ومشرق".

إنَّ معالجة إخراجية تجريبية مبتكرة كهذه أضفت نكهة معاصرة إلى النص الإليزابيثي حقاً وذلك من خلال التشديد على فكرة الصراع من أجل إثبات الذات والتوق إلى فضاءات الحب والحرية عَبر لعبة الضوء والعتمة.

الأربعاء، 19 يوليو 2023

بيتر بروك : "الممثل والدور هما أشبه بيدٍ داخل قفّاز" / ترجمة وتقديم علي كامل

مجلة الفنون المسرحية
بيتر بروك : "الممثل والدور هما أشبه بيدٍ داخل قفّاز" 

السبت، 15 يوليو 2023

مرور عام على رحيل الفنّان المُغترب والمُهرّج الحزين بيتر برُوك!

مجلة الفنون المسرحية 

مرور  عام على رحيلَ  الفنّان المُغترب والمُهرّج الحزين بيتر برُوك!

 لندن: علي كامل

”أنا بريطاني مائة بالمائة ولكن البلد الوحيد الذي لم تستطع عروضي المسرحية أن تجد لها حيزاً فيه هو بريطانيا“.. قالها بيتر بروك بنوع من الوجع والمرارة!.

”.. آه يا بيتر، إنك لازلت طفلاً“.!
بهذه العبارة المبتسرة خاطب الممثل البريطاني الراحل السير جون جيلجود رفيقه القديم في حقل الإبداع بيتر بروك بعد غياب عن المملكة المتحدة استغرق عقدين ونصف وهو يدير المركز العالمي للبحوث المسرحية في باريس.
قيلت هذه العبارة عام 1994 في حفل الاستقبال الذي كُرّس لقدوم بروك وعرضه الجديد ”الرجل الذي...“ يومها تلقفتها الصحافة البريطانية مطلقة على هذا المغترب والمهرج الحزين لقب ”الطفل العبقري“.
أما تلميذه المخرج تريفور نان الذي كان قد شغل حينها منصب المشرف والمخرج الفني للمسرح الوطني البريطاني يومها فقد اختتم كلمة الافتتاح قائلاً:
”أبانا الروحي!. أما آن الأوان أن تعود إلى وطنك.. عُد.. أرجوك، إننا بأمس الحاجة إليك!..“.

                                                ***

كان بروك منذ طفولته في علاقة حُبٍّ مع المسرح:”في طفولتي كان والداي يصطحباني إلى المسرح لمشاهدة العروض المسرحية، وحين بلغت العاشرة من عمري، قدمّتُ لهما (هاملت) في مسرح دمى صغير عملته بنفسي في المنزل وقد صنعت الشخصيات من ورق المقّوى ومواد أخرى كنت أقوم بتحريكها بيد وأقرأ أدوار النص باليد الأخرى“.

جلس بيتر الصغير أمام آلة البيانو في سن الثانية عشرة ليعزف سوناتا فاسيلي موتسارت لمعلمته الجديدة ڤيرا ڤينوغرادوڤا، التي يتذكر نصيحتها حتى الآن وهو بهذه السن:
”حين تَلمسُ أصابعكَ النوتة الموسيقية، إصغي إلى الصوت الذي أَحدَثَتهُ أصابعك، ولا تدع أي توترّات تحدث لك في الكتفين والذراعين والأَصابع. بهذا تكون قد أدّيت مَهَّمتك على أحسن وجه. فقط دعها تتدّفق“. 
ولم تكتفِ ڤيرا ڤينوغرادوڤا بذلك إنما أوصته أيضاً بضرورة أداء كل مقطوعة يُتقنها إلى الآخرين: ”السبب الوحيد لتعلّم الموسيقى، هو ليس لأجلك فقط، إنما من أجل أن يُشاطرك بها الآخرين“ ثم يضيف بحماسة يافع:”إن كُلّ ما قمتُ به منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا قد نما من دروس مُعلِّمتي تلك: المُشارَكة، الشدّة، الإصرار على التدّفق، مغادرة التعلّم عَبر التكرار المعتاد أو الفهم على ظهر قلب“.
وُلِدَ بيتر في لندن في 21 مارس 1925 لأبوين يهوديين مهاجرين من لاتفيا. هاجر والده سيمون، المتمرد الشاب الذي كان ينتمي إلى حزب المنشفيك في عام 1907، برفقة زوجته الشابة إيدا إلى باريس ومن ثم بلجيكا، وفرارهما إلى إنجلترا عند وصول الجيش الألماني إلى بلجيكا عام 1914، واستقرارهما في ضاحية Chiswick غرب لندن.

كانت الثقافة الروسية لا تزال حاضرة بقوة وسط أسرته، وكادت أن تلازمه بشكل حميمي طوال حياته، كمفتاح أساسي لفهم رجل منفتح ومغامر بشكل هائل.

في فتوته كان بيتر شغوفاً بالتصوير الفوتوغرافي والسينما، وكان يكره النظام التعليمي البريطاني. حين سئُل مرةً عن سبب عدم تطرّق التأريخ الإنجليزي له كثيراً أجاب:”لقد نشأت في المدارس الإنجليزية العامة، ومنذ البداية لم أكن مؤمناً، حقيقةً، بما كانت تعلّمني إياه تلك المدارس، ولم يعجبني قتالهم من أجل ترسيخ التقاليد التاريخية لإنجلترا“.

كان الفتى يأمل أن يُصبح مُخرجاً سينمائياً، لكن حين بدا له عالم السينما ميداناً يتعذر الوصول إليه، استدار برفق نحو المسرح أثناء دراسته الأدب الروسي في جامعة أكسفورد  ليثير الاعجاب منذ البدء حين شرع عام 1946، وهو في سن الحادية والعشرين من العمر، في إخراج أول عمل له وهو مسرحية (خاب مسعى الحب  love’s Labour’s Lost) لوليم شكسبير، الكاتب الذي لم يتوقف عن مواصلة بحثه طوال حياته، والذي سيُصبح نقطة ارتكاز لجميع تأملاته وتفكيره حول المسرح. 

في الثانية والعشرين من عمره أخرج مسرحية ”روميو وجوليت“ العمل الذي 
شهد أول عرض لها في مدينة شكسبير ستراتفورد أبون أفون. وفي سن الثالثة والعشرين تم تعيينه مخرجاً ومدير إنتاج في دار الأوبرا الملكية في Covent Garden، لكن سرعان ما تمَّ إبعاده بعد بضعة أشهر بسبب خرقه لأعراف تلك المؤسسة الكلاسيكية العريقة من خلال عمله المسرحي (سالومي) لريتشارد شتراوس الذي صممَّ السينوغرافيا
شتراوس الذي صممَّ السينوغرافيا السوريالي له سلفادور دالي. يومها أُطلق عليه ”الولد الشقي“ حيث واصل عمله بدون مخاوف أو تردّد سواء في المسرح المؤسسي أو التجاري. 

بدأت علاقة بروك بالمسرح تتغير بشكل محسوس منذ منتصف الخمسينات فصاعداً، وقد فتح ذلك المنحى شوطاً طويلاً من الابتكار ما جعل منه أحد الشخصيات الأساسية في التحوّل المسرحي البريطاني في النصف الثاني من القرن العشرين. 
جولاته المكوكية خارج المملكة المتحدة بحثاً عن فضاء آخر وملاقاة جمهور آخر، استهلها أولاً إلى نيويورك ليعمل في أوبرا ميتروبوليتان، ومن ثم إلى باريس حيث
أخرج مسرحية ”قطة على صفيح ساخن“ لتينسي وليامز، و ”منظر من الجسر“ لآرثر ميلر، ومسرحية ”شرفة“ للكاتب الفرنسي جان جينيه، التي لم تكن قد قُدّمت بعد على خشبات المسرح الفرنسي!.

أما العلامة المميزة والنقطة المضيئة في تأريخ المسرح البريطاني، فقد تجلّت في عرضه الشكسبيري ”تيتوس أندرونيكوس“ لفرقة شكسبير الملكية، الذي فرض من خلاله رؤية جديدة لشكسبير ووضع الحجر الأول لتلك البساطة الخالصة المصقولة التي ستُصبح جوهر فنه إلى آخر يوم في حياته.

لقد نهل بروك خزينه الخصب من مصادر ثقافية متعددة، لعل أبرزها كتابات روّاد الحداثة المسرحية أمثال فيسفولد مايرهولد، جوردون كريج، وأنطونيو آرتو ومسرحه (مسرح القسوة)، فضلاً عن ابتكارات ”المسرح الحي“ في أمريكا، وأبحاث جيرزي جروتوفسكي ونظريته (نحو مسرح فقير). وقد كانت المحصّلة استراحة نهائية للمسرح الرسمي أو وضع المسمار الأخير في نعشه.

حاز عمله مارا / صاد  للكاتب الألماني بيتر فايس على جائزة Tony Award كأفضل عرض وأفضل مخرج في برودواي عام 1964.  وقد واصل عروضه 
الشكسبيرية تباعاً: (العاصفة) ، (الملك لير)، فضلاً عن (حلم منتصف ليلة صيف)  ثم عمله المميز (أنطوني وكليوباترا).

عَبَرَ بيتر بروك القنال الإنكليزي عام  1970 متجّهاً صوب باريس على إثر دعوة شخصية وجهّها له الممثل الفرنسي جان لوي بارو، هناك حيث التقى فكتور جارثيا، جو تشايكين، رائد المسرح المفتوح، وجو فري ريفز، وشكلّوا مختبر بحثهم المسرحي.  يومها قرّر بروك البقاء في باريس لأسباب عدّة، أبرزها انبثاق موجات وأصوات جديدة تزامنت مع تفجّر التظاهرات الطلابية هناك، فضلاً عن توفر فرص العمل بحرية افتقدها في بلاده، حيث كانت تسود المسرح البريطاني إدارات بيروقراطية من بقايا لجنة الرقابة ورئيسها سيء الصيت اللورد تشيمبرلين. 
أسسَّ بروك بعد عامين من ذلك التأريخ مركزه العالمي للبحوث المسرحية بمنحة مالية قدرها مليون دولار قدمتها مؤسسة گراند فورد، وكان هدف المركز تشكيل فرقة مسرحية أممية تضم ممثلين وراقصين وموسيقيين وأوكروبات وممثلي بانتوميم من أقطار وأجناس مختلفة متعددة الثقافات غرضها تحدّي الكليشات التقليدية في ميدان الدراما والعرض المسرحي، فضلاً عن كشف خُدع المجتمع الصناعي وضَلالاته.
 
بهذه الفرقة المتعددة الأعراق والثقافات كان بروك يسعى إلى البحث عن لغة مسرحية عالمية تشكل جسراً وحواراً إنسانياً لتلك الشعوب والثقافات.
لقد باشر عمله في استخدام تقنيات غاية في التنوع والابتكار للكشف عن مصادر جديدة للتعبير المسرحي في مجال اللغة والحركة والصوت والمكان، أسهمت جميعاً في العثور على أشكال درامية عَبر الرقص الكاثاكالي والسيرك والأقنعة 
والمهارات الأخرى. أمّا العناصر الجوهرية التي اعتمدها في ولادة الحدث المسرحي، فهي الارتجال وعدم الخضوع لعبودية النص المكتوب، وتفجير المخيلّة الجماعية لطاقم العمل المسرحي، والتزاوج والتناغم السري بين مُخيّلة المُؤدّي  ومُخيّلة الكاتب.
 
وعلى عكس السائد، اتجّه بروك نحو القرى البدائية بحثاً عن نوعية عفوية من الجمهور لم تلوُّثه يد الحضارة الغربية بعد، وهذه النزعة يمكن أن تُعزى إلى تأثير ”مسرح القسوة“ لأنتوين آرتو، الذي كان يسعى إلى لغة صافية ومتفرج بدائي.

لقد اخترقت فرقة بيتر بروك تلك بمركبتها العتيقة القرى الأفريقية واستراليا والهند وإيران وصحاري الجزائر، وامتزجوا بشعوب تلك البلدان، شاهدوا طقوسهم وعاداتهم وسمعوا قصصهم وأساطيرهم، ومن ثم دوَّنُوا وارتجلوا ما شاهدوه وسمعوه، أمام ذات الجمهور. عُدّتهم الحقيقية هي المُخيّلة، أما 
مسرحهم فقد كان عبارة عن سجَّادة يفترشونها على الأرض في أي مكان يُقيمون فيه ويُباشرون ارتجالاته المدهشة تلك.

هؤلاء الرحَّالة يُذكرّونني بمقطع من قصيدة لأبولينير يقول فيه:”… نحن الطالبين في كُلِّ مكان غِمار الأُفق، لسنا بأعداءٍ لكم، نريد أن نمنحكم كُلَّ الرحاب الغريبة، حيث يزدهرُ السرَّ الخفيّ ويُبيح نفسه لمن أراد اجتنابُه…“.

حين تشتد بفريقه بعض الأزمات كان بروك يشُدُّ من أزرهم بهذه الكلمات: ”… علينا أن نقوم بعمل يشبه وخز الشرايين بالإِبر“.

على الرغم من الخسارات التي تكبدّها الفريق، حيث أصابت حُمّى الملاريا في بعض القرى الأفريقية عدداً من الممثلين مات قسم منهم، كذلك فقدانهم لبعض مركباتهم، فضلاً عن ردود الأفعال غير المتوقعة والمرهقة من جمهور بدائي، إلا أنهم مع ذلك استطاعوا أن ينجزوا عروضاً تجريبية مذهلة، نذكر منها مسرحية ”أورگاست“ عن الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية (أفستا)، العرض الذي تم تقديمه في إيران عام  1972 وبتمويل من شاه إيران!. أما النص فقد أعدّه تيد هوكس بلغة مبتكرة.
 
أما ”مؤتمر الطيور“ فهو العرض المسرحي الآخر، والذي أراد بروك من عنوانه هذا أن يكون رمزاً للشعوب والثقافات جميعاً على اختلافها. 
وقد انبثق هذا النص من كتاب شعري للمتصوف فريد الدين العطار قام باعداده جان كلود كاريير، وهو يتحدث عن الاستبداد الذي مارسه السلاطين والأمراء لارضاء نزواتهم، وقد تم عرضه على جمهور بدائي في صحارى وفي أستراليا ونيويورك ومن ثم في مهرجان باريس المسرحي.

بعد عودة الفرقة  إلى باريس ونتيجة للإفلاس الذي صاحب تلك الرحلة بادرت وزارة الثقافة الفرنسية برصد ميزانية للفرقة لتقديم عروضها في فرنسا وخارجها، وكانت حصيلة الفرقة مجموعة من العروض المميزة نذكر منها، ”IK“ وهي حكاية رمزية ذات مغزى أخلاقي عن الاضطراب والتشوش الروحي والثقافي المعاصر عَبر موت قبيلة أفريقية كاملة بسبب فقدانها الرغبة في العيش، وقد تم عرضها في باريس ومن بعد في لندن عام 1976.

تابع بروك فيما بعد عروضه المسرحية ضمن نطاق الفرقة بأعماله اللاحقة: ”مأساة كارمن“ ، ”بستان الكرز “ ، ” تيمون الاثيني“ ، ” يوبا“.. Us نحن والولايات المتحدة، عن الحرب في فيتنام، ومن ثم تجربته الفريدة التي قام بها هو وجان كلود كارير عام 1987 وهي إعدادهما للملحمة الدينية الهندية ”مهابهاراتا“ التي استغرق عرضها عشر ساعات في ساحة مقلع الحجارة خارج مدينة أفيغنون الفرنسية. أما آخر عروضه فهي مسرحية بعنوان ”لماذا“ التي تم عرضها في نيويورك على خشبة مركز بولانسكي ـ شكسبير والتي طرح من خلالها السؤال عن المَهَّمة التي أمضاها في استكشافاته المسرحية.

على الرغم من مغادرة بيتر بروك المملكة المتحدة إلى باريس هو وزوجته الممثلة البريطانية من أصل روسي ناتاشا باري التي توفيت عام 2015، فقد بقي مواطناً بريطانياً تتغذى مهنته على نزعة أممية عميقة الجذور دون انحياز ثقافي لأي شيء من شأنه تفادي العدالة السياسية والمطلب الروحي والحيوية الحضارية للعقل. ولم يكن بروك من أولئك المعجبين بالملكية والروح الوطنية 
المتشبعة بالنزعة القومية. وقد كان ينأى بنفسه عن تأريخ شكسبير ومؤرخيه و”إنجليزية“ المَشاهد الريفية التي نجدها في شخصية جون فالستاف الفنتازية، النبيل البدين الذي يظهر في ثلاثة أعمال شكسبيرية (هنري الرابع، هنري الخامس، زوجات وندسور المرحات). 

لقد دونّ بيتر بروك تجربته الجمالية في المسرح والتي استغرقت أكثر من ستة عقود، في ستة كتب أصبحت إرثاً ومرجعاً لجميع مسرحيّ العالم، وهي: المساحة الفارغة، نقطة التحولّ، الباب المفتوح، ليس هناك أسرار، لنمثل الملك لير، صفة الرحمة، طرف اللسان، وأخيراً، العزف بواسطة الأذن.

على الرغم من شيخوخته ورحيل زوجته، لكنه لم يتقاعد من مهنته بل واصل عمله حتى آخر يوم من حياته. ”إنني أعمل بجد أكثر من أي وقت مضى. أكتب وأُخرج وأُسافر“. يقولها بثقة وتفاؤل.

عن زوجته ناتاشا التي التقي بها وأغرم بها وتزوجها عام 1951 وأنجبت له مخرجين سينمائيين هما إيرينا وسيمون، يتذكر بروك في كتابه Playing by Ear قراءته لرواية تولستوي (الحرب والسلام) وهو في التاسعة من عمره حين أحسَّ بموسيقى اسم بطلة الرواية ”ناتاشا“ قد لامس مشاعره بشكل غامض.”لقد كنت أعلم حينها أنَّ هذا هو المصير الذي رافقني وأُعِدَّ لي منذ ذلك الحين“.
 
في قطار يوروستار جلستْ إلى جانبه سيدة عجوز وكان عمره آنذاك 94 عاماً ودارت حوار مبتسر بينهما:
”كانت تلك السيدة مفعمة بالحيوية والطاقة جعلتني أشعر بالفتوة حقاً“ يقول بروك ”سألتها عن عمرها، قالت ثمانية وتسعون (ثمانية وتسعون!)“ يضحك بطريقة مكتومة ”لا، لا، أربعة وتسعون ليست شيئاً إذاً!“.

توفيَّ المخرج البريطاني بيتر برُوك في الثاني من شهر يوليو (تموز) الجاري في باريس عن عمر ناهز السبعة والتسعين عاماً. 
لقد جعل بروك من المسرح أداة رائعة لاستكشاف الوضع الإنساني بكل أبعاده. وبوفاته تم إغلاق إحدى أهم المغامرات المسرحية في النصف الثاني من القرن العشرين. 

الأحد، 9 يوليو 2023

(انبثاق الشكل وميلاد الحدث المسرحي)"علينا أن نقوم بعمل يشبه وخز الشرايين بالإِبـر" بيتر بروك (2)

مجلة الفنون المسرحية


 (انبثاق الشكل وميلاد الحدث المسرحي)"علينا أن نقوم بعمل يشبه وخز الشرايين بالإِبـر" بيتر بروك (2)

الأحد، 2 يوليو 2023

(انبثاق الشكل وميلاد الحدث المسرحي) "علينا أن نقوم بعمل يشبه وخز الشرايين بالإِبـر" بيتر بروك

مجلة الفنون المسرحية


الأحد، 18 يونيو 2023

مهرجان أفينيون المسرحي بوجوه جديدة

مجلة الفنون المسرحية
                                                        عودة للعروض على مسرح الهواء الطلق

مهرجان أفينيون المسرحي بوجوه جديدة

الثلاثاء، 6 يونيو 2023

الدورة 77 لمهرجان أفينيون المسرحي (من 5 إلى 25 يوليوز 2023)44 عرضا مسرحيا في المهرجان الرسمي (IN) و 1491 عرضا فنيا في (off)

مجلة الفنون المسرحية 
44 عرضا مسرحيا في المهرجان الرسمي (IN) و 1491 عرضا فنيا في (off)للدورة 77 لمهرجان أفينيون المسرحي (من 5 إلى 25 يوليوز 2023)

السبت، 27 مايو 2023

روميو وجولييت ينهضان": هل كان شكسبير مخطئاً؟

مجلة الفنون المسرحية 
من عرض "روميو وجولييت ينهضان"، (تصوير خافيير نابال)


روميو وجولييت ينهضان": هل كان شكسبير مخطئاً؟

السبت، 8 أبريل 2023

مسرح شرق أوروبا يرتحل غربًا

مجلة الفنون المسرحية



من مسرحية "كلاب أوروبا" من إخراج نيقولاي خالزين 

مسرح شرق أوروبا يرتحل غربًا

الثلاثاء، 14 مارس 2023

رسالة اليوم العالمى للمسرح – الفنانة الكبيرة سميحة أيوب – مصر

مجلة الفنون المسرحية 
الفنانة سميحة ايوب


رسالة اليوم العالمى للمسرح – الفنانة الكبيرة سميحة أيوب – مصر

أصدقائي المسرحيين في جميع أنحاء العالم

أبث إليكم هذه الكلمة في ذكرى اليوم العالمي للمسرح، وبقدر ما يعتريني من شعور غامر بالسعادة أنني أتحدث إليكم، فإن كل ذرة في كياني تختلج تحت وطأة ما نعانيه جميعاً – مسرحيين وغير مسرحيين – من ضغوط طاحنة ومشاعر صادمة وسط ما ينتاب العالم من حالة من عدم الاستقرار كنتيجة مباشرة لما يمر به عالمنا اليوم من صراعات وحروب وكوارث طبيعية كانت لها آثارها المدمرة ليس فقط على عالمنا المادي وإنما كذلك على عالمنا الروحي وسلامنا النفسي.
أتحدث إليكم اليوم بينما ينتابني شعور بأن العالم بأسرة بات كالجزر المنعزلة، أو كالسفن الهاربة في أفق معبأ بالضباب، كل منها ينشر شراعه ويبحر على غير هدى، ليس يرى في الأفق ما يهديه، ورغم ذلك يكمل إبحاره آملاً أن يصل إلى مرفأ آمن يحتويه بعد تيه طويل وسط أمواج بحر هادر.
لم يكن عالمنا الواحد أكثر التصاقاً ببعضه البعض منه اليوم، إلا أنه وفي ذات الوقت لم يكن أكثر تنافراً وابتعاداً عن بعضه البعض منه اليوم. وهنا تكمن المفارقة الدراماتيكية التي يفرضها علينا عالمنا المعاصر. فرغم ما نشهده جميعاً من تقارب في تداول الأخبار والاتصالات الحديثة التي كسرت كل حواجز الحدود الجغرافية إلا أن ما يشهده العالم من صراعات وتوترات فاقت حد التصور المنطقي وخلقت وسط هذا التقارب الظاهري تباعداً جوهرياً تنئ بنا عن الجوهر الحقيقي للإنسانية في أبسط صورها.
إن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي ألا وهو الحياة. وعلى حد قول الرائد العظيم قنسطنطين ستناسلافسكي “لا تدخل المسرح بالوحل على قدميك. اترك الغبار والأوساخ في الخارج. تحقق من ترك مخاوفك الصغيرة والمشاحنات والصعوبات البسيطة مع ملابسك الخارجية – كل الأشياء التي تدمر حياتك وتلفت انتباهك بعيدًا عن فنك – عند الباب.” عندما نعتلي خشبة المسرح فإننا نعتليها وبداخلنا حياة واحدة لإنسان واحد إلا أن هذه الحياة لديها قدرة عظيمة على الانقسام والتوالد لتتحول إلى حيوات كثيرة نبثها في هذا العالم لتدب فيه الحياة وتورق وتزدهر فقط لننتشي بعطرها مع الآخرين.
إن ما نقوم به في عالم المسرح كمؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين ومصممي كوريوجرافيا وحتى كتنقنيين وفنيين، كلنا بلا استثناء، إنما هو فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل قبل أن نعتلي خشبة المسرح. هذه الحياة تستحق يداً حانية تتعهدها وصدراً حنوناً يحتضنها وقلباً حانياً يأتلف معها وعقلاً رزيناً يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء.
ربما لا أغالي عندما أقول إن ما نقوم به على خشبة المسرح هو فعل الحياة نفسها وتوليدها من العدم كجمر مشتعل يبرق في الظلمة فيضيئ ظلمة الليل ويدفئ برودته. نحن من يمنح الحياة رونقها.. نحن من يجسدها.. نحن من يجعلها نابضة ذات معنى.. ونحن من يوفر الأسباب لفهمها. نحن من يستخدم نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف. نحن من يعتنق مذهب الحياة لتدب في هذا العالم الحياة. ونبذل من أجل ذلك من جهدنا ووقتنا وعرقنا ودموعنا ودمائنا وأعصابنا كل ما يتوجب علينا بذله من أجل تحقيق هذه الرسالة السامية مدافعين بها عن قيم الحق والخير والجمال ومؤمنين بحق أن الحياة تستحق أن تعاش.
أتحدث إليكم اليوم لا لمجرد الحديث أو حتى للاحتفال بأبي الفنون جميعاً “المسرح” في يومه العالمي وإنما لأدعوكم لتقفوا صفاً واحداً كلنا جميعاً، يداً بيد وكتفاً بكتف لننادي بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره أن ابحثوا في داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان.. الإنسان الحر السمح المحب المتعاطف الرقيق المتقبل للآخر ولتنبذوا هذه الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية في التفكير والتطرف والغلو.. لقد مشى الإنسان على هذه الأرض وتحت هذه السماء منذ آلاف السنين وسيظل يمشي فلتخرجوا قدميه من أوحال الحروب والصراعات الدموية ولتدعوه لتركها على باب المسرح لعل إنسانيتنا التي أصبح يعتريها الشك تعود مرة أخرى يقيناً قاطعاً يجعلنا جميعاً مؤهلين بحق أن نفخر بأننا بشر وبأننا جميعاً أشقاء في الإنسانية.
إنها رسالتنا نحن المسرحيون حملة مشعل التنوير منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح أن نكون في طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولا إنساني، نواجهه بكل ما هو جميل ونقي وإنساني.. نحن ولا أحد غيرنا.. نمتلك القدرة على بث الحياة.. فلنبثها معناً من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة”.

الجمعة، 13 يناير 2023

إشكالية المثاقفة المسرحية بين الغرب والشرق

مجلة الفنون المسرحية 
إشكالية المثاقفة المسرحية بين الغرب والشرق

عواد علي _ صحيفة العرب 

افتتن العديد من المسرحيين في الغرب بجماليات المسرح في الشرق وأعرافه وطقوسه، إلى جانب اهتمامهم بملاحمه وأساطيره، وتكييفها في تجارب مسرحية، وفقا لرؤى مختلفة، منذ بداية القرن العشرين. وشكّلت هذه الموروثات مصدر إلهام لهم في تجديد تجاربهم على صعيد الأداء والإخراج والتأليف، ومن ثم في تنظيراتهم التي أنتجت تيارات واتجاهات مسرحية معروفة.
تُعدّ الزيارة التي قامت بها فرقة جزيرة بالي الإندونيسية إلى أوروبا عام 1931 فاتحة اكتشاف المسرحيين الغربيين لجماليات المسرح الشرقي وحرفياته وأساليبه المرتبطة بالتراث الروحي لشعوب الشرق وفنونها الأدائية والسمعية.

وقد وصف الناقد والباحث المسرحي المغربي خالد أمين، في كتابه الجديد “المسرح والهويات الهاربة: رقص على حدّ السيف”، رحلة الغرب، مسرحيّا، صوب الشرق بأنها شكل من أشكال “مسرح المثاقفة”، تدل على التفاعل بين ثقافات مختلفة في التأثير والتأثر.
نماذج بديلة

لاحظ أن المسرح الغربي حين بدأ يعيش حالة من “العقم”، كان عليه أن يفتح نوافذه على الشرق، في لقاء مثمر بينهما من أجل بناء حداثة مسرحية غربية، وحل مشاكل أضحت كامنة في تخوم التقاليد المسرحية الغربية، وخاصة مركزيتها المنكفئة على ذاتها سنين طويلة ضمن قوالب فنية تقليدية لم تعد تؤثر في جزء مهم من الجمهور.

وضرب أمين على ذلك أمثلة بتجارب الإيرلندي وليام باتلر ييتس، والفرنسي جاك كوبو، الذي ذهب إلى فضاءات “مسرح النّو” الياباني لاقتراح دراماتورجيا جديدة، والإنجليزي جوردون كريك الذي استخدم الأقنعة الأفريقية، والنمساوي/الأميركي ماكس راينهارت الذي استلهم بعض تقاليد “مسرح الكابوكي” الياباني، في محاولته لإعادة النظر في الترتيب المسرحي البرجوازي قبل تلميذه الألماني برتولد بريشت الذي تأثر، أيضا، بجماليات الأداء الشرقية.
في محاولتها إبراز العلاقة بين الثقافة والمسرح، سبق أن فحصت الناقدة المسرحية الكندية سوزان بينيت نظرة الغرب إلى المسرح الخاص بالثقافات المغايرة، بل وافتتانه به، وبحثت في تطلّع كل من برتولد بريشت وأنتونين آرتو إلى الشرق بحثا عن نماذج بديلة لأنماط الممارسة المسرحية الغربية، مبينة أن استخدام الطقس في المسرح غير الغربي (أي الشرقي تحديدا) كان له تأثير هائل على ممارسات المسرح التجريبي في الغرب.

وبالرغم من أن العروض الطقسية برزت وتطوّرت خارج المحضن الثقافي الغربي، فقد اجتذبت، بشكل واضح، جمهوره. وتستشهد بينيت  لتوكيد ذلك بفقرة من مقال لبارت بعنوان “كيف تقضي أسبوعا في باريس” يقول فيها “لقد فتنت أيما افتتان بمسرح بونراكو للعرائس، إن الشعوب الأخرى، بوصفها الآخر المغاير، تستثير اهتمامي، ذلك لأن هذه العرائس تنتمي إلى سياق آخر ومكان آخر. ولهذا السبب وحده فإنها تثير فضولي، وتغذّيه“.

وتضيف بينيت أن ما يثير الاهتمام بهذا المسرح هو غيريّته بالنسبة للجمهور الغربي، واختلافه عمّا ألفوه، وأيضا عدم القدرة على فهمه في إطار عمليات التلقي التقليدي، إذ أن هذا الجمهور يعتمد تقليديا، كما لاحظ أيوجين باربا صاحب أنثروبولوجيا المسرح، على الكلمة، بوصفها الوسيط الوحيد الذي يمكن من خلاله تحديد معنى العرض، وهذا يفسّر، كما يقول باربا، اعتقاد المتفرج الغربي العادي بعدم قدرته على الفهم الكامل للعروض التي تتأسّس على تداخل أفعال متزامنة، ومن ثم فهو يجد صعوبة في استيعاب المنطق الذي تقوم عليه الكثير من الأنماط المسرحية الشرقية. ويعترف باربا، على العكس من بينيت، بافتتان الغرب بالمسرح الشرقي، وممّا هو شائع أيضا أن الغرب، بسبب ردة فعل تلقائية لهيمنة ثقافته، يتجاهل المسرح الشرقي، ويسوّغ تجاهله كما لو أنه يتعلق بتجارب ليست لها علاقة مباشرة به، فهي من الغرابة بحيث لا يمكن الإفادة منها، والتعرّف إليها.

وينعت باربا هذا الموقف بأنه “نظرة منحرفة هي نفسها التي تدفع إلى جعلها وكأنها شيء مثالي، ومن ثم إلى أدلجتها وتسطيحها وجعلها أحادية الجانب، أو مراقد للعبادة”.

لكنني أختلف، إلى حد ما، مع باربا في صياغة رؤيته لموقف الغرب من المسرح الشرقي، أو لعلاقته بـه، فالتجارب الكثيرة لما يعرف بـ”المسرح الطقسي” في الغرب، أو تلك التي تبنّت شكل الطقس، أو التي استعارت بعض عناصره، كما في بعض تجارب المخرج البولوني تاديوز كانتور، وغروتوفسكي، وبيتر بروك، ومايرهولد، وأورليان لونييه بو (مخرج سويسري)، وبريشت، وباربا نفسه، قد كان المسرح الشرقي مصدرا أساسيا لجمالياتها واستلهاماتها.
لكن إفادة المسرح الغربي من الجانب الجوهري في المسرح الشرقي، أو من طقوسه، والرؤية التي استند إليها في استلهاماته منها، أمران يمنحان باربا بعض الحق في وصفه لنظرة الغرب إلى المسرح الشرقي بأنها “نظرة منحرفة”.

إن الجمهور الغربي لا يستطيع، حسب بينيت، تقبل المسرح غير الغربي إلاّ إذا قُدّم له في سياق مسرحي غربي يقوم على الفضاء المسرحي التقليدي، والحدود المكانية الفاصلة بين الجمهور والخشبة، ومواضعات الإضاءة، وغيرها من العناصر.

وترى أن ذلك يدلّ على أهمية المؤسسة المسرحية في عملية فهم الجمهور واستيعابه للمسرح، ويؤكّد أهمية العناصر الحركية المرئية للعرض المسرحي، ويشير إلى ضرورة تقليل الاهتمام بالنص الدرامي.

لكن بينيت تهمل أسبابا أساسية أخرى لذلك تتصل بطبيعة الثقافة الغربية المتمركزة حول ذاتها، أو أنموذجها المشبع بأيديولوجيا التفوّق الثقافي التي تتمظهر في أنماط عديدة من المواقف والممارسات والتعبيرات النرجسية.

إذا كانت هذه حال الجمهور الغربي مع المسرح الآخر غير الغربي، فإن الفرق المسرحية الغربية، حينما تسعى إلى إنتاج العروض المسرحية النابعة من ثقافة مغايرة، وتقديمها، بعد تطعيمها بدوال وشفرات ثقافية غربية، تنتهي حتما إلى خلق منتج ثقافي مختلف.

وقد يؤدّي تغريب تلك العروض (نسبة إلى الغرب لا إلى مفهوم بريشت) إلى إيجاد نمط مسرحي بمقدور الجمهور الغربي فهمه، لكنه سيفضي، أيضا، إلى تقديم دلالات غريبة على جمهور الثقافة الأصلية، الذي تعود إليه مادة العرض، كما يستعصي على فهمه.
فضاء ذكوري
تضرب بينيت مثلا على ذلك بتجربة للمخرج الأميركي فيكتور تيرنر، في سعيه إلى صياغة الطقوس الخاصة بقرية اسمها “نديمبو” صياغة مسرحية، بالاشتراك مع فرقة ريتشارد ششنر. فالمعروف أن السياق الاجتماعي لثقافة هذه القرية هو سياق أمومي، ولكي يتمكّن الممثلون من إيصال هذا السياق مسرحيا قاموا بعمل بروفات تقوم على فن الباليه اعتمدت على وجود إطار عام قدّمته الممثلات بأجسادهنّ، وفي داخل هذا الإطار كان يُقدّم الفعل الدرامي (والسياسي) الذكوري، في حين أن الفكرة كانت تهدف إلى إظهار أن الفعل الدرامي يجري من خلال فضاء اجتماعي أمومي.

ويعلق تيرنر على ذلك قائلا “لم تؤت هذه الطريقة، إلى حد ما، أثرها لأنها انطوت على توجّه سياسي معاصر أفقد العملية الاجتماعية الثقافية الخاصة بقرية نديمبو طبيعتها المميزة. إن التوجه النسوي الخاص بمسرحة معطيات الإثنوغرافيا يقوم على مفاهيم أيديولوجية حديثة لا تمت بصلة إلى السياق الثقافي لقرية مثل قرية نديمبو”.
أخلاقيات العرض  
في هذا الصدد، أيضا، تشير بينيت إلى محاولات بيتر بروك في الكشف عن العديد من المشكلات الخاصة بالعروض التي تقوم على التقاء الثقافات وتمازجها، وكذلك إلى تجربة غروتوفسكي الذي سعى مسرحه، المسمى بمسرح الأصول والدراما الموضوعية، إلى إيجاد أواصر للتعاقب مع علماء الأنثروبولوجيا، والاجتماع، والسلوكيين، وغيرهم، بهدف جعل الممارسات الطقوسية ذات منحى موضوعي.

إذا كانت بينيت ترى أن استثمار هؤلاء المسرحيين الغربيين لما تسميه بالممارسات الطقوسية يشكل نوعا من التقاء الثقافات وتمازجها، أو أنه يهدف إلى جعلها ذات منحى موضوعي، فإن ثمة رؤية نقدية شرقية مغايرة تماما لرؤيتها تتمثل في طروحات الناقد الهندي روستم بهاروشا، من خلال تفكيكه لأعمال هؤلاء المسرحيين المستندة إلى التراث الشرقي، وتركيزه على ما يسميه بـ”أخلاقيات العرض” التي تكمن وراء أي تبادل ثقافي، والعلاقات الاجتماعية التي تؤسّسه، فهو يرى أن الاتجاه السائد في إنتاج تلك الأعمال يفصل بين التاريخ الشرقي والحضارة الشرقية بأساليب تخفي تحت قشرتها الخارجية نزعات مركزية غربية، واستشراقية براغماتية.

ومن بين الأمثلة على ذلك، حسب بهاروشا، إنتاج بيتر بروك لملحمة “المهابهاراتا” الهندية الشهيرة، فقد وصم الثقافة الهندية بالتفاهة في عرضه للأساطير والملاحم، وخفّض من قيمة الفلسفة الهندوسية بطرح ملاحظات معروفة سلفا، تعتمد على بناء أوروبي مركزي للأحداث وللتمثيل صمّم خصيصا للجماهير العالمية.

ورأى بهاروشا أن بروك تعامل مع هذه الملحمة الروحية بطريقة حولتها إلى حلل وأثاث، وقام بتجريدها من تاريخها حتى يمكنه بيعها لجمهوره في الغرب، في حين أنها، بالنسبة للشعب الهندي، تُعدّ المصدر الجوهري للمعرفة في تراثه الأدبي، ففيها الرقص، والرسم، والنحت، واللاهوت، والدين، وفن الحكم، وعلم الاجتماع، والاقتصاد. وباختصار إنها تاريخه بكل غزارته وتفاصيله.

الثلاثاء، 10 يناير 2023

كيف نظر ماركس لـ"ماكبث" شكسبير في نص حول ضرورة الشر وإنسانيته؟

مجلة الفنون المسرحية

السبت، 24 ديسمبر 2022

عدالة المقارنة بين مسرح القرن العشرين والمسرح الاغريقي

مجلة الفنون المسرحية


عدالة المقارنة بين مسرح القرن العشرين والمسرح الاغريقي

الباحث : مجيد عبد الواحد النجار

لو قمنا بمراجعة بسيطة على كل الاختراعات والاكتشافات والنظريات لوجدنا ان اصحابها لحد الان تُذكر اسمائهم كمخترعين، او كمكتشفين او اصحاب نظريات، ولا يذكر اسم مطور هذه الفكرة او تلك النظرية انه صاحب نظرية جديدة ، ويخالف النظرية او الاختراع القديم، بل يعتبر نفسه امتداد لها، فلا زال اسم(بليز باسكال) يذكر مع ذكر الحاسبة الرقمية التي اخترعها عام 1642م، رغم كل التطورات الحاصلة عليها في الحجم والتقنية، وكذلك مخترع الحاسوب.
 وحتى لا نذهب بعيدا، ففي مجال السينما، لا يزال الاخوين (فلومير) يتداول اسميهما كل ما ذكرت السينما، ولم يسمى باسم من طور واكتشف فيما بعد الاضافات التقنية والفنية، فلم نجد سينما باسم مكتشف اللون مثلا، او مكتشف المونتاج، او سينما باسم من ادخل القصة في السينما لأول مرة، ولا نجد احد قد اختلف من سبقوه كونهم أخطأوا في تأسيس السينما او انها مخالفة للواقع، رغم ان السينما من بدايتها حتى نهايتها ايهام في ايهام، كل ما يعرض على الشاشة هي صور متتالية لا غير، والصوت ينبعث من اجهزة في جانب شاشة العرض، نعم هناك انواع في السينما ، ولكن هذه الانواع لها اشتراطات خاصة، كون السينما تعتمد على طرق عرض مختلفة، وطرق انتاج مختلفة.
لكن ما نشاهده في المسرح شيء مختلف تماما، حيث هناك العشرات من انواع المسارح ، وكل هذه الانواع لم تغير من اساسيات وجود المسرح الثلاث(مخرج – ممثل- جمهور) هذا المثلث الاساسي في المسرح الذي استقر فيما بعد كان موجودا منذ ان طوره عباقرة الاغريق، وكل المسميات التي اتت بعد ذلك لم ولن تسطيع رفع اي ضلع من هذا المثلث، وما التسميات الموجودة ، ما هي الا سوى تغيير او تجديد في عناصر العرض المسرحي، لا في الاساسيات، لذلك ارى اذا كانت هذه المتغيرات في عناصر العرض ملزمة في تسمية مسرح، فكان من الاولى ان نسمي مسرح باسم(اسخيلوس)، الذي يعد من اهم كتاب الدراما الاغريقية وهو مؤسسها بالمعنى الفني، وهو الذي غير في اساسيات المسرح الفعلية،  بإضافته الممثل الثاني في العرض المسرحي، وكذلك من الاولى ان نسمي مسرحا باسم(سوفوكلس، ويوبيدس) لكن هؤلاء العباقرة يعلمون جيدا انهم لا يحق لهم ذلك لان (ثسبس) سبقهم في تقديم عروض مسرحية، وهو الذي لعب المثلث بمفرده، وما فعلوه هو اضافة بسيطة وطبيعية كما يعتقدون، لأنه لا شيء يبقى على حاله مادام هناك عقل يفكر ومجتمع يتطور، وهي لدينا كبيرة جدا.
كل هذا دفعني ان اناقش- أوأُكد اني أناقش، وأسال من خلال المناقشة، كما وادعو الى اعادة قراءتنا لكل شيء مرة اخرى، ولا اريد ان افند، او احتج على ما اناقشه من افكار ونظريات - ، الموجودة في الساحة الفنية والتي ارى انها  اذا كان ولا بد ان نضع لها اسما ، فلا يمكن ان نقول عنها مسرحا بل (دراما)كون التغيرات والتجديد الذي تم التنظير عليه ليس في الاساسيات بل ،(بطريقة العرض، والكتابة) وهذا جاء حتميا ومفروضا على المشتغلين في المسرح كون عقلية المشاهد تطورت ، وطريقة تفكيره تطورت ، اذن وجب ان نقدم له ، شيئا بمستوى تفكيره لكي ينسجم مع ثقافته ووعيه.
 ومن بين هذه النظريات التي وددت ان اناقشها، هي النظرية التي اشتغل عليها برتولد برخت، والذي كان هدفه منذ ان بدأ بالتفكير بمسرحة ، معاكسة ارسطو وافكاره التي جسدها في كتابه (فن الشعر) ودعى الى دراما (لا ارسطية) متهما ارسطو والذين عملوا بهذا الاتجاه بوضع الدراما في موضع بعيد عن الإنسانية ، وانحصار الدراما في عقدة واحدة وفعلا واحد، لذلك احتوت مسرحياته على اكثر من فعل واكثر من عقدة ، واهمل الشخصية الرئيسية او البطولة المطلقة في العرض ، وهنا أراد برخت توزيع هذه البطولة وهمومها على الشخصيات في العمل المسرحي الواحد(). 
من الغريب ان يتهم (برخت) (ارسطو) (بان الدراما بعيدة عن الإنسانية)، وهو القائل – ارسطو - (ان المسرح هو من ربى الشعب الاغريقي) ، ان المسرح ومنذ بدايته كان دينيا تعليميا ، خرج للاحتفاء بالإله ،وتعليم المجتمع التعاليم الدينية وقصص الانجيل في الفترة الرومانية ، حيث كان المسرح داخل الكنيسة، وهذا دليل كبير على أهمية المسرح ، ودليل أيضا على إنسانية المسرح ، ودليل على ان المسرح جاء من اجل الانسان وبدونه لا يوجد مسرح بل لا قيمته له. ومن جهة اخرى ماهو ذنب ارسطو بما قدم ، انه فقط نقل لنا ماكان يحصل، ولا دخل له بحيثيات وافكار المشتغلين في المسرح انذاك.
 اما كون (انحصار الدراما في عقدة واحدة وفعلا واحد)، هذا لأنه من البديهي ان تكون البدايات بسيطة، ولكي تكون مقبولة من الناس الذين يشاهدونها، ويتابعونها، لان الانسان يهرب من الاشياء التي لا يتقبله عقله وخصوصا اذا كانت غريبة عليه، فأننا لا ننسى كيف بدأ (ثسبس) ومن ثم ماهي الإضافات التي أتت بعده لتضع الأسس الحقيقية والصحيحة للمسرح ، ولا ننسى الدور الكبير الذي لعبه (اسخيلوس) بوضع الثوابت القيمة للمسرح والتي على أساسه اكمل سوفوكلس، ويوربيدس، علما انه لم يتم تسمية المسرح باسمهم رغم كل هذه الإضافات الحيوية والمنطقية والتي على ضوئها استمر المسرح في البناء والتطور الى ان وصل الينا بهذا الشكل الجميل ، والذي كُسرت قواعده فيما بعد من قبل الكثير قبل برخت.
 انا اعجب واتوقع يعجب مثلي الاخرين لماذا يقارن المسرح البرختي بمسرح ارسطو، ولماذا لا يقارن بالمسرح الاغريقي ، او مسرح اسخيلوس او سوفوكلس او يوربيدس، ان الفيلسوف والكاتب العبقري ارسطو 384-322 ق.م، عمل على ارشفة للمسرح الاغريقي ونقل ما كان يحدث حينها، وما وصل اليه من نصوص مسرحية، علما ان الفرق بين ولادة المسرح وولادة ارسطو اكثر من عقدين من الزمن ، وما خلفة اسخيلوس، وسوفوكلس، ويوربيدس من كتابات قليلة جدا، ولم تصل الى يد ارسطو كلها، اذا ما علمنا ان ما وصل الينا من مسرحيات اسخيلوس 525- 456ق.م،(سبعةُ) مسرحيات فقط، من مجموع (تسعون) مسرحية، ان ارسطو لم يشاهد العروض المسرحية في ذلك الزمن، زمن المثلث الاغريقي، اذن ارسطو كتب على ضوء نصوص مسرحية، اي على ضوء(الادب) وليس على ضوء عروض، وهذه اشكالية بحد ذاتها، لأنه لا يمكن تقييم العروض المسرحية، اوشرح تفاصيلها، من خلال النص الادبي او من خلال ارشادات المؤلف، كون المؤلف سابقا هو من يقوم بإخراج العمل المسرحي والتمثيل فيه في احيانا كثيرة، كما ان ارسطو لم يعلل لنا سبب ادخال اسخيلوس الممثل الثاني، وسوفكلس الى الممثل الثالث، علما ان اعمالهم المسرحية تحتوي على اكثر من هذا العدد بكثير، كما ان كتابه فن الشعر كان حول الخطابة والشعر، ومعالجة مسائل شعر التراجيديا، كما تعرض لكيفية تأليف التراجيديا، وملامحها. 
ارى من المنطق والمعقول ان نقارن المسرح البرختي بمسارح ما بعد القرن السابع عشر والمتغيرات التي حدثت ، لا مع المسرح الاغريقي وبداياته التي كانت متفقة اتفاقا كليا مع عقلية وفهم الانسان الاغريقي آنذاك. فمن البديهي ان نقارن مسرح مغلق، بمسرح مغلق، لا مع مسرح مفتوح، وارى ايضا ان تسمية مسرح(كذا) يجب ان تبدل الى دراما(كذا)، لان المسرح لا يمكن ان نغير اصوله الأولية فهي ثابتة مع كل المتغيرات التي تحصل لعناصر العرض المسرحي. 
لقد مر المسرح الاغريقي بمراحل عديده من التطور، من ناحية النص، والعرض، والتمثيل، والاخراج، نعم كانت البدايات بسيطة ، وكانت غريبة على المجتمع الاغريقي، ولم يكن في بادئ الامر التفاعل مع ثسبس، وهذا بديهي،  لكنه لم يتوقف في مكان واحد وفي حي واحد فراح يتجول بين احياء وازقة اثنا، وشوارعها لحين ما فُهم ما كان يقدمه على عربته، وهكذا بدأ الشعب الاغريقي /الجمهور يتفاعل مع ما يقدم، لذلك نقل نشاطه الى اثنا واسقر بها حوالي عام 560ق.م، وأصبحت هناك مسابقات ومهرجانات للمسرح، وتطور فن كتابة النصوص التي كانت تكتب بالشعر طبعاً، الشعر الذي كان سائدا ومحبوبا لدى الاغريق، تطورت الكتابة واخذ الكاتب الاغريقي يستعين بالملاحم، والاساطير، بدا مكان العرض يتسع، وتم اختيار اماكن يتمكن من خلالها الجمهور الاثني من مشاهدة العروض المسرحية بطرقة افضل من سابقتها، حيث المدرجات التي سهلت له رؤية الممثلين، وسماع صوتهم بيسر، وكانت معمارية المسرح عام 550-500ق.م كانت عبارة عن مسرح مفتوح ، بعدها أُدخل للعرض المسرحي عدة ممثلين، وكان هناك مدير للمسرح ثم مخرجا له، كل هذه المراحل اخذت زمناً طويلا ، المهم ان المسرح لم يقف في مكان نشأته، بل سعى القائمون علية من اجل التطور والتوسعة، وهذا كله بفضل دعم المشاهدين الذين اصبحوا يستحقون كل هذا التطور. 
اذن من المفرض على كل المعنيين في شؤون المسرح ان ينصفوا المسرح الاغريقي ونشأته، وانا واثق انهم يحترمون هذا النشأة، ولكن ما ادعو له ان لا تكون مقارنة مسرح القرن العشرين بنشأة المسرح وبداياته، لان فيه الكثير من الغبن وعدم الانصاف، لماذا؟ لان المسرح الحالي هو مسرح العلبة كما يتفق علية الجميع، بينما في السابق كانت العروض في الهواء الطلق، وكان النص يتماشى مع الاثينيين في حينها، وكان الممثل واحد ، يستعين في الاقنعة، وكانت اضاءة العرض المسرحي تعتمد على الشمس، لذلك كان وقت العروض يحدد في النهار وكانت تستغرق يوما كاملا، لا يمكن مقارنتها بعروض اليوم التي يُستخدم للعرض الواحد مختلف الانواع من اجهزة الاضاءة والمؤثرات، ومختلف الالوان التي اصبحت لها دورا كبيرا في سيميائيات العرض المسرحي، ويوجد مهندس ومنفذ للإضاءة وعاملين، وكان الممثل يعتمد على صوته الجهور، وكان يعتمد عليه اعتمادا كليا في ايصال مادة الشعر ومبثوثاته للجمهور، كونه في فضاء مفتوح، وهذا الفضاء قد يتعرض في احيانا كثيرة لتقلبات الجو، اما اليوم في مسرح (العلبة الايطالية)، التي تحتوي على العديد من اجهزة الصوت واحدث تقنياته، وكذلك عازل الصوت، والحواجز، التي تمنع من دخول الصوت من الخارج او العكس، وهناك امور كثيرة تمنعنا من مقارنة مسرح القرن العشرين الميلادي بمسرح القرن الخامس قبل الميلاد، ليس هناك تشابه او اتفاق سوى في الاساسيات ( مخرج، ممثل، مسرح)، والمسرح ، معروف للجميع ، هو المكان الذي يتم فيه العرض، اي مكان الفعل ، مكان(الجريمة)مكان(القتال)، وليس المقصود بالمسرح ذلك البناء الذي شيد بطريقة حديثة.
اذن ما اريد قوله، ان مسرح القرن العشرين اذا شأنا مقارنته ومعرفة التجديدات او النظريات الجديدة، علينا ان نقارنه بمسرح العلبة الايطالية، نقارنه في البدايات التي دخل العرض المسرحي الى القاعات، واستخدمت فيه الاضاءة الاصطناعية، والمكياج الاصطناعي، وقد كان للتخصص دورا كبيرا، حيث المؤلف ثم المخرج والممثلين، وهذا موجود في مسرح القرن العشرين، وقد دخل بعد ذلك (الدراماتورج) و(السينوغرافي).ولكي يكون منطقيا عندما نقول ان المخرج كسر الجدار الرابع في المسرح، لان المسرح الاغريقي لا يوجد فيه جدار اصلا ، كونه مسرحا مفتوحا، واستمر هذا المسرح حتى الثورة الايطالية، بعد ان عملوا المهندسون المثقفون الى ادخل المسرح الى القصور لكي يشاهده الملوك البرجوازيين.
 هنا ستكون المقارنة عادله، وهنا يمكن ان نعرف حجم النظرية الجديدة ، وما هو الجديد فيها، وهنا تكون العدالة عندما نعمل مقارنة بين ما قُدم في القرن العشرين الميلادي والقرن السابع عشر او الثامن عشر الميلادي، لان المقارنة ستكون عادلة بسبب وجود نفس العناصر على خشبة المسرح او قد تختلف قليلا، المهم انها افضل بكثير من مقارنتها بمسرح تكون المسافة بينهم اكثر من (سبعة عشر)عاما، حيث كانت بداية المسرح الاغريقي حوالي عام 490ق.م، حيث تم عرض مسرحية(الضارعات) لاسخيلوس، لقد خضعت تلك الفترة الزمنية الى التقلبات، ومؤثرات اقتصادية وسياسية، واجتماعية عديدة، كما وليس من العدالة ان نقارن المسرح(المغلق) بالمسرح(المفتوح)لانهما يختلفان في اسلوب الكتابة والعرض والتمثيل، واستخدام التقنيات.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption